الخلاصة


الحقيقة المجردة في هذا الأمر وقف عليها هي التي كتبها العالم الدكتور طه باقر عندما تحدث عن انتشار هذه الأسطورة المسماة بملحمة جلجامش :

وسيقف القاريء بنفسه على مدى الشبه العظيم بين روايات الطوفان لدي الأمم القديمة ، وأطولها وأسهبها ما ورد في التوراة ، وبين رواية الملحمة لهذا الحدث الذي أثر في عقول ابناء الحضارات القديمة فاقتبست اخباره ورواياته من ادب حضارة وادي الرافدين ، والذي نعتقده بصدد هذا الطوفان ، انه كان في الأصل حادثة تاريخية واقعية حدثت في طيات الماضي البعيد ، وكانت من جسامة التأثير وفداحته انها تركت اثرا بليغاً في عقول الاجيال المختلفة فتناقلتها بالرويات الشفوية فتشوهت تفاصيلها التأريخية ، وبالنظر لأوجه الشبه الكثيرة بين رواية الطوفان في ملحمة جلجامش وبين رواية التوراة فاننا نعتقد ان كلتا الروايتين ترجع الي حادثة واحدة ، وان هذه الحادثة وقعت في العراق القديم ، ولا سيما في القسم الجنوبي منه ، اي في السهل الرسوبي ، وان زمنها يرجع إلى نهاية العهد المسمى في تأريخ حضارة وادي الرافدين باسم جمدة نصر في حدور 3200 ق م والي اوائل العصر الحضاري المسمى بعضر فجر السلالات في حدود بداية الالف الثالث ق م . [12]

فهذه هي الحقيقة التي لا تقبل أي شكوك .
فملحمة جلجامش هي قصة أسطورية من وحي الخيال ، استمدت من قصة حقيقة هي قصة سيدنا نوح عليه السلام التي كانت قبلها بكثير من الزمان .
فلما كان من قصة سيدنا نوح والطوفان من احداث وعبر عظيمة ، ظلت هذه القصة عالقة في ذهن العالم الجديد بعد الطوفان تتناقل بينهم كموروث شعبي على هيئة تقليد الشفوي بين العصور .
فتأتي ملحمة جلجامش وغيرها في الاقتباس منها ، ولكن للأسف الكتاب المقدس يشهد على نفسه بالتحريف وبعدم المصداقية مرة أخرى .
فيضرب بالتاريخ عرض الحائط ، ويصور أن نوحاً عليه السلام قد أتى بعد جلجامش هذا ، والوقوف بين رحي النتيجة القاسية التي لا تعطي مفر من اقتباس قصة الطوفان من هذه الملحمة .
فمن يصر على أن الكتاب المقدس صحيحاً ، فلا بد وأن يسلم أنه قد حدث على هذه الأرض طوفانان ، أو أن الكتاب المقدس قد نقل عن جلجامش .
ومن أراد ان يلتزم حكم العقل المنطقي وأن يرجع للحقائق التاريخية والعلمية فلا دليل أكبر من هذا على أن الكتاب المقدس هو كتاب بشري من وحي الخيال ولا يمت للوحي الإلهي بصلة اللهم سوى البصيص .


_____________________________

[12] دكتور طه باقر : ملحمة جلجامش أوديسة العراق الخالدة . ص 15 .