القمنى بلبوصًا - فضح مخازى القمنى فى كتاب: الحزب الهاشمى

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

الرد على شبهة اختلاف الفرش و الرسم في المصاحف العثمانية » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | مقارنة بسيطة : بين كلمة ((الرب)) و بين كلمة ((الإنسان))!! » آخر مشاركة: نيو | == == | ((المرأة = خنزيرة))....طبقا للكتاب المقدس!!!!! » آخر مشاركة: نيو | == == | موثق: إثبات حديث لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً » آخر مشاركة: نيو | == == | السلام عليكم أحبابي في الله شبهة نصرانية والرد عليها: يزعمون النصاري أنه فى سورة الزخرف الله سيورث المؤمنين الجنة! ومن اهم شروط الورث التأكد من موت ص » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | أنا معكم كل الايام الى انقضاءالدهــــر= انا معكم زمانا قليــــــلا بعد. كل الايام الى انقضاءالدهر= زمانا قليلا بعد=زمانا يسيرا حتي رفعه للسماء . انقض » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | حقا انها فاجعة وطامة كبرى ان يدخلو كتب التراث والتاريخ وسد قصص الاولين ويعتبروه كلام مقدس ومن خلال هذا المفهوم يتم الطعن في هذا الكتاب ككل فلو فصل هذا » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | ___يسوع أكول و مدمن خمر___ ___يَسُوعُ صِاَنِعْ الْخَمْرُ___ يوحنا[2]3وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ:«لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | المسيح يسوع لم يموت اصلا لان مافي شهود علي انه كان في القبر حيا ولا ميتا......لان مريم المجدليه اتت والقبر مغلق وعليه الحراس وعليه الحجر ولما فتحه الم » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == | نسف العقيدة المسيحية ! يقولون المسيح هو الذبيحة الكبرى التي ألغت ذبائح العهد القديم مع انها كانت للخطايا السهو فقط إلا أن المفاجأة هنا أن الذبائح لم ت » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

القمنى بلبوصًا - فضح مخازى القمنى فى كتاب: الحزب الهاشمى

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: القمنى بلبوصًا - فضح مخازى القمنى فى كتاب: الحزب الهاشمى

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    2,584
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    18-08-2023
    على الساعة
    03:23 PM

    القمنى بلبوصًا - فضح مخازى القمنى فى كتاب: الحزب الهاشمى

    د. إبراهيم عوض

    كنت قد كتبت مقالا منذ عدة سنوات بعنوان "اعتزال سيد القمنى" تعرضت فيه، ضمن موضوعات أخرى، إلى موضوع الدكتورية التى ينتحلها القمنى، ويشكك ناس كثيرون فى حصوله عليها من الأساس، وقلت آنذاك: "إن الكرة الآن فى ملعب سيد القمنى، ومن ثم فبيده إذا أراد أن يضع حدا لهذا اللغط وذلك الاختلاف، إن لم يكن من أجل تبرئة ساحته والنَّأْى بسمعته عن أن تكون محلا للتشكيك من قِبَل المخالفين أو للمزايدة من جانب المشايعين، فعلى الأقل من أجل تجلية الحقيقة، تلك الحقيقة التى يعلن دائما أنه إنما يتجشم ما يتجشم فى الكتب التى تحمل اسمه من أجل إظهارها! فهل تراه يفعل وينهى هذا الخلاف الذى أذكر أنه قد ثار من قبل منذ وقت غير قريب، ولم يحاول من يومها فى حدود علمى أن يحسمه، مع أن حسمه فى منتهى السهولة، إذ كل ما هو مطلوب منه أن يحدد القسم والكلية والجامعة التى درس فيها وحصل منها على درجة الدكتوراه، والموضوع الذى كتب فيه رسالته، والمشرف الذى كان يدرس على يديه طوال تلك الفترة، والمكتبة الجامعية التى يمكن المتشككين أن يراجعوها ليَرَوْا نسخ الرسالة التى حصل بها على الدرجة المذكورة، والتاريخ الذى تم فيه ذلك، والزملاء الذين كانوا يدرسون معه تحت توجيه المشرف ذاته، ومدى أهلية الجامعة التى حصل منها على الدكتوراه لإعطاء مثل تلك الشهادة إن كان حقًّا وصدقًا قد حصل عليها، ولماذا لم يطبع رسالته حتى الآن يا ترى؟ بل لماذا لا نرى له مؤلَّفا واحدا فى تخصصه، وهو الفلسفة، فى الوقت الذى نرى عدة مؤلفات (لا عشرات كما يزعمون) تحمل اسمه، كلُّها فى الإسلاميات، وهى ليست من تخصصه ولا هو منها فى شىء؟... مما يستطيع أن يجُبّ به عن نفسه الغِيبَة ويُلْقِم المتَّهِمين له حجرا يُسْكِتهم بل يُخْرِسهم، وفى نفس الوقت يريح ضمائر الباحثين عن الحق والحقيقة، ولا شىء غير الحق والحقيقة؟
    إن الأمر، كما نرى، فى منتهى السهولة واليسر، ولا يحتاج لوقت أو جهد أو بحث أو مال أو أى شىء آخر سوى أن يجيب سيد القمنى على الأسئلة السالفة، وكان الله يحب المحسنين! وبغير ذلك فللقارئ الحق فى تصديق اتهام المتَّهِمين للقمنى بأنه لم يحصل على الدكتوراه على الأقل، وبخاصة أنه من غير المفهوم أن يبقى عبقرى مثله خارج الجامعة دون أن يحاول على أهون تقدير أن يتقدم لشَغْل وظيفة مدرس فى إحدى الجامعات المصرية مادام حاصلا على جواز المرور الذى يخوِّل له العبور من بوابة الجامعة إلى حيث يكون دكتورا فيها بدل بقائه دون شغل ثابت فيما أفهم طوال هذا الوقت، أو على الأقل: فى وظيفة أقل مستوى من شهادته وخبرته! والطريف أن سيد القمنى يكتب تحت اسمه فى بعض المواقع أنه "باحث أنثروبولوجى وأستاذ جامعى من مصر". فأما "باحث أنثروبولوجى" فنفوّتها له، لكن متى كان سيادته أستاذا فى الجامعة؟ ليس الأستاذ الجامعى بالتمنى، ولكن ما وقر فى كشوف أعضاء هيئة التدريس، وصدّقه دخول المحاضرات وقبض المرتبات".
    وبعدها بعدة سنوات تناول د. قاسم عبده قاسم، فى خبر منشور فى 25/ 7/ 2009م بجريدة "المصريون" الضوئية عنوانه: "قاسم عبده قاسم: على مسؤوليتي الشخصية القمني لا يحمل الدكتوراة"، ذات النقاط التى لمستها فى مقالى فقال إن حالة سيد القمني حالة مزورة بالكامل. مؤكدا في شهادته لـ"المصريون" أن القمني لا يحمل شهادة الدكتوراة. وأضاف بلهجة حاسمة قوله: هذا الكلام على مسؤوليتي الشخصية: القمني ليس حاصلا على الدكتوراة. ثم استمر يقول: أتحدى القمني ومن رشحوه ومن منحوه الجائزة أن يظهروا للناس شهادة الدكتوراة التي يزعمون أنه يحملها. هذا نموذج للتزوير في أفحش صوره، وما يدعيه من حصوله على الدكتوراة محض كذب وانتحال. هذا نموذج للتزوير في أفحش صوره وما يدعيه من حصوله على الدكتوراة محض كذب وانتحال. وقال قاسم الذي يحظى باحترام واسع في أوساط النخبة المصرية إنه التقى قبل سنوات بالقمني وسأله عن حكاية الدكتوراة التي يحملها، وعن أساتذته ومن الذي أشرف على رسالته ومن الذين ناقشوه فيها وما هو موضوعها، فهرب منه. ثم ظهر بعدها بسنوات يروج أنه حصل عليها من جامعة أجنبية. وأضاف قاسم بأن ما ينشره القمني عن التاريخ الإسلامي أو التاريخ القديم لا يمت بصلة للعلم ولا للمنهج ولا للأمانة، مجرد زيف وتهريج حسب قوله.
    وبعدها ببضعة أيام ليس غير (فى 1/ 8/ 2009م على وجه التحديد) نشرت "المصريون" خبرا يحسم المسألة ويؤكد أن شهادة الدكتورية التى مع القمنى يمكنه أن يبلها ويشرب ماءها: قبل تغيير الريق أو بعده، لا يهم! وهذا نص الخبر، وهو بعنوان "القمني اشترى دكتوراه بمائتي دولار من مكتب محترف تزوير شهادات": "في تتابع مخيف لفضيحة التزوير الذي تتستر عليه وزارة الثقافة المصرية والمجلس الأعلى للثقافة فيما يخص الجائزة التي منحوها لسيد محمود القمني مدرس الثانوي، وادعاء القمني والوزير والمجلس بأنه حاصل على دكتوراة في فلسفة الأديان، تم الكشف عن أن القمني متورط في جريمة تزوير خطيرة تمثلت في إقدامه على شراء شهادة دكتوراة مزورة من مكتب أمريكي محترف في تجارة الشهادات المزورة بجميع صورها ودرجاتها مقابل مائتي دولار.
    وكانت السلطات الأمريكية قد ألقت القبض على أصحاب هذا المكتب الذي أطلقوا عليه اسم "جامعة كاليفورنيا الجنوبية" وتم تقديمهم للعدالة حيث قضت محكمة نورث كارولينا بسجن أصحابه خمس سنوات في واقعة اعتبرتها المصادر الجامعية أكبر جريمة تزوير في تاريخ الجامعات الأمريكية. وبناء عليه قررت السلطات الأمريكية طرد أي موظف أمريكي تم تعيينه بموجب شهادات مستخرجه من هذا المكتب مكتفية بهذه العقوبة له على مشاركته في جريمة التزوير، وهو ما نتمنى أن تحذو حذوه الحكومة المصرية بسحب الجائزة التي منحها فاروق حسني وزير الثقافة لسيد القمني بوصفها تأسست على معلومات مضللة وأوراق مزورة، كأقل عقوبة يمكن أن يواجهها بنفس التهمة.
    وكان بداية الخيط في الفضيحة الجديدة حوار اكتشفناه صدفة نشره القمني في صحيفة "القبس" الكويتية ذكر فيه أنه حصل على درجة الدكتوراة بالمراسلة من جامعة كاليفورنيا الجنوبية عام 1983 عن كتاب اسمه: "رب الثورة أوزوريس". وكان هذا الادعاء شديد الفجاجة والغرابة وبعيدا عن المنطق، لأنه في ذلك التاريخ لم يكن هناك خدمات الإنترنت التي تتيح إنجاز رسائل علمية بالمراسلة مع أمريكا، حيث تكون الرسالة البريدية العادية تحتاج أسابيع لكي تصل، وأشهرا لكي يتم الرد عليها، فكيف برسالة دكتوراة يتم النقاش فيها والأخذ والرد والتعديل وخلافه؟
    هذه هي الملاحظة الأولى التي كشفت الكذب والتزوير. ثم إن رسالة الدكتوراة المقدمة لجامعة أمريكية كيف يمكن أن تقدم هناك وتتم مناقشتها ودراستها، وهي باللغة العربية من غير نص إنجليزي؟ هذه هي الثانية. وكان ذلك دافعنا إلى تقصي الحقيقة من خلال المؤسسات الأمريكية المعنية بالأمر. وعندما بدأنا البحث عن تاريخ التعليم بالمراسلة في الولايات المتحدة وجدنا أن المرجع رقم واحد في العالم في هذا الموضوع هو كتاب يتضمن قائمة بالجامعات المزورة في الولايات المتحدة منذ نهاية السبعينات. لم تكن مفاجأة لنا أن نجد اسم الجامعة العريقة التي تخرج منها هذا القمني في هذه القائمة وتحت اسم الجامعة مكتوب بالنص أن أصحاب الجامعة تم محاكتمهم و سجنهم خمس سنوات لبيعهم شهادات جامعية من كل الأنواع مقابل ٢٠٠ دولار فأكثر.
    ولم تكن هذه مجرد جريمة تزوير كما في أي جامعة، بل كانت طبقا للكتاب أكبر جريمة تزوير في تاريخ الجامعات الأمريكية. وتمت المحاكمة في محكمة نورث كارولينا في أكتوبر ١٩٨٧. وطبقا لوزارة التعليم الأمريكية فإن كل الدرجات الممنوحة من أي جامعة مزوره تعتبر لاغية لكون الحاصلين على هذه الشهادات لم يقوموا بالدراسة بالإضافه لمشاركتهم في عملية التزوير ويتم الاكتفاء بطردهم من وظائفهم".
    ولم يكتف القمنى بهذا، بل دلس مرة أخرى زاعما أنه قد عادل شهادته المزيفة من المجلس الأعلى للجامعات فى مصر، فما كان من المسؤولين فى المجلس إلا أن كذبوه فى أصل وجهه الذى لا يعرف الحياء. وهذا ما ذكرته جريدة "المصريون" الضوئية فى عددها الصادر فى 5/ 8/ 2009م فى هذا الصدد: "صرح مصدر رفيع في وزارة التعليم العالي للمصريون بأن ادعاءات سيد القمني بأنه حصل على معادلة لشهادته المزورة من المجلس الأعلى للجامعات محض خيال فاسد، كما أن المعلومات والوثيقة المنشورة في مقاله بصحيفة المصري اليوم مغلوطة تماما، ولا تتصل بشهادته العلمية، وإنما هي إفادة عامة من المجلس الأعلى للجامعات تقدَّم لأي مواطن ولا تصدر باسم طالب الإفادة توضح لوائح أو قرارات كأصول عامة للتعامل، والوثيقة المنشورة توضح قرار المجلس الأعلى للجامعات المصرية في العام 1965 بقبول معادلة الشهادات من الجامعات الأمريكية، وأن جامعة جنوب كاليفورنيا من الجامعات المعترف بها، وهي غير الجامعة التي قال أنه حصل على شهادته منها. ولا تصدر الإفادة بأسماء، ويمكن لأي مواطن عادي أن يطلب توضيحا مماثلا عن أي جامعة في العالم بعد سداد الرسوم المقررة. وأضاف المصدر أنه من المحال عقلا أن يتقدم طالب لمعادلة شهادته ودفع الرسوم المطلوبة في يوم 11/5/1987 ويتم صدور شهادة المعادلة بعد ثلاثة أيام فقط في 14/5/1987، فهذا كلام شديد الغرابة والخيال، لأن إجراءات المعادلة دقيقة وتستغرق من شهرين كحد أدنى إلى ستة أشهر، حيث يتم دفع الرسوم المقررة، ثم تقديم نسخة من الرسالة الأصلية وبيان بالمقررات الدراسية التي درسها الطالب، وتقدم إلى لجنة المعادلات بالمجلس الأعلى التي تضم ممثلا لكل جامعة من الجامعات المصرية وتقوم لجنة المعادلات بإرسال هذه الوثائق شاملة الرسالة إلى إحدى الكليات المناظرة، وتحيل الكلية هذا الملف إلى أستاذ من الأساتذة في مادة تخصصه ويكتب تقريرا يرد إلى اللجنة وتأخذ به اللجنة، ويسبق ذلك التأكد من صدقية الوثائق المقدمة. وفي حالة كهذه لا بد من وجود ختم السفارة المصرية في واشنطن على الشهادة المقدمة، وكذلك ختم للجامعة الأمريكية والمستشار الثقافي المصري في واشنطن. وأكد المصدر أن تقارير لجان المعادلات لا تزال وتظل "محفوظة"، ويمكن الاطلاع عليها في كل وقت. ولكل حالة رقم وتاريخ في دفاتر معروفة. ويصدر القرار باسم وزير التعليم سابقا أو التعليم العالي حاليا بوصفه رئيس المجلس الأعلى للجامعات، وينشر في الوقائع المصرية، وهذا كله ما لم يحدث مطلقا مع حالة سيد القمني".
    لكن المسألة لما تتم فصولا بهذا التطور، إذ اعترف القمنى، بعدما ضاقت فى وجهه السبل وسدت الأبواب والنوافذ بأن شهادته مزورة، إلا أنه ككل مزور فاسد الضمير أراد أن يتبرأ من الجريمة فقال إنه هو نفسه قد غُرِّر به، إذ كان لا يعلم أن الجامعة التى أعطته الدكتورية هى جامعة مزورة. فما كان من جمال سلطان إلا أن كتب ساخرا فى جريدة "المصريون" الضوئية يوم الخامس من أغسطس 2009م ساخرا من هذا الكلام الأبله الذى يظن صاحبه المدلس أنه يجوز فى العقول:
    "قُضِيَ الأمر، واعترف المزور بجريمته علنا وعلى رؤوس الأشهاد، ولم يعد هناك مجال للمماحكة أو الجدال بعد الاعترافات الخطيرة التي قدمها سيد القمني بخط يده ونشرتها صحيفة "المصري اليوم" أمس، والتي أقر فيها بأن شهادة الدكتوراة التي ادعى أنه حصل عليها من الولايات المتحدة بالمراسلة هي شهادة مزورة، وأنه "غُرِّر به" (يا عيني!) ولم يكن يدرك الفارق بين الجامعة الحقيقية والجامعة الوهمية نظرا لأن وسائل الاتصال وقتها لم تكن متقدمة بشكل كاف. وأحنى "المزور" رأسه للمرة الأولى أمام صحيفة "المصريون"، واعترف بفضلها في تتبع خيوط جريمة التزوير، وادعى أنه لم يكن يعلم بالتزوير حتى قامت صحيفة "المصريون" بالبحث والتقصي واكتشفت الجريمة. والحمد لله ذي المنة والجلال والعظمة والجبروت، الذي جعل من اتهمنا بالكذب ورمانا بالباطل أن يعترف علنا وعلى رؤوس الأشهاد بفضلنا، ويأتي بهذا المغرور المتعجرف بذيء اللسان صاغرا محني الرأس ذليل الموقف أمام الصحيفة التي ضبطته متلبسا بالجريمة. وأصبح الرأي العام المصري أمام مشهد هزلي مهين لمصر الدولة والثقافة والأخلاق. فقد ورط فاروق حسني الدولة المصرية في منح جائزتها الرفيعة إلى مجرم مزور محترف باع ضميره واشترى شهادة مزيفة للدكتوراة تسلل بها إلى الحياة العلمية وإلى مؤسسات الدولة لكي ينال أرفع جوائزها.
    والطريف أن القمني، في اعترافاته التي انتظر عشرة أيام كاملة لكي يدبجها بتمهيد طويل عريض لتشتيت ذهن القارئ عن صلب اعترافاته، أراد أن يمهد لاعترافه بتحقيره للجامعات المصرية حيث ادعى أنه أراد أن يحصل على الدكتوراة من جامعة عالمية كبيرة تتيح له العمل في جامعات أوربا، وأنه وجد أن الجامعات المصرية غير معترف بها دوليا، بينما هذا الأفاق المزور كان أول شيء فعله بعد أن اشترى الشهادة المزيفة أن جاء إلى القاهرة وقدمها للمجلس الأعلى للجامعات من أجل أن يعادلها له بشهادة مصرية. فإذا كانت الجامعات المصرية تافهة وغير معترف بها لماذا هرولت بشهادتك المضروبة لكي تعادلها بشهادة مصرية أيها الأفاق؟ وهي كلها تناقضات مثيرة تعتري اللصوص والمجرمين عندما يتم ضبطهم متلبسين بجرائمهم فيحاولون الهرب من وقع الفضيحة فيتورطون في المزيد من الفضائح كالذي يتخبطه الشيطان من المس.
    والقمني أضاف إلى سجل جرائمه جريمة تزوير جديدة، حيث ادعى في مقاله المنشور أنه استصدر شهادة من المجلس الأعلى للجامعات المصرية بالدكتوراة ونشر وثيقة مزعومة مع مقاله على أنها شهادة المعادلة. وهي تزوير جديد، ماكينة تزوير لا تتوقف، لأن الورقة المنشورة ليست شهادة أبدا، وإنما إفادة عامة يستخرجها أي مواطن عادي بعد دفع الرسوم المقررة عند استفساره عن جامعة من الجامعات الأجنبية ومدى قبول الشهادات التي تصدرها، فيتم إفادته بأن هناك قرار وزاري رقم كذا وكذا. فدلس القمني على القارئ وزعم أنه حصل على معادلة. وهو الآن في كل خطوة يحاول فيها الهرب من الفضيحة يرتكب جريمة جديدة. وأعتقد أن السادة المحامين أصبحوا أمام مهمة سهلة الآن بجريمة مزدوجة، جريمة تزوير شهادة علمية وجريمة تزوير واتهام لمؤسسة وطنية، وهي المجلس الأعلى للجامعات. ولا بد من تقديم هذا المزور إلى العدالة. وأناشد كل الشرفاء في هذا الوطن من كتاب ومثقفين وصحفيين أن يعلنوا أصواتهم بوضوح ضد عصابة الفساد في وزارة الثقافة، وأن يطالبوا فاروق حسني راعي المزورين باتخاذ القرار الأخلاقي الملزم له بسحب الجائزة من سيد القمني والاعتذار للشعب المصري عن تسرع الوزارة بمنحه الجائزة. المسألة لم تعد قضية رأي ولا وجهة نظر ولا حرية فكر، وإنما المسألة بوضوح أننا أمام اعتراف صريح بجريمة تزوير مزدوجة بطلها منحته الدولة جائزتها التقديرية بوصفه رمزا من رموز مصر... عار!". وكان القمنى قد أعلن منذ عدة سنوات توبته وتبرؤه من كل ما كان قد صدر من كتب ومقالات حاملا اسمه وتراجعه عن آرائه ومواقفه، ذلك التراجع الذى شكك فيه كثيرون وقتها، ثم اتضح لكل إنسان فى العالم أن المسألة كلها مفبركة فبركة رخيصة كأى شىء يصدر عن القمنى.


    يتبع...

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    2,584
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    18-08-2023
    على الساعة
    03:23 PM

    افتراضي

    هذا عن التزوير والتلفيق فى حياة القمنى. أماعن مستواه العلمى فأقول: كان لدىّ منذ عقد من الزمان تقريبا طالب دراسات عليا يحضّر معى أطروحة عن أحد شعراء بنى أمية، ولاحظت أنه ينقل كلاما عن بعض الكتب دون أن يكون للكلام معنى أو منطق. وعبثا حاولت أن أَثْنِيَه عن هذه الخطة الغبية فكنت أخفق فى كل مرة، إذ كلما صححت له شيئا من هذا القبيل عاد فاقترف شيئا شبيها له فى موضوع آخر. والسبب هو حماقته وقلة عقله وتصوره أن كل مهمته هى النقل عن الكتب التى تصادفه دون قانون أو أساس يرتكن إليه. وكان سهلا على أى ملاحظ أن يربط بين ذلك وبين حجم دماغه، إذ كان أَصْعَل كرأس النعامة. واعتمادا على المؤلفات الخاصة بما يسمى بـ"النقد الأسطورى"، الذى كان رائجا منذ عدة عقود رواجا أحمق كأية صرعة سخيفة يقلدها المماسيخ عندنا ممن لا شخصية لهم ولا مقدرة على تمييز الخبيث من الطيب ولا اللغو من القصد والذى كان يزعم منتهجوه أن العرب قبل الإسلام كانوا يقدسون الملوك والكواهن والنساء والثور الوحشى ولا أدرى ماذا أيضا، كتب اللوذعى الأصعل أن العرب كانوا يقدسون الناقة ويعبدونها، وكرر ذلك مرات حتى باخ الأمر وضاق صدرى من جرائه، فسألته: وأين يا بنىّ الدليل على أنهم كانوا يعبدون الناقة؟ فجاءت إجابته صاعقة، إذ قال: الدليل هو أنهم كانوا يركبونها. فقلت له ضاحكا: الله أكبر على هذا العلم اللدنى الذى لم يؤتَه أحد فى الأولين، ولا أظن أحدا سيؤتاه أيضا فى الآخِرين!
    تذكرت هذا وأنا أقرأ بعض ما كتب القمنى (الدكتور المزيف الذى يذكرنا بحلاق الصحة أيام زمان حين كان يتصدى لمحاولة علاج الناس من كل الأمراض ويزعم أنه "دكتور"، والذى حصل على درجة الليسانس بتقدير "مقبول"!)، إذ وجدته ينقل كصاحبنا الأصعل من الكتب دون فهم ولا عقل، وهذا إن كان هو صاحب تلك الأفكار ولم يلقَّنْها تلقينا ليرددها على الورق كما حفّظوها له، فأنا كثير الشك فى أن يكون هو صاحب تلك الأفكار كما شككت من قبل فى الهالك خليل عبد الكريم، الذى كان "يُوَنِّج" معه فيكتبان الكلام الماسخ ذاته ويرددان الأفكار السخيفة المسيئة للإسلام ذاتها كأنهما الصوت والصدى، مع اختلاف الأسلوب فقط، ذلك الأسلوب المفعم بالأخطاء الفاحشة فى الحالتين حين لا يكون هناك مراجع لغوى، وأرى أن هناك جهة واحدة تمدهما بالأفكار والأطروحات التى تخدم هدفا بعينه فى حلبة الصراع الثقافى المراد منه طعن الإسلام فى مقتل، فضلا عن تقارضهما الثناء أيضا، وبطريقة ممجوجة بل مُقَيّئة.
    وللقمنى هذا كتاب بعنوان "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية"، وهو لا يختلف فى شىء ذى بال عما قاله خليل عبد الكريم فى الكتاب الذى يحمل اسم "قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية". فهما يزعمان أن أجداد الرسول، وبالذات جده المباشر عبد المطلب بن هاشم، كانوا يعملون على إشاء دولة تحمل اسمهم، وأنهم توسلوا إلى ذلك باستغلال وسيلة الدين وأن تحقق هذا المطمح قد تم على يد محمد، الذى لم يكن نبيا ولا خلافه، بل مجرد رجل من بنى هاشم تنبه إلى مطامع عشيرته فى السلطان والحكومة فاستخدم كل وسيلة ممكنة لتحقيقها، ونجح أخيرا فيما كانوا يضعون الخطط من أجله طوال تلك الأجيال. ومن الواضح أنه هو والقمنى ينزعان عن قوس واحدة ويرددان كلام جهة واحدة، ولهذا نراهما يتقارضان الثناء ويصف كلاهما الآخر بأنه كذا وكذا فى عالم البحث والتأليف مما أفضتُ فيه القول فى كتابى عن عبد الكريم: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة"، وهو الكتاب الذى بينت فيه بالأدلة الموثقة تهافت الكلام المنسوب لعبد الكريم فى الكتب التى تحمل اسمه وسخفه وزيفه وبطلانه، وأحيل القارئ عليه إذا أراد أن يعرف وزن ما يقوله القمنى فى كتابه الذى معنا الآن.
    وظاهرة أخذ أفكار الآخرين سرقةً أو عن طريق التراضى بين الآخذ والمأخوذ منه، بل أحيانا بأمر المأخوذ منه للآخذ أن يأخذ ما يكتبه وينشره باسمه، هى ظاهرة معروفة. وخليل عبد الكريم قد أخذ كتاب أبى موسى الحريرى: "قَسّ ونبىّ" ولفق منه كتابه هو: "فترة التكوين" حسبما وضحت بالأدلة القاطعة التى لا تقبل نقضا ولا إبراما فى كتابى: "لكن محمدا لا بواكى له". كما أمدته بعض الجهات بمضمون كتابَىِ كلير تسدال (C. Tisdall): وجون بلير (J. C. Blair) المسمى كل منهما بـ"The Sources of Islam: مصادر الإسلام" كى يصنع كتابه: "جذور الشريعة الإسلامية". وبالمناسبة فثم صفحات لصمويل زويمر المبشر الأمريكى المعروف حول الموضوع ذاته يجدها القارئ فى كتابه: "Arabia- The Cradle of Islam". كما تناول إدوار مونتيه المستشرق السويسرى هذه المسألة فى مقدمة ترجمته الفرنسية للقرآن المجيد التى صدرت فى أواخر العقد الثالث من القرن المنصرم. ولمن يود من القراء الاطلاع على تلك المقدمة أن يعود إلى الفصل الثانى من الباب الثانى من كتابى: "المستشرقون والقرآن"، ففيه ترجمة لها. كذلك لابن وراق كتاب فى نفس الموضوع ويتغيا نفس الغاية عنوانه: "The Origins of Islam: أصول الإسلام"، وإن كان قد ظهر لاحقا.
    وقد ظل عبد الكريم، إلى أن بلغ مبلغ الشيوخ، شخصا خاملا لم يكتب كلمة واحدة فى العلم ولم يسمع به إنسان، ثم فجأة أصبح مؤلفا لعدد من الكتب كلها مضروبة، أى مسروقة، وكلها فى التطاول على الله والرسول والصحابة والتشكيك فى الإسلام والسخرية منه ومن المسلمين وتاريخهم وحضارتهم، مثل القمنى سواء بسواء، بالإضافة إلى أنهما قد ظهرا فى نفس التاريخ. والقمنى لا صلة بينه وبين كتب التراث، وبخاصة فى مجال الإسلاميات. وكثير من الكتب التى يشير إليها فى المؤلفات التى تحمل اسمه لا يعرفها إلا "المدعبسون" من المستشرقين ذوى الأنياب الزرقاء، علاوة على أنه يسوق لنا فى كثير من الأحيان عددا من المصادر والمراجع الإنجليزية والفرنسية والألمانية يريد أن يوهمنا أنه "ولد مقطّع السمكة وذيلها" فى معرفة اللغات الأوربية، على حين أنه فى هذا الميدان مسكين مسكين مسكين. فمن أين للقمنى بهذا النوع من الكتب أو ذاك، وهو المحدود الثقافة؟ ثم إنه قد اتضح تماما أن الدكتورية التى يطنطن بها ويزعم على أساسها أنه أستاذ بالجامعات المصرية، وكأن الجامعات المصرية تلمّ، هى شهادة مزورة ملفقة مشتراة بمائتى دولار. يا بلاش! فهل يجوز أن نصدق شيئا يقوله هذا الشخص؟
    ومن هذا الضرب من الكتب التى يغض صاحبها الأصلى الطرف عن الآخذ، إن لم يشجعه ويبتهج بما فعل، مقال ديفيد صمويل مرجليوث المستشرق البريطانى المضرَّس: "The Origins of Arabic Poetry"، الذى سطا عليه طه حسين وعمل منه كتابه: "فى الشعر الجاهلى"، فقام مرجليوث يدافع عن سيادة "عميد الأدب العربى"، الذى كان لا يزال حِصْرِمًا لم يتزبَّب بعد أو يحصل على لقب العمادة الميمون، قائلا إن البحثين قد ظهرا فى وقت واحد تقريبا، فكيف يسطو طه على كتابى، ولم يكن قد رآه؟ وهو ما استفزنى لما يتضمنه من كذب قارح فألفت كتابى: "معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى وطه حسين" وأهويت على جلده السميك بالسياط العلمية، مسميا إيا بـ"الكَيْذُبان"، ومستغربا أن يتنازل بكل هذه البساطة صاحبُ نظريةٍ مثل نظريته عن ملكيتها، وعَهْدُنا بكل باحث أن يحرص على نسبة الريادة لنفسه فى كل شىء يتوصل قبل غيره له حتى لو كانت عطسة، فما بالنا بنظرية كهذه تريد أن تقلب أمر الشعر الجاهلى كله رأسا على عقب، إذ تزعم أنه لم يكن لذلك الشعر وجود بالمرة، بل لم يعرف العرب الشعر أصلا إلا فى العصر الأموى، إلى جانب أن المدة الزمنية التى تفصل بين ظهور البحثين هى عشرة أشهر، وأن مقال مرجليوث قد وصل مصر قبل صدور كتاب طه حسين بشهور طوال قرأته الدوائر العلمية فى مصر أثناءها وعرفت جيدا بما فيه، ومنهم تلميذ طه حسين فى كلية الآداب فى ذلك الوقت: محمود شاكر، وأحمد تيمور باشا ويعقوب صروف ومصطفى صادق الرافعى على سبيل المثال، وأن طه حسين كان صديقا للمستشرقين وكان الذين يحاضرون منهم فى الجامعة المصرية آنئذ يجتمعون فى منزله كل أسبوع على الأقل؟
    ومن تلك الكتب أيضا ذلك الكتاب الـمَعْزُوّ إلى الشيخ على عبد الرازق بعنوان "الإسلام وأصول الحكم"، إذ يشكك علماءُ أجلاءُ فى تلك النسبة ويؤكدون أنه من صنع يد المستشرقين. ويمكن الرجوع مثلا إلى كتاب د. ضياء الدين الريس رحمه الله فى هذا الموضوع: "الإسلام والخلافة في العصر الحديث" حيث يشك الأستاذ الدكتور فى أن يكون عبد الرازق هو مؤلف الكتاب الفعلى، ويؤكد أنه لم يُعْرَف عن الشيخ قط أنه كان باحثا أو مفكرا أو سياسيّا أو مشتغلا بالسياسة، لأنه إنما تلقى ثقافته بالأزهر، ولم ينتج غير مذكرة أو كتيب في علم البيان، ثم لم يضع مؤلفا آخر أو بحثا في السياسة بعد صدور الكتاب الذي كان شيئا شاذّا بالنسبة لسيرة حياته.
    وحتى لا أشتت ذهن القارئ أكتفى بشاهد آخر من هذه الشواهد المنتنة، فنحن المتخصصين فى الدراسات العربية والإسلامية نعرف جيدا اسم المستشرق الإيطالى الأمير كايتانى صاحب كتاب "حوليات الإسلام"، إذ لاسمه شنة ورنة لا يتمتع بهما سوى قلة بين المستشرقين. إلا أن هذا الأمير المستشرق صاحب الشنة والرنة قد اتُّهِم بأنه ليس مؤلف ذلك الكتاب، بل مجموعة من المستعربين الإيطاليين على رأسهم ليفى دى لا فيدا. وقد كتب د. عبدالرحمن بدوى فى هذه المسألة ذاكرا أنه كانت هناك قضية فى هذا الشأن نُظِرَتْ أمام المحاكم الإيطالية وحضرها الكتاب الأصليون بوصفهم شهودا حيث اعترف دى لافيدا ببعض مشاركاته فى الكتاب المذكور، ولم يصرح بكل شىء إبقاء على سمعة أستاذه (انظر د. عبدالرحمن بدوى/ دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد المنتقصين من قدره/ ترجمة كمال جاد الله/ الدار العالمية للكتب والنشر/ 96).
    وفى كتاب صمويل زويمر: "Arabia- The Cradle of Islam" شىء يذكرنا بما قاله القمنى فى الكتاب الذى بين أيدينا، وإن لم يذهب بعيدا كما ذهب القمنى، إذ عزا زويمر نجاح محمد فى أمره لا إلى أنه نبى، بل إلى عبقريته، التى استفادت مما قدمه الحنفاء فكريا، ومن وضع أسرته الأرستقراطى ومكانة جده عبد المطلب من الناحية السياسية. وها هو ذا نص ما كتبه الرجل فى أصله الإنجليزى:
    "Mohammed was a prophet without miracles but not without genius. Whatever we may deny him we can never deny that
    he was a great man with great talents. But he was not a self¬ made man. His environment accounts in a large measure for his might and for his method in becoming a religious leader.
    There was first of all the political factor. "The year of the elephant" had seen the defeat of the Christian hosts of Yemen who came to attack the Kaaba. This victory was to the young and ardent mind of Mohammed prophetic of the political future of Mecca and no doubt his ambition assigned himself the chief place in the coming conflict of Arabia against the Roman and Persian oppressors.
    Next came the religious factor. The times were ripe for re¬ ligious leadership and Mecca was already the centre of a new movement. The Hanifs had rejected the old idolatry and en¬tertained the hope that a prophet would arise from among them.1 There was material of all sorts at hand to furnish the platform of a new faith; it only required the builder's eye to
    call cosmos out of chaos. To succeed in doing this it would be necessary to reject material also; a comprehensive religion and a compromising religion, so as to suit Jew and Christian and idolater alike.
    Then there was the family factor, or, in other words, the aristocratic standing of Mohammed. He was not a mere "camel-driver." The Koreish were the ruling clan of Mecca; Mecca was even then the centre for all Arabia; and Moham¬ med's grandfather, Abd el Muttalib, was the most influential
    and powerful man of that aristocratic city. The pet-child of Abd el Muttalib was the orphan boy Mohammed. Until his eighth year he was under the shelter and favor of this chief man of the Koreish. He learned what it was to be lordly and to exercise power, and never forgot it. The man, his wife and his training were the determinative factors in the character of Mohammed. The ruling factor was the mind and genius of the man himself".


    يتبع...

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    2,584
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    18-08-2023
    على الساعة
    03:23 PM

    افتراضي

    وأيا ما يكن الأمر فأساس هذه الدعوى المنكرة التى لا يسندها العلم ولا التاريخ ولا المنطق ولا العقل ما كان يقوله بعض المشركين فى مكة كأبى جهل وأبى سفيان وغيرهما حسبما تخبرنا النصوص التالية المأخوذة من "سيرة ابن هشام" والتى يردد فيها المشركون أن محمدا طالبُ مُلْكٍ أو مَلِكٌ فعلا، على حين يؤكد هو وصحابته أنه رسول لا مَلِك. ومع هذا يصر القمنى وخليل عبد الكريم، لأن هناك من كلفهما بذلك الإصرار، على أنه عليه السلام كان طالب ملك له ولعشيرته بنى هاشم. فانظر أيها القارئ أين يضع القمنى وعبد الكريم نفسيهما. إنهما يتخذان موقف المشركين ويرددان ما كانوا يزعمونه فى حقه صلى الله عليه وسلم.
    ولنقرأ: "قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه. فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا. فجمعهم الطريق فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: "لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا"، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود. فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا. فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا، والذي حلفتَ به. قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا. حتى إذا تحاذينا على الرُّكَب وكنا كفرسَيْ رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء! فمتى ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. قال فقام عنه الأخنس وتركه".
    "اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب والنضر بن الحارث (بن كلدة) أخو بني عبد الدار وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان وأمية بن خلف أو من اجتمع منهم، قال: اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلِّموه وخاصِموه حتى تُعْذِروا فيه. فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فَأْتِهم. فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظن أنْ قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بَدَاءٌ، وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم. فقالوا له: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك: لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك (أو كما قالوا له). فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسوِّدك علينا، وإن كنت تريد به ملكا ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه قد غلب عليك (وكانوا يسمون التابع من الجن: رئيا) بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون. ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم. فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. أو كما قال صلى الله عليه وسلم".
    "دخلتُ (المتحدث هنا هو العباس عم الرسول ليلة الفتح) على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل عليه عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه. قال: قلت: يا رسول الله، إني قد أَجَرْتُه. ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت: والله لا يناجيه الليلة دوني رجل. فلما أكثر عمر في شأنه قال: قلت: مهلا يا عمر، فوالله أنْ لو كان من بني عَدِيٍّ بن كعب ما قلتَ هذا. ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف. فقال: مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمتَ كان أحبَّ إلي من إسلام الخطاب لو أسلم. وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به. قال: فذهبت به إلى رحلي، فبات عندي. فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يَأْنِ لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟ قال: بأبي أنت وأمي! ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظننتُ أنْ لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد. قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال: بأبي أنت وأمي! ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا. فقال له العباس: ويحك! أسلم واشهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك. قال: فشهد شهادة الحق فأسلم. قال العباس قلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا. قال: نعم. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها. قال: فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه. قال: ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: يا عباس، من هذه؟ فأقول: سليم. فيقول: مالي ولسليم؟ ثم تمر القبيلة فيقول: يا عباس، من هؤلاء؟ فأقول: مُزَيْنَة. فيقول: مالي ولمزينة؟ حتى نَفِدَت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها. فإذا أخبرته بهم قال: مالي ولبني فلان؟ حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء... قال ابن إسحاق: فيها المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم، لا يُرَى منهم إلا الحـََدَق من الحديد فقال: سبحان الله يا عباس! من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة. والله يا أبا الفضل لقد أصبح مُلْك ابن أخيك الغداة عظيما. قال: قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة. قال: فنعم إذن".
    والآن ندخل فى كتاب القمنى المذكور، ولكن فى شىء من العجلة يضطرنى إليه ارتباطى مع إحدى المؤسسات العلمية بعقد لمدة أشهر، ذلك الارتباط الذى منعنى فى الأسابيع الماضية من كتابة أى شىء يتعلق بقضية القمنى المعقدة والمتشعبة رغم إلحاح بعض الأصدقاء الكرام ممن يحسنون بهذا القلم أن أنزل إلى الساحة مشاركا فى تلك القضية، وأنا أتعلل لهم بظروفى الخاصة التى تقيدنى عن أخذ راحتى كما يحبون وكما كنت حريا أن أفعل لولاها. فأرجو من هؤلاء الأصدقاء أن يتقبلوا ما سأكتبه هنا على أنه جهد المقل للظروف التى شرحتها لهم ولظروف أخرى لم أذكرها ساعتها، ومنها الكدمة التى أصابتنى فى باطن قدمى منذ أيام وتؤلمنى ألما صعبا، وغير ذلك من الظروف التى لا أريد أن أخوض فيها هنا. وهذا المقال هو ثمرة بضعة أيام استطعت أن أختلسها من وقتى الضيق، وأرجو أن يكون الله قد بارك فيها رغم كل شىء. وقد أكد أحد الملحدين العرب فى منتداهم الحشّاشى على المشباك أن كتاب "الحزب الهاشمى وتأسيس الدولة الهاشمية"، الذى نحن بصدده هنا، سبب من أسباب تضامنه بقوة مع الدكتور سيد القمني، مؤكدا أنه مما يشرّف جائزة الدولة أن ينالها كاتب مثله، وأن الكتب التى ألفها، وبخاصة كتاباه: "رب الزمان" و"الحزب الهاشمى"، كانت كافية لضعضعة بل وزلزلة إيمانه "بالثوابت التاريخية" التي كان يؤمن بها بقوة بحكم نشأته الدينية، وأنه لهذا يقدم جزيل شكره وتضامنه مع شخص القمنى الكريم في مواجهة الظلاميين من كل فكر ودين.
    ويدور محور الكتاب المذكور، حسبما وضحنا، على أن أجداد الرسول كانوا يعملون على إحكام تسلطهم على مكة وقريش، وأن عبد المطلب قد استشف بثاقب نظره أن باستطاعة واحد من ذريته إنشاء دولة تضم قبائل العرب المتناحرة تحمل اسم الهاشميين، وأن حفيده محمدا، الذى كان أيامها ولدا صغيرا لا راح ولا جاء ولا يفهم فى السياسة ولا دياولو قد التقط العبارة التى ينسبها القمنى زورا وبهتانا وجهلا وسخفا إلى عبد المطلب، الذى زعم سيد المدلسين والمزورين أنه قالها على مسمع من أولاده وأحفاده، ومنهم محمد الصغير اليتيم الأبوين المكسور الجناح، فالتقطتها ذاكرته فى الحال وخزنتها لليوم الموعود، مع أن عبد المطلب منها بَرَاءٌ براءة الذئب من دم ابن يعقوب. أى أن المسألة هى مسألة مطامع سياسية هاشمية، ولا دين هناك ولا وحى، بل الأمر كله من صنع محمد. ويكفى أن يطالع القارئ عنوان الفصل المسمى: "بنو هاشم من التكتيك إلى الأيديولوجيا" حتى يتبين له ما يريد مؤلف الكتاب فى التو واللحظة، إذ المعنى ظاهر بين لا يحتاج إلى شرح، وهو أن بنى هاشم قد خططوا (أو بتعبير الشيوعيين الحقراء: قد "تكتكوا") لإنشاء دولة يترأسونها، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى استغلال الدين (أو "الأيديولوجيا" بتعبير الشيوعيين أيضا) فى سبيل الوصول إلى هذا الغرض. ولسوف يلمس القارئ ذلك كله الآن بيده لمسا، ويراه بأم عينيه رؤية، ويشمه بأنفه شما، ويتيقن منه بعقله وقلبه وضميره تيقنا.
    ولكن قبل أن أدخل فى هذا الخبايا العطنة العفنة التى أرجو من القراء تحمل عطنها وعفنها إيمانا واحتسابا أود أن أشير إلى أن هذه الفكرة بعينها موجودة لدى خليل عبد الكريم "وِنْج" القمنى الشمال الذى ردد فى كتابه: "قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية" ما قاله القمنى عن أجداد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأكد كما أكد القمنى، حَذْوَك النَّعْل بالنَّعْل، أن عبد المطلب كان شخصية باهرة استطاعت أن تستوعب النظريات السياسية فى زمنه وتعرف أن السياسة كثيرا ما استعانت بالدين لتثبيت أركانها، فاستثمر من ثم الدين بكل وظائفه من رؤى وأحلام وأساطير وادعى أن شابا سيخرج من صلبه يبنى دولة قريش ويقوم بأمرها ويملك المشرق والمغرب، ثم لم يكتف بذلك بل حرص على ربط رؤاه وتعبيرها بالكهان والعالم العلوى حتى يصبح التشكيك فيها نوعا من التجديف والإلحاد، فضلا عن اجتهاده فى توثيق علاقته بمن حوله من الملوك بغية تسهيل تلك المهمة ووضعها موضع التنفيذ دون مشاكل أو عقبات. ثم مضى أبعد من هذا فقدم ابنه أضحية للالهة من خلال الزعم بأنه رأى ذلك فى المنام. ولم ينس عبد الكريم أن يتحفنا، وهو يتكلم عن شيخ قريش المسكين، بطائفة من المصطلحات الماركسية الفاشلة من مثل "الملكية الجماعية" و"الجماهير المحرومة" و"تسارُع المجتمع المكى فى التفكيك" و"عرق الكادحين" و"أصحاب الفبارك" و"التمايز الطبقى" و"عمل الشغيلة" و"فائض القيمة" مما تجد بعض صداه فى كتاب القمنى، وكأننا فى خلية من خلايا الشيوعيين. والحمد لله أن لم يقل الذى كتب هذا الكلام ووضعه فى فم عبد الكريم ليردده بصوته (على طريقة "الدوبلاج" فى الأفلام الأجنبية) إن عبد المطلب كان عضوا فى حزب "حدتو" أيضا. وقد سمى عبد الكريم رؤيا عبد المطلب بــ"المسطورة"، أى الأسطورة، على طريقته فى الحذلقة الماسخة التى اشتهر بها رغم جهله الشنيع فى اللغة حسبما بينت فى الفصل الأول من كتابى: "لكن محمدا لا بواكى له"، ولم يستطع أن يفتح فمه بكلمة واحدة لا هو ولا أى واحد ممن يرافئونه على هذا السخف الساخف الذى انهال به الإلهام عليه بغتة بعد أن تخطى الستين بزمن!
    وزاد خليل عبد الكريم فصور الأمر كله على أنه خطة رسمها عبد المطلب بإحكام وخبث بغية الوصول إلى أهدافه السياسية، مؤكدا بلغة الحوذية أن أمل عبد المطلب فى أن يكون هو أو أى واحد من صلبه نبيا قد "شعشع فى دماغه" (بنص تعبيره العربجى) حتى بشره بذلك أحد العرافين، فعمل على نشر هذه البشرى بين الناس (ص37- 44 من الكتاب المذكور/ ط. سينا للنشر/ 1993م. ويجد القراء الأعزاء ردى المفصل على هذه التحشيشات والانسطالات فى كتابى: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة"/ مكتبة زهراء الشرق/ 1420هـ- 2000م/ الفصل الثالث بدءا من ص127. وهو موجود فى مواقع مشباكية كثيرة لمن يريد تحميله).
    وثم عبارة محورية يدور حولها كتاب "الحزب الهاشمى"، وهى ما نسبه القمنى إلى عبد المطلب جد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من قوله: "إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء". وهذا هو النص الذى وردت فيه هذه العبارة كاملا، وهو أول شىء فى الكتاب مما سماه على سبيل الحذلقة المتنطعة: "تأسيسا": "إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء: قالها عبد المطلب بن هاشم، وهو يشير إلى أبنائه وحَفَدته، فبرغم التفكك القبلي في بيئة البداوة، التي عاشتها جزيرة العرب، فإن هناك من استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص، وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة: هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة تكون نواتها ومركزها مكة تحديدا برغم واقع الجزيرة آنذاك. وكان هناك من هو لرأى عبد المطلب من ذوى النظر الثاقب والفكر المنهجي المخطط الذين استطاعوا أن يصلوا إلى النتيجة نفسها بعد قراءة واعية للخريطة السياسية والظروف الاجتماعية والاقتصادية، لكن الكثرة الغالبة لم تكن مع هذه الرؤى. حتى اليهود الذين كانوا يعيشون بين ظَهْرَانَيِ العرب كعرب ما خطر لهم هذا التوقيع قط، وإنما كانوا يترفعون على سائر العرب، ويفاخرون بأن لهم من الأنبياء عددا وعدة، ومن الأسفار المقدسة كتاب سماوي المصدر. ومن ثم أجاز الأستاذ العقاد لنفسه، وهو رجل متزن ومتوزان، أن يجزم قاطعا بأن "شأن اليهودية في توضيح هذه الحقائق كان أعظم من كل شأن لها في جزيرة العرب".
    وهذه الحقائق التي يعنيها الأستاذ العقاد هي أنه، برغم عدم قراءتهم الصحيحة لإفرازات الواقع على الأقل بالنسبة لمكة، فإن حكاياتهم عن مغامرات أنبيائهم القدامى، وعن دولتهم الغابرة التي أنشأها الملك النبي داودوما لحقها من تهويلات ومبالغات، كانت وراء الحلم الذي داعب خيال سراة العرب وأشرافهم حتى بدا لكل منهم طيف زعامته للدولة الموحدة، مشرقا في الخيال تدعمه ما بدأت تشهده الجزيرة في مناطق متعددة من محاولات لتوحيد القبائل سياسيا: سواء عن طريق التحالفات الجانبية التي شكلت نُوَيّاتٍ مرجوّةً لوحدة أكبر، أو عن طريق إخضاع قبيلة لأخرى، أو التحالفات التي تتفق ومنطق البداوة، والتي كانت تتم بين القبائل المنتمية إلى سلف واحد، مما يجعل انتظامها تحت إمرة زعيم واحد أمرا أيسر، خاصة عند حدوث جلل طارئ أو خطر مشترك. ولا ننسى المحاولات الأخرى المباشرة التي اتخذت صيغة الـمُلْك وصِبْغته، كمحاولة زهير الجنابي زعيم قضاعة تمليك نفسه على بكر وتغلب أو الممالك التي قامت فعلا من زمن سابق، لكن في ظروف مختلفة، على حدود الإمبراطوريات الكبرى، مثل مملكة الحيرة ومملكة الغساسنة. لكن بقية الناس حتى داخل مكة ممن كانوا يعتبرون أنفسهم عقلاء لم يكونوا مع هذا التفاؤل ولا مع هذا الجموح في الآمال، فهذا الأسود بن عبد العزي يقدم الاعتراض البدهي والواضح والمباشر قائلا: ألا إن مكة لقاح لا تدين لملك. وهو اعتراض يستند إلى قراءة أخرى. فالعرب، أيا كان الظرف الاجتماعي، لا تقبل بفرد يملك عليهم ويسود، لأن معنى ذلك سيادة عشيرة على بقية العشائر، وقبيلة على بقية القبائل، وهو ما تأباه أنفة الكبرياء القبلي وتنفر منه. ولعل هذه القراءة تجد حجتها البالغة في تجربة رجل مثل النعمان بن المنذر، الذي ورث المُلْك أبا عن جد في مملكة الحيرة، ومع ذلك وقف يلقى خطابه أمام كسري الفرس، وفي حضرة وفود دول عدة، مدافعا عن عروبته بقوله: "فليست أمة من الأمم إلا وجهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أوائلها، حتى إن أحدهم ليسأل عمن وراء أبيه دينا، فلا ينسبه ولا يعرفه. وليس أحد من العرب إلا يسمى آباءه أبا فأبا. حاطوا بذلك أحسابهم، وحفظوا به أنسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه، ولا يُنْسَب إلى غير نسبه، ولا يُدْعَى لغير أبيه. وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد إلى رجل يسوسهم ويجمعهم، فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعفا، وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف. وإنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يُعْرَف فضلهم على سائر غيرهم، فيلقون إليهم أمورهم، وينقادون لهم بأَزِمّتهم، وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم حتى لقد حالوا أن يكونوا ملوكا أجمعين".
    والخطاب هنا، سواء صحت نسبته للنعمان بن المنذر أو لم تصح، لصاحب رؤية سياسية فذة حاول أن يوضح بإيجازٍ الظرف الاجتماعي العربي الذي حال حتى هذا الوقت دون قيام وحدة سياسية كبرى لعرب الجزيرة، ذلك الظرف المتمثل في نظام قبلي و عصبية عشائرية كانت من لزوم ما يلزم عن شكل المجتمع البدوي غير المستقر للإبقاء على دوام وجود القبيلة باعتبارها وحدة عسكرية مقاتلة يلزمها التماسك اللزج دوما، والذي كانت مادته اللاصقة رابطة الدم التي اكتسبت قدسية مفرطة، وهو ما يفسر الشكل الديموقراطي البدائي التي تمتعت به القبيلة بحيث وقف جميع الأفراد داخلها على قدم وساق بمساواة تامة، وبمعيار الانتساب لأب واحد، وذلك وحده كان كفيلا بإلغاء أي تمايز، إضافة لظرف آخر دعم هذه المساواة، وهو مواجهتهم جميعا لذات المصير دوما كمقاتلين.
    والخطاب يوضح أيضا بشكل وضاء الأسباب التي لم تؤد بالنظام البدوي إلى إفراز مؤسسات سياسية ملكية متوارثة، لأن القبيلة وحدة عسكرية طارئة، وزعامتها بدورها أمر طارئ متغير لمقتضيات الصراع الناشئ وظروفه، تلك المقتضيات التي تحدد سمات الزعيم المطلوب آنيا. وعليه فالزعامة كانت تمنح منحا لصاحب القدرات التي تناسب الظرف ومقتضياته، وهي صفات مكتسبة لا تنتقل بالوراثة، على حين ينضوي الجميع في الظروف الاعتيادية تحت لواء الأحكم، الأكبر، الأكثر دراية والأكثر قدرة على المنح والعطاء. وفي كلتا الحالين تظل المساواة حاضرة، مما جعل البدوي واعيا تماما لفرديته، مصرا على الاعتداد بنفسه بإسرافٍ تمثله دواوين العرب في الحماسة والفخر والاعتزاز بالفرد أو بالقبيلة أو بالنسب.
    وفي خطاب النعمان دعم آخر لوجهة نظر الأسود بن عبد العزي، فهو يؤكد أن الأمم إنما تقبل الخضوع لملك فرد في وحدة سياسية إذا "تخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف". وقد أثبت الحجاز، ومكة بالذات، أنه بعيد المنال، ولا يتخوف نهوض عدوه إليه. فبينما كانت الممالك العربية قد وقعت تحت الاحتلال أو النفوذ الأجنبي، ففقدت اليمنُ استقلالها منذ الربع الأول من القرن السادس الميلادي وسقطت تحت حكم الأحباش ثم الفرس، وفقدت مملكة الحيرة استقلالها وتحولت إلى إمارة يحكمها أمير فارسي، واضطربت أحوال المملكة الغسانية بعد أن قلب لها الرومان ظهر المجن، فإن منطقة الحجاز بمدينتيها الرائدتين: مكة ويثرب كانت تتمتع باستقلال نقي هيأها له وضعها الجغرافي، ووعورة الطريق إليها، فكانت هي البيئة العربية الخالصة البعيدة عن مجال الصراع الدولي، وعن التأثر بالحضارات الأجنبية بدون أن تفقد التواصل معها، ولم تخضع لحاكم أجنبي. ومع ذلك فلم تكن فيها ممالك بالمعنى الحقيقي، ولا وحدة سياسية كبيرة تنتظم أمر قبائل الحجاز جميعا، وهذا كله إنما هو دعم حقيقي لرأي الأسود بن عبد العزى!
    وإزاء كل هذه العوائق الواضحة والمحبطات السافرة للحلم وللأمل وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبيا مثل داود.وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة، وآمن هؤلاء بذلك، وأخذوا يَسْعَوْن للتوطئة للعظيم الآتي، وإن ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس التي تهفو للوحدة، وظن كل منهم أن الآتي سيكون منهم، مثل أمية بن عبد الله الثقفي، الذي راودته نفسه بالنبوة و الملك فقام ينادي:
    ألا نبي منا فيخبرنا * ما بعد غايتنا في رأس مَحْيَانا؟
    لكن العجيب فعلا ألا يمضي من السنين غير قليل حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة بل دولة قوية و مقتدرة تطوي تحت جناحيها، وفي زمن قياسي، ممالك الروم و العجم بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه النبي المنتظر!".


    يتبع...

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    2,584
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    18-08-2023
    على الساعة
    03:23 PM

    افتراضي

    والحق أن العبارة التى يدور عليها الكتاب لا يمكن أن تكون صحيحة، على الأقل بالمعنى الذى يقصده القمنى وأمثاله من العباقرة كخليل عبد الكريم الفلحاس الأعظم الذى كان كالقمنى يزج بنفسه أو يزج به من يدفعونه من الخلف فى المآزق والكُرَب العظام التى لا يستطيع السداد فيها. ولكن علينا أولا أن نحاول معرفة المصدر الذى استقى منه القمنى هذه العبارة. ولقد ألفيته نقلها من كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية" لأبكار السقاف الكاتبة اليمنية التى وجدتُ بعضا من ذوى التوجهات الفكرية المعينة يشيدون بها ويطنطنون لما تركته وراءها من كتب تحمل اسمها وتتسم بالركاكة والعسلطة والمعاظلة حتى إنها لتكاد تتوخى دائما تأخير ما حَقُّه التقديم وتقديم ما حَقُّه التأخير من عناصر الجملة دونما أدنى داع. إنما هى حذلقة، والسلام. وبالمناسبة فكثير من الأفكار فى الكتاب الذى يحمل اسم القمنى وذلك الذى يحمل اسم أبكار السقاف واحدة.
    وهذه سمة الكتابات القمناوية أو بالأحرى: الكتابات التى تحمل اسمه، إذ هى انعكاس مباشر لما عند الآخرين، وبالذات من المستشرقين والمبشرين. خذ مثلا انتقاده لـ"طريقة جمع المصحف العثماني التي لم تراعَ في تصنيفها وتبويبها قواعد التصنيف والتبويب المعروفة: كأن تجمع آيات التعبد معا، والتشريعات معا، وعلى الترتيب الزمني والقصص الوعظي معا، وقوانين الأخلاق معا. بل أنها لم تراع الترتيب الزمني للآيات وارتباطها بأحداث الواقع وجدلها معه وتأثرها به وتأثيرها فيه وتغيُّرها وتبدُّلها حسب متغيرات هذا الواقع. وهى سمة فارقة تميز الإسلام عن بقية الأديان. الحكمة الوحيدة في الترتيب العثماني، إذا كانت حكمة، هي السير في ترتيب النصوص من السور الأطول إلي السور الأقصر دون أي رابط موضوعي ولا زمني. هذا بينما السور الأقصر كانت هي الأُولَى زمنا بحيث لو أردت قراءة القرآن قراءة شبه مرتبة فعليك البدء بآخر المصحف رجوعا إلى أوله... ولا عبرة هنا بقول من يصرون على أن هذا الترتيب توقيفي، أي كان وقفا على النبي وجبريل، وأنهما من رتباه على هيئته الحالية، لأنه لو كان الأمر كذلك ما ظلت مصاحف الصحابة الكبار على اختلافها بعد موت نبيهم وحتى زمن عثمان بن عفان، ولأنه حتى لو كان الأمر كذلك فإنه يظل بحاجة إلى إعادة نظر".
    وهذه الفكرة ذاتها قد أثارها منذ سنوات كاتب تونسى اسمه يوسف صديق لا يستطيع أن يقرأ القرآن قراءة صحيحة بل يخطئ منه فى الأَوَّلِيّات. وقد رددت وقتها على سخافاته فى مقال لى منشور على عدد من المواقع المشباكية المختلفة بعنوان "يوسف صديق وأباطيله حول القرآن". وكلام صديق هو بدوره انعكاس لما يردده المستشرقون والمبشرون دائما. وكانت صحيفة "القاهرة" المصرية قد نشرت في الصفحة الخامسة (العدد 144) حوارًا مع يوسف صديق بجامعة السوربون بعنوان "المفكر التونسي يوسف صديق: نحن لم نقرأ القرآن بعد" أدلى فيه الأستاذ المذكور ببعض الآراء التي استوقفتني ورأيت أنها تحتاج إلى مراجعة لأنها تثير قضايا على قدر عظيم من الأهمية لا يمكن أن يمر كلامه فيها دون تمحيص وتعقيب.
    ولتكن بداءتنا عنوان الحوار نفسه: "نحن لم نقرأ القرآن بعد"، وهو عنوان الكتاب الذي جاء في حديثِ صِدّيق إلى الصحيفة أنه بسبيل إعداده. وقد أدلى الرجل بكلامين في هذه المسألة: الأول في بداية الحوار، وهو أننا "كلما تقدمنا وتعمقنا في الفكر و الفلسفة استطعنا أن نفهم القرآن بشكل يتواءم مع التقدم في معرفتنا". وهذا كلام لا نستطيع إلا أن نتفق معه فيه، فالقرآن أوسع وأعمق وأبعد غورًا من أن يفهم حق الفهم دفعة واحدة، بل تظل هناك دائمًا، مهما طال الزمان، أبعاد تحتاج إلى من يحاول ارتيادها واكتشاف ما فيها من أسرار. وسبب ذلك أنه من عند الله، فهو يمثل المعرفة المطلقة، أما معارف البشر فهي محدودة ونسبية. لكن الأستاذ صديق قد عدّل كلامه هذا قرب خاتمة الحوار (والعبرة، كما يقولون، بالخواتيم) فقال إننا لم نقرأ القرآن بعد، بما يعني بوضوح أن كل ما قمنا به طوال الأربعة عشر قرنًا من تلاوة القرآن وتفسيره ودراسته في كتب تعد بالآلاف، فضلا عما وُضِع حوله من معاجم واسْتُخْلِص منه من علوم...إلخ...إلخ، هو عبث في عبث، وأنه سيكون أول من يقرأ القرآن من عباد الله. أي أن علينا أن نضرب صفحًا عن كل هذا التراث القرآني الذي شاركت في صنعه عشرات الأجيال ونشتغل فقط بما سيجود علينا به قلمه في هذا الصدد، فهل من يوافق على هذا الكلام الغريب الذي أظن (وبعض الظن عين العقل بكل يقين) أنه هو مقصد المؤلف الحقيقي، وإن لم يشأ أن يجابهنا به في بداية الحوار بل مهّد له بأن القرآن "لا يكشف عن دلالاته مرة واحدة"؟ وهو أسلوب من التدرج يلجأ إليه بعض الكتاب بغية تحذير القارئ المسكين!
    وفي السؤال الثاني و الثالث تتساءل مُجْرِية الحوار عما طرحه د. يوسف صديق في كتابه الذي صدر فى ذلك الوقت باسم "القرآن كتاب مفتوح" (وإن كان العنوان الفرنسي كما يظهر في صورة الغلاف المنشورة مع الحوار هو "القرآن: قراءة جديدة وترجمة جديدة") من فكرة تدعو إلى تفسير آيات القرآن حسب تواريخ نزولها لا حسب ترتيبها في المصحف، وكان جوابه أنه لا يمس سوى عمل بشري لا صلة له بالقدسية. يقصد أن ترتيب الآيات داخل كل سورة هو من عمل الصحابة. وهذا غير صحيح، ولم يقل به أحد إلا هو، إذ ادعى أن الرسول قد ترك القرآن قِطَعًا متفرقة لا تنتظم في سورة، وهو ادعاء باطل ألقى به الأستاذ صديق باستخفاف لا يليق بأستاذ جامعي أو غير جامعي.
    لو كان الكلام اقتصر على "تفسير" القرآن حسب ترتيب النزول لآياته فلربما لم يجد د. صديق من يختلف معه اختلافًا شديدًا، فهذا لون آخر من ألوان الدراسات القرآنية الكثيرة رغم الصعوبة البالغة بل رغم الاستحالة التي تكتنف مثل هذه الدراسة القرآنية لأن كثيرًا جدًّا من آيات القرآن لا نعرف لها سبب نزول، ولأن قسمًا من الآيات الأخرى قد اخْتُلِف حول سبب نزوله. ومن قبلُ قام العالم الفلسطيني محمد عِزّة دَرْوَزة بتفسير القرآن حسب الترتيب النزولي للسور مع الصعوبة الشديدة في ذَلك لأنه لا إجماع هنالك على مثل هذا الترتيب، علاوة على أن عددًا كبيرًا من سور القرآن لم تنزل منه السورة دفقة واحدة ولا دفقات متتالية، قلت: لو كان الكلام اقتصر على "تفسير" القرآن حسب الترتيب الزمني لآياته فلربما لم يجد المؤلف من يختلف معه اختلافًا شديدًا، بيد أن كلامه في الجواب عن السؤال المذكور يشير بوضوح إلى أن المسألة تتجاوز هذا إلى الدعوة لــ"ترتيب" آيات القرآن كله حسب تاريخ نزولها لا إلى "تفسيرها". ومعنى هذا أن تنفرط آيات القرآن كما تنفرط حبات المسبحة و ينهار بناؤه إلى أن يهلّ علينا العبقري الذي يقدر على صنع "المستحيل" فيعيد ترتيبه حسب التاريخ الخاص بنزول كل آية، وهو ما لن يتحقق دهر الداهرين، اللهم إلا إذا قال د. صديق إنه هو ذلك " العبقري المنتظر"! وهيهات أن نصدقه! ومرة أخرى نقول إن الكلام في هذا الحوار يبدأ بفكرة بريئة ثم يفاجَأ القارئ بأن الأرض الصُّلْبة التي كانت تحت قدميه قد استحالت بقدرة قادر إلى رمال متحركة تريد أن تبتلعه ابتلاعًا.
    ولا يقف الإرباك الذي يسببه الحوار للقارئ عند هذا الحد، إذ نجده ينتقل بغتة إلى الحديث عن دعوة الأستاذ التونسي لسور القرآن حسب ترتيب نزولها. وهذا شئ غير ترتيب آياته الكريمة حسب تاريخ وحيها كما أشرنا من قبل وقلنا إنه أمر من الصعوبة جدًّا بمكان، وهي دعوة يجري فيها الرجل على درب المستشرقين، وليس هو ابن بجدتها كما يريد أن يوحي للقارئ. وأمامي الآن ترجمتان إنجليزيتان للقرآن الكريم حاولتا هذه المحاولة: إحداهما للقسيس البريطاني رودويل، والثانية للمدعوّ: داود، وهما تختلفان في ذلك الترتيب اختلافًا بعيدًا، كما أن بعض مترجمي القرآن ممن التزموا ترتيب السور حسبما ورد في المصحف يصدّرون ترجمتهم بدراسة عن القرآن يتناولون فيها، ضمن ما يتناولون، مسألة ترتيب الوحي ترتيبًا زمنيا محاولين استخلاص السمات المضمونية والأسلوبية التي تميز كل مرحلة في تاريخ نزوله، وإن اقتصر الأمر في ذلك على الخطوط العامة. وممن فعل ذلك "إدوار مونتيه" السويسري و"بلاشير" الفرنسي في ترجمتيهما للقرآن إلى الفرنسية. ويجد القارئ تفصيلا لهذا الأمر في الباب الثاني من كتابي "المستشرقون و القرآن"، وهاتان الترجمتان أمامي الآن أيضا وأنا أكتب هذا الكلام.
    على أن د. صديق، في جوابه عن قلق الأستاذة التي أجرت الحوار معه مما تمثله دعوته تلك من مساس بقدسية النص القرآني، ينبري مؤكدًا أننا نحن الذين قد ابتدعنا هذه القدسية. وهذا كلام خطير جدا، فالقرآن مقدس لأنه من عند الله لا لأننا الذين خلعنا عليه هذه القداسة. صحيح أن من لا يؤمن بأن القرآن وحي إلهي لا يرى فيه نصًّا مقدسًا، لكننا نحن المسلمين نؤمن بقدسيته، وإلا فلسنا مسلمين. هذا أمر بديهي، أليس كذلك؟ والكاتب يؤكد إيمانه بالقرآن، فكيف لا يراه كتابًا مقدسًا؟ أما دعواه بأننا قد "ألَّهنا" الرسول عليه الصلاة و السلام فهي دعوى غريبة بل منكَرة، إذ لا يوجد مسلم واحد على وجه الأرض يقول بــ"تأليه" الرسول. صحيح أنه عليه السلام "رجل يمشي في الأسواق مثلنا ويأكل، وله كل المواصفات البشرية" كما جاء في كلام الدكتور لكنه في ذات الوقت ليس بشرًا عاديًّا، بل هو نبي يوحَى إليه، وأخلاقه من السمو بحيث لا يدانيه غيره من البشر، وهو ما كنت أحب أن يضيفه د. صديق إلى كلامِه السابق حتى يكتمل المعنى. وفي القرآن الكريم أَمْرٌ للنبي بأن يقول: "إنما أناَ بَشرٌ مثلكم يُوحَى إلىّ"، وفيه أيضا: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم"...إلخ، فكان ينبغي ألا يغفل الأستاذ الدكتور في كلامه ذلك البعد الذي يميز الرسول، رغم بشريته، عن سائر الخلق.
    كذلك ترددت في حديث د. صديق الإشارة إلى "مصادر" القرآن ومراجعه"، فما الذي يقصده الدكتور بهذا؟ إن للقرآن مصدرًا واحدًا ليس غير هو الوحي الإلهي، أما الحديث عن "مصادر" و"مراجع" كما لو كنا بصدد دراسة تقدم بها أحد الباحثين ويتذرع لها بما يستطيع أن يضع يده عليه من الكتب السابقة فهو كلام لا يليق بمسلم أن يقوله. ولصاحب هذه السطور كتاب في هذا الموضوع عنوانه "مصدر القرآن" رددت فيه بتفصيل شديد على النظريات الاستشراقية و التبشيرية السخيفة التي تحاول إرجاع القرآن إلى مصادر بشرية. فالقول بأن للقرآن "مصادر ومراجع" هو فرية استشراقية معروفة أساسها قول مشركي مكة عن الرسول عليه السلام: "إنما يعلمه بشر"، وإن القرآن الكريم هو"أساطير الأولين اكتتبها، فهي تُمْلَى عليه بكرة وأصيلا". وها هي ذى تطالعنا بوجهها القبيح في كلام لأحد المنتسبين للإسلام. ولخليل عبد الكريم كتاب كامل فى هذاالموضوع هو "جذور الشريعة الإسلامية" نقل فكرته وكثيرا من تفاصيله من بعض الكتب التبشيرية التى تعزف نفس النغمة المسئمة، مما أشرت إليه من قبل فى هذه الدراسة.
    ويمكن لمن أراد من القراء أن يعود إلى كتابى: "المستشرقون والقرآن"، الذى صدر للمرة الأولى سنة 1984م، والذى كنت كتبته قبل ذلك بسنتين أو أكثر قبل أن أعود من بريطانيا، ليجد إشارت متكررة فى مواضع متفرقة منه إلى هذا الرأى الاستشراقى وردى عليه. بل إن بعضهم، حسبما سبق القول، قد أعاد ترتيب سور القرآن لدن ترجمته لكتاب الله كريتشارد بل وم. رودويل ون. ج. داود. كما جرى على هذه الخطة المستشرق ريجى بلاشير عند إصداره ترجمته الفرنسية للقرآن للمرة الأولى، وإن كان قد عاد فالتزم الترتيب المصحفى فى الطبعات التالية. لكننا للأسف نراه فى بعض الأحيان يعبث بالنص القرآنى الكريم فيقدّم، إلى جانب الترتيب الموجود فى مصاحفنا، ترتيبا لبعض الايات يختلف عن الترتيب الذى تتبعه تلك المصاحف. ومن يرجع إلى طبعة هذا العام من "Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية" يجد كاتب المادة الخاصة بالرسول عليه الصلاة والسلام، وهو المستشرق الفرنسى اليهودى الماركسى مكسيم رودنسون، يردد هذا القول المتهافت زاعما أن القرآن نص مضطرب النظام لا يصح الاعتماد عليه فى التوصل إلى ترجمة موثوق بها للرسول عليه السلام، وهذا نص ما قاله، والضمير فيه عائد على القرآن: "Mais son texte est en grand désordre. On ne peut y rétablir qu'avec peine et avec bien des incertitudes l'ordre chronologique. Les événements de la biographie du Prophète n'y sont évoqués que de façon allusive. C'est donc une source difficile à utiliser".


    يتبع....

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,430
    آخر نشاط
    17-01-2017
    على الساعة
    12:30 PM

    افتراضي

    بارك الله فيك يا دكتور ونفعنا بعلمك واود ان اضيف هده المعلومة عن المدلس والمزور والكداب سيد اللمبي اقصد القمني حيث ان مشاهدته وهو يتحاور تثير الاشمئزاز وتنم عن شخص تربي علي الارصفة وفي الاسواق وانظروا وشاهدوا كل لقاءاته المرئية والمسموعة ولاحظور طريقة كلامه ومخارج الفاظه وحركات راسه ويديه وما يتفوه به من الفاظ سوقيه والتي لا تنم باي شكل عن انسان مطلع وقاريء ومفكر كما يزعم الملاحدة والعلمانيين وعبدة الصليب واود ان انوه بمعلومه عن سيرته الداتيه حيث دكرها كثيرا في لقاءاته المرئية والصحفية والتي يزعم فيها حسن تربيته وان اسرته كانت ميسورة الحال وثريه وعندهم الخدم والحشم ......الخ هو ايضا كداب ومضلل كعادته وارجو من الاخوة الافاضل زيارة قصيرة لبلدته قمن العروس بالواسطي محافظة بني سويف وزيارة الكوخ الدي نشا وتربي فيه ومدي القحط الدي عاش فيه والدي شحن في قلبه الحقد والكراهية للطبقات الاعلي ومدي نقمته وشكوته عل الفوارق بين الطبقات وفراره بعدما نال الليسانس بدرجة مقبول للعمل بدولة الكويت كمدرس ثانوي لتحسين مستواه المادي واعالة اسرته المعدمه من الفقر المقحم ......الخ فاين هدا اللمبي الحقير من رواد العلم والمعرفة وكفي ان فضيحته ما زالت مدويه وبركانها مدوي في كل مكان وكفي ان سيرته وكتبه ومخترعاته غاصت في سلات الزبالة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    2,584
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    18-08-2023
    على الساعة
    03:23 PM

    افتراضي

    ولنعد إلى فكرة القمنى المحورية فى كتاب "الحزب الهاشمى"، وهى أن نبوة محمد إنما هى تحقيق لمطامح عشيرته من قديم الأجيال، وبالذات منذ أيام هاشم وعبد المطلب. يقول كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية"، الذى يحمل على غلافه اسم أبكار السقاف، عن الصراع بين قريش ومحمد فى العهد المكى وشكاواهم المتكررة إلى أبى طالب من ابن أخيه: "وقدح عمل الوجدان شرر الذاكرة فعملت من أبى طالب المخيلة وراحت تستعرض الماضى والحاضر، وفى امتداد راحت تطوى الحاضر وترتاد آفاق المستقبل الذى قد التمعت منه البوارق خلال تلك الخلوة التى خلا فيها إلى محمد وأصغى إلى حديث أدرك من ورائه أن التاريخ السياسى للعرب يتجه اتجاهًا لا فحسب جديدًا بل مغايرًا، وأن أمره إنما أمرٌ هو فى بيت هاشم وبيت عبد المطلب محصور! ومن ثم هب أبو طالب يجمع بيت هاشم وبني المطلب ويفضى إليهم بأمر ابن أخيه وابن أخيهم طالبًا إليهم، وهم فرع عبد مناف، أن يمنعوا محمدًا من فرع عبد الدار، ثم، وهم بيت هاشم، أن يمنعوه من بيت عبد شمس. فاستجابوا له جميعًا باستثناء عبد العزى بن عبد المطلب استجابةً هم فيها ولا ريب كانوا متأثرين بالعصبية القومية وبالخصومة القديمة بين فرعي عبد الدار وعبد مناف وبالمنافسة الجديدة بين بيت هاشم وبيت عبد شمس، مما جعلهم يرون حقا لابن أخيهم أن يعلن الناس برأيه. وهكذا اعتصم محمد ببيته من هاشم وبعمومته من أبناء عبد المطلب، لا فحسب من فـرع عـبد الدار وبيت عـبد شمس، وإنما من سائر قـريـش!
    ولكن كانت هذه "المنعة" الهاشمية لمحمد إلهابًا لجذوة الخصومة بين بنى العمومة، فمن حول نفسها أخذت سائر الفروع والبيوت القريشية تستدير حلقات ليتعقد منها الرأى عند القول بأن فى انتصار هذا الفرد من عبد مناف انتصارا لفرع عبد مناف على عبد الدار، وبالتالى انتصارًا لبيت هاشم على بيت عبد شمس. وفى هذا ما فيه من الخطورة على ما لهذه الفروع والبيوت من قريش من مكانة اجتماعية وسياسية، ومن ثم بدأت للقضاء على ما فى هذه الدعوة من المبادئ السياسية والاجتماعية ألوان من الاضطهاد تنزلها قريش بمن لديها من الإماء والعبيد ممن كَلِفُوا بالوعد المحمدى كَلَـفًا أخرجهم من طاعة قريش إلى طاعة محمد. وازداد بنو هاشم والمطلب، وإن كانوا لمحمد فى دعوته الدينية لا يؤازرون، منعا لمحمد وللأذى عن الموالى والعبيد من أتباعه دفعًا دفع حمزة بن عبد المطلب إلى أن يعلن اتّباعه محمدًا ومعاهدته على نصرته والتضحية فى سبيل أمره". إنها نفس الفكرة المحورية فى "الحزب الهاشمى"، وإن كان لا بد من أن نأخذ فى الاعتبار المدى الزمنى بين كتابة الكتابين، والفرق بين شخصية أبكار السقاف وشخصية القمنى، فضلا عن تغير الظروف الدولية فى وقتنا الحاضر عما كانت عليه فى الوقت الذى تم فيه تحبير كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية".
    ولنقرأ فى ذات الكتاب، ولكن فى موضع آخر: "بمنعة أبي طالب لمحمد وبانتصاره له وإيمانه بدعوته السياسية رغم عدم إيمانه بدعوته الدينية بدأ مظهر النزاع القديم بين هذين الفرعين من قُصَيّ يتخذ دوره الإيجابى مسفرًا عن اشتداد إخلاد قريش إلى عقيدتها بأنّ هذه الدعوة التى يطلع بها عليها محمد ليست فى مداها الحقيقي إلا دعوة سياسية لجأت فى تدعيم كلمتها إلى "الوحي"، واتخذت الدين الحنيف وسيلة إلى غاية تنحصر فى إحراز سلطة مطلقة عن طريق وحدة سياسية تأتي للعرب بإمبراطورية كتلك التى للفرس وكتلك التى للرومان، بل تهدف إلى أن تقيم القوائم من سلطانها على أنقاض هاتين الإمبراطوريتين كما كان قد أعلن هذا الهدف لمحمد نداء ما زال يتردد مجلجلا: اتبعونى. والذى نفس بيده لتملكنّ كنوز كسرى وقيصر!
    لا جدل فى أنه مذ ثوى قُصَيٍّ، والتطاحن على سيادة العرب سِجَالٌ بين فـرعي قـريش وعَوَانٌ، ولكنه ما اشتد قَطُّ اشتداده فى هذا العهد. كلا وما عمل كلا الفرعين إلى الإمارة وإليها جَدَّ جِدُّهما مثل هذا العهد. ولذلك فإن قريشًا، إذ تقف مقتنعة بأنّ محمدًا إنما سياسي اتخذ "الوحي" طريقًا للاعتراف بما يضمن له كامل السلطة ومطلق السلطان وأنه ليس إلا مفتريًا اتخذ اللَّه إلى هدفه وسيلة واتخذ الدين الحينفى مسندًا إليه فى دعوته يستند ليكفل لكلمته إصغاء، فليس إلا بوحي من أحداث العصر كانت قريش قد كونت عن محمد هذه الفكرة التى تحولت فى صدرها إلى يقين غداة استجابت لمحمدٍ هاشمٌ، مما كان السبب فى شد أزر الدعـوة المحمدية وتثبيتها والخروج بها من الدور الإعدادى إلى الدور العملي الذى اتخذ مظهر النزاع السافر بين الفريقين، والذى ما لبث بدوره أن تطور إلى مظهر التحدي حتى كاد يندلع شرر الحرب بين الفرعين".
    ولمزيد من المعلومات حول أبكار السقاف أسوق للقارئ العزيز ما قرأته فى بعض المواقع المشباكية لمحمد جلال القصاص من أن كتابها: "نحو آفاق أوسع" (وهو الكتاب الذى يعد كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية" أحد أجزائه) قد "صدر عام 1945م، وحدثت "دوشة" كبيرة حول الكتاب انتهت بمصادرته عام 1946م. لا حظ أنّ الكتاب تم مصادرته في فترة لم يكن ظهرت فيها ما يسمونه بــ"الأصولية الإسلامية"... وأبكار السقاف من المعاصرين ومن المعمَّرين (1913م- 1989م)، ولا يعرف عنها التاريخ سوى أنها إحدى الحسناوات ربيبة القصور وزوجة الأمراء والأثرياء. وقد أجهد نفسه من يترجم لكتب شىء عنها فلم يجد سوى التعجب من أن تهمل هذه الحسناء بنت الأثرياء. أقول: وهذا حالها، فقد صدر كتابها: "نحو آفاق أوسع" في عام 1945م، وكان عمرها اثنين وثلاثين عاما، والكتاب موسوعة ضخمة في أربعة مجلدات، ويشبه التحقيق الكبير. كيف أخرجته هذه الصبية الجميلة، وكانت قد تزوجت (أو خُطِبَتْ) وطُلِّقَتْ (أو انفصلت) من أمير برقة، ثم تزوجت ومات زوجها، ثم لم تخرج بعده عملا في نفس قيمته مع أنّها عُمِّرَتْ وتفرغت بعد ذلك؟ وإذا وضعنا في الحسبان أنّ هذه الفترة كان النصارى مشغولون فيها بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي من جديد، وإخراج كوادر "إسلامية متنورة"، وهي ذات الفترة التي خرجت فيها "دائرة المعارف الإسلامية"، ألا يدل كل ذلك على أنّ هذه الفتاة كُتِب لها أو أُعِدَّتْ لها الأفكار والمفاهيم، وهي صاغتها؟ مجرد تساؤل لا أجد صعوبة في الإجابة عليه بالإثبات. وإنْ حَلَفَ غيري لا أظن أنّه يحنث".
    قلنا إن عددا من الأفكار فى الكتاب الذى يحمل اسم القمنى وذلك الذى يحمل اسم أبكار السقاف واحدة، كما أن القمنى يباهى بأنه تلميذ لتلك الكاتبة، التى رأينا أن كتبها المطروحة هذه الأيام بوفرة واهتمام قد صودرت حين نشرت لأول مرة، وهو كلام له مغزاه، وبخاصة حين يقرأ الإنسان كتابها عن الدين فى بلاد العرب فيلفيها تتكلم عن الإسلام والقرآن ومحمد فى الغالب بكلام يحتمل معنيين: المعنى الأول أن يكون القرآن من عند محمد، استقى ما فيه من لقاءاته بالرهبان وأهل الكتاب الذين قابلهم هنا وهناك فى رحلاته التجارية إلى اليمن والشام، تلك اللقاءات التى تقرر أنها أثرت فى شخصية محمد، فهى كثيرا ما تقول مثلا: "وانطلق لسان محمد يقول كذا وكذا"، أو "استرسل من محمد الكَلِم يقول كذا"، أو "راح الصوت المحمدي يتجه نغما هادئا ينادي بكذا"، أو "أتت الإجابة من شفتي محمد بأنّ اللَّه له يقول كذا"، أو "جاءت الوعود من شفتى محمد بكذا"، أو "ارتفع الصوت من محمد ينادى بكذا"، أو "جاوب الجانبُ المحمديّ مرددًا كذا"، أو "يقول محمد بأنّ اللَّه عن الأمر الفلانى يقول كذا"، بدلا من أن تقول إن الوحى قد نزل عليه بالآية الفلانية أو السورة العلانية. وهو أسلوب من القول درج على شىء شبيه به عبد الرحمن الشرقاوى فى كتابه: "محمد رسول الحرية". وأما المعنى الثانى لكلام السقاف أو من كتب مستخدما اسمها، وإن لم يكن بنفس قوة المعنى الأول، فهو أن القرآن وحى من السماء. ويساعد على هذه الحيرة بين المعنيين أن الأسلوب الذى صيغ به الكتاب أسلوب متكلف عَسِر لا تتضوع فيه أنفاس البيان العربى، وفيه من العجمة شىء ليس بالقليل.
    ومما يحيرنى كذلك فى أمر السقاف أن بعض كتبها الأخرى ككتابها: "إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة" وكتابها: "الحلاج أو صوت الضمير" مثلا قد صيغت بأسلوب مباشر يختلف تماما عن هذا الأسلوب: فلا تكلف ولا عجمة ولا تقديم لما حقه التقديم ولا تأخير لما حقه التقديم، ولا عبارة مثل: "لا ثمة شك" المتحذلقة التى لم أجد لها نظيرا فيما يكتب الكتّاب والكاتبات. هل هناك أكثر من يد وراء تلك الكتب السقّافية؟ مجرد سؤال. هل تلك الكتب قد صاغتها فعلا يد أبكار السقاف، التى تمسك وهى فى مجالس الرجال بالسيجارة بدلال ولا دلال فاتنات السينما، وقد ارتدت ملابس تكشف عن صدرها وكتفيها وزنديها وذراعيها وساقيها وتركت شعرها الوَحْف دون أن تستره ولو بإيشارب حسبما تخبرنا صورتها المنتشرة على المشباك؟
    ويؤكد أيضا التشابه الكبير فى الأفكار الرئيسية بين الكتاب الذى يحمل اسم السقاف ونظيره الذى يحمل اسم القمنى ما نقرؤه عند السقاف مثلا عن عبد المطلب: "ليس بالجديد أن نقول إنّ عبد المطلب كان من حكام قريش وأشرافها وساداتها، لكن الجديد أن نكتشف ما قد كان لعبد المطلب من سجايا مطمورة فى تربة التاريخ وأن نراه يقف فى العصر القريشي مثلا رائعا للتوحيد الصافى والخالص النقي من وصمة اتخاذ الوسطاء على الله والتشفع بهم إليه ليسجل تنبُّه الوعى تماما فى هذه الفترة إلى ما إليه كان قد انصرف القلب قديما من دينٍ صاحَبَه الاعتقاد بأن به قد هبط إبراهيم الوادى وأورثه لإسماعيل غداة تَرَكَه بين جُـرْهُم يصحر معهم فى الصحراء. يقينا إنّ من الجديد أنْ نعلم أنّ عبد المطلب هو أوّل داعية رفض التوجه فى العبادة على "الوسطاء" والتمسح بأصنامهم أو تماثيلهم بغية التشفع بهم إلى الله! ومن الجديد أن نعلم أنّ عبد المطلب وحّـد الله توحيدًا خالصًا رفض به إلاّ التوجّه إليه بالسؤال. فهو بينما يقوم صورة بارزة للقيم الأخلاقية محرمًا الخمر والفسق وآمرًا بترك البغى والظلم وموصيًا بالوفاء بالعهد وناهـيًا عن نكاح المحارم وعن الوأد ومتبعًا التقاليد العربية فى قطع السارق وحاثًّا على مكارم الأخلاق ومحذرًا من يوم حساب عنه يطلق القول مقسمًا: "والله إن وراء هذه الدار دارًا يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسىء بسيئاته" فإنما يقوم معلنًا أنه يعبد الله على شريعة الحنيفية ويتبع دين إبراهيم وإسماعيل، وأنه يتخذ مكانًا لهذا التعبد "حراء". فقد كان عبد المطلب إذا أهل شهر رمضان صعد إلى حراء يتحنّث ويتعبّد ليعود فيُودِع التبشير بهذا الدين فى مسمع من حوله من أبنائه من بهم كان قد اشتد ساعده، ومن عنهم كان يتحدث قائلا: "إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء!". للحظة أخرى يتمهل الفكر هنا ويسبح مستوعبًا المعنى من هذا الصوت الذى لا بد أن يكون قد رنَّ فى وعى محمد صبيًّا وهو فى حجر عبد المطلب نشأ، وفى كنفه تربى، ليعود الفكر من هذا السبح مُوقِنًا بأن فى نفس محمد كان حتمًا أن يترك رنينُ هذا الصوت انطباعاته التى بوضوح بعد قد تجلت غداة أنشأ محمد "بالنبوة" دولة!".
    فهذا الكلام يماثل قول القمنى فى "الحزب الهاشمى": "إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء: قالها عبد المطلب بن هاشم، وهو يشير إلى أبنائه وحفدته، فبرغم التفكك القبلي في بيئة البداوة التي عاشتها جزيرة العرب، فإن هناك من استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص، وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة تكون نواتها ومركزها مكة تحديدا برغم واقع الجزيرة آنذاك... وإزاء كل هذه العوائق الواضحة والمحبطات السافرة للحلم وللأمل وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبيا مثل داود. وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة،. وآمن هؤلاء بذلك، وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم الآتي، وإن ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس التي تهفو للوحدة، وظن كل منهم أن الآتي سيكون منهم، مثل أمية بن عبد الله الثقفي الذي راودته نفسه بالنبوة و الملك، فقام ينادي:
    ألا نبي منا فيخبرنا * ما بعد غايتنا في رأس مَحْيانا؟
    لكن العجيب فعلا ألا يمضي من السنين غير قليل حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة بل دولة قوية ومقتدرة تطوي تحت جناحيها، وفي زمن قياسي، ممالك الروم و العجم بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه النبي المنتظر... ويبدو أن أخطر شأن في هذه الملة وفي أمر عبد المطلب جميعه هو إدراكه للنسب وخطورته بين الأعراب بحسبانه العامل الجوهري في تفككهم السياسي لاعتزاز كل قبيلة بنسبها القبلي والذي ظل مستبطنا في بطن التحول الجديد للبنية الاجتماعية المكية. ومن هنا كان إعلانه أن العرب جميعا، وقريش خصوصا، يعودون بجذورهم إلى نسب واحد. فهم، برغم تحزبهم و تفرقهم، أبناء لإسماعيل بن إبراهيم. لذلك، ولأنه ينتمي إلى هذه السلالة الشريفة، فقد أعلن في الناس تبرؤه من أرجاس الجاهلية وعودته إلى دين جده إبراهيم. ودين إبراهيم هو الفطرة الحنيفية التي ترفض أي توسط بين العبد والرب. فإذ أهل رمضان صعد إلى غار حراء متحنفا، ثم عاد ينادي قومه أنه قد حرم على نفسه الخمر وكل ضروب الفسق، حاثا على مكارم الأخلاق، داعيا الناس لاتباعه، مؤمنا بالبعث والحساب والخلود، هاتفا: "والله إن وراء هذه الدار دارا يجزي فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بسيئاته"، ثم لا يلبث أن يبشر قومه بقرب قيام الوحدة السياسية، فيشير إلى أبنائه وحفدته الذين أصبحوا له عزوة وشد أزر ويقول: "إذا أحب الله إنشاء دولة، خلق لها أمثال هؤلاء"، أولئك الأبناء الذين كاد يقدم أحدهم ذبيحا ابنه عبد الله أب النبي عليه السلام كما كاد يفعل جده البعيد إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام. وفي أمر عبد المطلب يقول المسعودي: "تنازع الناس في عبد المطلب، فمنهم من رأى أنه كان مؤمنا موحدا، وأنه لم يشرك بالله عز وجل. وكان عبد المطلب يوصي بصلة الأرحام وإطعام الطعام ويرغبهم ويرهبهم، فِعْل من يراعي في المتعقب معادا وبعثا ونشورا".
    كذلك وقفت السقاف عند عبد المطلب وزيد بن عمرو بن نفيل وأمية بوصفهم حنفاء، وعلى هذا الترتيب الذى تناولهم به القمنى أيضا، وإن كان القمنى قد تناول حنفاء آخرين، إلا أنه أبقى الكلام عن هؤلاء الثلاثة إلى النهاية وساقهم بهذا الترتيب، وأرود لهم كثيرا من النصوص التى أوردها كتاب السقاف، وأبرز أهيمتهم بنفس الطريقة التى نجدها عندها، أو بالأحرى: فى الكتاب الذى يحمل اسمها. والملاحظ أيضا أن احتفاء الاثنين بأمية بن أبى الصلت وتمجيده كبير حتى إنهما ليركزان كثيرا على "طهره" و"تطهره"، فضلا عن إيرادهما أشعاره المشبهة لما فى القرآن بوصفها أشعارا صحيحة مع ما هو مشهور بين العلماء من أنها منحولة عليه. وقد زاد القمنى فعزا، عن طريق التدليس، القول بصحتها إلى د. جواد على، الذى قال عكس هذا تماما. إلا أن القمنى حذف من كلام الباحث العراقى سطورا كثيرة ثم لحم النص بطريقة توحى بأن جواد على يقول ما قاله هو من أن شعر أمية المشابه للقرآن هو شعر صحيح، وأن الرسول والقرآن من ثم مدينان له.وقد فصلنا القول فى ذلك تفصيلا فى المقال المسمى: "اعتزال سيد القمنى".
    ولكن هل كتاب أبكار السقاف هو مصدر العبارة المنسوبة إلى عبد المطلب، تلك التى يباهى فيها ذلك الشيخُ الجليلُ بأبنائه وأحفاده ويؤكد أن أمثالهم أحرياء أن ينشئوا الدول؟ كلا ثم كلا ثم كلا. إنما هو فى أحسن أوضاعه مرجع وسيط. ولكن صاحبته للأسف لم تذكر المصدر الذى أُخِذَتْ منه هذه المعلومة، بل أوردت اسم مرجع وسيط آخر، ثم زادت الطين بلة فلم تحدد مكان الطبع ولا تاريخ الطبعة أو رقم الصفحة، مكتفيةً بالقول بأنه كتاب "قصة الأدب فى الحجاز فى العصر الجاهلى" من تأليف خفاجى والجيار. وهو أمر يبعث على القهقهة، إذ الصواب أنه من تأليف د. محمد عبد المنعم خفاجى وعبد الله عبد الجبار، فانظر الفرق بين الأمرين كى تدرك مدى الاضطراب الذى أحاط بالكاتبة حتى إنها لا تعرف الفرق بن عبد الجبار والجيار ولا تفكر فى تحديد الطبعة ورقم الصفحة فى كتاب يبلغ عدد صفحاته زهاء السبعمائة.
    وقد أرهقنى الأمر قبل أن أنجح فى الوصول إلى موضع الاقتباس، وهو الصفحة رقم 306 من طبعة مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة عام 1400هـ- 1980م لأفاجأ بأن السقاف قد أفسدت النقل، إذ ذكرت أن عبد المطلب هو الذى قال هذه العبارة وهو ينظر إلى أولاده وأحفاده مباهيا بهم، على حين أن قائلها، كما ورد فى كتاب خفاجى وعبد الجبار وكما ورد فى كتاب "أعلام النبوة" للماوردى، إنما هو أعرابى كان قد مر بعبد المطلب جالسا وحوله أولاده وأحفاده. على أن المؤلفَيْن المذكورَيْن بدورهما لم يذكرا المصدر الذى استقيا منه هذه العبارة وتركانا فى عماية معماة من الأمر. فانظر، أيها القارئ العزيز، إلى كل هذا الاضطراب، وتعجب ما حلا لك التعجب! ثم يقال بعد هذا كله لذلك المزور القرارى إنه باحث لم تلده ولادة! ما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إلهى يحرسك من العين يا قمنى!
    بالله أهذا الهلس يصلح فى ميدان البحث العلمى؟ أمن المعقول أن يأتى أحدهم إلى عبارة طائرة لا يدرى من أين أُخِذَتْ ولا من قالها ولا ماذا تعنى، بل لا يدرى أصلا أهى صحيحة أم لا، ثم يرتب عليها أطروحته كلها، وهى أطروحة فى منتهى الخطورة، إذ تتهم محمدا عليه السلام بأنه ليس نبيا بل رجلا سياسيا أراد تحقيق مطامح جده فى توحيد العرب وإقامة دولة تحمل اسم الهاشميين، ثم لا دين بعد ذلك ولا يحزنون؟ وقد نفضتُ كثيرا جدا جدا من كتب التراث التى يغلب على الظن أن مثل تلك العبارة يمكن أن يعثر الباحث عليها فيها فلم أوفق. وبعد رحلة بحثية أخرى لم أعثر عليها إلا فى كتاب واحد هو كتاب "أعلام النبوة" للماوردى المولود فى أول الثلث الأخير من القرن الرابع الهجرى تقريبا.
    والملاحظ أن هذه العبارة لا وجود لها فى تاريخ الطبرى ولا فى سيرة ابن هشام ولا فى "المغازى" للواقدى ولا فى غيرها من كتب التاريخ الموجودة فى موقع "الوراق"، وهى بالعشرات. فكيف انفرد الماوردى بها؟ وأين كانت قبل أن يوردها فى كتابه؟ وحتى لو صدقنا بها، فمن ذلك الأعرابى الذى قالها؟ وفى أية ظروف نطق بها؟ بل من هو الراوى الذى رواها للماوردى؟ والواقع أن العبارة لا يمكن أن تكون صحيحة. لماذا؟ أولا لأن كلمة "دولة" بالمعنى الذى يقصده القمنى ومن يتابعهم عميانيا دون فهم أو عقل أو منطق أو تدقيق ليست من معجم الجاهليين. ودونك، يا قارئى العزيز، الشعر الجاهلى كله ففَلِّه براحتك. فإن وجدت هذه الكلمة فى أى شاهد منه غير الشاهد التالى، وهو بمعنى مختلف تماما عما نحن فيه، فتعال قل لى، ولك منى الشكر الجزيل. يقول سليمة بن مالك الأزدى: "وَالقَومُ لا يغنيهمُ رَيْبُ الدُّوَلْ"، أى تداول النصر والهزيمة.
    كذلك دونك القرآن الكريم، ويقينا لن تعثر على هذه الكلمة بين مفرداته، بل هناك فقط كلمة "دُولَة" فى قوله تعالى عن الحكمة وراء توزيع الأنفال على فئات بعينها من المهاجرين غِبَّ انتصار المسلمين فى خيبر: "كيلا يكون دُولَةً بين الأغنياء منكم"، أى كيلا ينحصر تداول المال فى يد الأغنياء منكم. فـ"الدُّولَة" هنا من التداول، ولا علاقة لها بمفهوم الدولة (state) إطلاقا. كذلك تخلو أحاديث الرسول الكريم من تلك الكلمة أيضا، اللهم إلا حديثين أو نحو ذلك من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة استعملا الكلمة بمعنى "السيادة" أو "الدَّوْر" أو "الحصّة"، إذ نُسِب إلى الرسول قوله: "إن للمساكين دولة. قيل: يا رسول الله، وما دولتهم؟ قال: إذا كان يوم القيامة قيل لهم: انظروا من أطعمكم في الله لقمة وكساكم ثوبا أو سقاكم شربة ماء، فأدخلوه الجنة"، "حدثني جبريل عليه السلام، قال: يدخل الرجل على الحوراء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبأي بنان تعاطيه؟ لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوؤه ضوء الشمس والقمر. ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها. فبينا هو متكئ معها على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه فيظن أن الله عز وجل قد أشرف على خلقه، فإذا حوراء تناديه: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ فيقول: من أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله تبارك وتعالى: "ولَدَيْنا مَزِيد"، فيتحول عندها، فإذا عندها من الجمال والكمال ما ليس مع الأولى. فبينا هو متكئ معها على أريكته، وإذا حوراء أخرى تناديه: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ فيقول: من أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله عز وجل: "فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخْفِيَ لهم من قُرَّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون". فلا يزال يتحول من زوجة إلى زوجة".
    ويؤكد هذا كلَّه ما أثبته الخليل بن أحمد فى معجم "العين"، وهو أقرب المعاجم العربية إلى الجاهلية، وهو: "الدُّولةُ والدَّوْلةُ لغتان، ومنه الإدالة. قال الحَجّاج: إِنّ الأرضَ ستُدَالُ مِنّا كما أَدَلْنا منها. أي نكون في بَطْنها كما كُنّا على ظَهْرها. وبنو الدِّول: حَيٌّ من بني حنيفة". وكما يرى القارئ لا وجود لكلمة "دولة" بالمعنى العصرى فى هذا المعجم. وقد جرت العادة حينذاك أن يقال: "الفرس والروم والأحباش" مثلا بدلا من "دولة الفرس ودولة الروم ودولة الأحباش" كما فى قوله عز شأنه: "ألم غُلِبَتِ الرُّوم فى أدنى الأرض، وهم من بعد غَلَبهم سيَغْلِبون* فى بِضْع سنين".
    ولقد بدا لى قبل هذا أن أراجع الشعر الجاهلى كله فى الإصدار الثالث من "الموسوعة الشعرية" لأرى الأبيات التى تتضمن تركيب "إذا أحب الله..."، فلم أجد فيه ولو شاهدا واحدا، بل لم أجد أى شاهدا أتى فيه اسم الجلالة فاعلا لفعل "إذا" الشرطية قط رغم أننى استعرضت فى ذلك مئات الأبيات التى استعمل فيها أصحابها هذه الأداة ما بين شعراء مشهورين وآخرين مغمورين، وشعراءَ رجالٍ وشاعراتٍ نساءٍ، وما بين "إذا" التى فعل شرطها ماض و"إذا" التى فعل شرطها مضارع، وما بين "إذا" المجردة من "ما" وإذا" التى يعقبها هذا الحرف، وكذلك ما بين "إذا" التى تليها جملة فعلية و"إذا" التى تليها جملة اسمية، وما بين "إذا" الابتدائية و"إذا" التى تتصدر جملة الخبر، وما بين "إذا" التى ترد فى صدر البيت و"إذا" التى تأتى فى دَرْجِه... إلخ. ثم إننى لم أكتف بهذا، بل زدت فاستعرضت فى الموسوعة المذكورة كل الأبيات التى ورد فيها الفعل: "أَحَبَّ" فلم أجده قط فى شعر الجاهليين مسندا إلى الله ولا واقعا عليه أيضا.
    وثالثا كيف يمكن أن تخطر لأعرابى فكرة إنشاء الدول، ولم يعرف الأعراب أوانذاك إقامة الدول، إذ كانوا قبائل متناحرة لم يعرفوا الدول ولا الأوطان كما نعرفها نحن الآن؟ وبحقٍّ يؤكد مكسيم رودنسون المستشرق الفرنسى المعروف، فى مادة "محمد" فى طبعة هذا العام من "Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية"، أن العرب "كانوا يجهلون فكرة الدولة: la notion d'État était inconnue". بل إنهم لم يكونوا ينسبون مثل هذه الأمور إلى الله سبحانه ولا كان يدور فى أذهانهم فى ذلك الوقت من الجاهلية مفهوم المشيئة والإرادة الإلهية على النحو الذى عرفوه بعد الإسلام. لقد كانوا يقولون مثلا: "نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر". ولدينا الشعر الجاهلى، وليس فيه شىء يدل على أنهم كانوا يربطون بين مثل ذلك الأمر وبين إرادة الله. ولنفترض بعد هذا كله أن ما قلناه غير صحيح، وهو لا يمكن إلا أن يكون صحيحا، فكيف لم يحاول واحد من منشئى الدول هؤلاء حسب قولة الأعرابى المزعومة كالعباس وحمزة وأبى لهب وأبى طالب مثلا أن يفكر فى إقامة دولة، اللهم إلا صغيرهم وابن أخيهم محمدا؟ لقد وقفوا منه أول ما بدأ دعوته إلى الإسلام موقف العداء والعناد، بل لقد انضم بعضهم إلى معسكر المؤذين له المتآمرين عليه كأبى لهب. كما أن الذين آمنوا من كبارهم إنما آمنوا بأُخَرَةٍ ولم يسارعوا إلى الانضمام إلى صفوف أتباع منشئ الدول هذا. أما أبو طالب، الذى بسط حمايته على ابن أخيه وكان له فى كثير من المواقف ردء صدق، فلم يؤمن به قط رغم كل الحنان الذى كان يكنه له فى قلبه.
    بل لقد كان أبو طالب يطلب منه صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحيان أن يكف عن الدعوة إلى ما جاء به إبقاء على العلاقات التى تربط الهاشميين بسائر المكيين على ما تصوره لنا الرواية التالية من السيرة النبوية لابن هشام والتى أوردها الكاتب نفسه فى كتابه موجزة: "ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه. ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه. ثم إنهم مَشَوْا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استَنْهَيْناك من ابن أخيك فلم تَنْهَه عنا. وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفّه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه.
    قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدّث أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا (الذي كانوا قالوا له)، فأَبْقِ عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق. قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بَدَاءٌ أنه خاذله ومُسْلِمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته. قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام. فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا بن أخي. قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أُسْلِمك لشيء أبدا". أفلو كان هناك تلك التخطيطات التى يزعمها أصحاب التخليطات الحشاشية، أكان هذا يكون موقف أبى طالب من ابن أخيه الساعى لإنشاء دولة العشيرة؟ أُفٍّ لكل مُهْتَلَسٍ مَأُوف!
    ثم إن الكاتب نفسه يقول بعد ذلك ما نصه: "وكانت النتيجة التي سجلتها كتب التاريخ الإسلامي أنْ حَقِبَ الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادأ بعضهم بعضا، وقام حزب عبد الدار يستجمع حلفاءه لمواجهة ما بدأت نذره في الأفق برغم نداء بعض العقلاء مثل عتبة بن ربيعة، الذي التقى النبي، وأدرك الأهداف الكبرى للدعوة، فقام يقول لقريش: يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وما هو فيه فاعتزلوه. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعتُ منه نبأ عظيم. فإن تُصِبْه العرب فقد كُفِيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. وعلى الطرف الآخر أعلن الهاشميون أنهم قد منعوا فتاهم برغم عدم متابعة دعوته دينيا، اللهم إلا أفرادا فرادي. فكانت عصبيتهم القبلية درعا قويا لدعوة حفيد عبد المطلب، التي استنفرت الحزب المناوئ الذي أصر على زعمه أنها دعوة لو كتب لها النجاح لصار الأمر كله إلى البيت الهاشمي". وإن العاقل ليتساءل: لماذا يا ترى يَنْكِل الهاشميون عن متابعة محمد فى دعوته ما دامت تؤدى إلى إنشاء الدولة التى لا تكلّ عشيرتهم عن التخطيط لها والعمل على تحقيقها بكل وسيلة منذ أجيال؟ وماذا يضيرهم فى أن يتابعوه على دعوته؟ أو فلنقل: وماذا كان يضيره لو ترك دعوته الدينية وركز على تنفيذ خطته السياسية ما دام الدين الذى جاء به قد فرق قومه، وفرق معهم عشيرته أيضا، بدلا من توحيدهم؟ ثم كيف يفسر كاتبنا البلبوصىّ هذه الحكمة التى بدت على عُتْبة بن ربيعة فأراد من أهل مكة أن يكفّوا عن مناوأة الرسول، وابنُ ربيعة لم يكن هاشميا؟
    وبالمناسبة فالكاتب لا يرتاح هنا إلا بعد أن يكذّب ما يقوله الرسول والصحابة عن عمرو بن هشام، الذى سَمَّوْه: "أبا جهل"، إذ يقول لوذعيُّنا الكارهُ لكل شىء فى الإسلام: "ومن الجدير بالذكر أن عمرو بن هشام لم يكن رجلا أحمق أو أبله بدلالة تحاكم العرب إليه في النفورة والمشاورة والمخايرة منذ حداثته حتى إنهم أدخلوه دار الندوة صبيا". وهذا يعنى أن ما قاله المسلمون والرسول عن جهله وحمقه هو كذب فى كذب وغيظ وحقد لا حقيقة له، وكأن كل صاحب منصب لا بد أن يكون أهلا لذلك المنصب. أفلا يكفى أن يعادى دعوة الإسلام وأن يظل طوال عمره مفعم القلب بالحقد على الرسول الكريم عاميا عن القيم النبيلة المضيئة التى يحتوى عليهادينه، مؤثرا عليها قيم الجاهلية الجهلاء؟ أفلا يكفى أن يكون هو مُورِد قومه مَوْرِد التهلكة فى بدر حين أصر فى عنادٍ غبىٍّ وكِبْرٍ مقيتٍ على متابعة جيش قريش تقدمه إلى بدر رغم توارد الأنباء بنجاة القافلة القرشية التى خرج الجيش لحمايتها، فكانت ثمرة ذلك العناد الجهول الأحمق أن جُنْدِل العشرات من صناديد قريش وقوادها ورؤسائها، ومنهم أبو الجهل هذا؟


    يتبع...

القمنى بلبوصًا - فضح مخازى القمنى فى كتاب: الحزب الهاشمى

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الرد على الدكتور سيد القمنى
    بواسطة MoslimOnline في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 26-07-2009, 05:29 AM
  2. متابعة .. الرد على الدكتور سيد القمنى
    بواسطة MoslimOnline في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-07-2009, 10:47 PM
  3. الرد على الدكتور سيد القمنى
    بواسطة MoslimOnline في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-07-2009, 10:44 PM
  4. مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 25-04-2009, 09:42 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

القمنى بلبوصًا - فضح مخازى القمنى فى كتاب: الحزب الهاشمى

القمنى بلبوصًا - فضح مخازى القمنى فى كتاب: الحزب الهاشمى