أيتها الغالية ..
هل سمعت عن تلك التي قالت لقومها :
أي والله إني على دينه ..
ما شأنها ؟!..
وما قصتها ؟!..
وما خبرها ؟!..
إنها أم شُريك ..
إنها غزيّة بنت جابر ابن حكيم القرشية العامرية ..
التي كانت من أوائل من أسلم هي وزوجها ..
تحكي رضي الله عنها قصة حياتها ..
حياة الثبات والصبر على دينها رغم التعذيب القاسي ..
تقول : جاءني أهل زوجي ، فقالوا لي :
لعلك على دين محمد ؟!..
لعلك على دين محمد ؟!..
قلت : أي والله إني لعلى دينه ..
تأملي نبرة العزة ..قلت : أي والله إني لعلى دينه ..قالوا : لا جرم .. والله لنعذبنَّك عذاباً شديداً ..
ثم ارتحلوا بي على جمل هو شر ركابهم وأغلظ ..
يطعمونني الخبز والعسل ؛ ويمنعون عني الماء ..
حتى إذا انتصف النهار ، وسخنت الشمس ؛ نزلوا فضربوا أخبيتهم وتركوني في الشمس قائمة ، وفعلوا بي ذلك ثلاثة أيام ..
حتى ذهب عقلي ، وسمعي ، وبصري ..
قالوا لي في اليوم الثالث :اتركي دين محمد وما أنت عليه ..
تقول قلت في نفسي : ليتهم رجعوا إلى أنفسهم بعد ماعاينوا صبري وقد ذهب عقلي وسمعي وبصري ..لعلهم يرجعون عن غيهم وفعلتهم هذه ويدخلون في دين الله عز وجل ..
الدين الذي تذوقت حلاوته ..
نعم أيتها الغالية ..إنها امرأة لا تملك من حطام الدنيا شيئاً لتفتدي به نفسها من ذلك العذاب ..
ولكنها تمتلك الإيمان ..
تمتلك الإيمان الذي خالطت بشاشته القلوب فامتلأت بحب علَّام الغيوب..
نعم ..
إنَّ الإيمان هو المحرك الحقيقي لهذا الإنسان ..
تقول غزيّة :
وما دريت والله ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة ..
كنت أشير بأصبعي إلى السماء _ علامة على ثباتها على معرفة الله الواحد
الأحد _ ..
تقول : فوالله إني لعلى ذلك وقد بلغ مني الجهد ولكن شاء الله عز وجل أن يلطف بي بعد ذلك البلاء المبين ..
أما قال الله سبحانه : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } ..
أما قال سبحانه : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } ..
تقول : وبين أنا على تلك الحال إذ وجدت برد دلو على صدري ..
فأخذته فشربت منه جرعة واحدة ..
ثم انتُزع فنظرت _ وهي التي فقدت بصرها _ فنظرت فإذا هو معلق بين السماء والأرض ، فلم أقدر عليه ..
ثم تدلى ثانية فشربت منه جرعة ..
ثم تدلى ثالثة فشربت حتى رويت وأرقت على رأسي ووجهي وثيابي ..
خرج أهل زوجي ونظروا إليَّ على تلك الحال ..
وقالوا : من أين لك هذا يا عدوة الله ..
فقلت بكل عزة وثبات ..
قلت بكل عزة وثبات ..
عدو الله غيري ..
إنه من خالف دين الله وعصى أوامره ..ثم قلت : أمّا هذا الذي تتساءلون عنه فهو من عند الله عز وجل ..
رزق رزقنيه الله ..الله الذي { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } ..
الله الذي قال : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } ..
قريب ..
أسمع وأجيب ..
وأعطي البعيد والقريب ..
وأرزق العدو والحبيب ..
قريب ..
أغيث اللهفان ..
وأُشبع الجوعان ..
وأسقي الظمآن ..
وأتابع الإحسان ..
قريب ..
عطائي ممنوح ..
وخيري يغدو ويروح ..
وبابي مفتوح ..
وأنا حليم كريم صفوح ..
قريب ..
يدعوني الغريق في البحار ..
والضال في القفار ..
والمحبوس خلف الأسوار ..
كما دعاني عبدي في الغار ..
قريب ..
فرجي في لمحة البصر ..
وغوثي في لفتة النظر ..
المغلوب إذا دعاني انتصر ..
سبحانه ..
اطلع فستر ..
وعلم فغفر ..
وعُبد فشكر ..
وأوذي فصبر ..
سبحانه لا إله إلا هو ..
قلت : أما هذا الذي تتساءلون عنه فهو من عند الله عز وجل ..
رزق رزقنيه الله ..
الله الذي { يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ }..
هنا انطلق أهل زوجي سراعاً إلى قرابهم المملوءة بالماء وإلى أوعيتهم الأخرى يستجلون الخبر ، فعند القراب والأوعية الخبر اليقين ..
وجدوها موكوءة لم تُحل ..
فعادوا لها وقالوا : نشهد بأن ربك هو ربنا وإن الذي رزقك في هذا الموضوع وفي هذا المكان بعد أن فعلنا بك ما فعلنا هو الذي شرع هذا الدين العظيم ..
هو الإله الحق ..
ثم أسلموا وهاجروا جميعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..بثباتها ، وعزتها ، وموقفها الشديد أسلم القوم ..
أسلم القوم ، وظهر لهم الحق ..إنه درس على الثبات والإيمان الذي جعل الؤمنات كالجبال الراسيات ..
فلا عذاب ولا تهديد يجعلهنّ يقدمنّ أي تنازلات ..
بل إباء ، وشموخ ، وثبات ..
المفضلات