للرد
قال تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ } وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أن مجيء ذلك التابوت لا بد وأن يقع على وجه يكون خارقاً للعادة حتى يصح أن يكون آية من عند الله، دالة على صدق تلك الدعوى، ثم قال أصحاب الأخبار: إن الله تعالى أنزل على آدم عليه السلام تابوتاً فيه صور الأنبياء من أولاده، فتوارثه أولاد آدم إلى أن وصل إلى يعقوب، ثم بقي في أيدي بني إسرائيل، فكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلم وحكم بينهم وإذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم، وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر وهم يقاتلون العدو فإذا سمعوا من التابوت صيحة استيقنوا بالنصرة، فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وسلبوه، فلما سألوا نبيهم البينة على ملك طالوت، قال ذلك النبـي: إن آية ملكه أنكم تجدون التابوت في داره، ثم إن الكفار الذين سلبوا ذلك التابوت كانوا قد جعلوه في موضع البول والغائط، فدعا النبـي عليهم في ذلك الوقت، فسلط الله على أولئك الكفار البلاء حتى إن كلّ من بال عنده أو تغوط ابتلاه الله تعالى بالبواسير، فعلم الكفار أن ذلك لأجل استخفافهم بالتابوت، فأخرجوه ووضعوه على ثورين فأقبل الثوران يسيران ووكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما، حتى أتوا منزل طالوت، ثم إن قوم ذلك النبـي رأوا التابوت عند طالوت، فعلموا أن ذلك دليل على كونه ملكاً لهم، فذلك هو قوله تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أن يأتيكم التابوت } والإتيان على هذا مجاز، لأنه أتى به ولم يأت هو فنسب إليه توسعاً، كما يقال: ربحت الدراهم، وخسرت التجارة.
والرواية الثانية: أن التابوت صندوق كان موسى عليه السلام يضع التوراة فيه، وكان من خشب، وكانوا يعرفونه، ثم إن الله تعالى رفعه بعد ما قبض موسى عليه السلام لسخطه على بني إسرائيل، ثم قال نبـي ذلك القوم: إن آية ملك طالوت أن يأتيكم التابوت من السماء، ثم إن التابوت لم تحمله الملائكة ولا الثوران، بل نزل من السماء إلى الأرض، والملائكة كانوا يحفظونه، والقوم كانوا ينظرون إليه حتى نزل عند طالوت، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، وعلى هذا الإتيان حقيقة في التابوت، وأضيف الحمل إلى الملائكة في القولين جميعاً، لأن من حفظ شيئاً في الطريق جاز أن يوصف بأنه حمل ذلك الشيء وإن لم يحمله كما يقول القائل: حملت الأمتعة إلى زيد إذا حفظها في الطريق، وإن كان الحامل غيره.
جعل الله تعالى إتيان التابوت معجزة، ثم فيه احتمالان أحدهما: أن يكون مجىء التابوت معجزاً، وذلك هو الذي قررناه والثاني: أن لا يكون التابوت معجزاً، بل يكون ما فيه هو المعجز، وذلك بأن يشاهدوا التابوت خالياً، ثم إن ذلك النبـي يضعه بمحضر من القوم في بيت ويغلقوا البيت، ثم إن النبـي يدعي أن الله تعالى خلق فيه ما يدل على واقعتنا، فإذا فتحوا باب البيت ونظروا في التابوت رأوا فيه كتاباً يدل على أن ملكهم هو طالوت، وعلى أن الله سينصرهم على أعدائهم فهذا يكون معجزاً قاطعاً دالاً على أنه من عند الله تعالى، ولفظ القرآن يحتمل هذا، لأن قوله: { يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ } يحتمل أن يكون المراد منه أنهم يجدون في التابوت هذا المعجز الذي هو سبب لاستقرار قلبهم واطمئنان أنفسهم فهذا محتمل.
المسألة الثانية: قال صاحب «الكشاف»: وزن التابوت إما أن يكون فعلوتاً أو فاعولاً، والثاني مرجوح، لأنه يقل في كلام العرب لفظ يكون فاؤه ولامه من جنس واحد، نحو: سلس وقلق، فلا يقال: تابوت من تبت قياساً على ما نقل، وإذا فسد هذا القسم تعين الأول، وهو أنه فعلوت من التوب، وهو الرجوع لأنه ظرف يوضع فيه الأشياء، ويودع فيه فلا يزول يرجع إليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته.
المسألة الثالثة: قرأ الكل: التابوت بالتاء، وقرأ أبـي وزيد بن ثابت { التابوه } بالهاء وهي لغة الأنصار.
المسألة الرابعة: من الناس من قال: إن طالوت كان نبياً، لأنه تعالى أظهر المعجزة على يده وكل من كان كذلك كان نبياً، ولا يقال: إن هذا كان من كرامات الأولياء، لأن الفرق بين الكرامة والمعجزة أن الكرامة لا تكون على سبيل التحدي، وهذا كان على سبيل التحدي، فوجب أن لا يكون من جنس الكرامات.
والجواب: لا يبعد أن يكون ذلك معجزة لنبـي ذلك الزمان، ومع كونه معجزة له فإنه كان آية قاطعة في ثبوت ملكه.
هذا ما جاء عن التابوت
اما السكينة
المفضلات