-
عزازيل بين النصرانية والعلمانية والإسلام
عزازيل بين النصرانية والعلمانية والإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين... أما بعد: فقد وصلتني رواية عزازيل الأسبوع السابق دون أن أطلبها، ولكن أتاني بها بعض أصدقائي لإطلاعي عليها... فلما تصفحتها تطرأ إلى ذهني خواطر أحببت أن أقيدها بالكتابة ثم حفظها بالنشر... وهذه الخواطر إما أن تكون صالحة أو غير ذلك.. فإن كانت الأولى فهي من الله عز وجل وفضله ومننه، وأما الثانية فهي مني ومن الشيطان، ولا مانع من حذفها من قبل إدارة المنتدى إن شاءوا..
أما الأولى فهي أن الذين جهزوا هذه الرواية للنشر وطبعها ونشرها وقاموا بتوزيعها جميعهم لا بد أن يكونوا علمانيين. وأنا على الحقيقة لا أعرفهم شخصيا ولا أعرف أي شيء عن أي أحد منهم... ولكني قلت هذا من أجل أسباب سوف أذكرها إن شاء الله تعالى.. فهذه الرواية لا تمثل إلا امتدادا للصراع القديم بين العلمانية والنصرانية.. الصراع الذي ابتدأ منذ حوالي مائتي عام، وانتهى بضربة قاضية للعلمانية ضد الكنيسة الكاثوليكية بروما، وأطاحت بالسيطرة الكنسية في أوربا من الناحية السياسية والاجتماعية والعقائدية والعلمية والفكرية والتعليمية والثقافية والاقتصاية والأسرية وفي جميع المجالات بعد أن كانت الكنيسة كانت تسيطر على كافة هذه المجالات وكان ملوك أوروبا يسجدون للبابا.. وكانت النتيجة عزل النصرانية تماما عن المجتمع الأوروبي، بل نفي أو عزل البابا نفسه في منطقة صغيرة اسمها الفاتيكان ومنعه من التدخل في أي شأن من شئون أوروبا السياسية والاقتصادية وغيرها...
وكان العلمانيون في أوروبا قبل أن يظهروا في بلادنا، يستخدمون نفس السلاح الذي يستخدمه العلمانيون الآن لفضح الكنيسة والنصرانية، وهو سلاح الفضائح الغرامية للرهبان.. وذلك لأن هؤلاء الرهبان لا يتزوجون وبالتالي لا يستطيع أحد منهم السيطرة على شهواتهم وزلاتهم تكون سهلة، فكان العلمانيون يجلسون لهم بالمرصاد ويؤلفون الكتب في أوروبا ويكتبون المقالات لنشر هذه الفضائح بل وعمل مكائد خاصة لهم لتوريطهم فيها عن طريق الصحفيين والصحفيات... وهذا هو السبب الأول الذي من أجله قام بعض العلمانيين الذين لا أعرفهم بنشر هذه الرواية والتعليق عليها في الصحف... والإسلام والإسلاميون والعلماء والمشايخ المسلمون بريئون من كل هذا... فليس من منهج الإسلام ولا المشايخ ولا الإسلاميين تفصيل هذه المشاهد الغرامية للرهبان.. لسببين الأول أن الإسلام أمر بجدال هؤلاء بالأساليب الحسنة كما قال تعالى :{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}...وليس بالتشهير بهذا التفصيل الذي قام به ناشرو هذه الرواية.. وثانيا لأنه ليس من الممكن أن يقوم أحد من المشايخ أو علماء المسلمين أو الإسلاميين أن يترجم أو ينشر بل ولا يقرأ تفاصيل هذه الوقائع الغرامية بين الراهب هيبا وبين المرأة الوثنية أوكتافيا وبينه وبين المغنية مرتا..
فهذا كله لا يمثل صراعا بين الإسلام والنصرانية ولكن بين النصرانية والعلمانية، وليس للإسلام ولا علماء المسلمين ولا المشايخ ولا الإسلاميين أي دخل من قريب أو بعيد أو علاقة صغيرة أو كبيرة بهذا الموضوع...
وأما الخاطرة الثانية وهي التي شدت انتباهي وكانت محل اهتمامي، وهي موقف نسطور والآريوسيين في مسألة ألوهية المسيح عليه السلام... فنسطور كما قال تلميذه الراهب هيبا كان ينفي ألوهية المسيح عليه السلام وأمه القديسة مريم.. وكان يقول إن الله عز وجل كامل ولا يليق أن يكون له ولد، وأنه لا يمكن أن يخرج الله من بطن امرأة ويرضع ويبكي، وأن من يقول بألوهية المسيح وأمه فهو كافر مهرطق، وأن دين المسيح الصحيح الذي جاء به هو عبادة الله عز وجل وعدم الإشراك به، والتوحيد ونفي التثليث وغير ذلك. فنفهم أن النصرانية قد حرفت في أصل عقيدتها وهي التوحيد الذي جاء به كل الأنبياء... هذا كله هو ما قاله القرآن الكريم بالضبط:{لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم، وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي ربكم، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}في سورة المائدة وغيرها من الآيات التي تتعرض لهذا الأمر...
وكل هذا يثبت وجود المسلمين من النصارى القدماء أي الموحدين حتى القرن الخامس الميلادي قبل فرض قانون الإيمان على جميع الكنائس وهدم كنائس الآريوسيين والقضاء على فكر نسطور وتلاميذه ونفي نسطور نفسه..
فهذه ملاحظة تاريخية خطيرة جدا... وتمثل الصراع التاريخي بين المسلمين النصارى -أي الموحدين- والمشركين من النصارى القدماء أي الذين كفروا وادعوا ألوهية المسيح عليه السلام وأمه رضي الله عنها.. وتبين أن دين المسيح الصحيح هو نفسه الإسلام القائم على التوحيد وعبادة الله عز وجل دون الإشراك به ودون ادعاء إلها معه أو ادعاء أن له ولد...وكما قال تعالى في سورة المائدة وهو يخاطب المسيح عليه السلام ويذكره نعمه عليه:{وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون}..
أما الثالثة وهي تفيد المشتغلين بعلم التاريخ، وهي تمثل مرحلة خطيرة من مراحل الصراع بين النصرانية القديمة والوثنية... فقتل النصارى لهيباتيا بهذه الطريقة البشعة تمثل أفضل صورة لطبيعة هذا العصر الذين كان الصراع فيه بين النصرانية والوثنية قد ابتدأ يميل لصالح النصرانية بعد أن كان لصالح الوثنية... وعلى الرغم من أننا نحن المسلمين لا نوافق على هذه الطريقة البشعة التي قتل بها النصارى هيباتيا، ولكن يلزم علينا أن ندافع عن موقف الرهبان من النصارى وإن كانت هذه الحادثة خطأ منهم.... وهذا هو ما سوف نفترق فيه مع العلمانيين في عصرنا هذا... لأن العلمانيين في عصرنا يقفون دائما في جميع العصور التاريخية في صف الوثنيين ضد أصحاب الرسالات السماوية من أجل تشويه صورة الرسالات السماوية ورجال الدين في أعين الناس في هذا العصر.. وهؤلاء العلمانيون لا يحاربون النصرانية فقط وإنما يحاربون كل الرسالات القائمة على عبادة الله عز وجل لأن من أهم وأكبر مبادئ العلمانيين مبدأ الحرية الذي يتضمن الحرية من عبادة الله عز وجل.. فالعلمانيون دائما يقفون في صف الوثنيين ويبررون أفعالهم وأعمالهم ووصفها بأنها أعمال علمية وعقلية، ويهاجمون أصحاب الرسالات السماوية سواء النصارى أو المسلمين.... وهذا الأمر واضح جدا في كلامهم وتعليقاتهم ومقالاتهم -في الصحف وغيرها- على الرواية، فهم يحاولون أن يصفوا بأن الرهبان لم يقتلوا هيباتيا إلا لأنها كانت تنشر العلم وتفكر بالعقل.... وهذا من تزييف التاريخ لأن النصارى لم يقتلوا هيباتيا على الحقيقة إلا لأنها كانت تنشر الوثنية وتهاجم البابا كيرلس وتهاجم الدين الجديد الذي جاء لعبادة الله عز وجل.. والعجيب أن العلمانيين دائما وأبدا يذكرون ما يفعله أهل الرسالات السماوية من عنف ضد الوثنيين بينما يتغافلون عن قصد ومكر كل ما يفعله الوثنيون ضد أصحاب الرسالات السماوية... يعني أن الوثنيين كانوا يضطهدون نبينا صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه ثلاث عشرة سنة في مكة فلما ابتدأ الرد عليهم وأذن الله عز وجل للمؤمنين بالدفاع عن أنفسهم قال العلمانيون في عصرنا "الإرهاب" و"العنف" وغير ذلك وغفلوا أن تغافلوا عن قصد ما كان يفعل الوثنيون وما كانوا يريدون فعله من القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بكل وسائل العنف التي يمكن أن يستخدموها من التعذيب والقتل والاغتيالات وغيرها..... وهذا ما فعله العلمانيون بالضبط في تعليقاتهم ومقالاتهم عن قصة هيبا وهيباتيا. أقصد أنهم قد ركزوا كلامهم على ما فعله النصارى في الوثنيين من عنف بينما تغافلوا عن الإرهاب الذي فعله الوثنيون في النصارى والرهبان على مدى حوالي ثلاثمائة سنة..... فقد قتل الوثنيون من الرهبان والنصارى أضعاف أضعاف ما قتله النصارى من الوثنيين.. وعصر الشهداء من العصور المشهورة في التاريخ وقد كان الوثنيون فيه يقتلون بالمئات بل وكانوا يقتلون النصارى بطريقة بشعة. ومما ورد في التاريخ أنهم كانوا يضعون أحدهم في شوال مليء بالرمال ثم يرمونه في البحر وغير ذلك من التعذيب والاضطهاد والتقتيل... ويمكن القول أن النصارى لم يقتلوا من الوثنيين ولا استخدموا العنف ضدهم ما يزيد عن واحد في المائة مما فعله الوثنيون فيهم خلال الثلاثمائة عام قبل اعتراف الدولة الرومانية بالنصرانية كدين رسمي للبلاد... ولكن العلمانيين يذكرون سيئات النصارى -وبالطبع هذه سيئات أي قتلهم لهيباتيا بهذه الصورة- ولا يذكرون أي سيئة للوثنيين، وسيئات النصارى لا تتعدى واحدا في المائة من سيئات الوثنيين.. وأكبر سيئة للوثنيين هي نشر الكفر والإلحاد وعدم عبادة الذي خلقهم ورزقهم وصاحب هذه الأرض الذي خلقها وخلق عليها البشر، والذي يستحق العبادة ولا يستحق أحد غيره العبادة، وهو الله عز وجل. ثم محاولتهم القضاء على عبادة الله عز وجل في أرضه بقتلهم لأوليائه ورجال الدين الذين يدعون البشر إلى هذه العبادة... وحادثة هيباتيا تسعد العلمانيين اليوم وهذا هو السبب الأول لنشرهم هذه الرواية وهذا هو السبب الأول عندي الذي جعلني أؤكد أن ناشري هذه الرواية علمانيون....
ومنهج القرآن واضح في هذه المسألة فهو لم يبرئ الوثنيين في صراعهم ضد النصارى وأتباع المسيح عليه السلام كما فعل العلمانيون في عصرنا وفي كل كتاباتهم، بل وقف في صف أتباع المسيح عليه السلام لأن الله عز وجل هو الذي كلفهم وأمرهم بالقضاء على الشرك والكفر.... كما قال تعالى في آخر سورة الصف:{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} فالله عز وجل أيد أتباع المسيح عليه السلام ونصرهم على أعدائهم من اليهود والوثنيين، وأظهرهم على أعدائهم فانتهى الصراع بين النصرانية مع اليهود والوثنية لصالح النصرانية... ومن المعلوم أن من أساسيات منهج جميع الرسالات السماوية والكتب السماوية هي عبادة الله عز وجل والقضاء على الوثنية...
وأما الرابعة فهي التحول الغريب الذي تحول إليه النصارى اليوم بنسبة أنفسهم إلى الوثنيين من الفراعنة ومدحهم لهم واعتبار أنفسهم أنهم امتداد لهم والاهتمام بهم وذكرهم في الكنائس ومجامعهم.. فلأول مرة في تاريخ النصرانية منذ أن بعث المسيح عليه السلام ينسب أحد من رجال دين من الرسالات السماوية نفسه إلى أحد من الوثنيين أو شعب وثني ولا يتبرأ منه.... ففي رواية عزازيل الكفاية لتوضيح هذه المسألة التاريخية وهو أنه لم يتوافق أحد من النصارى مع أحد من الوثنيين أبدا بل كانوا على علاقة عدائية، وكان الوثنيون يريدون القضاء على النصارى ودينهم وكذلك كان النصارى يريدون القضاء على الوثنية ورجالها وأبطالها أمثال هيباتيا ولو بالقتل والتصفية الجسدية... أما ما يفعله نصارى اليوم من نسبة أنفسهم لشعب وثني فهذا عجيب، ويناقض أساسيات دين المسيح ويناقض البديهيات التاريخية تمام المناقضة...
وبمثال بسيط يتضح كلامي... فلو ألغينا الفروق الزمنية يعني لو افترضنا جدلا أن نصارى اليوم ورهبانهم كانوا موجودين في عصر الراهب هيبا وقبله، ثم نسبوا أنفسهم إلى الفراعنة الوثنيين، فماذا نتخيل أنه يمكن أن يحدث؟.. فهل كان سيقوم نصارى وبابوات ذلك الزمان القديم بلعن نصارى وقساوسة اليوم لنسبة أنفسهم إلى أعدائهم من الوثنيين؟ وهل كانوا سيتهمونهم بالهرطقة والكفر؟ وهل كانوا يعتبرونهم أنهم كالوثنيين فيحاولون التخلص منهم بأي طريقة حتى ولو بسحلهم في شوارع الإسكندرية كما سحلوا الفيلسوفة الوثنية هيباتيا؟ وهل كان نصارى اليوم يقفون في صف الوثنيين ضد بابوات ذلك الزمان القديم أم يقفون ضد الوثنيين الذين ينسبون أنفسهم إليهم اليوم؟؟؟؟ متناقضات تاريخية بسبب الفعل العجيب الذي يفعله نصارى اليوم بنسبة أنفسهم إلى الفراعنة الوثنيين الذين كانت بقاياهم تريد التخلص من أهل الدين الجديد الذين هم النصارى.. فنصارى اليوم ينسبون أنفسهم إلى من كان يريد نصارى ذلك الزمن القديم التخلص منهم وقتلهم...
وأما الخامسة والأخيرة: فهي أنه كان في عصر الراهب هيبا نوعان من النصارى: نصارى موحدون مسلمون مثل نسطور وأتباعه وبقية الآريوسيين، ونصارى كفار مشركون مهرطقون وهم الذين كانوا يقولون بألوهية المسيح عليه السلام وأمه ويقولون بالتثليث، كما هو واضح من قصة الراهب هيبا... والسؤال الآن: لماذا لم ينتصر المسلمون الموحدون على المشركين الكفار على الرغم من أنهم كانوا على الحق؟ والإجابة سوف نقتبسها من كلام هيبا نفسه ومن أحداث القصة نفسها.. يعني أنه بالمعصية ينهزم أهل الحق وينهزم المسلمون، كما انهزم المسلمون في غزوة أحد بسبب معصيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، انهزم المسلمون في عصر ناسطور بالمعاصي التي ذكرها هيبا نفسه في مذكراته أقصد علاقاته الغرامية.. فنأخذ من هذا درسا وهو أن المسلمين يمكن ان ينهزموا من الكفار بسبب معاصيهم، وأنهم ينتصرون بسبب طاعتهم لله عز وجل....
-
اقتباس
فنأخذ من هذا درسا وهو أن المسلمين يمكن ان ينهزموا من الكفار بسبب معاصيهم، وأنهم ينتصرون بسبب طاعتهم لله عز وجل....
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..
جزاكم الله خيراً أخانا
الحمد لله على نعمة الإسلام
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة د/مسلمة في المنتدى منتدى دعم المسلمين الجدد والجاليات
مشاركات: 32
آخر مشاركة: 12-12-2017, 08:51 PM
-
بواسطة sa3d في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 17
آخر مشاركة: 08-10-2014, 03:05 PM
-
بواسطة وا إسلاماه في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 11
آخر مشاركة: 02-02-2012, 09:13 PM
-
بواسطة ابوغسان في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 23-10-2011, 12:10 AM
-
بواسطة فداء الرسول في المنتدى اللغة العربية وأبحاثها
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 15-01-2010, 11:37 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات