بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثاني من بحث :
نظرية السقوط
بين الإسلام والمعتقدات المخالفة
قصة آدم عليه السلام
كما وردت بالقرآن الكريم
كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
خلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض وقدر أن يجعل في الأرض خليفة وهو الإنسان،
قال تعالى:
(وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً)
[سورة: البقرة - الآية: 30]
فخلق الإنسان وجعل حياته على الأرض لأجل مسمى فلم يكن الإنسان مقدرا له الخلود في الحياة الدنيا كما أوضحنا فيما سلف ،
قال تعالى:
(هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمّ قَضَىَ أَجَلاً وَأَجَلٌ مّسمّى عِندَهُ ثُمّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ)
[سورة: الأنعام - الآية: 2]
فلما خلقه فأحسن خلقه وسواه ونفخ فيه من روحه أمر بالسجود له - ولم يكن هذا سجود عبادة بلا شك - ،قال تعالى:
(فَإِذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ)
[سورة: الحجر - الآية: 29]
وقد سجدت الملائكة جميعا وأطاعت أمر الله تبارك وتعالى ولكن إبليس استكبر ولم يطع الأمر :
قال تعالى:
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)
[سورة: البقرة - الآية: 34]
وقد سجل القرآن الكريم في أكثر من موضع مفاد الحوار الذي دار بين الله تبارك وتعالى وبين إبليس بعد رفض الأخير تنفيذ الأمر الإلهي بالسجود لآدم:
قال تعالى:
(قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ وَإِنّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيَ إِلَىَ يَوْمِ الدّينِ * قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِيَ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ فَإِنّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىَ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ *قَالَ فَبِعِزّتِكَ لأُغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُولُ *
لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنكَ وَمِمّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)
[سورة: ص - الآية 75 : 85]
فكما رأينا أن الله تبارك وتعالى قد أنزل لعنته على إبليس جزاء عصيانه وتكبره ، فقد رفض إبليس أن يسجد لآدم ظنا منه انه أفضل من هذا الآدمي المخلوق من الطين،
وقد طلب إبليس من الله تبارك وتعالى كما تروي الآيات أن يمهله إلى يوم القيامة وقد أذن الله تبارك وتعالى بهذا ، وهنا توعد إبليس اللعين بني ادم بالغواية حتى يغضب عليهم الله تبارك وتعالى ويجعلهم يشاركونه نفس المصير ، وقد رد عليه رب العالمين بأنه سوف يملأ جهنم منه وممن تبعه.
ملاحظات على القصة:
1- الله تبارك وتعالى قد لعن إبليس لأنه عصى واستكبر على أمر الله تبارك وتعالى ورفض أن يستغفر عن فعلته بل تمادى في تكبره حتى وصف الله تبارك وتعالى ضمنا بعدم العدل والحكمة حين قال " أنا خير منه " أي أن الله تبارك وتعالى قد جعله يسجد لأدم والأخير غير مستحق لهذا مما يطعن
في عدل وحكمة الله تبارك وتعالى.
2- إبليس طلب أن يمهل إلى يوم القيامة ، اليوم الذي سوف يبعث فيه البشر جميعا ليحاسبوا على أعمالهم فمن عمل منهم خيرا يره ومن عمل منهم شرا يره ، مما يوضح أن إبليس يعلم جيدا أن هذا اليوم آت ، وان الله تبارك وتعالى قد قدره على عباده سلفا ، وهذا قبل أن يخطئ آدم عليه السلام.
3- الله تبارك وتعالى قد توعد إبليس وكل من تبعه بالنار ، إذا كان هناك نار معدة مسبقا يعذب فيها العباد الغاويين وبالمثل كان هناك أيضا جنة ينعم فيها المخلصين ، كل هذه الأمور معدة سلفا
مسبقا قبل أن تحدث خطية ادم .
وعليه علمنا يقينا أن هناك يوم للقيامة تنتهي فيه الحياة الدنيا حيث يحاسب الله العباد فيدخل من يشاء في رحمته ويدخل من يشاء جهنم ، مع ملاحظة أن كل هذه الأمور قد أعدت قبل أن تحدث خطية ادم أصلا.
آدم والجنة:
وضع الله تبارك وتعالى آدم وزوجه في الجنة وأمرهم ألا يأكلا من احد أشجارها وفيما عدا هذا كانا ينعما في هذه الجنة ويستمتعا بما فيها،
قال تعالى:
(وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـَذِهِ الشّجَرَةَ
فَتَكُونَا مِنَ الْظّالِمِينَ)
[سورة: البقرة - الآية: 35]
وقد بين الله تبارك وتعالى لآدم أن إبليس عدوا فلا يجب عليه أن يستمع لما يقول:
قال تعالى:
(فَقُلْنَا يَآدَمُ إِنّ هَـَذَا عَدُوّ لّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِنَ الْجَنّةِ فَتَشْقَىَ *
إِنّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىَ * وَأَنّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىَ)
[سورة: طه - الآية 117: 119]
وقد بدأ إبليس في تنفيذ مخططه العدائي ضد آدم وزوجه ليخرجهما من الجنة وليس هذا فحسب ولكنه كان يريد لهم نفس مصيره المحتوم ، كان يريد لهم لعنة من الله تبارك وتعالى..
قال تعالى:
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَـَذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَآ إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النّاصِحِينَ)
[سورة: الأعراف - الآية 20: 21]
وهكذا كما تروي لنا الآيات قد وسوس الشيطان لآدم وزوجه ليأكلا من الشجرة التي نهى الله تبارك وتعالى عن مجرد الاقتراب منها، وقد زين لهم هذا العمل القبيح بأن قال لهم إن من يأكل من هذه الشجرة سوف يكون ملكا ، أو خالدا لا يموت أبدا، وأكد هذا اللعين على هذا القول بالقسم ، مما جعل آدم وحواء يأكلان من الشجرة معتقدين أن لا احد يقسم بالله ويكون كاذبا،
قال تعالى:
(فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمّا ذَاقَا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَنَادَاهُمَا رَبّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشّجَرَةِ وَأَقُل لّكُمَآ إِنّ الشّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مّبِينٌ *
قَالاَ رَبّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرّ وَمَتَاعٌ إِلَىَ حِين * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ)
[سورة: الأعراف - الآية 22: 25]
وهكذا عاد آدم إلى الأرض التي كان مقررا له أن يحيا فيها من البداية ، ليحيا ومن خلفه بين التكليف والغواية إلى اجل مسمى ، حتى يبعث الله الخلق ويحاسبهم على ما بدر منهم، الأمر الذي كان مقرر لهم من قبل أن يخطئ أدم ، وان افترضنا أن نزول ادم إلى الأرض عقاب لآدم فلم يكن لذريته ، فقد كان مقررا لبني آدم أن يحيوا في الأرض بين التكليف والغواية لأجل مسمى حتى يلقوا ربهم فيحاسبهم على ما بدر منهم.
ملاحظات هامة:
1- قد اختلف العلماء في ما إذا كانت الجنة التي وضع فيها آدم هي جنة الخلد التي سوف يتنعم فيها عباد الله الصالحين أم أنها جنة أخرى، ولن نفصل في أدلة الطرفين لان الخلاف في هذه المسألة لن يؤثر على المحصلة النهائية ، فإذا كانت هذه هي جنة الخلد أو غيرها فان الله تبارك وتعالى لم يخلق ادم وزوجه و يدخلهما هذه الجنة ليخلدا فيها ، لم يدخلهما هذه الجنة ليتنعما نعيما أبديا لا يخرجون منه أبدا
كما قال عز وجل :
(لاَ يَمَسّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ)
[سورة: الحجر - الآية: 48]
ولقد أوضحنا صفات الجنة التي سوف ينعم فيها عباد الله المتقون على سبيل التأبيد ، فهي جنة لا فيها تكليف ولا غواية ولا يخرج منها احد فمن يدخلها خالد فيها ،
ولم يكن هذا هو الحال مع آدم وحواء
فقد كلفه بعدم الاقتراب حتى من هذه الشجرة، وقد أخرجه منها ليرجع للأرض التي خلق لها أصلا كما بينا سابقا ، كما أن إبليس وعده بالخلد فلم يكن ادم خالدا بعد ، فعلمنا أن هذا الأمر لم يكن سوى اختبارا لآدم وحواء تحضيرا لهم للعيش في الدنيا ، تذكيرا لهم لما تجلبه المعاصي ، فهم يذكرون أنفسهم وأبناءهم ، وتذكر البشرية بعضها بعضا بهذا الأمر حتى تقوم الساعة ..
فمن وصف حال ادم وحواء في الجنة وقول الله تبارك وتعالى قبل خلق ادم (إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ادم وحواء لم يكن مقررا لهما حياة أبدية في هذه الجنة .
2- نلاحظ جيدا أن إبليس قد زين لآدم وزوجه سوء ما أمرهم به من الأكل من الشجرة التي قد حرمها الله عليهما بقوله " مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَـَذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ " وقد ذكر أيضا في سورة طه قوله :
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ)
[سورة: طه - الآية: 120]
وهنا وقفة هامة جدا، كيف وان كان مقررا لآدم الأبدية ابتداءا أن يغريه الشيطان بالخلود!!
فمن المؤكد أن آدم وزوجه كانا يعلمان أنهما ليسا خالدين وبهذا يكون للإغراء ساعتها محله،
مما يثبت أيضا أن الإنسان لم يكن خالدا ابتداءا ثم سقط عنه الخلود بعد خطية ادم ، بل انه كان فانيا منذ أن خلق وقدر الله عليه أن يحيا لأجل مسمى ثم يموت ويحاسب كما أوضحنا سابقا.
3- حين رجع آدم وزوجه إلى الأرض كان الله تبارك وتعالى قد غفر لهما ما فعلاه نظرا للاستغفار والندم الذي بدر منهما بسبب العصيان
" قَالاَ رَبّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"
وقد ذكر الله تبارك وتعالى انه قبل توبتهما في أكثر من موضع:
قال تعالى:
(فَتَلَقّىَ آدَمُ مِن رّبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ)
[سورة: البقرة - الآية: 37]
قال تعالى:
(وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ * ثُمّ اجْتَبَاهُ رَبّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىَ)
[سورة: طه - الآية 121 : 122]
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
وقوله: { وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } يقول: وخالف أمر ربه، فتعدّى إلـى ما لـم يكن له أن يتعدّى إلـيه، من الأكل من الشجرة التـي نهاه عن الأكل منها. وقوله: { ثُمَّ اجْتَبـاهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَـيْهِ وَهَدَى } يقول: اصطفـاه ربه من بعد معصيته إياه فرزقه الرجوع إلـى ما يرضى عنه، والعمل بطاعته، وذلك هو كانت توبته التـي تابها علـيه. وقوله: { وَهَدَى } يقول: وهداه للتوبة، فوفَّقه لها.
انتهى النقل
وهكذا علمنا يقينا أن الله تبارك وتعالى قد غفر لآدم وزوجه عصيانهما ، فلا يمكن أن يكون قد حمل ذريتهما بهذه الخطيئة ولا يمكن أن يولد الإنسان بعد هذا وهو منفصل عن الله تبارك وتعالى ، بل أن كل إنسان يولد نقيا طاهرا خاليا من الذنوب ، ثم يعيش إلى اجل مسمى وعندما يموت ويحاسب يكون حسابه على ما فعله فقط لا على ما فعله غيره:
قال تعالى:
(وَالّذِينَ آمَنُواْ وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَيْءٍ
كُلّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ)
[سورة: الطور - الآية: 21]
قال تعالى:
(وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىَ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ إِنّمَا تُنذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَمَن تَزَكّىَ فَإِنّمَا يَتَزَكّىَ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ)
[سورة: فاطر - الآية: 18]
قال تعالى:
(وَأَن لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ * وَأَنّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىَ * ثُمّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأوْفَىَ)
[سورة: النجم - الآية 39: 41]
وعليه علمنا أن الله تبارك وتعالى قد غفر لآدم وزوجه عليهما السلام ، وان كان قد غفر سبحانه لآدم وزوجه فلا يمكن أن يحمل ذريته بهذه الخطية ، فكل إنسان محاسب على ما بدر منه من أخطاء ولا يحمل احد من ذنب احد .
انتظرونا في الجزء الثالث إن شاء الله تعالى وهو الخاص بمعتقد أهل الكتاب من اليهود والنصارى في النظرية
المفضلات