يوسف زيدان لـ «الراي»: «عزازيل» تقتحم التاريخ السري للكنيسة
القاهرة - من دعاء فتوح
أثارت رواية «عزازيل» للكاتب والباحث المصري الدكتور يوسف زيدان.. جدلا كبيرا في الأوساط الثقافية والدينية... بسبب جرأتها في تناول فترة مهمة وحساسة من التاريخ السري لمصر، خصوصاً الكنيسة... حيث غاصت الرواية في مناطق مجهولة من تاريخ الكنيسة، وألمحت إلى مواقفها القديمة التي اتسمت بالعنف، ومن هنا وجه عدد من القساوسة انتقادات عنيفة للرواية، لكن زيدان نظر إلى الضجة المثارة بعين إيجابية، وقال: إن الرواية فرصة لمراجعة وتنقية تاريخنا القديم، ولاتتضمن بالضرورة إدانة نهائية لأحد.
وفي حواره مع «الراي»... تحدث رئيس قسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية الدكتور يوسف زيدان... عن تحولاته من الدراسات التراثية والنقدية إلى الإبداع، وفند الانتقادات التي وجهت إلى روايته «عزازيل»...
وهذا نص ما دار معه من حوار:
> بعد 52 كتابا ودراسة بحثية، لماذا أعلنت عن نفسك أخيرا كروائي؟
- أعتبر جميع السنوات التي مضت من عمري هي مرحلة تأسيس معرفي، أو إعداد، حتى يمكنني كتابة رواية، فالرواية عمل يختلف عن بقية الأنواع الأدبية الأخرى، وأعتقد أنه لا يجوز كتابة الرواية في سن صغيرة.
فعالم الرواية غني، ويحتاج إلى معرفة واسعة، وكتابتها في مرحلة مبكرة معناها أن النص الروائي غالباً ما يخرج ضعيفاً، فهي إطار فكري إذا شرع فيه الكاتب في سن مبكرة عرضه للهشاشة، وعموما أنا لم أكن بعيداً عن عالم الأدب، فكنت دائماً على صلة وثيقة به ودراساتي الأولى كانت في الشعر الصوفي.
> ماذا تقصد بالمواقف التاريخية القديمة للكنيسة، والتي يجب على رجالها الحاليين مراجعتها؟
- يوجد تاريخ واحد للكنيسة المصرية، وهذا التاريخ فيه فترات اتسمت بالعنف، وقد تعرضت لواقعة واحدة في الرواية يتمثل فيها هذا العنف، وهي مقتل عالمة الرياضيات والفلك والفلسفة المصرية هيباتيا ابنة العالم ثيون.
وهناك وقائع كثيرة قبل وبعد مقتلها، تعد أكثر عنفاً، فقبل مقتلها بـ24 عاماً فقط في العام 391 ميلادية حدثت واقعة أفظع، وهي هدم «السرابيوم» على رؤوس العلماء والفلاسفة والمفكرين الذين تحصنوا فيه لمنع المسيحيين من هدمه، فهدموه فوق رؤوسهم بأمر مباشر من أسقف الإسكندرية وقت ذاك... وكان اسمه «ثيوفيلوس»، وقبلها في العام 361 ميلادية قتل الرهبان السكندريون بمساعدة العامة أسقف المدينة الذي أرسلته «بيزنطة»... وقطعوه بالسواطير في منطقة «جليم» وكان اسمه «جورج الكبدوكي».
فتلك الوقائع ضد الدعوة المسيحية، وهي حدثت بالفعل، ولا سبيل لإنكارها أو التشكيك فيها، أو إعفاء المسؤولين عنها من الذنب، إذا قد تكون الرواية فرصة لتوجيه النظر إلى تلك الفترة، خاصةً وأن مقتل «هيباتيا» لم يكن اعتداءً على شخص واحد فقط، ولكنه واقعة إنهاء عصر كامل من المعرفة التي قدمتها الإسكندرية للعالم كوريث للثقافة اليونانية، والثقافة المصرية القديمة.
> ما ردك على الاتهامات التي وجهها إليك الأنبا «بيشوي» على موقعه الخاص وصفحات الجرائد، وأنتم أصدقاء قدامى؟
- الأنبا بيشوي واحد من كبار اللاهوتيين في العالم، وهو شخصية علمية ودينية مرموقة لها إسهامها البارز في اللاهوت القبطي، بالإضافة إلى تاريخه الكنسي الكبير، وكما ذكر هو في بيانه.. فنحن كنا أصدقاء مقربين تجمعنا روح المحبة الموجودة في جميع الديانات.
وأظنه عندما أصدر هذا البيان لم يكن قد قرأ الرواية بهدوء، وانفعل متصوراً أنها مخطوطة وجدتها وقمت بكتابتها وصياغتها على هذا الشكل، وقد دعوته إلى إعادة قراءتها مرة أخرى، وأن ينظر إلى الإنسان الموجود فيها بصرف النظر عن الدين، والنماذج الإيجابية التي قدمت فيها، وعموما هو وعدني بذلك، والرد على ما أوردته فيها من وقائع تاريخية ووجهات نظره في كتاب.
> من المعروف أن معنى كلمة عزازيل هو الشيطان... فمن هو عزازيل الذي قمت بطرحه في روايتك؟
- عزازيل في الرواية.. هو الجزء المظلم من الذات الإنسانية، الجزء المطمور المخفي الذي لا يموت ما دام الإنسان حيًّا، فهو الذي يحركه ويربطه بالحياة، الذي يشجعه على تحقيق إرادته ثم ينتظر اللوم ويتحمله ويهنأ به، فيتحقق الطرفان.. الذي فعل ، والذي كان مشجباً علقت عليه الخطايا.
> أشار البعض إلى أن نهاية الرواية لا تعد مفتوحة لأكثر من تأويل، بل كانت مغلقة على احتمال أن بطلها «هيبا» خرج وراء المغنية تاركا وراءه أربعين عاماً من حياته كراهب؟
- لا أعتقد ذلك.. لأن هناك عددا لا حصر له من التأويلات لوضع نهاية للرواية، وكلها في إطار اللحظة التي توقف عندها النص، وعموماً لا أعرف سوى أن النص توقف في مرحلة معينة، وهي أن «هيبا» سيخرج من هذا الدير مع شروق الشمس حرا، والدعوة الحقيقية تمثلت في آخر كلمة في الرواية، وهي «الحرية».
> ما مفهومك لتلك الحرية؟
- هو التخلص من الأوهام.. ففي النص قام «هيبا» بدفن صندوق الرقوق، التي كتب فيها سيرته الذاتية عند بوابة التل، وبداخله أيضا دفن خوفه الموروث، وأوهامه القديمة كلها.
> هل تعتقد أن شخصية «هيبا» تعبر عن المثقف المعاصر؟
- قد يكون هذا رأيا صحيحا.. أو لا يكون، ولكن اللافت للنظر بالفعل هو أنه حتى هذه اللحظة.. ومع هذا الصخب والمناقشات التي طرحت سواء على المواقع الإلكترونية، أو في الصحف حول الرواية.. لا توجد دراسة نقدية واحدة منشورة عن الرواية!
> ما الأسباب من وجهة نظرك؟
- هناك احتمالات كثيرة.. فيبدو أن النص أحدث نوعاً من الدهشة، وربما تكون الرؤية الفلسفية المطروحة فيه غير مفهومة بالنسبة لهم.. وقد يكون في آخر الأمر مجرد تأخر طبيعي لأنهم في حاجة إلى وقتٍ أطول.. عموماً لا يوجد لديّ سبب قاطع فهذا أمر يسأل عنه النقاد أنفسهم.
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=97561
المفضلات