* آريوس...قسطنطين...ألكسندروس, ونقطة التحول (القرن الرابع)


كان لا بد في ظل كل تلك الأراء والتصادمات أن يتم اللقاء بين الموحدين والمثلثين , فمن نهاية القرن الأول إلى بداية القرن الرابع كانت المسيحية وأصحابها في أزمة شديدة , حيث كانت تعاني من ظلم ملوك الرومان واضطهادهم , إلى أن مال الإمبراطور قسطنطين إلى المسيحيين كما يذكر المؤرخون وأصدر سنة 313 م مرسوم ميلانو الشهير الذي اعترف اعترافًا قانونيًا بالمسيحيين .

وإن كان دخول قسطنطين في المسيحية لم يتم إلا في الأيام الأخيرة من حياته , إلا أنه كان مهتمًا قبل ذلك أيضًا بأمور المسيحية وأتباعها ومساعدتهم , فلقد تدخل بنفوذه وسلطاته في المناقشات والمجادلات بين العلماء المسيحيين , وبما أن نشأته كانت في ظل مناخ فلسفي روماني اختلط بتعاليم المسيحية على النحو الذي بيناه , كان تحزبه للمثلثين واضحًا لا مرية فيه .( انظر " حياة قسطنطين العظيم " لـيوسابيوس القيصري ) .

يقال في قصة اعتناق قسطنطين المسيحية : أنه رأى في السماء علامة صليب براق واعتبر ذلك بشارة لانتصاراته في الحروب .( حياة قسطنطين العظيم لـ"يوسابيوس القيصري" ص 32 , 34 , 1122 , 123 , 200).

لكن الحقيقة التاريخية تثبت أنه لشدة ولوعه بالحكم والملك قتل ابنه الأكبر كريسباس , ثم قتل رابته في تهمة قتلها إياه , وندم على كل ما فعله, وأراد أن يتوب . ولكنه علم أن التوبة مستحيلة في الديانة الرومانية فمال إلى المسيحية. ( جا.بي . فيرث – قسطنطين العظيم- لندن 1890,ص196).

أما الشرارة الأولى فكانت بتصريح آريوس أحد قسيسي الإسكندرية ( ت/ 311 -318) وهو ليـبي الأصل بأن التفريق بين الله والمسيح من حيث الذات والأزلية أمر لا بد منه !

ولعل ما أورده الدكتور جورج قنواتي في كتابه ( المسيحية والحضارة العربية ) ص 37 على لسان آريوس أكثر وضوحًا : ( إن الله واحد , غير مولود , لا يشاركه شيء في ذاته تعالى , فكل ما كان خارجًا عن الله الأحد إنما هو مخلوق من لا شيء بإرادة الله ومشيئته, أما " الكلمة " فهو وسيط بين الله والعالم , كان لم يكن زمان , لكنه غير أزلي ولا قديم .

بل كانت مدة لم يكن فيها " الكلمة " موجودًا , فالكلمة " مخلوق " بل ،ه مصنوع , وإذا قيل أنه " مولود " فمعنى أن الله " تبناه " , ويؤدي ذلك إلى أن الكلمة غير معصوم طبعًا , ولكن استقامته حفظته من كل خطأ وزلل , فهو دون الله مقامًا , ولو كان معجزة الأكوان خلقًا بلغ من الكمال ما لا يستحيل معه شيء وأكمل منه مرتبة وحالاً ) .
ثم يعلق الدكتور قنواتي قائلاً : ( يقوم هذا المذهب على إنكار اللاهوت في المسيح , وتصوره إنسانًا محضًا , مهما كان عظيمًا , ولذلك أجمع الآباء في نيقية على تكفيره ) .

ويقول القمص المطموس زكريا بطرس في كتابه ( تاريخ انشقاق الكنائس ) على موقعه على شبكة المعلومات الدولية : (نادى آريوس بتعاليم مخالفة للعقيدة المسيحية. فالمسيحية تؤمن بأن الله واحد في جوهره مثلث الأقانيم (الآب والابن والروح القدس إله واحد) فالابن من ذات جوهر الله أي أنه مولود منه ولادة جوهرية كولادة النور من النار، وقد ظهر الله في جسد المسيح (1تي16:3).أما آريوس فقد نادى بتعاليم منافية للعقيدة منكراً لاهوت المسيح وأنه لم يكن إلهاً بل هو مجرد إنسان مخلوق.فكان نتيجة هذا التعليم أن حدث انشقاق وبلبلة هددت وحدة المسيحية ) .

وعن هذا الإنقسام يحدثنا العنصري عزت أندرواس في موسوعته على شبكة المعلومات (موسوعة أقباط مصر) قائلاً :

( تتلخص تعاليم آريوس عن الابن والروح القدس في :
1 - إن الإبن ليس أزلياً إذ أنه يوجد وقت ما لم يكن الإبن موجوداً فيه مع إنه موجود قبل وجود الخليقة ، وهذه الأخيرة قد وُجدت به ، إلا أنه غير أزلي.
2 - الإبن غير أزلى وهو خليقة الله الآب مثل الخلائق الأخرى إلا أنه سابق لها.
3 - الإبن ليس من جوهر الآب بل من جوهر آخر فقد خرج من العدم بحسب مشيئة الرب وقصده.
4 - الإبن متغير وليس ثابت.
5 - إن معرفة الإبن للآب محدودة وليست مطلقة ولا يستطيع الإبن أن يُعلن لنا مَن هو الآب بطريقة كاملة.
6 - إن الله الآب قد خلق الإبن لأجلنا، لأنه عندما أراد أن يخلقنا فقد خلق كائناً يُدعى الكلمة أو الحكمة لكي نكون على صورته، فلو لم يرد الله خلق الخليقة لأصبح وجود الابن مستحيلاً.
7 - إن المسيح الذي يتعبد له المسيحيون ليس إلهاً، ولا يملك الصفات الإلهية المطلقة مثل كونه كلي القدرة والعلم والحكمة، وكونه عديم التغير وأزلي.
8 - بناء على ذلك فهو ليس إلهاً بذاته ومن ذاته ولكنه ارتقى إلى هذه الدرجة عن طريق رفع الآب له.
9 - يعتقد آريوس بأن الروح القدس هو أيضاً أدنى من الآب وهو مخلوق أيضاً.
ويمكن تلخيص عقيدة آريوس في نقطتين هامتين:

• كان آريوس يرى في الله الآب إلهاً عظيماً سامياً وبعيداً عن البشر وكل المخلوقات، وكان هذا الإله السامي يريد الاقتراب من هذه الخليقة.
• فخلق الكلمة أو المسيح الذي هو أول كل الخليقة والذي أصبح عن طريق النعمة الممنوحة له من الله ثم عن طريق مثابرته وسعيه نحو الكمال حاصلاً على درجة اللاهوت بالتبني.

كان ألكسندروس أسقف الإسكندرية في ذلك الوقت شيخاً ضعيفاً ومريضاً وكان بجانبه الشماس أثناسيوس المتقد غيرة وحماسة، عندما سمع ألكسندروس بتعاليم آريوس استدعاه وناقش معه تعاليمه وطالبه بالرجوع عنها ، إلا أنه لم يقبل فعقد ألكسندروس مجمعاً محلياً حوالي عام 320م حضره مائة أسقف مصري وليبـي، وقرّر المجمع حرمان آريوس.

ما قبل مجمع نيقية: ذهب آريوس إلى قيصرية فلسطين وشرح لأسقفها (يوسابيوس القيصراني) تعاليمه فنصحه بالكتابة إلى يوسابيوس النيقوميدى الذي ساند آريوس كثيراً وقبله كاهناً في إيبارشيته، وطلب من أسقف الإسكندرية رفع الحرمان عنه ولكنه رفض ، وخلال هذه الفترة ألّف آريوس كتاب " المثالية " الذي شرح فيه تعاليمه.
عاد آريوس إلى الإسكندرية بعد فترة مع مجموعة من أتباعه، وبدأ ينشر تعاليمه عن طريق الترانيم والأناشيد، ولأن الإسكندرية ميناء عظيم وصلت تعاليمه إلى الكثير من بلاد الشرق والغرب.
علم الإمبراطور قسطنطين بهذه الإنقسامات فأرسل الأسقف هوسيوس – أسقف قرطبة - كوسيط بين آريوس وألكسندروس . ( انظر حياة قسطنطين العظيم ص 108-117 ).
ولكن مهمته باءت بالفشل ، بعد أن كان قد جمع معلومات كاملة عن الخلاف، فأقنع الإمبراطور بعقد مجمع مسكوني- بمدينة نيقية بأسيا الصغرى - بدأت جلساته في 19يونيو325م وحضره حوالي 318 أسقفاً من الشرق والغرب وكان في المجمع ثلاثة أحزاب هـى:
1- مجموعة آريوس : وعلى رأسه يوسابيوس النيقوميدي.
2- المجموعة المصرية : وعلى رأسه ألكسندروس وأثناسيوس.
3- المجموعة المحايدة : وعلى رأسه يوسابيوس القيصراني . (يذكر العنصري عزت أندرواس أن يوسابيوس القيصري – أبو التاريخ الكنسي – كان ضمن المجموعة المحايدة , لكنه كان يميل إلى آريوس في معتقداته , وهذا ما أكده الباحثون من النصارى , يقول القمص مرقس داود في تقديمه لكتاب "تاريخ الكنيسة " ليوسابيوس القيصري : وبالرغم من مقدرته الفائقة كمؤرخ , كما يشهد بذلك جميع المؤرخين في جميع العصور , إلا أنه تأثر إلي حد كبير بالآراء الآريوسية التي كانت شائعة في عصره , بل انحرف عن الإيمان المستقيم .... قال عنه جيروم : " لقد مدحت يوسابيوس إذ كتب كتابه عن تاريخ الكنيسة وكتبه الأخرى . لكن هل معنى هذا أنني آريوسي لأن يوسابيوس الذي كتب هذه الكتب آريوسي " – مقدمة القمص مرقس داود لـ " تاريخ الكنيسة " ليوسابيوس القيصري ص 5 ) .

قدم يوسابيوس النيقوميدي قانون إيمان ولكنه رُفِضَ لأنه كان مليئاً بتعاليم آريوس.
ثم قدم يوسابيوس القيصراني بعرض قانون إيمان آخر ولكن المجموعة المصرية اعترضت عليه، ثم قام بتصحيحه وشدّد هذا القانون على أن يسوع المسيح هو الإبن الوحيد المولود من الآب وأنه واحد مع الآب في الجوهر [(هومسيوس) Homsios] وكذلك ركّز على أنه مولود غير مخلوق. انتهى مجمع نيقية بإدانة بدعة آريوس ....أصدر المجمع قانون الإيمان النيقاوي، الذي قُبِل من الكنيسة كقانون يحدد إيمانها القويم بشأن ألوهية المسيح، مستعملاً التعبير "مساوٍ للآب في الجوهر" ) ا.هـ .

وبنفس المنطق الذي أخرج به قوم لوط نبي الله لوط عليه السلام : {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }الأعراف82 . نُفي آريوس ونُبذت تعاليمه , وخلع أنصاره من وظائفهم , وأُحرقت كتبه , وحُكم بالإعدام على كل من أخفى شيئًا من كتبه .( انظر تاريخ الأقباط ص 149-152 ) .

وهكذا وُضع قانون الإيمان المسيحي الذي عليه مسيحية اليوم ,وضع هذا القانون دون أي اعتماد مطلقًا على أقوال المسيح أو حتى على الأناجيل المحرفة , ولقد أُدخل العديد من التعديلات فيه على مر الزمان , وحرب المجامع الكنسية واضطهاد الموحدين خير شاهد على تلك التعديلات .

فالقضية لم تعد قضية اعتماد العقائد والأفكار الدينية على تعاليم المسيح أو حتى على الأناجيل المحرفة أو نظريات بولس , بل إنها أخذت سمة أخرى , فإذا أُعجب آباء الكنيسة بفكر فيلسوف مسيحي أو بفلسفة إغريقية , وأرادوا الإفادة منها في عقائدهم كانوا يحتاجون فقط إلى شيء واحد وهو تأييد الملك !
ولازالت المجامع المسكونية تُعقد من أجل حسم الخلافات العقائدية التى لا يزال النصارى إلى يومنا هذا على خلاف فيها !

لقد ظل مصطلح الهوموسية ( الإبن مساوٍ للآب في الجوهر ) محل نزاع وخلاف شديد على مر العصور بين علماء مسيحية بولس , ولقد اعترف هيلاري أسقف بواتيه في غالة – في القرن الرابع – أنه ظل ثلاثين سنة , بعد مجمع نيقية , لا يعرف شيئًا عن الهوموسية, قاعدة الإيمان الأورثوذكسي ! ( نقلاً عن مسيحية بلا مسيح ص 109 ) .
وظل أتباع آريوس يكافحون من أجل رسالتهم , وفي عام 381 م عقد المجمع العالمي القسطنطيني , وعُين أحد مؤيدي عقيدة التجسد وفكرة اللوجوس وهو ميليثيوس رئيسًا لهذا المجمع , واتفق المجمع على العبارة الأساسية للعقيدة النيقية , وأضاف هذا المجمع إلى القانون أن " روح القدس انبثق من الأب " ومن هنا مُهد الطريق لاعتبار روح القدس ركنًا أو أقنومًا من التثليث , يقول البروفيسور ليتزمان في كتابه ( تاريخ الكنيسة ) ص 47 :
" كان قرار اتحاد الأصل عن الأب والإبن فقط في نيقية , ولكن الآن ولأول مرة جاء التأكيد الواضح بأن توجيه الأدعية جائز إلى الروح القدس , فهذا كان أحد الأساليب لتكوين إلهيات التثليث " .

وفي هذه الأثناء وضع أثناسيوس الشماس الذي كان في رفقة ألكسندروس بابا الإسكندرية في مجمع نيقية ضد آريوس وجماعته , العقيدة الأثناسية بعد توليه أسقفية الإسكندرية, وتلك العقيدة كما تقول دائرة المعارف البريطانية ( 6/659 ) موجز واف لمبدأي التثليث والتجسد , وتقول هذه العقيدة : " إن الله واحد . وفي حالة كونه واحدًا هو ثلاثة أيضًا , ومن وجهة نظر المسيحية التقليدية المألوفة لا يجوز أن يفسر التثليث بأنه مثل شخص واحد أو اٌنوم واحد وله وظائف ثلاثة يقوم بها في وقت واحد , مثل أن يكون ذلك الشخص ابنًا وأبًا وزوجًا في وقت واحد ... فنحن نعبد إلهًا واحدًا في التثليث , ونعبد التثليث في التوحيد , ولا نخلط بين الأقانيم ولا نقسم الجوهر ".

( Huston Smith : The Religions Of Man,p.33).
وقد ظل التصادم بين أتباع آريوس الموحد وبين أتباع أثناسيوس المثلث فترة طويلة , تجد تفاصيل تلك المناقشات في تاريح المجامع الكنسية .

ورغم انفصال الكنائس الغربية والشرقية في مجمع خليقدونية عام 451 م , واختلافهم في طبيعة المسيح , إلا أن عقيدة التثليث أصبحت جزءً لا يتجزأ من الإيمان الكنسي بوجه عام.




* حركة الإصلاح الكنسي ( البروتستانت )

بعد انفصال الكنيسة الغربية من الكنيسة الشرقية وظهور الفساد البابوي , ظهر عدد من رواد المصلحين الذين اجترأوا على الكنيسة وعلى رأسهم مارتن لوثر سنة 1512 م في ألمانيا .

كانت حركة الإصلاح الديني – بعد الصراعات العنيفة بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية وانفصالهما – فرصة ذهبية لاستعادة المسيحية الأصلية وعقائدها , وإصلاحها من التحريف الذي جاء به بولس وأتباعه , والتحريف الذي تم على يد المجامع والملوك .

ولكن ضاعت الفرصة , فلم يأت لوثر ومصلحون آخرون بتغيير جذري في العقائد المألوفة. بل إن لوثر بالذات أيد العقائد البوليسية , لكنه تعارض مع بولس في نبذه سلطة العهد القديم .

فالصراع , أصلاً , كان بين هؤلاء المصلحين وبين رئاسة الكنيسة الرومانية , ولذلك أنشأوا الكنيسة الحرة التي عرفت بعد ذلك بالكنيسة البروتستانتية ( أي الكنيسة الـمُـحتَجَّة ) , وأما الذين خضعوا للكنيسة الرومانية , فقد اجتموا تحت راية الكنيسة الرومانية الكاثوليكة . واختلف البروتستانت مع الكاثوليك والأرثوذكس في أمر إدارة الكنيسة وأسرارها السبعة المزعومة .
وأما العقائد والنظريات فلم تكن هدفًا لأعلام حركة الإصلاح , فالعقائد التي حافظ عليها المصلحون وتمسكوا بها هى نفس العقائد التي أقرتها المجامع !



* الموحدون

لا توحيد ـ على الحقيقة ـ إلا ما أرسل الله به رسله وأنزله في كتبه، وهو الإيمان بأن الله ـ تعالى ـ واحد، وعبادته وحده لا شريك له؛ فهذا هو التوحيد المطلق. أما إذا قُيِّد بطائفة أو أحد من الناس فهو بحسب من يضاف إليه. ونحن هنا حين نتحدث عن الموحدين من النصارى فإننا نعني بها الفرقة النصرانية التي تعتقد أن الله واحد، وأن المسيح رسول الله، وترفض التثليث، وتتمثل في كنيسة (جماعة دينية) تؤمن بالوحي والعبادة، وبذلك يتميزون عن عامة الكنائس النصرانية التي تؤمن بعقيدة التثليث المنصوص عليها في قانون الإيمان الذي أقرّه مجمع «نيقية»، كما يتميزون في العصر الحديث عن منكري التثليث على أساس إنكار الخالق ـ تعالى ـ مطلقاً، أو على أساس إنكار الوحي مع الإقرار بالخالق؛ لأن هؤلاء على الحقيقة ليسوا من النصرانية في شيء، وإن كان هذا التمييز غير جلي في تاريخ الفكر الغربي الحديث كما سنرى.

لقد تعرض الموحدون لاضطهاد هائل من الكنائس الرسمية، ولعنتهم المجامع النصرانية المخالفة، ووصمتهم بالكفر والهرطقة، ومزقتهم كل ممزق– وذلك كما بينا في حديثنا عن عقيدة التثليث في القرون الثلاثة الأولى - .
ومن هنا , مع ما أصاب بعضهم من الإبتداع ـ صدق على المتمسكين منهم أنهم «بقايا» كما جاء في الحديث: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب» (جزء من حديث رواه مسلم رقم 2865 ) .

ومن الظواهر البارزة في التاريخ الديني النصراني أن الشعوب البعيدة عن تأثير السيطرة الرومانية كانت أقرب إلى الفطرة، ومن ثَمَّ أكثر قبولاً للتوحيد من غيرها، وربما كان الإضطهاد الذي مارسه الرومان على الشعوب الخاضعة لهم أعظم أسباب قلة الموحدين فيها.

ففي بريطانيا كان الموحدون أول من أدخل النصرانية إلى الجزر البريطانية– وقد ذكر العنصري عزت أندرواس ذلك كما بيَّنا - ، وكان لهم فيها تاريخ طويل حتى انتقال مركزهم إلى أمريكا كما سيأتي.

وفي إيرلندا كان الناس يدينون بالتوحيد ويعملون بشرائع التوراة، بل يسمون أنفسهم «ناصريين» حتى غزاهم الرومان في القرن الخامس الميلادي، واستأصلوا عقائدهم، وأحرقوا أناجيلهم المعروفة بالأناجيل «السلتية»، التي كانت خالية من عقيدة التثليث. وفي الأندلس ظلت الحروب بين الرومان وبين الموحدين حتى ظهور الإسلام، ويعزو المؤرخون من شرقيين وغربيين سرعة انتشار الإسلام هناك إلى أنهم كانوا في الأصل على التوحيد.

وإجمالاً يمكن القول: إن تاريخ شعوب أوروبا الغربية وشمال أفريقية قبل الإسلام تاريخ للصراع بين الكنيسة الرومانية وبين الآريوسية ويشمل ذلك القوط والفاندال والسلت والبربر وغيرهم. يقول سلفستر شولر: (من المعلوم أن جميع البرابرة الذين استقروا على ضفاف الدانوب وعلى ضفاف الإمبراطورية (الرومانية) قد اعتنقوا أمة بعد أمة المسيحية الآريوسية... وهكذا أخذت الآريوسية تجتاح البلاد التي يقيم فيها البرغوند والسويف والفندال واللومبارد، وغدت ديانة هذه الشعوب الوطنية) (انظر سلفستر شولر في كتابه الضخم «الكنيسة قبل الإسلام»، ج 12 كله ) ، هذا عدا انتشار الموحدين في مصر وبلاد الشام والعراق وفارس والحبشة ومليبار.

ومن رواد دعاة التوحيد ميخائيل سريطوس ( ت /1533م ) والذي كان معاصرًا لمارتن لوثر ومؤيدًا لأفكاره في البداية , ولكنه عندما رآه ينحى منحى مختلفًا ألف كتابًا وسماه "أخطاء التثليث" فنَّد فيه هذه العقيدة , واعتبر المسيح نبيًا وليس إلهًا . وكان رد الكاثوليكيين والبروتستانتيين على هذا الكتاب هو ربطهم نسخة من الكتاب حول خاصرته وتعليقه فوق نار مشتعلة حتى يموت بعد أن يذوق العذاب لساعات . ( إي . م ويلبر – تاريخ المتوحدين – فصل : ميخائيل سريطوس ) .

وفي نهاية القرن السادس عشر دعا فرانسيس ديفيد إلى التوحيد معتمدًا على أدلة الكتاب المقدس الواضحة , ورفض دعاء المسيح ونداءه بالإله . ( المصدر السابق ص 78 ) .

وأبرز الموحدين المسيحيين في القرن السادس عشر هم ماريا سوزيني وابن أخيه باولو سوزيني أو سوشينوس , وقد عُذب كثير من أتباعه وأُحرقوا بعد أن لعنتهم المجامع .

(A. Wallace: Anti-Trinitarian Biographies, London, 1890, pp.44, 45, 79).
وفي القرن السابع عشر ألف جون بيدل كتابه المشهور " الأدلة الإثنا عشرة " عارض فيه فكر ألوهية روح القدس . ( المصدر السابق ) .
وفي القرن الثامن عشر كانت نشاطات ليندسي ملحوظة ضد عقيدة التثليث .
وفي القرن التاسع عشر خالف صانينح وأتباعه عقيدة التثليث والكفارة مخالفة شديدة وأنشأوا في أمريكا الكنائس التوحيدية التي مازالت موجودة , كان صانينج يقول :
" لو فسرت النصوص الإنجيلية بطريقة مستقيمة لأيدت عقائد المسيحيين الموحدين " .
( المصدر السابق ص 424 ) .




المراجع والمصادر

1- القرآن الكريم .
2- كتب السنة .
3- التفسير الكبير ومفاتيح الغيب – الإمام فخر الدين الرازي .
4- الجامع لأحكام القرآن – الإمام القرطبي .
5- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح – شيخ الإسلام ابن تيمية .
6- موسوعة أقباط مصر – العنصري / عزت أندرواس .
7- الصلب والتثليث في ميزان الإسلام – دكتور / عمر بن عبد العزيز قريشي .
8- مباديء الإيمان الأرثوذكسي – ألكسندر ميل ينت .
9- سلسلة الهدى والنور – الدكتور / منقذ السقار .
10-مناظرة هل المسيح هو الله ؟ – العلامة أحمد ديدات والقس أنيس شورش .
11- التفسير الحديث للكتاب المقدس – جون ستون .
12- الكتاب المقدس – الترجمة العربية المشتركة .
13- الكتاب المقدس – الفانديك .
14- الكتاب المقدس – الترجمة التفسيرية " كتاب الحياة " .
15- الكتاب المقدس – الترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية .
16- الله واحد في ثالوث – المطموس / زكريا بطرس .
17- القرآن والمسيحية – الأنبا شنودة الثالث .
18- ما معنى أن يسوع المسيح هو ابن الله ؟- دكتور / هاني رزق الله .
19- قال إني عبد الله ! – مهندس / محمود سعد مهران .
20- ثم يقولون هذا من عند الله ! – مهندس / محمود سعد مهران .
21- منطق الثالوث – الآب / هنري بولاد اليسوعي .
22- ما معنى المسيح ابن الله ؟- تقديم / نخبة من خدام الإنجيل .
23- إله واحد رب واحد روح واحد .. تفسير معاصر للإيمان الرسولي-كتبه / هانز جورج لينك وترجمه / بهيج يوسف يعقوب .
24- إظهار الحق – العلامة / رحمة الله الهندي .
25- سر الأزل – القس / توفيق جيد .
26- التثليث والتوحيد- يس منصور .
27- الله ذاته ونوع وحدانيته – القس / عوض سمعان .
28- الله واحد أم ثالوث – المستشار المهتدي / محمد مجدي مرجان .
29 – المسيح والتثليث – العلامة / محمد وصفي .
30- المسيحية – دكتور / أحمد شلبي .
31- قراءات في الكتب المقدسة – الأستاذ / محمد عبد الرحيم .
32- مسيحية بلا مسيح- دكتور / كامل سعفان .
33- العقائد الوثنية في الديانة النصرانية – محمد طاهر التنير .
34- أسطورة التجسد الإلهي - لعدد من علماء اللاهوت بإنجلترا .
35- تاريخ الفلسفة – دكتور / إبراهيم مدكور .
36- المسيحية والحضارة العربية - جورج قنواتي .
37- موجز تاريخ انشقاق الكنائس- المطموس / زكريا بطرس .
38- الموحدون من النصارى – الشيخ / سفر الحوالي .
39- الكنيسة قبل الإسلام - سلفستر شولر .
40- النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام – لواء / أحمد عبد الوهاب .
41- جوهرة الإيمان في صحيح الأديان – صلاح العجماوي .
42- النصرانية من الواحد إلى المتعدد- الأستاذ / أبو إسلام أحمد عبد الله .
43- تاريخ الأقباط – زكي شنودة .
44- تاريخ الكنيسة – يوسابيوس القيصري – ترجمة القمص / مرقس داود .
45- حياة قسطنطين العظيم – يوسابيوس القيصري – ترجمة القمص / مرقس داود.

المصادر الغربية : التي لم تذكر في قائمة المراجع والمصادر مثل الموسوعات ودوائر المعارف والقواميس وغيرها , نقلاً عن كتاب " المسيحية , دراسة وتحليل " للعلامة الأستاذ / ساجد مير , وهو كتاب باللغة الإنجليزية وقد قام بالترجمة , دار السلام للنشر والترجمة .