يقول القمص / يوحنا فوزي في كتابه ص 10 , 11 : ( الدليل التاريخي : أن علماء الدين المسيحي في العصور المختلفة , كانوا يقتبسون في مواعظهم ومؤلفاتهم من الكتاب المقدس , أمثال اكليمندوس المعاصر لبولس الرسول(في4-3) وهرماس المعاصر لبولس الرسول وبوليكاربس الشهيد تلميذ يوحنا الرسول وهم من قديسي وأساقفة القرن الأول الميلادي وكذلك من آباء القرن الثاني مثل بابياس أسقف هيرابوليس الذي كتب تفسير الكتاب المقدس في ست مجلدات بالإشتراك مع بوليكارس , واكلمندوس بطريرك الإسكندرية وغيرهم , وبمقارنة هذه الإقتباسات مع النصوص الحالية للكتاب المقدس نجد مطابقتها تمام الإنطباق ) .
إن الشاهد الوحيد لكتابات بابياس ( 60-130م ) هو يوسي بيوس القيصري أسقف قيصرية ومؤرخ الكنيسة الأول وذلك في كتابه " تاريخ الكنيسة " .
يقول يوسي بيوس في تاريخ الكنيسة - الكتاب الثالث (39 : 1 ) ص 145 :
( لايزال بين أيدينا خمسة كتب لبابياس تحمل اسم " تفسير أقوال الرب " ويذكرها ايريناوس على أنها هى المؤلفات الوحيدة التي كتبها , وذلك في الكلمات التالية : "هذه الأمور يشهد لها بابياس وهو أحد الأقدمين , استمع ليوحنا , وكان زميلاً لبوليكاربوس , في كتابه الرابع لأنه كتب خمسة كتب").
لكن يوسي بيوس نفسه يُكذب كلام اريناوس وبشهادة بابياس نفسه , يقول يوسي بيوس (39 : 2): (أما بابياس نفسه فإنه في مقدمة أبحاثه لايصرح بأي حال من الأحوال بأنه كان مستمعًا أو معاينًا للرسل المباركين ولكنه يبين في كلماته أنه قد تلقى تعليم الإيمان من أصدقائهم . فهو يقول : "ولكنني لا أتردد أيضًا أن أضع أمامكم مع تفسيري كل ما تعلمته بحرص مع المشايخ وكل ما أتذكره بحرص ضامنًا صحته لأنني لم ألتذ كالكثيرين بمن يتكلموا كثيرًا بل بمن يعلمون الحق .لم ألتذ بمن يقدمون وصايا غريبة , بل بمن يقدمون وصايا الرب للإيمان , الصادر من الحق نفسه ) .
فلماذا يحاول يوسي بيوس أن ينزع مصداقية بابياس ويكذب إريناوس ؟!
لأن بابياس له أقوال خرافية في كتاباته كما يراها يوسي بيوس فأراد أن ينفي عنه الصلة بالرسل وإلا أصبحت هذه الأقوال الخرافية هى أقوال الرسل , يقول يوسي بيوس ( 39 : 11 ) : ( ويدون نفس الكاتب روايات أخرى يقول أنها وصلته من التقليد الغير مكتوب وأمثالاً وتعاليم غريبة للمخلص وأموراً أخرى خرافية ) .
ولهذا قال يوسي بيوس عن بابياس ( 39 : 13 ) : (إذ يبدو أنه كان محدود الإدراك جداً كما يتبين من أبحاثه ) .
وبابياس لم يزعم أبدًا أنه قام بتفسير الكتاب المقدس , ذلك لأن الكتاب المقدس لم يكن له وجود في ذلك العصر , فما قام به بابياس هو مجرد تجميع لأقوال مشايخه التي احتوت على كثير من الكذب والخرافات , ونتحدى إثبات أن بابياس قام بتفسير الكتاب المقدس كما زعم القمص .
إن عدد أسفار العهد الجديد ظل يتغير من زمن إلى آخر مثل العهد القديم . وكان يوسي بيوس (304م) الذي يعتبر أبًا لتاريخ الكنيسة , والمؤلفون المسيحيون المعاصرون الثقات المعاصرون له يرون أن رسالة يعقوب , ورسالة بطرس الثانية , ورسالة يهوذا , ورسالتا يوحنا الأولى والثالثة ليست من الكتاب المقدس . (Bratton's History Of The Bible ,p.122 )
ولذلك لا توجد هذه الرسائل في نسخة الكتاب المقدس السرياني القديم الذي يعرف بالبشيتا.
(Concise Oxford Dictionary Of The Church , p.393)
وقبل عصر يوسي بيوس أعد مفكر وزعيم مسيحي آخر آئيري نيوس (200م) فهرسًا للأسفار المسيحية المقدسة المعترف بصحتها , ولا توجد فيه رسالة بطرس الثانية , ورسالة يوحنا الثالثة , ورسائل يعقوب ويهوذا , ورسالة بولس إلى العبرانيين . بل على عكس ذلك يضم هذا الفهرس مؤلفًا دينيًا لهرماس والمعروف بـ(الراعي هرماس ) وهو مؤلف تم استبعاده من أسفار الكتاب المقدس رغم شهادة الآباء له !
(Bratton's History Of The Bible ,p.122 )
وهذا أسقف الإسكندرية المشهور وهو كليمنت والذي يستدل به القمص أعد فهرسًا للأسفار المقدسة , ولم يذكر في فهرسه رسالة بطرس الثانية , ورسالة يوحنا الثالثة , ورسالة يعقوب , ويضيف في فهرسه رسائل برنابا وكليمنت .
وهكذا يخلو فهرس طرطوليان (322م) وهو من أبرز آباء الكنيسة من رسالة بطرس الثانية ورسالتي يوحنا الثانية والثالثة , ورسالة بولس إلى العبرانيين . (Bratton's History Of The Bible ,p.122 )
ففي ضوء هذه الحقائق يعترف العلماء المسيحيون قائلين : " حتى القرن الثاني لم تكن هناك بداية في إعداد نسخة معترف بها ومعتمدة للعهد الجديد , وفي أواخر القرن الثالث كانت الكتب والوثائق المتنازع عليها موجودة " . (American People's Encyclopaedia , vol.3,p.426)
بل إن بابياس نفسه الأسقف المشهور لآسيا الصغرى القديمة والذي كان خبيرًا في روايات الرسل , لم يشر إلى إنجيل يوحنا في أي من مؤلفاته , وكذلك بوليكارب وهو من الآباء المسيحيين البارزين القدامى والذي كان تلميذًا ليوحنا بن زبدي حسب زعم علماء المسيحية لم يذكر هذا الإنجيل أيضًا . (Catholic Encyclopaedia, vol.7, p.1085)
فكيف يزعم القمص ويقول: ( أن علماء الدين المسيحي في العصور المختلفة , كانوا يقتبسون في مواعظهم ومؤلفاتهم من الكتاب المقدس ....وبمقارنة هذه الإقتباسات مع النصوص الحالية للكتاب المقدس نجد مطابقتها تمام الإنطباق ) في حين أن الكتاب المقدس نفسه لم يكن له وجود ؟!( كما سنبين عند حديثنا عن " قانونية الأناجيل " ) وما كان عند هؤلاء المذكورين لم يتجاوز عدة أسفار تختلف عما هو متداول الأن والتي لا تخلوا من التحريف أيضًا , بل كانوا يزيدون عن الأسفار الحالية أسفارًا أخرى أخرجت من قانون الكتاب المقدس فيما بعد مثل رسالتا برنابا والراعى لهرماس !
وهناك شواهد قوية تفيد أن آباء الكنيسة الأوائل كانوا يستبعدون بعض النصوص الهامة من مؤلفاتهم وتعاليمهم , مثل موقف يوسي بيوس على سبيل المثال من نص المعمودية المثلث في خاتمة إنجيل متَّى : (فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس ) ( متَّى 28 : 19 ) , يقول علماء الكتاب المقدس : ( وقيل إن هذه الكلمات لم تكن أساسًا جزء من النص الأصلى لإنجيل متَّى لأن يوسيبيوس اعتاد في كتاباته أن يقتبس متَّى 28 : 19 في صيغتها المختصرة : " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم باسمى " ) ( التفسير الحديث للكتاب المقدس ص 462 ) .
جاء في دائرة المعارف الأمريكية: ( العهد الجديد في صورته التي نجده عليها الأن لم يكن قد نشأ نشأة كاملة حتى القرن الرابع ) . (Encyclopaedia Americana ,vol.3,p.651)
فما السبب الذي جعل الأسفار والنصوص التي اعتبرها آباء الكنيسة الأوائل صحيحة لم تعتبر نصوصًا دينية تحظى بنفس الدرجة من القبول ؟!
تقول الموسوعة البريطانية : ( عندما يفحص أحد العلماء المخطوطات والترجمات , لا يكون قد أنهى كل دراسته لنصوص العهد الجديد , فإن كتابات أباء الكنيسة الأولين تلقى مزيدًا من الضوء لأن بها إقتباسات من العهد الجديد قد تختلف عن إحدى أو بعض المخطوطات الحالية , لأنها مأخوذة من مخطوطات أقدم لم تصل إلينا ) ( " ثقتي في الكتاب المقدس " ص41-42 ) .
فكتابات آباء الكنيسة المقتبسة من العهد الجديد-زعمًا- لا تفيد في شيء , بل إنها تُزيد من التحريف الحادث في العهد الجديد كما أشارت الموسوعة البريطانية , لأنها ليست متطابقة معه , فآباء الكنيسة لم يحفظوا متن العهد الجديد , وإذا نظر الباحث المنصف إلى حقيقة إقتباسات آباء الكنيسة من العهد الجديد يجد أن هذا سوف يؤدي إلى أمرين شديدي الخطورة يخبرنا عنهم "جوش مكدويل" في كتابه " ثقتي في الكتاب المقدس " ولا تعليق !
المفضلات