كلام الإمام ابن تيمية
في نقد القياس المنطقي.
من كتاب: الرد على المنطقيين([1].)

إعداد: تميم بن عبد العزيز القاضي

وقد تم تقسيم كلام الشيخ حسب النقاط التالية:
أولاً: نقد حصرهم اليقين بالقياس المنطقي(قياس الشمول دون قياس التمثيل)
أ-بيان عدم انحصار العلم بالقياس المنطقي، وأن قولهم بذلك الحصر تحكم لا دليل عليه.
ب-بيان رجوع قياس الشمول إلى قياس التمثيل
ج-بيان بعض الطرق الأخرى التي يمكن بها حصول العلم، ومنها قياس التمثيل، والرد على زعمهم بعدم إفادتها العلم.

ثانياً:- نقد دعواهم أن البرهان لا بد أن يكون مركبا من مقدمتين فقط.
أ- نقد الدعوى، وذلك من خلال النقاط التالية:
1-أنها دعوى بلا دليل(تحكُّم)، فهي دعوى باطلة طرداً وعكساً.
2-بيان الشيخ أن في كلامهم ما ينقض هذه الدعوى،وأنهم قد اعترفوا بأن القياس قد يحتاج أكثر من مقدمتين.
3-استدلال الشيخ على أن المقدمة الواحدة قد تكفي في القياس.
ب- بيان القول الحق في مسألة عدد المقدمات اللازمة للقياس، وأن ذلك يختلف بحسب حال المستدل، والمسألة المستدل عليها.

ثالثاً:-بيان عيوب الدليل المنطقي وأوجه القصور فيه.
أ-ما في الدليل المنطقي من التعب والتطويل بلا فائدة، وأن هذا يوصل إلى الزلل في التصور أكثر مما يوصل إلى الصواب فيه، وإمكان الاستغناء عنه، وأن العلم بنتيجته ممكنة بدونه.
ب-عدم إفادة الدليل المنطقي العلم بالموجودات، بل بمقدرات ذهنية، مما يجعله قليل المنفعة جدا، أو عديم المنفعة، وكونه من الكلام بلا علم.
ج-نقده للقضية الكلية المتضمنة في القياس البرهاني:
وذلك من خلال ما يلي:
1-نقد الإفادة من القضية الكلية بنقد طريق العلم بكليتها، وأنها تؤول إلى الدور، أو إلى العلم بالبدهيات التي لا يحتاج معها إلى القياس المنطقي.
2- أن العلم ببعض أفراد القضية الكلية من الممكن أن يقع عند البعض بدون العلم بالقضية الكلية التي لا يتم البرهان عندهم إلا بها.
3- أن القضايا الكلية لا بد أن تنتهي إلى أن تعلم بغير القياس، فالقضايا الكلية في القياس المنطقي الحسي متفرعة عن القضايا الجزئية، ومحتاجة إليها، لا العكس، فانتفت الفائدة من الكليات في ذلك.
4-بيان أنه ليس في الحسيات المجردة قضية عامة كلية، وأن كل ما ذكروه من أمثله للكليات فإنها قابلة للنقض، مما ينفي كليتها.
5-نقد توهم طائفة منهم أن القضايا الكلية لها تحقق في الخارج.
6-بيان أن أشرف العلوم(العلم الإلهي) لا يستفاد من البرهان المنطقي، وكذلك الجواهر العقلية عندهم والأفلاك، بل لا يستفاد منه العلم بشيء معين أصلاً.
د- أن القياس المنطقي لا يفيد علماً جديدا لما لم يكن يعلم من قبل، ولا يفيد معرفة صحيح الأدلة من فاسدها، ولا يفيد العلم بمعلوم معين.
رابعاً: منزلة الدليل المنطقي، ومدى إفادته لليقين.
أ-بيان الشيخ صدق صورة الدليل المنطقي، وإنما النقد لإفادتها العلم بالموجودات، وما تقدم من المآخذ.
ب- تحقيق القول في إفادة البرهان للقضايا الكلية.
ج- بيان الشيخ أن نقده السابق إنما يتوجه للمواد العقلية التي لا يستدل عليها بنصوص الأنبياء، وأما نصوص الأنبياء فهي لا تحتاج إلى دليلهم القياسي.

أولاً: نقد حصرهم اليقين بالقياس المنطقي(قياس الشمول دون قياس التمثيل).
أ-بيان عدم انحصار العلم بالقياس المنطقي، وأن قولهم بذلك الحصر تحكم لا دليل عليه.
قال الشيخ:((قولهم:(إنه لا يعلم شيء من التصديقات إلا بالقياس الذي ذكروا صورته ومادته) قضيةٌ سلبية نافية، ليست معلومة بالبديهة، ولم يذكروا على هذا السلب دليلاً أصلاً، فصاروا مدعين مالم يبينوه، بل قائلين بغير علم، إذ العلم بهذا السلب متعذر على أصلهم، فمن أين لهم أنه لا يمكن أحداً من بني آدم أن يعلم شيئاً من التصديقات التي ليست عندهم بديهية إلا بواسطة القياس المنطقي الشمولي الذي وصفوا مادته وصورته؟!))([2].)
ب-بيان رجوع قياس الشمول إلى قياس التمثيل.
قال الشيخ:(( مع أنا قد بسطنا في غير هذا الموضع الكلام على أن كل قياس شمول فإنه يعود إلى التمثيل ،كما أن كل قياس تمثيل فإنه يعود إلى شمول، وأن جعلهم قياس الشمول يفيد اليقين دون قياس التمثيل خطأ))([3].)
ج-بيان بعض الطرق الأخرى التي يمكن بها حصول العلم، ومنها قياس التمثيل، والرد على زعمهم بعدم إفادتها العلم.
قال الشيخ:(( والمقصود أن الذي يدعونه من الكليات هو إذا كان علماً فهو مما يعرف بقياس التمثيل لا يقف على القياس المنطقى الشمولي أصلا))([4].)
وقال:((فلا يمكن قط ان يحصل بالقياس الشمولى المنطقي الذي يسمونه البرهاني علم إلا وذلك يحصل بقياس التمثيل الذي يستضعفونه فان ذلك القياس لا بد فيه من قضية كلية والعلم بكون الكلية كلية لا يمكن الجزم به إلا مع الجزم بتماثل أفراده في القدر المشترك وهذا يحصل بقياس التمثيل))([5].)
كما رد الشيخ على زعم المنطقيين ((ان القضايا المعلومة بالتواتر والتجربة والحدس يختص بها من علمها بهذه الطريق فلا تكون حجة على غيره بخلاف غيرها فانها مشتركة يحتج بها على المنازع)) وبين الشيخ فساد هذا التفريق، وأن ما علم بالحس والتواتر والتجارب منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص بمن تحصل له، وفصل القول في إفادة التجربة والاستقراء للعلم([6])
ثانياً:- نقد دعواهم أن البرهان لا بد أن يكون مركبا من مقدمتين فقط.
أ- نقد الدعوى، وذلك من خلال النقاط التالية:
1-أنها دعوى بلا دليل(تحكُّم)، فهي دعوى باطلة طرداً وعكساً.
قال الشيخ:((دعواهم أن البرهان لا بد أن يكون مؤلفاً من مقدمتين لا أقل ولا أكثر فإن اكتفي فيه بمقدمة واحدة قالوا الأخرى محذوفة، وسموه قياس الضمير، وإن احتج فيه إلى مقدمات قالوا هذه قياسات متداخلة،فاصطلحوا على انه لابد في الحد من لفظين، جنس وفصل، ولابد في القياس من مقدمتين، وكل هذا تحكم،فإن البرهان قد يكتفى فيه بمقدمة، وقد لا يتم إلا بمقدمتين، وقد لايتم إلا بثلاث مقدمات وأربع وخمس بحسب حاجة المستدل، وما يعلم مما لا يعلم من المقدمات))([7].)
وقال:((وأما قولهم:(إن الاستدلال لا بد فيه من مقدمتين بلا زيادة ولا نقصان، فان كان الدليل مقدمة واحدة قالوا الأخرى محذوفة، وسموه هو قياس الضمير، وإن كان مقدمات قالوا: هي أقيسة مركبة، ليس هو قياساً واحداً) فهذا قول باطل طرداً وعكساً))([8].)
وقال:((قولهم: (إن شيئاً من التصديقات المطلوبة لا ينال إلا بما ذكروه من القياس)، فإن هذا النفي العام أمر لا سبيل إلى العلم به، ولا يقوم عليه دليل أصلاً، وقد أشرنا إلى فساد ما ذكروه، مع أنه معلوم البطلان بما يحصل من التصديقات المطلوبة بدون ما ذكروه من القياس..))([9])
وقد بين الشيخ أن غاية ما يمكن أن يقال في هذه الدعوى إنها اصطلاح مجرد مختص بهم، وليست حقيقة موجودة ثابتة في نفسها لأمور معقولة تتفق فيها الأمم كما يدَّعيه هؤلاء في منطقهم([10].)
2-بيان الشيخ أن في كلامهم ما ينقض هذه الدعوى،وأنهم قد اعترفوا بأن القياس قد يحتاج أكثر من مقدمتين.
قال الشيخ:((ومما يبين أن تخصيص الاستدلال بمقدمتين باطل أنهم قالوا في حد القياس الذي يشمل البرهانى والخطابي والجدلى والشعري والسوفسطائي: (إنه قول مؤلف من أقوال،أو عبارة عما ألف من أقوال إذا سُلِّمت لزم عنها لذاتها قول آخر) قالوا:(واحترزنا بقولنا: من أقوال، عن القضية الواحدة التي تستلزم لذاتها صدق عكسها وعكس نقيضها وكذب نقيضها، وليست قياساً، قالوا: ولم نقل مؤلف من مقدمات؛ لأنا لا يمكننا تعريف المقدمة من حيث هي مقدمة إلا بكونها جزء القياس، فلو أخذناها في حد القياس كان دورا....
وإذا كانوا قد جعلوا القياس مؤلفا من أقوال، وهي القضايا لم يجب أن يراد بذلك قولان فقط، لأن لفظ الجمع إما أن يكون متناولاً لاثنين فصاعداً، كقوله {فإن كان له إخوة فلامه السدس} النساء، وإما أن يراد به الثلاثة فصاعداً، وهو الأصل عند الجمهور.
ولكن قد يراد به جنس العدد، فيتناول الاثنين فصاعداً، ولا يكون الجمع مختصاً باثنين، فإذا قالوا: هو مؤلف من أقوال، إن أرادوا جنس العدد، كان المعنى من اثنين فصاعداً، فيجوز أن يكون مؤلفا من ثلاث مقدمات واربع مقدمات، فلا يختص بالاثنين، وإن أرادوا الجمع الحقيقي لم يكن مؤلفاً إلا من ثلاثةفصاعداً، وهم قطعاً ما أرادوا هذا، لم يبق إلا الأول..............))([11])
ثم استطرد الشيخ في ذكر أجوبتهم على هذا الاعتراض، وأفاض في الرد عليها، وخلص بعدها إلى تخصيصهم الدليل بمقدمتين فحسب تحكُّم لا دليل عليه، وغاية ما يمكن أن يقال فيه إنه اصطلاح مجرد مختص بهم، وليس حقيقة موجودة ثابتة في نفسها لأمور معقولة تتفق فيها الأمم كما يدَّعيه هؤلاء في منطقهم([12].)
وقال رحمه الله:((ثم إنهم لما علموا أن الدليل قد يحتاج إلى مقدمات، وقد يكفى فيه مقدمة واحدة، قالوا: إنه ربما أُدرج في القياس قول زائد، أي مقدمة ثالثة زائدة على مقدمتين لغرض فاسد،أو صحيح، كبيان المقدمتين، ويسمونه: المركب، قالوا: ومضمونه أقيسة متعددة سيقت لبيان مطلوب واحد، إلا أن المطلوب منها بالذات ليس إلا واحدا، قالوا: وربما حذفت إحدى القدمات، إما للعلم بها،أو لغرض فاسد،وقسموا المركب إلى مفصول وموصول كما تقدم.
فيقال: هذا اعتراف منكم بأن من المطالب ما يحتاج إلى مقدمات، ومنها ما يكفى فيه مقدمة واحدة، ثم قلتم إن ذلك الذي يحتاج إلى مقدمات هو في معنى أقيسة متعددة، فيقال لكم:إذا ادعيتم أن الذي لا بد منه إنما هو قياس واحد يشتمل على مقدمتين، وأن ما زاد على ذلك هو في معنى أقيسة، كل قياس لبيان مقدمة من المقدمات، فقولوا:إن الذي لا بد منه هو مقدمة واحدة، وأن ما زاد على تلك المقدمة من المقدمات فإنما هو لبيان تلك المقدمة.
وهذا أقرب إلى المعقول، فانه إذا لم يعلم ثبوت الصفة للموصوف وهو ثبوت الحكم للمحكوم عليه وهو ثبوت الخبر للمبتدأأو المحمول للموضوع إلا بوسط بينهما هو الدليل، فالذي لا بد منه هو مقدمة واحدة، وما زاد على ذلك فقد يحتاج إليه وقد لا يحتاج إليه.
وأما دعوى الحاجة إلى القياس الذي هو المقدمتان للاحتياج إلى ذلك في بعض المطالب فهو كدعوى الاحتياج في بعضها إلى ثلاث مقدمات وأربع وخمس للاحتياج إلى ذلك في بعض المطالب وليس تقدير عدد باولى من عدد وما يذكرونه من حذف احدى المقدمتين لوضوحها أو للتغليط يوجد مثله في حذف الثالثة والرابعة
ومن احتج على مسألة بمقدمة لا تكفي وحدها في بيان المطلوب أو مقدمتين أو ثلاثة لا تكفي طولب بالتمام الذي يحصل به الكفاية...الخ))([13].)

3-استدلال الشيخ على أن المقدمة الواحدة قد تكفي في القياس.
قال رحمه الله:((ومما يبين لك ان المقدمة الواحدة قد تكفي في حصول المطلوب ان الدليل هو ما يستلزم الحكم المدلول عليه كما تقدم بيانه ولما كان الحد الاول مستلزما للاوسطو الاوسط للثالث ثبت ان الاول مستلزم للثالث فان ملزوم الملزوم ملزوم ولازم اللازم لازم فالحكم لازم من لوازم الدليل لكن لم يعرف لزومه اياه الا بوسط بينهما والوسط ما يقرن بقولك لانه
وهذا مما ذكره المنطقيون ابن سينا وغيره ذكروا الصفات اللازمة للموصوف وان منها ما يكون بين اللزوم وردوا بذلك على من فرق من اصحابهم بين الذاتي واللازم للماهية بأن اللازم ما افتقر إلى وسط بخلاف الذاتي فقالوا له كثير من الصفات اللازمة لا يفتقر إلى وسط وهي البينة اللزوم والوسط عند هؤلاء هو الدليل
واما ما ظنه بعض الناس ان الوسط هو ما يكون متوسطا في نفس الامر بين اللازم القريب واللازم البعيد فهذا خطا ومع هذا يتبين حصول المراد على التقديرين فنقول :
اذا كانت اللوازم منها ما لزومه للملزوم بين بنفسه لا يحتاج إلى دليل يتوسط بينهما فهذا نفس تصوره وتصور الملزوم يكفي في العلم بثبوته له واذا كان بينهما وسط فذاك الوسط اذا كان لزومه للملزوم الاول ولزوم الثاني له بينا لم يفتقر إلى وسط ثان
وان كان احد الملزومين غير بين بنفسه احتاج إلى وسط وان لم يكن واحد منهما بينا احتاج إلى وسطين وهذا الوسط هو حد تكفي فيه مقدمة واحدة
والمقصود هنا ان وجه الدليل العلم بلزوم المدلول له سواء سمي استحضارا أو تفطنا أو غير ذلك فمتى استحضر في ذهنه لزوم المدلول له علم انه دال عليه وهذا اللزوم ان كان بينا له والا فقد يحتاج في بيانه إلى مقدمة أو ثنتين أو ثلاثة أو اكثر
والاوساط تتنوع بتنوع الناس فليس ما كان وسطا مستلزما للحكم في حق هذا هو الذي يجب ان يكون وسطا في حق الاخر بل قد يحصل له وسط اخر
فالاوساط هو الدليل وهو الواسطة في العلم بين اللازم والملزوم وهما المحكوم والمحكوم عليه فان الحكم لازم للمحكوم عليه ما دام حكما له والاواسط التي هي الادلة مما يتنوع ويتعدد بحسب ما يفتحه الله للناس من الهداية كما اذا كان الوسط خبر صادق فقد يكون الخبر لهذا غير الخبر لهذا...
فتبين انه على كل تقدير يمكن الاستدلال على المطلوب بمقدمة واحدة اذا لم يحتج إلى غيرها وقد لا يمكن الا بمقدمات فيحتاج إلى معرفتهن وان تخصيص الحاجة بمقدمتين دون ما زاد وما نقص تحكم محض، ولهذا لا تجد في سائر طوائف العقلاء ومصنفي العلوم من يلتزم في استدلاله البيان بمقدمتين لا اكثر ولا اقل ويجتهد في رد الزيادة إلى ثنتين وفي تكميل النقص بجعله مقدمتين الا اهل منطق اليونان ومن سلك سبيلهم دون من كان باقيا على فطرته السليمة أو سلك مسلك غيرهم كالمهاجرين والانصار والتابعين لهم باحسانوسائر ائمة المسلمين وعلمائهم ونظارهم وسائر طوائف الملل
ولهذا لما كان الاستدلال تارة يقف على مقدمة وتارة على مقدمتين وتارة على مقدمات كانت طريقة نظار المسلمين ان يذكروا من الادلة على المقدمات ما يحتاجون اليه ولا يلتزمون في كل استدلال ان يذكروا مقدمتين كما يفعله من يسلك سبيل المنطقيين بل كتب نظار المسلمين وخطبائهم وسلوكهم في نظرهم لانفسهم ومناظرتهم لغيرهم تعليما وارشادا ومجادلة على ما ذكرت وكذلك سائر اصناف العقلاء من اهل الملل وغيرهم الا من سلك طريق هؤلاء
وما زال نظار المسلمين يعيبون طريق اهل المنطق ويبينون ما فيها من العي واللكنة وقصور العقل وعجز النطق ويبينون انها إلى افساد المنطق العقلي واللساني اقرب منها إلى تقويم ذلك ولا يرضون ان يسلكوها في نظرهم ومناظرتهم لا مع من يوالونه ولا مع من يعادونه))([14].)

ب- بيان القول الحق في مسألة عدد المقدمات اللازمة للقياس، وأن ذلك يختلف بحسب حال المستدل، والمسألة المستدل عليها.
قال الشيخ:((البرهان قد يكتفى فيه بمقدمة وقد لا يتم إلا بمقدمتين وقد لايتم إلا بثلاث مقدمات وأربع وخمس بحسب حاجة المستدل وما يعلم مما لا يعلم من المقدمات))([15].)
وقال:((ثم الدليل قد يكون مقدمة واحدة وقد يكون مقدمتين وقد يكون مقدمات بحسب حاجة الناظر المستدل، إذ حاجة الناس تختلف، وقد بسطنا ذلك في الكلام على المحصل وبينا تخطئة جمهور العقلاء لمن قال إنه لا بد في كل علم نظري من مقدمتين لا يستغنى عنهما ولا يحتاج إلى أكثر منهما كما يقوله من يقوله من المنطقيين))([16].)
وقال:((وفصل الخطاب ان المطلوب قد يحتاج إلى مقدمة وإلى اثنتين وإلى ثلاث وإلى اربع فأصل الاضطراب دعواهم ان النتائج النظرية تحتاج إلى مقدمتين وتكفى فيها مقدمتان فجعلوا لا بد في كل مطلوب نظري من مقدمتين وادعوا انه يكفى في كل مطلوب نظري مقدمتان وكلا الامرين باطل))([17].)
ثم ذكر بعض الأمثلة، ثم قال:((واعتبر هذا بنظائره يتبين لك انه يمكن الاستغناء عن القياس المنطقي، بل يكون استعماله تطويلا وتكثيرا للفكر والنظر والكلام بلا فائدة وان الحاجة إلى المقدمات بحسب حال المستدل فقد يحتاج تارة إلى مقدمة وتارة إلى ثنتين وتارة إلى ثلاث وتارة إلى اكثر من ذلك))([18].)
وقال:((ثم قد يكون الدليل مقدمة واحدة متى علمت علم المطلوب وقد يحتاج المستدل إلى مقدمتين وقد يحتاج إلى ثلاث مقدمات وأربع وخمس وأكثر ليس لذلك حد مقدر يتساوى فيه جميع الناس في جميع المطالب بل ذلك بحسب علم المستدل الطالب بأحوال المطلوب والدليل ولوازم ذلك وملزوماته، فاذا قدر أنه قد عرف ما به يعلم المطلوب إلا مقدمة واحدة كان دليله الذي يحتاج إلى بيانه له تلك المقدمة))([19].)
وقال:((وذلكأن احتياج المستدل إلى المقدمات مما يختلف فيه حال الناس فمن الناس من لا يحتاج إلا إلى مقدمة واحدة لعلمه مما سوى ذلك كما أن منهم من لا يحتاج في علمه بذلك إلى الاستدلال بل قد يعلمه بالضرورة ومنهم من يحتاج إلى مقدمتين ومنهم من يحتاج إلى ثلاث ومنهم من يحتاج إلى اربع واكثر))([20].)
ثم ضرب الشيخ أمثلة لاستدلالات اكتفي فيها بمقدمة واحدة، وأخرى احتيج فيها إلى مقدمتين، أو أكثر.