القرآن هدى للناس:
إن كتاب الله تعالى أنزل هدىً للناس كافةً والبشرية جمعاء، فقد خاطب أتباع الديانات السماوية والأديان السائدة في العالم، ودعاهم إلى استخدام ما وهبهم الله تعالىٰ من العقل السديد والرأى الصحيح وإلى التفكر في خلق السماوات والأرض، وذكر ما ابتدعوه من الضلالات وأرشدهم من ظلمات الكفر والارتياب إلى نور الهداية والإيمان وهداهم إلى الصراط المستقيم.
الديانات التي ذكرها القرآن:
وقد ذكر القرآن الكريم عديدًا من الأمم والأديان؛ ولكن هناك أربع طوائف بما فيها ثلاث ديانات خصّها ببيان معتقداتها وما فيها من الضلال والزيغ وبيان تمسكاتها الواهية، بالإضافة إلى الرد عليها بالأدلة الواضحة المقنعة. يقول الإمام الشاه ولي الله الدهلوي:
«قد وقعت المخاصمة في القرآن العظيم مع الفرق الأربع الضالة: المشركين واليهود والنصارىٰ والمنافقين. وهذه المخاصمة على طريقين: الأول أن يذكر سبحانه وتعالىٰ العقيدة الباطلة مع التنصيص على شناعتها ويذكر استنكارها فحسب، والثاني: أن يبين شبهاتهم الواهية ويذكر حلّها بالأدلة البرهانية أو الخطابية (الفوز الكبير:19).
أما المنافقون فليس لديهم دين يتدينون به إنما كانوا مشركين أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام، ليخادعوا المسلمين ويلحقو بهم الضرر البالغ ويفرقوا عليهم كلمتهم. وأما المشركون فكانوا يخضعون لطقوس وروايات ورثوها عن آبائهم، يعبدون الأصنام ويأكلون الميتة، وجعلوا لله أندادا، فليس لديهم دين سماوي يعتنقون به ولا كتاب إلٰهي يتمسكون به ولا منهج نبوي يأخذون به، نعم كانوا يدعون بكل صراحة و وقاحة نحن نسلك مسلك أبينا إبراهيم ونتبع ملته؛ لكن القرآن الكريم رفض دعواهم وقال: ﴿إنَّ إِبْرَاهِيْمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله حَنِيْفًا، وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين، شَاكِرًا لِأنْعُمِه، اِجْتَبَاه وهَدَاه إلىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ﴾(النحل:121) ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلّةَ إِبْرَاهِيْمَ حَنِيفًا. وَمَا كَانَ مِنَ الْـمُشْرِكِيْنَ﴾ (النحل:123).
فما بقي في الكتاب من الديانات السماوية إلا اليهودية والمسيحية.
لايوجد إلا دين واحد سماوي:
فإن الديانات السماوية ثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهود، هذا هو المعروف؛ ولكن يجب أن نعرف أن الدين السماوي في جوهره يعود إلى ثلاثة أُسَسٍ: العقيدة والشريعة والأخلاق، فالعقيدة والأخلاق لا تختلفان في أي دين سماوي، نعم تبدل الشرائع وفق ما يقتضيه العصر والشعب، فكل أنبياء الله ورسله أتوا بدين واحد سماوي، قال تعالى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّيْنِ مَا وَصّٰى بِه نُوْحًا وَالّذِيْ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِه إبرَاهِيْمَ وَمُوْسٰى وَعِيْسٰى أنْ أقِيْمُوا الدّينَ وَلاَ تَتَفَرّقُوْا فِيْهِ، كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِيْنَ مَا تَدْعُوْهُمْ إلَيْهِ، اللهُ يَجْتَبِيْ إلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِيْ إلَيْهِ مَنْ يُنِيْبُ»(الشورىٰ:13).
فلا يوجد إلا دين واحد سماوي، ألا وهو دين الإسلام «إنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللهِ الإسلامُ»(آل عمران:19).
«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ دِيْنًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» (آل عمران:85) ومن اتبعه وأخذ به هو المسلم في كل زمان، «هُوَ اجْتَبٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ، مِلّةَ أَبِيْكُمْ إبْرَاهِيْم، هُوَ سَمٰكُمُ الْـمُسْلِمِيْن مِنْ قَبْلُ وَفِيْ هَذَا لِيَكُوْنَ الرَّسُوْلُ شَهِيْدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُوْنُوْا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ»(الحج:78).
ولما لليهود والنصارىٰ من مزايا وخصائص اقتصادًا وسياسةً واجتماعًا وتفوقان أممَ العالم، لصلتهما بالشرائع السابقة والعلم والدراية فقد اهتم القرآن بذكرهما وسمّاهما أهلَ الكتاب، وحديثُنا في هذا المقال يدور حول أهل الكتاب، من هم؟ كيف تحدث عنهم التنزيل العزيز: ولماذا خصّهم بالذكر؟ وإطلاقُ أهل الكتاب على اليهود والنصارىٰ المعاصرين، هل له وجه من الصحة؟ وما هي النقاط المهمة التي يرشدنا إليها القرآن في الحوار معهم؟
معنى أهل الكتاب:
اليهود يطلقون «أهل الكتاب» على أنفسهم خاصة ويريدون بالكتاب التوراة أو التلمود، فكلمة أهل الكتاب لا تسع المسيحيين لدى اليهود. (راجع: ويكي بيديا الموسوعة الحرة)
أما القرآن الكريم فإنه يريد بأهل الكتاب كلاً من اليهود – أتباع سيدناموسى عليه السلام صاحب التوراة – والنصارىٰ – أتباع سدينا عيسى بن مريم صاحب الإنجيل –وربما يقال لهم أهل الكتابَيْن، فكأنّ هذا لقب فخري مَنَحَ إيّاهم القرآنُ الكريم، بينما يرى البعض أن تسميتهم بأهل الكتاب ردع وتوبيخ لهم، فكأنّ القرآن يعيّرهم أنكم تملكون كتابًا فيه بيان ما هوالصواب من الخطأ، ومع ذلك ما سرتم سيرًا وسطاً عدلاً، وضللتم الطريق وحِدتُّمْ عن السبيل.
هل الصائبون من أهل الكتاب:
قد عدّ بعض العلماء الصائبين من جملة من أُوتُوا الكتٰب، وقالوا هم أهل التوحيد الذين آمنوا بالنبي يحيىٰ واتبعوا الكتاب الذي أنزل عليه، وقد ذكره تعالى بقوله «يٰيَحْيٰى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ» (مريم:12) ولكن الحكم فيهم بأنهم من أهل الكتاب أم لا؟ مشكل جدًا، فقد ذكر المفسرون أقوالاً عديدةً ولم يتوصلوا إلى قول اتفقت عليه وجهات أنظارهم، فقال العلامة الآلوسي: «قيل: هم قوم موحدون، يعتقدون تأثير النجوم ويقرون ببعض الأنبياء كيحيٰى عليه السلام، وقيل: إنهم يقرون بالله تعالى ويقرأون الزبور ويعبدون الملائكة ويصلّون إلى الكعبة، وفي جواز مناكحتهم وأكل ذبائحهم كلام للفقاء يطلب في محله»(روح المعاني:1/391.
وفي ذلك خلاف معروف بين الإمام أبي حنيفة وصاحبيه؛ ولكن الخلاف يرجع إلى ما سمعوا وعلموا عنهم؛ فإنهم قد اشتبهت عليهم مذاهبهم، يقول الدكتور وهبة الزحيلي:
«وقيل ليس هذا باختلاف في الحقيقة وإنما الاختلاف لاشتباه مذاهبهم؛ لذا من اعتبر الصائبة من عَبَدَة الأوثان وهم الذين يعبدون الكواكب، حرم مناكحتهم، ومن فهم أن مناكحتهم حلال، فهم أن لهم كتابًا يؤمنون به»(الفقه الإسلامي وأدلته: 7/162).