سؤالهم المعتاد هو
-إن نسب أنبيائنا - مثل موسى وعيسى - أفضل من نسب نبيكم, لأن آباءهم لم يعبدوا الأصنام, ولكن آباء وأجداد محمد صلى الله عليه وسلم قد عبدوها.
الجواب
- إن هذه من الشبهات التافهة التى تعوَّدنا عليها, نسوا بأن الكتاب المقدس جعل السيد المسيح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - من نسل امرأة زانية اسمها (ثامار) ومن نسل امرأة أخرى زانية اسمها (بثشبع) وعلى أيَّة حال فلا يُشتَرط أن يكون الولد مثل أبيه وأجداده, فإن أبا سيدنا إبراهيم كان كافراً, وهو أبو جميع الأنبياء, وابن سيدنا نوح كان كافراً, ولم يقدح هذا فى نبوِّته, كما لم يقدح كفر أبى سيدنا إبراهيم فى نبوِّته, فالاثنان من أُولِى العزم من الرسل. وهذا الكلام حجة عليكم, لأن الرسول r جاء ليعمل فى أرض بور خالية من التوحيد, ولم يساعده أحد, أما أنبياؤكم - على جميع أنبياء الله ورسله الصلاة والسلام - فكان يساعد بعضهم بعضاً, فإبراهيم كان معه ابن أخيه لوط, وكان معه ولداه إسماعيل وإسحاق, وإسحاق كان معه يعقوب, وكان ليعقوب اثنا عشر ابناً هم الأسباط, وموسى كان يساعده أخوه هارون ويوشع بن نون تلميذه, وزكريا كان معه ابنه يحيى, وعيسى كان معه ابن خالته يحيى, وقد جاء وقومه موحدون, وهم أتباع موسى, أما الرسول r فقد أُرسِل إلى قوم مشركين, ليس لهم علاقة بأى دين, ولا يؤمنون بالبعث والحساب, والجنة والنار, فبينه وبين جده إسماعيل حوالى خمسة آلاف سنة {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}[السجدة:3] فكانت مهمته صعبة للغاية, وكأنك أتيت بقوم تريد أن توصلهم لنيل أعلى الشهادات, وهم لا يعرفون القراءة والكتابة, فتبدأ معهم من الصفر, بل إن الأمر أعظم من ذلك, فتعليم القراءة والكتابة أهون من تغيير العقيدة المتوارثة على مر الأجيال, الراسخة فى العقول والأذهان. ربما يقول قائل: إن نوحاً لم يكن معه أحد يساعده, فنقول له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل فى سبيل الله لآخر عمره, أما سيدنا نوح عليه السلام فلم يقاتل أحدا. ثم إن هذا الكلام حجة عليكم من جهة أخرى, فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذى ألف القرآن, لَمَا عاب من أقاربه أحداً كما فى سورة (المسد) ولَمَا نهى عن الاستغفار لهم, كما حدث عندما أراد أن يستغفر لعمه أبى طالب, فنهاه الله عن ذلك {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113] وليس الغريب أن يخرج النبى من قوم موحدين, ولكن الغريب أن يخرج من قوم مشركين ليخرجهم {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [إبراهيم:1] وليصل بهم إلى أن يكونوا خير أمة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] فمثلا - {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} - لو خرج طبيب من عائلة كلها متعلمة تعليماً جامعياً, فإن هذا لن يكون غريبا, أما إذا خرج من عائلة أُمِّية, ليس هذا فحسب, بل تفوَّق على جميع قرنائه, وكان ترتيبه الأول, فإن هذا هو الغريب, والله أعلم.