كتاب " الرسائل " للجاحظ عبارة عن عدة رسائل تشبه إلى حد كبير رسائل بولس مع الفرق طبعاً وأن رسائل بولس أكثر شهرة بكثير ولكن طبعاً ليس كل مشهور يبقى صحيح !!
ومع تحفظنا على عقيدة الجاحظ إلا أنه من ضمن هذه الرسائل رسالة بعنوان " الرد على النصارى " فيها فائدة فرأيت أن أنقلها إليكم بإذن الله
الكتاب من المكتبة الإسلامية الشاملة تفاصيله كالآتى :
الكتاب : الرسائل
المؤلف : الجاحظ
مصدر الكتاب : موقع الوراق
http://www.alwarraq.com
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]
تنبيه هام: نص الكلام مكتوب كما هو بلا حذف لأي شيء وإنما أضفت :
1) بعض العناوين من عندي تجدها باللون الأحمر بخلاف العنوان الأول "فصل من صدر كتابه في الرد على النصارى" و "فصل منه " فهما من الكتاب وعدا ذلك من العناوين فهو من إضافتي
2) بعض الآيات وجدتها تفيد الغرض وقد أضفتها بين خطين أو أكثر لتبيان أنها ليست من متن الكتاب
3) تحقيق حديثين مرويين في الرسالة وهو ليس تحقيق دقيق ولكن قدر الاستطاعة فإن وفقت فيه فمن الله وإن لم أوفق فمنى ومن الشيطان
والكتاب بصيغة Doc في المرفقات والله ولى التوفيق
فصل من صدر كتابه في الرد على النصارى
الحمد لله الذي من علينا بتوحيده، وجعلنا ممن ينفي شبهة خلقه وسياسة عباده، وجعلنا لا نفرق بين أحد من رسله، ولا نجحد كتاباً أوجب علينا الإقرار به، ولا نضيف إليه ما ليس منه، إنه حميد مجيد، فعال لما يريد.
أما بعد فقد قرأت كتابكم، وفهمت ما ذكرتم فيه من مسائل النصارى قبلكم، وما دخل على قلوب أحداثكم وضعفائكم من اللبس، والذي خفتموه على جواباتهم من العجز، وما سألتم من إقرارهم بالمسائل، ومن حسن معونتهم بالجواب.
وذكرتم أنهم قالوا: إن الدليل على أن كتابنا باطل، وأمرنا فاسد، أننا ندعي عليهم ما لا يعرفونه فيما بينهم، ولا يعرفونه من أسلافهم، لأنا نزعم أن الله جل وعز قال في كتابه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ، وأنهم زعموا أنهم لم يدينوا قط بأن مريم إله في سرهم، ولا ادعوا ذلك قط في علانيتهم. وأنهم زعموا أنا ادعينا عليهم ما لا يعرفون، كما ادعينا على اليهود ما لا يعرفون، حين نطق كتابنا، وشهد نبينا: أن اليهود قالوا: إن عزيراً ابن الله، وإن يد الله مغلولة، وإن الله فقير وهم أغنياء. وهذا ما لا يتكلم به إنسان، ولا يعرف في شيء من الأديان.
ولو كانوا يقولون في عزير ما نحلتمون وادعيتموه، لما جحدوه من دينهم، ولما أنكروا أن يكون من قولهم، ولما كانوا بإنكار بنوة عزير أحق منا بإنكار بنوة المسيح، ولما كان علينا منكم بأس بعد عقد الذمة، وأخذ الجزية.
وذكرتم أنهم قالوا: ومما يدل على غلطكم في الأخبار، وأخذكم العلم عن غير الثقات، أن كتابكم ينطق: أن فرعون قال لهامان: " ابن لي صرحاً " . وهامان لم يكن إلا في زمن الفرس، وبعد زمن فرعون بدهر طويل، وإن ذلك معروف عند أصحاب الكتب، مشهور عند أهل العلم. وإنما اتخذ صرحاً ليكون إذا علاه أشرف على الله.
وفرعون لا يخلو من أن يكون جاحداً لله تعالى، أو مقراً به. فإن كان دينه عند نفسه وأهل مملكته نفي الله وجحده، فما وجه اتخاذ الصرح وطلب الإشراف، وليس هناك شيء ولا إله؟ وإن كان مقراً بالله عارفاً به، فلا يخلو من أن يكون مشبهاً أو نافياً للتشبيه. فإن كان ممن ينفي الطول والعرض والعمق والحدود والجهات، فما وجه طلبه له في مكان بعينه، وهو عنده بكل مكان؟ وإن كان مشبهاً فقد علم أنه ليس في طاقة بني آدم أن يبنوا بنياناً، أو يرفعوا صرحاً يخرق سبع سموات بأعماقهن، والأجزاء التي بينهن، حتى يحاذي العرش ثم يعلوه.
وفرعون وإن كان كافراً فلم يكن مجنوناً، ولا كان إلى نقص العقل من بين الملوك منسوباً. على أن الحكم قد يقوم بعقول الملوك بالفضيلة على عقول الرعية.
وذكرتم أنهم قالوا: تزعمون أن الله تعالى ذكر يحيى بن زكريا يخبر أنه " لم يجعل له من قبل سمياً " ، وأنهم يجدون في كتبهم وفيما لا يختلف فيه خاصتهم وعامتهم أنه كان من قبل يحيى بن زكريا غير واحد يقال له يحيى، منهم: يوحنا بن فرح.
وزعمتم أنهم قالوا لكم: إنكم ذكرتم أن الله قال في كتابه لنبيكم: " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ، وإنما عنى بقوله: " أهل الذكر " : أهل التوراة، وأصحاب الكتب يقولون: إن الله قد بعث من النساء نبيات، منهم مريم بنت عمران، وبعث منهم حنة، وسارى، ورفقى.
وذكرتم أنهم قالوا: زعمتم أن عيسى تكلم في المهد، ونحن على تقديمنا له، وتقريبنا لأمره، وإفراطنا بزعمكم فيه، على كثرة عددنا، وتفاوت بلادنا، واختلافنا فيما بيننا، لا نعرف ذلك ولا ندعيه، وكيف ندعيه ولم نسمعه عن سلف، ولا ادعاه منا مدع.
ثم هذه اليهود لا تعرف ذلك، وتزعم أنها لم تسمع به إلا منكم، ولا تعرفه المجوس، ولا الصابئون، ولا عبادة البددة من الهند وغيرهم، ولا الترك والخزر، ولا بلغنا ذلك عن أحد من الأمم السالفة، والقرون الماضية، ولا في الإنجيل، ولا في ذكر صفات المسيح في الكتب والبشارات به على ألسنة الرسل.
ومثل هذا لا يجوز أن يجهله الولي والعدو، وغير الولي وغير العدو، ولا يضرب به مثل، ولا يروح به الناس، ثم يجمع النصارى على رده، مع حبهم لتقوية أمره. ولم يكونوا ليضادوكم فيما يرجع عليهم نفعه. وكيف لم يكذبوكم في إحيائه الموتى، ومشيه على الماء، وإبراء الأكمه والأبرص؟ ! بل لم يكونوا ليتفقوا على إظهار خلاف دينهم، وإنكار أعظم حجة كانت لصاحبهم، ومثل هذا لا ينكتم ولا ينفك ممن يخالف وينم.
والكلام في المهد أعجب من كل عجب، وأغرب من كل غريب، وأبدع من كل بديع؛ لأن إحياء الموتى والمشي على الماء، وإقامة المقعد، وإبراء الأعمى، وإبراء الأكمه قد أتت به الأنبياء، وعرفه الرسل، ودار في أسماعهم. ولم يتكلم صبي قط، ولا مولود في المهد.
وكيف ضاعت هذه الآية، وسقطت حجة هذه العلامة من بين كل علامة؟ ! وبعد، فكل أعجوبة يأتي بها الرجال، والمعروفون بالبيان، والمنسوبون إلى صواب الرأي، تكون الحيلة في الظن إليها أقرب، وخوف الخدعة عليها أغلب. والصبي المولود عاجز في الفطرة، ممتنع من كل حيلة، لا يحتاج فيه إلى نظر، ولا يشبهه من شاهده بدخل.
فصل منه
وسنقول في جميع ما ورد علينا من مسائلكم، وفيما لا يقع إليكم من مسائلهم، بالشواهد الظاهرة، والحجج القوية، والأدلة الاضطرارية، ثم نسألهم بعد جوابنا إياهم عن وجوه يعرفون بها انتقاض قولهم، وانتشار مذهبهم، وتهافت دينهم.
ونحن نعوذ بالله من التكلف وانتحال ما لا نحسن، ونسأله القصد في القول والعمل، وأن يكون ذلك لوجهه، ولنصرة دينه، إنه قريب مجيب.
المفضلات