.


وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ {26/196}
[الشعراء]

الضمير في {إنه..196} [الشعراء] يصح أن يعود على القرآن كسابقه ، ويصح أن يعود على رسول الله ، ومعنى {زُبُرِ ..196} [الشعراء] جمع زبور يعني : مكتوب مسطور ، ولو أن العقول التي عارضت رسول الله ، وأنكرتْ عليه رسالته ، وأنكرتْ عليه معجزته فَطنوا إلى الرسالات السابقة عليه مباشرة ، وهي : اليهودية والنصرانية (وليس المسيحية) في التوراة والإنجيل لوجب عليهم أن يصدوقوه ؛ لأنه مذكور في كتب الأولين .

كما قال سبحانه في موضوع آخر :


إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى {87/18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى {87/19}
[الأعلى]

فالمباديء العامة من العقائد والأخلاق والعدل الإلهي وقصص الأنبياء كلها أمور ثابتة في كل الكتب وعند جميع الأنبياء علماً بأن كتب اليهود النصارى تُرجمت للعربية في القرن التاسع عشر ، ولا يتغير إلا الأحكام من كتاب لآخر ، لتناسب العصر والأوان الذي جاءت فيه .

وحين تقرأ قوله تعالى :



شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ...... {42/13}
[الشورى]

تقول : ولماذا - إذن - نزل القرآن ؟ ولماذا لم يَقُل وصينا به محمداً ؟

قالوا :لأن الأحكام ستتغير ؛ لتناسب كل العصور التي نزل القرآن لهدايتها ، ولكل الأماكن ، ولتناسب عمومية الإسلام .

[عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي ، وأبو يوسف ، صحابي أسلم عند قدوم النبي :salla-icon: المدينة ، وكان اسمه الحصين ، فسماه رسول الله :salla-icon: عبد الله ، وشهد مع عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس ، أقام بالمدينة إلى أن توفى عام 43 هـ (الأعلام للزوكلي 4/90) ]

لذلك روًى عن عبد الله بن سلام وآخر اسمه ابن يامين ، وكانوا من أهل الكتاب ، وشهد كلاهما أنه رأى ذكر محمد :salla-icon: في التوراة وفي الإنجيل ، والقرآن يقول عنهم :



يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ ..... {2/146}
[الأعراف]

ولما سمعنا ابن سلام قال : ربنا تساهل معنا في هذه المسألة . فوالله إني لأعرفه كمعرفتي بولدي ، ومعرفتي لمحمد أشد .

ويقول تعالى في هذا المعنى :



الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ .... {7/157}
[الأعراف]

ويقول سبحانه على لسان عيسى عليه السلام حين يقف خطيباً في قومه :



وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ .... {61/6}
[الصف]

إذن :



وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ {26/196}
[الشعراء]

أي : محمد :salla-icon: أو القرآن ، فكلاهما صحيح ؛ لأن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجود في هذه الكتب ، أو القرآن في عموم مبادئه في العقائد والأخلاق والبعث وسير الأنبياء .

فكان الواجب على الذين جاءهم القرآن أن يؤمنوا به ، خاصة وأن رسول الله كان أمياً لم يجلس إلى معلم ، وتاريخه في ذلك معروف لهم ، حيث لم يسبق له أن قرأ أو كتب شيئاً .

والقرآن يؤكد هذه المسألة ، فيقول تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم :



وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ {29/48}
[العنكبوت]


وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ {28/45}
[القصص]


وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ .... {28/44}
[القصص]

وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ... {3/44}
[آل عمران]

فكل هذه الآيات وغيرها دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لا عِلْمَ له بها إلا بواسطة الوَحي المباشرة في القرآن الكريم ، وكان على القوم أن يؤمنوا به أول ما سمعوه .

والله أعلم

الإمام / محمد متولي الشعراوي .
.