.
قالوا :

اقتباس
إمكانية فتنة الناس للنبي عن الوحي

انها لظاهرة خطيرة ومؤلمة ، وهي إمكان فتنة الناس للنبي عن الوحي، وامكان ركون النبي الى فتنتهم : وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) إسراء 73-75.

يشهد القران ان هذه الامكانية كاد تكون عند محمد امرا واقعا في شيء قليل .
.
قلنا :

بسم الله الرحمن الرحيم

(وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلاً "73" )

وهذه خبيثة من خبائث الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يحاولون جادين أن يصرفوا رسول الله عما بعثه الله به، فمرة يقولون له: دع آلهتنا نتمتع بها سنة ونأخذ الغنائم من ورائها وتحرم لنا بلدنا ـ أي: ثقيف ـ كما حرمت مكة. ومرة يقولون له: لا تستلم الحجر ويمنعونه من استلامه حتى يستلم آلهتهم أولاً.

ومعنى (كادوا) أي قاربوا، والمقاربة غير الفعل، فالمقاربة مشروع فعل وتخطيط له ، لكنه لم يحدث ، إنهم قاربوا أن يفتنوك عن الذي أنزل إليك لكن لم يحدث؛ لأن محاولاتهم كانت من بعيد، فهي تحوي حول فتنتك عن الدين، كما قالوا مثلاً: نعبد إلهك سنة، و تعبد آلهتنا سنة. ومعنى: (ليفتنونك) ليحولونك ويصرفونك عما أنزل الله إليك، لماذا؟

{لتفتري علينا غيره .. "73"}
(سورة الإسراء)

كما حكى القرآن عنهم في آية أخرى:

{ائت بقرآن غير هذا أو بدله .. "15"}
(سورة يونس)

فيكون الجواب من الحق سبحانه:

{قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيمٍ "15"}
(سورة يونس)

و

{لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون "16"}
(سورة يونس)

ونلاحظ في مثل هذا الموقف أن الحق سبحانه يتحمل العنت عن رسوله، وينقل المسألة من ساحة الرسول إلى ساحته تعالى، لكي لا تكون عداوة بين محمد وقومه، فالأمر ليس من عند محمد بل من عند الله، يقول تعالى:

{قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "33"}
(سورة الأنعام)

فلا تحزن يا محمد، فأنت مصدق عندهم، لكن المسألة عندي أنا، وهكذا يتحمل الحق سبحانه الموقف عن رسوله حتى لا يحمل القوم ضغينة لرسول الله:

ثم


{وإذاً لأتخذوك خليلاً "73"}
(سورة الإسراء)

الخليل: هو المخال الذي بينك وبينه حب ومودة، بحيث يتخلل كل منكما الآخر ويتغلغل فيه، ومنه قوله تعالى في إبراهيم:

{واتخذ الله إبراهيم خليلاً "125"}
(سورة النساء)

ومنه قول الشاعر:

ولما التقينا قرب الشوق جهده خليلين ذابا لوعة وعتابا
كأن خليلاً في خـلال خليله تسرب أثناء العناق وغابا
فإذا ما تقابل الخليلان ذاب كل منهما في صاحبه أو تخلله ودخل فيه.


فالمعنى: لو أنك تنازلت عن المنهج الذي جاءك من الله لصرت خليلاً لهم، كما كنت خليلاً لهم من قبل، وكانوا يحبونك ويقولون عنك "الصادق الأمين". إذن: الذي جعلهم في حالة عداء لك هو منهج الله جئت به، فلو تنازلت عنه أو تهاونت فيه فسوف يتخذونك خليلاً، فلا تكن خليلاً لهم بل خليلاً لربك الذي أرسلك.

.