الشخصيات المحورية وأمهات المسائل :
بقدر الرقي العقلي والتقدم العلمي وتعدد وسائل المعرفة ، وبقدر ما عند الباحث من حب للحقيقة وعمق في الفهم وقوة في الاستنباط ؛ تنكشف له نواحي العقيدة الصحيحة ، فيسهل عليه توكيدها وإظهارها في ثوبها القشيب كما يظهر له فساد ما سواها وضعف ماعداها ؛ بالأدلة والبراهين .

المسيحية الحالية :
الفارق موجود بين دين رسول الله عيسى ابن مريم عليه السلام وبين مسيحية اليوم . وهناك فارق بين عقيدة السيد المسيح رسول الله وعقيدة المسيحية عند أتباع المسيح ابن الإله . وهناك فارق بين دين أتباع عيسى الرسول في زمنهم الأول ومعايشتهم له في حياته وبين الأتباع مِنْ بعده . ويوجد فارق بين إنجيل السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام المنزل من السماء وبين الإنجيل (الأناجيل) المخطوطة بأيد بشر والمتداولة الآن في الكنائس والمعتمدة عندها . وهناك فارق بين العبادة التي شرعها الله لنبيه عيسى وأتباعه في عصره وبين العبادة الحالية .... الفروق تكاد لا تنتهي بين دين بعقيدته وعباداته أوحى به رب العباد إلى اليهود بواسطة أمين السماء جبريل عليه السلام إلى السيد المسيح صلى الله عليه وسلم ؛ أمين الرسالة لقومه (اليهود) ؛ وبين دين مستحدث على أيدي رجال ، والرجال هنا شخصيات محورية لعبت الدورَ الأساسي في تبديل وتعديل وتغيير دين أنزله الله سبحانه وتعالي إلى دينٍ من وضع البشر ، و "ابتكار" العديد من العقائد والمسائل ، وهذا ما دعاني للبحث عن الشخصيات المحورية وأيضا أمهات المسائل الجوهرية التي شكلت هذا الدين الجديد : " مسيحية الكنائس الحالية " .
لعبَ الرجال بما يملكون من قدرات وكفاءات وما يحملون من أفكار وعقائد وما تأثروا من مفاهيم وعادات وما ترسخ في وجدانهم من مراسيم وطقوس وما تعايشوا مع أعياد ومناسبات وطقوس ، واستيراد عقائد من ديانات آخرى ؛ سبقت أو عاصرتهم لتتطعم بها الدين الصحيح فخرج دين جديد ؛ هؤلاء الرجال ؛ الشخصيات المحورية ؛ لعبت دوراً أساسياً ومحورياً في تشكيل الديانة المسيحية الحالية ، ومن دواعي الأسف والأسى أن تكون الديانة المسيحية الحالية صناعة بشرية ومنتوجاً آدمياً بمتياز وإن قال البعض عنها أنها دين سماوي فخرجت عن اطار الدين الذي أرسل من أجله عيسى عليه السلام لقومه واختلطت بها الأفكار والديانات التي كانت سائدة في ذاك الزمان ، ثم جاء من استثمر المخزون الوجداني عند البشر فالبسها ثوباً جديداً ، وحدث صراع حاد بين طائفة الموحدين وبين فئة أصحاب الأهواء ، وارادت المشيئة العلية أن تكسب الجولة حتى كتابة هذه السطور الفئة الثانية .
ومن اشهر الشخصيات المحورية في الديانة المسيحية شاءول ؛ بولس الطرسوسي ؛ وكاتب هذه السطور ينشر على هذا الموقع الكريم بعض الكتابات عن مؤسس المسيحية الأول ولم ننتهي بعد ؛ وهناك من المؤسسين عدد كافي ...، لذا فهذه السلسلة لن تقتصر على بولس الرسول فحسب ، إذ في النية أن نكمل الصورة في إطارها الطبيعي فنتحدث عن بقية الشخصيات المحورية التي حورت الرسالة وأحدثت المسيحية الحالية فنُخرج ترجمةً عنهم كبحوث وافية ـ على قدر الطاقة والإستطاعة ـ من كتبهم المعتمدة وأقوالهم ، ولا نظلم أحداً ، ونتحدث عن أمهات المسائل .
وقصدنا ـ كما بين لنا أصحاب العلم والفكر والقلم من قبل ؛ أستاذتنا ـ أن نثبت العقيدة الصحيحة في قلوب وعقول أهلها وأن نسد كل ثغرة يمكن أن ينفد إليها شيطان الإنس أو الجن ليضل بنا الطريق ، واعتمدُ بعد الله سبحانه وتعالى وكتابه وسنة خاتم أنبياءه صلوات الله وسلامه عليه وآله ، على أقوال وأفعال صحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كما افَحِصُ في فهمِ السادة العلماء أهل هذا التخصص من الأقدمين أو أساتذتي الحاليين .
ونتسأل : كيف تصل مثل هذه الأبحاث والرسائل ـ قديمها وحديثها ـ إلى الكافة والعامة فتطلع عليها ومثقفو القوم فتفهمها ويغلب على ظني أن تسأل العامة أهل التخصص في دينهم عن مدى صحة ما يقول علماء المسلمين السابقين واللاحقين ، ثم يستمر الحال كما هو عليه ؛ بيَّد أن شعاع نور آية كريمة يضئ لنا المكان : " إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" ، فاتوقف عن الإسترسال في الخيال وأعود إلى كتاب معلمي ودفتر أستاذي لأتابع الإطلاع والتعلم .
وقصدنا من البداية أن يظل النبع الصافي للدين أي الوحي ؛ صافياً نقياً ونحافظ عليه من ترسب الشوائب ودخول فيه ما هو غريب عنه .
ونحن لا نريد تجريحاً لأحد أو تسفيهاً له فقد أمرنا :" وقولوا للناس حسناً " ؛ بقدر ما نريد إعمال العقل والفكر في المسائل المطروحة ، والمنزلق الخطر على العقيدة والأحكام العملية في الحياة اليومية للعابد أن يشرع من عنده ما يروق له فيستحدث ديناً جديداً تتقبله العامة ويستفيد منه الخاصة فيخرج إلى غضب الله جل في علاه ، ودعوات الحفاظ على الوحي قوبلت بالترحاب احياناً والغضب احياناً كثيراً .
وبهذا نفتح حواراً هادئاً عاقلاً فما نريد إلا الإصلاح ومن الله الهداية والتوفيق .