نذكر بما قلناه في المشاركة السابقة:

(..و يبدو أنّ اليهود استطاعوا لحدّ ما صرف فريق منهم عن بشارة ابن مريم عليه السلام وتَجَرّأت ألسنَةُ الكُفرِ على لَعْنِ يسوع(أنظر 1 كو 12/3)[ 3لِذلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يَقُولُ: «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا». وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ:«يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.] . )....

من القائل..إنه بولس..

والأن نجد أن بولس في مفترق الطرق.أيّ سبيل يسلُكُه ؟ ما هو الأيسر؟


أن يمشي باتجاه التّيار القائل أنّ يسوع الناصري صُلب..

وهو ما شاع بين الوثنيين واليهود بما فيهم يهودُ الشتات..

أو أنّ المصلوب هو رجل أُلقي عليه شبه يسوع، وهو ما يعتقده الحواريون عليهم السلام.

ولا نشكّ أبداً أنّ بولس كان يعلم هذا من الرسّل على الأقل، فلا خصومة في أنّ تبنيّ الفكرة الشعبية أسهل والرجل الذي جعل من نفسه رسول المسيح إلى الأمم لا يغامر مطلقا بأن يسبح عكس التيار.

فما كان منه، وهو ابن الثقافة الهِلِنْستية، إلاّ أن يُطَعّم فكرة الصلب بمعتقدات الخلاص التي سادت في معظم ديانات آسيا الصغرى في زمانه ، لِيُقدّمها للأمم على أنّها خلاصةُ رسالة يسوع .

ويجب أن نتوقّف لحظة لِنُسجّل واحدةً من أخطر عقائد بولس ( أنظر 1 كو 15/3):

[3فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ].
وهو أهمّ تعليم في الكنيسة الناشئة.

- الثقافة الهلنستية هي ثقافة العالم المتحضر في زمن الإغريق ولا يشترط فيها أن يكون المرء يوناني العرق. وهي تمثّل ما تمثّله الثقافة الغربية اليوم.

المسيح عيسى عليه السلام ملعون أم مبارك؟

لكن الإيمان بيسوع مصلوباً يعني الإيمان به ملعوناً !.

وقد كان أتباع بولس في كورينْتُسْ يَلعَنُونَه، بشكل عفوي، ونهاهم بولس عن ذلك في رسالته إليهم والتي كتبها في ربيع 56 م:ففي1 كو 12/3 :

[3لِذلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يَقُولُ: «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا». وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ:«يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.]

ثم بعد أقل من سنة يَنقلِبُ بولس رأساً على عقب ، ويكتب إلى أهلا غلاطية في شتاء 57 م لِيُعْلِنَ بوجهٍ لا يقبَلُ التأويل ، أنّ المسيحَ يسوع ملعونٌ
:

فلقد ورد في غلا3/13:

[13اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ.

إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».

14لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِنَنَالَ بِالإِيمَانِ مَوْعِدَ الرُّوحِ.].

هذه فضيحة! وبالخصوص أنّ يسوع هو الله المتجسّد في دين بولس.

لا يوجد في كلّ أديان الدنيا منذ أن ذرأ الله ذرية آدم على الأرض دينٌ يلعن رّبه وإلهه إلا بولس وأتباعه.

حتّى عابد البقر لا يلعنُ بقرتَه.

أخي الكتابي ! هل تعلم أنّ علماءَك لا يَجرؤون أن يُصارِحوك أنّك تَلعَنُ المسيح ؟ !.

هل تعلم أنّ لاعِنَ المسيح عيسى ملعونٌ ، ومُبارِكَه مُباركٌ ، قياساً على قول الله لعبده إبراهيم :

[3وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ».]. تك 12/3

وأوحى الله لبلعام بن باعور :[12فَقَالَ اللهُ لِبَلْعَامَ: «لاَ تَذْهَبْ مَعَهُمْ وَلاَ تَلْعَنِ الشَّعْبَ " إسرائيل"، لأَنَّهُ مُبَارَكٌ».]. ( عد 22/12).

هل وعيت أخي الكتابي ! أنّ اللعنة والبركة لا تجتمعان إلاّ في فكر بولس السقيم .

وقد علّم يسوع عليه السلام في إشارة لطيفة إلى أولي الألباب الذين تنَفعُهم الذكرى أنّ اللّعنةَ طردٌ من رحمة الله، وذهابٌ بالبركة وأنّ لاعنيه في ضلال مبين.

والسؤال الآن ما هي دوافع بولس في تغيير موقفه من النهي عن لعن يسوع إلى الأمر به ؟. .