الخطبة للشيخ نذير المكتبي بعنوان ( الزوجة في الإسلام )




الزوجة في الإسلام

الشيخ نذير مكتبي

إن للمرأة في الإسلام منزلة سامية وبخاصة إذا كانت زوجة ، فقد خصَّها الله تبارك وتعالى بالمكانة اللائقة بها من حيث كونها الركنَ الثاني والأهمَّ في بناء الأسرة المسلمة ، فطالب الزوجَ أن يكون الشعار الذي ينضوي تحته في معاملته لزوجته هو قول الله عز وجل : ( وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً ) النساء 19.

و المعاشرة بالمعروف تقتضي من الزوج أن يكون حسنَ الأخلاق ، طيِّبَ المعشر ، لطيفاً
رحيماً ، ومن هنا مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ الذي تنطبق عليه هذه الصفات فقال: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وألطفهم بأهله ) رواه الحاكم في المستدرك.

و لقد بلغ من اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء في حياته أن جعل إكرامهن من الخصال الحميدة التي يُمتدح بها الرجلُ ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( ما أكرم النساءَ غيرُ كريم ، وما أهانهنَّ غيرُ لئيم ) رواه الترمذي ، ثم كانت رعايتهن من الوصايا التي أكََّد عليها في آخر توجيهاته التي ودَّع بها الدنيا فقال :( اتقوا اللهَ في النساء ، اتقوا اللهَ في النساء ، وأوصيكم بالنساء خيراً ) رواه عبد الرزاق في مصنفه.

و لقد وضع الإسلام من الآداب والضوابط التي تحفظ كرامة الزوجة وتصون حقوقها ما تحسدها عليه نساءُ الغرب اللاتي يعشن في ظلِّ حضارة تدَّعي التقدم وتحرير المرأة والحرص على حقوق الإنسان !! .

فمن أول الحقوق التي ضمنها الإسلام للزوجة حقُّ المبيت والطعام والكساء ، وحقُّها أن تعيش في بيت الزوجية موفورة الكرامة ، مصونة الشخصية ، لا تمتد يد الزوج إليها بالضرب ، ولا لسانه بالشتم ، فعن حكيم بن معاوية عن أبيه قال : قلت يا رسول الله ما حقُّ زوجة أحدنا عليه ؟ فقال : أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجهَ ولا تقبِّح ولا تهجر إلا في البيت ) رواه الإمام أحمد في المسند، بل شنَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأزواج الذين يضربون زوجاتهم ووصفهم بأنهم من شرار الناس فقال : ( لقد طاف بآل محمد نساء كثيرون كلهن تشكو زوجها من الضرب ، وايمُ الله لا تجدون أولئك خياركم بل هم من شرار الناس ) رواه أبو داود.

ولم يكتفِ الإسلام من الزوج أن يؤدي لزوجته حقها من الإنفاق عليها في المبيت والطعام والكسوة فحسب ، بل طلب منه أن يوسِّع عليها وعلى عياله في النفقة إن كان من الأغنياء الموسرين وإلا فهو من البخلاء المذمومين الذين يتخلفون عن بلوغ الدرجة الراقية للمسلم الحق،فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ليس منا مَن وسَّع الله عليه ثم قتَّر على عياله ) رواه السيوطي في الجامع الصغير.

ومن الآداب التي أوجبها الإسلام على الزوج تجاه زوجته أيضا ، أن يذكر محاسنها الكثيرة ، وأن يتغاضى عن هفواتها ومساوئها القليلة،فلكلِّ إنسان محاسنٌ ومساوئ،ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرَك ـ أي لا يبغض ـ مؤمنٌ مؤمنةً ، إن كره منها خلقاً رضي منها غيره ) رواه مسلم .

ومن الآداب أيضاً أن يحفظ لها مالها وخاصة المهر الذي دفعه لها ، فلقد عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعتداء عليه من المعاصي التي يأثم الزوج بارتكابها فقال:( من أعظم الذنوب عند الله عز وجل رجلٌ تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب بمهرها ) رواه الحاكم في المستدرك

و من الحقوق التي ضمنها الإسلام للزوجة أيضا أن يحفظ الزوج سرَّها ، وأن لا يبوح بما تريد ستره عن الناس ، كما أنها هي مطالبة بذلك ، وخاصة ما يكون من العلاقة الحميمة بينهما ، وما أجمل التعبير القرآني الدقيق حين اعتبر كلا الزوجين كأنه لباس للآخر فقال تبارك وتعالى :( هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن )البقرة 187. ومهمة اللباس هي الستر والحماية والزينة ، والزوجان ينبغي أن يكونا لبعضهما على هذا الوصف ، ولقد ذمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الثرثار الذي يفضح ما يكون بينه وبين زوجته فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن من شرِّ الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه امرأته ثم ينشر سرَّها ) صحيح مسلم.