بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

"إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"(1) .

قول تعالى لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه: إنك يا محمد "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ" أي: ليس إليك ذلك، إنما عليك البلاغ، والله يهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، كما قال تعالى: " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء "(2) .
وقال سبحانه: " وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ "(3) .

وهذه الآية أخص من هذا كله؛ فإنه قال: "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" أي: هو أعلم بِمَنْ يستحق الهداية بِمَنْ يستحق الغِوَاية.

وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عَمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان يَحوطُه وينصره، ويقوم في صفه ويحبه حبًّا [شديدا] طبعيًّا لا شرعيًّا، فلما حضرته الوفاة وحان أجله، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام، فسبق القدر فيه، واختطف من يده، فاستمر على ما كان عليه من الكفر، ولله الحكمة التامة(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الآية 56 من سورة القصص.
(2) الآية272 من سورة البقرة.
(3) الآية 103 من سورة يوسف .
(4) ابن كثير, تفسير القرآن العظيم, ج 6, ص 246.