بين البدانة والنحافة.. العالم مشغول
*محسن الصياد

في مجتمعاتنا الشرقية كانت البدانة مرادفًا للجمال، وباعثًا على توقع الأصل الطيب وربما الثراء. السمنة إذن كانت دليلاً على وجود كافة المأكولات في متناول اليد والفم؛ وبالتالي لم يكن هناك حاجة لمعرفة "جين" البدانة -فهو متوفر ومرغوب-، ولا حاجة لابتكار زيوت تمنع البدانة -فهي الجمال بعينه-، أيضًا لم تكن هناك حاجة لخبراء الرشاقة ونصائحهم "الجافة"!.

غير أنه ومنذ عدة عقود بدأت الشبهات تحوم حول البدانة، ومع تزايد الاتهامات الطبية، وضعت البدانة في قفص الاتهام، وسيطرت أحلام النحافة على العقول.

وباتت البدانة مرادفًا لأمراض عديدة تصيب الإنسان سواء في المجتمعات الشرقية أو الغربية. ولم تَعُد البدانة قضية تشغل النساء وحدهن، بل باتت تشغل الرجال أيضًا، بل إنها أيضًا تصيب الأطفال بشكل متزايد. ويشير الاتحاد الأمريكي للبدانة إلى أن أكثر من نصف النساء وثلثي الرجال في بريطانيا يعانون من زيادة الوزن، بينما يعاني منه أكثر من ربع البالغين في الولايات المتحدة وخُمس الأطفال.

وقد كشفت دراسة طبية حديثة عن أن مشكلة البدانة المفرطة لم تَعُد قاصرة على الدول الغربية ذات الأنماط المعيشية المرفهة فقط، بل تعدتها إلى دول شرقية مثل روسيا، والصين تفشت فيها هذه الظاهرة بمعدلات تدعو إلى القلق.
فعلى سبيل المثال تذكر الدراسة أن معدلات البدانة بين الأطفال في روسيا وصلت إلى 16%، وإلى 13% في بريطانيا، و16% في تايلاند، وفي كل من البرازيل ومصر إلى 14%، وهذه النسبة الأخيرة تكاد تكون عامة على مستوى الدول العربية. وتؤكد الدراسة أن الإفراط في تناول الطعام والوجبات الغنية بالدهون هو السبب الرئيسي على مستوى العالم.

آخر صيحة.. دهون لإنقاص الوزن!

وفي محاولة لإخراج الدهون من قفص الاتهام، تخطط شركة أمريكية يابانية مشتركة لطرح زيت نباتي جديد في الأسواق -يباع حاليًا في اليابان- يساعد على إنقاص الوزن!.
يحتوي زيت الطهي الجديد على مادة أظهرت الدراسات العلمية أنها تساعد على إنقاص الوزن إذا لم تستعمل معه أي دهون أخرى. وقد حقَّق الزيت الجديد الذي يباع تحت اسم زيت "إيكونا الصحي" أكبر مبيعات بين زيوت الطعام في اليابان من ناحية العائدات التي بلغت 100 مليون دولار العام الماضي.
وتساعد المادة التي تسبب إنقاص الوزن والمستخرجة من نبات اللفت، وزيوت الصويا على إنقاص الوزن، من خلال احتراقها كمصدر للطاقة بدلاً من توجهها إلى أنسجة الجسم لتكون طبقات دهنية، كما يحدث بالنسبة لزيوت الطعام الأخرى.

ويقول "جاري ميلر" من شركة "آرشر دانييلز ميدلاند" العملاقة لتجارة المواد الغذائية "سيكون من الصعوبة تسويق الزيت المبتكر، فقد اعتدنا القول بأن الدهون شر، وبأنها تجعلك بدينًا وتسبب أمراض القلب".
وأضاف ميلر أن المسؤولين يفكرون في إدخال المادة النشطة في منتجات غذائية أخرى، حيث إن الأمريكيين أقل طهيًا للأطعمة المقلية في البيوت من اليابانيين.
غير أن الزيت الجديد لا شك سيجد طلبًا عمليًّا في الدول العربية التي اعتادت على الأطعمة المقلية، فهل ستنتهي نصيحة خبراء الصحة الذين يربطون منذ عقود طويلة بين استهلاك الدهون والبدانة وما تسببه من أمراض؟!، لا شك أن النصيحة ستظل سارية حتى يتوافر الزيت المبتكر في الأسواق، غير أن العلماء لهم رأي آخر.

إنهم يعزلون الجين المسؤول عن تراكم الدهون

في اكتشاف جديد يُعَدّ فتحًا في مجال العلاج الطبي لمشكلة البدانة على المستوى الإكلينيكي، نجح فريقا أبحاث طبية من جامعة هارفارد وشركة فايزر العملاقة للأدوية كل على حدة في عزل جين بشري، يقولون إنه مسؤول عن التحكم في عملية البدانة وتراكم الدهون تحت جلد الأشخاص البُدُن، وهو ما يفتح الطريق أمام إمكانية تطوير نوع جديد من أقراص الحميّة الغذائية مستقبلاً. وأعرب الباحثون عن أملهم في أن يؤدي الاكتشاف الجديد إلى المساعدة في التوصل لعلاج مشكلة البدانة التي تُعَدّ واحدة من أسرع الاضطرابات الطبية انتشارًا في العالم.
وإذا كانت البدانة تثير اهتمام الملايين، فماذا على جانبها الآخر..

الجانب الآخر
لا شك أن الأميرة الراحلة "ديانا" هي أشهر من عانى من وسواس النحافة الذي كان يدفعها إلى الإفراط في تناول الطعام، ثم التخلص منه ولو بإجبار نفسها على التقيؤ. وللتغلب على ذلك كانت "ديانا" تستعين بالمعالجة النفسانية "سوزي أورباتش" وهي حجة دولية في أبحاث اختلالات التغذية.

وتحذر "سوزي" من أن اختلالات التغذية بلغت مستويات تكاد تكون وبائية، والسبب في انزعاج "سوزي" أن الرسالة المعارضة بوضوح لاتباع نظام خاص في التغذية والتي سعت لنشرها في كتابها الرائد "البدانة مشكلة للحركة النسائية" الذي ألَّفته قبل 20 عامًا ضلَّت طريقها. وتقول: "عندما كتبت عن هذا في البدانة كانت هذه المشكلة مستترة.. ولم أتوقع أن تصل إلى هذا الحد من السوء". وتضيف أن "الفتيات، والصبية، والمسنين أيضًا سقطوا جميعًا ضحايا للخوف من البدانة، فلدينا الآن أطفال لم تتجاوز أعمارهم الثامنة ومسنات في دور المسنين منشغلون إلى حد الهوس بمظهرهم".

هوس السعرات الحرارية

ويتضح قلق خبيرة أبحاث اختلالات التغذية "سوزي" إزاء قضية تسويق النحافة في الكثير من كتبها وآخر هذه الكتب نشر أخيرًا، واعتبر كتابها "الطعام" دليلاً يساعد الفرد على صياغة شكله بنفسه واكتساب مظهر رشيق، لكنها وببراعة في المزج بين الموضوعات الجدلية والأسلوب العلمي الصارم لا تجد مشكلة في إعادة تغليف رسالتها التي تدعو المرء إلى أن يأكل عندما يشعر بالجوع، ولكن كيف نتعامل مع الطعام؟ وكيف ندرك أننا في حالة جوع حقيقي؟
ورغم أنها قدمت مادة موثقة تشير إلى أن اتباع نظام خاص في التغذية بشكل متكرر لا يؤدي إلا إلى زيادة أكثر قليلاً في الوزن، فإن استطلاعات الرأي تبين أن إحصاء السعرات الحرارية المستمر أصبح طريقة حياة لكثير من النساء.
فقد أوضح استطلاع للرأي نشر مؤخرًا أن 48% من البريطانيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 25 عامًا و35 عامًا اتبعن شكلاً ما من النظام الخاص في التغذية، وأن 20% من الشابات يعشن طوال الوقت على مثل هذا النظام الخاص. وقالت امرأة من بين كل خمس: إنها تتناول عقاقير تمنحها شكلاً أمثل حتى لو كان في ذلك خطر على صحتها!.
وتقدر الدراسات الحديثة أن 70 مليونًا في العالم يعانون اضطرابًا في التغذية معظمهم من النساء، وفي الوقت نفسه ترتفع أرقام السمنة بسرعة كبيرة!.

النحافة والعولمة!

وتشير "سوزي" إلى أن الانشغال بصورة الجسم ليس مشكلة غربية فحسب، فالعولمة وسَّعت الاهتمام بالشكل إلى العالم النامي، بل إن التحديث في المجتمع يمكن أن يقاس بمستوى اختلالات الطعام الجديدة التي يشهدها. وكمثال لذلك، أشارت إلى أن الشابات في "فيجي" أصبحن غير راضيات بشدة عن قوامهن الممتلئ منذ وصول التلفاز إلى الجزر الواقعة في جنوب المحيط الهادي، حتى إن هذا أدى إلى تزايد الرغبة المرضية في النحافة.
وتؤكد أنه يمكن للفكرة -الفارغة- التي ترى أن الجمال الأمثل للمرأة هو أن تكون نحيفة القوام أن تتغير إذا قدم مصممو ومحلات الأزياء صورًا لنساء من جميع الأشكال بدلاً من صور عارضات الأزياء اللاتي يشبهن الهياكل العظمية والممثلات النحيفات.

إن الحل الذي نحتاجه كي نتحرر من "فيروس النظام الخاص في التغذية" هو حملة ضخمة تشارك فيها وسائل الإعلام، وصناعة الأزياء، والحكومات، والهيئات الدولية. وقد بدأت المعالجة النفسانية "سوزي أورباتش" بالفعل مخاطبة المسؤولين عن اتخاذ القرار في صناعة الدعاية لبدء حملة قوية بهدف مساعدة النساء على تقبل الأشكال المختلفة لأجسادهن بدلاً من الهجوم المستمر عليهن، وتقييمهن على أساس شكل أجسادهن. كما تسعى لإشراك مشاهير النجوم في هذه الحملة، إضافة إلى التعاون مع الجهات الصحية ومعلمي المدارس، في حملة تهدف إلى جسم صحي لا هو نحيف ولا هو بدين.

وليت "حملة سوزي" و"زيت إيكونا الصحي" و"جين البدانة" يصلون بسلامة الله إلى أطفال إفريقيا -والعالم النامي-، فهناك هياكل عظيمة لا تعرض أحدث الأزياء، بل تعرض الجوع والمرض، جوع لم يطلبوه ومرض طالما عرفوه.