الله

تأليف : عباس محمود العقاد
ــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

موضوع هذا الكتاب نشأة العقيدة الإلهية ، منذ اتخذ الإنسان ربا إلي أن عرف الله الأحد ، واهتدي إلي نزاهة التوحيد وقد بدأناه بأصل الاعتقاد في الأقوام البدائية ، ثم لخصنا عقائد الأقوام التي تقدمت في عصور الحضارة ،ثم عقائد المؤمنين بالكتب السماوية ، وشفعنا ذلك بمذاهب الفلاسفة الأسبقين ، ومذاهب الفلاسفة التابعين ، وختمناه بمذاهب الفلسفة العصرية ، وكلمة العلم الحديث في مسألة الإيمان .

وكانت عنايتنا فيه بالعقيدة الإلهية دون غيرها . فلم نقصد فيه إلي تفصيل شعائر الأديان ولا إلي تقسيم أصول العبادات ، لأن الموضوع علي حصره في نطاقه هذا أوسع من أن يستقصي كل الاستقصاء في كتاب .
وإن موضوعا كهذا الموضوع المحيط لعرضه للتشعب والتطويل كيفما تناوله الكتاب ومن أي جانب تحراه ، فلابد فيه من إيجاز ، ولابد فيه من اكتفاء .

غير أننا تحرينا الإيجاز وتحرينا معه أن يغنينا فيما قصدناه وذاك هو الإلمام بأطوار العقيدة الإلهية علي وجهتها إلي التوحيد ، وأن تكون هذا الأطوار مفهومة العلل والمقدمات .
وأن الله الذي هدي الأمم كافة علي هذا النهج البعيد ، لكفيل أن يهدينا عليه ، وأن يوفقنا لسداد النظر فيه . فلا هداية إلا به ، ولا معول إلا عليه . إنه سميع بصير مجيب .

عباس محمود العقاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العقيدة الإلهية

أصل العقيدة


ترقي الإنسان في العقيدة كما ترقي في العلوم والصناعات .. فكانت عقائده الأولي مساوية لحياته الأولي ، وكذلك كانت علومه وصناعته . فليست أوائل العلم والصناعة بأرقي من أوائل الأديان والعبادات ، وليست عناصر الحقيقة في واحدة منها بأوفر من عناصر الحقيقة في الأخري .
وينبغي أن تكون محاولات الإنسان في سبيل الدين أشق وأطول من محاولاته في سبيل العلوم والصناعات ، لأن حقيقة الكون الكبرى اشق مطلبا وأطول طريقا من حقيقة هذه الأشياء المتفرقة التي يعالجها العلم تارة والصناعة تارة أخري .
وقد جعل الناس شأن الشمس الساطعة وهي أظهر ما تراه العيون وتحسه الأبدان ، ولبثوا ألي زمن قريب يقولون بدورانها حول الأرض ويفسرون حركتها وعوارضها كما تفسر الألغاز والأحلام ولم يخطر لأحد أن ينكر وجود الشمس لأن العقول كانت في ظلام من أمرها فوق ظلام ، ولعلها لا تزال .
فالرجوع إلي أصول الأديان في عصور الجاهلية الأولي لا يدل علي بطلان التدين ، وعلي أنها تبحث عن محال . وكل ما يدل عليه أن الحقيقة الكبرى اكبر من أن تتجلى للناس كاملة في عصر واحد .
* * *
يري كثير من العلماء أن الأساطير هي أصل الدين بين الهمج . وهو رأي لا يرفض كله ولا يقبل كله . لأن العقائد الهمجية قد تلبست بالأساطير في جميع القبائل الفطرية ، فلا يسهل من أجل هذا أن نرفض القول بالعلاقة بين الأسطورة والعقيدة ، ولكن لا يسهل من جهة أخري أن نطابق بين العقيدة والأسطورة في كل شيء وفي كل خاصة ، لأن العقيدة قد تحتوي الأسطورة ولكن الأسطورة لا تحتويها ، إذ يشتمل عنصر العقيدة علي زيادة لا يشتمل عليها عنصر الأسطورة ، وهي زيادة الإلزام الأخلاقي والشعور الأدبي بالطاعة والولاء ، والأمل في المعونة والرحمة من جانب الرب المعبود .
وقد وجدت أساطير كثيرة لا تتجاوز الأوصاف الرمزية والمشابهة الفنية التي طبع عليها الخيال : فهي ترجع إلي ملكة التجسيم والتصوير ، ولا ترجع إلي ملكة الإيمان والاعتقاد .

ووجدت أساطير كثيرة سببها عجز اللغة الإنسانية في نشأتها الأولي ، كما ثبت للعلامة اللغوي ماكس موللر صاحب هذا التفسير لنشأة الأساطير ، فإن الذي يقول إن الأرض أم الثمرات كالذي يقول في العصر الحديث إن فرنسا أم الثورة ، ولكننا نعرف التلاقح الحي فلا نخلط بين الحقيقة والمجاز ، ولم يكن الأقدمون علي علم بذلك فلا يمضي الزمن علي التشبيه حتى تصبح الأمومة المجازية كأمومة الواقع بين الأحياء .

ويري تايلورTylor أن ملكة الاستحياء Animism هي أصل الاعتقاد بالأرباب .
فالطفل يضرب الكرسي إذا أوقعه كما يضرب الإنسان والحيوان تايلور يعتقد أن الإنسان الأول كان الطفل في تخيله للأشياء وتمثله لها في صور الأحياء .

ويسبق هيربرت سبنسر هذا التفسير بتفسير يوافقه في ظواهر الاستحياء ولا يوافقه في تعليل الاستحياء .
فالإنسان –الأول- علي رأي سبنسر-كان يؤمن بحياة الأرباب لأن عبادة الأسلاف هي أقدم العبادات ، وكان يري الأطياف في المنام فيحسب أنها باقية ترجي وتخشى ، وأنها تتقاضاه فروضا لها عليه كفرض الآباء علي أبناء وهم بقيد الحياه .

ولكن يرد علي القوم بعبادة الأسلاف أنها لم تستغرق عبادات الأقدمين في زمن من الأزمان ، وأن النائم يري أطياف الغربان كما يري أطياف الآباء ، ويري أطياف الأطفال الضعفاء بل يري أطياف السباع التي يخافها في يقظته فلا يعبدها لأنه يخافها وتردد عليه أطيافها ، بل يقتلها ويحول بينها وبين الطعام .

وقد شوهد منذ القدم أن طبيعة السحر غير طبيعة العبادة في أساسها ، لأن السحر منوط أبدا بالأمور الخبيثة والوسائل الدنسة والنفايات التي تعاف وتنبذ في الخفاء ، ولم تخل العبادة قط من توسل إلي الخير ورجاء في كرم المعبود ، وقلما تخلو من (تطهر) بنوع من أنواع الطهارة يناقض وسائل السحر الخبيث ، فكأنما فرق الناس بين العبادة والسحر عندما فرقوا بين الأرباب المرجوة والأرباب المرهوبة ، فاتخذوا العبادة لأرباب الخير والمحبة واتخذوا السحر لأرباب الشر والبغضاء .
* * *
والأكثرون من ناقدي الأديان يعللون العقيدة الدينية بضعف الإنسان بين مظاهر الكون وأعداءه فيه من القوي الطبيعية والأحياء ، فلا غني له عن سند يبتدعه ابتداعا ليستشعر الطمأنينة بالتعويل عليه والتوجه إليه بالصلوات في شدته وبلواه .

علي أن القول بضعف الإنسان تحصيل حاصل إن أريد به بطلان العقيدة الدينية وإثبات التعطيل . لأن الإنسان ضعيف علي كلي الفرضين فليس من شأن ضعفه أن يرجح أحد الفردين علي الآخر .

فإذا ثبت أن من خلق إله فعال قدير فهو ضعيف بالنسبة لخالقه ، وإذا لم يثبت ذلك فهو ضعيف بالنسبة إلي الكون ومظاهره وقواه . فماذا لو كان قويا مستغنيا عن قوي العالم ؟ أيكون ذلك أدعي إلي إثبات العقيدة الدينية والإيمان بالله ؟ .
إننا إذا حكمنا ببطلان العقيدة الدينية لضعف الإنسان فقد حكمنا ببطلانها علي كل حال ، ثبت وجود الله أو لم يثبت بالحس أو البرهان ..! لأنه لن يكون إلا ضعيفا بالنسبة إلي الخالق الذي يبدعه ويرعاه .
لكن الواقع أن الضعف لا يعلل العقيدة الدينية كل التعليل لأنها تصدر من غير الضعفاء بين الناس . وليس أوفر الناس نصيبا من الضعف الإنساني سواء أردنا ضعف الرأي أو ضعف العزيمة فقد كان الأنبياء والدعاة إلي الأديان أقوياء من ذوي البأس والخلق المتين والهمة العالية والرأي السديد . ومهما يكن من الصلة بين ضعف الإنسان واعتقاده فهو لا يزداد اعتقادا كلما ازداد ضعفا ولا يضعف علي حسب نصيبه من الاعتقاد ، ومازال ضعفاء النفوس ضعفاء العقيدة وذوو القوة في الخلق ذوي قوة في العقيدة كذلك .
فليس معدن الإيمان من معدن الضعف في الإنسان ، وليس الإنسان المعتقد هو الإنسان الواهي الهزيل ، ولا إمام الناس في الاعتقاد إمامهم في الوهن والهزال .

وإذا رجح الأمر بأن العقيدة (ظاهرة اجتماعية) يتلقاها الفرد من الجماعة فليس الضعف إذن بالعامل الملح في تكوين الاعتقاد . لأن الجماعة تحارب الجماعة بالسلاح المصنوع وقوة الجنان مع القوة العددية ، وتقيس النصر والهزيمة بهذا المقياس المعلوم ، فلا تلجأ إلي مقياس العقيدة المجهول إلا إذا آمنت به باعث التسلح والاستقواء .
ورأي فرويدFreud قريب من رأي هؤلاء الذين يردون العقيدة الدينية إلي شعور بالخوف في وسط العناصر الطبيعية وربما اختلط به مزيج من الغريزة الجنسية في بعض المتهوسين وذوي الأعصاب السقيمة . فإن حب الله –كما يفسره فرويد عند هؤلاء- هو بمثابة الحب الجنسي في حالة (التسامي) أو حالة الحماسة ، وتتشابه العوارض كلها مع هذا الفارق بين الحبين

ومن الواضح أن حالة (التسامي) هي آخر ما ارتقت إليه الديانات ، فلا يمكن أن يقال إنها هي ينبوع العقيدة الهمجية الأولي .
ولا يمكن كذلك أن يقال إن (العقيدة الدينية) حالة مرضية في الآحاد والجماعات . لأننا لا نتخيل حالة نفسية هي أصح من حالة البحث عن مكان الإنسان من هذا العالم الذي ينشأ فيه ، ولا يتجاهل حقيقته إلا وهو في (حالة مرضية) أو حالة من أحوال الجهالة تشبه الأمراض .

ولا بد أن نسأل : ما هو الكون في نظر الهمج الأولين ؟ لأن الهمجي إذا أدرك أن الكون (كل واحد) كان قد ارتفع بنظرته عن الجهالة البدائية وقضي دهرا طويلا وهو متدين علي مختلف الديانات فلا يقال إذن أنه بقي بغير أرباب حتي أدرك الكون العظيم ، وأدرك ضعفه وقلة حيلته بالقياس إليها .
* * *
وطائفة أخري من علماء الإنسان يقرنون بين (الطوطم) والدين ويظنون أن الطواطم هي طلائع الأديان بين الهمج الأولين .
وقد تحقق أن شعائر الطواطم منتشرة بين مئات القبائل الهمجية في أستراليا وأفريقية والأمريكتين وبعض أقطار القارة الآسيوية وجزائرها .

فلا تزال في هذه القارات قبائل كبيرة وصغيرة تتخذ لها علي الأكثر حيوانا تجعله طوطما وتزعمه أبا لها أو تزعم أن أباها الأعلي قد حل فيه ، وقد يكون الطواطم في بعض الحالات نباتا أو حجرا يقدسونه كتقديس الأنصاب .
وإذا اتخذت القبيلة طوطما لها حرمت قتله وأكله في أكثر الأحوال وحرمت الزواج بين الذكور والإناث الذين ينتمون إلي ذلك الطوطم ولو من بعيد . وقد يكون للقبيلة الكبري بطون متفرقة تتعدد طواطمها ويجوز الزواج بين المنتمين إليها ولكنهم يحرمونه في الطوطم الكبير .

ومن هذه الطوطمية يرجح المخالفون لهذه الفكرة أن الطوطمية لم تكن أصل العقيدة الدينية لأنها تنشأ بعد اتساع القبائل واعترافها بأنظمة الزواج وآداب المعاملات ، وليست هذه المرحلة أولي المراحل في تطور الاعتقاد .
ولا شك أن الناس قد عرفوا شيئا يسمي (الروح) يحل في جسد الحيوان أو يتلبس به قبل أن يعرفوا الطوطمية ، وعرفوا كذلك تقديس الأسلاف قبل أن يعرفوها وقد وجدت قبائل لا تخلع علي الطواطن صفة الأرباب علي الإطلاق.
والفيلسوف الفرنسي – هنري برجسون-يرجع بالعقيدة الدينية إلي مصدرين : أحدهما اجتماعي لفائدة المجتمع أو فائدة النوع كله والآخر فردي يمتاز به آحاد من ذوي البصيرة والعبقرية الموهوبة.

فالحاسة الدينية الأجتماعية هي (حيلة نوعية) يلجأ إليها خيال النوع الإنساني لكبح الأثرة الفردية وأقناع الإنسان بنسيان مصالحه في سبيل المصالح الأخري التي تتعلق بها حياة النوع في جميع الأجيال ، فإن الإنسان لو استوحي عقله وحده خدم نفسه وأطاع لذته ولم يحمل الألم ولا الحضارة من أجل أبنا نوعه . ولما كانت ارادة الحياة مستكنة في النوع كما هي مستكنة في آحاده علي انفراد نشأت من الغريزة النوعية ملكة يسميها برجسون بملكة الخرافة الرمزية أو ملكة اساطير وتكفلت الإنسان بخلق العوض الذي يستعيض به عن منافعه ولذاته حين يهجرها لمنفعة نوعه . فاعتقد الجزاء بعد الحياة وأحس أنه محاسب علي الأضرار بغيره مثاب علي الخير الذي يسديه إلي أبناء نوعه ، واقترنت فيه أثرة الفرد بأثرة النوع ، فاستقامت علي التوازن بينهما مصلحته ومصلحة الناس أجمعين .

أما الحاسة الدينية في الفرد الممتاز فهي الإلهام أو الكشف الذي يصل بينه وبين قوة الخلق أو دفعة الحياة Elal Vital كما يسميها برجسون ، وقد تطورت دفعة الحياة هذه في ذهن الفيلسوف حتي أصبحت في كتبه الأخيرة ذاتا إلهية تغير ولا تتغير ولكنها كونية غير منفصلة عن هذه الموجودات وهي تجلي علي أكملها وأوضحها في بديهة النخبة المختارين من كبار العباقرة الروحانيين ، وهم خالدين كما يرجح الفيلسوف أو أن خلودهم مسألة لا يمنعها العقل ولا يبعد أن تحققها الدراسات النفسية بالأساليب النفسية , ولو بعد حين .

ويسأل السائل هنا : إذا كانت للخلق قوة كونية تتجلى لبعض الملهمين فلماذا تكون الحاسة الدينية الإجتماعية وهما مختلقا أو خرافة مزخرفة أو اختراعا لا أساس له غير الحيلة النوعية لحفظ البقاء ؟ لماذا لا تكون من قبيل التلمس البديهى لتلك القوة الكونية ؟ لماذا لا تكون من قبيل الهداية المتدرجة فى طريق البحث الصادق عن الحقيقة المجهولة ؟ لماذا يكون فى هذا الوجود ذات إلهية ثم نسمى البحث عنها حيلة مختلقة أو وهما من الأوهام .

* * *
وممن يسمع له رأى راجح فى مباحث العقيدة إمام علماء اللغات المحدثين (ماكس موللر) صاحب الرأى المعدود فى اشتقاق اللغات ومعانى الأساطير وعلاقتها بالعقائد والعبادات , فهو يؤمن بأن البصيرة سمة عريقة فى الإنسان وأننا كما قال ـ فى كلامه على مقارنة الأساطير ـ ( مهما ترجع بخطوات الإنسان إلى الوراء لن يفوتنا أن نتبين أن منحة العقل السليم المستفيق كانت من خصائصه منذ أوائل عهده وأن القول بإنسانية متسلسلة على التاريخ من أعماق البهيمة إنما هو قول لن يقوم عليه دليل ).

ومصداقا لهذا الرأى يرجح موللر أن الإنسان قد تدين منذ أوائل عهده لأنه أحس بروعة المجهول وجلال الأبد الذى ليس له انتهاء , وأنه مثل لهذه الروعة بأعظم ما يراهفى الكون وهو الشمس التى تملأ الفضاء بالضياء , فهو محور الأساطير والعقائد كما ثبت له من المقايلة بين اللغات واللهجات.

وإذا قيل لموللر أن الأبد أو اللانهاية معنى لا توجد له كلمة فى اللغات الهمجية ولا الحضارة الأولى قال إن الإحساس بالمعانى يسبق اختراع الكلمات , وقد ثبت أن الإنسان الأول لم يضع فى لغاته كلمات لبعض الألوان .
وإلى هنا نحسب أننا ألممنا بأهم الفروض التى خطرت على الأذهان فى تعليل العقيدة الدينية,أو تعليل نشأتها الأولى ..
وجملة ما يقال فيها أننا لا نجد فرضا منها يستوعب أسباب العقيدة كلها ويغنينا عن التطلع إلى غيره .. وجملة ما نفهمه من ذلك أن مسألة العقيدة أكبر من أن يحصرها تعليل واحد وأنها قد تتسع لجميع تلك التعليلات معا ولا تزال مفتحة الأبواب لما يتجدد من البحوث والدراسات .

ولا بد أن تمتزج هذه الصلة بالوعى والشعور متى كان الموجود من أصحاب الوعى والشعور . ومن العجيب أن يعرف العلماء شيئا يسمى الغريزة النوعية . بل شيئا يسمى غريزة الكونية , أو ما شاءوا من الأسماء .. فمن المحقق فمن المحقق ان الصلة بين الكون وموجوداته ماثلة فى جميع الموجودات . ومن المحقق أن الوعى لا يخلو من ترجمان لهذه الصلة لا يحصره العقل . لأنه سابق له محيط به غالب عليه .. ومن المحقق أن الوعى الكونى ملكة قابلة للترقى والإتساع , لأن الحقائق التى تقبل الفهم فى الكون لا تزال على اتساع وارتفاع يفوقان كل وعى ترقى إليه بنو الإنسان .. بل هذه الحواس الجسدية ـ ودع عنك الحقائق المادية ـ لا تحيط بكل ما تحسه العيون والأنوف والآذان , فبعض الحيوان يستنشىء الرائحة على بعد أميال وهى كالعدم فى أنف حيوان آخر ولو كانت منه على مدى قراريط . وبعض الأصوات تلتقطها من وراء البحار والقفار وقد كان الظن قبل العصر الحاضر أن الصوت ( عدم) على مد البصر القريب . ومن زعم أن الموجود هو ما تناوله الحس دون غيره كذبه الحس نفسه وقامت عليه الحجة من العيون والأنوف والآذان , فضلا عن البصائر والعقول .
ففى الكون مجال للوعى الكونى أوسع من مجال الحواس والملكات وما دامت الصلة بين الإنسان وبين الكون قائمة فلابد من دخولها فى نطاق وعيه على مثال من الأمثلة ولا موجب لوقوفها دون غاية من الغايات التى تطيقها ملكات الجنس البشرى, ومنها ملكة الإعتقاد والإيمان .

وفى الكون العظيم حقائق لم تقابلها الحواس الجسدية ولا الحواس النفسية كل المقابلة إلى الآن. .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ