اسم الكتاب: "محمد مؤسس الإمبراطورية الإسلامية".
المؤلف: جورج بوش (1796م-1859م).
ترجمة: د.عبدالرحمن عبدالله الشيخ.
طبعة: دار المريخ – الرياض – الطبعة الثالثة – 2005.


عاش جورج بوش -الجد الأكبر لآل بوش- في الفترة (1796م-1859م) وهي فترة كانت الصراعات بين الدول الغربية والخلافة العثمانية تجري فيها على قدم وساق.
وابتدأت المقال بالإشارة لهذه الفترة ليضع القارئ البعد التاريخي لأفكار الكتاب الذي نحن بصدده نصب عينيه، فهذا قد يساعده في التصور الأفضل للتوجهات السياسية الأميركية تجاه العالم الإسلامي في وقت يحكمها فيه أحد أحفاده ذوي الفكر الصليبي المتشد، وهو غرضي من عرض هذا الكتاب، أن نفهم الخلفيات الفكرية لدى البروتستانت الأميركيين.
رغم أن جورج بوش كان أستاذا في جامعة نيويورك فإن أسلوبه في هذا الكتاب لا يتصف بالبحث العلمي الدقيق الذي ينبغي أن يتصف به أهل الدراسات الأكاديمية، فقد بنى كتابه على فكرة أن محمدا ليس رسولا من عند الله، مفترضا اتفاق القارئ معه فيها دون أن يحاول إثبات صحة هذه الفكرة أو مناقشتها، وبذلك يكون قد بنى بحثه حول رسالة سيدنا محمد على نظرية غير مؤكدة، وهو ما يؤدي لانهيار البحث من أساسه إن ثبت عدم صحتها، ولعل السبب في ذلك شيئان: إما أن جورج بوش يخاطب الفئة المسيحية فقط ولعله السبب الأقوى، وإما أنه يرفض الخوض في مسألة النبوة وصفات النبي الحقيقي المرسل من عند الله والتي لا تنطبق على نبي بقدر ما تنطبق على رسول الإسلام، ليسير جورج بوش على نهج علماء أهل الكتاب الذين يكتمون الحق وهم يعلمون (كان جورج يوش راعيا لإحدى الكنائس في إنديانا بولس).
في المقدمة يؤكد جورج بوش أن أحد أهم الأهداف التي قصد إليها من وضع الكتاب هو تقديم النبي العربي بوصفه أداة في يد الله سبحانه ولعنة منه على الكنيسة الشرقية سلطها عليها تأديبا لها لبعدها عن دين المسيح، ومن ثم فهو ينظر إلى رسول الإسلام ودينه كعقوبة يعاقب به الله الكنيسة الشرقية لبعدها عن الدين الصحيح (بوش بروتستانتي) وليس لأنه الدين الحق الذي من سنة الله أن ينصره دائما في الأرض كما قال تعالى في كتابه العزيز:
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)[النور:55].


كما يرى بوش أن المسيحية ستنتصر في نهاية المطاف وسيعتنق كل المسلمين المسيحية ويعودوا إلى المسيح!
والأعجب أخي القارئ أن بوش يقول عن رسول الإسلام: "لقد وضع محمد أساس إمبراطورية استطاعت في ظرف 80 سنة فقط أن تبسط سلطانها على ممالك وبلاد أكثر وأوسع مما استطاعته الإمبراطورية الرومانية في 800 سنة، وتزداد دهشتنا أكثر وأكثر إذا تركنا هذا النجاح السياسي وتحدثنا عن دينه وانتشاره السريع واستمراره ورسوخه الدائم! والحقيقة أن ما حققه نبي الإسلام لا يمكن تفسيره إلا بأن الله كان يخصهما برعاية خاصة، فالنجاح الذي حققه محمد لا يتناسب مع إمكاناته، ولا يمكن تفسيره بحسابات بشرية معقولة، لا مناص إذن من القول إنه كان يعمل في ظل حماية الله ورعايته، ولا شك أنه يجب علينا أن ننظر للإسلام في أيامنا هذه بوصفه شاهدا قائما ينطوي على حكمة غامضة لله سبحانه لا ندري مغزاها ، حكمة لا تفهمها عقول البشر أو على الأقل لا تفهمها عقول البشر حتى يتحقق غرضها" ويتابع القول: "في غياب أسباب بشرية كافية لتفسير هذه الظاهرة لا بد أن نعترف بأنالله أراد هذا، أو بتعبير آخر لا بد أن نعترف بأن الله تدخّل ليتم هذا الأمر (انتشار الإسلام)، فالعقل والوحي كلاهما يعلماننا أن نعترف بأن يد الله سبحانه تحرك الأحداث لعقاب المذنبين، بصرف النظر عن القائمين على هذه الأحداث الذين لم يتحركوا إلا بأمر الله، والذين كانوا بمثابة يده الفاعلة، وبصرف النظر عن الدوافع التي حركتهم. لا يمكننا أن نشك في حقيقة أن ظهور الدين المحمدي نتج عنه بلاء على كنائس الشرق المرتدة (حسب نظرة بوش المذهبية كما أوضحنا أعلاه)، لقد كان سوطا مرعبا هوى عليها، بل وهوى على أجزاء أخرى من المملكة المسيحية (يقصد الغرب المسيحي)، فإذا استبعدنا إرادة الله وتدخله على وفق إرادته في شؤون خلقه، لم يجانبنا الصواب، فالبشر وكلاء عن الله وكالة معنوية في تحقيق إرادته في تأديب العصاة (يقصد الكنائس الشرقية)".
هذه هي الفكرة التي ألف بسببها بوش كتابه، فالكتاب لا يتناول بين دفتيه شيئا إلا سيرة نبي الإسلام مفسرا كل انتصار وتفوق حققته دعوته بأن الله أراد ذلك عقوبة للكنائس الشرقية لبعدها عن دين المسيح الحق في نظره.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يفسر هذه الانتصارات بصدق دعوة محمد وأنه رسول من عند الله؟
بالطبع لم يفترض بوش ذلك، لأن هذا يحتم عليه مناقشة فكرة النبوة التي لم يلتفت لها كما أوضحنا. ولا أجد تعليقا على هذه المقتطفات إلا القول بأن التنصل من الاعتراف بالحقيقية يتناثر من بين هذه الكلمات.
ولن أناقش بقية الأفكار في الكتاب لأنها منبثقة من الفكرة الأساسية التي وضع لأجلها كتابه، ولكن السؤال الذي قد يتبادر إلى ذهن القارئ: بعد أن ساق بوش الحديث عن سيرة محمد وأثبت هذه الفكرة، فما العلاج الذي وضعه للكنيسة كي تخرج من هذه اللعنة المزعومة وهذا العقاب المرير يا ترى؟
لعلك تظن أن الحل في الكتاب هو ما يفعله حفيد بوش الآن من إعلان الحرب الصليبية على بلاد المسلمين وإعمال السلاح فيهم، أو الدعوة لمحاكم التفتيش الكنسية لكل من خالف الكنيسة مسلما كان أو مسيحيا مخالفا لمذهب بوش!
كلا لم يشر بوش إلى حل لرفع هذه العقوبة، وإنما اكتفى بالإشارة إلى أن المسيحية ستعود لحظيرة المسيح وسيعتنق المسلمون المسيحية أيضا وتنتهي دعوة محمد!
ولكن لماذا لم ينتظر بوش الحفيد حتى تحدث نبوءة جده واستعجل بإعلان الحروب للقضاء على الإسلام يا ترى؟؟ لعله لم يقتنع بنبوءة جده!
أو لأنه يفهم رسالة جده الكامنة بين السطور..