يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء

يدعي أصحاب العقول الضالة من القساوسة والرهبان واتباعهم من النصارى وكذلك الملحدين أنه : هل الله خلق الإنسان مُسير أم مُخير ؟.... أليس من حق الإنسان أن يعيش ويؤمن بما أحب ويفعل ما يحب وقتما شاء وأحب .

فهذه هي عقولهم الضالة

فالله عز وجل هو خالق كل شيء ، فلم نسمع في يوم من الأيام أن هناك شخص يدعي أنه يملك السماوات والأرض وهو خالقها .

يوجد في السماوات والأرض أشياء يدعي ملكيتها المخلوقون .

فإذا ما نظرنا إلى خيرات الأرض فإننا نجدها مملوكة في بعض الأحيان لأناس بما ملكهم الله ، والبشر الذين صعدوا إلى السماء وأداروا في أقمارها الصناعية ومراكب فضائية فمن الممكن أن يعلنوا ملكيتهم لهذه الأقمار وتلك المراكب

فيوضح لنا الله عز وجل : إنه إن كان في ظاهر الأمر أن الله قد أعطى الملكية السببية لخلقه فهو لم يعط هذه الملكية إلا عَرَضاً يؤخذ منهم ، فإما يزول عنه فيموتوا ، وإما أن يزول عنهم فيؤخذ منهم عن بيع أو هبة أو غضب أو نهب.

فكل ما في الوجود أمره إلى الله ، فلا يدعي أحد بسببية ما أتاه الله أنه يملك شيئاً ... لماذا ؟ لأن المالك من البشر لا يملك نفسه أن يدوم ... فجميع المخلوقات من بشر وغيره تناله الأغيار ، وما دامت الأغيار تنال البشر فعليه أن يعلم أن الله يريد من خلقه أمور أخرى مثل الإيمان به ( كما أوضح عن ذاته بجميع الكتب السماوية وليس كما يدعي الضالون عنه ) والتعاطف والتكامل والتعاون ....الخ

وقال الشاعر
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة ......... فكيف آسي على شيء لها ذهبا

والله سبحانه وتعالى لم يفعل ذلك لأن الأمر خرج من يده – واليعاذ بالله – لا ، بل أظهر لنا أنه مالك كل شيء ولكن أستطيع أن أجعلك أيها المخلوق أن أجعل مسألة الملكية دولاً بينكم

فأعلم أيها الإنسان المخلوق الضعيف : إن تمت النعمة عليك ( علواً وغنى وعافية وأولاداً ) فأعلم أن هذه النعمة تتغير الى الأقل ... لماذا ؟ لأنك من الأغيار

وقال الشاعر
إذا تم شيء بدا نقصه ....... ترقب زوالاً إذا قيل تم

إذن نقول إن النفس المالكة هي نفسها ذاهبة ، فكيف يحزن على شيء له ضاع منه ؟

يقول الحق سبحانه وتعالى :
أيحسب الإنسان أن يترك سُدىً

فالله سبحانه وتعالى أعطانا مطلق الحرية لإختيار حياتنا وإنه عز وجل ملكنا زمام الإختيار في أمر الإيمان به .. وتركه للإختيار ... ولم يجبر الخلق بالقوة على هذا الإيمان ... فآمن البعض أو كفر البعض فهذا لن يزيد ولا ينقص شيء من ملك الله سبحانه وتعالى

فمثال على ذلك – ولله المثل الأعلى : بمجرد إيمانك أيها المؤمن فقد ملكك الله الزمام ... والزمام أصبح بيدك أنت ... إن شئت أن يتقرب لك الله فأبدأ أنت بالتقرب إليه وستجد الله عز وجل يتقرب منك أسرع مما أنت تتقرب إليه .

فإذا أردت أن تقابل عظيماً : فقبل كل شيء تجده يحدد بالموافقة أو الرفض ثم ميعاد ومكان التقابل و... و... الخ

ولكن أنظر إلى كرم الحق سبحانه وتعالى ... صحيح أنت تذهب الى الصلاة المفروضة والله عز وجل أمرك أنت تقضيها ، ولكن ترك لك الأختيار بتنفيذ هذا الأمر.... فهل منعك الله عز وجل أن تقف بين يديه في أي لحظة ؟

لا ... واللهِ لم يحدث أبداً ... وما سمعنا هذا من قبل

يــــــــــــــــــــــــــــــــارب أنت الحق .... ياحنان يامنان خسر من عصاك ونجا من آمن بك وبحبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم

قال الشاعر
حسب نفسي عزاً بأني عبد .... يحتفِـي بي بلا مواعيد ربُّ
هو في قدسه الأعز ولكن .... أنا ألقي متى وأين أحبُّ

حتى الكافر عن الشدة يقول يارب لا يقول يايسوع أو يابقرة أو ياشمس أو يانار ، فهذه المُسميات تتداول على لسان هؤلاء الكفرة في أمور حياتهم العدية ورسائلهم وخطاباتهم .... ولكن عند الشدة تجده يقولوا يارب ... لماذا؟

لأنها هي الفطرة التي خلقها الله في عباده ولكنهم ضلوا عن سبيله

فمن بيده الزمام أيها المخلوق الضعيف الذي لا يملك إلا لسان أضله وعقل فاسد أفسده ذكائه ؟ بيد من أيها الضالون الزمام ؟ بيد من أيها الملاحدة ؟ واللهِ إنكم تقولون على الله ما لا تعلمون .... حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من قال على الله الكذب وضل عن سبيله

أخي المسلم

ترك لنا الله عز وجل بكرمه ولطفه وعدله الزمام بين أيدينا .... وكذلك ترك الله عز وجل بين أيدينا أمر المغفرة ! ... كيف ؟

إن شاء البشر أن يغفر الله لهم فإنهم يفعلوا أسباب المغفرة ويتوبون إلى الله عز وجل والبعد عن فعل الحدث الباطل الذي أوقعهم في هذه المعصية وعدم الرجوع له مرة أخرى ، ويكثرون من الحسنات ، ومن يريد أن يتعذب فليظل سائراً في غيه في فعل السيئات

وبهذا نجد أن الله عز وجل عندما قال يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء .. فهذا لا يعني ما يدعيه البعض بأن الله فقد صفة العدل ... والعياذ بالله ... ولكن بين الله عز وجل من يشاء المغفرة لهم .. إنهم الذين تابوا ، وهم الذين أنابوا إلى الله وهم الذين قال الله عز وجل فيهم :

بسم الله الرحمن الرحيم
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًاسورة الفرقان 70

فالذي صنع سيئة ثم ألمته ، فكما ألمته السيئة التي أرتكبها وحزن منها وتاب وعمل العمل الصالح ، فإن الله العدل يكتب له حسنة ... ولكن الذي صنع سيئة ولم تفزعه ... فيكفي قول بعض العارفين في هذا الأمر

رُبَّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً

ونسأل السادة النصارى وكذلك الملحدين

هل المسيح نالته الأغيار في تكوينه الخلقي ( كما تدعوا بالتجسد) ؟ ألم يكن داخل رحم أمه من يوم النفخ في السيدة العذراء الى أن أتم الثلاثون من عمره ؟ نعم نالته الأغيار
فهل الله تناله الأغيار ؟ هل الله يصغر ثم يكبر ؟ هل الله يمرض ويبحث عن من يعالجه ؟ هل الله يأكل ويشرب ؟ هل الله ينام و يصحا ؟ هل الله يتبول ويتبرز؟ هل الله يُضرب ويُجلد ويركب الحمار ويطاف به ويبُصق عليه ويُصلب ويمُوت ثم يحيى ؟

لا حول ولا قوة إلا بالله

رحمتك يالله وسعة كل شيء ، تسمع وترى وتصبر على هذه الإهانات .... وتنزل رحمة وفضلك على عبادك الصالح منه والطالح وترزق من آمن بك ومن كفر ... لا إله إلا الله .... محمد رسول الله

وأنتم أيها الملحدين ... من أين أتيتم إلى هذه الدنيا ؟ من الذي أنعم عليكم بالسمع والبصر ؟ أيها الكفر ... الله عز وجل من رحمته على الخلق لم يُملك مخلوق الماء ولا الهواء لينعم به المؤمن والكافر .... وبعد ذلك تكفروا بالله

خلق الله عز وجل من تحت أرجلكم الورد والرياحين والثمار الطيبة وأنتم تنشروا الفاحشة عليها والكفر ... أليس كل هذا فضل وعدل ورحمة من الله

في أخر المطاف تكفروا به

إنا لله و إنا إليه راجعون

ولا حول ولا قوة إلا بالله

اللهم تقبل من صالح الأعمال
والسلام عليكم ورحمة الله بركاته
اقتباس بعض الفقرات من خواطر الشيخ / محمد متولي الشعراوي