-
اسرار القران (62)
62) هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون
بقلم الدكتور:زغلول النجار
هذه الآية الكريمة جاءت في بدايات سورة يونس, وهي سورة مكية, آياتها109 بدون البسملة, وقد سميت باسم نبي الله يونس( علي نبينا وعليه من الله السلام) وذلك لورود ذكره, وذكر قومه, وقبول الله لتوبتهم, ورفعه العذاب عنهم بعد أن كاد يقع بهم, وفي ذلك دعوة للعاصين أن يتداركوا أنفسهم بتوبة نصوح إلي رب العالمين قبل فوات الآوان...!!
والمحور الرئيسي للسورة يدور حول قضية الإيمان بالله ربا, واحدا, أحدا, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, وبالإسلام دينا واحدا, أنزله الله تعالي علي فترة من الرسل, وأتمه وأكمله في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم), والذي لا يكمل إيمان العبد بالله إلا أن يؤمن بنبوة هذا الرسول الخاتم وبرسالته, وبالكتاب الذي أنزل إليه, وبكافة كتب الله السابقة ورسله وأنبيائه السابقين, وبالبعث, والحساب, والجنة والنار, وكلها من ركائز العقيدة الإسلامية.
وتخص سورة يونس الإيمان بـ القرآن الحكيم علي أنه ركيزة الركائز في قضية الدين, وذلك بصفته آخر الكتب السماوية, وأتمها, وأكملها, والكتاب الوحيد من بينها الذي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظه فحفظ كلمة كلمة, وحرفا حرفا بنفس لغة وحيه( اللغة العربية) علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد, وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها, ليبقي معجزة هذه الرسالة الخاتمة إلي قيام الساعة..!!!
واستهلت سورة يونس بالحروف المقطعة الثلاث( ألر), والحروف المقطعة التي جاءت في مطلع تسع وعشرين سورة من سور القرآن الكريم وتضم أسماء نصف عدد حروف الهجاء العربية الثمانية والعشرين, تعتبر من أسرار القرآن الكريم التي لم تكتشف بعد, وإن كانت هناك محاولات عديدة بذلت من أجل ذلك, وإن اكتفي البعض بتفويض الأمر فيها إلي الله.
وبعد هذا الاستهلال تشير سورة يونس إلي القرآن الكريم بقول الحق تبارك وتعالي:
ألر تلك آيات الكتاب الحكيم*
( يونس:1)
ثم تتعجب الآيات من استنكار كفار مكة لاختيار الله( تعالي) لرجل منهم كي يحمل رسالة الله الخاتمة إلي العالمين, فاتهموه( شرفه الله تعالي) بالسحر( تماما كما يتهمه كفار اليوم وملاحدته ومشركوه)..!
وتؤكد سورة يونس في سياقها أن إرسال الرسل وإنزال الرسالات سنة من سنن الله في خلقه, كما قال( سبحانه) في سورة فاطر مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم). إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير*( فاطر:24)
وتؤكد السورة الكريمة أن الله( تعالي) هو خالق السماوات والأرض, وخالق كل شيء, ومن ثم فهو سبحانه المستحق للخضوع له بالعبادة والطاعة وحده لأنه( سبحانه) هو الخالق, الرازق, المحيي, المميت, وهو الذي إليه مرجع كل الخلائق, ثم يوفيهم حسابهم كل بحسب عمله في هذه الحياة.
وتستشهد سورة يونس بعدد من آيات الله في الآفاق وفي الأنفس علي ألوهيته, وربوبيته, ووحدانيته, وعلي طلاقة قدرته في إبداعه لخلقه, وكمال حكمته في تدبير كل أمر من أمور هذا الخلق. وتعرض السورة الكريمة في أكثر من موقع منها إلي الفوارق الهائلة بين كل من المؤمنين والكافرين, وبين مصائرهم في يوم الدين. وتصف جانبا من جوانب النفس البشرية في حالات الرخاء والشدة, وتحذرهم من بأس الله الذي يأتي بغتة, وتذكر بهلاك أقوام من القرون البائدة لما ظلموا وتجاوزوا حدود ما شرع الله, وتشير إلي تلقي كفار قريش للقرآن الكريم بشيء من الصلف, والكبر, والرفض, والمناوأة( تماما كما يفعل كفار اليوم وملاحدته ومشركوه) وإلي إصرارهم علي الشرك بالله( تماما كما يفعل مشركو اليوم), وتذكرهم بيوم القيامة, وبحتمية الرجوع إلي الله( تعالي), وبالوقوف بين يديه للحساب, وتهون من أمر الدنيا وتحذر من أهوال الآخرة, وتذكر بأن الله( تعالي) هو رب هذا الكون ومليكه ومدبر أمره, وأنه( سبحانه) هو الرزاق ذو القوة المتين.
وتعرض السورة الكريمة لموقف مشركي الجزيرة العربية وهو نفسه موقف مشركي اليوم, من رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وترد علي الذين ادعوا والذين لايزالون يدعون ـ كذبا ونفاقا وزورا ـ أن الرسول الخاتم هو الذي كتب القرآن الكريم, مؤكدة أن هذا الذكر الحكيم لا يمكن أن يفتري, أي لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, وأنه جاء مصدقا لما أنزل قبله من كتب سماوية, ومهيمنا عليها بكماله وتمامه وحفظه, وأنه يحوي تفاصيل الدين كما أنزله رب العالمين, وفي ذلك يرد القرآن الكريم علي هؤلاء الأفاكين بإستفهام استنكاري تقريعي يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي):
أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين*( يونس:38)
وتؤكد هذه السورة الكريمة أن من الناس من يؤمن بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وأن منهم من لا يؤمن بذلك, وأن الله( تعالي) الذي أنزله هو أعلم بالمفسدين. كذلك تعرض سورة يونس لمواقف الكافرين من مشاهد الآخرة, وتلوم الذين يتجرأون علي الله تعالي) بالتحليل والتحريم دون إذن منه( سبحانه وتعالي), كما ترد علي الذين يدعون علي الله( تعالي) أنه قد اتخذ ولدا( تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا) بهذا الرد الإلهي القاطع:
قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون علي الله ما لا تعلمون* قل إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون*متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون*
( يونس:68 ـ70)
ولبيان سنة الله في نصرة المؤمنين وإهلاك الكافرين, أوردت سورة يونس جوانب من قصص عدد من أنبياء الله وتفاعل أقوامهم معهم من مثل نوح, وموسي, وهارون, ويونس( علي نبينا وعليهم من الله السلام).
وتختتم السورة الكريمة بتوصية رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بالتمسك بشريعة الله, والصبر علي ما يمكن أن يلقي من أذي في سبيل ذلك, والخطاب موجه إلي كل مسلم سائر علي خطي رسول الله, وإلي كل مسلمة إلي يوم الدين, لأن هذا الطريق ما سلكه أحد إلا ولقي من العنت ما لقيه رسول الله( صلي الله عليه وسلم) وصحابته الكرام, ويلقاه الدعاة إلي يوم الدين, ولذلك يأتي ختام السورة بهذه الدعوة المباركة:
قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل* واتبع مايوحي إليك واصبر حتي يحكم الله وهو خير الحاكمين*
( يونس:109,108)
والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة يونس عديدة نوجزها فيما يلي:
(1) خلق السماوات والأرض في ستة أيام( أي في ست مراحل متتالية).
(2) أن الله تعالي هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده.
(3) هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.
(4) له اختلاف الليل والنهار.
(5) هو الذي وهب السمع والبصر وقدم خلق الأول علي الآخرويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويدبر الأمر.
(6) وصف الليل بأنه للسكن ووصف النهار بأنه مبصر.
(7) الإشارة إلي مثقال الذرة وإلي أن هناك ماهو أصغر وماهو أكبر منه.
(8) الإشارة إلي نجاة فرعون ببدنه ليكون لمن خلفه آية.
(9) التحدي بالقرآن الكريم وبعجز الخلق أجمعين عن أن يأتوا بسورة من مثله.
وسوف نقتصر هنا علي مناقشة النقطة الثالثة فقط من هذه القائمة الطويلة, وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة.
من أقوال المفسرين
في تفسير قوله تعالي:
هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ماخلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون*( يونس:5).
* ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه: يخبر تعالي عما خلق من الآيات الدالة علي كمال قدرته وعظيم سلطانه, وأنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء, وجعل شعاع القمر نورا, هذا فن وهذا فن آخر, ففاوت بينهما لئلا يشتبها, وجعل سلطان الشمس بالنهار, وسلطان القمر بالليل, وقدر القمر منازل, فأول مايبدو صغيرا, ثم يتزايد نوره وجرمه حتي يستوسق ويكمل إبداره, ثم يشرع في النقص حتي يرجع إلي حالته الأولي في تمام شهر, كقوله تعالي:( والقمر قدرناه منازل حتي عاد كالعرجون القديم) وقوله تعالي:(.. والشمس والقمر حسبانا..),( وقدره) أي القمر( منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) فبالشمس تعرف الأيام, وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام,( ماخلق الله ذلك إلا بالحق..) أي لم يخلقه عبثا بل له حكمة عظيمة في ذلك وحجة بالغة, كقوله تعالي( وماخلقنا السماوات والأرض ومابينهما باطلا), وقال تعالي:( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون), وقوله: ونفصل الآيات ـ أي نبين الحجج والأدلة,( لقوم يعلمون)..
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه برحمته الواسعة) مانصه:( هو الذي جعل الشمس ضياء) ذات ضياء...( والقمر نورا وقدره) من حيث سيره( منازل) ثمانية وعشرين منزلا في ثمان وعشرين ليلة من كل شهر, ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما, أو: ليلة إن كان تسعة وعشرين يوما( لتعلموا) بذلك( عدد السنين والحساب ماخلق الله ذلك..) المذكور( إلا بالحق) لاعبثا, تعالي عن ذلك( يفصل) بالياء والنون: يبين( الآيات لقوم يعلمون) يتدبرون.
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) مانصه:
(هو الذي جعل الشمس ضياء) فيها اشتعال.( والقمر نورا).. فيه إنارة.( وقدره منازل) ينزل في كل ليلة منزلا يكون فيه علي هيئة خاصة, كما هو مشهود في القمر...( لتعلموا عدد السنين والحساب).. ولاتزال المواقيت والمواعيد تضبط بالشمس والقمر لكافة الناس. هل هذا كله عبث؟ هل هذا كله باطل؟ هل هذا كله مصادفة؟ كلا لايكون كل هذا النظام, وكل هذا التناسق, وكل هذه الدقة التي لاتتخلف معها حركة, لايكون هذا كله عبثا ولا باطلا ولا مصادفة عابرة:( ماخلق الله ذلك إلا بالحق).. الحق قوامه, والحق أداته, والحق غايته, والحق ثابت راجح راسخ, وهذه الدلائل التي تشهد به واضحة قائمة دائمة:( يفصل الآيات لقوم يعلمون).. فالمشاهد التي تعرض هنا في حاجة إلي العلم لإدراك التدبير الكامن وراء المشاهد والمناظر.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) مانصه:( جعل الشمس ضياء..) شروع في بيان أدلة كمال قدرته تعالي وعظيم حكمته وتدبيره, ردا علي منكري البعث. أي هو الذي جعل الشمس ذات ضياء في النهار, والقمر ذا نور في الليل, وقدر سير القمر في منازله الثمانية والعشرين في كل شهر, تقديرا بديعا محكما, ليعرف بذلك ابتداء الشهور والسنين وانتهاءها وعددها والحساب بالأوقات من الأشهر والأيام. وبذلك تنتظم مصالح في العبادات والمعاملات وسائر الشئون المعاشية.. وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة يتعاقبان دائما بحسب طلوع الشمس وغروبها, ويتفاوتان بحسب الأمكنة طولا وقصرا.( قدره منازل) صير القمر ذا منازل يسير فيها.
* وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خير الجزاء) مانصه: وربكم الذي خلق السماوات والأرض والذي جعل الشمس تشع الضياء, والقمر يرسل النور, وجعل للقمر منازل ينتقل فيها, فيختلف نوره تبعا لهذه المنازل, لتستعينوا بهذا في تقدير مواقيتكم, وتعلموا عدد السنين والحساب, وماخلق الله ذلك إلا بالحكمة, وهو سبحانه يبسط في كتابه الآيات الدالة علي ألوهيته وكمال قدرته لكي تتدبروها بعقولكم وتستجيبوا لما يقتضيه العلم.
وجاء في تعليق الخبراء بالهامش مايلي:... الشمس جرم سماوي ملتهب مضيء بذاته, وهو مصدر الطاقات علي الأرض ومنها الضوء والحرارة بينما القمر جرم غير مضيء بذاته بل يعكس أو يرد مايقع عليه من ضوء الشمس فيبدو منيرا.
وذكر صاحب صفوة التفسير( جزاه الله خيرا) ما نصه:
(هو الذي جعل الشمس ضياء) الآية للتنبيه علي دلائل القدرة والوحدانية أي هو تعالي بقدرته جعل الشمس مضيئة ساطعة بالنهار كالسراج الوهاج( والقمر نورا) أي وجعل القمر منيرا بالليل وهذا من كمال رحمته بالعباد, ولما كانت الشمس أعظم جرما خصت بالضياء, لأنه هو الذي له سطوع ولمعان قال الطبري: المعني أضاء الشمس وأنار القمر( وقدره منازل) أي قدر سيره في منازل وهي البروج( لتعلموا عدد السنين والحساب) أي لتعلموا أيها الناس حساب الأوقات, فبالشمس تعرف الأيام, وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام( ماخلق الله ذلك إلا بالحق) أي ماخلق تعالي ذلك عبثا بل لحكمة عظيمة, وفائدة جليلة( يفصل الآيات لقوم يعلمون) أي يبين الآيات الكونية ويوضحها لقوم يعلمون قدرة الله, ويتدبرون حكمته, قال ابو السعود: أي يعلمون الحكمة في إبداع الكائنات, فيستدلون بذلك علي شئون مبدعها جل وعلا.
الدلالة العلمية للآية الكريمة
أولا: في التفريق بين كل من الضياء والنور:
الضوء( الضياء) هو الجزء المرئي من الطاقة الكهرومغناطيسية( الكهربية/ المغناطيسية) والتي تتكون من سلسلة متصلة من موجات الفوتونات التي لاتختلف عن بعضها البعض إلا في طول موجة كل منها, وفي معدل ترددها.
وتتفاوت موجات الطيف الكهرومغناطيسي في إطوالها بين جزء من مليون مليون جزء من المتر بالنسبة إلي أقصرها وهي أشعة جاما, وبين عدة كيلومترات بالنسبة إلي أطولها وهي موجات الراديو( المذياع أو الموجات اللاسلكية), ويأتي بين هذين الحدين عدد من الموجات التي تترتب حسب تزايد طول الموجة من أقصرها إلي أطولها: الأشعة السينية, والأشعة فوق البنفسجية, والضوء المرئي, والأشعة تحت الحمراء.
وعين الإنسان لا تستطيع أن تلتقط من هذه الموجات سوي الضوء المرئي ـ أطوال تتراوح بين7000,4000 أنجستروم ـ( والأنجستروم يساوي جزءا من عشرة بلايين جزء من المتر) وطول الموجة يتناسب تناسبا عكسيا مع ترددها( أي عدد مرات ارتفاع الموجة وانخفاضها في الثانية الواحدة), وحاصل ضرب هاتين الكميتين يساوي سرعة الضوء( حوالي300,000 كيلو متر في الثانية) وموجات الضوء المرئي أسرع من موجات الراديو بحوالي بليون مرة, وبالتالي فإن أطوال موجاتها أقصر ببليون مرة من أطوال موجات الراديو.
والضوء الأبيض هو عبارة عن خليط من موجات ذات أطوال محددة عديدة متراكبة علي بعضها البعض, ويمكن تحليلها بإمرارها في منشور زجاجي أو غير ذلك من أجهزة التحليل الطيفي, وقد أمكن التعرف علي سبع من تلك الموجات أقصرها هو الطيف البنفسجي( ويقترب طول موجته من4000 أنجستروم), وأطولها هو الطيف الأحمر( ويقترب طول موجته من7000 أنجستروم), وبينهما البرتقالي, والأصفر, والأخضر, والأزرق. وغير ذلك من الألوان المتدرجة في التغير فيما بين تلك الألوان السبع, وإن كانت عين الإنسان لا تستطيع أن تميز منها سوي هذه الألوان السبعة.
وتنتج طاقة الشمس من عملية الاندماج النووي والتي يتم فيها اتحاد أربعة من نوي ذرات الأيدروجين لتنتج نواة واحدة من نوي ذرات الهيليوم, وينطلق الفرق بين مجموع كتلة الأربع نوي لذرات الإيدروجين وكتلة نواة الهيليوم علي هيئة طاقة( تساوي0,0282 وحدة ذرية لكل تفاعل) وهذه الطاقة الناتجة عن تلك العملية يكون أغلبها علي هيئة أشعة جاما( حوالي96%) وجزء قليل علي هيئة النيوترينوات
Neutrinos
( في حدود4%), وسرعان ماتتحول أشعة جاما إلي حرارة ـ بينما تهرب النيوترينوات في الحال وتفقد.
وتشير الدراسات الشمسية إلي أن هذا النجم المتواضع قد بدأ بتركيب كيميائي يغلب عليه عنصرا الإيدروجين( حوالي90%), والهيليوم( حوالي9%) مع اثار طفيفة من عناصر أخري مثل الكربون, النتروجين والأوكسجين( في حدود1%).
وبالتركيز التجاذبي لتلك الكتلة الغازية بدأت درجة حرارتها في الارتفاع, وعند وصول الحرارة إلي المليون درجة مئوية بدأت عملية الاندماج النووي في التفاعل وانطلقت الطاقة النووية للشمس التي رفعت درجة حرارة لبها إلي أكثر من15 مليون درجة مئوية, ورفعت درجة حرارة سطحها الي ستة آلاف درجة مئوية.
وعملية الإندماج النووي في داخل الشمس عملية معقدة للغاية ولا داعي للدخول في تفاصيلها هنا حتي لا يغيب عنا الهدف من هذا المقال, ولكن محصلة هذه العملية هي الارتفاع بنسبة الهيليوم في قلب الشمس من9% الي حوالي30%, وإنتاج طاقة الشمس المتمثلة في الطيف الكهرومغناطيسي, الذي زود الأرض وغيرها من أجرام المجموعة الشمسية بأغلب الطاقة التي تحتاجها.
والطيف المرئي من مجموعة أطياف الطاقة الكهرومغناطيسية المنطلقة من الشمس هو المعروف باسم ضوء الشمس, وعلي ذلك فالضوء عبارة عن تيار من الفوتونات المنطلقة من جسم مشتعل, ملتهب, متوقد بذاته سواء كان ذلك بفعل عملية الاندماج النووي كما هو حادث في داخل الشمس, وفي داخل غيرها من نجوم السماء, أو من جسم مادي يستثار فيه الاليكترونات بعملية التسخين الكهربائي أو الحراري, فيقفز الإليكترون من مستوي عال في الطاقة إلي مستوي أقل, والفارق بين المستويين هو كمية الطاقة المنبعثة
(QuantumEnergy)
علي هيئة ضوء وحرارة, وتكون سرعة تردد موجات الضوء الناشيء مساوية لسرعة تحرك الشحنات المتذبذبة بين مستويات الذرة المختلفة من مثل الإليكترونات.
وعلي ذلك فإن مصادر الضوء هي أجسام مادية لها حشد هائل من الجسيمات الأولية المستثارة بواسطة رفع درجة الحرارة من مثل الاليكترونات وغيرها من اللبنات الأولية للمادة, وأهم مصادر الضوء بالنسبة لنا( أهل الأرض) هي الشمس ووقودها هو عملية الاندماج النووي.
والمصابيح الكهربائية تنتج الضوء عن طريق تسخين سلك من معادن الإشعاع, وكلما ارتفعت درجة الحرارة زادت كمية الضوء المشع وارتفعت معدلات تردد موجاته.
وبنفس الطريقة يحترق فتيل السراج بإشعاله بواسطة احتراق الزيت( من مثل زيت الزيتون) أو النفط( الكيروسين) أو الكحول فيشع بواسطة الترددات التي يمتصها, وكلما ارتفعت درجة حرارته زادت قدرته علي إشعاع الضوء, وذلك بزيادة كمية الضوء الصادر منه, وارتفاع معدلات تردده.
وعلي ذلك فإن الجسم المادي عندما يسخن فإنه يشع بمقدار الطاقة التي يمتصها برفع درجة حرارته بأية واسطة متاحة.
وتختلف الصفات البصرية للمواد في درجات الحرارة الفائقة, وذلك لأن ذبذبة أي من الفوتونات أو الإليكترونات تتم بعنف شديد فتتداخل موجات الطيف الكهرومغناطيسي( ومنها موجات الضوء المرئي) مع بعضها البعض تداخلا كبيرا مما يؤدي الي حدوث الكثير من الظواهر غير المتوقعة, وذلك لأن الموجات الكهرومغناطيسية مرتبطة ارتباطا وثيقا بمصادرها وكواشفها.
وضوء الشمس عند مروره في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض يتعرض للعديد من عمليات الامتصاص والتشتت والانعكاس علي كل من هباءات الغبار, وقطيرات الماء وبخاره, وجزيئات الهواء الموجودة بتركيز عال نسبيا في هذا الجزء من الغلاف الغازي للأرض فيظهر بهذا اللون الأبيض المبهج الذي يميز فترة النهار.
كذلك يتعرض ضوء الشمس للعديد من عمليات التشتت والانعكاس عندما يسقط علي سطح القمر المكسو بالعديد من الطبقات الزجاجية الرقيقة والناتجة عن ارتطام النيازك بهذا السطح, والانصهار الجزئي للصخور علي سطح القمر بفعل ذلك الارتطام. فالقمر( وغيره من أجرام مجموعتنا الشمسية) هي أجسام معتمة باردة لا ضوء لهاولكنها يمكن أن تري لقدرتها علي عكس أشعة الشمس فيبدو منيرا, وهذا هوالفرق بين ضوء الشمس ونور القمر. فنور القمر ناتج عن تشتيت ضوء الشمس علي سطحه بواسطة القوي التي يبذلها الحقل الكهرومغناطيسي علي الشحنات الكهربية التي تحتويها كل صور المادة. فالحقل الكهرومغناطيسي المتذبذب لضوء الشمس الساقط يحدث قوة دورية ضاغطة علي كل شحنة اليكترونية مما يجعلها تقوم بحركة متناسقة مع تردد موجات الطيف الأبيض.
ومن الثابت علميا أن شحنة متذبذبة تشع في جميع الاتجاهات( فيما عدا اتجاه حركتها) مما يبرر عمليات تشتت الضوء, وهي عمليات تعتمد علي عدد وحجم, وبنية, وهيئة واتجاهات, وتفاعل كل من الجسيمات القائمة بمثل هذه العمليات من التشتت مع بعضها البعض, والصفات الحرارية/ الديناميكية للوسط الذي تتشتت فيه. ومن المعروف أن تردد الضوء الساقط يتفق تماما مع تردد الشعاع الساقط مع تباعد قليل بين خطوط الأطياف المختلفة بسبب حركة الجسم المشتت للضوء الساقط عليه, ولذلك تأتي خطوط أطياف الشعاع المشتت بشكل أضعف من خطوط أطياف الشعاع الساقط من أشعة الشمس.
القرآن الكريم يفرق بين الضياء والنور
انطلاقا من هذه الحقائق العلمية التي تمايز بين الضوء الصادر من جسم مشتعل, ملتهب, مضي بذاته. في درجات حرارة عالية( قد تصل إلي ملايين الدرجات المئوية كما هو الحال في قلب الشمس) وبين الشعاع المنعكس من جسم بارد يتلقي شعاع الضوء فيعكسه نورا, ركز القرآن الكريم علي التمييز الدقيق بين ضياء الشمس ونور القمر, وبين كون الشمس سراجا وكون القمر نورا فقال( عز من قائل):
* هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون
( يونس:5)
* وقال( تبارك اسمه):
ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا, وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا.( نوح:16,15).
* وقال( سبحانه):
تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا
( الفرقان:61)
* وقابل الظلمات بالنور وليس بالضياء في آيات كثيرة من مثل قوله( تعالي): الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون.
(الأنعام:1)
* ووصف الشمس بأنها سراج وبأنها سراج وهاج فقال( سبحانه وتعالي):
وجعلنا سراجا وهاجا.
(النبأ:13)
* وحينما وصف خاتم أنبيائه( صلي الله عليه وسلم) بأنه سراج( بمعني أنه مضيء بذاته) وأضاف إلي وصف السراج أنه منير فقال( عز سلطانه):
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا, وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا.
(الأحزاب:46,45)
* وحينما وصف النار وصفها بالضياء ووصف أشعتها الساقطة علي من حولها بالنور فقال( عز من قائل): مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون.
(البقرة:17)
* ووصف أشعة البرق بأنها ضوء فقال( وهوأصدق القائلين): يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا....
(البقرة:20)
* ووصف( سبحانه وتعالي) الزيت بأنه يضئ ووصف سقوط ضوئه علي ما حوله بالنور فقال( تعالي):... المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم.
(النور:35)
* وقال عن غيبة الشمس:
قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون.( القصص:71)
هذه الدقة البالغة في التفريق بين الضوء المنبعث من جسم ملتهب, مشتعل, مضئ بذاته, وبين سقوط هذا الضوء علي جسم مظلم بارد وانعكاسه نورا من سطحه لا يمكن أن يكون لها مصدر من قبل ألف وأربعمائة سنة إلا الله الخالق, فهذا الفرق الدقيق لم يدركه العلماء إلا في القرنين الماضيين, ولا يزال في زماننا كثير من الناس لا يدركونه.
فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم, أنزله بعلمه, علي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم), وتعهد بحفظه فحفظ علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد بنفس لغة الوحي( اللغة العربية) دون زيادة حرف واحد, أو نقص حرف واحد, وأبقي فيه تلك الومضات النورانية من حقائق الكون وسنن الله فيه شاهدة علي صدقه, وحجة علي أهل عصرنا وأهل كل عصر يأتي من بعده إلي قيام الساعة, فاعتبروا يا أولي الألباب!! والحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد له علي نعمة القرآن, والحمد لله علي إرسال النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:11 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:10 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:08 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:07 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-12-2009, 10:48 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات