-
سلسلة الاحاديث الضعيفة للألباني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله اخواتي
حفاظاً على توعية المسلمين ومساعدتهم في الوصول إلى أسنادات الأحاديث ليكون المسلم على بينة من أمر دينه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
( محمد ناصر الدين الألباني)
والمصدر .... برنامج منظومة التحقيقات الحديثية - المجاني - من إنتاج مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية
1 - " الدين هو العقل ، و من لا دين له لا عقل له " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 53 ) :
باطل .
أخرجه النسائي في " الكنى " و عنه الدولابي في " الكنى و الأسماء " ( 2 / 104 )
عن أبي مالك بشر بن غالب بن بشر بن غالب عن الزهري عن مجمع بن جارية عن عمه
مرفوعا دون الجملة الأولى " الدين هو العقل " و قال النسائي : هذا حديث باطل
منكر .
قلت : و آفته بشر هذا فإنه مجهول كما قال الأزدي ، و أقره الذهبي في " ميزان
الاعتدال في نقد الرجال " و العسقلاني في " لسان الميزان " .
و قد أخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده ( ق 100 / 1 ـ 104 / 1 ـ زوائده ) عن
داود بن المحبر بضعا و ثلاثين حديثا في فضل العقل ، قال الحافظ ابن حجر : كلها
موضوعة ، و منها هذا الحديث كما ذكره السيوطي في " ذيل اللآليء المصنوعة في
الأحاديث الموضوعة " ( ص 4 - 10 ) و نقله عنه العلامة محمد طاهر الفتني الهندي
في " تذكرة الموضوعات " ( ص 29 - 30 ) .
و داود بن المحبر قال الذهبي : صاحب " العقل " و ليته لم يصنفه ، قال أحمد :
كان لا يدري ما الحديث ، و قال أبو حاتم : ذاهب الحديث غير ثقة ، و قال
الدارقطني : متروك ، و روى عبد الغنى بن سعيد عنه قال : كتاب " العقل " وضعه
ميسرة بن عبد ربه ثم سرقه منه داود بن المحبر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة ،
و سرقه عبد العزيز بن أبي رجاء ، ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي .
و مما يحسن التنبيه عليه أن كل ما ورد في فضل العقل من الأحاديث لا يصح منها
شيء ، و هي تدور بين الضعف و الوضع ، و قد تتبعت ما أورده منها أبو بكر بن
أبي الدنيا في كتابه " العقل و فضله " فوجدتها كما ذكرت لا يصح منها شيء ،
فالعجب من مصححه الشيخ محمد زاهد الكوثري كيف سكت عنها ؟ ! بل أشار في ترجمته
للمؤلف ( ص 4 ) إلى خلاف ما يقتضيه التحقيق العلمي عفا الله عنا و عنه .
و قد قال العلامة ابن القيم في " المنار " ( ص 25 ) : أحاديث العقل كلها كذب .
و انظر الحديث ( 370 و 5644 ) .
(1/78)
________________________________________
2 - " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من الله إلا بعدا " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 54 ) :
باطل .
و هو مع اشتهاره على الألسنة لا يصح من قبل إسناده ، و لا من جهة متنه . أما
إسناده فقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 106 / 2 مخطوطة الظاهرية
) و القضاعي في " مسند الشهاب " ( 43 / 2 ) و ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن
كثير " ( 2 / 414 ) و " الكواكب الدراري " ( 83 / 2 / 1 ) من طريق ليث عن طاووس
عن ابن عباس .
و هذا إسناد ضعيف من أجل ليث هذا ـ و هو ابن أبي سليم ـ فإنه ضعيف ، قال الحافظ
ابن حجر في ترجمته من " تقريب التهذيب " : صدوق اختلط أخيرا و لم يتميز حديثه
فترك .
و به أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 1 / 134 ) .
و قال شيخه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 1 / 143 ) : إسناده لين .
قلت : و قد أخرجه الحافظ ابن جرير في تفسيره ( 20 / 92 ) من طريق أخرى عن
ابن عباس موقوفا عليه من قوله ، و لعله الصواب و إن كان في سنده رجل لم يسم .
و رواه الإمام أحمد في كتاب " الزهد " ( ص 159 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " عن ابن مسعود موقوفا عليه بلفظ :
" من لم تأمره الصلاة بالمعروف و تنهاه عن المنكر لم يزدد بها إلا بعدا " .
و سنده صحيح كما قال الحافظ العراقي ، فرجع الحديث إلى أنه موقوف ، ثم رأيته في
معجم ابن الأعرابي قال ( 193 / 1 ) ، أنبأنا عبد الله ـ يعني ابن أيوب
المخرمي ـ أنبأنا يحيى بن أبي بكير عن إسرائيل عن إسماعيل عن الحسن قال :
لما نزلت هذه الآية *( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر )* ( العنكبوت : 45
) قال رسول الله ... فذكره .
و هذا مرسل ، و إسماعيل هو ابن مسلم ، فإن كان أبا محمد البصري فهو ثقة ، و إن
كان أبا إسحاق المكي فهو ضعيف ، لكن قال الحافظ العراقي : رواه علي بن معبد في
كتاب " الطاعة و المعصية " من حديث الحسن مرسلا بإسناد صحيح .
قلت : يعني أن إسناده إلى الحسن صحيح ، و لا يلزم منه أن يكون الحديث صحيحا لما
عرف من علم " مصطلح الحديث " أن الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف عند
جمهور علماء الحديث ، و لا سيما إذا كان من مرسل الحسن و هو البصري ، قال
ابن سعد في ترجمته : كان عالما جامعا رفيعا ثقة ... ما أرسله فليس بحجة .
و حتى إنه لو فرض أن الحسن وصل الحديث و أسنده و لم يصرح بالتحديث أو بسماعه من
الذي أسنده إليه كما لو قال : عن سمرة أو عن أبي هريرة لم يكن حديثه حجة ، فكيف
لو أرسله كما في هذا الحديث ؟ ! قال الحافظ الذهبي في " ميزان الاعتدال " :
كان الحسن كثير التدليس ، فإذا قال في حديث عن فلان ضعف احتجاجه و لا سيما عمن
قيل : إنه لم يسمع منهم كأبي هريرة و نحوه ، فعدوا ما كان له عن أبي هريرة في
جملة المنقطع .
على أنه قد ورد الحديث عن الحسن من قوله أيضا لم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم ، كذلك أخرجه الإمام أحمد في " الزهد " ( ص 264 ) و إسناده صحيح ، و كذلك
رواه ابن جرير ( 20 / 92 ) من طرق عنه و هو الصواب .
ثم وجدت الحديث في " مسند الشهاب " ( 43 / 2 ) من طريق مقدام بن داود قال :
أنبأنا علي بن محمد بن معبد بسنده المشار إليه آنفا عن الحسن مرفوعا ، و مقدام
هذا قال النسائي : ليس بثقة ، فإن كان رواه غيره عن علي بن معبد و كان ثقة
فالسند صحيح مرسلا كما سبق عن العراقي و إلا فلا يصح .
و جملة القول أن الحديث لا يصح إسناده إلى النبي و إنما صح
من قول ابن مسعود و الحسن البصري ، و روي عن ابن عباس . و لهذا لم يذكره شيخ
الإسلام ابن تيمية في " كتاب الإيمان " ( ص 12 ) إلا موقوفا على ابن مسعود
و ابن عباس رضي الله عنهما .
و قال ابن عروة في " الكواكب " : إنه الأصح .
ثم رأيت الحافظ ابن كثير قال بعد أن ساق الحديث عن عمران بن حصين و ابن عباس
و ابن مسعود و الحسن مرفوعا : و الأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود
و ابن عباس و الحسن و قتادة و الأعمش و غيرهم .
قلت : و سيأتي حديث عمران في المائة العاشرة إن شاء الله تعالى و هو بهذا اللفظ
إلا أنه قال : " فلا صلاة له " بدل " لم يزدد عن الله إلا بعدا " و هو منكر
أيضا كما سيأتي بيانه هناك بإذن الله تعالى فانظره برقم ( 985 ) .
و أما متن الحديث فإنه لا يصح ، لأن ظاهره يشمل من صلى صلاة بشروطها و أركانها
بحيث أن الشرع يحكم عليها بالصحة و إن كان هذا المصلي لا يزال يرتكب بعض
المعاصي ، فكيف يكون بسببها لا يزداد بهذه الصلاة إلا بعدا ؟ ! هذا مما لا يعقل
و لا تشهد له الشريعة ، و لهذا تأوله شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله :
و قوله " لم يزدد إلا بعدا " إذا كان ما ترك من الواجب منها أعظم مما فعله ،
أبعده ترك الواجب الأكثر من الله أكثر مما قربه فعل الواجب الأقل .
و هذا بعيد عندي ، لأن ترك الواجب الأعظم منها معناه ترك بعض ما لا تصح الصلاة
إلا به كالشروط و الأركان ، و حينئذ فليس له صلاة شرعا ، و لا يبدو أن هذه
الصلاة هي المرادة في الحديث المرفوع و الموقوف ، بل المراد الصلاة الصحيحة
التي لم تثمر ثمرتها التي ذكرها الله تعالى في قوله : *( إن الصلاة تنهى عن
الفحشاء و المنكر )* ( العنكبوت : 45 ) و أكدها رسول الله لما قيل له : إن فلانا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق ! فقال : " سينهاه ما تقول
أو قال : ستمنعه صلاته " .
رواه أحمد و البزار و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 430 ) و البغوي في حديث
علي بن الجعد ( 9 / 97 / 1 ) و أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح معاني الآثار " (
31 / 1 / 69 / 1 ) بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة .
فأنت ترى أن النبي أخبر أن هذا الرجل سينتهي عن السرقة بسبب
صلاته - إذا كانت على الوجه الأكمل طبعا كالخشوع فيها و التدبر في قراءتها -
و لم يقل : إنه " لا يزداد بها إلا بعدا " مع أنه لما ينته عن السرقة .
و لذلك قال عبد الحق الإشبيلي في " التهجد " ( ق 24 / 1 ) : يريد عليه السلام
أن المصلي على الحقيقة المحافظ على صلاته الملازم لها تنهاه صلاته عن ارتكاب
المحارم و الوقوع في المحارم .
فثبت بما تقدم ضعف الحديث سندا و متنا والله أعلم .
ثم رأيت الشيخ أحمد بن محمد عز الدين بن عبد السلام نقل أثر ابن عباس هذا في
كتابه " النصيحة بما أبدته القريحة " ( ق 32 / 1 ) عن تفسير الجاربردي و قال :
و مثل هذا ينبغي أن يحمل على التهديد لما تقرر أن ذلك ليس من الأركان و الشرائط
ثم استدل على ذلك بالحديث المتقدم : " ستمنعه صلاته " و استصوب الشيخ أحمد كلام
الجاربردي هذا و قال : لا يصح حمله على ظاهره ، لأن ظاهره معارض بما ثبت في
الأحاديث الصحيحة المتقدمة من أن الصلاة مكفرة للذنوب ، فكيف تكون مكفرة
و يزداد بها بعدا ؟ ! هذا مما لا يعقل ! ثم قال : قلت : و حمل الحديث على
المبالغة و التهديد ممكن على اعتبار أنه موقوف على ابن عباس أو غيره و أما على
اعتباره من كلامه فهو بعيد عندي والله أعلم .
قال : و يشهد لذلك ما ثبت في البخاري أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فذكر للنبي فأنزل الله تعالى *( إن الحسنات يذهبن السيئات )* .
ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قال في بعض فتاواه : هذا الحديث ليس بثابت عن النبي لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر كما ذكر الله في
كتابه ، و بكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بعدا ، بل الذي يصلي خير من الذي لا
يصلي و أقرب إلى الله منه و إن كان فاسقا .
قلت : فكأنه يشير إلى تضعيف الحديث من حيث معناه أيضا و هو الحق و كلامه
المذكور رأيته في مخطوط محفوظ في الظاهرية ( فقه حنبلى 3 / 12 / 1 - 2 ) و قد
نقل الذهبي في " الميزان " ( 3 / 293 ) عن ابن الجنيد أنه قال في هذا الحديث :
كذب و زور .
(1/79)
التعديل الأخير تم بواسطة ronya ; 26-10-2010 الساعة 05:37 PM
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
3 - " همة الرجال تزيل الجبال " .قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 59 ) :
ليس بحديث .
قال الشيخ إسماعيل العجلونى في " كشف الخفاء " : لم أقف على أنه حديث ، لكن نقل
بعضهم عن الشيخ أحمد الغزالي أنه قال : قال رسول الله : "
همة الرجال تقلع الجبال " فليراجع .
قلت : قد راجعنا مظانه في كتب السنة فلم نجد له أصلا ، و إيراد الشيخ أحمد
الغزالي له لا يثبته ، فليس هو من المحدثين ، و إنما هو مثل أخيه محمد من فقهاء
الصوفية ، و كم في كتاب أخيه " الإحياء " من أحاديث جزم بنسبتها إلى النبي و هي مما يقول الحافظ العراقي و غيره فيها : لا أصل له
منها :
(1/80)
________________________________________
4 - " الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهائم الحشيش " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 60 ) :
لا أصل له .
أورده الغزالي في " الإحياء " ( 1 / 136 ) فقال مخرجه الحافظ العراقي : لم أقف
له على أصل و بيض له الحافظ في " تخريج الكشاف " ( 73 / 95 و 130 / 176 ) .
و قال عبد الوهاب بن تقى الدين السبكي في " طبقات الشافعية "
( 4 / 145 - 147 ) : لم أجد له إسنادا .
و المشهور على الألسنة : " الكلام المباح في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل
النار الحطب " و هو هو .
(1/81)
________________________________________
5 - " ما ترك عبد شيئا لله لا يتركه إلا لله إلا عوضه منه ما هو خير له فى دينه
و دنياه " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 61 ) :
موضوع بهذا اللفظ .
و قد سمعته في كلمة ألقاها بعض الأفاضل من إذاعة دمشق في هذا الشهر المبارك شهر
رمضان !
أخرجه أبو نعيم في " حلية الأولياء " ( 2 / 196 ) و عنه الديلمي ( 4 / 27 ـ
الغرائب الملتقطة ) و السلفي في " الطيوريات " ( 200 / 2 ) و ابن عساكر ( 3 /
208 / 2 و 15 / 70 / 1 ) من طريق عبد الله بن سعد الرقي حدثتني والدتي مروة بنت
مروان قالت حدثتني والدتي عاتكة بنت بكار عن أبيها قالت : سمعت الزهري يحدث عن
سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن رسول الله قال : فذكره
و قال أبو نعيم عقبه : حديث غريب .
و أقول : أن إسناده موضوع ، فإن من دون الزهري لا ذكر لهم في شيء من كتب الحديث
غير عبد الله بن سعد الرقي فإنه معروف ، و لكن بالكذب !
قال الحافظ الذهبي في " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " و تبعه الحافظ أحمد بن
حجر العسقلاني في " لسان الميزان " : كذبه الدارقطني و قال : كان يضع الحديث
وهاه أحمد بن عبدان .
و فيه علة أخرى و هي جهالة بكار هذا و هو ابن محمد و في ترجمته أورده ابن عساكر
و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا .
نعم صح الحديث بدون قوله في آخره " في دينه و دنياه " .
أخرجه وكيع في " الزهد " ( 2 / 68 / 2 ) و عنه أحمد ( 5 / 363 ) و القضاعي في "
مسند الشهاب " ( رقم 1135 ) بلفظ :
" إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه " .
و سنده صحيح على شرط مسلم .
و أخرجه الأصبهاني أيضا في " الترغيب " ( 73 / 1 ) ثم روى له شاهدا من حديث أبي
ابن كعب بسند لا بأس به في الشواهد .
(1/82)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
6 - " تنكبوا الغبار فإنه منه تكون النسمة " .قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 62 ) :
لا أعلم له أصلا .
أورده ابن الأثير في مادة نسم من " النهاية " و ذكر أنه حديث ! و لا أعرف له
أصلا مرفوعا و قد روى ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ( 8 / 2 / 198 ) فقال :
و قال عبد الله بن صالح المصري عن حرملة بن عمران عمن حدثهم عن ابن سندر مولى
النبي قال : أقبل عمرو بن العاص و ابن سندر معهم ، فكان
ابن سندر و نفر معه يسيرون بين يدي عمرو بن العاص فأثاروا الغبار ، فجعل عمرو
طرف عمامته على أنفه ثم قال : اتقوا الغبار فإنه أوشك شيء دخولا ، و أبعده
خروجا ، و إذا وقع على الرئة صار نسمة .
و هذا مع كونه موقوفا لا يصح من قبل سنده لأمور :
الأول : أن ابن سعد علقه ، فلم يذكر الواسطة بينه و بين عبد الله بن صالح .
الثاني : أن ابن صالح فيه ضعف و إن روى له البخاري فقد قال ابن حبان :
كان في نفسه صدوقا ، إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له ، فسمعت ابن
خزيمة يقول : كان بينه و بينه عداوة ، كان يضع الحديث على شيخ ابن صالح ،
و يكتبه بخط يشبه خط عبد الله ، و يرميه في داره بين كتبه ، فيتوهم عبد الله
أنه خطه فيحدث به ! .
الثالث : أن الواسطة بين حرملة و ابن سندر لم تسم فهي مجهولة .
(1/83)
________________________________________
7 - " اثنتان لا تقربهما : الشرك بالله و الإضرار بالناس " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 63 ) :
لا أصل له .
و قد اشتهر بهذا اللفظ و لم أقف عليه في شيء من كتب السنة ، و لعل أصله ما في
" الإحياء " للغزالي ( 2 / 185 ) قال :
" خصلتان ليس فوقهما شيء من الشر : الشرك بالله و الضر لعباد الله ، و خصلتان
ليس فوقهما شيء من البر : الإيمان بالله ، و النفع لعباد الله " .
و هو حديث لا يعرف له أصل .
قال العراقي في تخريجه : ذكره صاحب الفردوس من حديث علي ، و لم يسنده ولده في
مسنده .
و لهذا أورده السبكي في الأحاديث التي وقعت في " الإحياء " و لم يجد لها إسنادا
( 4 / 156 ) .
(1/84)
________________________________________
8 - " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 63 ) :
لا أصل له مرفوعا .
و إن اشتهر على الألسنة في الأزمنة المتأخرة حتى إن الشيخ عبد الكريم العامري
الغزي لم يورده في كتابه " الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث " .
و قد وجدت له أصلا موقوفا ، رواه ابن قتيبة في " غريب الحديث " ( 1 / 46 / 2 )
حدثني السجستاني حدثنا الأصمعي عن حماد بن سلمة عن عبيد الله بن العيزار عن
عبد الله بن عمرو أنه قال : فذكره موقوفا عليه إلا أنه قال :
" احرث لدنياك " إلخ .
و عبيد الله بن العيزار لم أجد من ترجمه .
ثم وقفت عليها في " تاريخ البخاري " ( 3 / 394 ) و " الجرح و التعديل " ( 2 / 2
/ 330 ) بدلالة بعض أفاضل المكيين نقلا عن تعليق للعلامة الشيخ عبد الرحمن
المعلمي اليماني رحمه الله تعالى و فيها يتبين أن الرجل وثقه يحيي بن سعيد
القطان و أنه يروي عن الحسن البصري و غيره من التابعين فالإسناد منقطع .
و يؤكده أنني رأيت الحديث في " زوائد مسند الحارث " للهيثمي ( ق 130 / 2 ) من
طريق أخرى عن ابن العيزار قال : لقيت شيخا بالرمل من الأعراب كبيرا فقلت : لقيت
أحدا من أصحاب رسول الله ؟ فقال : نعم ، فقلت : من ؟ فقال :
عبد الله بن عمرو بن العاص ....
ثم رأيت ابن حبان قد أورده في " ثقات أتباع التابعين " ( 7 / 148 ) .
و رواه ابن المبارك في " الزهد " من طريق آخر فقال ( 218 / 2 ) : أنبأنا محمد
ابن عجلان عبد الله بن عمرو بن العاص قال : فذكره موقوفا ، و هذا منقطع و قد
روي مرفوعا ، أخرجه البيهقي في سننه ( 3 / 19 ) من طريق أبي صالح حدثنا الليث
عن ابن عجلان عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن
رسول الله أنه قال : فذكره في تمام حديث أوله :
" إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، و لا تبغض إلى نفسك عبادة ربك ، فإن
المنبت لا سفرا قطع و لا ظهرا أبقى ، فاعمل عمل امريء يظن أن لن يموت أبدا ،
و احذر حذر ( امريء ) يخشى أن يموت غدا " .
و هذا سند ضعيف و له علتان جهالة مولى عمر بن عبد العزيز و ضعف أبي صالح و هو
عبد الله بن صالح كاتب الليث كما تقدم في الحديث ( 6 ) .
ثم إن هذا السياق ليس نصا في أن العمل المذكور فيه هو العمل للدنيا ، بل الظاهر
منه أنه يعني العمل للآخرة ، و الغرض منه الحض على الاستمرار برفق في العمل
الصالح و عدم الانقطاع عنه ، فهو كقوله : " أحب الأعمال
إلى الله أدومها و إن قل " متفق عليه والله أعلم .
هذا و النصف الأول من حديث ابن عمرو رواه البزار ( 1 / 57 / 74 ـ كشف الأستار )
من حديث جابر ، قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 1 / 62 ) : و فيه يحيى بن
المتوكل أبو عقيل و هو كذاب .
قلت : و من طريقه رواه أبو الشيخ ابن حيان في كتابه " الأمثال " ( رقم 229 ) .
لكن يغني عنه قوله :
" إن هذا الدين يسر ، و لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا و قاربوا
و أبشروا ... " أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعا .
و قد روى الحديث بنحوه من طريق أخرى و سيأتي بلفظ ( أصلحوا دنياكم ... ) ( رقم
878 ) .
(1/85)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
9 - " أنا جد كل تقي " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 65 ) :
لا أصل له .
سئل عنه الحافظ السيوطي فقال : لا أعرفه ذكره في كتابه " الحاوي للفتاوي "
( 2 / 89 ) .
(1/86)
________________________________________
10 - " إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 66 ) :
موضوع .
رواه أبو منصور الديلمي في " مسند الفردوس " من حديث علي رضي الله عنه
مرفوعا ، قال الحافظ العراقي ( 2 / 56 ) : و فيه محمد بن سهل العطار ، قال
الدارقطني : يضع الحديث .
قلت : و هذا من الأحاديث الموضوعة التي شان بها السيوطي كتابه
" الجامع الصغير " خلافا لما تعهد به في مقدمته فقال : و صنته عما تفرد به وضاع
أو كذاب ، فإنه عفا الله عنا و عنه لم يف بما تعهد به ، و في النية إذا
يسر الله لنا أن نتوجه إلى تطهيره من تلك الأحاديث و جمعها في كتاب خاص و نشره
على الناس حتى يكونوا على حذر منها .
هذا و قد قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في شرحه لـ" الجامع ، " فيض القدير "
بعد أن نقل ما ذكرته عن العراقي : فكان ينبغي للمصنف حذفه .
(1/87)
11 - " إنما بعثت معلما " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 66 ) :
ضعيف .
أخرجه الدارمي ( 1 / 99 ) من طريق عبد الله بن يزيد - و هو أبو عبد الرحمن
المقري - و ابن وهب في " المسند " ( 8 / 164 / 2 ) و عبد الله بن المبارك في
" الزهد " ( 220 / 2 ) و عنه الحارث في مسنده ( ص 16 من " زوائده " )
و الطيالسي ( ص 298 رقم 2251 ) كلهم عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن
عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله مر بمجلسين في مسجده فقال : " كلاهما على خير و أحدهما أفضل من صاحبه ، أما
هؤلاء فيدعون الله و يرغبون إليه ، فإن شاء أعطاهم و إن شاء منعهم ، و أما
هؤلاء فيتعلمون الفقه و العلم و يعلمون الجاهل فهم أفضل و إنما بعثت معلما " .
و هذا سند ضعيف فإن عبد الرحمن بن زياد و ابن رافع ضعيفان كما قال الحافظ ابن
حجر في " تقريب التهذيب " و رواه ابن ماجه ( 1 / 101 ) من طريق داود بن
الزبرقان عن بكر بن خنيس عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عن
عبد الله بن عمرو به .
و هذا سند أشد ضعفا من الأول ، فإن كل من دون عبد الله بن يزيد ضعفاء ، و قد
خالفوا الثقات فجعلوا أو أحدهم جعل عبد الله بن يزيد - المعافري الحبلي الثقة -
مكان عبد الرحمن بن رافع الضعيف .
و قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 16 / 2 ) : فيه داود و بكر و عبد الرحمن
و هم ضعفاء .
و قال العراقي في " تخريج الإحياء " : سنده ضعيف .
و قد اشتهر الاحتجاج بهذا الحديث على مشروعية الذكر على الصورة التي يفعلها بعض
أهل الطرق من التحلق و الصياح في الذكر و التمايل يمنة و يسرة و أماما و خلفا
مما هو غير مشروع باتفاق المتقدمين ، و مع أن الحديث لا يصح كما علمت ، فليس
فيه هذا الذي زعموه ، بل غاية ما فيه جواز الاجتماع على ذكر الله تعالى ، و هذا
فيه أحاديث صحيحة في مسلم و غيره تغني عن هذا الحديث ، و هي لا تفيد أيضا إلا
مطلق الاجتماع ، أما ما يضاف إليه من التحلق و ما قرن معه من الرقص فكله بدع
و ضلالات يتنزه الشرع عنها .
(1/88)
________________________________________
12 - " أوحى الله إلى الدنيا : أن اخدمي من خدمني ، و أتعبي من خدمك " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 68 ) :
موضوع .
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 8 / 44 ) و اللفظ له و الحاكم في " معرفة
علوم الحديث " ( ص 101 ) من طرق عن الحسين بن داود بن معاذ البلخي قال حدثنا
الفضيل بن عياض قال حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود
مرفوعا .
قال الخطيب : تفرد بروايته الحسين عن الفضيل ، و هو موضوع ، و رجالهم كلهم ثقات
سوى الحسين بن داود ، و لم يكن ثقة ، فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون عن حميد
عن أنس أكثرها موضوع .
(1/89)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
13 - " أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده ، و حرام على
منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم ، و لا يموتوا إلا غما و هما " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 68 ) :
ضعيف .
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 4163 ) من طريقين عن الوليد بن مسلم عن
محمد بن أيوب بن ميسرة بن حلبس عن أبيه عن خريم بن فاتك الأسدي صاحب
رسول الله أنه سمع رسول الله يقول :
فذكره .
و هذا إسناد ظاهره الصحة و لعله لذلك احتج به شيخ الإسلام ابن تيمية في فصل له
في " فضائل الشام " ( ق 259 / 1 من مسودته ) و ليس بصحيح فإن له علتين :
الأولى : عنعنعة الوليد فإنه يدلس تدليس التسوية ، قال الذهبي في " الميزان " :
إذا قال الوليد : عن ابن جريج أو عن الأوزاعى فليس بمعتمد لأنه يدلس عن كذابين
فإذا قال : حدثنا فهو حجة و قال الحافظ في " التقريب " : هو ثقة لكنه كثير
التدليس و التسوية .
الأخرى : الوقف فقد رواه موقوفا هيثم بن خارجة قال : حدثنا محمد بن أيوب به
موقوفا على خريم .
أخرجه أحمد ( 3 / 498 ) و سنده صحيح ، و أوهم ابن تيمية أنه مرفوع و ليس كذلك .
و الحديث أورده المنذري في " الترغيب و الترهيب " ( 4 / 63 ) و قال : رواه
الطبراني مرفوعا و أحمد موقوفا و لعله الصواب ، و رواتهما ثقات .
(1/90)
_____________________________________
14 - " إياكم و خضراء الدمن ، فقيل : و ما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء فى
المنبت السوء " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 69 ) :
ضعيف جدا .
رواه القضاعي في " مسند الشهاب " ( ق 81 / 1 ) من طريق الواقدي قال : أنبأنا
يحيى بن سعيد بن دينار عن أبي وجيزة يزيد بن عبيد عن عطاء بن يزيد الليثي عن
أبي سعيد الخدري ، و أورده الغزالي في " الإحياء " ( 2 / 38 ) و قال مخرجه
العراقي :
رواه الدارقطني في " الأفراد " و الرامهرمزى في " الأمثال " من حديث أبي سعيد
الخدري ، قال الدارقطني : تفرد به الواقدى و هو ضعيف .
و ذكر نحوه ابن الملقن في " خلاصة البدر المنير " ( ق 118 / 1 ) .
قلت : بل هو متروك فقد كذبه الإمام أحمد و النسائي و ابن المديني و غيرهم .
و لا تغتر بتوثيق بعض المتعصبين له ممن قدم لبعض كتبه ، و غيره من الحنفية ،
فإنه على خلاف القاعدة المعروفة عند المحدثين : الجرح المبين مقدم على التعديل
و لذا حكم الكوثري بوضعه كما سيأتي تحت الحديث ( 25 ) .
(1/91)
________________________________________
15 - " الشام كنانتي فمن أرادها بسوء رميته بسهم منها " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 70 ) :
لا أصل له في المرفوع .
و لعله من الإسرائيليات ، فقد أخرج الحافظ أبو الحسن الربعي في " فضائل الشام "
( ص 3 ) عن عون بن عبد الله بن عتبة قال :
قرأت فيما أنزل الله عز وجل على بعض الأنبياء أن الله تعالى يقول : الشام
كنانتي فإذا غضبت على قوم رميته منها بسهم .
و في سنده المسعودي و اسمه عبد الرحمن بن عبد الله و هو ضعيف لاختلاطه ،
و جماعة آخرون لم أجد من ترجمهم ، و يروى مثل هذا المعنى في مصر أيضا و لا أصل
له في المرفوع أيضا كما يشير إليه كلام السخاوي في " المقاصد الحسنة " .
(1/92)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
16 - " صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس : الأمراء و الفقهاء - و في رواية -
العلماء " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 70 ) :
موضوع .
أخرجه تمام في " الفوائد " ( 238 / 1 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 96 )
و ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 1 / 184 ) من طريق محمد بن زياد
اليشكري عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعا .
و هذا سند موضوع محمد بن زياد هذا قال أحمد :
كذاب أعور يضع الحديث و قال ابن معين و الدارقطني : كذاب و كذبه أبو زرعة أيضا
و غيره .
و الحديث مما أورده السيوطي في " الجامع " خلافا لشرطه ! و أورده الغزالي في
" الإحياء " ( 1 / 6 ) جازما بنسبته إليه ! و قال مخرجه
الحافظ العراقي بعد أن عزاه لابن عبد البر و أبي نعيم : سنده ضعيف .
( تنبيه ) و لا منافاة بين قول الحافظ هذا و بين حكمنا عليه بالوضع إذ أن
الموضوع من أنواع الحديث الضعيف كما هو مقرر في علم المصطلح .
و من أحاديث هذا الكذاب :
(1/93)
________________________________________
17 - " من أذنب و هو يضحك دخل النار و هو يبكي " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 71 ) :
موضوع .
أخرجه أبو نعيم أيضا ( 4 / 96 ) من طريق عمر بن أيوب حدثنا أبو إبراهيم
الترجمان حدثنا محمد بن زياد اليشكري بإسناده المتقدم .
و هو من الأحاديث التي سود بها السيوطي أيضا كتابه " الجامع الصغير " ! و قال
شارحه المناوي : و فيه عمر بن أيوب قال الذهبي : جرحه ابن حبان .
قلت : و عمر هذا الظاهر أنه المزني وهاه الدارقطني كما في " الميزان "
و " لسانه " فالحمل في الحديث على اليشكري أولى .
ثم رأيته في " الحلية ( 6 / 185 ) عن بكر بن عبد الله المزني من قوله و هو
الأشبه . و من أحاديث هذا الكذاب أيضا .
(1/94)
________________________________________
18 - " اتخذوا الحمام المقاصيص فإنها تلهي الجن عن صبيانكم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 72 ) :
موضوع .
أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 288 / 2 ) و الخطيب ( 5 / 279 ) و ابن عساكر
( 17 / 469 ) من طريق محمد بن زياد بإسناده السابق عن ابن عباس .
و هو من أحاديث " الجامع الصغير " أيضا ! و قد عزاه فيه للخطيب و الديلمي في
" مسند الفردوس " عن ابن عباس و ابن عدي عن أنس فتعقبه شارحه المناوي
بقوله : و قضيته أن مخرجه الخطيب خرجه ساكتا عليه و الأمر بخلافه ، فإنه عقبه
بنقله عن أحمد و ابن معين و غيرهما أن محمد بن زياد كان كذابا يضع الحديث
انتهى .
و قال ابن حجر : فيه محمد بن زياد اليشكري كذبوه ، و في " الميزان " كذاب وضاع
ثم أورد له هذا الخبر ، و ابن عدي رواه من حديث عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس بن
مالك قال في الميزان عن ابن حبان بعد ما ساق له هذا الخبر : يروي الموضوعات عن
الأثبات ، و من ثم حكم ابن الجوزي بوضعه و تبعه المؤلف في " مختصر الموضوعات "
ساكتا عليه ، و حكاه عنه في " الكبير " و أقره فكان ينبغي حذفه من هذا الكتاب
وفاء بشرطه .
و ممن جزم بوضعه ابن عراق و الهندي و غيرهما .
قلت : و منهم ابن القيم في " المنار " ( 39 ) .
و من أحاديث اليشكري الكذاب هذا :
(1/95)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
- " زينوا مجالس نسائكم بالمغزل " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 72 ) :
موضوع .
أخرجه ابن عدي ( 288 / 2 ) و الخطيب ( 5 / 380 ) عن اليشكري بسنده المتقدم عن
ابن عباس مرفوعا و قال ابن عدي :
اليشكري هذا بين الأمر في الضعفاء يروي عن ميمون أحاديث مناكير لا يرويها غيره
و لا يتابعه أحد من الثقات عليها .
و من طريق الخطيب أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 2 / 277 ) و أقره
السيوطي في " اللآليء " ( 2 / 179 ) . و نحو هذا الحديث :
(1/96)
________________________________________
20 - " زينوا موائدكم بالبقل فإنه مطردة للشيطان مع التسمية " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 73 ) :
موضوع .
أخرجه عبد الرحمن بن نصر الدمشقي في " الفوائد " ( 2 / 229 / 1 ) و ابن حبان في
" الضعفاء و المتروكين " ( 2 / 186 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان "
( 2 / 216 ) و غيرهما من طريق العلاء بن مسلمة عن إسماعيل ابن مغراء الكرماني
عن ابن عياش عن برد عن مكحول عن أبي أمامة مرفوعا .
قلت : و هذا موضوع ، و آفته العلاء هذا ، قال الذهبي في " الميزان " : قال
الأزدي : لا تحل الرواية عنه كان لا يبالي ما روى ، و قال ابن طاهر : كان يضع
الحديث ، و قال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ، و تمام كلام ابن حبان :
لا يحل الاحتجاج به بحال .
و الحديث مما شان به السيوطي " جامعه " فأورده من طريق ابن حبان في " الضعفاء "
و الديلمي في " مسند الفردوس " عن أبي أمامة ، و قال شارحه المناوي :
و فيه إسماعيل بن عياش مختلف فيه عن برد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء .
و رواه عنه أبو نعيم و عنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه له لكان أولى .
قلت : لقد أبعد الشارح النجعة فعلة الحديث ممن دون من ذكرهم كما عرفت ، و قد
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 2 / 298 ) من طريق ابن حبان عن العلاء بن
مسلمة به ، ثم قال ابن الجوزي : لا أصل له ، العلاء يضع ... و ذكر ما تقدم نقله
عن " الميزان " .
فتعقبه السيوطي في " اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " ( 2 / 12 )
بقوله : قلت : روى له الترمذي .
قلت : و هذا تعقب لا طائل تحته مع ثبوت جرح الرجل فرواية الترمذي عنه لا تعدله
و كم في رواته من مجروحين و متهمين كما لا يخفى على العارفين بتراجم رواة
الحديث .
ثم ساق له السيوطي في " اللآليء " طريقا أخرى من رواية واثلة بن الأسقع مرفوعا
و فيه الحسن بن شبيب المكتب ، قال الذهبي في " الميزان " :
هو آفة هذا الحديث قال فيه ابن عدي : حدث بالبواطيل عن الثقات و قد جزم
ابن القيم في " المنار " ( ص 32 ) بأن الحديث موضوع ، أورده في التنبيه على
أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا ، ثم قال ( ص 35 ) : و منها سماجة الحديث
و كونه مما يسخر منه .
ثم ذكر أحاديث هذا منها .
(1/97)
التعديل الأخير تم بواسطة ronya ; 26-10-2010 الساعة 06:05 PM
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
21 - " حسبي من سؤالي علمه بحالي " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 74 ) :
لا أصل له .
أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة و السلام ، و هو من الإسرائيليات و لا
أصل له في المرفوع ، و قد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيرا لضعفه
فقال : روي عن كعب الأحبار : " أن إبراهيم عليه الصلاة و السلام ... لما
رموا به في المنجنيق إلى النار استقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟
قال : أما إليك فلا ، قال جبريل : فسل ربك ، فقال إبراهيم : حسبي من سؤالي علمه
بحالي " .
و قد أخذ هذا المعنى بعض من صنف في الحكمة على طريقة الصوفية فقال : سؤالك منه
يعني الله الله تعالى اتهام له ، و هذه ضلالة كبري ! فهل كان الأنبياء
صلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة ؟ فهذا إبراهيم عليه
الصلاة و السلام يقول : *( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك
المحرم ، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم و ارزقهم من
الثمرات لعلهم يشكرون ، ربنا ... ) إلى آخر الآيات و كلها أدعية ، و أدعية
الأنبياء في الكتاب و السنة لا تكاد تحصى ، و القائل المشار إليه قد غفل عن كون
الدعاء الذي هو تضرع و التجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة بغض النظر عن ماهية
الحاجة المسؤولة ، و لهذا قال صلى الله عليه وسلم :" الدعاء هو العبادة ، ثم تلا قوله تعالى : *( و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن
الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )* " ذلك لأن الدعاء يظهر عبودية
العبد لربه و حاجته إليه و مسكنته بين يديه ، فمن رغب عن دعائه ، فكأنه رغب عن
عبادته سبحانه و تعالى ، فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به و الحض
عليه حتى قال صلى اله عليه وسلم: " من لا يدع الله يغضب عليه " .
أخرجه الحاكم ( 1 / 491 ) و صححه و وافقه الذهبي .
قلت : و هو حديث حسن ، و تجد بسط الكلام في تخريجه و تأكيد تحسينه و الرد علي
من زعم من إخواننا أنني صححته و غير ذلك من الفوائد في " السلسلة الأخرى "
( رقم 2654 ) .
و قالت عائشة رضي الله عنها :
" سلوا الله كل شيء حتى الشسع ، فإن الله عز وجل ، إن لم ييسره لم يتيسر " .
أخرجه ابن السني ( رقم 349 ) بسند حسن ، و له شاهد من حديث أنس عند الترمذي
( 4 / 292 ) و غيره و ضعفه و هو مخرج فيما سيأتي برقم ( 1362 ) .
و بالجملة فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه الصلاة و السلام لا يصدر من مسلم
يعرف منزلة الدعاء في الإسلام فكيف يصدر ممن سمانا المسلمين ؟ !
ثم وجدت الحديث قد أورده ابن عراق في " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار
الشنيعة الموضوعة " و قال ( 1 / 250 ) : قال ابن تيمية موضوع .
(1/98)
________________________________________
22 - " توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 76 ) :
لا أصل له .
و قد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة " . و مما لا شك
فيه أن جاهه صلى اله عليه وسلم و مقامه عند الله عظيم ، فقد
وصف الله تعالى موسى بقوله : *( و كان عند الله وجيها )* ، و من المعلوم أن
نبينا محمدا صلى اله عليه وسلم أفضل من موسى ، فهو بلا شك أوجه منه عند ربه
سبحانه و تعالى ، و لكن هذا شيء و التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلمشيء آخر ،
فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعضهم ، إذ أن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم
يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه ، و هذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل إذ
أنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها فلابد فيه من النقل
الصحيح الذي تقوم به الحجة ، و هذا مما لا سبيل إليه البتة ، فإن الأحاديث
الواردة في التوسل به صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين : صحيح و ضعيف ، أما
الصحيح فلا دليل فيه البتة على المدعى مثل توسلهم به صلى الله عليه وسلم في
الاستسقاء ، و توسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم فإنه توسل بدعائه صلى الله
عليه وسلم لا بجاهه و لا بذاته صلى الله عليه وسلم، و لما كان التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن كان بالتالي التوسل
به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته غير ممكن و غير جائز .
و مما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر توسلوا
بعمه صلى الله عليه وسلم العباس ، و لم يتوسلوا به صلى الله عليه وسلم، و ما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع و هو ما ذكرناه من التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم و لذلك توسلوا بعده صلى الله عليه وسلم بدعاء عمه لأنه ممكن
و مشروع ، و كذلك لم ينقل أن أحدا من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى ، ذلك لأن
السر ليس في قول الأعمى : ( اللهم إنى أسألك و أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ) .
و إنما السر الأكبر في دعائه صلى الله عليه وسلم له كما يقتضيه وعده صلى الله
عليه وسلم إياه بالدعاء له ، و يشعر به قوله في دعائه " اللهم فشفعه في " أي
اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في " و شفعني فيه " أي اقبل شفاعتي أي
دعائي في قبول دعائه صلى الله عليه وسلم في ، فموضوع الحديث كله يدور حول
الدعاء كما يتضح للقاريء الكريم بهذا الشرح الموجز ، فلا علاقة للحديث بالتوسل
المبتدع ، و لهذه أنكره الإمام أبو حنيفة فقال :
أكره أن يسأل الله إلا بالله ، كما في " الدر المختار " و غيره من كتب الحنفية
.
و أما قول الكوثري في مقالاته ( ص 381 ) :
و توسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أوائل " تاريخ الخطيب " بسند صحيح
فمن مبالغاته بل مغالطاته فإنه يشير بذلك إلى ما أخرجه الخطيب ( 1 / 123 ) من
طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال : نبأنا علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي
يقول : إنى لأتبرك بأبي حنيفة و أجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائرا - فإذا
عرضت لي حاجة صليت ركعتين و جئت إلى قبره ، و سألت الله تعالى الحاجة عنده ،
فما تبعد عني حتى تقضى .
فهذه رواية ضعيفة بل باطلة فإن عمر بن إسحاق بن إبراهيم غير معروف و ليس له ذكر
في شيء من كتب الرجال ، و يحتمل أن يكون هو عمرو - بفتح العين - بن إسحاق بن
إبراهيم بن حميد بن السكن أبو محمد التونسى و قد ترجمه الخطيب ( 12 / 226 )
و ذكر أنه بخاري قدم بغداد حاجا سنة ( 341 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا
فهو مجهول الحال ، و يبعد أن يكون هو هذا إذ أن وفاة شيخه علي بن ميمون سنة
( 247 ) على أكثر الأقوال ، فبين وفاتيهما نحو مائة سنة فيبعد أن يكون قد أدركه
.
و على كل حال فهي رواية ضعيفة لا يقوم على صحتها دليل و قد ذكر شيخ الإسلام في
" اقتضاء الصراط المستقيم " معنى هذه الرواية ثم أثبت بطلانها فقال ( ص 165 ) :
هذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل ، فالشافعي لما قدم بغداد
لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة ، بل و لم يكن هذا على عهد الشافعي
معروفا ، و قد رأى الشافعي بالحجاز و اليمن و الشام و العراق و مصر من قبور
الأنبياء و الصحابة و التابعين من كان أصحابها عنده و عند المسلمين أفضل من
أبي حنيفة و أمثاله من العلماء ، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده ؟ ! ثم
( إن ) أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف و محمد و زفر و الحسن بن
زياد و طبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند أبي حنيفة و لا غيره ، ثم قد
تقدم عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية
الفتنة بها ، و إنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه و دينه ، و إما أن يكون
المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف .
و أما القسم الثاني من أحاديث التوسل فهي أحاديث ضعيفة تدل بظاهرها على التوسل
المبتدع ، فيحسن بهذه المناسبة التحذير منها و التنبيه عليها فمنها :
(1/99)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
-
23 - " الله الذي يحيي و يميت و هو حي لا يموت ، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد و لقنها
حجتها و وسع عليها مدخلها ، بحق نبيك و الأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم
الراحمين ... " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 79 ) :
ضعيف .
رواه الطبراني في " الكبير " ( 24 / 351 ـ 352 ) و " الأوسط " ( 1 / 152 ـ 153
ـ الرياض ) ، و من طريقه أبو نعيم في " حلية الأولياء " ( 3 / 121 ) : حدثنا
أحمد بن حماد بن زغبة قال روح بن صلاح قال : حدثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول
و من طريقه أبو نعيم في " حلية الأولياء " ( 3 / 121 ) عن أنس بن مالك
قال : لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما ... دعا أسامه بن
زيد و أبا أيوب الأنصاري و عمر بن الخطاب و غلاما أسود يحفرون ... فلما فرغ ،
دخل رسول اللهصلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه فقال ... فذكره ، و قال
الطبراني : تفرد به روح بن صلاح .
قلت : قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 9 / 257 ) : و فيه روح بن صلاح وثقه
ابن حبان و الحاكم و فيه ضعف ، و بقية رجاله رجال الصحيح .
و في قوله : و بقية رجاله رجال الصحيح نظر رجيح ، ذلك لأن زغبة هذا ليس من رجال
الصحيح ، بل لم يرو له إلا النسائي ، أقول هذا مع العلم أنه في نفسه ثقة .
بقي النظر في حال روح بن صلاح و قد تفرد به كما قال الطبراني ، فقد وثقه ابن
حبان و الحاكم كما ذكر الهيثمي ، و لكن قد ضعفه من قولهم أرجح من قولهما
لأمرين : الأول : أنه جرح و الجرح مقدم على التعديل بشرطه .
و الآخر : أن ابن حبان متساهل في التوثيق فإنه كثيرا ما يوثق المجهولين حتى
الذين يصرح هو نفسه أنه لا يدري من هو و لا من أبوه ؟ كما نقل ذلك ابن
عبد الهادي في " الصارم المنكي " و مثله في التساهل الحاكم كما لا يخفى على
المتضلع بعلم التراجم و الرجال فقولهما عند التعارض لا يقام له وزن حتى و لو
كان الجرح مبهما لم يذكر له سبب ، فكيف مع بيانه كما هو الحال في ابن صلاح
هذا ؟ ! فقد ضعفه ابن عدي ( 3 / 1005 ) ، و قال ابن يونس : رويت عنه مناكير ،
و قال الدارقطني : ضعيف في الحديث ، و قال ابن ماكولا : ضعفوه ، و قال ابن عدي
بعد أن خرج له حديثين : و في بعض حديثه نكرة .
فأنت ترى أئمة الجرح قد اتفقت عباراتهم على تضعيف هذا الرجل ، و بينوا أن السبب
روايته المناكير ، فمثله إذا تفرد بالحديث يكون منكرا لا يحتج به ، فلا يغتر
بعد هذا بتوثيق من سبق ذكره إلا جاهل أو مغرض .
و مما تقدم يتبين للمنصف أن الشيخ زاهدا الكوثري ما أنصف العلم حين تكلم على
هذا الحديث محاولا تقويته حيث اقتصر على ذكر التوثيق السابق في روح بن صلاح دون
أن يشير أقل إشارة إلى أن هناك تضعيفا له ممن هم أكثر و أوثق ممن وثقه ! انظر
( ص 379 ) من " مقالات الكوثرى " نفسه !
و من عجيب أمر هذا الرجل أنه مع سعة علمه يغلب عليه الهوي و التعصب للمذهب ضد
أنصار السنة و أتباع الحديث الذين يرميهم ظلما بالحشوية فتراه هنا يميل إلى
تقوية هذا الحديث معتمدا على توثيق ابن حبان ما دام هذا الحديث يعارض ما عليه
أنصار السنة !
فإذا كان الحديث عليه لا له فتراه يرده و إن كان ابن حبان صححه أو وثق رواته !
فانظر إليه مثلا يقول في حديث مضيه صلى الله عليه وسلم في صلاته بعد خلع النعل
النجسة و قد أخرجه ابن حبان و الحاكم في " صحيحيهما " قال :
و تساهل الحاكم و ابن حبان في التصحيح مشهور ! ! ( انظر ص 185 ) من
" مقالاته " .
و الحديث صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " و إعلاله بتساهل المذكورين تدليس
خبيث ، لأنه ليس فيه من لم يوثقه غيرهما ، بل رجاله كلهم رجال مسلم .
و انظر إليه في كلامه على حديث الأوعال و تضعيفه إياه و هو في ذلك مصيب تراه
يعتمد في ذلك على أن راويه عبد الله بن عميرة مجهول ، ثم يستدرك في التعليق
فيقول ( ص 309 ) : نعم ذكره ابن حبان في الثقات ، لكن طريقته في ذلك أن يذكر في
الثقات من لم يطلع على جرح فيه ، فلا يخرجه ذلك عن حد الجهالة عند الآخرين ،
و قد رد ابن حجر شذوذ ابن حبان هذا في " لسان الميزان " .
قلت : فقد ثبت بهذه النقول عن الكوثري أن من مذهبه عدم الاعتماد على توثيق ابن
حبان و الحاكم لتساهلهما في ذلك ، فكيف ساغ له أن يصحح الحديث الذي نحن في صدد
الكلام عليه لمجرد توثيقهما لراويه روح بن صلاح ، و لاسيما أنه قد صرح غيرهما
ممن هو أعلم منهما بالرجال بتضعيفه ؟ ! اللهم لولا العصبية المذهبية لم يقع في
مثل هذه الخطيئة ، فلا تجعل اللهم تعصبنا إلا للحق حيثما كان .
و من الأحاديث الضعيفة في التوسل و هي في الوقت نفسه تدل على تعصب الكوثري
الحديث الآتي :
(1/100)
________________________________________
24 - " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ،
و أسألك بحق ممشاي هذا ، فإني لم أخرج أشرا و لا بطرا ... أقبل الله عليه بوجهه
و استغفر له ألف ملك " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 82 ) :
ضعيف .
أخرجه ابن ماجه ( 1 / 261 - 262 ) و أحمد ( 3 / 21 ) و البغوي في " حديث علي بن
الجعد " ( 9 / 93 / 3 ) و ابن السني ( رقم 83 ) من طريق فضيل بن مرزوق عن عطية
العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به .
و هذا سند ضعيف من وجهين ، الأول : فضيل بن مرزوق وثقه جماعة و ضعفه آخرون ،
و قول الكوثري في بعض " مقالاته " ( 393 ) : و قال أبو حاتم : ضعيف الحديث ،
و لم يضعفه سواه و جرحه غير مفسر ، بل وثقه البستي .
فيه أخطاء مكشوفة :
أولا : قوله لم يضعفه غير أبي حاتم ، فإنه باطل ، و ما أظن هذا يخفى على
مثله ، فإن في ترجمته من " التهذيب " بعد أن حكى أقوال الموثقين له ما نصه :
و قال ابن أبي حاتم عن أبيه : صالح الحديث صدوق يهم كثيرا يكتب حديثه .
قلت : يحتج به ؟ قال : لا .
و قال النسائي : ضعيف ... قال مسعود عن الحاكم : ليس هو من شرط الصحيح .
و قد عيب على مسلم إخراجه لحديثه ، قال ابن حبان في الثقات : يخطيء ، و قال في
" الضعفاء " : كان يخطيء على الثقات و يروي عن عطية الموضوعات .
فأنت ترى أنه قد ضعفه مع أبي حاتم النسائي و الحاكم و ابن حبان مع أنهما من
المتساهلين في التوثيق كما تقدم .
ثانيا : قوله : و جرحه غير مفسر .
فهذا غير مسلم به ، بل هو مفسر في نفس كلام أبي حاتم الذي نقلته ، و هو قوله :
يهم كثيرا ، و قد اعتمد الحافظ ابن حجر هذا القول فقال في ترجمته : صدوق يهم ،
فمن كان يهم في حديثه كثيرا ، فلا شك أنه لا يحتج به كما هو مقرر في محله من
علم المصطلح .
ثالثا : قوله : بل وثقه البستي .
قلت : البستي هو ابن حبان ، و إنما عدل الكوثري عن التصريح باسم ( ابن حبان )
إلى ذكر نسبته ( البستي ) تدليسا و تمويها ، و قد علمت أن ابن حبان كان له فيه
قولان ، فمرة أورده في " الثقات " ( 7 / 316 ) و أخرى في " الضعفاء " ( 2 / 209
) و الاعتماد على هذا أولى من الأول ، لأنه بين فيه سبب ضعفه ، فهو جرح مفسر
يقدم على التعديل كما تقرر في المصطلح أيضا .
الوجه الثاني في تضعيف الحديث : أنه من رواية عطية العوفي ، و هو ضعيف أيضا .
قال الحافظ في " التقريب " : صدوق يخطيء كثيرا كان شيعيا مدلسا ، فهذا جرح مفسر
يقدم على قول من وثقه مع أنهم قلة ، و قد خالفوا جمهور الأئمة الذين ضعفوه
و تجد أقوالهم في " تهذيب التهذيب " و عبارة الحافظ التي نقلتها عن " التقريب "
هي خلاصة هذه الأقوال كما لا يخفى على البصير بهذا العلم فلا نطيل الكلام
بذكرها ، و لهذا جزم الذهبي في " الميزان " بأنه ضعيف .
أما تدليسه فلابد من بيانه ها هنا لأن به تزول شبهة يأتي حكايتها ، فقال ابن
حبان في " الضعفاء " ما نصه : سمع من أبي سعيد أحاديث فلما مات جعل يجالس
الكلبي يحضر بصفته ، فإذا قال الكلبي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ،فيحفظه ، و كناه أبا سعيد و يروي عنه ، فإذا قيل له : من حدثك هذا ؟ فيقول :
حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري ، و إنما أراد الكلبي !
قال : لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب .
فهل تدري أيها القاريء الكريم ما كان موقف الشيخ الكوثري تجاه تلك الأقوال
المشار إليها في تضعيف الرجل ؟ إنه لم يشر إليها أدنى إشارة و اكتفى بذكر أقوال
القلة الذين وثقوه ، الأمر الذي ينكره على خصومه ( انظر ص 392 من " مقالاته "
و ليته وقف عند هذا ، بل إنه أوهم أن سبب تضعيفه أمر لا يصلح أن يكون جرحا فقال
( ص 394 ) : و عطية جرح بالتشيع ، لكن حسن له الترمذي عدة أحاديث .
و قصده من هذا إفساح المجال لتقديم أقوال الموثقين بإيهام أن المضعفين إنما
ضعفوه بسبب تشيعه ، و هو سبب غير جارح عند المحققين ، مع أن السبب في الحقيقة
إنما هو خطأه كثيرا كما تقدم في كلام الحافظ ابن حجر ، فانظر كم يبعد التعصب
بصاحبه عن الإنصاف و الحق !
و أما تحسين الترمذي له فلا حجة فيه بعد قيام المانع من تحسين الحديث ،
و الترمذي متساهل في التصحيح و التحسين ، و هذا شيء لا يخفى على الشيخ -
عفا الله عنا و عنه - فقد نقل هو نفسه في كلامه على حديث الأوعال الذي سبقت
الإشارة إليه عن ابن دحية إنه قال : كم حسن الترمذي من أحاديث موضوعة و أسانيد
واهية ؟ ! و عن الذهبي أنه قال : لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي ( انظر ص
311 من " مقالات الكوثرى " ) .
فانظر كيف يجعل كلام الرجل في موضع حجة ، و في آخر غير حجة ! !
ثم أجاب عن شبهة التدليس بقوله : و بعد التصريح بالخدري لا يبقى احتمال التدليس
و لاسيما مع المتابعة .
يعني أن عطية قد صرح بأن أبا سعيد في هذا الحديث هو الخدري ، فاندفعت شبهة كونه
هو الكلبي الكذاب .
قلت : و هذا دفع هزيل ، فالشبهة لا تزال قائمة ، لأن ابن حبان صرح كما تقدم
نقله عنه أن عطية لما كان يحدث عن الكلبي و يكنيه بأبي سعيد كان الذين يسمعون
الحديث عنه يتوهمون أنه يريد الخدري ، فمن أين للشيخ الكوثري أن التصريح
بالخدري إنما هو من عطية و ليس من توهم الراوي عنه أو من وهمه فقد علمت أنه كان
سيء الحفظ ؟ ! هذان احتمالان لا سبيل إلى ردهما و بذلك تبقى شبهة التدليس قائمة
.
و أما المتابعة التي أشار إليها فهي ما فسره بقوله قبل : و لم ينفرد عطية عن
الخدري ، بل تابعه أبو الصديق عنه في رواية عبد الحكم بن ذكوان ، و هو ثقة عند
ابن حبان ، و إن أعله به أبو الفرج في علله .
قلت : لقد عاد الشيخ إلى الاعتداد بتوثيق ابن حبان مع اعترافه بشذوذه في ذلك
كما سبق النقل عنه ، هذا مع قول ابن معين في ابن ذكوان هذا : لا أعرفه ، فإذا
لم يعرفه أمام الجرح و التعديل ، فأنى لابن حبان أن يعرفه ؟ !
فتبين أن لا قيمة لهذا المتابع لجهالة الراوي عنه ، فإعلال أبي الفرج للحديث به
حق لا غبار عليه عند من ينصف !
ثم بدا لي وجه ثالث في تضعيف الحديث و هو اضطراب عطية أو ابن مرزوق في روايته
حيث أنه رواه تارة مرفوعا كما تقدم ، و أخرى موقوفا على أبي سعيد كما رواه ابن
أبي شيبة في " المصنف " ( 12 / 110 / 1 ) عن ابن مرزوق به موقوفا ، و في رواية
البغوي من طريق فضيل قال : أحسبه قد رفعه ، و قال ابن أبي حاتم في " العلل "
( 2 / 184 ) : موقوف أشبه .
ثم إن الشيخ حاول أن يشد من عضد الحديث بأن أوجد له طريقا أخرى فقال : و أخرج
ابن السني في عمل " اليوم و الليلة " بسند فيه الوازع عن بلال ، ( كذا ) و ليس
فيه عطية و لا ابن مرزوق .
قلت : و لم يزد الشيخ على هذا فلم يبين ما حال هذا الوازع و هل هو ممن يصلح أن
يستشهد به ، أو هل عنده وازع يمنعه من رواية الكذب ؟ و لو أنه بين ذلك لظهر لكل
ذي عينين أن روايته لهذا الحديث و عدمها سواء ، ذلك لأنه ضعيف بمرة عند أئمة
الحديث بلا خلاف عندهم ، حتى قال أبو حاتم : ضعيف الحديث جدا ليس بشىء ، و قال
لابنه : اضرب على أحاديثه فإنها منكرة .
بل قال الحاكم - على تساهله - : روى أحاديث موضوعة ! و كذا قال غيره ، و هو
الوازع بن نافع العقيلي .
فمن كان هذا حاله في الرواية لا يعتضد بحديثه و لا كرامة حتى عند الشيخ نفسه
فاسمع إن شئت كلامه في ذلك ( ص 39 ) من " مقالاته " : إن تعدد الطرق إنما يرفع
الحديث إلى مرتبة الحسن لغيره إذا كان الضعف في الرواة من جهة الحفظ و الضبط
فقط ، لا من ناحية تهمة الكذب ، فإن كثرة الطرق لا تفيد شيئا إذ ذاك .
و من هنا يتبين للقاريء اللبيب لم سكت الشيخ عن بيان حال الوازع هذا !
و جملة القول أن هذا الحديث ضعيف من طريقيه و أحدهما أشد ضعفا من الآخر ، و قد
ضعفه البوصيرى و المنذري و غيرهما من الأئمة ، و من حسنه فقد وهم أو تساهل ،
و قد تكلمت على حديث بلال هذا ، و كشفت عن تدليس الكوثري فيما سيأتي ( 6252 )
و من الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة في التوسل :
(1/101)
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة ابوغسان في المنتدى فى ظل أية وحديث
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 02-03-2012, 07:50 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 25-07-2010, 07:10 PM
-
بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 12-06-2010, 02:00 AM
-
بواسطة عادل محمد في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 07-07-2008, 06:33 PM
-
بواسطة sonia في المنتدى فى ظل أية وحديث
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 25-06-2006, 07:42 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات