وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ
מַחֲמַדִּ
שִׁילֹה
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
קְרָא
مقدمة
[وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ]الشعراء: 196
محمد מַחֲמַדִּصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هذه الدراسة أكتبها في حب الله سبحانه وتعالى إنطلاقاً من محبتي لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإتّباعه..
يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )آل عمران: 31
ومن ثم فإنه يتعين علينا معرفة قَدْرُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
1.إن المدقق في قوله تعالى: [ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ]الفتح: 29
يجد أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لقريش بكل بساطة: [مُحَمَّدٌ] ـ الذي تعرفونه ـ[رَسُولُ اللَّهِ].
مُحَمَدٌ.. ماذا يعنى هذا الاسم؟..
إنه صيغة مبالغة من محمود والتي هي على وزن مفعول وهي صيغة مبالغة من الحمد فلو أننا قلنا فلان ( مُحَمَد ) كان معنى ذلك أن الحمد وقع عليه من غيره
وهذا مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأحزاب: [ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا]الأحزاب: 56
ولو تتبعنا اسمه الشريف أحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوجدناه مشتق من أفعل تفضيل لـ( حامد ).
فحامد على وزن فاعل أي أن الحمد وقع منه هو..
فلو قلنا أحمد ( أفعل تفضيل ) وهو أسلوب تفضيل بصيغة التعجب.. أي أن الحمد قد وقع منه هو فهو أكثرهم حمداً لله تعالى.
يقول سبحانه وتعالى: [ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا
جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ] الصف: 6
والمتأمل في خطاب الله سبحانه وتعالى لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نجده عز وجل يأمره بقوله جلّ علاه:
[ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *]الأنعام: 162 - 163
ولو دققنا في قوله تعالى:
[ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ]الزخرف: 81..
نجد أن آيتي الأنعام والزخرف تنفيان ألوهية السيد المسيح.. وتثبتان عظمة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..كيف؟..
هذا ما سوف أحاول الإجابة عنه في الكلمات القليلة التالية..
ففي هذه الآية الكريمة تكريم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونفي لإلوهية المسيح عليه السلام ، لأن الله سبحانه وتعالى قال:
[ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ]الزمر: 4
ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول العابدين فهو المصطفى عند الله سبحانه وتعالى مما خلق جلّ علاه، وعليه فلو أراد الله سبحانه وتعالى أن يتخذ ولداً لاتخذ المصطفى
من خلقه وهو محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كما أن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه الريادة عند كافة الأنبياء والمرسلين فأشهدهم على ذلك بأمر خاص بهم وذلك في عالم الذر بعد أن أخذ الميثاق
على كافة خلقه في اليوم المعروف " بـ
[ أَلَسْتُ ] حيث يقول سبحانه وتعالى:
[ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ]الأعراف: 172
وبعد ذلك أفرد أنبياءه ورسله بحديث خاص بهم وأخذ الميثاق عليهم بنصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ
مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ]آل عمران: 81
وفي هذا إعلاء لشأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإشهار لمنزلته عند الله سبحانه وتعالى.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عن وغيره من السلف : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ،
وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته : لئن بُعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه .
قال ابن تيمية : فدل ذلك على أنه من أدرك محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنبياء وأتباعهم وإن كان معه كتاب وحكمة
فعليه أن يؤمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينصره .
وبعد ذلك نجد أن هذا النبي ذي القدر العظيم أخبرنا سبحانه وتعالى أنه عبداً له :
[ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ] الإسراء: 1
فإذا انتفت الإلوهية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن باب أولى نفيها عن السيد المسيح عليه والسلام،
وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: [ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ]البقرة: 116.
ويقول سبحانه وتعالى:( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا *لَقَدْجِئْتُمْ شَيْئًاإِدًّا * تَكَادُالسَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّالْجِبَالُ هَدًّا *
أَنْ دَعَوْالِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَايَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّاآَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا *
لَقَدْأَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا *) مريم: 88 – 95..
صَلَّى اللَّهُ عَلَى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2. دققوا معي في قوله تبارك وتعالى: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى *
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى *
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )الضحى1: - 11
مفهوم الضلال في الآية الكريمة ومعناه
إن كلمة الضلال في اللغة لهي من المشترك اللفظي..
فما هو مفهوم المشترك اللفظي في القرآن الكريم؟..
المشترك اللفظي يطلق على تسمية الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، أو بتعبير الإمام السيوطي هو:
اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة..
وقد اختلف أهل اللغة في أمره، فمنهم من قال بوقوعه في اللغة كالأصمعي والخليل بن أحمد وسيبويه وابن فارس وابن قتيبة وأبي عبيدة وغيرهم،
وأفردوا مؤلفات خاصة سردوا له فيها أمثلة كثيرة، وهو عندهم سمة إيجابية ودليل على ثراء اللغة وطواعيتها ومرونتها واتساعها في التعبير..
والقرآن الكريم باعتباره كتاب الله عز وجل المنزل باللغة العربية، وعلى عادة العرب وطرائقهم في التعبير.. قد ورد فيه طائفة من الألفاظ المشتركة
عني بجمعها وتصنيفها مجموعة من العلماء. وكان ذلك سببا من أسباب اختلاف المفسرين والفقهاء وعلماء الأصول في تأويل كثير من النصوص القرآنية،
وقد أدى هذا الأمر إلى الاختلاف في الاستنباط وتقرير كثير من الأحكام الفقهية.
لذلك حظيت هذه الظاهرة، أي ظاهرة وجود المشترك اللفظي في القرآن الكريم بعناية كبيرة من لدن المتقدمين، وعرفت باسم الوجوه والنظائر في القرآن الكريم،
قال الزركشي: (فالوجوه اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان، كلفظ «الأمَّة»، والنظائر كالألفاظ المتواطئة).
بل الأكثر من ذلك أن الإمام السيوطي عد وجود الألفاظ المشتركة في القرآن الكريم من أعظم مظاهر إعجازه (حيث كانت الكلمة الواحدة تتصرف إلى عشرين
وجها وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك فـي كـلام البشر).
وكأنه يشير بذلك إلى قابلية اللفظ القرآني وقدرته على تحمل معاني متعددة. فهو إذن وسيلة من وسائل التوسع في التعبير عند العرب،
وسبب من أسباب توفير معاني القرآن الكريم، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى تعامل بعض العلماء مع هذه القضية.
و لفظ الضلال يطلق فيالقرآن، وفي اللغة العربية على إطلاقات عدة..
فيطلق الضلال مرادًا به الذهاب عن حقيقة الشيء، حيث تقول العربفي كل من ذهب عن علم حقيقة شيء ضلّ عنه،
وهذا الضلال ذهاب عن علم شيء ما، وليس منالضلال في الدين.
ومن هذا المعنى قولهتعالى: ( وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ ) ، أي: من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم،والأسرار التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي، لأني في ذلك الوقت لم يوحَ إليّ .
ومن هذا المعنى قوله تعالىٰ: (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّى في كِتَابٍلاَّ يَضِلُّ رَبّى وَلاَ يَنسَى) .
فقوله: ( لاَّ يَضِلُّ رَبّى )، أي: لا يذهب عنه علم شيء كائنًا ما كان .
وقد يطلق وهو المشهور في اللغة، وفي القرءان على الذهاب عن طريق الإيمان إلى الكفر،وعن طريق الحقّ إلى الباطل،وعن طريق الجنّة إلى النار،
ومنه قوله تعالىٰ: ( غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ).
وقد يطلق على الغيبوبة والاضمحلال،تقول العرب: ضلّ الشيء إذا غاب واضمحلّ، ومنه قولهم: ضلّ السمن في الطعام، إذا غاب فيه واضمحلّ،
ولأجل هذا سمّت العرب الدفن في القبر إضلالاً؛ لأن المدفون تأكله الأرض فيغيب فيها ويضمحلّ.
ومن هذا المعنى قوله تعالىٰ: ( وَقَالُواْ أَءذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلاْرْضِ ) ، يعنون: إذا دفنوا وأكلتهم الأرض، فضلوا فيها، أي: غابوا فيها واضمحلّوا ..
وقد ردت الكلمة بمشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من ( 375 ) مرة
ويمكن إجمالها من كلام المفسرين فيما يلي :
1 ـ من معاني الضلال : التيه والانحراف : مثال هذا المعنى قوله تعالى في سورة المائدة " .. وأضلّوا كثيراً ، وضلوا عن سواء السبيل " ،
فقدانحرفوا وأمالوا عن الحق كثيراً من أتباعهم ومن وثق بهم . وفي سورة السجدة ينفي الله تعالى الغواية والانحراف عن نبيه الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
والنجم إذا هوى؛ ما ضل صاحبكم وما غوى " ..
2 ـ وتعني كلمة الضلال بمعنى الوقوع في المتاهة والخطأ ،كقوله تعالى ينعى على الكفار تخبطهم في حديثهم مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ومحاولة تيئيسه من الدعوة ، والتضييق عليه ليتركها ، فوقعوا في أخطاء كبيرة : " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا ، فلا يستطيعون سبيلاً " .
3ـ ومن معاني الضلال الخسران وإبطال الثواب : ومن أمثلة ذلك المعنى قوله تعالى في سورة سيدنا محمد "
والذين كفروا فتعساً لهم ، وأضل أعمالهم " فالكافر ليس له في الآخرة نصيب ، وكل عمل لا يقوم على أساس الإيمان ليس لصاحبه خلاق في الأمن والنجاح يوم القيامة ،
وأضل أعمالهم ، أحبطها فخسروها .
وعلى هذا نرى في قوله تعالى في السورة نفسها : " والذين قتلوا في سبيل الله فلن يُضل أعمالهم ، سيهديهم ويصلح بالهم ..
" فقوله : لن يضل أعمالهم : لن يحبطها ، ولن يبطل ثوابها ، بل يصلح بالهم فيزيدهم من فضله وكرمه .
ومثال ذلك قوله تعالى في سورة غافر " وما كيد الكافرين إلا في ضلال " وقوله سبحانه في السورة نفسها " ومادعاء الكافرين إلا في ضلال "
فمكر الكافر وكيده في الدنيا عليه وليس له ، ودعاؤه في الآخرة لا يُقبل ، إنه لا ينجو هناك إلا المؤمن الموحّد.
4ـ ويأتي الضلال بمعنى الغفلة والجهل بالشيء ، فقد كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الرسالة يبحث عن الحقيقة ، فهداه الله إليها بعدغفلة عنها وجهل بها ،
هذا ما نجده في قوله تعالى في سورة الضحى " ووجدك ضالاًّ فهدى " ، يوضحها قوله تعالى : " وإن كنت من قبله لمن الغافلين ؟ " فالضلال هنا الجهل بالشيء والغفلة عنه .
ولما اتهم فرعون سيدناموسى بالكفر حين قتل القبطي ، فقال له " وفعلت فَعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين " رد عليه موسى نافياً الكفر
ومثبتاً الجهل والغفلة إذ ذاك " فعلتها إذاً وأنا من الضالين " لم يكن رسولاً بعد ، وكان غافلاً عن أمر الرسالة .
5 ـ وقد يأتي الضلال بمعنى الهلاك . مثال ذلك قوله تعالى " إن المجرمين في ضلال وسُعُر" قال القرطبي إن الضلال هنا الهلاك لمساوقته كلمة " سُعُر "
وفي قوله تعالى في سورةالإسراء ، وقد جاءت الآية نفسها دون تغيير في سورة يونس " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها "
ومعنى يضل عليها يهلكها ، ويدخلها عذاب جهنم .
وفي قوله تعالى في سورةالنساء " يبين الله لكم أن تضلوا " نجد معنى الهلاك واضحاً . فمن لم يتبع البينةويعمل بها هلك . وكذلك في قوله تعالى " ...
ضل سعيهم في الحياة الدنيا " فخاب وهلك .
6ـ قلت:
والضلال هو آخر مراتب الحب ..فالحب أوله العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب ثم الصبابة لانصباب القلب إليه ثم الغرام وهو الحب الملازم للقلب ثم العشق وآخرها الضلال.
الحب إحساس داخلي جاهز فطري في داخلنا ينمو إذا واتته الظروف..وهو ينمو دائماً من الداخل .. والحب هو تعلق روح بروح ،
واشتباك نفس بنفس ، دون النظر إلى جمال جسد ، أو حسن مظهر.
والحب هو عمى العاشق عن عيوب المعشوق.والضلال هو كل ما سبق من مراتب الحب..
ففي قوله تعالىٰ عن أولاد يعقوب عليه السلام: (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلٰلٍ مُّبِينٍ) ،وقوله: (قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ)،على التحقيق في ذلك كلّه ،
ولا يفهم من هذا كله أن أولاده ينعتونه بالضلال المتعارف عليه وهوالضلال في الدين ; إذ لو أرادوا ذلك لكانوا كفارا..
ووصف النسوة لامرأة العزيز بقولهم: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) يوسف: 30
فلقد اجتمعت كل معاني الحب في قلبها وقالبها الأمر الذي جعل النسوة يقولون ما قد قالوه..
ومن هذا المعنى قول الشاعر: وتظنّ سلمى أنني أبغي بها...بدلاً أراها في الضلال تهيم
وحينما تناول المفسرون قوله تعالى واصفا نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)..قالوا كلاما لا يقنع ويسيء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحب أن اذكر ما قالوا هنا..
ولكنني أقول بخلاف قولهم فقوله الله تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)..أي وجدك مضلولاً عنك فهدى الخلق إلى الإقرار بنبوتك والاعتراف بصدقك..
وعليه فوجدك ضالا بمعنى مضلول كما قيل ماء دافق بمعنى مدفوق، وسر كاتم بمعنى كتوم..
ومع ذلك فالمدقق في الآيات وفروعها يجد معنى أعمق من ذلك بكثير..
أقول(كاتب المقال زهدي):
قال تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)..يتفرع منهقوله : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)
فكان يتيما فآواه ومرتب عليه .. لا تقهر اليتيم
قال تعالى : (وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى)..يتفرع منه قوله : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاتَنْهَرْ)
وكان عائلا فأغناهومرتب عليه.. لا تنهر السائل
قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)..يتفرع منه قوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
فهل مرتب على من كان ضالا ..أن يحدث بنعمة ربه على ضلاله..مستحيل؟؟!!..إلا إذا كان المعنى بخلاف ذلك..
فالمعنى الذي أرتاح إليه هو أن الله سبحانه وتعالى وجدك يا محمد محباً له سبحانه وتعالى تبحث عن بُرهان ودليل على الوحدانيّة.. فهداك إليه..
فجعلك رسولا نبيّا..وتلك نعمة أيما نعمة.. (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)..فكان مُنذ صِغره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(حنيفا) .. مِثل أبيه إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذه الدراسة التي بين يديك هي مستلة من دراسة كبرى كانت عبارة عن مناظرة دارت بيني وبين الدكتور القس ميشيل حنا يعقوب سوري الجنسية
ومطران الكنيسة الإنجيلية بسلطنة عمان في 10 فبراير 1996.
وكان الحديث الدائر بيننا حول النبوءات الواردة في التوراة والإنجيل وكيف أننا نؤولها على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا – من وجهة نظره –
وذلك خطأ في التصور والاعتقاد لأنه طالما وأن الأمر يحتاج إلى تأويل فمعنى ذلك أن التأويل قد ينصرف إلى الغير..
ولكن القرءان الكريم يذكر بصريح العبارة صفة النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا وهي الأمية..فحينما يقول سبحانه وتعالى:
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)الأعراف:157
وهو القائل سبحانه وتعالى:
[ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ * أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ] الشعراء:196 ــ 197.
أي أن الصفة المنصوص عنها في القرءان الكريم هي صفة الأمية وليس اسمه كما يتوهم البعض..
وطالما أن الله سبحانه وتعالى قال بعد صفة الأمية الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)..إذن لابد وأن يكون موجوداً في الكتاب الذي بين أيديهم..
وأن هذا الذكر ورد في زُبُرِ الْأَوَّلِينَ..وها هو الكتاب..فأين صفة الأمية للنبي المنتظر؟..
وكان السؤال الثاني هو:
هل عرفت الجزيرة العربية اسم محمد قبل نبيكم؟..فإذا كانت الإجابة بنعم..فلماذا لا يكون أحدهم هو رسول الله إذا كنتم تعولون البشارات على اسم محمد؟..
كان هذا هو سؤاله المباشر لي..لقد قال ما قال وأنهى النقاش بهذا الخصوص..
والواقع أنني لم أكن مستعداً لهذا السؤال المباغت..وبحثت وبحثت وتعلمت العبرية وتوصلت للإجابة وبعثت بها إليه في مجلد تعدت صفحاته ال250 صفحة..
صورة للدراسة التي تم إرسالها له
والواقع أن القس كان محقاً في كلامه..
فطالما أن الله سبحانه وتعالى قال بعد صفة الأمية الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)..إذن لابد وأن يكون موجوداً في الكتاب الذي بين أيديهم..
وها هو الكتاب..فأين صفة الأمية للنبي المنتظر؟..في الواقع لقد قابلتني صعوبات كثيرة للإجابة عن هذا السؤال..لماذا؟..
لأنه يتعين عند الإجابة عن هذا السؤال يجب معرفة منهجي عند الكتابة..
فلم تكن تقنية الانترنت قد ظهرت بعد..وبالتالي لم يكن للكمبيوتر أي وجود أو معرفة في المجال العام مثل ما هو موجود الآن..
وبالتالي كانت المعارف مقصورة على الكتب والمراجع فقط..
كنت اكتب ردي فإذا ما اقتضى الأمر الاستشهاد بنص ما من مرجع ما..لا أقوم بإحالته لذلك المرجع مكتفياً بكتابة المصدر طبقا للأسس العلمية المتعارف عليها..
وإنما اقوم بتصوير الصفحة التي استشهد بها من المرجع ثم أقوم بلصقها في الموضوع المستشهد به..
يتبع
المفضلات