سلسلة لماذا انا مسلم
الاصدار الاول
سؤال لعله تردد في خاطرك وأنت تعبر أمام مسجد وتتهادى إلى مسامعك صلوات المسلمين وركوعهم وسجودهم ,وربما هرول أحدهم إلى المسجد مسرعاً متعجلاً أن يعفر وجهه لله تعالى
أو وأنت تراهم يستقبلون شهر صيامهم وجوعهم وعطشهم بأعظم الفرح والسرور وكأنه يوم عيدهم أو غير ذلك من شعائر الإسلام التي يؤديها المسلمون بفرح وسعادة
وهنا لابد أن يتساءل العاقل لماذا هؤلاء مسلمون؟؟؟
لماذا اختاروا الإسلام على غيره من الأديان والمذاهب السائدة بين البشر اليوم؟؟
وما هو سر سعادتهم الغامرة بهذا الدين ؟؟؟
ولأني مسلم أولاً
ولأني أحب لك الخير ثانياً
أقدم لك إجابتي عما أراه في الإسلام من خصائص ومحاسن لا توجد في غيره من الأديان والمذاهب ,ولكني قبل هذا أسالك أن تفتح قلبك قبل عينك وأن تسمع بفؤادك قبل أذنك
لعل الله سبحانه يرى فيك الصدق في طلب الحق فيهديك إلى ما يحبه ويرضاه
أعود فأجيب عن سؤلك: لماذا أنا مسلم؟؟؟
ولئن كانت الإجابة على هذا السؤال تستدعي عمراً طويلاً وقلماً حكيماً وما أنا إلا مسلم أحب الخير لك فإني استعين الله سبحانه و أبراء إليه من حولي وقوتي
وأقول:
أنا مسلم لأني وجدت في الإسلام الربانية التي يبحث عنها العقلاء والصادقون
الربانية التي تكفل لكل مسلم اليقين أن دينه "صناعة إلهية" لا دخل لبشر فيه بوجه من الوجه وأنه حين يتبع تعاليم دينه فإنه لا يخضع لأحد إلا لله وحده
وأنه حين يفعل ما يأمره به دينه فإنه لا يُرضي إلا الله وحده
وأنه حين يتوجه إلى ربه بالطاعة فإنه لا يلتفت لأحد من الخلق لأن يقينه أن لا أحد من الخلق له في دينه مثقال ذرة من أمر أو نهي أو تصحيح أو تنقيح أو تهذيب أو طاعة أو رأي
والربانية يا صديقي تعني أن الإسلام كله من أوله لآخره تصور اعتقادي موحى به من الله - سبحانه - ومحصور فى هذا المصدر لا يستمد من غيره أبداً.
والربانية تعني أن الإسلام ليس نتاج فكر بشري متأثر بهواه ورغباته
والربانية تعني أن الإسلام ليس نتاج بيئة معينة فهو واقع تحت ثقافتها وفهمها وعواملها
والربانية تعني أن الإسلام ليس نتاج فترة زمنية خاصة أو أية عوامل أرضية أخرى تضعه في فلك مصالحها وتصوراتها وغايتها المحدودة دائماً
إنما هو ذلك الهدى الموهوب للإنسان هبة خالصة من خالق الإنسان .، رحمة بالإنسان
والربانية تعني أن الفكر البشرى - ممثلاً ابتداءً في فكر الرسول - صلى الله عليه وسلم-، لم يشارك في إنشاء هذا الدين، وإنما تلقاه تلقياً، ليهتدي به ويهدي.
وأن هذه الهداية عطية من الله كذلك، يشرح لها الصدور‘ وأن وظيفة الرسول - أيُّ رسول - فى هذا الدين ، هى مجرد النقل الدقيق ، والتبليغ الأمين ، وعدم خلط الوحى الذى يوحى إليه من عند الله بأى تفكير بشري - أو كما يسميه الله سبحانه بالهوى ! أما هداية القلوب به ، وشرح الصدور له ، فأمر خارج عن اختصاص الرسول ، ومرده إلى الله وحده فى النهاية :
"وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ " …(الشورى : 52-53)
وإذا كان الفكر البشرى لم يُنْشِئ هذا الدين أو يشارك في إنشائه ، فإنه ليس منفيًّا من مجاله ، ولا محظورًا عليه العمل فيه ،لكن عمله هو التلقي والإدراك والتكيف والتطبيق فى واقع الحياة .
فالإسلام يفتح للعقل البشري وللعلم البشري ميدانًا واسعاً كاملاُ - فيما وراء أصل الدين ومقوماته - ولا يقف دون العقل يصده عن البحث فى الكون . بل هو يدعوه إلى هذا البحث ويدفعه إليه دفعاً .
وندرك مقدار نعمة الله وعظمة رحمته في تفضُّلِهِ علينا بهذا الدين الربَّانيّ ،
وفى إبقائه وحفظه على أصله الربانيّ ..
والربانية تعني طمأنينة القلب إلى صحة كل تصور منبثق من هذا الدين العظيم لأنه يستمد قوته وحجته من مصدر هذا الدين وهو الوحي الإلهي الصادق الذي لايخالطه أدنى لمسة بشرية
والربانية تعني الحفاظ على إنسانية الإنسان لأنه لا يُسْتَرق لغير الله ولا يستعبد لغير الله ولا يملك له نفعًا أو ضرًا إلا الله سبحانه وقد ترجم النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه المفاهيم الربانية لأُمته في كل حركة وسكنة وبيانها بياناً شافياً لايدع لأحد بعده قول
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إنما أَقُولُ ما اَُُقَوَّلُ)-أي ما أمرت بقوله فقط- صحيح الجامع
فكل ما يقوله الرسول إنما هو مأمور بقوله من الله وقد قال الله تعالى
"وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" …. النجم : 1-4)
وقال " صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"وقال " صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"وكان" صلى الله عليه وسلم " يأتيه السؤال فلا يجيب حتي يأتيه الوحي من السماء
وإذا كان هذا هو حال الرسول حامل الرسالة ومبلغ الوحي فما بالك بمن هو دونه من المؤمنين مهما بلغت منزلته وعظم قدره في المسلمين
لقد قال عمر يوما ً على المنبر أنه يريد تحديد المهور فقامت إليه امرأة من وسط الصفوف فقالت " يا عمر آلله يوسع وأنت تضيق ؟! إن الله تعالى قال"وآتيتم أحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً"فقال عمر "أخطأ عمر وأصابت امرأة"
قالها عمر وهويومئذ يحكم نصف العالم المرئي
قالها عمر من فوق المنبر على مرأى ومسمع من العالم كله
قالها لامرأة من المسلمين وجيوشه تدك يومئذ معاقل كسرى وقيصر
لقد أخطأ عمر الفاروق الذي قال فيه النبي " صلى الله عليه وسلم " لو كان من نبي بعدي لكان عمر", وقال أيضًا "إن في أمتي محدثون ملهمون منهم عمر"
قالها عمر وردها المسلمون عليه وهويومئذ أفضل من يمشي على الأرض ، وأحبهم إلى المسلمين واعترف عمر بخطئه لأن الإسلام رباني المصدر لا شائبة فيه
وليس عمر فحسب فهذا أبو بكر الصديق عندما تولى الخلافة بعد وفاة الرسول وهو أفضل الأمة على الإطلاق وخيرهم بعد رسول الله وأشدهم حباً له وصحبة.
يقول في خطبة الخلافة :
" أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم "
ولولا ضيق المقام لتوسعنا في ذكر الدلائل على ربانية الإسلام وضوابط هذه الربانية التي تزرع في قلب المسلم اليقين الكامل في أنه حر لأنه عبد لله وحده , وأنه إنسان كامل الإنسانية لأنه خاضع لله وحده وأنه كريم غاية الكرامة لأنه وغيره سواسية تحت حكم الله وحده .
هذه الربانية تغرس اليقين في قلب المسلم أنه دائمًا على الحق طالما لم يخالف دينه
وهذه الربانية لا تدفع المسلمين إلى إنشاء المجامع لتصحيح مسار العقيدة أو اللجان العلمية لتنقيح الكتب المقدسة ؛ لأن الله سبحانه حفظ لهم دينه وشريعته ، وهم يعلمون جيدًا حدودهم ومقامهم فلا يتدخلون في الوحي الإلهي بعقولهم ، أو بأيديهم بل يحفظون نعمة الله عليهم فيها.
وهذه الربانية لا تضع خصائص الله سبحانه في يد البشر أو تعطيهم من هذا الدين ما لا يحل إلا لله وحده،كالخضوع المطلق والطاعة الكاملة والتعظيم المتناهي المقرون بالمحبة الخالصة وغير هذا من العبادات القلبية والعملية التي لا تصرف إلا لله وحده .
إن هذه الربانية تحصر الوجود كله في حقيقتين الأولى هي الألوهية المطلقة بكل خصائصها المتفردة لله سبحانه وحده لا شريك له ،
والحقيقة الثانية: العبودية الكاملة المسيطرة المحيطة بكل شيء دون الله سبحانه كبر أم صغر ، فكل ما هو دون الخالق مخلوق ومحدث خاضع لله ومفتقر إليه .
وهذا الدين والتعبد به لله هو العلاقة الصحيحة بين مقام الألوهية والعبودية ولا سبيل آخر للبشر للوصول إلى ربهم إلا بالعبادة والخضوع له سبحانه وفق ما شرع لهم
ولعلك لا تدرك هذه النعمة وتعرف مقدارها إلا عندما تطالع تاريخ الديانات الأخرى وتطورها عبر الزمان والمكان واختلافها بحسب البيئات والعصور ,وتسلط البشر على هذه الديانات حتي أحالوها مسخاً مشوهاً يثير الاشمئزاز.
ولنأخذ المسيحية مثلاً على ذلك :
لقد ولد المسيح وعاش بين التلاميذ ثم رفع ولم يقل ولو مرة واحدة" أنا الله أو اعبدوني" ولم يصرح ولو مرة واحدة أنه أكثر من بشر بل إنه كان يلقب نفسه دائما ب" ابن الإنسان "
وما يُنسب إلى المسيح في الأناجيل يؤكد ذلك بقوة ووضوح لا يوجدان في ما تُأوَّله الكنيسة على عكس ذلك ونذكر بعضاً من أقواله
- يقول المسيح: " ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد، الذي في السماوات. ولا تدعوا معلمين، لأن معلمكم واحد، المسيح" (متى 22/9-10).
- ومن ذلك أيضاً ما جاء في متى: " وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلم الصالح، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ فقال له: لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالحاً إلا واحد، وهو الله" (متى 19/17).
- وكذا قول المسيح " 3وهذه هىَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ هِيَ أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقَّ وَحْدَكَ،:و يَسُوعَ الْمَسِيحَ َالَّذِي أَرْسَلْتَهُ. 4 " (يوحنا 17/2-3)، وهذا القول هو معني لا إله إلا الله المسيح رسول الله
-وقال المسيح لليهود " 40 و لكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني و أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله هذا لم يعمله إبراهيم*"يوحنا 8-40
- ولما جرب الشيطان يسوع وقال له: " أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي، حينئذ قال له يسوع: اذهب يا شيطان. لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" (متى 4/-10
- وقال المسيح لليهود: "أنتم تعملون أعمال أبيكم.فقالوا له: إننا لم نولد من زنا. لنا أب واحد، وهو الله. فقال لهم يسوع: لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني، لأني خرجت من قبل الله وأتيت، لأني لم آت من نفسي، بل ذاك أرسلني" (يوحنا 8/41-42).
وبطرس أفضل التلاميذ واحبهم إلي المسيح يقول بعد رفع المسيح
22(َيَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، اسْمَعُوا هَذَا الْكَلاَمَ: إِنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ رَجُلٌ أَيَّدَهُ اللهُ بِمُعْجِزَاتٍ وَعَجَائِبَ وَعَلاَمَاتٍ أَجْرَاهَا عَلَى يَدِهِ بَيْنَكُمْ، كَمَا تَعْلَمُونَ) أعمال الرسل 2/
واثنان من تلاميذ المسيح يشهدان أمامه بعد قيامه هو متخفي بأنه لم يكن سوى نبي من الله ويقرهم يسوع علي هذا الإيمان وهذه العقيدة (9فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا حَدَثَ؟» فَقَالاَ: «مَا حَدَثَ لِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي كَانَ نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَالشَّعْبِ كُلِّهِ،) لوقا 24/19
ويؤكد العلماء هذا في كثير من المواضع
يقول الأب بطرس قرماج اليسوعي في كتابه " مروج الأخبار في تراجم الأبرار"(1880م) عن بطرس ومرقس: "كانا ينكران ألوهية المسيح"،
وتقول دائرة المعارف الأمريكية ج 27ص 294: "لقد بدأت عقيدة التوحيد كحركة لاهوتية بداية مبكرة جداً في التاريخ أو في حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين ..... وإن عقيدة التثليث التي أُقرت في القرن الرابع لم تعكس بدقة التعليم المسيحي الأول فيما يتعلق بطبيعة الله لقد كانت على العكس من ذلك فإنها تطورت ضد التوحيدالخالص,..... إن اغلب المسيحيين الأوائل لم يقبلوها فنجد ترتليان "200م" الذي كان أول من أدخل تعبير التثليث في الفكر المسيحي مسئولاً عن الفقرة التي تقول : " إن في أيامه كان غالبية الشعب ينظرون إلى المسيح باعتباره إنساناً".
-وتقول دائرة معارف لاوس الفرنسية ( "عقيدة التثليث وإن لم تكن موجودة في كتب العهد الجديد ولا في عمل الآباء الرسوليين ولا عند تلاميذهم المقربين إلا أن الكنيسة الكاثوليكية والمذهب البروتستنتي يدعيان أن عقيدة التثليث كانت مقبولة عند المسيحيين في كل زمان…إن عقيدة إنسانية عيسى كانت غالبة طيلة مدة تكون الكنيسة الأولى من اليهود المتنصرين، فإن الناصريين سكان مدينة الناصرة وجميع الفرق النصرانية التي تكونت عن اليهودية اعتقدت بأن عيسى إنسان بحت مؤيد بالروح القدس، وما كان أحد يتهمهم إذ ذاك بأنهم مبتدعون وملحدون، فكان في القرن الثاني مبتدعون وملحدون، فكان في القرن الثاني مؤمنون يعتقدون أن عيسى هو المسيح، ويعتبرونه إنساناً بحتاً..وحدث بعد ذلك أنه كلما ازداد عدد من تنصر من الوثنيين ظهرت عقائد لم تكن موجودة من قبل").
ويقول العالم المسيحي عوض سمعان : ( إن المتفحصين لعلاقة الرسل والحواريين بالمسيح يجد أنهم لم ينظروا إليه إلا على أنه إنسان )
وكشف مؤخراً عن وثيقة مسيحية قديمة نشرت في جريدة "التايمز" في 15يوليو 1966م وتقول: إن مؤرخي الكنيسة يسلمون أن أكثر أتباع المسيح في السنوات التالية لوفاته اعتبروه مجرد نبي آخر لبني إسرائيل.
تؤكد الموسوعة الكاثوليكية الحديثة: "إن صياغة الإله الواحد في ثلاثة أشخاص لم تنشأ موطدة وممكنة في حياة المسيحيين وعقيدة إيمانهم قبل نهاية القرن الرابع
كان التوحيد هو العقيدةالمسيحية في أولها وهو امتداد طبيعي للعقيدة اليهودية وعقيدة الأنبياء جميعاً فلا يوجد نبي واحد قال بالتثليث في العهد القديم أو في غيره ولكن سرعان ما فقدت المسيحية ربانيتها على يد بولس أولاً والذي لم يقابل المسيح ولم يراه ولومرة واحدة
لكن بولس لم يقل بالثليث أبداً ثم ظهر ترتليان سنة 200م وهو أول من نادي بالتثليث وكانت دعوته وحيدة ومنعزلة ثم انعقد مجمع نيقية 325م برئاسة الإمبراطور قسطنطين الذي أراد اعتناق المسيحية وفي هذا المجمع حدثت مساجلات بين آريوس زعيم الموحدين وأثناسيوس زعيم القائلين بألوهية المسيح و يوسابيوس القيصري زعيم من يقول بأن المسيح فوق البشر ودون الله وهنا يتدخل الإمبراطور ويقر صيغة أثناسيوس ويكره المخالفين على التوقيع وتم حرمان آريوس وأتباعه لأنهم أصروا أن المسيح مخلوق وليس إله -الدكتور القس جون لويمر في كتابه تاريخ الكنيسة-
ولكن مجمع نيقية لم يقل بالتثليث أبداً وبعد هذا المجمع بقرابة 56سنه عقدة مجمع القسطنطنية 381م وبعد مساجلات ومدخلات اتخذ المجمع قرار بتأليه الروح القدس واعتبر الثالوث مقدساً الآب والابن والروح القدس , وتم في هذا المجمع حرمان مقدنيوس لأنه أصر على أن الروح القدس مخلوق
ثم عقد مجمع أفسس الثاني سنة431م والذي بحث أفكار نسطوريوس أسقف القسطنطينية الذي رفض فكرة اتحاد اللاهوت بالناسوت ورفض تسمية العذراء مريم بأم الإله وأن المصلوب ليس هو الله بل المسيح بن مريم البشري واتخذ المجمع قراراً بحرمان نسطوريوس وشلحه وأكد أن المسيح له طبيعة متحدة الناسوت بالاهوت وأنه هو نفسه الإله المولود من الآب الذي تجسد و ولد من العذراء مريم والدة الإله
ثم عقد مجمع خلقدونية سنة451م وبحث في طبيعة المسيح هل هي طبيعة واحدة أم طبيعتان وانشقت الكنسية على نفسها في هذا المجمع فتبنت طائفة مذهب الطبيعة الواحدة وسمت نفسها الكنيسة الشرقية الاثوذكسية وتبنت أخري مذهب الطبيعتين وسمت نفسها الكنيسة الغربية الكاثوليكية ثم انقسمت كل واحد بعد ذلك إلى كنائس شتى مختلفة ومتباينة وأحيانا متحاربة حتى أنه ليصعب على أبناء الكنيسة الواحدة الاتفاق بينهم في كافة أمور العقيدة المسيحية .وبعد أن غرقت الكنائس في خلافاتها الجدلية غرق معها اتباعها في هذه الهوة السحيقة من الظلام الدامس والذي مرده إعمال العقل البشري في صنعة الإله وهو الدين السماوي ,إن التاريخ لا يذكر لنا أن تلاميذ المسيح الذين رأوه وتعلموا منه اختلفوا هذه الخلافات أو ناقشوا هذه القضايا الفلسفية الباردة التي لا تمت بصلة إلى دين السماء فأيهم أعلم بدين المسيح والتلاميذ الرسل أم الآباء الكهنة ؟؟؟!!!
وعندما فقدت المسيحية ربانيتها عجزت أن تقدم للكيان البشري ما يغذيه روحاً وعقلاً
لقد أصبح العقل المسيحي يرزح تحت وطأة العقيدة المسيحية التي صبتها الكنيسة في قالب الفلسفة الإغريقية فخرجت مسخاً مشوهاً ضالاً وغريباًً في طبيعته وفى تاريخه وبه من الجفوة والعداء للفطرة مالا يمكن هضمه لنفس سوية حتي إنك لتجد أعلم الناس في المسيحية لا يستطيع أن يفهم التثليث أو يوصل هذا الفهم لأحد من الناس كبيراً او صغيراً ،ويكتفي بضرب الأمثلة البعيدة شكلاً وموضوعاً عن عقيدة التثليث.
ولما لم يعد العقل قادراً على فهم عقيدته عجز أن يتعامل معها فهرب في اتجاهين
الأول هو : التجاهل والاكتفاء بتعاليم الكنيسة واعتبار أن أصول الدين مجموعة من الأسرار والطلاسم نؤمن بها ولا نفهمها أو نتعامل معها ,كأنها عقيدة أنزلها الله لجنس آخر غير البشر وأن المسيحيين غير معنيين بها بالمرة ، ومن ثم لم يكن لهذا الدين دور في حياة البشرية ولم يدفع بها إلى الأمام شيئا ً ولم يكن حاضراً في أيٍّ من أدوارها إلا في معارك الكراهية والخسة والإبادة لكل ما هوحضاري وإنساني أو في محاكم التفتيش التي تنكل وتعذب من تظهر فيه بوادر آدمية تحثه على الفهم ولو في أمور الدنيا فقط.
المهرب الثاني : كان الإلحاد , وهو الثمرة المرة الخبيثة التي أنتجتها لنا الكنيسة جراء تدخلها في الدين بعقلها وأيديها وإخراجه من مساره الصحيح إلى مسارات الأهواء والحكام و الفلاسفة,
ولعجز التصور البشري الذي وضعته الكنيسة باسم الله في المسيحية عن القيام بما لا يقوم به إلا وحي السماء هرب الناس ليس من الكنيسة وتصورها فحسب بل من كل ما هو ديني وطالما أن الكنيسة تقدم لنا فلسفتها العقلية المريضة باعتبارها الوحي المقدس فلماذا لا نستخدم عقولنا نحن في الوصول إلى الحقيقة, هرب الناس من دين الكنيسة , دين الكاهن والمذبح والأسرار والطلاسم إلى دين آخر بحثوا عنه بعقولهم فهي أكثر ما يمكن الثقة به في هذا الواقع المسموم, وللوقت ظهرت الفلسفات المريضة التي تنادي بسيادة العقل على الدين, أو الفلسفة العقلية المثالية - على اختلاف اتجاهاتها ما بين معارضة الدين وإعلان سيطرة العقل فى رأى "فيشته" .. وبين تأييد الدين باعتبار أن الله - سبحانه - عقل ! فى رأى "هيجل" - ثم انتهت ثانيًا إلى الفلسفة الحسية الوضعية على يد "كومت" و"اشتين تال" .
ثم إلى الجدلية المادية على "كارل ماركس" وزميله "إنجلز" .
ثم انهمر سيل الإلحاد وفتح بابه على مصراعيه
وإنما جاء كل هذا ثمرة طبيعية لانحراف الكنيسة والمجامع بالدين الرباني . ومحاولة الفكر الأوربى أن يأبق من وجه الكنيسة وإلهها الذى تستطيل به عليهم
ونعود من هذه الرحلة الشاقة على النفس لنحمد الله أن رسالته الأخيرة للبشرية محفوظة بحفظه ومصونة بفضله لا تزال تحتفظ بربانيتها غضة ندية صالحة لكل زمان ومكان , الحمد لله أن لم تقم في الإسلام كنيسة تسرق حق الله لأحبارها ورهبانها ,وتسوق رعاياها بالحيل والخرافات والتهويل
ولكنه كما قال الله تعالى
(فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
والحديث عن ربانية الإسلام يطول و الإجابة عن السؤال "لماذا أنا مسلم" تطول وتطول فإلى لقاء آخر في نفس السلسلة بإذن الله وحده
(فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد)
أخوكم / خالد حربي
المفضلات