بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعاظم أهميتها عند الطلاب والشباب
الإجازة الصيفية .. محطة تزود إيمانية وتربوية
الإجازة الصيفية فترة لملئ عقول الطلاب بأمور مفيدة
غزة- حازم الحلو
إن الوقت هو عمر الإنسان، ومن أجلِّ ما يصان عن الإضاعة والإهمال، والكيس الفطن من يحافظ على وقته، فلا يتخذه وعاء لأبخس الأشياء وأسخف الكلام، بل يقصره على المساعي الحميدة والأعمال الصالحة التي ترضي الله وتنفع الناس.
فكل دقيقة من أعمارنا قابلة لأن نضع فيها حجراً يزداد به صرح مجدنا ارتفاعاً، ونقطع به في السعادة باعاً أو ذراعاً.
وبما أننا الآن على مشارف الإجازة الصيفية, حيث "تمتلئ" أوقاتنا بالفراغ القاتل، وهو الفراغ الذي أكثر الإسلام في التحذير من إضاعته، لأنه يأكل عمر الإنسان كما تأكل النار الحطب، ومن أجمل ما قيل في الوقت ما جاء على لسان الحسن البصري: "يا ابن آدم, إنما أنت أيام, إذا ذهب يوم ذهب بعضك".
وأي استغلال للإجازة أجمل من أن يرتقي الإنسان فيها بإيمانه ويسمو بنفسه عاليا، ليحلق بعيدا عن جذبة الطين في فضاءات المعرفة والعمل الصالح الذي يشكل الاستثمار الأمثل في هذه الدنيا ولعل الإجازة القادمة تكون آخر إجازة بالنسبة لأي منا، فلا يضيعن إياها سدى حتى لا يعض أصابعه ندما.
الداعية الإسلامي أ. يوسف فرحات آثر أن يبدأ حديثه حول استغلال الإجازة الصيفية إيمانياً، بالتذكير بأهمية الوقت في الإسلام، مبينا أن شريعة من الشرائع أو دينا من الأديان لم يشدد على ضرورة استغلال الوقت فيما يفيد مثلما جاء في الدين الإسلامي.
القرآن الكريم أولى أهمية بالغة للزمن، وارتبطت معظم العبادات في التشريع الإسلامي بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصلاة والصيام والحج، وحث المسلمين على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض بمجتمعهم الإسلامي
أ فرحات
ويشير إلى أن العبرة في أهمية الوقت, فيقول: "تتلخص في أن الإنسان سيحاسب عما قدم لمجتمعه خلال عمره، فإن أصلح داخل أسرته؛ فقد أقام مجتمعاً صغيراً داخل المجتمع الأكبر، وقدم أفراداً يخدمون المجتمع الإسلامي، فما بالنا إذا أصلح أسرته؛ بالإضافة إلى عمله وإنتاجه في كل ما يتعلق بنهضة المسلمين".
ويؤكد أ. فرحات أن القرآن الكريم "أولى أهمية بالغة للزمن، وارتبطت معظم العبادات في التشريع الإسلامي بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصلاة والصيام والحج، وحث المسلمين على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض بمجتمعهم الإسلامي".
واستشهد فرحات بحياة الرسول "صلى الله عليه وسلم"، وكيف كان القدوة في استثمار العمر، في طاعة الله ونفع الآخرين، مشددا على أنه يجب على كل مسلم أن يتفاعل مع المجتمع، ولنتذكر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت محاولة لوضع المجتمع الإسلامي موضع القوة والتكوين السليم المستنير.
ويُذَكِر فرحات بدور إدارة الوقت في صناعة الحضارة؛ بقوله: "تبدأ صناعة الحضارة من حرص أفرادها على احترام الوقت كقيمة حضارية، وجاء الإسلام مدركًا لهذه الحقيقة،
وسيحاسب المرء إن لم يحسب للوقت حسابه, ففي الحديث الصحيح: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه".
وحول البرنامج الإيماني الذي يمكن أن يستغله الإنسان وخاصة الشباب خلال الإجازة الصيفية لرفع الأسهم الإيمانية، يضع أ. فرحات هذا البرنامج في ثلاثة مستويات أولها المستوى الفردي والمستوى الأسري والعائلي وأخيرا المستوى المجتمعي ككل.
ويرى أ. فرحات أنه يمكن استغلال الوقت على الصعيد الفردي "بتحديد ورد يومي لترتيل وتلاوة القرآن وحفظ بعض آياته أو سوره مع التفسير وسبب النزول بالإضافة إلى حفظ بعض الأحاديث من الأربعين النووية بشرحها أو قراءة كتاب في الأخلاق أو العقيدة أو الفقه لاكتساب معارف ومعلومات دينية يتوجب على الجميع أن يزيد حصته منها يوما بعد يوم".
ويعطي فرحات أفكاراً إضافية تصلح لتنفيذها خلال الإجازة الصيفية مثل تنظيم زيارات متكررة لصلة الأرحام أو الجيران والأصدقاء الصالحين لما لذلك من أثر طيب في تقوية العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع المسلم.
وشدد فرحات على وجوب أن يكون ذلك البرنامج مكتوبا ومدونا ويتم الاطلاع عليه والإشارة إلى ما تم تنفيذه وما لم يتم تنفيذه مع كتابة المعيق الذي منع ممارسة ذلك النشاط ومحاولة إيجاد حل لذلك المعيق أو استشارة ذوي الخبرة والعلم في ذلك.
وعلى مستوى الأسرة والعائلة, يوصى فرحات بضرورة مراقبة الأولاد خلال الإجازة الصيفية وإيلائهم الاهتمام الكافي لأنهم الجيل الذي سيعيد حضارة ومجد الإسلام مع ضرورة إشراكهم في وضع برنامج النشاطات لهم.
ومن تلك النشاطات يرى أ. فرحات أن يتم تكليفهم بحفظ ما تيسر من القرآن أو إلحاقهم بالمسجد القريب من البيت، والعمل على تهذيب أخلاقهم بالنصح والإرشاد وأداء العبادات على أوقاتها أثناء اللعب والترفيه لترسيخ مفهوم إمتاع النفس باللعب المباح بصوره المختلفة.
وعلى صعيد المجتمع يوصي أ. فرحات بضرورة وضع برنامج تواصل اجتماعي مع الجيران وتعميق الروابط بينهم بمساندة الفقير والضعيف والمدين وزيارة المريض وحل المشكلات بين الناس والسؤال عنهم ومجاملتهم في المناسبات.
وأشار إلى أنه يمكن استغلال المناسبات الاجتماعية للانتشار في المجتمع ونشر دين الله بين الناس ويمكن أيضا تشجيع الداعيات من النساء للقيام بدورهن تجاه غير الملتزمات ودعوتهن إلى الله تعالى وأخذهن إلى المساجد لسماع الخطب والمحاضرات وتبادل الهدايا بينهن لزيادة المودة وما إلى ذلك من الوسائل الدعوية.
من جهته, اعتبر أستاذ التربية في الجامعة الإسلامية د .داود حلس, أن الإجازة الصيفية هي فرصة ذهبية للفرد وخاصة الفتيان والأطفال ممن لم يشق طريقاً بعد في الحياة ويمكنه من خلالها الانطلاق إلى اكتشاف مواهبه والتي قد تغير مسار حياته, كما حدث مع الكثير من الناس.
ويركز د. حلس على إعطاء النصائح التربوية للأطفال والفتيان لأنهم أمل الأمة في استعادة مجدها الضائع، شارحا بعض الخطوط العريضة فيقول: " قد يظن الكثير من الطلاب وآبائهم أن الإجازة هي فسحة للابتعاد عن الدراسة والثقافة والعلم، وأنها فرصة ليتخلى الطالب عن أي شيء له علاقة بالعلم".
ويتابع: "يلاحظ على عامة الطلاب هجرانهم للقراءة والاطلاع بمجرد انتهاء الاختبارات وحلول الإجازة، وسبب هذا يعود إلى أن الطالب لم يدرك أهمية القراءة والاطلاع ودورها في بناء شخصيته وتنمية ثقافته".
ويشدد د. حلس على الطالب من نعومة أظفاره, يطلب منه أن يذاكر دروسه فقط، فلم تقدم له قصة جميلة لقراءتها أو كتيباً صغيراً لقراءته والاستفادة منه, فيبرمج الطالب على أن يحصر قراءته واطلاعه على دروسه فقط، وهذا خطأ كبير يجعل الطالب محدود الفكر والاطلاع.
يلاحظ على عامة الطلاب هجرانهم للقراءة والاطلاع بمجرد انتهاء الاختبارات وحلول الإجازة، وسبب هذا يعود إلى أن الطالب لم يدرك أهمية القراءة والاطلاع ودورها في بناء شخصيته وتنمية ثقافته
د. حلس
وبخصوص الحل لهذه المعضلة ينصح د. حلس بأن "يُشرع في تعويد الطفل منذ صغره على القراءة فتقدم له القصص الجميلة الهادفة ليقرأها، ثم بعد ذلك وبعد تقدم عمره تقدم له الكتيبات التي تناسبه، وبهذا التدرج يتمكن حب الكتاب وحب القراءة في قلبه فلا يستطيع أن يتركها فتزيد ثقافته وتتكون شخصيته فينفع أمته".
ويأخذ د. حلس على المدارس أنها لا تقوم بتقديم كتيبات خاصة للطلاب تطلب منهم أن يقرؤوها أثناء العطلة الصيفية، أو تدعمهم في زيارات للمكتبات العامة الكثيرة في البلد، والتي تضم آلاف العناوين والكتب، تبقى حبيسة الرفوف والخزن، لذلك عليها مسؤولية أيضاً في تشجيع الطلاب المتابعة والقراءة والاطلاع.
وأكد د. حلس على ضرورة أن يعلم الطلاب وآباؤهم أن المدرسة ليست المنهل الوحيد للعلم، وليست فصولها الأوقات الوحيدة لمتابعة الدروس, بالعكس توجد الكثير من المشاريع العلمية التي يصعب إجراؤها في أوقات الدراسة، بسبب انشغال الطلاب بالتحصيل العلمي الإلزامي.
ويقول: "إنه على الطلاب أن يعلموا أن الصيف هو وقت مناسب لتناول العلوم الأخرى، مثل الاطلاع على بعض الكتب الخاصة بهواية وميول كل شخص".
واستدراكا لما فات, يوصي د. حلس بأن يستغل الإنسان وقت الصيف من أجل إشباع ميوله الخاصة، ومتابعة ما فاته من علوم تتعلق بهوايته كأن يكون البعض مهتماً بالعلوم التكنولوجية أو أن تكون لديهم ميول نحو تعلم اللغات الأجنبية أو أن البعض الآخر لديه ميول نحو المعلومات التاريخية والتراثية، وبإمكانه أن يقضي وقتاً مفيداً في العطلة بزيارة المتاحف والآثار المختلفة، وأن يقرأ في كتب التاريخ والسير ونحوها.
وطالما أن الطالب يبقى أسير أحلامه الخاصة في تمضية إجازة "سعيدة وهادئة"، فإنه يطفئ شعلة الاهتمام في قلبه من غير إدراك منه، لهذا يجب على الآباء - بحسب د. حلس- أن يحرصوا كل الحرص أثناء الإجازات على متابعة ما يهواه ابنهم, خاصة وأن دور المدرسة خلال العطلة الصيفية معطل، وتنحصر المسؤولية كلها على الأهل.
المصدر: صحيفة فلسطين - الجمعة, 18 يونيو, 2010م
المفضلات