عيد الغطاس و أحد التناصير و تعميد المسيح .
******************************
يحتفل المسيحيون الأرثوذكس في مصر بعيد ميلاد المسيح يوم 7 يناير , و يحتفلون بعيد تعميد المسيح ( الغطاس ) في 19 يناير . و يدعونه ( الغطاس ) لأن عقيدة الأرثوذكس المصريين يؤمنون أن المسيح تم تعميده على يد يوحنا المعمدان بتغطيسه في مياه نهر الأردن حتى غطست رأسه تحت سطح الماء . و أنه كان عارياً تماماً . و لذلك صارت المعمودية عندهم بالتغطيس و لو كانت فتاة أو امرأة ناضجة , ثم يتم رشم الجسم بزيت مقدس إسمه الميرون , 36 رشمة على الفتحات و الحواس و الأعضاء لئلا يدخلها الشيطان .
و لذلك أقول أن تعميد المسيح تم في الصيف لأن الجو شديد البرودة شتاءاً في منطقة الأردن , وتصل إلى درجة سقوط الثلج .
و الدليل الثاني هو ميلاد المسيح الذي تم قبل ثلاثين سنة من التعميد و في نفس التوقيت تقريباً , كان في الصيف , بدليل أن الرعاة سهروا بأغنامهم في الخلاء من شدة الحرارة , لأن الأغنام لا ترعى ليلاً إلا في الحر القائظ .
و على العكس تماماً , فإنهم يحتفلون بقيامة المقتول بالصليب الملعون في كتابهم في الصيف , مع أن القصة التي في أناجيلهم تقول أن الصلب تم في الشتاء في جو شديد البرودة , لأن في المحاكمة كانوا يستدفئون على النار في بيت رئيس الكهنة .
= و في الواقع كانوا يحتفلون بهذه الأعياد في توقيتات مختلفة إلى أن اجتمعوا في مجمع نيقية سنة 325 م لتوحيد الاحتفال , ثم اختلفوا في مجمع خلقيدونيا سنة 451 م .
و كان الاحتفال بعيد الغطاس في الصيف حتى القرون القريبة , كما نفهم من ما ذكرته المؤرخة المصرية الأرثوذكسية المعاصرة ( إيريس حبيب المصري حنين ) في كتابها ( قصة الكنيسة القبطية ) في الكتاب الثاني , ص 492- 494 : أن في عهد( الأخشيد ) والي مصر سنة 935 م , في عهد البطريرك ( ثيئوفانيوس ) رقم 57 الذي كان رجلاً مختلاً و اضطروا إلى تقييده بالسلاسل , أذن الوالي المسلم للأقباط بإقامة مواكب فخمة في أعيادهم , و كان يوقد لهم المشاعل على ضفتي نهر النيل ليحتفلوا بأعيادهم بالموسيقى و الرقص و الغناء و اللهو و السَمَر حتى الفجر , و كان الاستحمام في النيل في ليلة الغطاس لأنهم اعتقدوا أن لمياه النيل قوة في الشفاء و اسباغ الصحة و العافية ( مثل عقيدة الوثنيين في النهر المقدس ) و ذلك من كثرة الطمأنينة و الرخاء , كما تقول ( إيريس ).
و أضافت في ص 52 من الكتاب الثالث : تروي عن ( الحاكم بأمر الله ) في سنة 996 م : في عيد الغطاس نُصِبَت له الأَسِرّة على شاطيء النيل, و أوقدت له الشموع , إلى أن حان موعد الغطاس فغطس و انصرف .( يبدوا أنهم حددوا وقتاً للغطس في طقوس الاحتفال بالغطاس في تلك الأيام ) .
و في ص 66 من نفس الكتاب تحكي عن انفراج الأزمة بين الحاكم بأمر الله و الأقباط , فأمر بفتح الكنائس و تجديدها و رد أملاكها و منع تعليق الصلبان الخشبية في رقاب المسيحيين و سمح بدق أجراس الكنائس ( و كان قد شدد على المسلمين و المسيحيين معاً ) . و عادوا يعيدون الغطاس على ضفاف النيل كما كانوا يفعلون من أيام العزيز و المعز لدين الله ( كلهم فاطميون شيعة ) و صار المسيحيون يطوفون في الشوارع بمواكبهم في أيام السعف ( عيد دخول المسيح أورشليم ليُصلب ).
و معنى هذا أن عيد الغطاس و عيد السعف ( الشعانين ) كانا قريبان جداً من بعضهما .
و أنا أستنتج من ذلك أن عيد الغطاس كان هو أحد التناصير الذي يحتفلون به حالياً قبل السعف بإسبوع . لأن أحد التناصير لا معنى له إلا الإحتفال بتنصير المسيح ( تعميده ).
و هذا الإسم ( أحد التناصير ) جاء من أنهم كانوا حتى بداية القرن العشرين يقومون بتنصير كل المنضمين حديثاً للنصرانية (للمسيحية) بتنصيرهم , لأن اسمهم كان ( النصارى ) إلى منتصف القرن العشرين . و يشهد بذلك كتاب ( الدسقولية ) الذي ترجمه القمص ( مرقس داود ) الأرثوذكسي سنة 1952 .
و تذكر ( ايريس ) في كتابها الثالث ص 422 : أن التنصير كان للكبار فقط , و يتم جماعياً في يوم أحد التنصير السابق لأحد الشعانين, و كان هذا في سنة 1518 م . و كلمة ( شعانين )جاءت من الهتاف المذكر في الأناجيل أن اليهود هتفوه للمسيح قائلين له ( هوشعنا ) .و تترجمه الكنيسة إلى ( خَلِصنا ) و تترجمه ( كارين أرمسترونج ) المؤرخة المعاصرة في كتابها ( القدس ) إلى ( حوش عنّا), و في هامش الانجيل طبعة 1930 طبعة ( عهد جديد بشواهد ) نجد أن معناها ( يا رب خَلِص ). إذ كان اليهود يظنون أن المسيح هو الملك الآتي لتحرير بيت المقدس من الاحتلال الروماني كما تنبأ النبي ( زكريا 9: 9 ) و غيره في كتابهم , بينما هذه نبوءة عن ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه .لذلك هتفوا هذا الهتاف بالعبرية للمسيح .
و تذكر (إيريس )أن المتنصرين الجدد قبل تنصيرهم كانوا يدعونهم ( الموعوظين ) و كانوا لا يُسمَحُ لهم بحضور القداس إلا بعد امتحان إيمانهم و تنصيرهم . فينضمون لجماعة المؤمنين .
و أنا تعلمت في دروس الشمامسة و مدارس الأحد و دروس إعداد الخدام و اجتماعات الشباب أن هؤلاء كانوا يُسمَحُ لهم بحضور الجزء الأول من القداس بداية من صلاة باكر إلى قراءة الإنجيل و الوعظة , و هذا كانوا يدعونه ( قداس الموعوظين ) ثم يُخرجهم الشماس المسئول عن التنظيم و الأبواب و هو يهتف ( لا يبقىَ غير مؤمن هنا ) و يغلق الأبواب خلفهم و يقف يحرسها لئلا يدخل أحدهم , وكان هذا متبعا حتى بداية القرن العشرين . و بالمثل كانت البنات الشماسات يفعلن في مكان السيدات , وكان لهن شرفة علوية في الكنيسة كما تذكر ( إيريس ) في نفس الصفحة المذكورة , و كما يظهر في كل الكنائس القديمة التي يرجع تاريخ بنائها إلى بداية القرن العشرين , و منها كنيسة العذراء بمحرم بك بالاسكندرية و الكنيسة المرقسية بجوار شارع النبي دانيال بمحطة الرمل بالاسكندرية .
و هذا من أدلة صدق قصتي و أنني كنت من شمامسة الاسكندرية .
كتبه : الشماس السكندري الذي هداه الله للاسلام : دكتور : وديع أحمد فتحي .
صفر 1432 ه .
المفضلات