رأي في ذبح الأسير الأمريكي..؟!!!
تابع الجميع الصورة الحية والساكنة، التي بثتها وسائل الإعلام، في الأيام الماضية، لذبح جماعة ملثمة غير معروفة، للأسير الأمريكي نك بيرج ، في العراق المحتل، ذبح النعاج، وقد انتقد أمين عام هيئة علماء المسلمين في العراق، حارث الضاري، هذا الأسلوب في التعامل مع الأسير.
والحق أنه لا اعتراض على جهاد المحتل لبلاد المسلمين، بل هو الواجب، والأمة آثمة إن سكنت أو سلمت. وفي الجهاد يكون القتل والقتال، والأسر والأسارى، وقد يكون من مصلحة الإسلام:
- قتل الأسير.
- أو الإبقاء عليه.
- أو المنّ عليه.
فهذه الأحوال الثلاثة دل عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}.
فقد ذكرت الآية حالين: حال المنّ، وهو العفو. وحال الفداء، وهو دفع مقابل لإطلاق الأسير.
وفي قوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة}، ذكر الحال الثالثة: حال القتل.
فإن الله تعالى عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم أخذه الفداء من أسرى المشركين في بدر، وكان عليه الصلاة والسلام قد استشار أصحابه، فأشار إليه أبو بكر رضي الله عنه بأخذ الفداء، وأما عمر رضي الله عنه فأشار إليه قتلهم، فنزل الوحي مؤيدا رأي عمر، كما هو معروف.
وقد طبق المسلمون هذه الوصايا عمليا، فقد أسروا في جهادهم وغزواتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من منّ عليه، ومنهم من افتدى نفسه، ومنهم من قتلهم، كما حدث في أعقاب بدر وفتح مكة.
فقد أسر المسلمون في بدر سبعين من المشركين، فمنهم افتدى نفسه بالمال أو بتعليم أولاد الأنصار الكتابة، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهم خيرا، لكن منهم من أمر بقتلهم، ولم يقبل لهم عذرا، لما بلغ من أذاهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وهما النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، وكان هو الذي ألقى سلاة شاة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها فأزالته.
وفي فتح مكة أعلن الأمان لأهل مكة، وعفا عنهم، في الحادثة المعروفة، لما جمعهم في فناء الكعبة، إلا أربعة رجال وامرأتين، أباح دماءهم، ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة، هم: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح.
فقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، وابن صبابة في سوق مكة، ونجا عكرمة وابن أبي السرح بوصولهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحصولهم على الأمان، ثم الإسلام.
فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأسرى، يختلف بحسب الأحوال والأشخاص..
فمن اشتدت عداوته، فللمسلمين قتله، كما قتل عقبة وابن خطل وغيرهم.
ومن لم يكن كعقبة ومن مثله، جاز للمسلمين المنّ عليه، والإحسان له.
حتى هذا المشتد في عداوته، إن سلك طريقا يسلم به من القتل، فللسلمين المن عليه بالعفو، كما منّ النبي صلى الله عليه وسلم على عكرمة لما أسلم بين يديه.
وإذا كان الأمر كذلك، فما الرأي في ذبح الأسير بالسكين ونشر صوره حية، في كافة وسائل الإعلام؟.
اختلف الناس بين مؤيد ومعارض..
فالمؤيد يرى في قتل الأسير بهذه الطريقة مسوغات شرعية، منها:
1- أن هذا من الجهاد، الذي أمر الله تعالى به، فالقصد قتل العدو المحارب، وليس له صورة محددة.
2- أن فيه إرهاب العدو، وتشريد من خلفهم، فبه يضطر المحتل للرحيل، والحليف كذلك.
3- أن فيه شفاء لما في صدور المؤمنين من الألم، مما حصل من عدوان العدو على الأنفس والأعراض.
أما المعارض فقال: لا اعتراض على قتل العدو المحارب، حتى إن كان أسيرا، فهو أمر مشروع، بحسب الأحوال، كما تقدم من فعل النبي صلى الله على وسلم، ولا اعتراض على جهاد المحتل، بكل وسيلة ممكنة جائزة شرعا، والمرجو أن يكون هذا مفهوما، حتى لا يُحمل المعارض ما لم يقله.
إنما الاعتراض على شيء محدد، يتصور في أمرين:
- الأول: في ذبح الأسير بالسكين، كما تذبح البهائم.
- الثاني: في نشر صور عملية الذبح، حية وساكنة، عبر وسائل الإعلام كافة.
فلو كانت المصلحة في قتل الأسير، لما عرفوا عنه من شدته في حرب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقتلوه برصاصة ونحوها، لم يكن ثمة اعتراض، لكن المشكلة في قتله بصورة كهذه.
قال المعارض: وسبب الاعتراض على هذه الطريقة، أنها تجر مفاسد على الإسلام والمسلمين، منها:
- أولا:
تصوير الإسلام دينا متعطشا للدماء: ففي العالم أناس لم يسمعوا بالإسلام إلا مشوّهاً، ولم يعرفوا حقيقته، فعندما يرون ذبح الأسير بالسكين، أفلا يؤثر ذلك سلبا في نظرتهم إلى الإسلام، فيظنوه دينا متعطش للدماء؟.. ولا ريب أنهم سينفرون منه، ويعادونه، ظنا منهم أنه شر وتخلف وهمجية.
- ثانيا:
خسارة التعاطف العالمي مع قضايا المسلمين: فالعالم يراقب ويرى، وفيه كثير من المتعاطفين مع قضايا المسلمين، الذين نددوا باحتلال العراق، في مظاهرات خرجت في عقر دار المحتل والدول الحليفة. وهؤلاء إذا رأوا هذا الأسلوب في الانتقام، ربما انقلبوا ضد المسلمين، وصدقوا الدعايات الكاذبة في وصف الإسلام بالوحشية.. ولا يقولن قائل: وما لنا نحن بهؤلاء، وهل نحن مطالبون باسترضائهم؟. فإن على المسلم العمل هداية الناس إلى الإسلام، وبذل كل وسيلة نافعة، وهؤلاء قريبون من الإسلام، بحبهم العدل، الذي حملهم على التنديد بالاحتلال والغزو، والعدل كله في الإسلام، فمثل هؤلاء العقل والمنطق يقول:ينبغي تبشيرهم لا تنفيرهم، والحذر من صدهم عن الإسلام، بأفعال لا داعي لها، يمكن الاستغناء عنها، والإسلام منصور بغيرها، وليس النصر متوقف عليها.
- ثالثا:
إعطاء المبرر للأعداء للمعاملة بالمثل:
فهذه الطريقة تعطي الأعداء المبرر لمعاملة المسلمين بالمثل، وتسويغ ذبحهم، ظنا منهم أنهم لا يستحقون الرحمة، ولا ريب أن المسلم وإن كان يحب الموت مجاهدا، لكنه يكره أن يذبح، لما فيه من البشاعة.
.
المفضلات