-
الرد على القس يوسف رياض في كتابه : " أرني أين قال المسيح أنا الله أو اعبدوني " - وكتا
أإله مع الله !
(( الرد على القس يوسف رياض في كتابه : " أرني أين قال المسيح أنا الله أو اعبدوني " - وكتاب : " ما معنى المسيح ابن الله ؟ " تقديم نخبة من خدام الإنجيل - وكتاب : " ألوهية المسيح .. من يخفي الشمس ؟ " لمجموعة من القساوسة ))
أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ!
(( نقد أدلة النصارى في تألـيِّه السيد المسيح عليه السلام ))
إعداد
مهندس/ محمود سعد مهران
مقدمة
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... اللهم يا مفتح الأبواب , ويا مسبب الأسباب , ويا دليل الحائرين , توكلت عليك يا رب العالمين , وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد .
أما بعد,,
فإن النصارى قد أخذوا في نشر أدلتهم المزعومة التي يستدلون بها على ألوهية المسيح عليه السلام بين المسلمين من خلال نشراتهم وكتيـباتهم التي توزع على المسلمين في العديد من المحافل , وخاصة معارض الكتاب !
وهذه النشرات والكتيبات ليس فيها أي دليل يشير من قريب أو من بعيد على ألوهية المسيح عليه السلام , بل على العكس من ذلك , فوجود نص صريح على لسان المسيح عليه السلام يقول فيه " أنا الله " أو " اعبدوني " ممتنع تمامًا .
لذا لجأوا إلى تأويل بعض النصوص المنسوبة للمسيح عليه السلام بلا سند أو دليل بما يوافق ما يريدون أن يروجوا له بين الناس , لكن الأمر على غير ما يتوهمون , فـتأويلهم لتلك النصوص أكبر دليل على عدم وجود نص صريح منسوب للمسيح يقر فيه بألوهيته المزعومة !
هذا ... وقد كنت قد رددت على إحدى رسائلهم التنصيرية في رسالة سميتها " قال إني عبد الله ! " مبينًا بطلان ما استشهدوا به من القرآن الكريم والسنة المشرفة على ألوهية المسيح المزعومة, وأُكمل في هذه الرسالة الرد على بعض المؤلفات التنصيرية .
ولعل من أبرز هذه المؤلفات : " ما معنى المسيح ابن الله ؟ تقديم : نخبة من خدام الإنجيل " و " المسيح ... من هو ؟ بقلم : دكتور عادل وهبة " و " إلوهية المسيح ... من يخفي الشمس ؟ كنيسة القديسين مارمرقس الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء " و " أرني أي قال المسيح أنا الله أو اعبدوني ؟ لـيوسف رياض " .
وقد حصرت أدلة النصارى على ألوهية المسيح المزعومة من خلال تلك المؤلفات وغيرها الكثير , وبيَّنت وجهتها قبل نقدها وتفنيدها .
فالمسيح عليه السلام نطق بالعبودية وأقرها منهجًا وعقيدة في كل حياته , وقد عرضتُ العديد من النصوص الكتابية في رسالة " قال إني عبد الله ! " تبين ذلك بجلاء , فمن شاء فليرجع إليها ( انظر مقدمة الرسالة ) , فالذي رفض أن يُدعى صالحاً لأن الصلاح لله وحده كيف يَقبل على نفسه أن يكون إلهًا مع الله ؟!
الراجي عفو ربه الغفور
مهندس / محمود سعد مهران عبد الناصر
1 – ( عمانوئيل ) الذي تفسيره الله معنا !
يستدل المسيحيون بما اقتبسه كاتب إنجيل متَّى في الإصحاح الأول من إنجيله بنبوءة سابقة جاءت في سفر إشعياء في الإصحاح السابع ، يقول كاتب إنجيل متَّى : (( وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل : (( هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه (عمانوئيل ) الذي تفسيره الله معنا )) ( متَّى 1 : 18 – 23 ) .
وبخصوص ما جاء في سفر إشعياء عن خبر عمانوئيل ، فهو لا يعني المسيح عليه السلام ، فالمسيح لم يتسم بهذا الإسم قط ، ولم ينادَ به إطلاقاً. والخبر في سفر إشعياء يتحدث عن قصة قد حدثت قبل المسيح بقرون ، فقد جعل الله من ميلاد عمانوئيل هذا علامة على زوال الشر عن بني إسرائيل في عهد الملك آحاز ، وخراب مملكة راصين .
يقول كاتب سفر إشعياء : " وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقْحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا. وَأُخْبِرَ بَيْتُ دَاوُدَ: «قَدْ حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ». فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ كَرَجَفَانِ شَجَرِ الْوَعْرِ قُدَّامَ الرِّيحِ. فَقَالَ الرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ: «اخْرُجْ لِمُلاَقَاةِ آحَازَ أَنْتَ وَشَآرَ يَاشُوبَ ابْنُكَ إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ الْقَصَّارِ وَقُلْ لَهُ: احْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ الشُّعْلَتَيْنِ الْمُدَخِّنَتَيْنِ بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ وَابْنِ رَمَلْيَا. لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرٍّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَابْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً: نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكاً ابْنَ طَبْئِيلَ. هَكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ! لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ. وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَعْباً. وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ السَّامِرَةُ وَرَأْسُ السَّامِرَةِ ابْنُ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا». ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ فَقَالَ لِآحَازَ: «اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً مِنَ الرَّبِّ إِلَهِكَ. عَمِّقْ طَلَبَكَ أَوْ رَفِّعْهُ إِلَى فَوْقٍ». فَقَالَ آحَازُ: «لاَ أَطْلُبُ وَلاَ أُجَرِّبُ الرَّبَّ». فَقَالَ: «اسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ. هَلْ هُوَ قَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضْجِرُوا النَّاسَ حَتَّى تُضْجِرُوا إِلَهِي أَيْضاً؟ وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ». زُبْداً وَعَسَلاً يَأْكُلُ مَتَى عَرَفَ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ. لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ تُخْلَى الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا». يَجْلِبُ الرَّبُّ مَلِكَ أَشُّورَ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِيكَ أَيَّاماً لَمْ تَأْتِ مُنْذُ يَوْمِ اعْتِزَالِ أَفْرَايِمَ عَنْ يَهُوذَا. (إشعياء 7: 1 – 23) .
هنا نلاحظ أن قلب آحاز ملك يهوذا ارتجف لأن دولتي إسرائيل وسوريا تآمرتا عليه وعلى دولته. وكان الرب الإله مع آحاز. وأمر الربُ إشعياءَ أن يذهب هو وابنه شَآرَ يَاشُوبَ ويُطَمْئِن آحاز ملك يهوذا. ووعده الرب أنه في مدة لا تزيد عن 65 سنة تكون حلت الهزيمة بدولتي إسرائيل وسوريا.وقد أعطاه الله علامة على اقتراب تحقق النصر، وهي أن تحبل سيدة منهم بولد فتسميه "عمانوئيل" .
فكيف يزعم النصارى أن هذه النبوءة تنطبق على المسيح وأمه العذراء وهو الذي كان بينه وبين إشعياء أكثر من 700 سنة ؟!
يقول المفسرون : " هذه النبوءة ( عمانوئيل ) مذكورة في ( إش 7 : 14 ) وقد أوحى بها نحو ( 740ق.م ) " ( الكنز الجليل في تفسير الإنجيل - د. وليم أدي : تفسير إنجيل متَّى ص9 ) .
وهذا النص الذي ذكره كاتب إنجيل متَّى ، وكذا النص الذي في إشعياء ، قد تم تحريفهما عن الأصل ليصبحا نبوءة عن المسيح وأمه العذراء ، فلقد كانت الترجمات القديمة للتوراة مثل ترجمة أيكوئلا وترجمة تهيودوشن ، وترجمة سميكس والتي تعود للقرن الثاني الميلادي ، قد وضعت بدلاً من العذراء : المرأة الشابة ، وهو يشمل المرأة العذراء وغيرها.
ويُـبين هذا التحريف الحادث في ترجمة الفانديك العربية , الترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية , إذ وضعوا فيها كلمة " الصبية " بدلاً من العذراء , ومعروف أن " الصبية " قد تكون عذراء أو متزوجة : " فلذلك يؤتيكم السيد نفسه آية : ها إن الصبية تحمل فتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل " . ويعلق علماء الكتاب المقدس في الترجمة الكاثوليكية قائلين : (إن اللفظ العبري " علمه " يدل إما على صبية , وإما على امرأة لم يمض زمن طويل على زواجها . غير أن الترجمة السبعينية اليونانية ترجمت هذا اللفظ : بـ " عذراء " . فهى شاهدة للتفسير اليهودي القديم الذي سيتبناه الإنجيل فإن متَّى ( 1/23 ) يرى هذه العبارة إشارة إلى الحبل العذري بالمسيح ) ( الترجمة الكاثوليكية ص 1540 ) .
وبمعنى آخر أن كاتب إنجيل متَّى لفق النبوءة وحرف الأصل العبري لكلمة " علمه " ليشير بها إلى المسيح وأمه العذراء !
كما أن كلمة " عمانوئيل " والتي معناها " الله معنا " لا يلزمها أن يكون صاحبها المسمى بها إلهًا , فماعية الله ليست دليلاً على ألوهية أحد , فبوجود المسيح عليه السلام بيننا مثلاً دليل على أن الله يعتني بنا ويتكفل بحفظنا وحريص على هدايتنا , ولهذا أرسل المسيح عليه السلام لنا , وهذا هو المقصود من أن الله معنا على فرض صحة النبوءة , فهو معنا بسؤاله عنا وبعدم إرادته الكفر لنا , ولهذا أرسل الرسل مبشرين ومنذرين رحمة منه بالعالمين , فالرسل أنفسهم دليل على ماعية الله بالعباد وإحاطته بأمورهم وتدبيره الخير لهم , كما قال الله لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام : {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}طه46.
وإذا كان النصارى يستدلون من كلمة " عمانوئيل " أن المسيح هو الله لأن عمانوئيل معناها " الله معنا " , وجب عليهم أيضًا أن يؤمنوا أن " طوبيا " هو الله أيضًا,
ولبيان ما أعني أعرض ما جاء في مقدمة سفر " طوبيا " أحد الأسفار القانونية الثانية : (طوبيا كلمة عبرية تتكون من مقطعين ( طوب ياه ) ومعناها : الله طيب , وقد وردت هذه الكلمة في الكتاب المقدس إسمًا لأكثر من شخص )( الكتاب المقدس - الأسفار القانونية الثانية ص 17) .
أعتقد أن الأمر واضح لا مرية فيه , فكلمة " طوبيا " في معناها ( الله طيب ) أقوى من "عمانوئيل" التي معناها ( الله معنا ) للإستدلال منها على ألوهية " طوبيا " سواء كان صاحب السفر أم الذين حددهم لنا علماء الكتاب المقدس في تقديمهم للسفر , ورغم كل هذا لم يقل أحد من اليهود أن ذلك الشخص الذي يُدعى " طوبيا " هو الله الطيب يعنون بذلك أنه الإلهه !
2- وكان الكلمة الله !
وأما ما جاء في مقدمة يوحنا : " في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" ( يوحنا 1/1-3 ) فقد كان للمحققين معه وقفات عديدة ومهمة منها :
1- ينبه العلامة ديدات في كتابه الماتع " المسيح في الإسلام " إلى أن هذا النص قد انتحله كاتب إنجيل يوحنا من فيلون الإسكندراني ( ت40م ) ، وأنه بتركيباته الفلسفية غريب عن بيئة المسيح وبساطة أقواله وعامية تلاميذه ، وخاصة يوحنا الذي يصفه سفر أعمال الرسل بأنه عامي عديم العلم ، فيقول: " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا " ( أعمال 4/13 ) . وقد أقر بهذا أيضًا علماء الكتاب المقدس في تعليقاتهم على النص في الترجمة الكاثوليكية , إذ يقولون : ( يسمى المسيح "لوغوس" . قد يُترجم هذا اللفظ بـ " كلام " , ولكن يـبدو أننا أمام كلمة تأثرت بطرق تعبير الأدب الحكمي والدين الهلنستي ) ( الترجمة الكاثوليكية ص 289).
ويقول القس إبراهيم سعيد رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر سابقًا في شرحه لإنجيل يوحنا : (في البدء كان الكلمة . الكلمة .. ما أعمق هذا الوصف العجيب الذي وصف به المسيح هنا , إذ وصف بـ " الكلمة " وفي اليونانية " لوجوس " لقد هيأت العناية أفكار البشر لفهم هذه اللفظة " الكلمة " قبل أن نطق بها يوحنا . فالعقلية اليهودية كانت قد ألفتها من كتابات " أنقليوس " اليهودي , الذي ترجم التوراة من العبرية إلى الآرامية في القرن الثاني قبل الميلاد , وفي ترجمته استعاض عن اسم الجلالة بلفظ " ممرا " وتقابلها في العربية "الكلمة" .... أما العقلية اليونانية فقد كانت مشبعة بلفظ " لوجوس " من كتابات "فيلو" الفيلسوف الإسكندري ) .
فكيف يُستدل بنص مقتبس من كتابات الفلاسفة على ألوهية نبي من أنبياء الله ؟!
إن الناظر إلى مقدمة إنجيل يوحنا يجد الأمر لا يخرج عن علم الله الأزلي بالخلق , فمن المعلوم أن الله وحده هو الخالق . وقبل أن يخلق وحده سبحانه قدَّر في علمه ما سيوجده إلى الأبد. قدَّر أن يخلق كذا في يوم كذا , وكذا في يوم كذا . كل شيء في زمانه الذي عينه له , لكن كل ما سيوجده كان عنده معلومًا . وهذا هو معنى " في البدء كان الكلمة" أي في علم الله الأزلي إيجاد المسيح في الزمن المعين له . فيكون في البدء موجودًا في علم الله لا بجسمه بل بتقدير أنه سيوجد بكلمة الله وأوامره .
وقوله : " وكان الكلمة عند الله " معناه : أن المسيح كان عند الله في علمه الأزلي لا بالجسم بل بالفكر , كقول الكتاب المقدس : " والكلام الأصلي يوجد عندي " ( أي 19 : 28 ) وكقول المسيح في إنجيل يوحنا : " بالمجد الذي كان لي عندك " ( يو 17 : 5 ) أي كان في علمك الإزلي .
وقوله : " وكان الكلمة الله " معناه : أن الله واحد , ورسوله المسيح الذي خلق بكلمته وأوامره ينوب عنه في تبليغ رسالته للناس , فيكون الله وكلمته واحد في الهدف وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد . فلو كان الكلمة هو الله من حيث الجوهر كما يعني النصارى فليفسروا لنا هذا اللوغارتم إذا ما وضعنا لفظ الجلالة محل " الكلمة " : " في البدء كان الله، وكان الله عند الله , وكان الله هو الله، الله كان في البدء عند الله " !!
2- كما ينبه ديدات في كتابه " المسيح في الإسلام " إلى أن ثمة تلاعباً في الترجمة اليونانية، وهي الأصل الذي عنه ترجم الكتاب المقدس إلى لغات العالم.
ولفهم النص على حقيقته نرجع إلى الأصل اليوناني . فالنص في الترجمة اليونانية تعريبه هكذا : " في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله" . وهنا يستخدم النص اليوناني بدلاً من كلمة (الله) كلمة ( hotheos )، وفي الترجمة الإنجليزية تترجم ( God ) للدلالة على أن الألوهية حقيقة.
ثم يمضي النص فيقول : "وكان الكلمة الله" وهنا يستخدم النص اليوناني كلمة (tontheos ) وكان ينبغي أن يستخدم في الترجمة الإنجليزية كلمة ( god ) بحرف صغير للدلالة على أن الألوهية مجازية، كما وقع في نص سفر الخروج : "جعلتك إلهاً لفرعون" (الخروج 7/1)، فاستخدم النص اليوناني كلمة ( tontheos ) وترجمت في النص الإنجليزي( god ) مع وضع أداة التنكير( a ).
لكن الترجمة الإنجليزية حرفت النص اليوناني لمقدمة يوحنا فاستخدمت لفظة ( God ) التي تفيد ألوهية حقيقة بدلاً من ( god ) التي تفيد ألوهية معنوية أو مجازية، فوقع اللبس في النص، وهذا ولا ريب نوع من التحريف.
ولو غض المحققون الطرف عن ذلك كله فإن في النص أموراً ملبسة تمنع استدلال النصارى به على ألوهية المسيح.
* أولها: ما معنى كلمة "البدء" ؟ ويجيب النصارى أي الأزل.
لكن ذلك لا يسلم لهم ، فإن الكلمة وردت في الدلالة على معانٍ منها :
- وقت بداية الخلق والتكوين كما جاء في بداية سفر التكوين : " في البدء خلق الله السموات والأرض" (التكوين1/1).
- وترد بمعنى وقت نزول الوحي ، كما في قول كاتب إنجيل متَّى : "ولكن من البدء لم يكن هذا " (متَّى 19/8).
- وقد تطلق على فترة معهودة من الزمن كما في قول لوقا : " كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء" (لوقا 1/2) ، أي في أول رسالة المسيح.
ومثله "أيها الإخوة لست أكتب إليكم وصية جديدة بل وصية قديمة كانت عندكم من البدء. الوصية القديمة هي الكلمة التي سمعتموها من البدء" ( يوحنا (1) 2/7).
ومثله أيضاً "ولكن منكم قوم لا يؤمنون.لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يسلمه" (يوحنا6/64).
ومثله " أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالاً للناس من البدء ولم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه حق" (يوحنا 8/44).
ومثله " فقالوا له: من أنت؟ فقال لهم يسوع : أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به" (يوحنا 8/25).
وعليه فلا يجوز قول النصارى بأن المراد بالبدء هنا الأزل إلا بدليل مرجح.
ويرجح الشيخ " العلمي " في كتابه الفريد "سلاسل المناظرات" بأن المعنى هنا هو بدء تنـزل الوحي على الأنبياء أي أنه كان بشارة صالحة عرفها الأنبياء كما في (إرميا 33/14).
* ثانيها: ما المقصود بالكلمة؟ هل هو المسيح؟ أم أن اللفظ يحتمل أموراً أخرى، وهو الصحيح. فلفظة "الكلمة" لها إطلاقات في الكتاب المقدس، منها الأمر الإلهي الذي به صنعت المخلوقات، كما جاء في سفر التكوين : " وقال الله: ليكن نور فكان نور" (التكوين 1/3) ومنه سُمي المسيح كلمة لأنه خلق بأمر الله من غير سبب قريب، أو لأنه أظهر كلمة الله، أو أنه الكلمة الموعودة على لسان الأنبياء.وأما المعنى الذي يريده النصارى بالكلمة، وهو الأقنوم الثاني من الثالوث، فلم يرد في كتب الأنبياء البتة.
* ثالثها: " وكان الكلمة الله " فإن كان النصارى يظنون أن المسيح أُطلق عليه : الله ، فهو قول ساقط كما بَـيَّنا , ولقد أُطلق على القضاة في التوراة ما يظنون أنه أُطلق على المسيح: " الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضي. حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار" (المزمور82/1)، والشرفاء في قول داود: " أحمدك من كل قلبي، قدام الآلهة أرنم لك" (مز 138/1)، وقد قال الله لموسى عن هارون: " وهو يكون لك فماً، وأنت تكون له إلهاً " (انظر الخروج 4 /16).
* رابعها: "والكلمة كان عند الله"، والعندية لا تعني المثلية ولا المساواة. إنما تعني أن الكلمة خُلقت من الله كما في قول حواء: " اقتنيت رجلاً من عند الرب" (التكوين 4/1)، فقايين ليس مساوياً للرب، ولا مثله وإن جاءها من عنده، وجاء في موضع آخر: " وأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب" (التكوين 19/24).
3- أنا والآب واحد !
قول المسيح: "أنا والآب واحد" أهم ما يتعلق به أولئك الذين يقولون بألوهية المسيح، وقد فهموا منه وحدة حقيقية جهر بها المسيح أمام اليهود وفهموا منه أنه يعني الألوهية.
ولفهم النص نعود فنقرأ السياق من أوله، فنرى بأن المسيح كان يتمشى في رواق سليمان في عيد التجديد، فأحاط به اليهود وقالوا :"إلى متى تعلق أنفسنا. إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً. أجابهم يسوع: إني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي، ولكنكم لستم تؤمنون، لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم: خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي، أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد" (يوحنا10/24-30).
فالنص من أوله يتحدث عن قضية معنوية مجازية، فخراف المسيح أي تلاميذه يتبعونه، فيعطيهم الحياة الأبدية، أي الجنة، ولن يستطيع أحد أن يخطفها منه (أي يبعدها عن طريقه وهدايته) لأنها هبة الله التي أعطاه إياها، ولا يستطيع أحد أن يسلبها من الله الذي هو أعظم من الكل، فالله والمسيح يريدان لها الخير، فالوحدة وحدة الهدف لا الجوهر، وقد نبه المسيح لهذا حين قال بأن إرادة الله أعظم من إرادته. فهل يُعقل بعد كل هذا التمييز الذي صرح به بينه وبين الله إذ وصفه أنه أعظم من الكل فلا يوجد أعظم منه ولا أقدر منه , والمسيح واحد من الكل فلا استثناء في الفقرات , هل يُعقل بعد كل هذا أن يكون المسيح قد عنى بقوله : " أنا والآب واحد " أنه والله واحد من حيث الجوهر أم كان يعني أنه والله تجمعهم وحدة الهدف ؟!
لكن اليهود في رواق سليمان كان فهمهم لكلام المسيح سقيماً - أشبه ما يكون بفهم النصارى له -، لذا : " تناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه، …لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً" . فعرف المسيح خطأ فهمهم لكلامه، واستغرب منهم كيف فهموا هذا الفهم المادي وهم يهود يعرفون لغة الكتب المقدسة في التعبير المجازي , فأجابهم: " أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة" ومقصده ما جاء في مزامير داود: "أنا قلت إنكم آلهة، وبنو العلي كلكم" (المزمور82/6). والمسيح هنا لا يرد على اليهود فقط بل على النصارى أيضًا لأنهم وافقوا اليهود في فهمهم المادي لقول المسيح : " أنا والآب واحد " !
فكيف تستغربون بعد ذلك مثل هذه الاستعارات وهي معهودة في كتابكم الذي جعل بني إسرائيل آلهة بالمعنى المجازي للكلمة؟! فالمسيح أولى بهذه الوحدة من سائر بني إسرائيل , لذا قال المسيح : " إن قال: آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله.. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون له إنك تجدف لأني قلت: إني ابن الله. إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي.. ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه " (يوحنا10/37)، وهكذا صحح المسيح لليهود ثم للنصارى الفهم السيء والحرفي لوحدته مع الآب.
وهذا الأسلوب في التعبير عن وحدة الهدف والمشيئة معهود في النصوص خاصة عند يوحنا، فهو يقول على لسان المسيح: "ليكون الجميع واحداً كما أنت أيها الآب في، وأنا فيك، ليكونوا (أي التلاميذ) هم أيضاً واحداً فينا.. ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد... أنا فيهم وأنت في" (يوحنا 17/20-23)، فالحلول في المسيح والتلاميذ حلول معنوي فحسب، وإلا لزم تأليه التلاميذ، فكما أن المسيح والآب واحد، فإن التلاميذ والمسيح والآب أيضاً واحد، أي وحدة الهدف والطريق، لا وحدة الذوات، فإن أحداً لا يقول باتحاد التلاميذ ببعضهم أو باتحاد المسيح فيهم . وفي موضع آخر ذكر نفس المعنى فقال عن التلاميذ: " أيها الأب القدوس، احفظهم في اسمك الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن" (يوحنا 17/11).
ومثله "تعلمون أني أنا في أبي، وأنتم في، وأنا فيكم" (يوحنا 14/20). ومثله قوله:"إله وآب واحد للكل، الذي على الكل وبالكل، وفي كلكم" (أفسس 4/6).
ومثله يقول بولس: "فإنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله: إني سأسكن فيهم، وأسير بينهم، وأكون لهم إلهاً، وهم يكونون لي شعباً". (كورنثوس (2) 6/16-17). ومثله قول المسيح لتلاميذه:" أنا الكرمة، وأنتم الأغصان، الذي يثبت في، وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير" (يوحنا 15/5)، أي : يحبني ويطيعني ويؤمن بي فهذا يأتي بثمر كثير.
والمعنى الصحيح لقوله: "لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه" (يوحنا 10/38) أن الله يكون في المسيح أي بمحبته وقداسته وإرشاده وتسديده، لا بذاته المقدسة التي لا تحل في الهياكل : "العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي" (أعمال 7/48).
وقد تكرر هذا الأسلوب في التعبير عن وحدة الهدف والمشيئة في نصوص كثيرة منها قول بولس : " أنا غرست، وأبلوس سقى، …الغارس والساقي هما واحد، فإننا نحن عاملان مع الله" (كورنثوس(1)3/6-9).
ومثله جاء في التوراة في وصف الزوجين : "يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته، ويكونان جسداً واحداً" (التكوين 2/24)، وغير ذلك من أمثلة وحدة المشيئة والهدف. ولا ننسى أن المسيح قال :" أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل " وذلك قبل أن يقول : " أنا والآب واحد " , وذلك حتى لا يظن أحد أن المسيح يعني وحدة الجوهر أو وحدة القدرة .
4- من رأني فقد رأى الآب !
ومن أهم ما يستدل به النصارى على ألوهية المسيح قول المسيح : "الذي رآني فقد رأى الآب"(يوحنا 14/9) ولفهم النص نعود إلى سياقه.
فالسياق من أوله يُخبر أن المسيح قال لتلاميذه: "أنا أمضي لأعد لكم مكاناً، وإن مضيت وأعددتُ لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم " وقصده بالمكان الملكوت . فلم يفهم توما ما قاله المسيح , فقال :" يا سيد لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق " ، لقد فهم أنه يتحدث عن طريق حقيقي وعن رحلة حقيقية، فقال له المسيح مصححاً ومبيناً أن الرحلة معنوية وليست حقيقية مكانية: "أنا هو الطريق والحق والحياة ". (يوحنا14/1-6)، أي اتباع شرعه ودينه هو وحده الموصل إلى رضوان الله وجنته، كما في قول بطرس: " بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه. بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده" (أعمال 10/34).
ثم طلب منه فيلبس أن يريهم الله، فنهره المسيح وقال له:" ألست تعلم أني أنا في الأب، والأب في، الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الأب الحال في هو يعمل الأعمال…" (يوحنا 14/10) أي كيف تسأل ذلك يا فلبس، وأنت يهودي تعلم أن الله لا يُرى، فالذي رآني رأى الآب وذلك حين رأى أعمال الله (المعجزات) التي أجراها على يدي ( أي المسيح ) .
ويشبه هذا النص تماماً ما جاء في مرقس :" فأخذ ولداً وأقامه في وسطهم، ثم احتضنه، وقال لهم: من قبِل واحداً من أولاد مثل هذا باسمي يقبَلني، ومن قبلني فليس يقبلني أنا، بل الذي أرسلني" (مرقس 9/37)، فالنص لا يعني أن الطفل الذي رفعه المسيح هو ذات المسيح، ولا أن المسيح هو ذات الله، ولكنه يُخبر أن الذي يصنع براً بحق هذا الطفل، فإنما يصنعه طاعة ومحبة للمسيح، لا بل طاعة لله وامتثالاً لأمره.
فالرؤية هنا معنوية، أي رؤية البصيرة لا البصر، ولهذا التأويل دليل قوي يسوغه، وهو أن المسيح لم يدع قط أنه الآب، ولا يقول بمثل هذا من النصارى أحد .
ومما يؤكد أن الرؤيا معنوية أنه قال: " بعد قليل لا يراني العالم أيضاً، أما أنتم فترونني" (يوحنا 14 /19 ) فهو لا يتحدث عن رؤية حقيقية ، إذ أنه يتحدث عن رفعه للسماء، فحينذاك لن يراه العالم ولا التلاميذ، فهو بذلك يتحدث عن رؤية معرفية إيمانية يراها التلاميذ وغيرهم من المؤمنين , ويعمى عنها الكافر به .
ويشهد له ما جاء في متَّى : " ليس أحد يعرف الإبن إلا الأب، ولا أحد يعرف الأب إلا الإبن " (متَّى 11/27)، وهو المقصود من الرؤية المذكورة في النصوص السابقة، ونحوه قوله أيضًا : "فنادى يسوع وقال: الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني. والذي يراني يرى الذي أرسلني. .. لأني لم أتكلم من نفسي، لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية، ماذا أقول وبماذا أتكلم. وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية. فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم" (يوحنا 12/ 44-51)، فالمقصود بكل ذلك رؤية المعرفة، وقوله: " والذي يراني يرى الذي أرسلني" لا يمكن أن يراد منه أن الذي رأى الآب المرسِل قد رأى الإبن المرسَل، إلا إذا كان المرسِل هو المرسَل، وهو محال للمغايرة التي بينهما كما قال المسيح: "أبي أعظم مني" (يوحنا 14/28)، وكما قال: "أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل" (يوحنا 10/29).
ومثل هذا الإستعمال الذي يفيد الإشتراك في الحكم بين المسيح والله، والذي عبر عنه هنا بالرؤية، معهود في العهد القديم والجديد، ففي العهد القديم لما رفض بنو إسرائيل صموئيل وقالوا له : " هوذا أنت قد شخت، وابناك لم يسيرا في طريقك. فالآن اجعل لنا ملكاً يقضي لنا كسائر الشعوب، فساء الأمر في عيني صموئيل... فقال الرب لصموئيل: اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك، لأنهم لم يرفضوك أنت، بل إياي رفضوا " (صموئيل (1) 8/4-7)، إذ رفضهم طاعة صموئيل هو في الحقيقة عصيان لله في الحقيقة، ولذا قال بطرس لحننيا : " أليس وهو باق كان يبقى لك، ولما بيع ألم يكن في سلطانك، فما بالك وضعت في قلبك هذا الأمر، أنت لم تكذب على الناس بل على الله " (أعمال 5 : 4). فرغم أن حننيا كذب على الناس وزعم أنه أعطى ثمن المُلك الذي له للتلاميذ , إلا أن بطرس وصل الكذب على الناس بالكذب على الله , لا لأن الناس والله واحد , ولكن كذب حننيا على الناس هو في الحقيقة كذب على الله .
وكذا من يرى المسيح فكأنه يرى الله، ومن قَبِلَ المسيح فكأنما قَبِلَ الله عز وجل، ليس لأن المسيح هو الله , ولكن لأنه رسول يتكلم بوحي من الله , يقول لوقا: "من قبِل هذا الولد باسمي يقبلني. ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني " (لوقا 9/48)، ويقول يوحنا : "الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الأب الحال في هو يعمل الأعمال…" (يوحنا 14/10).
وقوله: "أنا هو الطريق والحق والحياة" يقصد فيه المسيح الإلتزام بتعليمه ودينه الذي أنزله الله عليه، فذلك فقط يدخل الجنة دار الخلود، كما قال في موطن آخر: " ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات " (متَّى 7 /21)، فالخلاص بالعمل الصالح والبر : " أقول لكم إنكم إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات .. ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم" (متَّى 5/20-23).
ويتأكد ضعف الإستدلال بهذا الدليل للنصارى "الذي رآني فقد رأى الآب" إذا آمنا أن رؤية الله ممتنعة في الدنيا، كما قال المسيح : " الله لم يره أحد قط" (يوحنا 1/18)، وكما قال بولس: " لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة الأبدية " (تيموثاوس(1) 6/16)، فيصير النص إلى رؤية المعرفة , ولهذا قال المسيح لليهود في نص يـبين الأمر بجلاء : ( أنتم لا تعرفونني ولا تعرفون أبي.ولو عرفتموني لعرفتم أبي )(يوحنا 8 : 19) .
5- أنا في الآب والآب في !
ويرى النصارى أن بعض النصوص تفيد حلولاً إلهياً في المسيح ، ومنها : " لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه" (يوحنا 10/38)، وفي موضع آخر : " الذي رآني فقد رأى الآب ...الآب الحال في " (يوحنا 14/9-10)، وقوله : "أنا والآب واحد" (يوحنا 10/30).
فهذه النصوص أفادت – حسب قول النصارى - أن المسيح هو الله، أو أن حلولاً إلهياً حقيقياً لله فيه. وقد تتبع المحققون هذه النصوص فأبطلوا استدلال النصارى بها، فأما ما جاء من ألفاظ دلت على أن المسيح قد حل فيه الله-على ما فهمه النصارى- فإن فهمهم لها مغلوط .
ذلك أن المراد بالحلول حلول مجازي كما جاء في حق غيره بلا خلاف، وهو ما أشارت إليه نصوص أخرى منها ما جاء في رسالة يوحنا: "من اعترف بأن يسوع هو ابن الله، فالله يثبت فيه، وهو في الله، ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا، ومن يثبت في المحبة يثبت في الله، والله فيه" (يوحنا(1)4/15-16).ومثله فإن الله يحل مجازاً في كل من يحفظ الوصايا ولا يعني ألوهيتهم ، ففي رسالة يوحنا: "ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه، وهو فيه، وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا" (يوحنا(1) 3/24) فليس المقصود تقمص الذات الإلهية لهؤلاء الصالحين، بل حلول هداية الله وتأييده عليه.
وكذا الذين يحبون بعضهم لله : "إن أحب بعضنا بعضاً فالله يثبت فينا، ومحبته قد تكملت فينا. بهذا نعرف أننا نثبت فيه، وهو فينا". (يوحنا (1)4/12-13) .
وكما في قوله عن التلاميذ: " أنا فيهم، وأنت في" (يوحنا 14 /19)، ومثله يقول بولس عن المؤمنين: "فإنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله: إني سأسكن فيهم، وأسير بينهم، وأكون لهم إلهاً، وهم يكونون لي شعباً" (كورنثوس (2) 6/16-17) فالحلول في كل ذلك مجازي.
فقد أفادت هذه النصوص حلولاً إلهياً في كل المؤمنين، وهذا الحلول هو حلول مجازي بلا خلاف، أي حلول هدايته وتوفيقه، ومثله الحلول في المسيح.
كما تذكر التوراة حلول الله - وحاشاه - في بعض مخلوقاته على الحقيقة، ولا يقول النصارى بألوهية هذه الأشياء، ومن ذلك ما جاء في سفر الخروج : "المكان الذي صنعته يا رب لسكنك" (الخروج 15/17)، فقد حل وسكن في جبل الهيكل، ولا يعبد أحد ذلك الجبل. وفي المزامير: "لماذا أيتها الجبال المسمنة ترصدون الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه، بل الرب يسكن فيه إلى الأبد" (المزمور 68/16).
6- قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن !
ويتحدث النصارى عن المسيح الإله الذي كان موجوداً في الأزل قبل الخليقة، ويستدلون لذلك بأمور، منها ما أورده كاتب إنجيل يوحنا على لسان المسيح أنه قال: " إن إبراهيم تشوق إلى أن يرى يومي هذا، فقد رآني وابتهج بي، من قبل أن يكون إبراهيم كنت أنا " (يوحنا 8/56-58)، ففهموا منه - باطلاً – أن وجوده قبل إبراهيم يعني أنه كائن أزلي.
ويقول كاتب إنجيل يوحنا عن المسيح: "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين، والذين طعنوه…أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية" (الرؤيا1/7-8) أي الأول والآخر.
فهذه النصوص مصرحة برأي النصارى بأزلية المسيح وأبديته، وعليه فهي دليل ألوهيته.
ويخالف المحققون في النتيجة التي توصل إليها النصارى، إذ ليس المقصود الوجود الحقيقي للمسيح كشخص، بل المقصود الوجود القدري والإصطفائي، أي اختيار الله واصطفاؤه له قديم ، كما قال بولس عن نفسه وأتباعه : " كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين" (أفسس 1/4) أي اختارنا بقدره القديم وفي علمه الأزلي ، ولا يفيد أنهم وجدوا حينذاك، وهذا الإصطفاء هو المجد الذي منحه الله المسيح، كما في قوله: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يوحنا 17/5)، وهو المجد الذي أعطاه لتلاميذه حين اصطفاهم واختارهم للتلمذة كما اختاره الله للرسالة: "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني" (يوحنا 17/22).ومثله عرف إبراهيم المسيح قبل خلقه، لا بشخصه طبعاً، لأنه لم يره قطعاً " فقد رآني وابتهج بي"، فالرؤية مجازية، وهى رؤية المعرفة، وإلا لزم النصارى أن يذكروا دليلاً على رؤية إبراهيم للإبن.وقول يوحنا على لسان المسيح أنه قال: "من قبل أن يكون إبراهيم كنت أنا " (يوحنا 8/56-58)، لا يدل على وجوده في الأزل، وغاية ما يفيده النص إذا أُخذ على ظاهره أن للمسيح وجود أرضي يعود إلى زمن إبراهيم، وزمن إبراهيم لا يعني الأزل.ثم لو كان المسيح أقدم من إبراهيم وسائر المخلوقات، فإن له لحظة بداية خُلق فيها، كما لكل مخلوق بداية، وهو ما ذكره بولس: "الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة" (كولوسي 1/15)، فهو مخلوق، لكنه بكر الخلائق أي أولها، والخلق يتنافى مع الأزلية.
وممن شارك المسيح في هذه الأزلية المدعاة، ملكي صادق كاهن ساليم في عهد إبراهيم، فإن بولس يزعم أنه لا أب له ولا أم، ويزعم أنه لا بداية له ولا نهاية، أي أنه أزلي أبدي، يقول: "ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي…بلا أب، بلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له، ولانهاية حياة، بل هو مشبه بابن الله، هذا يبقى كاهناً إلى الأبد" (عبرانيين 7/1-3)، فلم لا يقول النصارى بألوهية ملكي صادق الذي يُشبه بابن الله ؟ بل هو متفوق على المسيح الذي يذكر النصارى أنه صُلب ومات، وله أم بل وأب حسب ما أورده متَّى ولوقا ، في حين أن ملكي صادق قد تنـزه على ذلك كله؟!
وأيضًا سليمان حين قال عن نفسه: " أنا الحكمة أسكن الذكاء، وأجد معرفة التدابير…الرب قناني أول طريقه، من قبل أعماله منذ القديم، منذ الأزل مسحت، منذ البدء، منذ أوائل الأرض، إذ لم يكن ينابيع كثيرة المياه، ومن قبل أن تقرر الجبال أُبدئت، قبل التلال أبدئت …" (الأمثال 8/12-25). وقول بعض النصارى أنه كان يتحدث عن المسيح لا دليل عليه , فسليمان هو الموصوف بالحكمة في الكتاب المقدس ، كما في سفر الأيام : "مبارك الرب إله إسرائيل الذي صنع السماء والأرض، الذي أعطى داود الملك ابناً حكيماً صاحب معرفة وفهم، الذي يبني بيتاً للرب وبيتاً لملكه" (أيام (2) 2/12).
وكلمة "منذ الأزل مسحت" لا تدل على المسيح، إذ لفظ "المسيح" لقب أطلق على كثيرين غير المسيح عيسى ممن مسحهم الله ببركته من الأنبياء كداود وإشعيا (المزمور 45/7، وإشعيا 61/1)، فلا وجه لتخصيص المسيح بهذا اللقب. ثم إن الحكمة لم تطلق أصلاً على المسيح، ولم يختص بها، فلا وجه في الدلالة على ألوهية المسيح بهذا النص قطعاً.
وقال الرب لأرميا : ( قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيًا للشعوب ) ( أرميا 1 : 5). فالأزلية هنا أزلية العلم والقدر لا الوجود والجسم .
أما نصوص سفر الرؤيا والتي ذكرت أن المسيح الألف والياء، وأنه الأول والآخر، فلا تصلح للدلالة في مثل هذه المسائل، فهى كما أشار العلامة ديدات وجميع ما في هذا السفر مجرد رؤيا منامية غريبة رآها يوحنا، ولا يمكن أن يعول عليها، فهي منام مخلط كسائر المنامات التي يراها الناس، فقد رأى يوحنا حيوانات لها أجنحة وعيون من أمام، وعيون من وراء، وحيوانات لها قرون بداخل قرون…(انظر الرؤيا 4/8)، فهي تشبه إلى حد بعيد ما يراه في نومه من أُتخم في الطعام والشراب، وعليه فلا يصح به الإستدلال.
ثم في آخر هذا السفر مثل هذه العبارات صدرت عن أحد الملائكة كما يظهر من سياقها، وهو قوله:" أنا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا.وحين سمعت ونظرت خررت لأسجد أمام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا. فقال لي: انظر لا تفعل. لأني عبد معك ومع إخوتك الأنبياء والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب.اسجد للّه. وقال لي: لا تختم على أقوال نبوة هذا الكتاب لأن الوقت قريب.. وها أنا آتي سريعاً، وأجرتي معي. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر" (الرؤيا 22/8-13) . وليس في ظاهر النص ما يدل على انتقال الكلام من الملاك إلى المسيح أو غيره.
كما أن سفر الرؤيا هذا ظل موضع جدل بين علماء النصارى من حيث كونه وحيًا أم خرافة , جاء في مقدمة الكتاب المقدس ( الترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية ) : "ويبدوا أن مقياس نسبة المؤَلف إلى الرسل استعمل استعمالاً كبيرًا , ففقد رويدًا رويدًا كل مؤَلف لم تثبت نسبته إلى رسول من الرسل ما كان له من الحظوة . فالأسفار التي ظلت مشكوكة في صحتها , حتى القرن الثالث , هى تلك الأسفار نفسها التي قام نزاع على صحة نسبتها إلى الرسل في هذا الجانب أو ذلك من الكنيسة . وكانت الرسالة إلى العبرانيين والرؤيا ( رؤيا يوحنا اللاهوتي ) أشد المنازعات . وقد أنكرت صحة نسبتهما إلى الرسل إنكارًا شديدًا مدة طويلة . فأُنكرت في الغرب صحة الرسالة إلى العبرانيين وفي الشرق صحة الرؤيا " ( الترجمة الكاثوليكية ص 10 ) .
ويعد هذا النص من أهم الشواهد التي يستدل بها النصارى على ألوهية المسيح , فلقد جاء في نسخة الفانديك :
صورة طبق الأصل من ترجمة الفانديك
لكن هذا النص به من التحريف والزيادة ما يكفي لرده جملة وتفصيلاً , إذ أن جملة (البداية والنهاية ) لم ترد في أقدم المخطوطات ولذلك حُذفت من التراجم الحديثة .
وقد وضع علماء الكتاب المقدس جملة ( البداية والنهاية ) في ترجمة " كتاب الحياة " بين قوسين للدلالة على أن هذه الجملة من وضع الناسخ وليست في المتن الأصلي .
7- الله ظهر في الجسد !
جاء في ترجمة " الفانديك " التي يُفضلها الأورثوذكس :
" وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ " ( ا تيمو 3 : 16 ) .
يُعد هذا النص أحد أهم الأدلة التي يستدل بها النصارى على عقيدة التجسد الإلهي داخل البدن البشري للمسيح عليه السلام !
وبعيدًا عن مناقشة الأدلة العقلية والنقلية على سقوط هذه الهرطقة المقتبسة من الأديان الوثنية القديمة , فيكفينا أن ننقل ما جاء في الترجمة الكاثوليكية لنعرف ما هو الذي ظهر في الجسد ! :
صورة طبق الأصل من الترجمة اليسوعية ويظهر فيها أن لفظ الجلالة قد حُذف !
لقد تم حذف لفظ الجلالة " الله " من النص , وهذا معناه أن الكاثوليك العرب لم يظهر عندهم الله في الجسد مثل الأورثوذكس !
ألا يكفي هذا التضارب لبطلان الإستشهاد بهذا العدد في إثبات عقيدة التجسد ؟!
فأين اختفى لفظ الجلالة " الله " في الترجمة الكاثوليكية ؟ , وما هو الذى ظهر في الجسد في الترجمة الكاثوليكية – لأن الفعل مبني للمجهول " أُظهر " - ؟ أليس بعد حذف لفظ الجلالة " الله " أصبح الفعل المبني للمجهول " أُظهر " يعود على سر التقوى , أي أن سر التقوى هو الذى ظهر في الجسد ؟ أليست هذه حقيقة مسلم بها لا تحتاج إلى بيان ؟! , أليس إذا ظهرت تقوى الكبير المتعال في قلب الإنسان وجوارحه , إرتقى وارتفع شأن ذلك الإنسان بين البشر , وإذا كان هذا الإنسان نبيًا تقيًا , أليس بتلك التقوى يتبرر ذلك النبي في الروح وتحفظه عناية الله وملائكته وتُؤمن به الأمم ويُرفع في المجد ؟!
وإليك عزيزي القاريء خلاف آخر يثبت مدى التناقض والتضارب في الترجمات والنسخ العربية للكتاب المقدس :
صورة طبق الأصل من ترجمة " كتاب الحياة " ( عربي – إنجليزي )
الصورة السابقة تبين مدى التناقض والتضارب بين النص الإنجليزي والنص العربي , فالنص الإنجليزي يقول : " المسيح الذي جاء إلى الأرض كإنسان " , بينما النص العربي والذي من المفترض أن يكون ترجمة صحيحة للنص الإنجليزي جاء فيه: " وباعتراف الجميع أن سر التقوى عظيم : الله ظهر في الجسد " !
فأي محاولة خبيثة وخدعة ماكرة تلعبونها على رعاياكم البسطاء الذين لا يدرون شيئًا عما تفعلونه ؟!
وهذه طبعات إنجليزية أخرى أضيفها تبين حقيقة الأمر :
New International Reader's Version (NIRV):
" Jesus appeared in a body…….."
New Living Translation (NLT):
" Christ appeared in the flesh……"
-
8- الذي هو صورة الله !
ومن أدلة النصارى على ألوهية المسيح ما قاله بولس عنه: "مجد المسيح الذي هو صورة الله" (كورنثوس(2)4/4)، وفي فيلبي :"المسيح يسوع أيضاً الذي إذا كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائر في صورة الناس" (فيلبي 2/6-7) ويقول عنه أيضاً : "الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة" (كولوسي 1/15).
لكن هذه الأقوال صدرت عن بولس، ولا نراها عند أحد من تلاميذ المسيح وحوارييه، وهذا كاف لإضفاء نظرة الشك والإرتياب عليها. ثم إن الصورة تغاير الذات، وصورة الله هنا تعني نائبه في إبلاغ شريعته كما قال بولس في موضع آخر عن الرجل : " فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه، لكونه صورة الله ومجده، وأما المرأة فهي مجد الرجل" (كورنثوس(1)11/7)، ومعناه أن الله أناب الرجل في سلطانه على المرأة.
كما أن كون المسيح على صورة الله لا يمكن أن يستدل به على ألوهيته، فإن آدم يشارك الله في هذه الصورة كما جاء في سفر التكوين عن خلقه: "قال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا… فخلق الإله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه" (التكوين 1/26-27).
فإن أصر النصارى على الجمع بين الصورة وألوهية المسيح فإن في الأسفار ما يكذبهم فقد جاء في إشعيا : "اجتمعوا يا كل الأمم…لكي تعرفوا وتؤمنوا بي… قبلي لم يصور إله، وبعدي لا يكون. أنا أنا الرب، وليس غيري مخلص" (إشعيا 43/9-11).
9- فخروا وسجدوا له !
تتحدث الأناجيل عن سجود بعض معاصري المسيح له ، ويرون في سجودهم له دليل ألوهيته واستحقاقه للعبادة، فقد سجد له أب الفتاة النازفة : " فيما هو يكلمهم بهذا إذا رئيس قد جاء، فسجد له " (متَّى 9/18)، كما سجد له الأبرص :"إذا أبرص قد جاء وسجد له "(متَّى 8/2)، وسجد له المجوس في طفولته : " فخروا وسجدوا له، ثم فتحوا كنوزهم " ( متَّى 2/11 ). فيما رفض بطرس سجود كرنيليوس له، وقال له : "قم أنا أيضاً إنسان" (أعمال 10/25)، فقد اعتبر السجود نوعاً من العبادة لا ينبغي إلا لله، وعليه يرى النصارى في رضا المسيح بالسجود له دليلاً على أنه كان إلهاً.
ولا ريب أن السجود مظهر من مظاهر العبادة، لكنه لا يعني بالضرورة أن كل سجود عبادة، فمن السجود ما هو للتبجيل والتعظيم فحسب، فقد سجد يعقوب وأزواجه وبنيه لعيسو بن إسحاق حين لقائه : " وأما هو فاجتاز قدامهم، وسجد إلى الأرض سبع مرات، حتى اقترب إلى أخيه.. فاقتربت الجاريتان هما وأولادهما وسجدتا، ثم اقتربت ليئة أيضاً وأولادها وسجدوا. وبعد ذلك اقترب يوسف وراحيل، وسجدا " (التكوين 33/3-7).كما سجد موسى عليه السلام على حسب ما جاء في الكتاب المقدس لحماه حين جاء من مديان لزيارته : "فخرج موسى لاستقبال حميه، وسجد، وقبّله" (خروج 18/7)، وسجد إخوة يوسف تبجيلاً لا عبادة لأخيهم يوسف : " أتى إخوة يوسف، وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض" (التكوين 42/6)، واستمرت هذه العادة عند بني إسرائيل :" وبعد موت يهوياداع جاء رؤساء يهوذا، وسجدوا للملك " (الأيام (2) 24/7).
فلماذا اعتبر النصارى السجود ليسوع عبادة والسجود لغيره ليس بعبادة ؟!
فهل نستمر في ضرب الأمثلة أم لا يزال سخف العقول ملحًا !
إن سجود العبادة لا يكون إلا لله جل وعلا وهذا ما قاله المسيح بنفسه : ( لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ، وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ ) لوقا 4 : 8 , أما سجود التحية والتعظيم والتبجيل فله شواهد كثيرة في العهد القديم والعهد الجديد ولا يمكننا التحزب ليسوع من أجل أمر فُعل مع كثيرين غيره !
لقد ذكر القمص المشلوح المفضوح " زكريا بطرس " في إحدى حلقات برنامجه المقبوح أن السدي قال في تفسيره : ( لقيت أم يحيي أم عيسى فقالت إن مافي بطني (يحيى) يسجد لما في بطنك (المسيح) ) . واستدل بهذا النقل على ألوهية المسيح .
وبالنسبة لما ذكره السدي في روايته التي جاء فيها أن أم يحيى عليه السلام شعرت بأن ما في بطنها يسجد لما فى بطن مريم أي المسيح عليهم جميعًا أكمل الصلوات وأتم التسليمات ففيه أمرين :
الأول : أن السدي ليس بحجة وقد اختلف فيه علماء الحديث : فمنهم من وثقه، ومنهم من كذبه ، والأكثرون على ضعفه وكذبه . ومثل هذا لا ينبغي أخذ الحديث عنه . ولكن قد نأخذ عنه التفسير اللغوي استئناساً فقط إذا تطابق تفسيره مع تفسير الثقات ، لكن لا نجعله حجة في دين الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " تفسير آيات أشكلت" (1/167): «وقد ذَكَر في أول تفسيره ( أى السدي ) أنه أخذه عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس . وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود . وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لكن هو ينقله بلفظه ، ويخلط الروايات بعضها ببعض . وقد يكون فيها المرسل، والمسند، ولا يميز بينها ».
الثاني: هو أن السجود هو سجود تبجيل واحترام وتحية , لا عبادة وتأليه للمسجود له , وقد نقلنا نصوصًا عديدة من الكتاب المقدس تُبين ذلك الأمر الذي لا ينكره إلا مماحك , فهذا النوع من السجود ثابت في شرعكم , وقد أبطله النبي صلى الله عليه وسلم, فعن عبد الله بن أبي أوفي قال : ( لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم , فقال صلى الله عليه وسلم : ما هذا يا معاذ قال أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تفعلوا فإني لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) (أخرجه ابن ماجه في " كتاب النكاح " برقم 1843) .
فلاحظ أيها المستمع أن معاذً رضي الله عنه رأى ما يفعله النصارى في الشام بأساقفتهم وبطارقتهم من سجود وتعظيم لأن هذا شرعهم منذ قديم الأزل !
فلماذا التحزب ليسوع فقط ؟!
ولهذا قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعليقًا على رواية السدي : " ومعنى السجود ها هنا الخضوع والتسليم , كالسجود عند المواجهة للسلام كما كان في شرع من قبلنا , وكما أمر الله الملائكة بالسجود لأدم " ( قصص الأنبياء ص 493 ) .
10- مغفورة لك خطاياك !
ومما يستدل به النصارى على ألوهية المسيح ما نقلته الأناجيل من غفران ذنب المفلوج والخاطئة على يديه، والمغفرة من خصائص الألوهية، وعليه فالمسيح إله يغفر الذنوب، فقد قال للخاطئة مريم المجدلية: "مغفورة لك خطاياك " (لوقا 7/48)، كما قال للمفلوج: "ثق يا بني، مغفورة لك خطاياك " وقد اتهمه اليهود بالتجديف فقالوا: " قالوا في أنفسهم: هذا يجدّف " (متَّى 9/3).
لكنا إذا رجعنا إلى قصتي الخاطئة والمفلوج فإنا سنرى وبوضوح أن المسيح ليس هو الذي غفر ذنبيهما، ففي قصة المرأة لما شكّ الناس بالمسيح وكيف قال لها: "مغفورة خطاياك"، وهو مجرد بشر، أزال المسيح اللبس، وأخبر المرأة أن إيمانها بالله هو الذي خلصها، ويجدر أن ننبه إلى أن المسيح لم يدع أنه هو الذي غفر ذنبها، بل أخبر أن ذنبها قد غُفر، والذي غفره بالطبع هو الله تعالى.
والقصة بتمامها كما أوردها كاتب إنجيل لوقا : "وأما هي فقد دهنت بالطيب رجليّ، من أجل ذلك أقول لك: قد غُفرت خطاياها الكثيرة، لأنها أحبت كثيراً، والذي يغفر له قليل يحب قليلاً، ثم قال لها: مغفورة لك خطاياك، فابتدأ المتكئون معه يقولون في أنفسهم: من هذا الذي يغفر خطايا أيضاً؟! فقال للمرأة: إيمانك قد خلّصك، اذهبي بسلام" (لوقا 7/46-50).
وكذا في قصة المفلوج لم يدع المسيح أنه الذي يغفر الذنوب، فقد قال للمفلوج: " ثق يا بني، مغفورة لك خطاياك" . فأخبر بتحقق الغفران، ولم يقل : إنه هو الغافر لها، ولما أخطأ اليهود، ودار في خلدهم أنه يجدف ، وبخهم المسيح على الشر الذي في أفكارهم، وصحح لهم الأمر، وشرح لهم أن هذا الغفران ليس من فعل نفسه، بل هو من سلطان الله، لكن الله أذن له بذلك، كسائر المعجزات والعجائب التي كان يصنعها، وقد فهموا منه المراد وزال اللبس من صدورهم : " فلما رأى الجموع تعجبوا، ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا ". والقصة بتمامها كما أوردها كاتب إنجيل متَّى كالتالي: " قال للمفلوج: ثق يا بني، مغفورة لك خطاياك، وإذا قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم: هذا يجدّف، فعلم يسوع أفكارهم فقال: لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم؟ أيما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال قم وامش؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا ، حينئذ قال للمفلوج: قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك، فقام ومضى إلى بيته، فلما رأى الجموع تعجبوا، ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا" (متَّى 9/3-8).
ولما كان المسيح لا يملكه من تلقاء نفسه فقد طلب من الله أن يغفر لليهود، ولو كان يملكه لغفر لهم ولم يطلبه من الله كما في لوقا " فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23/34).
وهذا السلطان دُفع إليه كما دُفع إلى غيره على حسب ما جاء في أناجيلكم : "إلتفت إلى تلاميذه وقال: كل شيء قد دُفع إليّ من أبي" (لوقا 10/22)، وإلا فهو لا حول له ولا قوة، وقد قال في موضع آخر: " دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (متَّى 28/18)، إذاً فهو ليس سلطانه الشخصي، بل دُفع إليه من الله.
ويحضرني الأن ما قاله القس الصهيوني " أنيس شورش " في مناظرته مع العلامة ديدات أن المسيح قال ذلك تواضعًا - أي تواضعًا على الله - ! , فهو بذلك ليس مساويًا لله في نظر القس بل هو أعظم من الله في نظره !
ولا حول ولا قوة إلا بالله !
إن سلطان غفران الخطايا دُفع أيضاً إلى غير المسيح كما جاء في الكتاب المقدس ، فقد دُفع إلى التلاميذ: " الحق أقول لكم: كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء، وأقول لكم أيضاً: إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السموات" (متَّى 18/18-20)، لكنه كما لا يخفى على كل عاقل لا يعني ألوهيتهم لأنه ليس حقاً شخصياً لهم، بل هبة إلهية وُهبت لهم ولمعلمهم المسيح. هذا ما يذكره الكتاب المقدس , فلقد أصبح بإمكانهم غفران الذنوب التي تتعلق بحقوقهم الشخصية بل وكل الذنوب والخطايا على حسب ما جاء في كتابكم ، ومغفرتهم للذنوب الشخصية يقول عنها يسوع: "إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي، وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم" (متَّى 6/14-15)، فيما يعطيهم يوحنا صكاً مفتوحاً في غفران أي ذنب وخطيئة، فيقول: "من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت "(يوحنا 20/28)، فهم كالمسيح عليه السلام !
وقد ورثت الكنيسة عن بطرس والتلاميذ هذا المجد وهذا السلطان ، فأصبح القسس يغفرون للخاطئين عن طريق الإعتراف أو صكوك الغفران ، واعتمدوا في إقرار ذلك على وراثتهم للسلطان الذي دُفع لبطرس : " أنت بطرس... وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات.." (متَّى 16/19 )، فلو غفر بطرس أو البابا لإنسان خطاياه غُفرت خطيئته من غير أن يقتضي ذلك ألوهيته.
إذاً فالأمر لا يعني بالضرورة أن المسيح يعد إلهًا من أجل إقراره بمغفرة ذنوب الخاطئين , فلقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : " من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " ( متفق عليه ) . وقال عليه الصلاة والسلام: " من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه " ( متفق عليه ) , وقال أيضًا: " من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه " ( متفق عليه ). وقال عليه الصلاة والسلام : " إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه " ( متفق عليه ) . وقال عليه الصلاة والسلام : "بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغُفر لها به " (متفق عليه) . وقال عليه الصلاة والسلام : " للشهيد عند الله ست خصال يُغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويحلى حلة الإيمان ويزوج من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه " ( أخرجه ابن ماجه في كتاب الجهاد برقم 2789 ) .
فلم يُعلم من هذه الأحاديث الصحيحة المتواترة أن محمدًا صلى الله عليه وسلم إله , بل عُلم منها أن الله عز وجل هو مصدر هذه المغفرة وأن النبي عليه الصلاة والسلام ما هو إلا مبلغ عن ربه .
وحسبنا قول المسيح عليه السلام في إنجيل لوقا : ((من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده)) لوقا [ 5: 21 ] ؟ وهو سؤال استنكاري بمعنى : أنه لا يغفر الذنوب إلا الله وحده .
11- الله هو الديان !
تتحدث الأسفار عن المسيح وأنه ديان الخلائق يوم القيامة، يقول بولس: "أنا أناشدك إذاً أمام الله والرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته" (تيموثاوس (2) 4/1) فيرون في ذلك دليلاً على ألوهيته لأن التوراة تقول: "الله هو الديان" (المزامير 50/6)، لكن ثمة نصوص تمنع أن يكون المسيح هو الديان : " لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلّص به العالم . الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (يوحنا 3/17)، فالمسيح لن يدين أحداً، وهو ما أكده المسيح بقوله: " وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم، من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه (أي الله وشرعه). الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير" (يوحنا 12/47-48).
وإن أصر النصارى على أن الدينونة من أعمال المسيح فإن آخرين يشاركونه فيها، وهم التلاميذ الإثني عشر بما فيهم الخائن يهوذا الأسخريوطي : " فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم: إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الإثني عشر" (متَّى 19/28).
وفي لوقا : " لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي وتجلسوا على كراسيّ، تدينون أسباط إسرائيل الإثني عشر" (لوقا 22/30) . والأعجب من ذلك أنّ القديسين وبولس سيشاركون في إدانة الملائكة والعالم بأسره مع المسيح : "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم.فإن كان العالم يُدان بكم أفأنـتم غير مستاهلين للمحاكم الصغرى. ألستم تعلمون اننا سندين ملائكة فبالأولى أمور هذه الحياة"( 1كورنثوس6 : 2 - 3).فالإستدلال بأن دينونة المسيح للعالم دليلاً على ألوهيته , إستدلال ضعيف وساقط للغاية والأناجيل نفسها تنقضه .
ثم رأينا زعم النصارى أن الإسلام قد أقر أن المسيح ديان العالم إستنادًا لما جاء في البخاري ومسلم من حديث إبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً ...." وهذا ما يقفون عنده دائمًا, إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم في تتمة كلامه الشريف : " فيكسر الصليب , ويقتل الخنزير , ويضع الحرب , ويفيض المال حتى لايقبله أحد , حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها " . فإن كان المسيح ديانًا للعالم , فهو ديان لمن عصوه وزعموا أنه إله أو ابن إله , وأنه صُلب وقُبر وقام من بين الأموات !
12- كان في العالم وكون العالم به !
أسندت بعض النصوص الخالقية للمسيح، فتعلق النصارى بها، ورأوها دالة على ألوهيته ومنها قول بولس عن المسيح: " فإن فيه خلق الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى، سواء أن كان عروشاً أم رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خلق" (كولوسي1/16-17)، وفي موضع آخر يقول:"الله خالق الجميع بيسوع المسيح" (أفسس3/9)، ومثله ما جاء في مقدمة يوحنا : " كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم" (يوحنا 1/10)، ومثله في (عبرانيين1/2).
ولا يُسلم المحققون أن المقصود من هذه النصوص أن المسيح خلق الخلائق خلقة الإيجاد، بل المقصود الخلقة الجديدة، وهي خلقة الهداية التي تحدث عنها داود وهو يدعو الله: "قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي" (مزمور51/10).ومثله قال بولس عن المؤمنين بالمسيح:"إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (كورنثوس(2)5/17).
وقال: "لأنه في المسيح ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة" (غلاطية6/15).وفي موضع آخر يقول: "تلبسوا الإنسان المخلوق الجديد بحسب الله في البر". (أفسس4/24). وقال عن المسيح: "بكر كل خليقة" (كولوسي1/15)، أي أنه أول المؤمنين ، وعلى هذا الأساس اعتبر يعقوب التلاميذ باكورة المخلوقات فقال: "شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يعقوب1/18).
وعليه فإن المقصود من خلق المسيح للبشر هو الخلق الروحي، إذ جعله الله محيياً لموات القلوب وقاسيها.
وقول بولس : ( فإن فيه خلق الكل: ما في السماوات وما على الأرض ) مبالغة معهود مثلها في النصوص التوراتية والإنجيلية ، ومن ذلك قول موسى لبني إسرائيل : "هوذا أنتم اليوم كنجوم السماء في الكثرة " (التثنية1/10). ومثله في قوله: " وكان المديانيون والعمالقة وكل بني المشرق حالّين في الوادي كالجراد في الكثرة.وجمالهم لا عدد لها، كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة" (القضاة 7/12).ولا يمكن أن يكون المسيح خالقاً للسماوات والأرض وما بينهما بغير هذا المعنى ، إذ هو ذاته مخلوق، وإن زعمت النصارى أنه أول المخلوقين ، لكنه على كل حال مخلوق، والمخلوق غير الخالق , ونحن نتحدى أن يُثبت أعلم علماء النصارى كيف أن إلهًا خالقًا يخلق إلهًا آخر مثله خالقًا وليس بمخلوق ! , فبمجرد خلقه لإله أخر أصبح هذا الإله مخلوقًا !
إن الذي عجز عن رد الحياة لنفسه عندما مات لهو أعجز من أن يكون خالقاً للسماوات والأرض :" فيسوع هذا أقامه الله" (أعمال 2/32 ) !
13- الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع !
تذكر الأناجيل بأن المسيح قد أتى من فوق أو من السماء و"الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع" (يوحنا 3/31)، ويرون صورة ألوهيته مشرقة في قوله :" أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم" (يوحنا 8/23)، فدل ذلك - وفق رأي النصارى - على أنه كائن إلهي فريد.
إن المقصود من المجيء السماوي هو إتيان المواهب والشريعة، وهو أمر يستوي به مع سائر الأنبياء، ومنهم يوحنا المعمدان فقد سأل المسيح اليهود: "معمودية يوحنا من أين كانت من السماء؟ أم من الناس؟ ففكروا في أنفسهم قائلين: إن قلنا من السماء، فيقولوا لنا :فلماذا لم تؤمنوا به؟ وإن قلنا: من الناس، نخاف من الشعب…" (متَّى 21/25-26).
وتذكر الأناجيل أن كل من هب ودب إذا آمن بأن يسوع هو المسيح كان مولودًا من فوق , ومن كان مولدًا من فوق يستطيع أن يرى ملكوت الله : "الحق الحق أقول لكم: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3/3). وكذا قال: "كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح، فقد ولد من الله" (يوحنا (1) 5/1).
وقال: " كل من يصنع البر مولود منه" (يوحنا (1)2/29).
وقول المسيح: " أما أنا فلست من هذا العالم " ليس دليلاً على الألوهية بحال، فمراده اختلافه عن سائر البشر باستعلائه عن العالم المادي بل هو من فوق ذلك الحطام الذي يلهث وراءه سائر الناس. وقد قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضاً بعد أن لمس فيهم حب الآخرة والإعراض عن الدنيا، فقال: " لو كنـتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، لكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم" (يوحنا 15/19).
وفي موضع آخر قال عنهم: " أنا قد أعطيتهم كلامك، والعالم أبغضهم، لأنهم ليسوا من العالم كما أني لست من العالم" ( 17/14-15)، فقال في حق تلاميذه ما قاله في حق نفسه من كونهم جميعاً ليسوا من هذا العالم، فلو كان هذا على ظاهره، وكان مستلزماً الألوهية ، للزم أن يكون التلاميذ كلهم آلهة ، لكن تعبيره في ذلك كله نوع من المجاز، كما يقال: فلان ليس من هذا العالم، يعني هو لا يعيش للدنيا و لا يهتم بها، بل همُّـهُ دوماً رضا الله والدار الآخرة وهذا حال الأنبياء جميعًا .
وقد زعم النصارى في هذا الصدد أيضًا أن المسيح هو الله لأنه قال : " ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" يوحنا 3 : 13. ولتحليل هذه الفقرة علينا أن نلاحظ في البداية أن زعم النصارى جاء من قول المسيح فيما زعموه : ( ابن الإنسان الذي هو في السماء ) وهذه الجملة محرفة من وضع المخربين ولم ترد في أقدم المخطوطات اليدوية الموجودة حاليًا في المتاحف العالمية , ولذلك حُذفت هذه الجملة من التراجم المنقحة الحديثة , مثل الترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية إذ صار النص فيها هكذا : " فما من أحد يصعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء وهو ابن الإنسان " . وإذا كان احـتكام النصارى إلى هذه المخطوطات اليدوية التي يعود أقدمها إلى القرن الثالث بعد ميلاد المسيح موجهًا لهم في تصحيح النصوص الكتابية , فما الذي لا يدعونا إلى القول بأن هذا النص بالكامل دخيل ومحرف خاصة وأن هذه المخطوطات هي الموجه الوحيد للنصارى في قبولهم أو رفضهم للنصوص , فماذا لو أن التحريف أصلاً واقع بتلك المخطوطات التي جعلوها عمدتهم في تنقيح النصوص ؟!
إن الذي دعا النصارى إلى حذف نهاية النص من التراجم الحديثة هو اعتمادهم على تلك المخطوطات , فإذا كان التحريف قد حدث في هذه المخطوطات التي جعلوها عمدتهم فكيف لهم أنها لم تُحرف ولم يمسها التحريف وليس هناك مخطوطات أقدم أو أدلة أخرى يُثبتون بها صحة تلك المخطوطات ؟!
أما قول المسيح فيما زعموه : " ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء".فلو أخذنا النزول من السماء على معناه الحرفي فليس فيه أي إثبات لألـهية المسيح ، إذ أن نزول الشخص أو الكائن من السماء إلىالأرض لا يفيد إلـهيته لا من قريب ولا من بعيد، فكثير من الكائنات الملكوتية نزلت من السماء ، كجبريل مثلاً الذي كان ينزل من السماء إلى الأرض حاملاً رسالات الله أو منفذًا أمرًا من أوامر الله عز و جل ، كما أنه في كثير من الأحيان، هبطت بعض الملائكة إلى الأرض آخذة لباسًا بشريًا , بل عندهم أن الله أنزل الكبش الذي افتدى به الذبيح ابن ابراهيم من السماء ( التكوين 22 : 11- 13 ). فأقصى ما يفيده مثل هذا النص ، لو أُخذ على معناه الحرفي ، هو أن المسيح كان موجودًا في علم الله مثل سائر الخلق قبل أن يولد كإنسان على الأرض فلما جاء الوقت الذي حدده الله لكي يُخلق فيه ويكون فيه بداية أجله على الأرض نزل أمر الله بذلك فكان المسيح وهذا تفسير قوله : ( إلا الذي نزل من السماء ) , أما قوله : (ليس أحد صعد إلى السماء ) فهو إخبار منه أنه سيرفع إلى السماء سالمًا كما جاء إلى الأرض سالمًا كقوله : " أنا معكم زمانًا يسيرًا بعد، ثم أمضي إلى الذي أرسلني" (يوحنا 7: 33 ) , ثم إنه أخبر أن التلاميذ سيصعدون ويكونون معه إذًا فهم أيضًا قد نزلوا من السماء على المعنى الذي ذكرناه لأنه ليس أحد يصعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء : "حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا" (يوحنا 14: 1-4) .
14- ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله !
يدعي المسيحيون أن المسيح صعد حياً إلي السماء ، وهو حي فيها الآن مما يفيد ألوهيته : " ثم إن الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله " ( مرقس 16 : 19). ونقول : إن الصعود لم ينفرد به المسيح حتى تدعون أنه إله ، ألم يرد في كتابكم المقدس في سفر الملوك الثاني [ 2 : 11 ] أن النبي إيليا قد صعد إلي السماء حياً وترك أليشع خلفه يبكي وأنه إلي الآن حي فيها ؟! : )) وفيما هما _ أي إيليا وأليشع _ يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما ، فصد إيليا في العاصفة إلي السماء )).
ثم ألم يرد في كتابكم المقدس في سفر التكوين [ 5 : 24 ] أن اخنوخ صعد حياً إلي السماء وأنه حي فيها ؟ :" وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد ، لأن الله أخذه " هكذا في ترجمة الفانديك وفي ترجمة كتاب الحياة : " الله نقله إليه " . فلو كان الصعود إلي السماء دليل على الألوهية لأصبح اخنوخ وإيليا آلهه . وهذا ما لم يقل به أحد .
والجدير بالذكر أن الفقرة التي جاء فيها أن المسيح صعد إلى السماء جاءت في إنجيل مرقس, وهذه الفقرة من أنجيل مرقس وما قبلها ( خاتمة إنجيل مرقس )لم ترد في أقدم المخطوطات :
( وهناك سؤال لم يلقى جوابًا : كيف كانت خاتمة الكتاب( إنجيل مرقس ) ؟ من المسلم به على العموم أن الخاتمة كما هي الأن (16/9-20) قد أُضيفت لتخفيف ما في نهاية كتاب من توقف فجائي في الآية 8 . ولكننا لن نعرف أبدًا هل فُقدت خاتمة الكتاب الأصلية أم هل رأى مرقس أن الإشارة إلى تقليد الترائيات في الجليل في الآية لا تكفي لاختتام روايته ) ( الترجمة الكاثوليكية ص 124 ) .
وأنقل هنا ما تقوله بعض الترجمات الإنجليزية عن خاتمة إنجيل مرقس :
The most reliable early manu******s and other ancient witnesses do not have Mark 16:9-20.
(new international version)
16:20 Verses 9-20 are bracketed in NU-**** as not original. They are lacking in Codex Sinaiticus and Codex Vaticanus, although nearly all other manu******s of Mark contain them.
( New King James Version )
وقد يحتج بعض النصارى أن هذه الفقرة وردت في خاتمة إنجيل لوقا ( 24 : 51 ) , ونقول إن إنجيل مرقس هو المصدر الذي اعتمد عليه كاتب إنجيل لوقا في كتابة إنجيله , فإذا كان إنجيل مرقس لم ترد هذه الفقرة في أقدم مخطوطاته , فمن أين أتى بها كاتب إنجيل لوقا ؟!
صورة طبق الأصل للنسخة القياسية المنقحة للكتاب المقدس يقرون فيها أن الفقرات محل البحث لم ترد في أقدم المخطوطات
وعلى هذا يسقط الإستدلال بهذا النص على صعود المسيح بعد صلبه المزعوم وجلوسه عن يمين الله فضلاً عن الإستشهاد به على ألوهيته المزعومة !
15- استعمال كلمتي " رب وإله " في حق المسيح !
يستمسك النصارى بالألفاظ التي أطلقت على المسيح لفظ الألوهية والربوبية، ويرونها دالة على ألوهية المسيح، وفي أولها أنه سمي يسوع، وهي كلمة عبرانية معناها: يهوه خلاص.
ومن ذلك ما اعتبروه نبوءة عنه في إشعيا : " لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، لنمو رياسته وللسلام، لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد." (إشعيا9/6).
وكذا في قول داود: "قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. يرسل الرب قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك. شعبك منتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة من رحم الفجر لك طل حداثتك، أقسم الرب ولن يندم. أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق". (المزمور 110/ 1-4)، فسماه داود رباً.
ومثله قول بولس : "المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد" (رومية9/5) , ومثله قول توما للمسيح: "ربي وإلهي " (يوحنا 20/28)، كما قال بطرس له: "حاشاك يا رب" (متَّى 16/22)، وقال أيضاً: "هذا هو رب الكل" (أعمال 10/36)، وجاء في سفر الرؤيا عن المسيح: " وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب : ملك الملوك ورب الأرباب" (الرؤيا 17/14) وغير ذلك من النصوص مما أطلق على المسيح كلمة رب أو إله، فدل ذلك عندهم على ألوهيته وربوبيته.
لكن هذه الإطلاقات ما كان لها أن تجعل من المسيح رباً وإلهاً، إذ كثير منها ورد في باب التسمية، وتسمية المخلوق إلهاً لا تجعله كذلك. فقد سُمي بولس وبرنابا آلهة لما أتيا ببعض المعجزات : " فالجموع لما رأوا ما فعله بولس رفعوا أصواتهم قائلين: إن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا." (أعمال 14/11)، فقد كان من عادة الرومان تسمية من يفعل شيئاً فيه نفع للشعب :إلهاً، ولا تغير التسمية في الحقيقة شيئاً , ولا تجعل من المخلوق إلهاً، ولا من العبد الفاني رباً وإلهاً.
وقد سمي إسماعيل باسمه العبراني معناه: "الله يسمع"، ومثله يهوياقيم أي: "الله يرفع"، ويهوشع "الرب خلص"، وطوبياه " الله طيب " وغيرهم … ولم تقتض أسماؤهم ألوهيتَهم.
وجاء في سفر الرؤيا: "من يغلب فسأجعله في هيكل إلهي، ولا يعود يخرج إلى خارج، وأكتب عليه اسم إلهي واسم مدينة إلهي- أورشليم الجديدة -النازلة من السماء من عند إلهي واسمي الجديد" (الرؤيا 3/12)، وجاء في التوراة: "فيجعلون اسمي على بني إسرائيل" (العدد 6/27) ومع ذلك فليسوا آلهة.
لا يسلم المسلمون بصحة صدور كثير من تلك العبارات الصريحة التي يزعم العهد الجديد أنها صدرت من التلاميذ، فقد كانت محلاً للتحريف المقصود كما وقع في ( يوحنا (1) 5/7-8 ) ، كما قد يقع التحريف بسبب سوء الترجمة وعدم دقتها، فكلمة "الرب" التي ترد كثيراً في التراجم العربية كلقب للمسيح هي في التراجم الأجنبية بمعنى: "السيد" أو "المعلم"، فالمقابل لها في الترجمة الإنجليزية هو: lord، ومعناها: السيد، وفي الفرنسية : "le mait "، ومعناها: المعلم، وهكذا في سائر التراجم كالألمانية والإيطالية والأسبانية.
وما أتت به الترجمة العربية ليس بجديد، بل هو متفق مع طبيعة اللغة التي نطق بها المسيح ومعاصروه فكلمة: "رب" عندهم تطلق على المعلم، وتفيد نوعاً من الإحترام والتقدير كما قالت المرأة السامرية للمسيح: "يا رب أرى أنك نبي" (يوحنا 4/19)، فليس المقصود من كلامها وصف المسيح بالربوبية وإلا تناقض ذلك مع قولها أنه نبي , وفي إنجيل يوحنا أن المسيح كان يخاطبه تلاميذه: يا رب، ومقصودهم: يا معلم، فها هي مريم المجدلية تلتفت إليه وتقول: "ربوني الذي تفسيره: يا معلم…وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب" (يوحنا 20/16-17).
وخاطبه اثنان من تلاميذه: "رب الذي تفسيره: يا معلم" (يوحنا 1/38).ولم يخطر ببال أحد من التلاميذ المعنى الإصطلاحي لكلمة الرب حين أطلقوها على المسيح، فقد كانوا يريدون : المعلم والسيد، ولذلك شبهوه بيوحنا المعمدان حين قالوا له: " يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا تلاميذه". (لوقا 11/1).
-
وأما قول توما للمسيح "ربي وإلهي" فهو لم يقع منه في مقام الخطاب للمسيح، بل لما رأى المسيح حياً، وقد كان يظنه ميتاً استغرب ذلك، فقال متعجباً: "ربي وإلهي" (يوحنا 20/28)، ومما يؤكد صحة هذا الفهم أن المسيح أخبر في نفس السياق بأنه سيصعد إلى إلهه (انظر يوحنا 20/17)، وعليه فالألوهية هنا لو أُريد بها المسيح فهي مجازية غير حقيقية.ولو فهم المسيح أنه أراد ألوهيته لما سكت المسيح عليه السلام، فقد رفض عليه السلام حتى أن يدعى صالحاً، إذ لما ناداه بعض تلاميذه: " أيها المعلم الصالح... فقال له: لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد، وهو الله " (متَّى 19/17) فكيف يقبل أن يدعى رباً وإلهاً على الحقيقة؟
واستعمال لفظة الرب بمعنى : السيد، شائع في اللغة اليونانية، يقول ستيفن نيل: "إن الكلمة اليونانية الأصلية التي معناها: "رب" يمكن استعمالها كصيغة للتأدب في المخاطبة، فسجان فلبي يخاطب بولس وسيلة بكلمة: "سيدي" أو "رب"، يقول سفر الأعمال: " أخرجهما وقال: يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص. فقالا: آمن بالرب يسوع المسيح، فتخلص أنت وأهل بيتك" (أعمال 16/30)… وكانت اللفظة لقباً من ألقاب الكرامة… ".
وبخصوص الإستدلال بالمزمور : " قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك". (المزمور 110/ 1)، فهو لا يراد به المسيح بحال من الأحوال، بل المراد هو المسيح المنتظر، الذي وُعد به بنو إسرائيل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم. وقد أخطأ بطرس حين فهم أن النص يراد به المسيح، فقال: "لأن داود لم يصعد إلى السموات. وهو نفسه يقول: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً، فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم" (أعمال 2/29-37).
ودليل الخطأ في فهم بطرس، وكذا فهم النصارى، أن المسيح أنكر أن يكون هو المسيح الموعود على لسان داود، "فيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً: ماذا تظنون في المسيح (أي الذي تنتظره اليهود)، ابن من هو؟ قالوا له: ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك؟ فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة" (متَّى 22/41-46).
فالمسيح سأل اليهود عن المسيح المنتظر الذي بشر به داود وغيره من الأنبياء، "ماذا تظنون في المسيح، ابن من هو؟" فأجابوه: "ابن داود"، فخطأهم وقال: " فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه "، وفي مرقس : " كيف يقول الكتبة أن المسيح ابن داود؟ لأن داود نفسه قال بالروح القدس: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فداود نفسه يدعوه رباً. فمن أين هو ابنه؟! " (مرقس 12/37). وهو ما ذكره لوقا أيضاً : " وقال لهم: كيف يقولون أن المسيح ابن داود. وداود نفسه يقول في كتاب المزامير: قال الرب لربي: اجلس عن يميني، حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك؟ فإذا كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه". (لوقا 20/40-44).
وبخصوص نبوءة النبي إشعيا :" لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، لنمو رياسته وللسلام، لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد" (إشعيا9/6)، فإن أياً من هذه الأسماء لم يتسم به المسيح، فأين سُمي عجيباً أو مشيراً أو قديراً أو أباً أو رئيس السلام، فليس في الكتاب المقدس نص يذكر أنه سُمي بهذه الأسماء.فإن قالوا المراد أن هذه صفات هذا الإبن الموعود، فهي أيضاً لا تنطبق على المسيح بحال، فهي تتحدث عن نبي غالب منتصر يملك على قومه، ويكون وارثاً لملك داود، وكل هذا ممتنع في حق المسيح، ممتنع بدليل الواقع والنصوص . فالمسيح لم يملك على قومه يوماً واحداً، بل كان فاراً من بني إسرائيل، خائفاً من بطشهم، كما هرب من قومه حين أرادوه أن يملك عليهم : "وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً، انصرف أيضاً إلى الجبل وحده" (يوحنا 6/15)، لقد هرب منهم، وذلك لأن مملكته ليست دنيوية زمانية، ليست على كرسي داود، بل هي مملكة روحية في الآخرة : "أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلّم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا" (يوحنا 18/36).
كما أن إشعيا يتحدث عن رئيس السلام، وهو لا ينطبق على الذي نسبت إليه الأناجيل أنه قال: " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنّة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته " (متَّى 10/34 - 36)، فهل يسمى بعد ذلك رئيس السلام؟ , ثم إن إشعيا يتحدث عن قدير، وليس عن بشر محدود لا يقدر أن يصنع من نفسه شيئاً كما قال عن نفسه: " أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً، كما أسمع أدين" (يوحنا 5/30)، وفي نص آخر يقول لليهود: "الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الإبن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل، لأن مهما عمل ذاك، فهذا يعمله الابن كذلك" (يوحنا 5/19).
ثم إن الكتاب المقدس يمنع أن يكون المسيح ملكاً على بني إسرائيل، فقد حرم الله الملك على ذرية يهوياقيم أحد أجداد المسيح، فقد ملك على مملكة يهوذا، فأفسد، فقال الله فيه: "هكذا قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا: لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً، وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم " ( إرميا 36/30 - 31 ).
والمسيح من ذرية هذا الملك الفاسق كما في سفر الأيام الأول : "بنو يوشيا: البكر: يوحانان، الثاني: يهوياقيم، الثالث: صدقيا، الرابع: شلّوم. وابنا يهوياقيم: يكنيا ابنه، وصدقيا ابنه" (الأيام (1) 3/14-15)، فيهوياقيم أحد أجداد المسيح.وهو اسم أسقطه كاتب إنجيل متَّى من نسبه للمسيح، بين يوشيا وحفيده يكنيا، فقال: " وآمون ولد يوشيا. ويوشيا ولد يكنيا وإخوته عند سبي بابل " (متَّى 1/10-11).
ولا يخفى على القارئ النبيه سبب إسقاطه اسم هذا الجد من أجداد المسيح من سلسلة نسب المسيح.
ثم لو صح الإطلاق والترجمة، فإنه ليس من دلالة لهذه الألفاظ على ألوهية المسيح، فإطلاق كلمة الرب والإله معهود على المخلوقات في الكتاب المقدس.فمما ورد في كتب أهل الكتاب إطلاق لفظة "الرب" و "الإله" على الملائكة، فقد جاء في سفر القضاة، وهو يحكي عن ظهور ملاك الرب لمنوح وزوجه: " ولم يعد ملاك الرب يتراءى لمنوح وامرأته، حينئذ عرف منوح أنه ملاك الرب، فقال منوح لامرأته: نموت موتاً، لأننا قد رأينا الله" (القضاة 13/21-22) ومراده ملاك الله.
وظهر ملاك الله لسارة وبشرها بإسحاق"وقال لها ملاك الرب…فدعت اسم الرب الذي تكلم معها: أنت إيل رئي". (التكوين 16/11-13) فأطلقت على الملاك اسم الرب.
ومثله تسمية الملاك الذي صحب بني إسرائيل في رحلة الخروج بالرب "وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم.... فانتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم. وانتقل عمود السحاب من أمامهم، ووقف وراءهم" (الخروج 13/21- 14/19)، فسمى الملاك رباً.
ومما جاء في التوراة إطلاق هذه الألفاظ على الأنبياء فقد قال الله لموسى عن هارون: " وهو يكون لك فماً، وأنت تكون له إلهاً " (انظر الخروج 4 /16).ومنها قول الله لموسى: " فقال الرب لموسى: انظر. أنا جعلتك إلهاً لفرعون. وهارون أخوك يكون نبيّك" (الخروج 7/1 ) أي: مسلطاً عليه. وقد عهد تسمية الأنبياء (الله) مجازاً أي رسل الله فقد : " كان يقول الرجل عند ذهابه ليسأل الله: هلم نذهب إلى الرائي. لأن النبي اليوم كان يدعى سابقاً الرائي" (صموئيل(1)9/9).
وأطلقت لفظة "الله" وأريد منها القضاة، لأنهم يحكمون بشرع الله، ففي سفر الخروج : "إن قال العبد…يقدمه سيده إلى الله، ويقربه إلى الباب..." (الخروج20/5-6).وفي السفر الذي يليه فيه : "وإن لم يوجد السارق يقدم صاحب البيت إلى الله ليحكم هل لم يمد يده إلى ملك صاحبه…فالذي يحكم الله بذنبه يعوض صاحبه" (الخروج 22/8-9).وفي سفر التثنية "يقف الرجلان اللذان بينهما الخصومة أمام الرب أمام الكهنة" (التثنية 19/17).
ومثله : "الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي. حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار" (المزمور 82/1)، ومقصده أشراف بني إسرائيل وقضاتهم.
بل يمتد هذا الإطلاق ليشمل كل بني إسرائيل كما في قول داود في مزاميره: " أنا قلت: إنكم آلهة، وبنو العلي كلكم. لكن مثل الناس تموتون" (المزمور 82/6)، وهذا الذي استشهد به المسيح عندما قال: " أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة. إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذي قدسه الآب، وأرسله إلى العالم أتقولون له: إنك تجدف لأني قلت: إني ابن الله. " (يوحنا 10/34).
وتستمر الكتب في إطلاق هذه الألفاظ حتى على الشياطين، والآلهة الباطلة للأمم، فقد سمى بولس الشيطان إلهاً، كما سمى البطن إلهاً، وأراد المعنى المجازي فقال عن الشيطان: "إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين، لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح" (كورنثوس(2)4/5)، وقال عن الذين يتبعون شهواتهم ونزواتهم: "الذين إلههم بطنهم، ومجدهم في خزيهم…" (فيلبي 3/19) ومثله ما جاء في المزامير " لأني أنا قد عرفت أن الرب عظيم، وربنا فوق جميع الآلهة." (المزمور 135/5)، وألوهية البطن وسواها ألوهية مجازية غير حقيقية.
وهذه لغة الكتاب المقدس في التعبير، والتي يخطئ من يصر على فهم ألفاظها حرفياً كما يخطئ أولئك الذين يفرقون بين المتشابهات، كما أن المسيح وهو يسمع بمثل هذه الإستعارات والآلهة المجازية أوضح بأن هناك إلهاً حقيقياً واحداَ، هو الله، فقال: "الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت، أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يوحنا 17/3)، وهي ما تعني بوضوح: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله. وهو ما يعتقده المسلمون فيه عليه الصلاة والسلام. ومثل تلك الاستعارات ورد في القرآن كما في قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام لصاحبه في السجن : {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }يوسف42 ، فمقصوده الملك.
16- ابن الله !
تتحدث نصوص إنجيلية عن المسيح وتذكر أنه ابن الله، ويراها النصارى أدلة صريحة على ألوهية المسيح، فهل يصح هذا الاستدلال؟ وهل سمى المسيح نفسه ابن الله ؟
أول ما يلفت المحققون النظر إليه أنه لم يرد عن المسيح- في الأناجيل- تسميته لنفسه بابن الله سوى مرة واحدة في يوحنا 10/37، وفيما سوى ذلك فإن الأناجيل تذكر أن معاصريه وتلاميذه كانوا يقولون بأنه ابن الله.لكن المحققين يشككون في صدور هذه الكلمات من المسيح أو تلاميذه، يقول سنجر في كتابه "قاموس الإنجيل": ليس من المتيقن أن عيسى نفسه قد استخدم ذلك التعبير".
ويقول شارل جنيبر في كتابه " المسيحية نشأتها وتطورها " : "المسيح لم يدع قط أنه المسيح المنتظر، ولم يقل عن نفسه بأنه ابن الله، فهذه لغة استخدموها المسيحيون فيما بعد في التعبير عن يسوع".ويرى جنيبر أن المفهوم الخاطئ وصل إلى الإنجيل عبر الفهم غير الدقيق من المتنصرين الوثنيين فيقول:"مفهوم "ابن الله" نبع من عالم الفكر اليوناني".
ويرى البعض أن بولس هو أول من استعمل الكلمة، وكانت حسب لغة المسيح (عبد الله) وترجمتها اليونانية servant ، فأبدلها بالكلمة اليونانية pais بمعنى طفل أو خادم تقرباً إلى المتنصرين الجدد من الوثنيين.
ثم إن هذه النصوص التي تصف المسيح أنه ابن الله معارضة بثلاث وثمانين نصاً من النصوص التي أطلقت على المسيح لقب " ابن الإنسان " فلئن كانت تلك التي أسمته ابن الله دالة على ألوهيته فإن هذه مؤكدة لبشريته، صارفة تلك الأخرى إلى المعنى المجازي.
ومنها قول متَّى : " قال له يسوع: للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار.وأما ابن الإنسان فليس له، أين يسند رأسه." (متَّى 8/20)، وأيضاً قوله: " ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه" (مرقس 14/21)، وقد جاء في التوراة: " ليس الله إنساناً فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم". (العدد 23/9) فالمسيح ليس الله.
ولفظ البنوة الذي أطلق على المسيح أطلق على كثيرين غيره، ولم يقتضِ ذلك ألوهيتهم.
منهم آدم الذي قيل فيه: "آدم ابن الله" (لوقا 3/38).
وسليمان فقد جاء في سفر الأيام "هو يبني لي بيتاً …أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً" (الأيام (1)17/12-13).
ومثله قوله لداود " أنت ابني، أنا اليوم ولدتك " (المزمور 2/7).كما سميت الملائكة أبناء الله "مثلَ الملائكةِ وهم أبناء الله " (لوقا 20/36).وسمت النصوص أيضاً آخرين أبناء الله، أو ذكرت أن الله أبوهم ، ومع ذلك لا يقول النصارى بألوهيتهم. فالحواريون أبناء الله ، كما قال المسيح عنهم: " قولي لهم : إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم " (يوحنا 20/17).
وقال للتلاميذ أيضاً: " فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (متَّى 5/48).وعلمهم المسيح أن يقولوا: "فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك.. " (متى 6/9)، وقوله :" أبوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسألونه" (متى 6/11)، فكان يوحنا يقول: " انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله." (يوحنا(1) 3/1)
بل واليهود كما في قول المسيح لليهود: "أنتم تعملون أعمال أبيكم.فقالوا له: إننا لم نولد من زنا. لنا أب واحد، وهو الله" (يوحنا 8/41).
كما يطلق هذا الإطلاق على الشرفاء والأقوياء من غير أن يفهم منه النصارى ولا غيرهم الألوهية الحقيقية : "أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات.فاتّخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا.... إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولاداً. هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم" (التكوين 6/2).ومن الممكن أن يعم كل شعب إسرائيل "يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يكال ولا يعدّ ويكون عوضاً عن أن يقال لهم: لستم شعبي، يقال لهم: " أبناء الله الحي" (هوشع 1/10).ونحوه: " لما كان إسرائيل غلاماً أحببته، ومن مصر دعوت ابني" (هوشع 11/1).
ومن ذلك أيضاً ما جاء في سفر الخروج :" فتقول لفرعون هكذا: يقول الرب: إسرائيل ابني البكر. فقلت لك: أطلق ابني ليعبدني فأبيت" (الخروج 4/22) . وخاطبهم داود قائلاً: "قدموا للرب يا أبناء الله، قدموا للرب مجداً وعزّاً" (المزمور 29/1) .ومثله قوله: "لأنه من في السماء يعادل الرب. من يشبه الرب بين أبناء الله" ( المزمور 89/6).
وفي سفر أيوب: "كان ذات يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب "(أيوب 1/6).وقال الإنجيل عنهم: "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون" (متَّى 5/9).
وعليه فلا يمكن النصارى أن يجعلوا من النصوص المختصة بالمسيح أدلة على ألوهيته ثم يمنعوا إطلاق حقيقة اللفظ على آدم وسليمان ويعقوب وكل من هب ودب وتخصيصهم المسيح بالمعنى الحقيقي يحتاج إلى مرجح لا يملكونه. وجاء أيضًا : "كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح، فقد ولد من الله" (يوحنا (1) 5/1). وفي آخر نفس هذه الرسالة : (( نعلم أن كل من ولد من الله لايخطئ بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه )) [ 5 : 18 ]. و أيضًا في الإصحاح الثالث من نفس تلك الرسالة، يقول يوحنا: ((كل من هو مولود من الله لا يفعل خطيَّة لأن زرعه يثبت فيه و لا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله، بهذا أولاد الله ظاهرون و أولاد إبليس... الخ )) رسالة يوحنا الأولى: [3: 9ـ10].
وكذلك قول الكتاب : " كل من يصنع البر مولود منه" (يوحنا (1)2/29). وفي رسالة بولس إلى أهل رومية [8 : 14 ـ 16]: (( لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولـئك هم أبناء الله. إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب. الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله)) .
والمعنى المقصود للبنوة في كل ما قيل عن المسيح وغيره إنما هو معنى مجازي بمعنى حبيب الله أو مطيع الله. لذلك قال قائد المائة الذي شاهد المصلوب - على زعم النصارى - وهو يموت فقال:"حقاً كان هذا الإنسان ابن الله " (مرقس 15/39).ولما حكى لوقا القصة نفسها أبدل العبارة بمرادفها فقال:"بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً" (لوقا 23/47). ومثل هذا الإستخدام وقع من يوحنا حين تحدث عن أولاد الله فقال:"وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا : أولاد الله. أي المؤمنين بإسمه" (يوحنا 1/12).
ومثله يقول:"الذي يسمع كلام الله من الله" (يوحنا 8/47).ومثل هذه الإطلاق المجازي للبنوة معهود في الكتب المقدسة التي تحدثت عن أبناء الشيطان، وأبناء الدهر (الدنيا)…(انظر يوحنا 8/44، لوقا 16/8).
وأما المعنى الحقيقي للبنوة فقد نطقت به الشياطين، فانتهرها المسيح، ففي إنجيل لوقا : "كانت شياطين أيضاً تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول: أنت المسيح ابن الله. فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لأنهم عرفوه أنه المسيح". (لوقا 4/41).
والنصارى يرون تميزاً مستحقاً للمسيح في بنوته عن سائر الأبناء، فهم لا ينازعون في صحة الإطلاق المجازي عندما ترد لفظ البنوة بحق سائر المخلوقات. لكن النـزاع إنما يكمن في تلك الأوصاف التي أطلقت على المسيح ويثبتها النصارى على الحقيقة محتجين بأمور، منها: أنه قد جاء وصف المسيح بأنه الإبن البكر أو الوحيد لله (انظر عبرانيين1/6، يوحنا3/18) أو أنه سمي ابن الله العلي ( انظر لوقا 1/32، 76)، أو أنه ابن ليس مولوداً من هذا العالم كسائر الأبناء، بل هو مولود من السماء، أو من فوق (انظر يوحنا 1/18).ولكن ذلك كله تثبت النصوص أمثاله لأبناء آخرين.فالبكورية وصف بها إسرائيل: " إسرائيل ابني البكر" (الخروج 4/22-23).وكذا افرايم : "لأني صرت لإسرائيل أباً، وإفرايم هو بكري" (إرميا 21/9).وكذا داود "هو يدعوني: أنت أبي وإلهي وصخرة خلاصي، وأنا أيضاً أجعله بكراً، فوق ملوك الأرض علياً". (المزمور 89/26-27).
ولئن قيل في المسيح أنه ابن الله العلي، فكذلك سائر بني إسرائيل "و بنو العلي كلكم" (مزمور 82/6).وكذا تلاميذ المسيح فهم أيضاً بنو العلي : " أحبوا أعداءكم…فيكون أجركم عظيماً، وتكونوا بني العلي" (لوقا 6/35).
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ,,
المراجع والمصادر
1- القرآن الكريم .
2- كتب السنة .
3- الكتاب المقدس – ترجمة الفانديك .
4- الكتاب المقدس – ترجمة كتاب الحياة .
5- الكتاب المقدس – الترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية .
6- الكتاب المقدس – الأسفار القانونية الثانية .
7- العهد الجديد – ترجمة كتاب الحياة " عربي – إنجليزي " .
8- شرح إنجيل يوحنا – القس/ إبراهيم سعيد .
9- الكنز الجليل في تفسير الإنجيل – د/ وليم أدي .
10- سلسلة الهدى والنور – د/ منقذ السقار .
11- مقدمة إنجيل برنابا – د/ أحمد حجازي السقا .
12- تفسير آيات أشكلت – شيخ الإسلام/ ابن تيمية .
13- قصص الأنبياء – الحافظ/ ابن كثير .
14- المسيح في الإسلام – العلامة/ أحمد ديدات .
15- ثم يقولون هذا من عند الله ! – مهندس/ محمود سعد مهران .
16- موقع المسيحية في الميزان على شبكة المعلومات الدولية :
http://www.alhakekah.com/jesus/r.htm
ابوعبيده
-
بسم الله الرحمن الرحيم
..
أنا اشتريت الكتاب ده من معرض الكتاب واشتريت ال cd كمان
أنا بس الي محيرني حاجه واحده
وهي هل الاستاذ مؤلف الكتاب مقتنع فعلا بالي هو كاتبه !!!
.....
جزاك الله خيرا يا أخي على مجهودك في الرد على الكتاب
.....
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
تأمل أيها الكافر
(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى : 11
(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)
يس : 36
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
الذاريات : 49
(قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد).
الإخلاص
-
ابو سعود العراقي عضو زنيم
فأنت لا تملك دليلاً على مسيحيتك الوثنية وتلجأ لسب رسول الله
حتى تطرد وتذهب إلى منتديات المراحيض والزرائب المسيحية للتظاهر بالنصر
" أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ"
الحمد لله على نعمة الإسلام
-
هل هناك كتاب متوفر للتحميل للرد على يوسف رياض ؟؟
-
اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة kholio5
هل هناك كتاب متوفر للتحميل للرد على يوسف رياض ؟؟
سأرد على نفسي وأقول أني وجدت كتاب المهندس / محمود سعد مهران عبد الناصر
http://www.eld3wah.net/books/mase7ey...is_not_God.zip
-
جزاك الله خيرا
كلنا فداك يا أقصى
-
اقتباس
لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه" (يوحنا 10/38) أن الله يكون في المسيح أي بمحبته وقداسته وإرشاده وتسديده، لا بذاته المقدسة التي لا تحل في الهياكل : "العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي" (أعمال 7/48).
يقول المولى عز وجل فى الحديث القدسى .
(لم تسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن)
يقول الله تعالى:
" مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴿75﴾"/المائدة.
............................................................ ........................
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾أل عمران 59
............................................................ ...........................
-
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة خالد حربي في المنتدى حقائق حول التوحيد و التثليث
مشاركات: 10
آخر مشاركة: 23-09-2015, 12:22 PM
-
بواسطة mataboy في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 24-06-2013, 08:44 AM
-
بواسطة arabi_211 في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 13-05-2011, 11:26 PM
-
بواسطة mataboy في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 17-11-2010, 11:07 PM
-
بواسطة kholio5 في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 04-01-2007, 04:35 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات