الروح القدس في عقيدة النصارى
- دراسة نقدية في ضوء المصادر الدينية -
للدكتور . عبد الله بن عبد العزيز الشعيبي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عبد الله
ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد :
هذا البحث موضوعه (( الروح القدس في عقيدة النصارى )) ويشتمل على دراسة نقدية لبيان بطلان اعتقاد النصارى ألوهيته من خلال المصادر الدينية التي يؤمنون بها ، وهي العهد القديم والعهد الجديد ، إذ قد تبين فيهما أن حقيقة الروح سواء بإضافتها إلى الله أوإلى القدس أو بدون إضافة ، فإن نصوصهم المقدسة لاتدل على ألوهيته ، وهي الحقيقة التي أخبر عنها كتاب الله المنزل على خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم . ولأجل بيان ضلال النصارى في اعتقادهم ألوهية الروح القدس ، فقد تطرق البحث إلى بيان حقيقة الروح القدس في الشرائع الإلهية ، ثم بيان مراحل إقرار النصارىألوهيته ، ثم بيان مرحلة اعتقادهم ألوهيته ، كما تطرق البحث إلى بيان بطلان اعتقادهم أن الروح القدس ليس هو ملاك الله جبريل ـ عليه السلام ـ وعلى اعتقادهم خصوصية حلول الروح القدس على المسيح وعلى المؤمنين من أتباعه . وفي خاتمة البحث جاءت النتائج التي توصلت إليها . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
المقدمة
(( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون))(الأنعام آية 1) .
والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله على حين فترة من الرسل، ودروس من الكتب،حين حرف الكلم وبدلت الشرائع، واستند كل قوم إلى ظلم آرائهم، وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الفاسدة وأهوائهم، فهدى الله به الخلائق، وأوضح به الطرائق، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور ، وأصلي وأسلم على آله الأطهار ، وصحبه الأخيار ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أمابعد :
فإن الله عزوجل أخبر في الوحي المنزل على الأنبياء والرسل ، أن الروح من الحقائق الإيمانية الثابتة ، التي يجب على كافة أتباع الرسل اعتقاد وجودها والإيمان بها ، إذ جاء ذكرها في الوحي بعضها مضافاً إلى الله ، وإلى القدس ، وبعضها بدون إضافة ، وتدل على معانٍ مختلفة ، حسب مناسبة ووردها .
ولقد ضل أهل الكتاب من قبلنا فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض :
(( ويقولون نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً ))( النساء 150) ، ومن ذلك الإيمان الذي أرادوا أن يتخذوه سبيلاً ، أنهم ضلوا عن الحق في الإيمان بحقيقة الروح ، فاليهود يعرفون حقيقة الروح ، ويعترفون أن الروح القدس هو جبريل ـ عليه السلام ـ لكنهم زعموا أنه عدوهم من الملائكة ، وأما النصارى فإنهم يعرفون بعض حقيقة الروح ، لكنهم زعموا أن الروح القدس غير جبريل ـ عليه السلام ـ ويعتقدون أنه إله مع الله والأقنوم الثالث في ثالوثهم المقدس .
أما نحن المسلمين فقد هدانا الله إلى معرفة حقيقة الروح ، فقد أخبر الله أنها تدل على معانٍ عدة حسب مناسبة ذكرها في القرآن ، كما أخبر الله أنها تدل في الكتب الإلهية السابقة على نفس المعاني التي أنزلها الله في القرآن ، لكن أصحاب تلك الكتب من أهل الكتاب ضلوا عن الحق الذي أخبر الله تعالى عنه في كتبهم ، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل .
وهذا البحث سيكون ـ إن شاء الله ـ دراسة نقدية في بيان بطلان اعتقاد النصارى ألوهية الروح القدس وأنه الرب المحيي ، وقد كان اختياري للكتابة في هذا الموضوع لسببين :
الأول : أن موضوع هذا البحث هو الأول ـ حسب علمي ـ الذي يجمع شتات هذا الموضوع المتفرق في بعض مؤلفات علماء المسلمين المختصين في علم جدال أهل الكتاب ، من أمثال : الإمام ابن تيمية ، والقرافي ، والقرطبي ، ونصر بن يحيى المتطبب ، وغيرهم من علماء المسلمين ، فكان هذا البحث إسهاماً متواضعاً في بيان الحق عن حقيقة الروح القدس ، كما تشهد بذلك المصادر الدينية من التوراة والإنجيل والقرآن .
الثاني : كثرة مؤلفات النصارى عن الروح القدس إذ لا يخلو مؤلف من مؤلفاتهم في عقيدة التثليث من إثبات اعتقادهم ألوهيته ، وأنه الأقنوم الثالث في ثالوثهم المقدس وتأويلهم لنصوص التوراة والإنجيل لإثبات معتقدهم الباطل .
بل وصل بهم الحـد إلى محاولة تأويل نصوص القرآن الكريم لتتفق مـع عقيدتهم الباطلة(1) .
وكان منهج البحث يقوم على استقراء الأدلة من المصادر الدينية وتحليلها ، وبيان الحق فيها بما يتفق مع صريح المعقول وصحيح المنقول ، وبيان ضلالهم عن الحق ، وأن هذا مما ابتدعوه بأهوائهم ، وقرروه بمجامعهم ، مخالفين بذلك كتب الله المنزلة على أنبيائه ، وبيان أن معتمدهم من القوانين والنواميس ـ التي جعلوها شرائع دينهم ـ بعضه منقول عن الأنبياء ، وبعضه عن الحواريين ، وكثير منه من ابتداع أحبارهم ورهبانهم الذين اتخذوهم أرباباً من دون الله .
وسيكون الحديث عن بيان حقيقة الروح القدس في التوراة والإنجيل والقرآن ، وبيان مراحل إقرار النصارى ألوهيته ، ثم اعتقادهم ألوهيته ، وبيان العلاقة بين الروح القدس والمسيح ـ عليه السلام ـ وبينه وبين ملاك الله جبريل عليه السلام .
وسيتم الرد على ضلالهم من خلال ما نراه حقاً في نصوصهم المقدسة ، الموافقة لكتاب الله المنزل على خاتم المرسلين ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، المصدق لما قبله من وحي الله المنزل على أنبيائه ورسله . وأود التنبيه إلى أن بعض النصوص الدينية يكون فيها أكثر من وجه للاستشهاد مما يضطرنا لاعادتها أو الاشارة إليها في بعض القضايا التي تتم مناقشتها .
وستكون هذه الدراسة في أربعة مباحث :
المبحث الأول : حقيقة الروح القدس في الشرائع الإلهية .
المبحث الثاني : مراحل إقرار النصارى ألوهية الروح القدس .
المبحث الثالث : مرحلة اعتقاد النصارى ألوهية الروح القدس .
المبحث الرابع : الروح القدس والمسيح عند النصارى .
______________________
المبحث الأول : حقيقة الروح القدس في الشرائع الإلهية |
المبحث الثالث : مرحلة إعتقاد النصارى ألوهية الروح القدس |
المبحث الرابع : الروح القدس والمسيح عند النصارى |