:: الرئيسية :: :: مقالات الموقع :: :: مكتبة الكتب ::  :: مكتبة المرئيات ::  :: مكتبة الصوتيات :: :: أتصل بنا ::
 
القائمة الرئيسية

 الصفحة الرئيسية

 منتدى الحوار

 نصرانيات

 حقائق حول الأناجيل

 حقائق حول المسيح بالأناجيل

 حقائق حول الفداء والصلب

 مقالات منوعة حول النصرانية

 كشف الشبهات حول الإسلام العظيم

 شبهات حول القرأن الكريم

 شبهات حول الرسول صلى الله عليه وسلم

 شبهات حول السنة المطهرة

 شبهات منوعة

 الإعجاز العلمي
 الأعجاز العلمي بالقرأن الكريم
 الأعجاز العلمي بالحديث الشريف
 الحورات حول الأعجاز العلمي بالإسلام

 كيف أسلم هؤلاء

 من ثمارهم تعرفونهم

Non Arabic Articles
· English Articles
· Articles français
· Deutsches Artikel
· Nederlands

 مقالات د. زينب عبد العزيز

 مقالات د. محمد جلال القصاص

 مكتبة الكتب

 مكتبة المرئيات

 مكتبة التسجيلات

 مكتبة البرامج والاسطوانات الدعوية

 البحث

 البحث في القرآن الكريم

 دليل المواقع

 أربط موقعك بنا

 اتصل بنا

إسلاميات

المتواجدون بالموقع

يوجد حاليا, 31 ضيف/ضيوف 0 عضو/أعضاء يتصفحون الموقع.

شبكة بن مريم الإسلامية - عن المسيح الحق - حقيقة يسوع الانجيل - عن تحريف الكتاب المقدس - نفي التثليث - عن الله محبه: د. زينب عبد العزيز

بحث في هذا الموضوع:   
[ الذهاب للصفحة الأولى | اختر موضوعا جديدا ]

أريوس والأريوسية .. د/زينب عبد العزيز
د. زينب عبد العزيز

أريوس والأريوسية .. د/زينب عبد العزيز

 --------------------------------------------------------------------------------

 أريوس والأريوسية ..

 بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز

أستاذة الحضارة الفرنسية

 

يقول الخطاب الذي أرسله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إلى، قيصر ملك الروم:

 

"بسم الله الرحمن الرحيم

 

من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى وأما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تَسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، و(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)".

 

وعادة ما يتوقف القارئ عند كلمة "الأريسيين"، رغم وضوح معناها ولو إستنتاجاً، إذ يُفهم أنهم من يحكم عليهم هرقليوس قيصر الروم، فهي عبارة جديرة بأن نتوقف عندها لما تكشف عنه من حقائق عادة ما يتم التعتيم عليها .. وقبل الدخول في تفاصيلها، لا بد من الإشارة إلى ما كان عليه حال المسيحية آنذاك خاصة في الإمبراطورية الرومانية وامتدادها الإستعماري ..

 

لا شك ف أن كتابة تاريخ المسيحية كانت تسبب مشكلة كبيرة حتى عهد قريب، فلم يكن هناك سوى ما تقدمه المؤسسة الكنسية في أعمال الرسل التي يرجعون تاريخها إلى ما بين سنة 80 و 90 م، وما تحتوي عليه الأناجيل الأربعة التي قام بتجميعها وتعديلها القديس جيروم في أواخر القرن الرابع، وهي وثائق لا يُعتد بها من الناحية العلمية.. ثم تبيّن تدريجياً وخاصة منذ أيام والتر بوير W. Bauer)) أنه لم تكن هناك أي وحدة في العقائد المسيحية الأولى، وثبُت منذ أيام أدولف فون هارناك (A. v. Harnak) أن العقائد قد خلقت الانقسامات الشديدة وأن الهرطقة والأصولية أصبح لكل منها منهجه.. لذلك يتكون تاريخ المسيحية من سلسلة ممتدة من الانقسامات والمعارك الضارية القائمة على خلافات عقائدية جذرية.

 

والثابت من ناحية أخرى، أن المسيحية لم تنبثق دفعة واحدة من ذهن يسوع كما يتخيل البعض، وإنما كانت ثمرة تاريخ ممتد من الصراعات والإضافات المتناقضة المتتالية وتم نسجها فعلاً عبر المجامع على مر التاريخ. لذلك يظل السؤال مطروحاً لليوم: من الذي أسس المسيحية حقاً: يسوع، بولس، أو مارسيون؟! فلقد كانت هناك فرقاً متنافرة ومتناحرة كالفريسيين، والصدوقيين، والأسينيين، والثوار، وأتباع يوحنا، والعديد غيرها لذلك لا بد من أخذ كل هذه التيارات في الاعتبار عند الحديث عن الإطار العام الديني والثقافي آنذاك.

 

كما أوجد فريدرخ أوفربيك (F. Overbeck) أستاذ التاريخ الكنسي في جامعة بال، منعطفاً أساسياً في تاريخ المسيحية حين أوضح أن الفراغ الأساسي للعقيدة المسيحية وغياب أي موضوع متجانس اضطرها، لكي تتمكن من الاستمرار، إلى الاستحواذ على العقائد والفلسفات السائدة آنذاك وتنصيرها وفقاً لكل عصر، من القرون الأولى حتى القرن التاسع عشر، حينما بدأ النقد العلمي والتاريخي... وما يؤكده أوفربيك عن وجه حق هو: " أن رسالة يسوع كانت التبشير بالملكوت فقط، وحينما لم يتحقق هذا الملكوت واختفت فكرة انتظاره بين المسيحيين، فقدت المسيحية كيانها ولم تعد ذات موضوع، وأن مصداقية الأناجيل لم تعد باقية إلا في الأوساط الكنسية الأصولية "..

 

كان لا بد من هذه المقدمة الشديدة الإيجاز ليفهم القارئ المناخ العام الذي أحاط بحياة القس السكندرى أريوس، الذي أوجد شرخا لا يمكن رأبه في المسيحية، فلا تزال أصداؤه نابضة لليوم..

 

وُلد أريوس (256-336 م) في ليبيا ودرس اللاهوت على يد العالم ليسينيوس الإنطاقي. وفي عام 314 م أُسندت إليه رئاسة كنيسة بقرب ميناء الإسكندرية. وهو من المشهود لهم بالصلابة أيام الاضطهاد الكبير الذي قاده ديوكلسيان ومن تبعوه، ذلك الاضطهاد الذي بدأ عام 303 م وإنتهى بانتخاب قسطنطين الأول إمبراطوراً للرومان، وتلاه صدور مرسوم التسامح عام 311 .. أي أنه سُمح للمسيحيين بكل فرقهم المتناحرة ممارسة عقائدهم، مثل باقي الفرق الوثنية السائدة آنذاك، والتي كانت تمثل الأغلبية الساحقة بين هذه الشعوب، أو بقول آخر ذلك يوضح أنه حتى القرن الرابع لم يكن تم الإعتراف بالمسيحية كديانة رسمية ولم تكن تمارس إلا سراً بين الأتباع هربا من الإضطهاد..

 

وكانت أهم المعارك المحتدمة في الإمبراطورية وخاصة في الإسكندرية، تلك المعركة الضارية بين أنصار التثليث وأنصار التوحيد، فلم تكن عقيدة التثليث قد إستتبت بعد. وأنصار التثليث أمرهم وشركهم بالله عز وجل معروف، إذ يساوون بين الآب والإبن والروح القدس قائلين أن ثلاثتهم واحد من نفس الكيان ونفس الجوهر!. أما أنصار التوحيد فهم الذين كانوا يرفضون تأليه يسوع ويرفضون مساواته بالآب أي بالله، على أن "الله" غير مادي ولا يمكن أن يكون جزءاً من العالم المادي. وأهم ما تمسك به أريوس الرافض لتأليه يسوع، هو أن الإبن أقل من الآب لأنه مخلوق ولا يمكن مساواته بالخالق، ولا يمكن للإبن أن يكون بنفس خلود الله وأزليته، وهو ما يهدم العقيدة المسيحية من أساسها.. وفي واقع الأمر، لم يكن ذلك فكر أريوس وحده وإنما كان بمثابة الإطار العام الذي ينتمي إليه منطقياً السواد الأعظم من الأتباع ومن رجال الدين لأنه الأقرب إلى العقل والمنطق..

 

وفى عام 314 كان أسقف الإسكندرية الجديد، إسكندر السكندري، وأطنازيوس، سكرتيره وابنه بالتبني، يؤمنان بالتثليث ويقودان المعارك الفكرية المتأججة، قائلين "أن الإبن هو تجسد لرب إسرائيل"، أو "الابن اكتسب صفات الأب وسار مساوياً تماماً له في الألوهية ".. وقام الأسقف إسكندر بعقد مجمع من الأباء المحليين عام 318 م، وتم طرد أريوس وحرمانه توطئة لإغتياله، وطرد معه أسقفان آخران وستة رهبان وعدد من القائمين بالخدمة وعدد من العذارى المكرثين للكنيسة والتابعات لفكر أريوس. فهرب أريوس إلى بيت عانيا وحظى بحماية أوسبيوس، خاصة وأنه حتى ذلك الوقت لم يكن تقنين العقائد المسيحية قد بدأ وإنما كانت كل كنيسة أو كل جماعة تتبع إنجيلها ومعتقداتها..

 

وتم إنعقاد مجمع لرفع الحرمان الذي فُرض على أريوس في الإسكندرية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها مجمع محلى بإلغاء قرار لكنيسة أخرى، لكنها لم تكن آخر مرة، فما أكثر الخلافات والإنقسامات التى كانت دائرة ولا تزال..

 

وفي خضم هذه المعارك أرسل الإمبراطور قسطنطين مستشاره للشؤون الدينية، أوسيوس القرطبي، إلى إنطاقيا لحسم الموقف، الأمر الذي يكشف عن مدى إتساع هذه المعركة المتعلقة أساساً بتحريف عقيدة التوحيد.. بينما قام أسقف الإسكندرية وسكرتيره بإعداد إقرار بأمر من أوسيوس، مستشار قسطنطين، ليوقع عليه أريوس وأتباعه من رجال اللاهوت، جاء به:

 

* الاعتراف بأن هناك إله واحد هو يسوع المسيح فقد إنتقلت إليه الألوهية عن طريق الآب؛

 

* وأن يسوع إبن وحيد مولود وليس مخلوق؛

 

* وأنه موجود من قديم الزمان؛

 

* وأنه لا يمكن تغييره أو تبديله ؛

 

* وأنه ليس مجرد إرادة الله وإنما هو الوجود الفعلي لله!!

 

وتلي هذه البنود سلسلة من اللعنات والحرمان على كل من لا يقرها.. وكانت هذه الوسيلة لفرض الخضوع وتغيير الرأي، على المخالفين لتيار المؤسسة الكنسية، هي المرة الأولى من نوعها في مسيرتها القمعية التي لا تزال تتبع نفس عمليات القمع والترويع حتى يومنا هذا..

 

ويقال أن ستون أسقفاً قاموا بالتوقيع على وثيقة أوسيوس، بينما رفض أريوس وثلاثة آخرين وتم حرمانهم وتوقيع اللعنة عليهم. وقرر أسقف الإسكندرية عقد مجمع في أنقرة، إلا أن الإمبراطور قسطنطين قد فاجأ الجميع بنقل مكان المجمع إلى مدينة نيقية على بُعد ثلاثمائة كيلومترا من أنقرة! وبذلك تحول المجمع المحلي الذي كان سيعقد للبت في شأن كنسي داخلي إلى مجمع عام، يضم كافة الكنائس، لذلك يسمى أول مجمع مسكوني أو مجمع نيقية الأول، وانعقد في منتصف عام 325 م..

 

ترأس الإمبراطور قسطنطين المجمع إذ كان يتابع أحداث فكر أريوس طوال سبع سنوات لأنها كانت تثير القلاقل على مدى إتساع الإمبراطورية وبين عواصمها الرئيسية الثلاث. وقد أدى الصراع بين أنصار التوحيد وأنصار التثليث إلى إستحداث ظاهرة جديدة استمرت بعد ذلك وتفاقمت، ألا وهي: استخدام السياسة في الصراع الديني! وانتهى المجمع بإدانة أريوس وحرمانه لرفضه تأليه يسوع ورفضه فكرة الخلاص التي اختلقتها المؤسسة الكنسية وأضفتها على يسوع. كما أدان أوريجين، رغم أنه يُعد من آباء الكنيسة وأحد آباء تفسير الأناجيل إلا أنه كان يؤمن بالتصعيد المطلق لله!

 

ولترسيخ وتثبيت فكرة تأليه يسوع وسد الباب على أريوس وأتباعه، اختلق مجمع نيقية عقيدة إيمان جديدة وقام بتعديل العقيدة السابقة والمعروفة باسم "عقيدة الحواريين" مؤكداً على أن يسوع من نفس طبيعة الله ومن نفس جوهره باستخدام عبارة "هوموأوسيوس" وترسيخها؛ وقام بتثبيت عيد الفصح بأول يوم أحد بعد إكتمال قمر الربيع لإبعاده عن عيد الفصح اليهودي؛ وأقر مبدأ اللعنة على كل من يخالف هذه التعليمات الكنسية!!

 

وعلى عكس ما تقدمه العديد من المراجع الانتقائية، من أن مجمع نيقية وضع حداً لمعركة أريوس، ففي واقع الأمر كان هذا المجمع بداية المعركة الحقيقية التي واجهت الكنيسة ولا تزال رغم الحكم بالإدانة والحرمان واللعنة.. فقد انتشرت الأريوسية لتسيطر على القرن الرابع باستقرارها في دار الإمبراطورية إذ تبناها قسطنطين وتنصر وفقا لعقيدة الأريوسية، ومن بعده الإمبراطور قنسطانس، حيث أصبحت الديانة الرسمية للدولة. ومن الواضح أنها استمرت سائدة حتى عهد هركليوس، في القرن السابع، بدليل أن سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، حين وجه خطابه للقيصر حمّله ذنب الأريسيين لو لم يسلم ويدخلهم معه في الإسلام..

 

وإن كانت الأريوسية بدأت كمذهب رافض لمساواة المسيح بالله وأدانتها عدة مجامع محلية قبل أن يدينها مجمع نيقية لأغراض سياسية، إلا أنها واصلت إنتشارها بين الأتباع وفي العديد من البلدان الأوروبية بعد ذلك، إذ انتشرت في كل أطراف الإمبراطورية والشعوب الجرمانية، وظلت فترة طويلة في بلاد القوط والفندال والبورجينيون واللومبار.. وكان لها مفكريها من أمثال أوسبيو ، وإينوميوس ، وفليكس الثاني، والأسقف فولفيلا، والباطريارك مقدونيوس، والبطريارك إكسودس، وديموفيلوس.

 

وذلك الإنتشار الواسع رغم محاولات الحصار والإبادة هو الذي جعل الشعوب التي امتد إليها الإسلام تتقبله ببساطة على أن الأساس في توحيد الله وعدم الشرك به واحد بينهم، فالأريوسية هي التي كانت سائدة في مصر أيام الفتح الإسلامي، والأريوسية هي التي كانت سائدة في الشام حينما امتد إليها الإسلام، وهي التي كانت سائدة في إسبانيا وتقبّل الإسبان المسلمين ليخلصوهم من إضطهاد المؤسسة الفاتيكانية.. إلا أن التعصب الكنسي تصدى لها بضراوة وإقتلع شعوباً بأسرها كالفودوَا والكاتار والبجوميل لمجرد أنهم رافضون لتأليه المسيح..

 

ولا نجد أفضل من رد هركليوس، إمبراطور الروم، على خطاب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لننهي به هذا العرض المقتضب عن أريوس والأريوسية، وهو رد يكشف عن الكثير من المسكوت عنه أو المتعتم عليه:

 

" إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى، من قيصر الروم،

 

إنه جاءني كتابك مع رسولك، وأني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريم. وأني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم، ولوددتُ أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك "..

 

(أصل هذه الوثيقة الشريفة موجود ضمن المقتنيات الخاصة بالديوان الملكي الأردني الهاشمي).

 

عن موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

 

(أقرأ المزيد ... | التقييم: 4.65)
إعترافات القديس جيروم !
د. زينب عبد العزيز

إعترافات القديس جيروم !

د. زينب عبد العزيز

 

د. زينب عبد العزيز : بتاريخ 22 - 11 - 2008

تعد وثيقة إعتراف القديس جيروم ، التى صاغها فى القرن الميلادى الرابع ، أهم وثيقة فى التاريخ تثبت ، بما لا يدع مجالا للشك ، أن الأناجيل الحالية قد عانت من التعديل والتبديل والتحريف وسوء الترجمة بحيث لا يمكن إعتبارها بأى حال من الأحوال أنها نصوص منزّلة ، فهى يقينا شديدة الإختلاف ، ولا تمت بأى صلة إلى ذلك الإنجيل الذى أشار إليه القرآن الكريم بأن الله سبحانه وتعالى قد أوحاه للمسيح عليه الصلاة والسلام. وإنجيل السيد المسيح كان موجودا بالفعل ، بدليل أن بولس يقول أنه كان يبشر به : " (...) حتى أنى من اورشليم وما حولها إلى الليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح " (إلى أهل رومية 15 : 19) !. إلا أن الأيادى العابثة فى المؤسسة الكنسية قد أخفته لتفرض ما نسجته عبر المجامع على مر العصور ..

وقد أشرت فى مقالين سابقين إلى هذا الخطاب ، الذى لا يمكن الإختلاف حول أهميته ، وفنظرا لكثرة التعليقات التى وصلتنى عليه من إخواننا المسيحيين وإتهامهم إياى بالكذب والإفتراء ، فلم أجد بدا من نشر صورة فوتوغرافية لطبعة الكتاب نفسه ، الموجود فى مكتبة فرانسوا ميتران بباريس ، ليكف إخواننا الكرام عن إتهامى ، خاصة وأننى أعربت أكثر من مرة أنه نظرا لحساسية المواضيع التى أتناولها دفاعا عن الإسلام ، الذى يجاهدون لإقتلاعه ظلما وعدوانا ، فلا يمكننى قول أى معلومة ما لم تكن وثيقتها عندى أو لدى صورة منها .. فبدلا من إتهامى والتدنى إلى مستوى لا أرضاه لا لهم ولا لأى أحد ، خاصة فى مثل هذه الموضوعات الجادة أو المصيرية ، فمن الأفيد لإخواننا الكرام أن يقوموا بدراسة حقيقة تاريخ المسيحية الحالية ليعرفوا كيف تم نسج ما هم عليه من عقائد .. بدلا من الإنسياق وراء الاعيب الغرب السياسية الرامية إلى إقتلاع الإسلام والمسلمين عن غير وجه حق.

و لولا أن هناك عمليات تمويه وتعتيم ومعارك كبرى دارت حول أصول هذه الأناجيل لما قامت الكنيسة بمنع أتباعها من قراءتها حتى لا يكتشفوا ما يتم بها من تعديل وتغيير ، بل لما احتاجت هذه المؤسسة ، بكل جبروتها الراسخ ، إلى أن تفرضها فى مجمع ترانت ، فى القرن السادس عشر ، ( أى أنه حتى ذلك الحين كان هناك من يعترض على ما بها ويرفضها) تفرضها على الأتباع على "ان الله هو المؤلف الحقيقى والوحيد لها" ، ثم قررت أنه يمكن للأتباع قراءتها برفقة قس حتى يتصدى لأى سؤال قد يكشف ما بها .. ثم فى مجمع الفاتيكان الأول 1879 ، قررت الكنيسة أن الله قد أوحى للروح القدس الذى قام بدوره بإلهام الحواريين فى كتابتها ، وهو ما يمثل تراجعا واضحا عن القرار السابق ، ثم فى مجمع الفاتيكان الثانى 1965 إعترفوا بأن هذه النصوص "بها القديم والبالى ، وإن كانت تمثل منهجا تربويا إلهيا حقيقيا " .. واللهم لا تعليق !

 

ولقد سلمت الصورة الفوتوغرافية لـ"المصريون" صفحة المقدمة ـ الاعتراف ـ التي تتصدر الصياغة الحالية التي قام بها جيروم للأناجيل ثم ترجمة الخطاب للعربية ثم التعليق عيها

 

" المجلد الأول من أعمال الراهب جيروم

بداية المقدمة

حول مراجعة نصوص الأناجيل الربعة

إلى قداسة البابا داماز ، من جيروم،

 

تحثنى على أن اقوم بتحويل عمل قديم لأخرج منه بعمل جديد ، وتريد منى أن أكون حكماً على نُسخ كل تلك النصوص الإنجيلية المتناثرة فى العالم ، وأن أختار منها وأقرر ما هى تلك التى حادت أو تلك التى هى أقرب حقا من النص اليونانى. أنها مهمة ورعة ، لكنها مغامرة خطرة إذ سيتعيّن علىّ تغيير أسلوب العالم القديم وإعيده إلى الطفولة. وأن أقوم بالحكم على الآخرين يعنى فى نفس الوقت أنهم سيحكمون فيه على عملى.فمن من العلماء أو حتى من الجهلاء، حينما سيمسك بكتابى بين يديه ويلحظ التغيير الذى وقع فيه ، بالنسبة للنص الذى اعتاد قراءته ، لن يصيح بالشتائم ضدى ويتهمنى بأننى مزور ومدنس للمقدسات ، لأننى تجرأت وأضفت ، وغيّرت، وصححت فى هذه الكتب القديمة ؟

وحيال مثل هذه الفضيحة ، هناك شيئان يخففان من روعى ، الأمر الأول : أنك أنت الذى أمرتنى بذلك ؛ والأمر الثانى : إن ما هو ضلال لا يمكن أن يكون حقاً. وهوما تقره أقذع الألسنة شراسة. وإذا كان علينا أن نضفى بعض المصداقية على مخطوطات الترجمة اللاتينية ، ليقل لنا أعداؤنا إيها أصوب ، لأن هناك من الأناجيل بعدد الإختلافات بين نصوصها. ولماذا لا يروقهم أن اقوم بالتصويب إعتمادا على المصادر اليونانية لتصويب الأجزاء التى أساء فهمها المترجمون الجهلاء ، أو بدلوها بسوء نية ، أو حتى قام بعض الأدعياء بتعديلها.

وإذا كان علينا دمج المخطوطات ، فما يمنع أن نرجع ببساطة إلى الأصول اليونانية ونبعد بذلك عن أخطاء الترجمات السيئة أو التعديلات غير الموفقة من جانب الذين تصوروا أنهم علماء ، أو الإضافات التى أدخلها الكتبة النعسانين ؟ أننى لا أتحدث هنا عن العهد القديم والترجمة السبعينية باللغة اليونانية التى لم تصلنا إلا بعد ثلاث ترجمات متتالية من العبرية إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية. ولا أود أن ابحث هنا ما الذى سيقوله أكويلاّ أو سيماك ، أو لماذا آثر تيودوسيان إختيار موقف الوسط بين المترجمين القدامى والحداث. لذلك سأعتمد على الترجمة التى يمكن أن يكون قد عرفها الحواريون.

وأتحدث الآن عن العهد الجديد ، المكتوب بلا شك باللغة اليونانية فيما عدا إنجيل متّى الذى كان قد استعان أولا بالعبرية لنشره فى منطقة اليهودية. إن هذا الإنجيل يختلف يقيناً عن الذى بلُغتنا نظرا لتعدد المصادر التى استعانوا بها لتكوينه. وقدآثرت أن ارجع إلى نص أساسى ، فلا أود الإستعانة بترجمات المدعوين لوشيانوس أو هزيكيوس التى يدافع عنها البعض بضراوة عن غير وجه حق ، واللذين لم يكن من حقهما مراجعة لا العهد القديم بعد ترجمة السبعين ، ولا أن يقوما بمراجعة النصوص الجديدة. فالنصوص الإنجيلية التى وصلتنا بلغات شعوب مختلفة توضح مدى الأخطاء التى بها. وإذا كنت قد قمت بذلك بالنسبة للنسخ المكتوبة بلغتنا فلا بد وأن أعترف بأننى لم أستفد منها شيئاً.

وهذه المقدمة المتواضعة تقترح أن يكون ترتيب الأناجيل الإسمى على النحو التالى :متّى ، مرقس ، لوقا ، ويوحنا. وقد تمت مراجعتها من عدة مخطوطات يونانية قديمة.وهى لا تبعد كثيرا عن فحوى النسخ اللاتينية. فلم أقم إلا بتصويب الأجزاء التى بدت بعيدة عن المعنى الحقيقى وتركت الأجزاء الأخرى كما وصلتنا فى صياغتها البدائية و وضعت حرف (ب). أما الترجمات التى قام بها يوسبيوس من القيصرية ، المقسمة إلى عشرة أجزاء ، وفقا لأمونيوس السكندرى ، فقد ترجمتها إلى لغتنا إلتزاما بالمعنى اليونانى فحسب. وإن كان هناك أى فضولى يود معرفة الأجزاء المتماثلة أو المتفردة أو التى تختلف تماما عن تقسيمة العشرة يمكنه معرفة ذلك. لأن الأخطاء قد تراكمت مع الوقت فى كتبنا ، وهو ما يجعل إنجيل ما يتفاوت عن الآخر ، وأشرت إليه بحرف (ح).

لقد وقعت أخطاء عند محاولة التوفيق بينها ، لذلك ترى خلطاً شديداً فى الترجمات اللاتينية. فأحد الكتبة قد قال أكثر وفى الآخر قد أضافوا إذا تصوروا أنه أقل. وأن مرقس فى أجزاء كثيرة ينقل عن لوقا ومتّى ، وأن متّى ينقل عن يوحنا ومرقس ، بينما كان كل إنجيل يحتفظ بما يخصه فحسب. فكل واحد منهم قد نقل عن الإنجيل الذى وقع فى يده. لذلك عند قراءة الكشف الذى أقترحه لن يكون هناك أى خلط وسيتم التعرف على المتشابه بينها وعلى ما يخص كل منها بعد أن أستبعدت الخلط والأخطاء.

ففى الكشف الأول يوجد توافق بين الأناجيل الأربعة متّى ومرقس ولوقا ويوحنا. وفى الثانى لا يوجد توافق إلا بين متّى ومرقس ولوقا ، وفى الثالث بين متّى ولوقا ويوحنا ، وفى الرابع بين متّى ومرقس ويوحنا، وفى الخامس بين متّى ولوقا ، وفى السادس بين متّى ومرقس ، وفى السابع بين متّى ويوحنا ، وفى الثامن بين لوقا ومرقس، وفى التاسع بين لوقا ويوحنا. وفى العاشر ستجد كل ما هو خاص بكل إنجيل ولا يوجد فى الأناجيل الأخرى. وفى كل إنجيل على حدة هناك أجزاء متفاوتة الطول كلما ابتعدنا عن التوافق.

الرقم سيكون باللون الأسود ، وسيتضمن رقماً آخر تحته بالأحمر، لكى يدل فى أى إنجيل يوجد ذلك الجزء المعنى. فعند فتح الكتاب ومحاولة معرفة أى فصل ينتمى لهذه الترجمة أو تلك فإن ذلك سيتضح فوراً من الرقم الذى اضفته من أسفل. وعند الرجوع إلى بداية الطبعة التى توجد فيها القوائم معاً وبفضل إسم الترجمة المحدد فى بداية كل إنجيل يتم العثور على رقم كاتبه مع العناوين المختلفة لكل منهم. ويوجد بجوار هذا الأخير أسماء الفقرات المماثلة. وهكذا يمكن الإطلاع على الأرقام الموجودة فى نفس الفصل. وما أن تتم معاينة هذه المعلومات يمكن التوصل إلى كل واحد مع مراعاة الأرقام التى تم تحديدها يمكن معرفة الأجزاء المتشابهة أو المتماثلة (ب).

أرجو أن تكون بخير فى المسيح وألا تنسانى يا قداسة البابا ".

 

ولو قمنا بأخذ أهم المقولات التى وردت بهذا الخطاب-المقدمة ، لوجدنا ما يلى :

* أن البابا داماز (366-384 ، الذى ترأس البابوية لمدة ثمانية عشر عاما) قد طلب من القديس جيروم أن يحوّل الكتب القديمة إلى كتب جديدة ، وأن يحكم على قيمة تلك الأناجيل المتناثرة فى العالم ليستبعد منها ما حاد عن النص اليونانى ، ـ والمعروف أن النص اليونانى ليس النص الأصلى للأناجيل ، ولا حتى نص إنجيل يسوع الذى كانت لغته الأرامية .

* خشية جيروم من إتهامه بأنه مزوّر ومدنس للمقدسات لأنه تجرأ وأضاف وغيّر وصحح فى الكتب القديمة !

* معرفته يقينا بأن ما قام به يعد فضيحة فى نظر الأتباع ، ـ وأى فضيحة !

* لكنه مطمئن ، لا لأن البابا شخصيا هو الذى طلب منه القيام بهذا التغيير فحسب ، ولكن لمعرفته يقينا : " أن الضلال لا يمكن أن يكون حقا " .. أى أن الكتب السائدة تعد ضلالا فى نظره ، وهو ما تقره أيضا أقذع الألسنة شراسة فى الهجوم عليه ..

* وأن الترجمة اللاتينية السائدة بها أخطاء وإختلاف بين نصوصها ..

* وأن من قام بالترجمة جهلاء ، وبدلوا النصوص بسوء نية ، وقاموا بتعديلها !..

* وأن نص إنجيل متّى المكتوب بالعبرية يختلف يقينا عن الذى باللاتينية نظرا لتعدد المصادر التى تمت الإستعانة بها لتكوينه ..

* وأن نصوص الأناجيل الموجودة فى شعوب مختلفة توضح مدى الأخطاء والإضافات التى بها ..

* وأن الترجمة اللاتينية التى قام بها القديس جيروم لا تبتعد كثيرا عن فحوى النسخ اللاتينية السابقة وأنه لم يقم إلا بتصويب الأجزاء التى بدت له بعيدة عن المعنى الحقيقى ، وترك الأجزاء الأخرى فى صياغتها البدائية !

* وأن الأخطاء قد تراكمت فى هذه الأناجيل ، كما وقعت أخطاء عند محاولة التوفيق بينها ، لذلك يوجد بها " خلط شديد " نظرا لما أضافه الكتبة من عندهم ..

ثم قام بعمل كشف بالأجزاء المتوافقة و المتشابهة فيما بين الأناجيل بين تعديلها !

 

فبعد هذا الاعتراف الشديد الوضوح أتوجه إلى إخواننا المسيحيين بكل فرقهم ، وأقول لهم لا يسعنى إلا تكرار ما سبق وقلته من قبل : أنه لا توجد خصومة شخصية بينى وبين أى مخلوق ، ولا أنتقد المسيحية كديانة فى حد ذاتها ، لكننى ضد عملية فرضها على العالم ، ضد تنصير العالم وضد إقتلاع الإسلام والمسلمين ، ليؤمن من شاء وليكفر من شاء ، لكن تنصير المسلمين أمر مرفوض بكل المقاييس.

وفيما يلى النص اللاتينى الكامل لخطاب القديس جيروم ، ليقوم بمراجعة ترجمته من شاء من إخواننا الكرام :

(أقرأ المزيد ... | 21757 حرفا زيادة | التقييم: 4.82)
عيد ميلاد ربنا يسوع
د. زينب عبد العزيز

عيد ميلاد ربنا يسوع

 

يمثل عيد ميلاد " ربنا يسوع " نوذج واضح المعالم متكامل الأركان ، من حيث أنه يجمع مختلف وسائل التحريف والتزوير والإستحواذ على العقائد السابقة ..مما يوضح كيفية قيام المؤسسة الكنسية بنسج عقائد المسيحية الحالية، التى لا يعرف عنها يسوع شيئا، وتبعد كل البعد عن الرسالة التى أتى بها كأحد أنبياء الله المرسلين، كما نطالعه فى الأناجيل، إذ يقول عيسى عليه الصلاة والسلام : " أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله " (يوحنا 8 : 40)، وكما يقول معاصروه : " يسوع الناصرى الذى كان إنساناً نبياً مقتدراً فى الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب" (لوقا 24 : 19).وتتناقض الأناجيل فى مختلف مكونات عيد الميلاد من حيث المكان والسنة واليوم . ونبدأ بتحديد مكان مولده : فى بيت لحم بمنطقة اليهودية جنوباً أو فى الناصرة بمنطقة الجليل شمالا ، إذ يقول متّى : " ولما وُلد يسوع فى بيت لحم اليهودية فى أيام هيرودس.." (2 : 1)، أما لوقا فيقول : " فصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التى تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته" (2: 4) ، أى أنه إنتقل من الناصرة حيث وُلد إلى بيت لحم حيث يتم التعداد .. والمفروض ان يقول الكاتب الذى من الواضح أنه يجهل جغرافية بلده : أن يوسف "نزل" وليس "صعد" ، فبيت لحم تقع جنوبا فى منطقة اليهودية !.. بينما يقول مرقس : "وفى تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل وإعتمد من يوحنا فى الأردن" (1 : 9). وهنا لا بد من أن يتساءل القارىء : هل يمكن "لإله" أن يكون بحاجة إلى التعميد ؟ ومِن مَن ؟ من الذى يقول عن نفسه أنه ليس أهلا ان ينحنى ويحل سيور حذائه ؟! (مرقس 1 : 7) .. وبالمناسبة : لم تكن هناك أيام يسوع "أحذية" وإنما كانت نعال تربط بالسيور.. كما يقول متّى أن يسوع وُلد قبل موت هيرودس الكبير ، وهيرودس الكبير مات سنة 4 ق. م. (راجع متّى 2 : 1-20) .. وجاء فى إنجيل لوقا أن يسوع قام بالدعوة فى عام 15 من حكم القيصر تيبريوس وكان فى الثلاثين من عمره ، وتيبريوس حكم سنة 765 من تأسيس مدينة روما، أى ما معناه أن يسوع وُلد سنة 749 من تأسيس مدينة روما، أى أنه وُلد سنة 4 ق. م.ولو أوجزنا تواريخ سنة ومكان ميلاد يسوع نرى أنه من الجليل وطنه (متّى 2 : 23؛ 13 : 54-55) ومن اليهودية وطنه (يوحنا 4 : 43-44) ؛ وولد أيام هيرود الملك (متّى 2 : 1) حوالى عام 6 ق. م. ، و ولد حينما كان كيرنيوس واليا على سوريا (لوقا 2 : 1-7) حوالى عام 7 ميلادية أى بعد أحد عشر عاما ! أو بقول آخر : يسوع وفقا لإنجيل متّى كان فى الحادية عشر حينما وُلد يسوع وفقا لإنجيل لوقا فى نفس الظروف والملابسات..والإنجيل وفقا للوقا وحده هو الذى يصف مولد يسوع بشىء من التفصيل، أما الإنجيل وفقا لمتّى فيشير إليه بأن كتب شجرة عائلة يسوع، بينما كل من مرقس ويوحنا فيهملان بداية نشأته. وهنا تجب الإشارة إلى أن كتابة شجرة عائلة ل "ربنا يسوع" ، كما جعلته المؤسسة الكنسية، يتنافى مع فكرة ربوبيته ..لذلك " أوضح البحث التحليلى والتاريخى أنه يجب إعتبار مولد يسوع فى بلدة بيت لحم كعنصر من عناصر قصة كونتها المسيحية الأولى من الناحية الأدبية "، على حد قول كلاوس بايبرشتاين (K. Biberstein) فى كتابه "الأزمنة الأولى للكنيسة" (2002). ولذلك أيضا يقول القس السابق إرنست رينان (E. Renan)فى كتابه عن "حياة يسوع" (1863): " أن يسوع وُلد فى الناصرة، وهى بلدة صغيرة بالجليل، ولم يكن لها أى شهرة من قبله، وطوال حياته عُرف يسوع بالناصرى ، ولم يفلحوا فى جعله يولد فى بيت لحم إلا بالتحايل المحرج"، والإحراج هنا ناجم عن ان يسوع لا يمكن أن يولد فى وقت واحد أيام هيرود وأيام إحصاء التعداد والفرق بين الحدثين أحد عشر عاما ، ولا يمكن ان يولد فى بلدة لم تكن موجودة فى عهده ، فما تقوله الوثائق وكتب التاريخ أن الصليبيين هم الذين بنوها !..ويقول شارل جينيوبير (Ch. Guignebert) : "رغم تكرار فكرة أن يسوع من الناصرة، فى عشرات الآيات، فما من نص قديم، سواء أكان وثنيا أو يهوديا، يذكر مدينة الناصرة (راجع : "يسوع" صفحة79)... ثم يتناول تفسير ما نلخصه بأن هناك عملية تحريف وتلاعب بين كلمة النذير (Nazoréen) ، أى الذى نذره أهله او نذر نفسه للسلك الكهنوتى، وهى الموجودة فى النصوص القديمة، وبين كلمة "الناصرى" (Nazaréen) ، نسبةً إلى مدينة الناصرة التى تم إختيارها ، إذ كيف يمكن لإله أن يُنذر نفسه لسلك الكهنوت ؟!.أما عن يوم ميلاد يسوع فما من نص مسيحى واحد يحدده ، وما يُفهم من الأناجيل أنه وُلد فى بداية فصل الخريف أو الربيع مجازا، حيث أن الرعاة كانوا يباتون فى العراء "يحرسون حراسات الليل على رعيّتهم" (لوقا 2 : 8) ، وليس فى ديسمبر تحديداً نظرا لإستحالة ذلك فى جو قارس البرودة أوالثلوج المتساقطة .. كما أن عيد الميلاد المحدد بيوم 25 ديسمير لم يكن من الأعياد المسيحية الأولى ولا يرد إسمه فى قوائم الأعياد التى نشرها كل من إيرينى أو ترتوليان (راجع موسوعه أونيفرساليس الفرنسية Universalis والموسوعة الكاثوليكية الأمريكية). ونطالع فى الموسوعة الفرنسية تحديدا : " أن عيد الميلاد لا يمثل عيد مولد يسوع بمعنى الكلمة لأن تاريخ مولده مجهول" (ط 1968 ج19 صفحة 1360) ..وتؤكد مارتين برّو (M. Perrot) الباحثة بمعهد البحوث القومى فى باريس فى كتاب حول "أصول عيد الميلاد" (2000) : "أن الكنيسة قد أقامت عيد الميلاد على إحتفال وثنى وفى مكانه، واستعانت بكثير من التفاصيل الوثنية كالشجرة، و الكعكة على شكل حطبة، ونبات الدبق، والهداية ، إلخ "... أى أن المؤسسة الكنسية استحوذت على عيد وثنى وقامت بتنصيره لترسيخ عقائدها بين الشعوب التى تقوم بتنصيرها!.وقد تم تحديد تاريخ 25 ديسمبر لعيد ميلاد يسوع فى منتصف القرن الرابع. وقبل ربطه بذلك اليوم ، فكروا فى تثبيته فى عدة تواريخ منها 6 يناير الذى كان يرمز لعيد تعميده بينما كان يوم أول يناير يرمز لعيد ختانه الذى ألغته الكنيسة لتضع مكانه عيد "القديسة مريم أم الله " !. لكنهم استقروا على يوم 25 لأنه كان يمثل الإحتفال بعيد الشمس التى لا تقهر (Sol Invectus)، وعيد الميلاد الخاص بالإله ميثرا الشديد الإنتشار آنذاك بين الشعب والجيش الرومانى خاصة بعد أن قام الإمبراطور أورليان (270-275) بإعلانه "الإله الحامى الأساسى للإمبراطورية" وجعل من 25 ديسمبر، صبيحة مدار الشتاء، عيدا رسميا.وكان الإمبراطور قسطنطين الأول، الذى سمح للمسيحيين بممارسة عقيدتهم، من أتباع هذا الإله وله أيقونات وعملات تمثله مؤلها ورأسه محاط بآشعة الشمس، إذ لم يتم تعميده وفقا للعقيدة المسيحية إلا وهو على فراش الموت وعلى مذهب الأريوسية الرافض لتأليه يسوع.وبناء على توصيات القديس أغسطين، كان على الذين تم تنصيرهم حديثا، فى الإمبراطورية الرومانية، ألا يعبدوا الشمس فى ذلك اليوم وإنما "ربنا يسوع" . وبذلك تم فرضه حتى يسهل على الذين تم تنصيرهم حديثا أن يحتفلوا به بعد أن أدخله البابا ليبريوس سنة 354 م فى روما، وهو الذى حدد الإحتفالات الأولى لإمتصاص الإحتفالات الوثنية.وتعد هذه المعلومة من الحقائق الأبجدية المسلّم بها فى الغرب ، فعندما سألوا البابا السابق يوحنا بولس الثانى، يوم 22 ديسمبر1993 ، عن رأيه فى هذا الخلط والإستحواذ التاريخى ، أقره قائلا: " أيام الوثنيين القدامى كانوا يحتفلون بعيد الشمس التى لا تقهر، والطبيعى بالنسبة للمسيحيين أن يستبدلوا هذا العيد لإقامة عيد الشمس الوحيدة الحقيقية وهى: يسوع المسيح" !. ومثل هذه "الحقائق" والآلاف غيرها هى التى كانت قد جعلت البابا بيوس الثانى عشر يقول فى احد المؤتمرات التاريخية الدولية عام 1955 ما سبق وقاله من قبل : "بالنسبة للكاثوليك، ان مسألة وجود يسوع ترجع إلى الإيمان أكثر منها للعلم " !!ومن الغريب ان نرى البابا بنديكت 16 يواصل عملية ترسيخ هذه الفريات .. ففى يوم 21 ديسمبر 2008 راح يؤكد فى خطابه الأسبوعى، من نافذته بالفاتيكان، ليربط مولد يسوع المسيح بمدار الشتاء وتوضيح اهمية معنى مولده فى الخامس والعشرين من ديسمبر!!.

(أقرأ المزيد ... | 54179 حرفا زيادة | التقييم: 4.25)
وثيقة " هبةْ قسطنطين "
د. زينب عبد العزيز

وثيقة "هبة قسطنطين"

 

 

بقلم / د . زينب عبد العزيز

 

تعني عبارة "هبة قسطنطين"  (Constantin's Donation)، منذ القرون الوسطى ، الوثيقة المزورة باسم الإمبراطور قسطنطين الأكبر ، والتي يقال : إنه بموجبها قد قدم مميزات وممتلكات لا يتصورها عقل للبابا وللكنيسة ، ومخطوطة الوثيقة القديمة المعروفة منذ القرن التاسع موجودة بقسم المخطوطات اللاتينية بالمكتبة القومية في باريس ، تحت رقم 2777، وفقا لما هو وارد في " الموسوعة الكاثوليكية " ، وتحمل الوثيقة عنوان : "وثيقة هبة الإمبراطور قسطنطين " ، وهي موجهة من الإمبراطور قسطنطين إلى البابا سيلفستر الأول (314 ـ 335) ، وتتكون من جزئين.

 

والجزء الأول منها بعنوان : " الاعتراف " ، ويشرح فيه الإمبراطور كيف تم تعليمه مبادئ المسيحية على يد البابا سيلفستر الأول ، ويقر بإيمانه بالمسيحية، ويتحدث عن تعميده ، وكيف أن البابا قد شفاه وعافاه من مرض الطاعون .

 

وقبل الانتقال إلى الجزء الثاني والأهم من الوثيقة تجدر الإشارة هنا إلى أن كافة المراجع النقدية التاريخية الحديثة تشير إلى أن الإمبراطور قسطنطين كان رافضا لفكرة تأليه السيد المسيح ، وأنه لذلك كان من أتباع الأسقف أريوس الرافض لتأليه يسوع ، وأنه لم يقبل التعميد ـ كما يقولون ، إلا وهو على فراش الموت ، أما تقبله للمسيحية والسماح للمسيحيين بممارسة عقيدتهم مثلهم مثل باقي الديانات الموجودة في الإمبراطورية ، فذلك من أجل توحيد الإمبراطورية وإدخال المسيحيين الخدمة العسكرية ، إذ إنهم كانوا رافضين التجنيد بحكم أن المسيحية الأولى كانت تحرّم القتل !! وحين نسترجع كم الملايين التي تم قتلها بعد ذلك باسم المسيحية لا نملك إلا التعجب والاستعاذة بالله عز وجل ..

 

وفى الجزء الثاني من الوثيقة المعنون " الهبة " ، يقوم قسطنطين بالتنازل إلى البابا سيلفستر الأول ، وكل من يخلفه ، عن الملكيات التالية : بموجب أن البابا يعد خليفة القديس بطرس فإن له الأولوية على البطرياركات الشرقية التالية : إنطاكيا ، والإسكندرية ، والقسطنطينية ، والقدس ، وكذلك الأولوية على كافة أسقفيات العالم ، وقام بالتنازل للبابا عن قصر لاتران ، وهو أكبر وأجمل قصر شيد حتى ذلك الوقت .

 

وتنص الوثيقة على أن بازليكا مدينة لاتران في روما والتي بناها قسطنطين ستترأس كافة الكنائس ، وكذلك كنيستا القديس بطرس والقديس بولس ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن كنيسة لاتران هذه رئيسها الفخري هو رئيس فرنسا ، مثلما كان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك رئيسها الفخري ، وهو أول ما فعله البابا بنديكت السادس عشر حينما تولى نيكولا ساركوزى رئاسة فرنسا وذكره قائلا : " بأنه أصبح يحمل لقب الرئيس الفخرى لكنيسة سان جان دى لاتران " ـ وهو ما يكشف عن حقيقة الدور الذي يربط رئيس فرنسا بالكنيسة رغم التشدق بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة ..

 

وتواصل وثيقة قسطنطين المزعومة تزويد كنيستي بطرس وبولس بممتلكات ثرية ، كما وهب البابا لقب رئيس أساقفة روما ، الذي يمكّنه من استقبال أعضاء مجلس الشيوخ ، وأنه سيحصل على نفس التكريم والمميزات التي يحصل عليها أعضاء مجلس الشيوخ ، ومثلها مثل الإمبراطور ، فإن كنيسة روما سوف يكون لها الحاشية الخاصة بها ، وطاقم الضيافة الخارجي والداخلي ، والحرس الداخلي والخارجي ، كما سوف ينعم البابا بنفس الحقوق الفخرية والتبجيلية كالإمبراطور ، ومن بينها ارتداء التاج الإمبراطوري والرداء القرمزي ، وإجمالا كافة العلامات والشارات الخاصة بالتمييز الإمبراطوري ، إلا أن البابا سيلفستر قد أبى أن يضع على رأسه آنذاك تاجا من الذهب ، فقام قسطنطين بتزويده بالتاج الأبيض المرتفع ..

 

وتضيف الوثيقة أن الإمبراطور قد أضفى على البابا شرف التكريم الذي يحصل عليه الفارس وجواده ، والأدهى من ذلك ، تضيف الوثيقة أن الإمبراطور قسطنطين قد منح البابا وكل من يخلفونه من بعده إضافة إلى قصر لاتران مدينة روما وكل المقاطعات التي من حولها ، وكافة مدن إيطاليا وكافة المناطق الغربية للإمبراطورية ! ونظرا لعدم معقولية هذه الهبة التي تجرد الإمبراطور من كل شيء طواعية ، تورد الموسوعة الكاثوليكية الجزئية الخاصة بمنحه كافة مدن إيطاليا للبابوية ، باللاتينية ، وهذا نصها :

 

" Tam palatium nostrum, ut prelatum est, quamque Romae urbis, et omnes Italiae seu occidentalium regionum   provincias loca et civitates" .

 

وتواصل الوثيقة العجيبة قائلة : إن الإمبراطور قد أقام لنفسه مدينة جديدة في الشرق ، تحمل اسمه ، وأنه سوف ينتقل إليها هو وحكومته ، بما أنه لا يجوز أن يكون للإمبراطور أي سلطة في المكان الذي أقام الله فيه مقرا لرئيس الديانة المسيحية! وكم من جُرم يُقترف باسم الله بالوثائق الرسمية المزورة التي سرعان ما يتم الاعتماد عليها " كوثيقة رسمية " لتتواصل اللعبة !..

 

وتنتهي الوثيقة بصب اللعنات على كل من يجرؤ على  مخالفة هذه الهبات مع تأكيد أن الإمبراطور قد وقّع عليها بخط يده شخصيا ، ووضع الوثيقة بنفسه على قبر القديس بطرس ..

 

 ونطالع في نفس الموسوعة الكاثوليكية : ومما لا شك فيه أن هذه الوثيقة مزورة ، وتم افتراؤها فيما بين عامي 750 و795 م ، وقد تم إثبات تزييفها منذ القرن الخامس عشر ، فالكاردينال نيقولا دى كوزا يتحدث عنها في أعماله على أنها "وثيقة أبوكريفا" أي مستبعدة ، وليست في متناول الجمهور ! وبعد عدة سنوات قام لورنزو فاللا L Valla)) ، في عام 1440 ، بإثبات تزوير هذه الوثيقة بكل تأكيد ، كما توصل رجينالد بيكو أسقف تشيسستر (1450 ـ 1457) إلى نفس النتائج في بحثه حول : "التعتيم على أكثر ما يدين رجال الكنيسة " ..

 

ورغمها ظل استخدام الوثيقة ساري التداول في الأقبية البابوية على أنها أصلية حتى قام المؤرخ الكاردينال بارونيوس ، من مدينة سورا بمملكة نابولى آنذاك،  بالاعتراف في " الحوليات الكنسية " التي يؤرخ فيها للكنيسة ، بأن وثيقة "الهبة " وثيقة مزورة .. وبارونيوس يُعد من الذين يتبوأون الصدارة بعد المؤرخ أوسبيوس وكلاهما من آباء الكنيسة !

 

ولا غرابة في عملية الكشف الفاضحة هذه ، فمنذ القرن الخامس عشر بدأت بوادر عملية النقد التاريخي للمؤسسة الكنسية وكل ما اقترفته من تزوير وتحريف في مختلف الوثائق الرسمية منها والدينية .

 

وقد قام المزور الرسمي لهذه الوثيقة باستخدام العديد من السلطات التي قام كل من جرويرت وزيومر والعديد غيرهما بتفنيدها بالبحث العلمي واللغوي ، فبداية الوثيقة ونهايتها مقلدة من وثائق حقيقية حتى تبدو الصياغة رسمية طبيعية ، إلا أن المتن نفسه قد كشف عن عمليات التزوير باستخدام لغة وعبارات لم تكن موجودة أو سائدة في القرن الرابع أيام قسطنطين ! ومنها عبارات قد وردت في قرارات "مجمع الأيقونات " المنعقد في القسطنطينية عام 754 ، أو عبارات من " كتاب البابوات " الذي يضم خطابات من بابوات القرن الثامن ، والمعروف تاريخيا أن قسطنطين من القرن الرابع !

 

وفى نفس هذه الوثيقة المزورة أو المعروفة بأنها تمثل " أشهر وأكبر وأحط عملية تزوير في الوثائق البابوية " ، لم تخلُ من إثارة الأسئلة والتناقضات حول كيفية صياغتها والفقرات التي أضيفت إليها وتحت رئاسة أي بابا من البابوات تمت هذه الإضافة الجديدة !

 

وأيا كانت هذه الخلافات الجزئية ، فجميع من تناولوها بالدراسة أكدوا أنها تمت من أجل تدعيم السلطة المدنية للبابوات والكنيسة الكاثوليكية في حربها الممتدة ونضالها الذي لا يكل من أجل السيطرة على السلطتين الدينية والمدنية ، وخاصة لتوحيد إيطاليا سياسيا تحت قيادة بابا روما ، وإضفاء سيادة سلطوية على روما أمام حكومات الفرنجة ، وحماية الإمبراطورية الغربية الجديدة من أية هجمات من جانب البيزنطيين ..

 

(أقرأ المزيد ... | 24379 حرفا زيادة | التقييم: 4.47)
إبادة النصوص وبدعة تأليه يسوع
د. زينب عبد العزيز

إبادة النصوص وبدعة تأليه يسوع ..

 

 بقلم / الدكتورة زينب عبد العزيز

 

أستاذة الحضارة الفرنسية

 

يقول توني باشبى في كتابه " تحريف الكتاب المقدس : " إن دراسته لنسخة الكتاب المقدس المعروفة باسم " كودكس سيناي " (codex Sinai)، وهى أقدم نسخة معروفة للكتاب المقدس والتي تم اكتشافها في سيناء ، و قال : إنها ترجع للقرن الرابع ، أثبتت له أن هناك 14800 اختلاف بينها وبين النسخة الحالية للكتاب المقدس ، وهو ما يثبت كم التغيير والتبديل الذي يعانى منه هذا الكتاب .

 

ويؤكد الباحث أنه لا يمكن لأحد أن يعرف حقيقة ما كانت عليه نصوص ذلك الكتاب الأصلية من كثرة ما ألمّ بها من تغيير وتحريف ، وتكفي الإشارة إلى أنه في عام 1415 قامت كنيسة روما بحرق كل ما تضمنه كتابين من القرن الثاني من الكتب العبرية ، يقال : إنها كانت تضم الاسم الحقيقي ليسوع المسيح ، وقام البابا بنديكت الثالث عشر بإعدام بحث لاتيني بعنوان " مار يسوع " ، ثم أمر بإعدام كل نسخ إصحاح إلكسايElxai )  ) ، وكان يتضمن تفاصيل عن حياة يسوع.

 

وبعد ذلك قام البابا إسكندر السادس بإعدام كل نسخ التلمود بواسطة رئيس محكمة التفتيش الإسبانية توما توركمادا (1420-1498) ، المسؤول عن إعدام 6000 مخطوطة في مدينة سلمنكا وحدها ، كما قام سلمون رومانو عام 1554 بحرق آلاف المخطوطات العبرية ، وفى عام 1559 تمت مصادرة كافة المخطوطات العبرية في مدينة براغ ، وتضمنت عملية إعدام هذه الكتب العبرية مئات النسخ من العهد القديم ـ مما تسبب في ضياع العديد من الأصول والوثائق التي تخالف أو تفضح أفعال المؤسسة الكنسية آنذاك !

 

ويقول تونى باشبى : إن أقدم نسخة أنقذت للعهد القديم ـ قبل اكتشاف مخطوطات قمران ، هي النسخة المعروفة باسم " البودليان " ( Bodleian ) التي ترجع إلى علم 1100 م . وفى محاولة لمحو أية معلومات عبرية عن يسوع من الوجود ، أحرقت محاكم التفتيش 12000 نسخة من التلمود ! .

 

ويوضح المؤلف أنه في عام 1607 عكف سبعة وأربعون شخصا ، ويقول البعض 54 ، لمدة عامين وتسعة أشهر لترجمة الكتاب المقدس بالإنجليزية وتجهيزه للطباعة بأمر من الملك جيمس ، بناء على مراعاة قواعد معينة في  الترجمة ، وعند تقديمها عام 1609 للملك جيمس قدمها بدوره إلى سير فرانسيس بيكون ، الذي راح يراجع صياغتها لمدة عام تقريبا قبل طباعتها .

 

ويقول تونى باشبى : إن العديد من الناس يتصورون أن طبعة الملك جيمس هي " أصل " الكتاب المقدس ، وأن كل ما أتى بعدها يتضمن تعديلات اختلقها النقاد ، إلا أن واقع الأمر هو : " أن النص اليوناني الذي استخدم في الترجمة الإنجليزية ، والذي يعتبره الكثيرون نصا أصليا ، لم يُكتب إلا في حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي ، وكانت نسخة منقولة ومنقحة عن نسخ متراكمة سابقة مكتوبة بالعبرية والآرامية ، وقد تم حرق كل هذه النسخ ، والنسخة الحالية للملك جيمس منقولة أصلا عن نَسخ من خمس نَسخات لغوية عن النص الأصلي الذي لا نعرف عنه أي شيء " !!

 

ففي بداية القرن الثالث تدخلت السياسة بصورة ملحوظة في مسار المسيحية التي كانت تشق طريقها بين الفِرق المتناحرة ، فوفقا للقس ألبيوس تيودوريه ، حوالي عام 225 م ، كانت هناك أكثر من مائتي نسخة مختلفة من الأناجيل تستخدم في نفس الوقت بين تلك الفرق ..

 

وعندما استولى قسطنطين على الشرق الإمبراطوري عام 324 م ، أرسل مستشاره الديني القس أوسبيوس القرطبي إلى الإسكندرية ، ومعه عدة خطابات للأساقفة ، يرجوهم التصالح فيما بينهم حول العقيدة ، وهو ما يكشف عن الخلافات العقائدية التي كانت سائدة آنذاك ، إلا أن مهمة أوسبيوس قد باءت بالفشل ، مما دفع بقسطنطين إلى دعوة جميع الأساقفة للحضور ، وأن يُحضروا معهم نسخهم من الأناجيل التي يتعاملون بها ، وبذلك انعقد أول مجمع كنسي عام سنة 325 م في مدينة نيقية لحسم الخلافات السائدة حول تأليه أو عدم تأليه يسوع !

 

وفى 21 يونيو عام 325 م اجتمع 2048 كنسيا في مدينة نيقية لتحديد معالم المسيحية الرسمية ، وما هي النصوص التي يجب الاحتفاظ بها ، ومن هو الإله الذى يتعيّن عليهم اتباعه ، ويقول تونى باشبى : " إن أولى محاولات اختيار الإله ترجع إلى حوالي عام 210 م ، حينما كان يتعيّن على الإمبراطور الاختيار ما بين يهوذا المسيح أو شقيقه التوأم  يسوع ، أي الكاهن يسوع أو الشخص الآخر ، مؤكدا أنه حتى عام 325 لم يكن للمسيحية إله رسمي " !!

 

ويوضح تونى باشبى أنه بعد مداولات عدة ومريرة استقر الرأي بالإجماع، إذ أيده 161 واعترض عليه 157 ، أن يصبح الاثنان إلها واحدا  ، وبذلك قام الإمبراطور بدمج معطيات التوأم يهوذا ويسوع ليصبحا إلها واحدا ، وبذلك أقيم الاحتفال بتأليههما ، ثم بدأت عملية الدمج بينهما ليصلوا إلى تركيبة "ربنا يسوع المسيح "  وطلب قسطنطين من الأسقف أوسبيوس أن يجمع ما يتوافق من مختلف الأناجيل ليجعل منها كتابا واحدا ، ويُعمل منه خمسون نسخة " ..

 

ولمن يتساءل عن مرجعيات توني باشبى لهذا البحث نقول : إنه وارد بالفهرس كشفا يتضمن 869 مرجعا !..

 

ويعد الباحث والأديب البريطانى جيرالد ماسىّ (1828ـ1907) من أهم من استطاعوا توضيح خلفية ذلك الخلط الشديد في الأصول ، وشرح كيف أن القائمين على المسيحية الأولى جمعوا عقائد دينية من أهم البلدان التي تواجدوا  بها، لتسهيل عملية دمج شعوبها تحت لواء ما ينسجون ..

 

ويتناول جيرالد ماسىّ في كتابه عن يسوع التاريخي والمسيح الأسطوري كيف " أن الأصل المسيحي في العهد الجديد عبارة عن تحريف قائم على أسطورة خرافية في العهد القديم " .

 

 وأن هذا الأصل المسيحي منقول بكامله من العقائد المصرية القديمة ، وتم تركيبه على شخص يسوع ، ونفس هذا الشخص عبارة عن توليفة من عدة شخصيات ، والمساحة الأكبر مأخوذة عن شخصين ، وهو ما أثبته العديد من العلماء منذ عصر التنوير ، وقد تزايد هذا الخط في القرن العشرين بصورة شبه جماعية ، بحيث إنه بات من الأمور المسلّم بها بين كافة العلماء .

 

وإن كانت الوثائق التي تشير أو تضم معطيات يسوع التاريخي متعددة المشرب ، وتؤدي إلى أكثر من خط ، فإن المعطيات التي تتعلق بالمسيح مأخوذة بكلها تقريبا من الديانة المصرية القديمة ، وكلها منقوشة على جدران المعابد الفرعونية وخاصة معبد الأقصر الذي شيده أمنحتب الثالث ، من الأسرة السابعة عشر، ويقول ماسىّ : " إن هذه المناظر التي كانت تعد أسطورية في مصر القديمة، قد تم نقلها على أنها تاريخية في الأناجيل المعتمدة ، حيث تحتل مكانة كحجر الأساس للبنية التاريخية ، وتثبت أن الأسس التي أقيمت عليها المسيحية هي أسس أسطورية ".

 

(أقرأ المزيد ... | 19742 حرفا زيادة | التقييم: 4.6)
إبادة المخطوطات والنصوص
د. زينب عبد العزيز

إبادة المخطوطات والنصوص

 

  بقلم د. زينب عبد العزيز

 

  أستاذة الحضارة الفرنسية

 

إن ما قام به المسيحيون من هدم متعمد لمختلف المجالات ، والذي تزايد بإصرار أكمه منذ القرن الرابع قد ترك آثارا سلبية ومضلّلة ، لا تزال أصداؤها تتردد وتنعكس على إمكانية الوصول إلى الحقائق التي تم نسجها والتعتيم عليها ، ومن أهم هذه الوثائق التي تمت إبادتها كل ما يمكنه إثبات عمليات التحريف والتبديل التي تمت لاختلاق هذه المسيحية ، التي لا يعرف عنها السيد المسيح شيئا، إضافة إلى غيرها من مجالات الفكر والفلسفة والعلوم والآداب..

 

ففي عام 448 م قام كل من الإمبراطور تيودوز الثاني في شرق الإمبراطورية الرومانية ، وفالنتينيان الثالث في غربها بإصدار مرسوم يطالب بحرق كل ما كتبه الفيلسوف بورفير (234 – 305 ) أو أي شخص آخر ضد عبادة المسيحيين المقدسة ، لعدم رغبتهما فى أن تؤدى مثل هذه الأعمال إلى غضب الرب أو أن تضير مسامع البشر إذا ما وصلت إليهم ! وارد في :

 

    ( Codex Théodosianus, XVI,6,66 ; Codex Justinianus I,1,3  )

 

وكان قد سبقهما أباطرة آخرون باستبعاد بعض الكتب التي لم تروقهم ، أو تلك التي كان يمكنها كشف ما يقومون به من تحريف وتبديل للنصوص ، إلا أن هدم أعمال بورفير كان يمثل " جريمة ضد الإنسانية " على حد تعبير أندريه بيجانيول ، وبذلك بدأ ترسيخ القواعد الإجرامية التي حرمت الإنسانية من أعمال معظم المؤلفين القدامى ، وذلك بحرق الكتب والمخطوطات التي كانت تمثل خطرا على المؤسسة الكنسية ، وعلى ما كانت تنسجه عبر المجامع وتفرضه قهرا عبر المعارك والاغتيالات ؛ لتتواصل عملية تنصير التاريخ والوثائق !

 

وبينما كانت المؤسسة الكنسية تقوم بنسج هذه المسيحية التي لا علاقة لها بما أتى به السيد المسيح من رسالة تسامح ومحبة وعودة باليهود الذين حادوا إلى رسالة التوحيد جاهدت للاستحواذ على بعض المؤرخين لتقوم من خلالهم بتنصير المجتمع ووثائق التاريخ – بمعنى كتابته وفقا لأهوائها ـ فتم التلاعب في ترجمة أعمال المؤرخ فلافيوس جوزيف إلى اللاتينية بصورة غير أمينة ، وتم إدخال فيها فقرة عن يسوع من بضعة أسطر ، ثبت زيفها لسبب بسيط وهو استمرارية النص الأصلي عند حذفها ! وتم اختصار كتاب " التاريخ الروماني " للكاتب ديون كاسيوس واستبعاد الكثير من النص الأصلي ، ولم يبدأ ذلك التلاعب في النصوص بهذه الجرأة الكاسحة إلا عندما أصبحت المسيحية ديانة للدولة عام 391 ، أي في أواخر القرن الرابع.

 

وهى نفس الفترة التي قام فيها القديس جيروم بدمج وتعديل أكثر من خمسين نسخة مختلفة من الأناجيل ، ليخرج العهد الجديد في شكله الحالي تقريبا، وذلك بأمر من البابا داماز .. والطريف أن هذا القديس جيروم يعترف في المقدمة التي كتبها لهذا العهد الجديد بأنه بدل وعدّل وغيّر في النصوص ، بل ويعلم أنه سوف يُتهم بالغش والتحريف والتزوير إلا أنه لا يعنيه ، فقد قام بذلك بناء على أمر من البابا .. والأكثر طرافة من هذا أنه تم فرض هذا النص على الأتباع على أنه منزّل من عند الله وإن الله هو مؤلفه ! بل ولا زالوا يفرضونه كذلك على الأتباع مع تعديل تبعية التأليف ، في مجمع الفاتيكان الثاني عام 1965 ، بأن الله قد أوحى للحواريين عن طريق الروح القدس !! ويا لها من فريات ..

 

وفى نفس هذه الفترة أيضا ، أي في أواخر القرن الرابع ، تم اللجوء إلى بعض المؤلفين والاستعانة بهم لصالح العقيدة الوليدة التي كانت تتكون عبر المجامع وفقا للأهواء والأغراض ، بل كثيرا ما جرت المعارك بين هؤلاء "المتطوعين " لإعادة صياغة التاريخ ، من قبيل تلك المعركة التي دارت بين كل من القديس جيروم (المتوفى عام 420 ) وروفين الأكويلى (المتوفى عام 410 م) ، على الرغم من أنهما كانا يشتهران بالصداقة التي كانت تجمع بينهما !

 

وقد قام الاثنان بعملية " تنقية " لأعمال أوريجين الذي أدانته الكنيسة ، وكانت عبارة عن ألفين عملا – وفقا لخطاب القديس جيروم رقم 33 إلى تلميذته باولا ، وتقلص عدد هذه الأعمال الألفين إلى ثمانمائة عند ترجمتها إلى اللاتينية ! وهى ترجمة عبثية في الكثير من أجزائها ، ويقول روفين في مقدمته لترجمة كتاب "مبحث المبادىء" لأوريجين  : إنه اتبع نفس خطوات جيروم في ترجمته لكتاب " العظات "  " عندما كان يجد في النص اليوناني أي مقطع فاضح ، كان يمرر عليه المبرد ثم يترجمه بعد تنقيته ، بحيث إن القارئ اللاتيني لا يجد ما ينافى العقيدة أو ما يحيد عنها " !

 

ويقول باردنهيوير فى كتابه عن " أباء الكنيسة ، حياتهم وأعمالهم "(1905):  "إن روفين يتعامل مع النص بحرية فائقة سواء من حيث الشكل أو المضمون "  أما جوستاف باردى فيقول : " يمكننا أن نضع روفين ، دون أن نظلمه ، بين أشهر المزيفين الذين كان هو يدينهم ، اما جيروم ، فقد كان يقوم بالتصويب الأدبي ، بالحذف اللبق والتحريف باسهاب " (التحريف في المسيحية ، مجلة التاريخ الكنسي، مجلد32 ، عام 1936 ) .

 

ويواصل جوستاف باردي قائلا : " إن نماذج التزوير والتحريف تنتشر في القرن الرابع ، ويبدو أن المزيفين والمحرفين قد اكتسبوا مهارة وجرأة مع تزايد أعمالهم الأدبية .. بل لقد وصل التحريف والتزييف إلى درجة أنه أصبح النسق العام : يستخدمه الكاثوليك وخصومهم على السواء لتبادل الاتهامات " . أما في صفحة 290 فيقول : " ولا يوجد ما هو أغرب من قصة المجمع المسكوني السادس عام 680 ، فقد كان بالفعل مجمع تجار الأنتيكة والنصوص القديمة ، إذ لم يتحدثوا طوال انعقاده إلا عن النصوص التي تم تحريفها ، وعن الخطابات الوهمية ، والأعمال الافتراضية ، فقد كانوا يقومون بمقابلة النصوص ومضاهاتها ، ويبحثون في الأرشيف ، ويضاهون التوقيعات عليها ، ومنذ الدورة الثالثة في نوفمبر 13 نوفمبر 680 ، أقروا أن كل محاضر المجمع الخامس قد تم تزييفها" !!

 

ومن القرن الرابع حتى القرن السادس توالت الأعمال التي تدين الوثنيين والكلاسيكيين القدامى ، وفى عام 447 أصدر البابا ليون الأول أوامره بحرق كافة الأعمال التي لا تتمشى مع الحقيقة الصادقة ! أي تلك التي لا تتمشى مع ما تعلنه هي من أقوال وأفعال.. وبذلك استقر مناخ من معاداة الوثنية ويبغض ثقافتها ونصوصها ، خاصة أولئك الأدباء والفلاسفة الذين يمكنهم الكشف عن منابع المسيحية التي ينسجونها ..

 

وانحصرت الحياة الفكرية والفلسفية في أرفف وأقبية الأديرة التي تولت احتكار المخطوطات ليقوم القساوسة والرهبان بتنقيتها .. ويقول جى ديفيتش : " إن الرهبان في القرن السادس كانوا في غاية الجهل ، وأبعد ما يكونوا عما نطلق عليه اليوم العلم والدراسة ، فكانت دراسة أعمال الوثنيين في نظرهم أشبه ما تكون بعملية ارتداد عن دينهم ! معتبرين أن الفم الذي يتغنى بالمسيح لا يمكنه أن ينطق العبارات التي أوحى بها الشيطان في تلك المؤلفات " ..

 

أما الفيلسوف والمؤرخ نيكولو ماكيافيللى (1469-1527) فيقول في كتابه عن "خطبة حول تيت ليف" ، نقلا عن جان دى سلزبورى كمعلومة مؤكدة : " إن البابا جريجوار الأكبر (590-604) قد أمر بحرق المكتبة الإمبراطورية في روما" ويعجب ماكيافيللى من "ذلك الدأب العنيد الذي قام به القديس جريجوار الأكبر وغيره من القادة المسيحيين ، ومن تلك المثابرة والإصرار على هدم كل الآثار الوثنية ! إنهم يحرقون أعمال الشعراء والمؤرخين ويحطمون التماثيل واللوحات ، ويبدلون ويحرقون أو يبيدون كل ما يمكنه أن يحتفظ بأي ذكرى من العصور القديمة ، وإن كان في مقدورهم استخدام لغة أخرى لقاموا بإبادة كل شيء حتى أطياف الآداب القديمة وظلالها " !

 

وقد عاون على استبعاد الآداب القديمة العديد من المعارك الكنسية والعقائدية الدائرة ، ومنها معركة الأيقونات التي سيطرت على الساحة البيزنطية لأكثر من قرن ، من 726 إلى 843  ، وهى المعركة التي سمحت لهم بهدم أو حرق العديد من المكتبات ؛ لأن كثيرا من النصوص كانت هوامشها مزدانة بالرسومات الفنية ، وقد تولى هذه الحملة  ليون الأيصورى أسقف بيزنطة.

 

ويقول لويس برهييه L Bréhier في كتابه عن  " بيزنطة " : " إن ليون الثالث قد أمر بجمع الحطب حول أكاديمية العلوم في القسطنطينية ، وأشعل النار في ثلاثين ألفا من المخطوطات والكتب الفريدة " وكان الهدف من هذه الحملة ، على الصعيد السياسي ، المساس بالسلطة الإمبراطورية الرومية وكنيستها التي كان رجالها يتكسبون من صنع وبيع الأيقونات والرسومات الدينية !.

 

كما أدى نقص ورق البردي في تلك الفترة إلى قيام الرهبان والقساوسة بكحت  الكتب القديمة وإعادة الكتابة على بردياتها أو جلودها؛ إضافة إلى نفس جهل هؤلاء القساوسة والرهبان الذين كانوا يهملون في المحافظة على الكتب أو صيانتها ، بل كثيرون منهم كانوا يستخدمونها لتغطية الأواني أو لسد فتحات النوافذ ؛ لأن أعمال الوثنيين في نظرهم تلهى الإنسان عن التعبد !

 

وما من مؤرخ تمكن من دحض ما أورده الكاتب الإيطالي جيوفانى بوكاتشيو (1313-1375) ووصفه لمكتبة دير مونتى كاسّينو التي كانت شبابيكها وأبوابها تقرع في مهب الريح ، بينما يقوم الرهبان بقص أجزاء من المخطوطات وبيعها للنسوة للتبرك بها ، أو يكحتون أجزاء من النص ليكتبوا بعض التعاويذ .. ففي ذلك " العصر الأسود " كان الرهبان وحدهم هم الذين يقومون بتنقية النصوص وفقا لأهوائهم ، أو بمعنى أدق ، وفقا لمستوى تفكيرهم وجهلهم ! ذلك لأن القيام بتصويب النصوص وتنقيتها من أية شوائب مخالفة للدين كان في نظرهم بمثابة القيام بعمل ورع ..

 

ويقول هنري فوسيون (H. Faucillon) الناقد الفرنسي في كتابه المعنون "عام ألف" (1952) : " يجب علينا أن نتخلى عن تلك الفكرة الخرافية القائلة بأن الرهبان كانوا يسهرون طوال الليل لنقل أعمال المؤلفين القدامى وإنقاذها للأجيال القادمة ، فالكتابات الوحيدة التي اهتموا بنقلها هي أعمال أباء الكنيسة ، وفى القرن العاشر والحادي عشر لم يكن هناك من أعداء للأدباء القدامى وفلاسفتهم إلا أولئك الرهبان ، خاصة من خضع منهم لعملية إصلاح دير كلوني " ..

 

ومما تقدم يمكننا إدراك أن السبب الرئيسي في اختفاء أعمال التراث اليوناني واللاتيني في بداية العصور الوسطى لم يكن بسبب غارات البرابرة ، وإنما تلك العقلية الشديدة التعقيد الناجمة عن المسيحية والتي كان كل ما يعنيها هو التعتيم على الأصول التي كان قادتها ينسجونها وفقا لأغراضهم ، ولم يدرك عقلاء الغرب فداحة ما خسره في تلك العصور إلا عندما بدأ البحث عن المخطوطات المتعلقة بهؤلاء الأدباء القدامى.

 

وفى خطاب لأحد أصدقائه كتب بودجيو عن دير سان جال قائلا : " اعلم أن الكتب هنا ليست مصانة بالعناية الواجبة لأهميتها ، إنها تقبع في زنزانة رثة مظلمة في أسفل قاع البرج .. إنه مكان لا يجرؤ المرء أن يسجن فيه أحد المجرمين .. وتكفى زيارة أحد هذه "المراحيض" التي يُلقى فيها هؤلاء البرابرة مساجينهم لتلتقي بأعمال أحد مثقفينا الذين اعتقدنا من زمن بعيد أنهم اندثروا " ..

 

بينما راح ليوبولد دي ليل يصف الحالة المذرية التي وجد عليها مكتبة دير كوربى في القرن السادس عشر : " لقد وصل هؤلاء الرهبان إلى درجة من الجهل باعترافهم ، وإن أغلبهم ينسخ دون أن يفقه الكلمات التي يقرأها ، الأمر الذي أدى إلى إهمال وأخطاء ، بل وصل بهم الحال إلى بيع أو إهداء هذه المخطوطات بلا تمييز لأهميتها " ..

(أقرأ المزيد ... | 31575 حرفا زيادة | التقييم: 4.71)
خطاب الـ 138، وبابا الفاتيكان
د. زينب عبد العزيز

خطاب الـ 138 وبابا الفاتيكان

 

بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز

 

   أستاذة الحضارة الفرنسية

 

إن هذا الموضوع أكبر بكثير من أن يعالج في مثل هذا الحيّز المحدود ، ورياح الغدر والتواطؤ تخيّم على الآفاق ، وإن كان بيع أرض فلسطين قد بدأ بالخيانة وتواصل بالهرولة والتواطؤ ، فإن الأحداث تشير إلى أن نفس الكرّة تعاد في حق الإسلام !

 

ففي 29 نوفمبر 2007 ، أي بعد شهر ونصف تقريبا ، أعلن البابا بنديكت السادس عشر ـ باسم أمين سر دولة الفاتيكان وليس باسمه ، رده على خطاب ال138 مسلما الذين هروَلوا ـ جهلا أو عن عمد ، استجابة للمساعي الخفية التي قادها رجال الفاتيكان، وبعض أعوانهم ، لرأب الصدع الذي نجم عن محاضرة راتسبون ، التي سب فيها البابا الإسلام والمسلمين وسيدنا محمد عليه صلوات الله ، وربط فيها بين الإسلام والإرهاب. والمعروف أنه لم يعتذر للآن عن موقفه هذا ، وفقا لمطلب القيادات الإسلامية ، وإنما اعتذر عن رد فعل المسلمين وهمجيته !!

 

و رد البابا موجه إلى الأمير غازي بن محمد بن طلال ، المسئول عن مؤسسة آل البيت بالأردن ، والذي تزعم تلك المبادرة التي انقاد إليها 138 مسلما من 44 دولة بمختلف المراكز والألقاب والتوجهات ..

 

ومن الغريب أن رد البابا موقع عليه يوم 19 نوفمبر ، وأعلن يوم 29، مع إعلان خطابه الرسولي الثاني المعنون " بالآمال نحن منقذون" ، ـ ولعل الحكمة في تأخير إعلان الرد ترجع إلى الرغبة في زجه تحت الظل أو أملا في أن تنصير المسلمين سوف ينقذه بتحقيق آماله ! فالإعلام كله في الغرب قد تناول خطابه الرسولي ، ولا إشارة تذكر تقريبا لرده على أولئك المسلمين إلا في جرائده و مواقعه الفاتيكانية ..

 

وقد أعرب البابا عن " تقديره العميق لهذه اللفتة وللروح الإيجابى الذي ألهم خطاب المسلمين" .. وبعد تذكيره بالخلافات العقائدية بين المسيحيين والمسلمين" ، أشار إلى أن ما يجمع هاتين العقيدتين (المسيحية والإسلام) هو : "الإيمان بالإله الواحد" ، الذي " في نهاية الزمان سوف يحاكم كل إنسان وفقا لعمله" .. وهى العبارة الواردة في وثيقة " في زماننا هذا" الناجمة عن مجمع الفاتيكان الثانى عام 1965 ، التي برأ فيها اليهود ، ووضع فيها الفاتيكان آنذاك الإسلام بين ديانات الشرق الأقصى ، وأبعد فيها المسلمين عن عمد عن نسبهم لسيدنا إبراهيم ! وقد تناولت تلك الوثيقة بالتفصيل في مقال سابق هنــــا.

 

كما أعرب البابا عن رضاه من أن المسلمين قد اختاروا أن يكون موضوع " محبة الله ومحبة القريب" ، التي كانت محور خطابه الرسولى الأول ، هي نفسها محور خطاب المسلمين ! ثم راح يملى شروطه من أجل إمكانية عمل حوار مشترك ، وهى : احترام كرامة كل إنسان ، المعرفة الموضوعية لديانة الآخر ، تقاسم التجربة الدينية " ، وكلها عبارات مضخمة لمطالب معينة ، و بعد تطبيق ذلك أوضح أنه يمكن التعاون : "في المجالات الثقافية والاجتماعية من أجل دعم العدالة والسلام " موضحا أن آفاق التعاون هي " ثقافية واجتماعية وليست لاهوتية " ..

 

أي ما معناه أنه لا نقاش في العقيدة ، التي هي الخلاف الأساس بين المسيحية والإسلام . وهو نفس الموقف الذي اتبعته من قبل لجنة الحوار الفاتيكانية وفرضت على أعضاء اللجنة في الأزهر أن يوقعوا على أنه لا نقاش في العقيدة !

 

ثم أوكل البابا إلى الدكتور عارف على النايض ، الذي كان يعمل في المعهد البابوي للدراسات العربية و الإسلامية، اختيار وفد من الموقعين على الخطاب للقائه، موضحا أن هذا الوفد سيمكنه الاجتماع بحوالي عشرة من الخبراء الكاثوليك ، تحت قيادة المجلس البابوي للحوار الدينى ، برئاسة الكاردينال جان لوى توران ، والجامعة البابوية الجريجورية ، والمعهد البابوي للدراسات الإسلامية والعربية. والسيد توران هذا هو القائل " أن الخيط الموجِّه لعملي في الحوار سيكون وثيقة "في زماننا هذا" ..

 

وفي الثلاثين من الشهر ، أي ثاني يوم إعلان رد البابا ، علّق الكاردينال جان لوى توران ، الذي سيترأس الحوار ، قائلا في حديث له مع جريدة "أفنيرى"(Avvenire) الإيطالية : "لدى المسلمين يمكننا تقدير حجم إعلائهم لله ، وقيمة الصلاة والصوم ، وشجاعة إعلانهم عن إيمانهم في الحياة العامة " . ثم أضاف قائلا : "ومن جانبهم يمكنهم أن يتعلموا منّا قيمة العلمانية الصحيحة ( !) وأنه يتعيّن على المسلمين أن يكتشفوا قيم عدم إجبار أو حرمان شخص من ممارسة دين ما .. فما هو مباح لطرف يجب أن يكون مباحا للطرف الآخر ، ومن هذا المنطلق إن كان من الصواب أن يكون للمسلمين مسجد كبير وجميل في روما ، فمن الصواب أيضا ومن الضروري أن يكون للمسيحيين كنيستهم في الرياض " !

 

ثم أشار إلى "أن مبدأ المبادلة هذا يمكن أن يتم بصورة فعالة عبر الحوار الدبلوماسي والكرسي الرسولي وحكومات البلدان ذات الأغلبية المسلمة " .. ثم أوضح الكاردينال أنه لا حوار ممكن مع " إسلام يبشر ويمارس الإرهاب ـ الذي هو ليس إسلام أصلي وإنما تحريف للإسلام " ـ وهى عبارة مأخوذة من أحد تصريحات الدكتور عارف على النايض في حديثه مع إذاعة البى بى سى قائلا : " إن التعاليم الحقيقة للقرآن أيضا قد اختلطت بسبب انحلال وجمود داخلي للعالم الإسلامي ، مما أدى إلى حدوث تحريفات للإسلام الشرعي ، الشديد التسييس والخالي روحيا (...) ومن ضمن هذه التحريفات ذلك الانطلاق الحالي للإرهاب باسم الدين والذي يتعين على كل واحد منا الواجب الديني والأخلاقي لإدانته وطرده " ..

 

أما الطامة الكبرى فهى مطلب البابا من ذلك الحوار الذي سيبدأ عما قريب : فهو يطالب الإسلام " أن يتبع نفس الطريق الذي سلكته وأتمته الكنيسة الكاثوليكية تحت ضغوط عصر التنوير. وأن حب الله وحب القريب يجب أن يتحقق في القبول التام لحرية العقيدة "، أي ما معناه الإقرار بأن نص القرآن ليس منزّلا وفتح الأبواب على مصراعيها لعمليات التبشير.

 

و كان البابا قد أعرب بأوضح الصور عن معنى الحوار الذي يريده مع الإسلام في الخطاب الذي ألقاه أمام الإدارة البابوية يوم 22 ديسمبر 2006 ، بمناسبة تقديمه التهنئة بأعياد الميلاد إلى أعضاء لجنة اللاهوت الدولية ، حيث قام بشرح الوصايا العشر وأنها تمثل " أساسا لقيم أخلاقية عالمية" ويمكن تلخيصها في أهم نقطتين هما : حب الله وحب القريب ، ثم أعرب عن رأيه  في الحوار مع المسلمين قائلا : " في الحوار الذي يجب علينا تكثيفه مع الإسلام ، علينا أن نضع أمام أعيننا واقع أن العالم الإسلامى يجد نفسه اليوم في حاجة ملحّة أمام مهمة شديدة الشبه بتلك التي تم فرضها على المسيحيين ابتداء من عصر التنوير والتي أتى لها مجمع الفاتيكان الثانى بحلول جذرية للكنيسة الكاثوليكية بعد أبحاث طويلة مضنية "..

 

وقبل أن نتناول التعليق على ما عرضناه بعاليه ، تجدر الإشارة إلى المناخ غير الصحى الذي تم فيه "طبخ " ذلك الخطاب الموقّع علية من 138 "مسلما" ! فمجرد إلقاء نظرة على مختلف الوثائق والردود التي واكبته ، ندرك أن هناك ما يحاك في الخفاء : إذ توجد متناقضات في تاريخ تقديم الخطاب من 11 إلى 13 أكتوبر ، وهناك إشارة إلى أنه تم تقديمه في أمريكا قبل تقديمه للبابا وباقي القيادات المسيحية ، وهناك تعليقات على الخطاب بتاريخ 9/10 ، أي قبل تقديمه على الأقل بيومين ( ؟ ! ) ، من قبيل رد جامعة كمبريدج ، ورد دكتور روان ويليامز ، اسقف كانتربرى يوم 11 ، لو افترضنا أن الخطاب تم تقديمه يوم 11وليس يوم 13 وانبثق الرد جاهزا في نفس اللحظة !..

 

وفي 13/10 أصدر الموقع التابع للفاتيكان تلخيصا رسميا للخطاب بقلم

(أقرأ المزيد ... | 30556 حرفا زيادة | التقييم: 4.41)
هيستيريا تنصير العالم
د. زينب عبد العزيز

هيستريا تنصير العالم ! خطاب مفتوح إلى البابا بنديكت السادس عشر

 

 

الثلاثاء06 فبراير 2008م , 29 محرم 1429 هـ

 

 

بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز

 

 

أستاذ الحضارة الفرنسي

 

 

بمناسبة انتهاء شهر أكتوبر، شهر التنصير في العُرف الكنسى ، ويوم التبشير العالمى ، الذي يتم الإحتفال به يوم 21 أكتوبر، وانتهاء مؤتمر التبشير المنعقد في مدينة نابولى من 21 إلى 23 أكتوبر ، وكل ذلك في إطار قرار  "تنصير العالم " الذي فرضه مجمع الفاتيكان الثانى عام 1965 ، اسمح لى أيها الأب المبجل أن أتناول موضوع ، شديد الحساسية ، لم يعد أحد يجهل عواقبه التي تتخذ أبعادا هيستيرية استحواذية.

 

 

        فسواء أكانت مؤتمرات أو ندوات أو موائد مستديرة أو أيام عالمية للشباب أو تحت أية مسميات أخرى كالألعاب الأولمبية وبعثات التبشير الموجهة إلى أركان الدنيا الأربعة أو محشورة في العتاد الحربى لجيوش الاحتلال ، فلم يعد أحد لا يلحظ المبشرين وأعمالهم.

 

 

إن هوس الإصرار على تنصير العالم قد تعدى أى منطق ، ـ خاصة وأنكم لا تكفون عن ترديده في كل خطبكم تقريبا ، أن الكنيسة أولا تبشيرية . تبشيرية إستجابة للآية رقم 19 ، في آخر إصحاح إنجيل متّى القائل : "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس".

 

 

ولقد قام مجمع الفاتيكان الثانى بتجنيد كل المسيحيين في وثيقة " إلى الأمم " لكى يساهموا في عمليات تنصير العالم. لقد تم تجنيد ترسانة بأكملها من المؤسسات والمنظمات الرسمية وغير الحكومية وجماعات تبشيرية من الشباب ، بل ومن الأطفال ومن الخلايا الكنسية التبشيرية ، وكل الوسائل في كافة المجالات في المجتمع قد تم وضعها كسلاح للتبشير. وإن كان ذلك قد مر في البداية بصورة غير ملحوظة ، فقد أعلنها البابا يوحنا بولس الثانى صراحة عام 1982 في مدينة شانت يقب. ومنذ ذلك الوقت لم يحدث أن كان الهوس أكثر عُجالة وأكثر هيستيرية لشيطنة الإسلام والمسلمين في العالم !

 

 

وهنا اسمح لى ، أيها الأب المبجل ، أن أوضح لك أن نصوص العهد الجديد تناقض تلك الآية التي تعتمدون علي نصها ، ومن هنا ، فهى تدين كل ما يترتب عليها وهو : السبب الحقيقى للإرهاب الذي يثيره هذا التبشير !

 

 

ووفقا لنصوص العهد الجديد ، فإن رسالة يسوع ، كما يقولها شخصيا : "لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متّى 15 : 24) ! وهو نفس ما كان قد قاله في الإصحاح العاشر من نفس إنجيل متّى : "هؤلاء الاثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا : إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " (آية 5 و 6 ).

 

 

وهو ما نطالع معناه أيضا في أعمال الرسل إذ تقول: " إليكم أولا إذ أقام الله فتاه يسوع أرسله يبارككم بِرَد كل واحد منكم عن شروره " ( 3 : 26 ). وذلك يعنى أن يسوع لم يُبعث ، وفقا للنص ، إلا من أجل اليهود الغارقين في الشرور لكى يبتعدوا عنها .

 

 

وليست هذه الآيات وحدها التي يحتوى عليها العهد الجديد (طبعة 1966 العربية) . فما أكثر الآيات التي تكشف عن أن يسوع كان يبشر بملكوت الله وليس بتبشير الأمم ! فما أكثر المرات التي كان يؤكد فيها اقتراب موعد ذلك الملكوت ومنها : ما نطالعه في إنجيل متّى : "وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين أنه اقترب ملكوت السموات " (10 : 7) ؛ أو "فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان"(10 : 23) ، بل إن إنجيل متّى به أكثر من ثلاثين آية تشير إلى تبشير يسوع بملكوت الله بخلاف ما في الإصحاح الثالث عشر وحده ، من الآية 1 إلى الآية 52 ، فكلها تتحدث عن ملكوت الله واقترابه الوشيك !

 

 

بل لقد كانت سرعة اقتراب حدوث ذلك الملكوت وشيكة إلى درجة أنه عندما ذهب الاثنى عشر حواريا في أولى جولاتهم قال لهم يسوع بوضوح : "ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى ، فإني الحق أقول لكم لا تكملون مُدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان " ( متّى 10 : 23 ) . وحتى أثناء مثول يسوع أمام الكاهن الأكبر أثناء المحاكمة نراه يقول لهم : " وأيضا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء " (متّى 26 : 64 ) ..

 

 

أما إنجيل مرقس فيورد في الإصحاح الأول كيف أن يسوع يواصل الرسالة التي بدأها يوحنا المعمدان والتبشير بنفس المضمون ، إذ تقول الآية : "وبعد ما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " ( 14 و15 )  وفي الإصحاح التاسع نطالع: "وقال لهم الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوما لا يذوقوا الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة " . وتتكرر المقولة : "الحق أقول لكم لا يمضى هذا الجيل حتى يكون هذا كله. السماء والأرض تزولان لكن كلامي لا يزول " (مرقس 13 : 30و31) .

 

 

ونطالع في إنجيل لوقا أن يسوع " لما صار النهار خرج وذهب إلى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه فجاءوا إليه وأمسكوه لئلا يذهب عنهم. فقال لهم إنه ينبغى لى أن أبشر المدن الأخر أيضا بملكوت الله لأنى لهذا قد أُرسلت "( 4 :       42 و 43) .. وهو ما يثبت إن رسالة يسوع كما تتضح من كل هذه الآيات تنحصرـ كما يقول هو ، في إعادة خراف بيت إسرائيل الضالة إلى رسالة التوحيد بالله الواحد وليس بالثالوث ، و في التبشير باقتراب ملكوت الله الذي هو العدل والسلام والفرحة

 

 

ونطالع في نفس إنجيل لوقا ، في بداية الإصحاح التاسع ، أن يسوع قد "دعا تلاميذه الاثنى عشر وأعطاهم قوة وسلطانا على جميع الشياطين وشفاء أمراض وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ويشفوا المرضى " ( آية 1 و 2 ) . وهو ما يكشف عن أنه أسند إليهم كل السلطات التي كان هو يمارسها .. وفي الإصحاح العاشر يواصل نفس الوصية قائلا : " واشفوا المرضى الذين فيها وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله . وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا حتى الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم ولكن اعلموا هذا إنه قد اقترب منكم ملكوت الله " ( 9 ـ 11 ) .

 

 

وهو ما يثبت أنه لم يكن يسوع وحده الذي كان ينادى باقتراب ملكوت الله وإنما قد أسند هذه المهمة إلى الحواريين أيضا. وهو ما يوضح أهمية هذا الملكوت  الذي  يمثل أساس رسالته ، ملكوت العدل والسلام والفرحة ، وليس تنصير العالم.

 

 

ويبدأ الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا بواقعة نيقوديموس الفاريسى الذي قال له : ".. لا أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن معه الله . أجاب يسوع وقال الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله " .

 

 

وكما رأينا للتو فإن الأناجيل الأربعة تتحدث عن ملكوت الله على أنه الرسالة الأساس ليسوع ، فما من إنجيل إلا وتناولها بنسب متفاوتة من الآيات. وهو ما سوف نتابعه أيضا في أعمال الرسل والرسائل التي تبدأ في الإصحاح الأول بالإشارة إلى ما فعله يسوع وعلمه إلى اليوم الذي ارتفع فيه عندما أمضى "أربعين" يوما بعد بعثه ـ كما يقولون ، يتحدث عن الأمور المختصة بملكوت الله "وهو يظهر لهم أربعين يوما ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله " ( 1ـ3 ).

 

 

ونغض الطرف هنا عن الاختلاف أو تناقض مدة بقاء يسوع على الأرض بعد بعثه في الأناجيل المعتمدة ، التي تمتد من يوم واحد إلى أربعين يوما ، وهى واحدة من آلاف المتناقضات التي يزخر بها الكتاب المقدس ، لكنا نكتفي بتوضيح نقطة جوهرية : أنه حتى بعد بعثه ، وفقا لأعمال الرسل ، وليس أثناء حياته فقط ، ظل أربعين يوما يحدث حوارييه فقط عن الأمور المختصة بملكوت الله !..

 

 

بل والأدهى من ذلك تنتهى أعمال الرسل بالآيتين التاليتين :  " وأقام بولس سنتين كاملتين في بيت استأجره لنفسه. وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه كارزا بملكوت الله ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع "  ( 28 : 30 و 31 ) .

 

 

وفي رسالته إلى أهل  رومية يوضح بولس قائلا : "لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا. بل هو بِرٌ وسلامٌ وفرحٌ في الروح القدس " ( 14 : 17 ) .. وفي رسالته إلى أهل كورنثوس يضيف بولس قائلا : " أم ألستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله " (6 : 9)..  ويواصل السرد في رسالته إلى أهل غلاطية معددا  أعمال الجسد الظاهرة محذرا إياهم : "فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله " ( 5 : 19 ) ..

 

 

وفي رسالته إلى أهل أفسوس يقول : " فإنكم تعلمون هذا أن كل زان أو نجس أو طماع الذي هو عابد للأوثان ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله "   ( 5 : 5 ) ، ونلاحظ هنا تغييرا واضحا : فبعد أن واصل بولس تصعيده لعملية تأليه يسوع و جعله "ربنا يسوع" في أقواله السابقة ، ها هو يسند إليه ملكوت الله ويشرك ملكية الملكوت للمسيح ولله معا !..

 

 

وهو تغيير يزايد عليه بطرس في رسالته الثانية إذ يقول في الإصحاح الأول : " لأنه هكذا يقدم لكم بسعةٍ دخولٌ إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدى" (الآية 11 ) ! فبعد أن كان يسوع يبشر بملكوت الله واصل الحوارييون تصعيد أهمية يسوع ، و جعلوا الملكوت شركة بين الله ويسوع ، ثم تحول إلى  "ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدى"!!

 

 

وأيا كان صاحب ذلك الملكوت ،  فإن هذا لا يغّير شيئا من أن الرسالة التي  أتى من أجلها يسوع والتي أرسله الله ليحققها هى بكل وضوح : إعادة خراف بيت إسرائيل الضالة إلى رسالة التوحيد ، والتبشير بملكوت الله الذي اقترب مجيئه . بل والأدهى من ذلك يقول يسوع لمن عصوا كلام الرب : " لذلك أقول لكم إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لإمةٍ تعمل أثماره " (متّى 21 : 43 ).

 

 

وقبل أن ننهى هذه الجزئية لا بد لنا من لفت نظركم إلى بعض التناقضات المتعلقة بالنص وتطبيقكم له . فقد رأينا أن يسوع قد حدد قائلا أنه لم يرسل إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة (متّى 15 : 24) ، وكذلك في نفس الإنجيل حينما حدد قائلا لحوارييه : " إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " (10 : 5 و 6) .

 

 

(أقرأ المزيد ... | 27879 حرفا زيادة | التقييم: 4.6)
وثيقة"في زماننا هذا" وعلاقات الكنيسة بالإسلام
د. زينب عبد العزيز

وثيقة "في زماننا هذا"وعلاقات الكنيسة بالإسلام

 

بقلم / دكتورة زينب عبد العزيز

 

أستاذة الحضارة الفرنسية

 

        عقب المحاضرة الشهيرة التي ألقاها البابا بنديكت السادس عشر في راتسبون، والتي سبّ فيها الإسلام بوضوح وتعمّد ، تم رفع وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني (1965) المعروفة باسم "في زماننا هذا"  وإشهارها كالراية في مختلف الصحف ، حتى في الفاتيكان نفسه ، لتهدئة النفوس وإثبات "الاحترام"  الذي يكنه الفاتيكان للمسلمين !

 

        وفى واقع الأمر أن القليل من الناس هم الذين يعرفون نص هذه الوثيقة ، خاصة الجزء المتعلق بالإسلام ، لذلك رأينا أنه من المفيد وضع هذا النص تحت الضوء ، لنراه عن قرب ونوضح للجميع الموقف المزدوج للمسئولين عن الكنيسة الكاثوليكية الرسولية الرومية ...

 

ويمتد نص الوثيقة في حد ذاته على أربع صفحات، والبند الثالث المتعلق بالمسلمين ، يتضمن فقرتين من سبعة عشر سطرا، نصها كما يلي :

 

الديانة الإسلامية :  3 – " إن الكنيسة تنظر أيضا بعين الاعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد ، الحي القيوم ، الرحمن القدير ، خالق السماء والأرض ، الذي تحدث إلى البشر ،  إنهم يحاولون الخضوع بكل قواهم لقرارات الله ، حتى وإن كانت مخفية ، مثلما خضع إبراهيم لله والذي يتخذه الإيمان الإسلامي طواعية مثلا له ، وعلى الرغم من أنهم لا يعترفون بيسوع كإله ، فهم يبجلونه كنبي؛ ويوقرون أمه العذراء ، مريم ، وأحيانا يتوسلون إليها بتضرع ، كما أنهم ينتظرون يوم الحساب، الذي سيجازى فيه الله البشر بعد بعثهم ، وهم يقدرون الأخلاق، ويقدمون عبادة ما لله خاصةً بالصلاة، والزكاة والصوم.

 

        "وإذا ما كانت عبر القرون قد اندلع العديد من الخلافات و العداوات بين المسيحيين والمسلمين ، فإن المجمع يهيب بهم جميعا نسيان الماضي ، وأن يجتهدوا بإخلاص في محاولة للفهم المتبادل، وأن يقوموا معا بحماية ونشر العدل الاجتماعي، والقيم الأخلاقية، والسلام و الحرية ، من أجل كافة البشر " (صفحة 29).

 

 

وما من إنسان يجهل أن مجمع الفاتيكان الثاني يمثل أهم الأحداث قاطبة بالنسبة للكنيسة في القرن العشرين ، فعلى العكس من كافة المجامع السابقة ، التي كان يتم عقدها لتدارس المشكلات الحقيقية التي تمثل أخطارا على نفس الكيان الكنسي ، بما أنها بكلها عبارة عن تهديدات لاهوتية ناجمة من داخل الكنيسة أو من خارجها ، فإن المجمع الفاتيكاني الثاني يعد أول مجمع هجومي في تاريخ الكنيسة، إذ إنه قرر علنا تنصير العالم بقرار لا رجعة فيه.

 

        ومن بين الخمسة عشر وثيقة التي أصدرها المجمع بين 1964 و1965 ، فإن وثيقة "في زماننا هذا" التي تعنينا هنا قد تم التوقيع عليها في 28 /10/1965 . والنص النهائي للوثيقة وكل محاضر الجلسات والتعليق عليها موجودة في الكتاب الصادر عن دار نشر دي سير (du Cerf)، سنة 1966 ، تحت عنوان : مجمع الفاتيكان الثاني وعلاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية ، وهو يمثل جزءا من المجموعة الكنسية برقم 61 . والكتاب يتكون من 335 صفحة ، ومقسّم إلى ثلاثة أجزاء بخلاف الملحقات. والجزء المتعلق بالإسلام يحتل الصفحات من 200 إلى 236 ، وقد قام بصياغته القس روبير كاسبار، أستاذ "علم اللهوت الإسلامي" بالمعهد البابوي للدراسات العربية في روما ، ومستشار السكرتارية الخاصة بغير المسيحيين ، وأثناء انعقاد المؤتمر كان عضوا في اللجنة الفرعية الخاصة بالإسلام.

 

وعند قراءة الست والثلاثين صفحة المتعلقة بصياغة النص ، لا يمكن للقارئ إلا أن يشعر بالاشمئزاز والقرف بالنسبة لذلك الموقف المتعنت وغير الأمين لهؤلاء الآباء الأجلاء ، الذين تفننوا في استبعاد الإسلام كديانة توحيدية ، أتت لتصويب ما تم في الرسالتين السابقتين من تحريف وانحراف.

 

        و يبدأ الأب كاسبار بتوضيح الجو العام الذي دارت فيه هذه الجلسات ، قائلا: "لا بد لي من الاعتراف أولا بأن الديانات غير المسيحية تحتل مكانة ضئيلة في اهتمامات هؤلاء الأساقفة والمؤسسات المعنية (...) ، وأساقفة البلدان التي بها الإرساليات يتحدثون كثيرا عن المشكلات التي تصادفهم في التبشير ، وقليلا ما يذكرون الديانات غير المسيحية كديانات ، ولا شيء تقريبا يقال عن الإسلام ، والمرء يدهش من ملاحظة الصمت المطبق للكنائس الشرقية حول هذا الموضوع الذي يواجهونه يوميا " ( صفحات 201 و 202 ).

 

 ومن المؤسف رؤية أن التعنت الوحيد لهؤلاء الآباء الأجلاء هو الاهتمام بتدارس كيفية تنصير العالم ، رغم تلك اللافتة المعلنة عاليا والمنادية بحرية العقيدة !

 

 

من ناحية أخرى ، لا نرى ضرورة لفتح هامش نوضح فيه الموقف المثير للاشمئزاز لهؤلاء الآباء الأجلاء ، وخاصة موقف الذين يمثلون الكنائس الشرقية ، أي الأقليات المسيحية التي تعيش بين المسلمين ، وعدم أمانتهم تجاه البلدان التي يعيشون فيها.

 

ويبدأ الأب كاسبار بتلخيص مختلف وجهات النظر التي لاحت منذ أولى الحوارات، والتي يلخصها في نقطتين ، لا بد من أخذهما في الاعتبار : " أن الإسلام عبارة عن شرّ مطلق لا بد من دحضه ، وخطر بالنسبة للكنيسة لا بد من محاربته.

 

 والثانية ترى في الإسلام بصيص من النور  لبعض الحقائق والتشابهات مع المسيحية والتي يجب تنميتها "( صفة 202 ) ،  ( الخطوط  من وضعنا في النص كله).  وأن البطريارك مكسيموس هو الذي أسدى ملاحظة "أنه لا يمكن التحدث عن اليهود دون التحدث عن الديانات الأخرى و خاصة الإسلام"       (صفحة 203 ).

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن واحدا من أهم الأسباب التي دعت إلى اجتماع هذا المجمع هو التنازلات غير المسبوقة التي تمت لليهود أو التي تم فرضها على الكنيسة ، رغم مخالفتها الشديدة للنصوص ، وتدارس كيفية جعل الأتباع يبتلعونها ! واختصارا ، فإن المحاولات الأولى المتعلقة بالإسلام تم اتخاذها في دورة 1964 ، لإدخال فقرة حول المسلمين في نص البيان.

 

وكان النص المبدئي يتضمن العبارة التالية : " وليسوا غرباء أيضا عن التنزيل الذي تم على الآباء ، أبناء إسماعيل ، الذين يعترفون بإبراهيم كأب لهم ، ويؤمنون بإله إبراهيم".

 

        وكانت هناك ملحوظة توضح أن " أبناء إسماعيل " هم المسلمون... إلا أن التصويت على النص الذي كان يتضمن عبارة " أبناء إسماعيل" قد قوبل باعتراض شديد. ويوضح الأب كاسبار ذلك قائلا : " ما الذي حدث ؟ من بحث تعليقات التصويت تبيّن أن النص المقترح، رغم اعتداله ( ليسوا غرباء عن التنزيل الذي تم على الآباء" يمكنه أن يستبق الحكم في حل مسائل صعبة ومسار جدل شديد، من قبيل الانتساب التاريخي للعرب لإسماعيل ، وخاصة ربط الإسلام بالتنزيل الإنجيلي " (صفحة 205). وهو ما يؤكد عدم الأمانة المتعمّد.

 

 

وبعد مداولات ممتدة ، واقتراعات واستبعادات ، يوضح الأب كاسبار أن النص الأصلي المكوّن من بضعة أسطر، والخاص بالمسلمين ، قد تمت زيادته بشكل ملحوظ  : " فهو يستخلص الخطوط الرئيسية لعبادة المسلمين ويدعو إلى نسيان خلافات الماضي ، وإلى الحوار والتعاون بين المسيحيين و المسلمين لصالح الإنسانية العام" (صفحة 206). وقد تم التصويت عليه بعدد 1910 موافقون  و 189 معترضون.

 

وفى الجزء الثاني من نصه التفسيري ، يتحدث الأب كاسبار عن المكانة التي يحتلها الإسلام في تاريخ الخلاص ، موضحا كيف يقوم البيان بوضع الإسلام بين الديانات الكبرى الآسيوية التي تولدت بعيدا عن المسيحية (...). والبيان لا يقول شيئا حول الوضع الديني للإسلام بالنسبة للتنزيل اليهودي-المسيحي (...) وقد أوضحنا أن المجمع كان قد استبعد الصياغة الأولى للبيان والتي كانت تشير بشكل طفيف إلى صلة بين " التنزيل الذي تم على الآباء " و الإسلام (صفحة 213 ). وبتفاديه اتخاذ أي موقف حول هذه المسألة ، فإن النص يضع الإسلام في الصف الأول للديانات التوحيدية غير اليهودية-المسيحية.

 

ويواصل الأب الكريم مضيفا : " من المهم أن نرى جيدا ما الذي يود المجمع أن يقوله ، وما الذي لا يريد قوله و الأسباب التي دعته إلى ذلك " ! (نفس الصفحة السابقة).

 

وفى الجزء الثاني من النص الذي كتبه الأب كاسبار ، يتحدث فيه عن التوحيد الإسلامي ،ويقوم بنوع من شرح النص الرسمي ، وكيفية اختيار الكلمات للنص النهائي للوثيقة. ومن المحبط والمثير للاستفزاز أن نرى كيف تم اختيار كل كلمة بريبة و بحرص شديدين ، وكيف تم اختيار أسماء الله – في تلك الوثيقة، بلؤم ومكر، إذ يقول الأب كاسبار : " وهكذا قام المجمع بوصف إله الإسلام باختيار الملامح الأساسية للإيمان الإسلامي والشبيهة لما هو وارد في المسيحية، فأسماء أخرى كان يمكن أن تؤكد الخلافات بدلا من التشابهات" (صفحة 219).

 

وفى مواصلة شرحه هذا ، يلفت الأب كاسبار النظر إلى أن الوثيقة : " تضع إبراهيم لا كجد في سلسلة نسب العرب المسلمين ، وإنما تضعه كنموذج للإيمان الإسلامي لخضوعه لإرادة الله " (صفحة 221).

 

وإذا ما قام القارئ باسترجاع نص تلك الوثيقة فيما يتعلق بالمسلمين ، ويمكنه الرجوع إلى بداية المقال ، سيلحظ النقاط التالية :

 

 

· أن كلمة " إسلام " غير واردة بهذا النص.

 

 

· أن الكنيسة تنظر أيضا بعين الاعتبار إلى المسلمين ، فلا تشير إليهم على أنهم أتباع الرسالة التوحيدية الثالثة ، وإنما تنظر إليهم فحسب بعين الاعتبار !

 

 

· أن الإله الذي يعبده المسلمون " قد تحدث إلى البشر" ، أي أنه لم يتحدث تحديدا إلى سيدنا محمد !

 

 

· الإصرار المتعمّد لاستبعاد النسب التاريخي للمسلمين إلى سيدنا إسماعيل ، وهنا لا يمكننا إلا أن نتساءل : هل اختفى نص العهد القديم من الوجود، لذلك لم يتمكن هؤلاء الآباء المساكين المجتمعين لصياغة ذلك البيان ، ولا يعرفون تاريخ المسيحية بالنسبة لقرابتها وعلاقتها في سلسلة النسب مع الإسلام والمسلمين ؟! ومع ذلك فالتاريخ المعاش ، ثابت بكل وضوح في الوثائق والنصوص !

 

 

· أن الإيمان الإسلامي يتخذ سيدنا إبراهيم كنموذج ، يتخذه مثلا طواعية ولا ينتسب إليه ! ومن العار أن نرى مواصلة ذلك التعنت بلا خجل !

 

 

· السعي الحثيث لاستبعاد الإسلام من النص الإنجيلي رغم كل الإشارات التي لا تزال في الكتاب المقدس بعهديه ، حتى بعد كل ما أصابه من تعديلات وتغييرات متعددة ، لكي لا نقول تحريفات ، وهو ما أثبته بجدارة رجل القانون الأمريكي جوزيف هويلس ، في  كتابه المعنون : التحريف في المسيحية .

 

 

· عملية التزوير في التاريخ ووضع الإسلام بين الديانات الكبرى الآسيوية التي تولدت بعيدا عن المسيحية ! إن المغالطة من الوضوح بحيث إن أي شخص ملم بجزء ولو ضئيل من المعلومات التاريخية سيدرك التحريف.. وإذا كان هؤلاء الآباء البؤساء لا يعرفون الفرق جغرافيا بين آسيا وبلاد العرب وفلسطين ، فما الذي يمكننا أن نتوقعه من أمثالهم ؟ !
(أقرأ المزيد ... | 45969 حرفا زيادة | التقييم: 4.62)
المتناقضات في الأناجيل
د. زينب عبد العزيز

المتناقضات في الأناجيل

 

بقلم: د.زينب عبد العزيز

أستاذة الحضارة الفرنسية

 صورة لإنجيل أمريكي يعود إلى 1859م

        عادة ما يغضب بعض المسيحيين من الإشارة إلى المتناقضات في الأناجيل أو في الكتاب المقدس، التي باتت تُعد بالآلاف، ويتهمون قائلها بأنه يعتدي على "قدسية" نصوص منزّلة !.. بل لقد أضيف إلى عبارة الغضب هذه رد صادر عن المؤسسة الفاتيكانية، للتمويه على الحقائق العلمية، بأن هذه المتناقضات ليست بمتناقضات، وإنما هي آيات تكمّل بعضها بعضا ! وذلك هو ما قاله أيضا الأب رفيق جريش، في المداخلة التي قام بها، ردا على ما أشرت إليه بهذا الصدد، في برنامج "90 دقيقة" على قناة المحور، يوم 14 يناير الماضي..

        وفي واقع الأمر، أن هذه "القدسية" المزعومة قد اعتدى عليها الفاتيكان فعلا ثلاث مرات:

         المرة الأولى في مجمع ترانت، سنة 1546، حينما فرضها على الأتباع قهرا في الدورة الرابعة، يوم 8 أبريل، قائلا أن "الله هو المؤلف الوحيد للكتاب المقدس"، وهى العبارة الواردة في وثائق ذلك المجمع، مع فرض "اللعنة على كل من يتجرأ ويسأل عن مصداقية أي شيء" ! (المجامج المسكونية، الجزء الثالث صفحة 1351، طبعة لوسير 1994).

        والمرة الثانية، مع تقدم العلوم والدراسات التاريخية واللغوية، حينما تراجع الفاتيكان عن عبارة أن "الله هو المؤلف"، ليقول في مجمع الفاتيكان الأول سنة 1869: "أن الله قد ألهم الحواريين عن طريق الروح القدس" !..

        أما المرة الثالثة، ففي مجمع الفاتيكان الثاني المنتهى سنة 1965. فمن أهم ما ناقشه : الدراسات النقدية التي أطاحت بمصداقية الكتاب المقدس بعامة، وبالعهد الجديد بصفة خاصة.. فبعد مداولات متعددة لدراسة كيفية صياغة الإعلان عن هذا التراجع المطلوب، المناقض لكل ما تم فرضه قهرا لمدة قرون، على أنها نصوص منزّلة، تم التوصل إلى محاولة للتخفيف من وقعه على الأتباع، عبر خمس صياغات مختلفة، واقترعوا على الصيغة النهائية، بأغلبية 2344 صوتا مؤيدا، ضد 6 أصوات معارضة..

ويقول النص الصادر عن الفاتيكان : "أن هذه الكتب وإن كانت تتضمن الناقص والباطل، فهي مع ذلك تُعد شهادات لعلم تربية إلهي حقيقي" .. ويعنى النص بالفرنسية :

"Ces livres, bien qu'ils contiennent de l'imparfait et du caduc, sont pourtant les témoins d'une pédagogie divine" !..

وفي العدد رقم 137 من مجلة "عالم الكتاب المقدس" سبتمبر- أكتوبر 2001، والذي يتصدر غلافها موضوع رئيسي بعنوان : "من كتب الكتاب المقدس ؟ "، نطالع في المقال الذي بقلم جوزيف موان J. Moingt، الأستاذ المتفرغ بكليات الجزويت بباريس، والذي يشير فيه إلى صعوبتين فيما يتعلق بالكتاب المقدس قائلا:

        " أولا أن الكتاب المقدس ليس كتابا بالمعنى المفهوم وإنما مكتبة بأسرها، مجموعة متعددة من الكتب والأنواع الأدبية المختلفة، بلغات مختلفة، ويمتد تأليفه على عشرات القرون، وأنه قد تم تجميع كتبه في شكل كتاب بالتدريج، ابتداء من مراكز صياغة ونشر متنوعة. ثانيا كل كتاب من هذه الكتب لم يتم تأليفه دفعة واحدة، بقلم نفس الكاتب، وإنما صيغ كل كتاب منها اعتمادا على العديد من التُراث الشفهية المتناثرة وكتابات جزئية متفرقة ناجمة عن مصادر شتى بعد أن تمت إعادة كتابتها وصياغتها وتبديلها على فترات طويلة قبل أن تصل إلى ما هي عليه".. ويوضح هذا الاستشهاد كيف أن مثل هذه المعلومات، في الغرب، باتت من المعلومات الدارجة التي يتم تناولها على صفحات الجرائد والمجلات ..

        وإذا أضفنا إلى ما تقدم، كل ما توصلت إليه "ندوة عيسى"، بمعنى أن 82% من الأقوال المنسوبة ليسوع لم يتفوّه بها، وأن 86 % من الأعمال المسندة إليه لم يقم بها، لأدركنا فداحة الموقف، من حيث الهاوية التي تفصل الحقائق التي توصل إليها العلم والعلماء، وكثير منهم من رجال اللاهوت، والإصرار الأصم على تنصير العالم، بأي وسيلة وبأي ثمن - رغم كل الشعارات الطنانة والمتكررة التي يعلنونها باحترامهم أصحاب الأديان الأخرى !

        ولا أتناول هذا الموضوع من باب التجريح أو الانتقاص من أحد - فما من إنسان في هذا الزمن مسئول عما تم في هذه النصوص من تغيير وتبديل، عبر المجامع على مر التاريخ، لكنني أطرحه كقضية عامة تهم كل المسلمين، أينما كانوا، والذين باتت تُفرض عليهم عملية تنصير لحوحة وغير إنسانية، مدعومة بالضغوط السياسية وبما يتبعها من تنازلات .. لذلك أناشد كافة الجهات المعنية التصدي لهذه المهزلة المأساوية الكاسحة !..

        كما أنها تُهِم كل القائمين على عمليات التبشير والتنصير، التي تدور رحاها بذلك الإصرار الغريب، حتى يدركوا فداحة ما يتسببون فيه حقيقة، على الصعيد العالمي، من ضغوط وانفجارات .. ضغوط وانفجارات ناجمة عن إصرارهم على اقتلاع دين الآخر، ونحن جميعا في غنى عنها ـ خاصة وأنها تدور قهرا، بجيوش مجيشة من العاملين في هذا المجال، من أجل فرض نصوص وعقائد أقرت قياداتها العليا، منذ أجيال عدة، بأنها تتضمن "الناقص والباطل" كما رأينا..

        وقد قامت نفس هذه القيادات بالتمويه على ما بها من متناقضات، جلية لكل عين لا تتعمد فقدان البصر والبصيرة، باختلاق بدعة أنها تعبّر عن تعددية الرؤية والتعبير، أوأنها تكمل بعضها بعضا !.. لذلك أصبحوا يقولون "الإنجيل وفقاً لفلان"، وليس "إنجيل فلان" .. وهو ما يحمل ضمناً الإعتراف بوجود مساحة من الشك والريبة غير المعلنة ..

        وإذا ألقينا بنظرة على بعض هذه المتناقضات، التي قالت عنها الموسوعة البريطانية في مداخلة "الكتاب المقدس" أنها تصل إلى 150,000 تناقضا، وقد رفعها العلماء مؤخرا إلى الضعف تقريبا، لأمكن لكل قارىء ـ أيا كان إنتماؤه، أن يرى بنفسه ويقارن مدى مصداقية مثل هذه النصوص، أومدى إمكانية إعتبارها نصوص منزّلة ! ونورد ما يلى على سبيل المثال لا الحصر:

* التكوين 1 : 3-5 في اليوم الأول الله خلق النور ثم فصل النور عن الظلمة

* التكوين 1 : 14-19 تم ذلك في اليوم الرابع

 

* التكوين 1 : 24-27 خلق الحيوانات قبل الإنسان

* التكوين 2 : 7 و19 خلق الإنسان قبل الحيوانات

 

* التكوين 1 : 31 اُعجب الله بما خلق

* التكوين 6 : 5-6 لم يعجب الله بما خلق وحزن وتأسف ..

 

* التكوين 2 : 17 كتب على آدم أن يموت يوم يأكل من شجرة المعرفة، وقد أكل

* التكوين 5 : 5 آدم عاش 930 سنة !

 

* التكوين 10 : 5 و20 و31 كل قبيلة لها لغتها ولسانها

* التكوين 11 : 1 كانت الأرض كلها لسانا واحداً ولغة واحدة

 

* التكوين 16 : 15 و21 : 1-3 إبراهيم له ولدان إسماعيل وإسحاق

* العبرانيين 11 : 17 إبراهيم له ولد واحد وحيده إسحاق (وتم إستبعاد إسماعيل)

 

* التكوين 17 : 1—11 الرب يقول عهد الختان عهداً أبدياً

* غلاطية 6 : 15 بولس يقول ليس الختان ينفع شيئا (وبذلك تعلوكلمة بولس على كلمة الرب) !..

 

* خروج 20 : 1-17 الرب أعطى الوصايا العشر لموسى مباشرة بلا وسيط

* غلاطية 3 : 19 أعطاها الرب مرتبة بملائكة في يد وسيط

 

* الملوك الثاني 2 : 11 صعد إيليا في العاصفة إلى السماء

* يوحنا 3 : 13 لم يصعد أحد إلى السماء إلا إبن الإنسان (يسوع)

 

* متى 1 : 6 – 7 نسب يسوع عن طريق سليمان بن داوود

* لوقا 3 : 23 -31 نسب يسوع عن طريق ناثان بن داوود

 

* متى 1 : 16 يعقوب والد يوسف

* لوقا 3 : 23 هالى والد يوسف

 

* متى 1 : 17 جميع الأجيال من داوود إلى المسيح ثمانية وعشرون

* لوقا 3 : 23 -28 عدد الأجيال من داوود إلى المسيح أربع وثلاثون

 

* متى 2 : 13 – 16 يوسف أخذ الصبي (يسوع) وأمه وهربوا إلى مصر

* لوقا 2 : 22 – 40 عقب ميلاد يسوع يوسف ومريم ظلا في أورشليم ثم عادوا إلى الناصرة ! أي أنهم لم يذهبوا إلى مصر بالمرة، بل ولا يرد ذكر ذبح الأطفال بأمر هيرود

 

* متى 5 : 17 – 19 يسوع لم يأت لينقض الناموس

* أفسوس 2 : 13 – 15 يسوع قد أبطل الناموس بجسده !

 

* متى 10 : 2، ومرقس 3 : 16 – 19، ولوقا 6 : 13 – 16، وأعمال الرسل 1 : 13    تختلف بينها أسماء وأعداد الحوايرين ..

 

* متى 10 : 34 جاء يسوع ليلقى سيفا وليس سلاما

* لوقا 12 : 49 – 53 جاء يسوع ليلقى ناراً وانقساما

* يوحنا 16 : 33 جاء يسوع ليلقى سلاما !

 بينما يقول يسوع:

* لوقا 19 : 27 أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فاْتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامى !!

(أقرأ المزيد ... | 46341 حرفا زيادة | التقييم: 4.42)

أسم القسم للمقالات

  • من قال ان الله محبة ؟
  • متى ترك إبراهيم حاران قبل أم بعد وفاة أبيه
  • القرآن والثالوث للمستشار محمد مجدى مرجان, شماس أسلم يدافع عن دين التوحيد
  • دفاعاً عن نبى الله لوط وابنتيه
  • حقيقة الروح القدس في الشرائع الألهية
  • الثالوث القدوس .. عند ثيوفيلس الأنطاكي 180 م
  • بحث عن الروح القدس التى تسمى الاقنوم الثالث
  • إله المحبة مستوجب نار جهنم؟
  • تابع:إله المحبة مستوجب نار جهنم؟
  • حقيقة الكفن المقدس بتورينو !
  • أسم القسم للمقالات

  • الرد على شبهة الكلمة التي قيلت للمتطهر من الزنا
  • التشكيك فى صحة الأحاديث والأستغناء عنها بالقرآن
  • الرد على : فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين
  • إبطال شبه الزاعمين الاكتفاء بالقرآن دون السنة
  • الرد على شبهة:إرضاع الكبير
  • الرد على : الداجن أكل القرآن
  • الرد على : الجنة تحت ظلال السيوف
  • الرد على : ثَلاَثَةِ أَحْجَار
  • الرد على شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى !!
  • الرد على شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته ..
  • أسم القسم للمقالات

  • حكم تناول خميرة البيرة
  • هذه بضاعتنا: الإسلام دين المحبة والرحمة الحقيقيين - وسائل نشر المحبة فى دين الاس
  • هل هذا الحديث الشريف يثبت لاهوت المسيح كما يدعي النصارى؟
  • القتال في الإسلام ضوابط وأحكام
  • الرد على:الملائكة تلعن المرأة
  • الرد على مثنى وثلاث ورباع وما ملكت ايمانكم
  • الرد على : المرأة ضلع أعوج
  • حقيقة الجزية
  • رد شبهة المساواة بين المرأة و الكلب
  • الرد على : الموت هو كبش أملح يذبح يوم القيامة
  •   أسم القسم للمقالات

  • خرافات النصارى حول الحروف المقطعة بالقرأن الكريم
  • حقيقة استواء الرحمن على العرش وإلى السماء
  • نزول الله إلى السماء الدنيا بلا انتقال ولا تجسيد
  • شبهات حول قضية النسخ
  • الرد على شبهة :(وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً )
  • هل "يهوه" هو اسم الله الأعظم ؟؟؟
  • الرد على الأخطاء اللغوية المزعومة حول القرآن الكريم
  • الرد على شبهة:لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى
  • رد على من انكر تحريم الخمر
  • بيان كذب المدعو بنتائوور بخصوص مخطوط سمرقند
  • 12 مواضيع (2 صفحة, 10 موضوع في الصفحة)
    [ 1 | 2 ]
     
     


    انشاء الصفحة: 2.70 ثانية