بحث في إثبات أنّ كاتب إنجيل متّى مجهول
|
لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
ليس هناك دليل يُنهض به ليبرهن أن كاتب إنجيل متى هو القديس متى تلميذ المسيح عليه السلام ، والقارىء لما جاء في هذا الانجيل لا يجد أي ذكر لأسم الكاتب . وقد جاء في الاصحاح 9 : 9 ما نصه : ( وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية اسمه متى ، فقال له قم واتبعني ، فقام وتبعه ) .وكما نرى أن الكلام عن متى جاء بصيغة الغائب مما يبرهن أن الكاتب هو شخص غير متى!
فإن قيل : إن هذا أسلوب يسمى الإلتفات ، وهو أن يتكلم الكاتب بصيغة الغائب ، قلنا : الالتفات هو الانتقال من صيغة الغائب إلى صيغة المتكلم ، أو من صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب ، والكاتب هنا لم يتكلم عن نفسه أبداً بصيغة المتكلم ولا مرة واحدة ، فعجباً لهذا الأسلوب الذي لا يتكلم الكاتب فيه ولا مرة واحدة عن نفسه بصيغة المتكلم .وجديراً بالذكر ان مرقس ولوقا ذكرا أنّ العشار الذي رآه المسيح جالساً اسمه لاوي بن حلفي ولم يذكرا أن اسمه متى ، ويذهب النصارى إلى أنهما شخص واحد ، ولكن هذا القول لا يوجد له أدنى دليل .
. يقول قاموس الكتاب المقدس : ( ويرّجح أن مؤلف هذا الانجيل هو متى نفسه ) .وكما نرى أن القاموس يقول ( يُرجَّح ) بضم الياء وتشديد المعجمة ، أي أن نسبة الانجيل لمتى ليست قطعية بل هي ظنيّة ، فربما يكون متى كتبه وربما يكون شخص آخر ، فالعقيدة لا يمكن أن تبنى على التأرجح بين الآراء بل على اليقين الثابت القطعي . ثم بعد ذلك يسوق القاموس الأسباب التي دعت للترجيح ، وهي واهية جداً ولا يستسيغها العقل أبداً فيقول :
(1) يذكر لوقا ان لاوي (متى) صنع للسيد المسيح وليمة " كبيرة " في اول عهده بالتلمذة (لو 5: 29 - 32) أما هو (متى ) فيذكرها بكل اختصاراً تواضعاً (مت 9: 10 - 13).
(2) الشواهد والبينات الواضحة من نهج الكتابة بأن المؤلف يهودي متنصر.
(3) لا يعقل أن انجيلاً خطيراً كهذا هو في مقدمة الاناجيل ينسب إلى شخص مجهول وبالاحرى لأن ينسب إلى احد تلاميذ المسيح.
(4) ويذكر بابياس في القرن الثاني الميلادي ان متى قد جمع اقوال المسيح.
(5) من المسلم به أن الجابي عادة يحتفظ بالسجلات لأن هذا من اتم واجباته لتقديم الحسابات وكذلك فإن هذا الإنجيلي قد احتفظ بأقوال المسيح بكل دقة... أهـــ.
ونحن إن شاء الله نجيب عنها فنقول وبالله تعالى نتأيد :
الجواب عن الأول :
من الغريب جداً أن يعتبر ذكر الوليمة باختصار دليلاً على أن الكاتب متى ، فياليت شعري لو قال لهم قائل بل ذكر الوليمة باختصار دليل على أن الكاتب ليس متى فهل بينهم وبينه فرق ؟؟؟
تخيلوا لو كانت الوليمة المذكورة في إنجيل متى لم تكن مذكورة باختصار بل ذكرت بتفصيل أكثر ، فهل تراهم سيعجزون عن جعلها دليلاً ؟؟؟
لا ، لن يعجزوا ، بل لو كانت مذكورة بتفصيل أكثر لجعلوها دليلاً وحجة دامغة على أنّ متى هو الكاتب ، ولتحجّجوا بأنّ متى أدرى وأعرف بوليمته التي قدّمها ، لذلك استطاع أن يصفها بتفصيل أكثر .
فكما ترون ، إحتجاج يصلح لجميع الحالات ، الشيء ونقيضه ، فلا أدري كيف يستدلون على عقائد خطيرة بهذه السذاجة !
الجواب عن الثاني :
ما علاقة الشواهد والبينات التي تدل على أن الكاتب يهودي متنصر ؟؟؟
هل لا يوجد يهودي متنصر في هذه الدنيا إلا متى ؟؟؟
اليهود الذين تنصروا كثر جداً ، ولا معنى لحصره في متى .
الجواب عن الثالث :
وهل إذا وضع سفر في نهاية الأناجيل يعني أنه من المعقول أن ينسب إلى كاتب مجهول ؟؟؟
إذن صار إنجيل يوحنا مجهولاً !!!
وهل هكذا يستدل على كاتب السفر بطرح سؤال " لا يعقل " ؟؟
وماذا لو قلنا لهم بل يُعقل - وهو الصحيح الراجح - فماذا يكون جوابهم ؟ ، ألأنه ذكر الوليمة باختصار ؟؟
الجواب عن الرابع :
شهادة بابياس مرفوضة من عدة وجوه :
أ - يقول بابياس أن متى جمع الأقوال ( والتي تنسب للمسيح ) ، ولم يقل أنه كتب إنجيلاً يحكي قصة المسيح ، فبين العبارتين فرق .
ب - لا دليل أن هذه الأقوال التي جمعها متى هي نفسها إنجيل متى ، فما المقصود بهذه الأقوال لا يمكن تحديده ، وعلى المدّعي خلاف ذلك تقديم الأدلة .
ج - بابياس يقول أن إنجيل متى وُضع بالعبرية ، فلو سلمنا بقول بابياس للزم منه أن الذي بأيدينا اليوم من النسخ اليونانية هي ترجمة إنجيل متى من العبرية ، ولا ندري من هو المترجم ، فنكون عدنا بذلك إلى نقطة الصفر ، ويبقى إنجيل متى على ذمة المترجم ، ولا نعلم من هو هذا المترجم ، وبذلك نفقد الثقة به نهائياً.
د - لم يقل بابياس أنه سمع متّى يقول عنه نفسه أنه هو كاتب الإنجيل ، وليس عندنا إلا دعوى بابياس التي تفتقر إلى دليل ..
ومتى مات في القرن الأول ، و بابياس من علماء القرن الثاني ومولود في القرن الأول ولا يوجد تحديد لزمن ولادته ، ولا يوجد دليل أو أدنى ما يُشير إلى أنّ بابياس رأى متى أو سمع منه ، بل ربما لم يولد بابياس إلا بعد موت متَّى ، فلا ندري كيف عرف بابياس هذا عن متى .
هـ - كذلك شهادة بابياس نقلها عنه المؤرخ يوسيبيوس ، وطبعاً الزمن منقطع بين يوسيبيوس وبابياس ، فالأول توفي في القرن الثاني والأخير توفي في منتصف القرن الرابع .
و - كذلك بابياس شهادته مجروحة ، فلقد وصفه المؤرخ يوسيبيوس بأنّ فهمه محدود ( تاريخ الكنيسة ، جزء 3 ، فصل 39 ) .
فمن كانت عدالته مجروحة فكيف يُقبل منه شهادة كهذه ؟؟
ز - هناك دليل أن بابياس لا يعرف إنجيل متّى الذي بين أيدينا ، والدليل على ذلك روايته لموت يهوذا الاسخريوطي التي تغاير وتناقض إنجيل متّى بشكل صريح ، فمتّى يصف موت يهوذا
( فطرح الفضة في الهيكل وانصرف.ثم مضى وخنق نفسه ) متى 27 : 5 .
بينما بابياس يقول :
Judas walked about in this world a sad example of impiety; for his body having swollen to such an extent that he could not pass where a chariot could pass easily, he was crushed by the chariot, so that his bowels gushed out.
ولقد أصبح يهوذا مثالاً سيئاً على عدم التقوى في هذا العالم , فلقد تضخّم جسده حتى أنّه لم يكن بمقدوره المرور حيث يمكن أن تمرّ عربة حنطور بسهولة , ولقد دُهس بعربة حنطور حتّى انسكبت أحشاؤه خارجاً.
( Fragments of Papias - chapter 3 )
الجواب عن الخامس :
الجابي عادة يحتفظ بالسجلات ، فإذن إنجيل متى كتبه متى ، هل هذا هو ما يريدوا قوله ؟
في الحقيقة أن دليلهم الخامس لا يدل لا من قريب ولا من بعيد على كاتب السفر ، ولعمري لو أن هذا يعتبر دليلاً لما بقيت دعوى في الدنيا دون دليل .
فكما ترى أخي القارىء أن هذه الأدلة واهية جداً ، ولا يمكن أن يستدل على كتاب إلهي بهذه السذاجة .
فهل من المعقول أن ينسب كتاب إلى الله وكاتبه في الأصل مجهول لا يُعرف ؟؟؟
هذا وقد حاول القس منيس عبد النور أن يثبت السند المتصل لكاتب إنجيل متّى ، فجاءت محاولته هزيلة بائسة ، وسوف أقوم بالرد عليها حتى لا يغتر بها من لا علم له في هذا الشأن .
الرد على القس منيس عبد النور حول السند المتصل لإنجيل متّى . أنقل أولاً كلام القس منيس عبد النور في شبهات وهمية : قال المعترض الغير مؤمن: لا يوجد سندٌ متَّصل لإنجيل متى . وللرد نقول بنعمة الله : أشار برنابا ( الذي كان رفيقاً لبولس ) إلى إنجيل متى في رسالته سبع مرات، واستشهد به أغناطيوس سنة 107م في رسائله سبع مرات، فذكر حبل مريم العجيب، وظهور النجم الذي أعلن تجسُّد المسيح. وكان إغناطيوس معاصراً للرسل، وعاش بعد يوحنا الرسول نحو سبع سنين، فشهادته من أقوى البيانات على صحّة إنجيل متى. واستشهد بوليكاربوس (تلميذ يوحنا الرسول) بهذا الإنجيل في رسالته خمس مرات، وكان هذا الإنجيل منتشراً في زمن بابياس (أسقف هيرابوليس) الذي شاهد يوحنا الرسول. كما شهد كثير من العلماء المسيحيين الذين نبغوا في القرن الأول بأن هذا الإنجيل هو إنجيل متى، واستشهدوا بأقواله الإلهية، وسلَّمه السلف إلى الخلف. وفي القرن الثاني ألّف تتيانوس كتاب اتفاق الأناجيل الأربعة وتكلم عليه هيجسيبوس، وهو من العلماء الذين نبغوا في سنة 173م، وكتب تاريخاً عن الكنيسة ذكر فيه ما فعله هيرودس حسب ما ورد في إنجيل متى، وكثيراً ما استشهد به جستن الشهيد الذي نبغ في سنة 140م، وذكر في مؤلفاته الآيات التي استشهد بها متى من نبوات إشعياء وميخا وإرميا. وقِسْ على ذلك مؤلفات إيريناوس وأثيناغورس وثاوفيلس الأنطاكي وأكليمندس الإسكندري الذي نبغ في سنة 164م وغيرهم.
وفي القرن الثالث تكلم عليه ترتليان وأمونيوس مؤلف اتفاق البشيرين ويوليوس وأوريجانوس واستشهدوا بأقواله وغيرهم. وفي القرن الرابع اشتبه فستوس في نسبة هذا الإنجيل بسبب القول: وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنساناً عند مكان الجباية اسمه متى، فقال له: اتبعني. فقام وتبعه (متى 9: 9). فقال فستوس: كان يجب أن يكون الكلام بصيغة المتكلم، ونسي أن هذه الطريقة كانت جارية عند القدماء. فموسى كان يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب، وكذا المسيح ورسله، وزينوفون وقيصر ويوسيفوس في مؤلفاتهم، ولم يشكّ أحدٌ في أن هذه الكتب هي كتبهم. وفي القرن الرابع زاد هذا الانجيل انتشاراً في أنحاء الدنيا . أنتهى . في البداية أود أن أنبّه إلى أن القس منيس عبد النور يستغل الجهل وعدم المعرفة لدى الكثيرين ، ويزج ويحشر كل ما تصل إليه يده حتى يُوهم الناس بأن ردّه متين .وأصبح كتاب شبهات وهمية مصدراً وعوناً للنصارى البسطاء الذين لا يعلمون مدى سذاجة حجج القس منيس الواهية ، فتراهم أول ما يروا اعتراضا على الكتاب المقدس يهرعوا إلى كتابه لطلب النجدة ، وينقلوا منه ( قال اغناطيوس وقال اريناوس وقال فلان .... ) ، وأغلبهم لا يعرف من هو هذا ولا من هو ذاك ولا سمعوا عنهم في حياتهم .الرد : يبدأ القس منيس بقول المعترض ( لا يوجد سندٌ متَّصل لإنجيل متى ) ، ثم يحاول القس أن يوهم أن لإنجيل متى سنداً متصلاً ، والمصيبة كما قلنا أن القس منيس يستغل الجهل وعدم المعرفة لدى الكثيرين ، فهو يعرف أنّ الأغلبية الساحقة من القرّاء وخصوصاً النصارى لا يعرفون ما هو "السند المتصل" ، فيستغل القس هذا الجهل ويبدأ بزجّ الأقوال وتجميعها من هنا وهناك فيظن القارئ أن القس منيس قد أجاب وأثبت السند المتصل ..
لذلك نرى أنه لزاماً علينا تعريف السند المتصل ، ولن أعرفه بصيغة إسلامية ، بل سنعرفه بشكل مبسّط يفهمه الجميع ، فأقول :
السند المتصل لإنجيل متى هو مثلاً أن يخبر تلاميذ متى - أو من لقي متى ورآه أو سمع منه - أنهم شاهدوا متى يكتب إنجيله أو أنه هو أخبرهم بذلك ، ثم يقوم تلاميذه بنقل هذه المعلومة إلى تلاميذهم أو من هم دونهم ، ويجب على الأخيرين أن يصرحوا بكل وضوح وبكلام لا لبس فيه ، أنهم سمعوا من معلميهم ( الذين هم تلاميذ متّى ) أن القديس متّى هو كاتب هذا الإنجيل ، ثم يخبر هؤلاء من هم بعدهم وهكذا .
فهل ما قدّمه القس منيس يتوافق مع ما قلناه ؟؟؟
فهل أتى لنا القس بشخص واحد على الأقل يقول إنَّه رأى متّى يكتب إنجيله ؟؟؟؟
هل أتى بشخص واحد يقول أنّ متّى الرسول أخبره أنه كتب إنجيلاً ؟؟؟
لا لم يأت بشيء من هذا القبيل ، فكل ما فعله القس هو أن قال إنَّ برنابا وإغناطيوس إستشهدوا بإنجيل متى ....
وعلينا أن نوضح نقطة مهمة هنا ، وهي أنّ القارئ قد يغترّ بقول القس فيظنّ أنّ إغناطيوس يأتي إلى إنجيل متى ويقتبس منه ثمّ يقول ( هذا ما قاله إنجيل متَّى ) ، أو ( هذا ما قاله معلمنا متَّى في إنجيله ) ، وهذا لا وجود له أبداً ، لا في رسالة برنابا ولا في رسائل إغناطيوس ، فهما لم يذكرا إنجيل متَّى بالاسم قط ، بل لا وجود لاسم متَّى من الأصل في كل من رسالة برنابا ورسائل إغناطيوس ، وجلّ ما في الأمر هنا هو ورود عبارات في رسائلهم شبيهة لنصوص في إنجيل متَّى دون أن يقول أحد منهما إنّ هذا مما اقتبسه من إنجيل متَّى .
فكلام القس منيس أن إغناطيوس و برنابا استشهدا بإنجيل متَّى يُوهم أنهما ذكرا إنجيل متى بالاسم ، وهذا تضليل واضح من القس ، ولا يُستبعد أبداً أنّه تعمّد ذلك ليوهم القرّاء .
فالآن ، أين السند المتصل كما شرحناه آنفاً ؟؟؟؟
هل نقل لنا القس قولاً عن أحد الذي لقوا متَّى بأنَّهم رأوا متى يكتب إنجيله أو أنَّ متَّى أخبرهم أنه كتب هذاالإنجيل؟؟؟
|