:: الرئيسية :: :: مقالات الموقع :: :: مكتبة الكتب ::  :: مكتبة المرئيات ::  :: مكتبة الصوتيات :: :: أتصل بنا ::
 
القائمة الرئيسية

 الصفحة الرئيسية

 منتدى الحوار

 نصرانيات

 حقائق حول الأناجيل

 حقائق حول المسيح بالأناجيل

 حقائق حول الفداء والصلب

 مقالات منوعة حول النصرانية

 كشف الشبهات حول الإسلام العظيم

 شبهات حول القرأن الكريم

 شبهات حول الرسول صلى الله عليه وسلم

 شبهات حول السنة المطهرة

 شبهات منوعة

 الإعجاز العلمي
 الأعجاز العلمي بالقرأن الكريم
 الأعجاز العلمي بالحديث الشريف
 الحورات حول الأعجاز العلمي بالإسلام

 كيف أسلم هؤلاء

 من ثمارهم تعرفونهم

Non Arabic Articles
· English Articles
· Articles français
· Deutsches Artikel
· Nederlands

 مقالات د. زينب عبد العزيز

 مقالات د. محمد جلال القصاص

 مكتبة الكتب

 مكتبة المرئيات

 مكتبة التسجيلات

 مكتبة البرامج والاسطوانات الدعوية

 البحث

 البحث في القرآن الكريم

 دليل المواقع

 أربط موقعك بنا

 اتصل بنا

إسلاميات

المتواجدون بالموقع

يوجد حاليا, 68 ضيف/ضيوف 0 عضو/أعضاء يتصفحون الموقع.

الأناجيل ليست كلام الله ( 1 )
حقائق حول الأناجيل

الأناجيل ليست كلام الله ( 1 )

تحدثنا في مقال سابق بشكل مجمل عن الأناجيل "متى ومرقص ولوقا ويوحنا "، وترجمنا لمؤلفيها، وبيَّنا ما وُجِّه إليها من طعون، خاصة فيما يتعلق بطرق ثبوتها وضياع نسخها الأصلية، ونحاول في مقالنا هذا أن نلقي الضوء على التناقض والاضطراب في بعض نصوص تلك الأناجيل، وذلك بالمقارنة بين نصوصها، معتمدين القاعدة الربانية { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً }(النساء:82) ذلك أن وجود الاختلاف في كتاب - يقال إنه كتاب وحي - دليل قاطع على أنه من عند غير الله ، وأن يد التحريف قد عبثت به، وإثباتنا لتناقض هذه النصوص هو أعظم رد على النصارى الذين يزعمون أن هذه الأناجيل هي كلمة الله.

وسوف نستعرض بعض الأمثلة التي تبين للقارئ المنصف بما لا يدع مجالا للشك هذه الحقيقة " حقيقة تحريف الأناجيل "، لكن قبل إيراد هذه الأمثلة لابد من توضيح معنى "التحريف" عند المسلمين حتى يكون العاصم عند الخلاف في إيراد مثال أو الإضراب عنه .

معنى التحريف

التحريف هو التغيير الواقع في كلام الله سواء وقع بسبب الزيادة أو النقصان أو تبديل بعض الألفاظ ببعض آخر أياً كان سبب ذلك التغيير إن كان عن سوء قصد، أم عن حسن قصد، أم عن سهو وغفلة ، ونحن ندعي أن التحريف بهذا المعنى واقع في الأناجيل التي بين أيدي النصارى اليوم ، ونثبت دعوانا بهذه الأمثلة :

أولاً :اختلافهم في نسب المسيح وعدد آباءه :

من ذلك الخلاف في نسب عيسى عليه السلام ، فقد ورد نسبه في إنجيل متى مخالفا لما ورد في إنجيل لوقا. فإنجيل متى نسب المسيح إلى يوسف بن يعقوب وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود. أما إنجيل لوقا فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود عليه السلام . وهذا مع تناقضه مخالف لما في إنجيل متى 1:23  ( و ذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا ) فعيسى عليه السلام ليس له أب ، فنسبته إلى يوسف النجار مخالف لهذه الفقرة من أنه يولد من عذراء غير ذات زوج .

ثانيا : اختلافهم في عدد آباء عيسى عليه السلام :

ومن ذلك الخلاف في عدد آباء عيسى إلى داود عليه السلام فذكر إنجيل متى أنهم سبعة وعشرون أبا ، في حين أن إنجيل لوقا جعلهم اثنين وأربعين أبا، فبأي القولين نأخذ وأي الروايتين نصدق، علما أن الفارق كبير لا يمكن ترقيعه ، فليس أمامنا هنا إلا أن نؤكد بشرية هذا العمل " الأناجيل " .

  ثالثا : اختلافهم في تعيين حواريي عيسى عليه السلام :

ومن ذلك أيضا : اختلاف إنجيل متى وإنجيل لوقا في تعيين الحواريين أصحاب عيسى ، فإنجيل متى ذكر منهم لباوس الملقب تداوس ، بينما لا نجد لهذا ذكراً في إنجيل لوقا، ونجد بدلاً عنه يهوذا أخا يعقوب. فهل يمكن أن يكون كتاب موحى به من الله تختلف فيه أسماء الحواريين .. على قلة عددهم !!

رابعا : اختلافهم في أمر عيسى عليه السلام بما يسمى العشاء الرباني :

 من ذلك ما جاء في إنجيل متى 26:26 أن المسيح عليه السلام حين تعشى مع تلاميذه كسر لهم الخبز وقال لهم : " خُذُوا، كُلُوا: هَذَا هُوَ جَسَدِي!" وكذلك في إنجيل مرقص 14:22 قال لهم: " خُذُوا: هَذَا هُوَ جَسَدِي " أما في إنجيل لوقا 22:19 فقال : " هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم.اصنعوا هذا لذكري!" ولا شك أن المتأمل في هذه الجمل يستوقفه اختلاف المعاني بينها، ولاسيما ما جاء في إنجيل لوقا ، ففيه إشارة صريحة إلى ما يسمى بالعشاء الرباني في حين أن ما جاء في إنجيلي متى ومرقص لم يشتمل على شيء من هذا القبيل ، علما أن العشاء الرباني من الشعائر الهامة عند النصارى ، فهل لنا أن نسأل أمام هذا الاختلاف بين هذه الأناجيل، فنقول : هل أمر المسيح عليه السلام بما يسمى العشاء الرباني أم لم يأمر ؟ فإن قيل : أمر فمعنى هذا أن متى ومرقص قد أخفيا أو أسقطا أمره ، وإن قيل لم يأمر فمعنى هذا أن لوقا قد زاد في إنجيله، وكلا الخيارين يؤيد دعوانا تحريف الأناجيل .

  خامساً : اتهام من شهد على عيسى بالزور في قول قاله :

ومن ذلك أيضا ما جاء في إنجيل مرقص 14:57 في قصة محاكمة عيسى أمام شيوخ اليهود الذين اتهموه بالزندقة ، حيث طلبوا من يشهد عليه فقد جاء فيه : " ثم قام قوم وشهدوا عليه زورا " ففي هذه الرواية وصف لشهادتهم بأنها شهادة زور في حين أن مضمون هذه الشهادة ثابت عن عيسى عليه السلام، ففي سفر يوحنا  2:19  " أجاب يسوع وقال لهم : انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه، فقال اليهود : في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه " فإذا صح أن عيسى عليه السلام قال هذا الكلام فبأي حق يصف مرقص شهادة الرجلين بأنها شهادة زور ، فنحن بين خيارين إما أن نكذب يوحنا أو نكذب مرقصا، والتأويل الذي ذكره يوحنا في ذلك لا يدل عليه اللفظ ولا يساعده السياق .

سادسا : اختلافهم فيما وقع عند موت عيسى حسب زعمهم :

ومن ذلك ما جاء في إنجيل متى 51-53 : 27 أن عيسى عليه السلام عندما أسلم الروح  -زعموا-  " الأرض تزلزلت والصخور تشققت ، والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين ، وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين." ومثل هذا الحدث مما تتوافر الهمم على نقله والحديث عنه ومع ذلك لم يرد له ذكر في بقية الأناجيل ، فهل تقوّل متى وزاد في تلك الأحداث ما لم يحدث، أم أن مرقصا ولوقا ويوحنا حذفوا بعض ما حدث وبالتالي تثبت دعوانا بوجود التحريف في الأناجيل زيادة ونقصاً .

كل هذه الأمثلة - وما سنذكره لاحقا في مقالنا التالي - تدل دلالة قطعية على أن هذه الأناجيل ليست وحيا من الله سبحانه، إذ لو كانت وحيا لخلت من التناقض والتضارب ومن الزيادة والنقصان، وهي حقيقة لا يمكن للنصارى دفعها إلا بتحمل الأعذار الساقطة والباطلة ، وسيبقى الحق واضحا جليا لمن طلبه ، نسأل المولى عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

.............................

نقلا عن موقع التوضيح لدين المسيح

 

(أقرأ المزيد ... | التقييم: 3.8)
الأناجيل ليست كلام الله ( 2 )
حقائق حول الأناجيل

الأناجيل ليست كلام الله ( 2 )

استكمالا لما ابتدأناه من إثبات القول بوقوع التحريف في أناجيل النصارى ، نورد بعض الأمثلة الأخرى التي تدل على صحة دعوى المسلمين بأن تلك الأناجيل محرفة وأنها لا يمكن أن تكون كلمة الله، لما اشتملت عليه من التناقض والاضطراب الذي ينزه عنهما كلام الله سبحانه الذي { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}(فصلت:42) فمن تلك الأمثلة :

 تخلف نبوءات الأناجيل عن الوقوع :

وهذا من أقبح التحريف، إذ إن أخبار الأنبياء حق لا يمكن أن تتخلف، فإذا وجد في الكتاب خبر قد عين وقته أو علامته ولم يتحقق بعد مضي ذلك الوقت أو مجيء تلك العلامة، فهذا يدل على أن ذلك النبي لم يكن نبيا، أو أن الخبر إليه لم يكن صحيحا، لما تقرر من ثبوت العصمة لأنبياء الله في تبليغ وحيه .

ومع ذلك نجد في أناجيل النصارى بشارات أو نبوءات منسوبة إلى المسيح عليه السلام، لكنها لم تقع رغم وقوع علامتها ومرور الوقت المحدد لها ، فمن ذلك ما جاء في إنجيل متى 27-28/16من قول المسيح عليه السلام : " فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَعُودُ فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ بَعْضاً مِنَ الْوَاقِفِينَ هُنَا لَنْ يَذُوقُوا الْمَوْتَ، قَبْلَ أَنْ يَرَوْا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي مَلَكُوتِهِ " فقد دلت هذه النبوءة على أن نزول عيسى عليه السلام من السماء سيكون قبل أن يفنى الجيل الذي يخاطبه، بل قبل أن يموت بعض الواقفين بجانبه، وقد مات ذلكم الجيل كله ومئات من الأجيال بعده، ولم ينزل المسيح عليه السلام ولم تتحقق نبوءته ، ويقيننا بأن عيسى نبي يدفعنا إلى اتهام النقلة عنه في عدم الدقة، بل والزيادة في كلامه والنقصان منه حسب الأهواء والرغبات .

ومن هذا القبيل أيضا ما جاء في إنجيل لوقا من قول الملائكة لمريم عليها السلام : 30-33 / 1: ( لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، فَإِنَّكِ قَدْ نِلْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ! وَها أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً، وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. إِنَّهُ يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيَمْنَحُهُ الرَّبُ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيهِ، فَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلَنْ يَكُونَ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ ). ومعلوم أن داود عليه السلام تولى حكم بني إسرائيل وكانت مملكته ممتدة على رقعة جغرافية واسعة في حين أن عيسى عليه السلام لم يستطع أن يتملص من دفع الجزية لقيصر ، بل إنه عليه السلام يصرح كما في إنجيل يوحنا  18/36 : "  بأن مملكته ليست من هذا العالم " فكيف يصح بعد هذا ما جاء في إنجيل لوقا من أنه يعطى ملك داود وأن ملكه يبقى إلى الأبد !!!

تناقض واضطراب في كلام الأناجيل : من ذلك ما جاء في إنجيل متى 38-40 / 12 : " عِنْدَئِذٍ أَجَابَهُ بَعْضُ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ، قَائِلِينَ: " يَا مُعَلِّمُ، نَرْغَبُ فِي أَنْ نُشَاهِدَ آية تُجْرِيهَا! فَأَجَابَهُمْ: جِيلٌ شِرِّيرٌ خَائِنٌ يَطْلُبُ آيَةً؛ وَلَنْ يُعْطَى آيَةً إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِي ِّ ( يونس عليه السلام ) فَكَمَا بَقِيَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هَكَذَا سَيَبْقَى ابْنُ الإِنْسَانِ فِي جَوْفِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ ) ففي هذا النص يمتنع المسيح عليه السلام عن إعطاء علماء اليهود آية في حياته، ولكنه في نص آخر يعرض عليهم آية ومعجزة بناء هيكلهم في ثلاثة أيام بعد أن يهدموه هم، فقد جاء في إنجيل يوحنا 18-20/ 2 : " فَتَصَدَّى الْيَهُودُ لِيَسُوعَ وَقَالُوا لَهُ: «هَاتِ آيَةً تُثْبِتُ سُلْطَتَكَ لِفِعْلِ مَا فَعَلْتَ!» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «اهْدِمُوا هَذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: «اقْتَضَى بِنَاءُ هَذَا الْهَيْكَلِ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ عَاماً، فَهَلْ تُقِيمُهُ أَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ؟ " ، فبأي الفقرتين نأخذ وإلى أي القولين نصير !! هل نأخذ بالفقرة التي تنفي إعطاء عيسى لبني إسرائيل آية ؟ أم بالفقرة التي تثبت إعطائهم إياها ؟!! .

 الاختلاف في حامل الصليب ومن أوجه التناقض والاختلاف ما جاء في إنجيلي متى 27/32 ولوقا 23/26 من أن حامل الصليب هو سمعان القيرواني، في حين جاء في إنجيل يوحنا 19/17 أن المسيح عليه السلام هو من كان يحمل الصليب!! وهنا نسأل نفس السؤال من كان الحامل الحقيقي للصليب المسيح أم سمعان القيرواني ؟ !!

 الاختلاف في وصية المسيح لتلاميذه :

جاء في إنجيل متى 9-10/10 أن المسيح عليه السلام قال لتلاميذه : " لا تقتنوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا في مناطقكم ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصاً " في حين أن في إنجيل مرقص 8-9/6 : " وأوصاهم ألا يحملوا شيئا في الطريق غير عصا فقط " فهل لنا أن نسأل هنا هل أوصاهم بترك كل شيء حتى العصا أم أوصاهم بترك كل شيء بما في ذلك العصا!! فأي الوصيتين أحق بالتصديق وأي القولين هو القول الثابت عن المسيح عليه السلام ؟!! .

إن هذه الأمثلة وغيرها تؤكد على أن هذه الأناجيل ليست من وحي الله عز وجل، وأن تلك الأناجيل ما هي إلا كتب اشتملت على حكايات وقصص وأقوال نسبت إلى المسيح عليه السلام، فيها الصحيح والضعيف والحق والباطل ، وإن المنهج الصحيح في معرفة ما في تلك الأناجيل من حق وباطل هو عرضه على القرآن الكريم والسنة النبوية فما أقرا قبُِِِل، وما أنكرا رُدَّ ، وما سكتا عنه فنتوقف في قبوله أو رده ، وبغير هذا المنهج لن نستطيع أن نرجح بين هذه الأناجيل إلا بتحكم لا يقبله المنهج العلمي . نسأل المولى عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

....................................

نقلا عن موقع التوضيح لدين المسيح

(أقرأ المزيد ... | التقييم: 5)
الإله عند النصارى واحد أم ثلاثة ( 1 )
حقائق حول المسيح بالأناجيل

الإله عند النصارى واحد أم ثلاثة ( 1 )

أشاد القرآن الكريم بالعقل ، وجعله مناط التكليف، وأصبح من القواعد الثابتة في شرعنا أن من لا عقل له، لا تكليف عليه .

 وأمر الله الناس أن يعملوا عقولهم، فأمر بالنظر والتفكر والتدبر في آياته، حتى يخلص الإنسان من خلال ذلك إلى الحق الذي بعث الله به أنبياءه ورسله، قال تعالى :{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }(سـبأ:46) ، وعير سبحانه الكفار بتركهم تعقل وتفهم وحيه، فشبههم بالبهائم، فقال سبحانه : #{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ }(البقرة:171) ، وقال أيضاً : { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ }( الأنفال:22)، والآيات في هذا الباب كثيرة . ومن قرأ القرآن بتدبر وتفهم علم قيمة العقل ومنزلته في دين الله عز وجل .

فأين هذا من النقيض الذي يدعوا إليه النصارى من إهمال العقل أو على الأقل تهميشه وتحييده،لاسيما في العقائد المبتدعة الدخيلة على دين الله الذي بُعث به عيسى عليه السلام .

وحتى لا يكون كلامنا افتراء نخطه دون أن نقدم بينة عليه، نذكر شاهدين من كلام النصارى أنفسهم في دعوتهم إهمال العقل عند النظر في عقائدهم وأفكارهم ، يقول القديس أنسليم : " يجب أن تعتقد أولا ما يعرض على قلبك بدون نظر ، ثم اجتهد بعد ذلك في فهم ما اعتقدت " أ.هـ عن كتاب مقارنة الأديان لشلبي ( ج2/223 ) ويقول القس وهيب الله عطا : " إن التجسيد قضية فيها تناقض مع العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية ، لكننا نصدق ونؤمن أن هذا ممكن حتى ولو لم يكن معقولاً " ( نفس المصدر 2/124 ) .

فاعجب لهؤلاء كيف يريدون من الناس أن يهملوا عقولهم التي ميزهم الله بها على سائر الحيوانات، لتسلم لهم خرافاتهم - وما أدخلوه في دين الله عز وجل - من أن تنالها معاول النقد، وهذا والله هو ما جرأ العلمانيون والملاحدة على النيل من الدين النصراني الذي دخل – بسبب تحريف أهله له – دهاليز الخرافة والدجل .

ولعل من أوضح ما يمكن الاستشهاد به على ضلال عقائدهم، ومصادمتها لقضايا عقلية صحيحة متفق عليها عند جميع العقلاء، ما اخترعوه من الشرك بالله عز وجل حيث نسبوا له ابناً وادعوا أنه إله مع الله سبحانه وتعالى،ثم أضافوا إلى قائمة آلهتهم روح القدس فأصبح لدى النصارى ثلاثة آلهة هي : الآب " الله " والابن " عيسى " وروح القدس ، وهذا هو الثالوث الذي يعتقدون ألوهيته ، ويسمونه توحيداً .

وبهذا التثليث أبطل النصارى التوحيد الذي جاء به المرسلون ومنهم عيسى عليه السلام وحولوه إلى شرك ، ومن العجب أن يدعوا بعد هذا أنهم ما زالوا على التوحيد ، وأن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة ، في معادلة يستحيل على كل ذي عقل فهمها فضلا عن التسليم بها ، فقد غلطوا – كما يقول ابن تيمية - في أول مسألة من الحساب الذي يعلمه كل أحد!! وهو قولهم الواحد ثلاثة .‍‍‍‍‍

ولنترك لأحد علمائهم مهمة إفهامنا هذا الشرك الذي يسمونه توحيدا أو تثليثاً ، يقول الأب بولس الياس اليسوعي في كتاب " يسوع المسيح" : " من الناس من يقولون : لم يا ترى إله واحد في ثلاثة أقانيم ؟ أليس في تعدد الأقانيم انتقاص لقدر الله ؟ أليس من الأفضل أن يقال : الله أحد فحسب ؟ لكننا إذا اطلعنا على كنه الله لا يسعنا إلا القول بالتثليث ، وكنه الله محبة ( يوحنا : 4 : 16 ) ولا يمكن إلا أن يكون محبة، ليكون الله سعيداً ، فالمحبة هي مصدر سعادة الله، ومن طبع المحبة أن تفيض وتنتشر على شخص آخر فيضان الماء وانتشار النور، فهي إذن تفترض شخصين على الأقل يتحابان ، وتفترض مع ذلك وحدة تامة بينهما . وليكون الله سعيدا – ولا معنى لإله غير سعيد وإلا لانتفت عنه الألوهية – كان عليه أن يهب ذاته شخصا آخر يجد فيه سعادته ومنتهى رغباته ، ويكون بالتالي صورة ناطقة له ، ولذا ولد الله الابن منذ الأزل نتيجة لحبه إياه، ووهبه ذاته، ووجد فيه سعادته ومنتهى رغباته، وبادل الابن الأب هذه المحبة ووجد فيه هو أيضا سعادته ومنتهى رغباته . وثمرة هذه المحبة المتبادلة بين الأب والابن كانت الروح القدس . هو الحب إذاً يجعل الله ثالوثاً وواحدا معاً .

" ولا يصح أن يكون هذا الكائن الذي حبس الله الأب محبته عليه إلا الابن ، ولو كان غير الابن ، ولو كان خليقة محدودة ، بشرا أو ملاكاً لكان الله بحاجة إلى من دونه كمالاً ، وعد ذلك نقصا في الله، والله منزه عن النقص، فتحتم إذا على الله والحالة هذه أن يحبس محبته على ذاته فيجد فيها سعادته ، لهذا يقول بولس الرسول : " إن الابن هو صورة الله الغير منظور وبكر كل خلق " ( كولوس 1: 15 ) .

وليس الله إذا كائناً تاهئا في الفضاء ، منعزلا في السماء ، لكنه أسرة مؤلفة من أقانيم تسودها المحبة وتفيض منها على الكون براءته ، وهكذا يمكننا أن نقول إن كنه الله يفرض هذا التثليث " انتهى بواسطة مقارنة الأديان لشلبي 2/115-116 .

فهل سمعت أخي القارئ هذيانا كهذا ، وهل فهمت حقيقة الثالوث ، وهل انفك لك لغز : الثلاثة واحد ، والواحد ثلاثة ، قد تقول إن الرجل لم يحسن التعبير ولم يوفق لبيان الحقيقة لكني أقول إن كل من يفسر هذه العقيدة – سواء من متقدميهم أو متأخريهم - يقع فيما وقع فيه الأب الياس من الإيهام والإغراب وربما أعظم وأشد ، والسبب وراء ذلك أنهم تائهون حائرون ليس لهم مرجع من الإنجيل في تفسير عقيدة التثليث فكل واحد يفسرها حسب فهمه وهواه . ومن هنا قيل لو اجتمع عشرة من النصارى على بيان عقيدتهم في المسيح لتفرقوا على أحد عشر قولا .

ولتوضيح هذه الحقيقة - وهي افتقاد النصارى المرجع في تفسير عقائدهم - نسأل الياس ما مستنده فيما ذهب إليه من أن المحبة تقتضي اتحادا تاما بين المحبوب ومن يحب ؟!! أو ليس البشر يحب بعضهم بعضا دون أن يكون هناك حلول أو اتحاد بين المحبوبين ؟ ثم من أين له أن الله ولد ابنا ووهبه ذاته ؟!! ثم من أين له أيضا أن روح القدس انبثق من المحبة المتبادلة بين الآب والابن ؟ إن نصوص الإنجيل لا تدل على شيء من ذلك .  لا تصريحا ولا تلميحاً ، ولكنه التحكم والهوى نسأل السلامة والعافية .

ولنعد إلى أصل القضية، فنقول إن لفظ الابن له معنى حقيقي ومعنى آخر مجازي ، فالمعنى الحقيقي أنه حيوان ولد من نطفة حيوان هو من نوعه ، هذا هو معناه في اللغة وهذا المعنى محال في حق الخالق سبحانه ، لذلك جاء القرآن باستبعاده وتنزيه الله عنه، قال تعالى : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (الأنعام:101) .

والمعنى الثاني معنى مجازي يراد به أنه في منزلة الابن النسبي من حيث تعلقه بخالقه ، وحماية الخالق له ، ورحمته به وشفقته عليه ، وهذا المعنى هو المراد بنصوص الإنجيل في نسبة عيسى أنه ابن الله كما سيأتي .

وإذا تبين معنى الابن في اللغة فلا يجوز التلاعب بعد ذلك في الألفاظ ، فالواجب ضبط الألفاظ بمعانيها منعا للخبط وعدم الضبط فإن الألفاظ قوالب المعاني، فلا يجوز أن يقال إن عيسى ابن الله ثم يفسر قائل هذا القول كلامه بأنه أراد أن عيسى هو علم الله أو محبته أو أنه أقنوم غير أقنوم الأب وغير أقنوم روح القدس إلى آخر هذه التحكمات ، لأننا سنقول له إن كلمة ابن لم توضع للدلالة على العلم أو المحبة أو الأقنومية وإنما وضعت للمعنى الذي ذكرنا .

فهذه لمحة موجزة عن تثليث النصارى أحببنا من خلالها إلقاء الضوء بصورة مجملة على أهم عقائدهم ، وقد ركزنا فيها على بيان أمرين :

الأول : إظهار اعترافهم بأن عقائدهم مصادمة للعقل .

الثاني : إظهار سبب خلافهم في بيان حقيقة التثليث، وهو أنهم لا ينطلقون في تفسيره من نصوص قاطعة من الأناجيل . وهو ما أدى إلى اتساع هوة الخلاف بينهم،حتى وصل إلى تفرقهم على فرق وطوائف يكفر بعضهم بعضا .

وسنأتي إن شاء الله على بعض الشبه التي تمسكوا بها في إثبات التثليث واستدلوا عليه ببعض نصوص الأناجيل، وسوف نرد على هذه الشبه من واقع الأناجيل نفسها حتى يكون أبلغ في الحجة على النصارى ، سائلين الله عز وجل أن يوفقنا لمعرفة الحق والعمل به ودعوة الناس إليه إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .

........................

نقلا عن موقع التوضيح لدين المسيح

(أقرأ المزيد ... | التقييم: 4.41)
الإله عند النصارى واحد أم ثلاثة ( 2)
حقائق حول المسيح بالأناجيل

الإله عند النصارى واحد أم ثلاثة ( 2)

 

كنا قد بينا في مقال سابق حقيقة قول النصارى في عقيدة التثليث، وأوضحنا من خلال نقل أقوالهم مدى بعدها بل وتصادمها مع التوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل فيه كتبه فضلا عن تصادمها مع بدهيات العقول .

 

ونحاول في هذا المقال أن نستعرض أدلة النصارى التي استدلوا بها من الأناجيل على صحة ما ذهبوا إليه من القول بالتثليث، مع التنبيه على أن نقلنا لأدلتهم من الأناجيل ليس اعترافا منا بصحة كل ما فيها، ولكننا نفعل ذلك لاعتقادنا أن ما فيها من الحق الواضح قادر على بيان وتجلية ما اعتمدوا عليه من شبه .

 

وقبل الخوض في ذكر أدلتهم نحب أن نبين أن النصارى المتأخرين مجمعون على القول بالتثليت، وإنما اختلفوا في تفسيره وتفاصيله كالخلاف في مساواة الابن بالآب ، وكالخلاف في المسيح هل له طبيعتان أو طبيعة واحدة، وهي خلافات تشكل حدودا فاصلة لفرق النصرانية المعاصرة من كاثوليك وأرثوذكس وغيرهم .

 

الأسس التي اعتمد عليها النصارى في القول بألوهية المسيح عليه السلام

 

1-  جاء في إنجيل متى ( 3/17 ) منسوبا إلى الله قوله لعيسى : ( هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ، الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ كُلَّ سُرُور »

 

2-   ويروي متى أن رئيس الكهنة قال مرة للمسيح : ( أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟ 64 : فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: « أَنْتَ قُلْتَ! وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً إِنَّكُمْ مُنْذُ الآنَ سَوْفَ تَرَوْنَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُدْرَةِ ثُمَّ آتِياً عَلَى سُحُبِ السَّمَاءِ!»

 

3-   وورد في إنجيل متى 28:19( فَاذْهَبُوا إِذَنْ، وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ ) .

 

4-        وجاء في يوحنا ( 1- 5 ) : ( فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ. وَكَانَ الْكَلِمَةُ هُوَ اللهُ . هُوَ كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ . بِهِ تَكَوَّنَ كُلُّ شَيْءٍ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَتَكَوَّنْ أَيُّ شَيْءٍ مِمَّا تَكَوَّنَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ. وَالْحَيَاةُ هَذِهِ كَانَتِ نُورَ النَّاسِ. وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظَّلاَمِ، وَالظَّلاَمُ لَمْ يُدْرِكْ النُّورَ ) .

 

5-  وفي أعمال الرسل ( 8 : 26-27 ) أن فيليبس أحد الحواريين كان يسير مع خصي فمرا بماء، فطلب الخصي من فيليبس أن يعمده، فقال فيليبس إن كنت تؤمن من كل قلبك عمدتك . فقال الخصي : ( أنا أؤمن بأن يسوع هو ابن الله، فعمده فيليبس ) .

 

6-   وورد في يوحنا : 10 :30 قول عيسى عليه السلام ( أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ ) .

 

والحقيقة أن الناظر في هذه الأدلة يرى هشاشة ما بنى عليه النصارى دينهم ، فنظرة فاحصة لتحرير معنى " ابن الله " في الإنجيل نفسه تنسف عقيدة النصارى من أساسها ، وتبين بما لا يدع مجالا للشك بطلان هذه العقيدة وفسادها .

 

فكلمة ابن الله في الأناجيل وردت أكثر من مرة في حق عيسى عليه السلام وفي حق غيره ، فإذا استدلوا بها على ألوهية عيسى، فهلا استدلوا بها على ألوهية من قيلت فيه هذه الكلمة أيضاً ، فقد جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح (20 : 17) قول المسيح عليه السلام : " إني سأصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم " فهذا نص من المسيح نفسه على أن الله أب لتلاميذه أيضاً فلماذا فرقوا بين الأمرين ؟ ولماذا استدلوا على ألوهية المسيح بأنه ابن لله ، ولم يقولوا بألوهية تلاميذه أيضاً فقد كانوا أيضا أبناء لله بنص كلام المسيح نفسه.

 

وقد ورد نص آخر في إنجيل متى فيه إطلاق لفظ أبناء الله على المؤمنين به سبحانه، فقد جاء فيه : "  طُوبَى لأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، فَإِنَّهُمْ سَيَرَوْنَ اللهَ . 9طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، فَإِنَّهُمْ سَيُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ " وفيه أيضاً 44-45 : " أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَبَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَضْطَهِدُونَكُمْ . فَتَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ " ويروي متى عن عيسى قوله : ( إن أباكم واحد الذي في السموات ) ( إصحاح : 32 الفقرة 8 ) فكل هذه النصوص تدل على أن معنى ابن الله معنى آخر غير ما تدعيه النصارى ، وهو أن الله عز وجل يكون لعباده المؤمنين كالأب على أولاده فيرحمهم وينعم عليهم ويحميهم من كل سوء وأذى فهو لهم أب بهذا الاعتبار، وهم له أبناء من حيث اعتمادهم وتوكلهم عليه سبحانه وهذا المعنى لا يختص بعيسى عليه السلام، بل يشمل غيره من الأنبياء وهو الذي تدل عليه نصوص الإنجيل وتلتئم به فقراته .

 

 هذا إذا حاولنا الجمع فقط بين الآيات التي ذكرت فيها هذه اللفظة " ابن الله أو أبناء الله "، فكيف إذا جمعنا إليها الشواهد الأخرى التي تدل على بشرية المسيح عليه السلام، وأنه ما هو إلا رسول من عند الله، جاء لهداية بني إسرائيل، وهو ما يتفق مع خبر القرآن الكريم عنه، فمن تلك الدلائل تصريحه عليه السلام بتفرد الله عز وجل بالألوهية دون من سواه : فقد جاء في إنجيل مرقص قول عيسى عليه السلام : " الرب إلهنا إله واحد . وليس آخر سواه " ( 12 : 30-31 ) وهذا النص موافق لما جاء في التوراة - التي يؤمن بها النصارى -  من قول موسى عليه السلام : " اسمعوا يَا بني إِسْرَائِيلُ : الرَّبُّ إِلهنَا رَبٌّ وَاحِدٌ - تثنية 6 :4.

 

ومن الدلائل أيضا على بشرية المسيح عليه السلام، وأنه رسول من عند الله تصريحه عليه السلام بأنه نبي أرسله الله عز وجل لتجديد شرعه ، فقد جاء في إنجيل لوقا أن الناس مجدوا الله قائلين : " قد خرج فينا نبي عظيم " ( 7 : 16) فلم ينكر عليهم عيسى قولهم عنه إنه نبي، فضلا على أن يبين لهم أنه إله – كما تدعي النصارى - ، كيف وهو يصرح أنه مرسل من عند الله كما جاء في إنجيل لوقا الإصحاح 9 : 48 قوله عليه السلام : " مَنْ قَبِلَ بِاسْمِي هَذَا الْوَلَدَ الصَّغِيرَ، فَقَدْ قَبِلَنِي؛ وَمَنْ قَبِلَنِي، يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي ) فهذا تصريح منه عليه السلام بأنه مرسل من عند الله كغيره من الأنبياء والرسل .

 

ولما قيل له اهرب انج بنفسك : قال : " لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم . يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء ، وراجمة المرسلين " ( لوقا :13:23) فهو يصرح عليه السلام بأنه نبي ، كما في هذا النص ، وكما ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح 11 : 41 – 43 قول المسيح عليه السلام : -" أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي…… ليؤمنوا أنك أنت أرسلتني " وكما في إنجيل يوحنا الإصحاح 17 : 24 قول المسيح عليه السلام : - " وليعلم العالم أنك أرسلتني وأحببتهم كما أحببتني " فإذا هو يعلِّم الناس أنه مرسل من عند الله عز وجل .

 

وهذا هو ما كان شائعا عند الناس في زمنه فقد جاء في إنجيل متى : أنه : ( 10لَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ، ضَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا، وَتَسَاءَلَ أَهْلُهَا:مَنْ هُوَ هَذَا؟ 11فَأَجَابَتِ الْجُمُوعُ:هَذَا هُوَ يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ بِالْجَلِيلِ . وكذلك قالوا عندما رأوا بعض معجزاته : " إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم " يوحنا ( 6 : 14) .

 

ومن الدلائل على بشرية المسيح عليه السلام تصريحه بأنه إنسان ابن إنسان ،ففي إنجيل يوحنا الإصحاح 8 : 40 قول المسيح عليه السلام : -"وأنا إنسان كلمتكم بالحق الذي سمعته من الله " وفي إنجيل متى : " 18: ولما رأى يسوع جموعا كثيرة حوله أمر بالذهاب الى العبر 19: فتقدم كاتب وقال له يا معلّم اتبعك أينما تمضي .  20: فقال له يسوع للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار . وأما ابن الانسان فليس له مكان يسند  إليه رأسه " وهذا أيضا هو ما كان معروفا لدى الناس في زمنه عليه السلام أنه إنسان ، وكانوا ينسبونه إلى يوسف النجار زوج أمه مريم عليها السلام، ففي إنجيل يوحنا الإصحاح 1 : 45 " يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة " وفي إنجيل يوحنا الإصحاح 9 : 11 " إنسان يقال له يسوع " وفي إنجيل متى الإصحاح 13 : 55 " أليس هذا ابن النجار " . ومن دلائل بشريته عليه السلام اتصافه بصفات البشر من التعب والعجز ونحو ذلك ، فقد جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح 4 : 6 " كان يسوع قد تعب من السفر " ومن ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا 5:30 " أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا.كما أسمع أدين ودينونتي عادلة لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني "

 

هذا فيما يتعلق بنقض تمسكهم بما ورد في الإنجيل من تسمية عيسى عليه السلام ابن الله، فقد تبين من خلال هذا الاستقراء لنصوص الإنجيل حقيقة هذه اللفظة، ورأيت – أخي القارئ - بالدلائل الكثيرة حقيقة عيسى عليه السلام، وأنه بشر أرسله الله عز وجل لتبليغ دينه ، وكل ذلك من نصوص الأناجيل نفسها ، بما يتفق مع نصوص القرآن الكريم ، وهذا يقودنا إلى أمر غاية في الأهمية وهو أن النصارى لا يأخذون دينهم من الأناجيل – على ما فيها – ، وإنما العمدة عندهم ما تقرره مجامعهم ورجال الكنيسة فيهم ، فقد ظل الإنجيل أزمانا مديدة حكرا لا يقرأه إلا رجال الكنيسة وكهنتها، وهم وحدهم لهم الحق في تفسيره وتأويله وحمله على ما تشتهيه أنفسهم، دون أن يكون لهم في ذلك منهجا للفهم له قواعده وضوابطه حتى لا يكون عرضة للتحكمات والأهواء ، وبذلك أصبح النصارى أبعد ما يكون عن حقائق الأناجيل ، وأصبحوا أسرى لما تتفتق عنه أذهان قساوستهم من بدع ومحدثات .

 

وبذلك خرجت النصرانية عن هداية الوحي الإلهي إلى ما يقرره القساوسة من رغباتهم وأهواءهم ، فأضحت دينا بشريا بعد أن كان دينيا سماوياً .

 

هذا فيما يتعلق برد شبهتهم فيما يتعلق ببنوة المسيح عليه السلام، وسوف نرد على بقية شبهاتهم في مقال لاحق ، نسأل المولى عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

 

.........................

 

نقلا عن موقع التوضيح لدين المسيح

 

 

(أقرأ المزيد ... | التقييم: 4.8)
بشارات الإنجيل بنبي الإسلام بقلم ابن قيم الجوزية
حقائق حول الأناجيل

بشارات الإنجيل بنبي الإسلام

قال الإمام العلامة ابن القيم : فصل نصوص من الإنجيل [ في البشارة بنبي الإسلام ]

   ما في الإنجيل إن المسيح قال للحواريين : " إني ذاهب وسيأتيكم الفار قليط روح الحق ، لا يتكلم من قبل نفسه ، إنما هو كما يقال له ، وهو يشهد على وأنتم تشهدون لأنكم معي من قبل الناس ، وكل شئ أعده الله لكم يخبركم به "

 فصل نصوص خاصة بكلمة فارقليط :

وفي إنجيل يوحنا : "الفار قليط لا يجيئكم ما لم أذهب ، وإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة ، ولا يقول من تلقاء نفسه ولكنه مما يسمع به ، ويكلمكم ويسوسكم بالحق ويخبركم بالحوادث والغيوب " .

وفي موضع آخر : " إني سائل له أن يبعث إليكم فار قليطا أخر يكون معكم إلى الأبد وهو يعلمكم كل شيء ".

وفي موضع آخر : " ابن البشر ذاهب والفار قليط من بعده يجئ لكم بالأسرار ويفسر لكم كل شئ وهو يشهد لي كما شهدت له فإني أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل " . قال أبو محمد بن قتيبة : وهذه الأشياء على اختلافها متقاربة وإنما اختلفت لأن من نقلها عن المسيح صلى الله عليه وسلم في الإنجيل من الحواريين عدة والفار قليط بلغتهم لفظ من ألفاظ الحمد ، إما أ حمد أو محمد أو محمود أو حامد أو نحو ذلك ، وهو في الإنجيل الحبشي : برنعطيس .

 وفي موضع آخر : " إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فار قليطا آخر يثبت معكم إلى الأبد ويتكلم بروح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه لأنهم لم يعرفوه ولست أدعكم أيتاما إني سآتيكم عن قريب " .

 وفي موضع آخر : " ومن يحبني يحفظ كلمتي وأبي يحبه وإليه يأتي وعنده يتحد المنزل ، كلمتكم بهذا لأني لست عندكم مقيما ، والفار قليط روح الحق الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شئ ، وهو يذكركم كل ما قلته لكم ، استودعتكم سلامي ، لا تقلق قلوبكم ولا تجزع فإني منطلق وعائد إليكم ، لو كنت تحبوني كنتم تفرحون ، فإن ثبت كلامي فيكم كان لكم كل ما تريدون " .

 وفي موضع آخر : إذا جاء الفار قليط الذي أبي يرسله روح الحق الذي أبي يشهد لي ، قلت لكم حتى إذا كان تؤمنون ولا تشكون فيه .

 وفي موضع آخر : إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون عمله ، لكن إذا جاء روح الحق ذاك يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ، ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للأب .

 قال يوحنا : قال المسيح : إن أركون العالم سيأتي وليس له في شئ .

 قال متى قال المسيح : ألم تروا أن الحجر الذي أخره البناؤون صار أساً للزاوية من عند الله ، كان هذا وهو عيب في أعيننا ، ومن أجل ذلك أقول لكم أن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى تعطي ثماره ، ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ ، وكل من سقط هو عليه يمحقه .

 في معنى كلمة الفار قليط :

 وقد اختلف في الفار قليط في لغتهم فذكروا فيه أقوالا ترجع إلى ثلاثة :

 أحدها أنه الحامد والحماد أو الحمد كما تقدم ، ورججت طائفة هذا القول ، وقال الذي يقوم عليه البرهان في لغتهم أنه الحمد . والدليل عليه قول يوشع : من عمل حسنة يكون له فار قليط جيد . أي حمد جيد .

 والقول الثاني : وعليه أكثر النصارى أنه المخلص والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، قالوا وهذه كلمة سريانية ومعناها المخلص ، قالوا : وهو بالسريانية فاروق فجعل ( فارق ) ، قالوا و( ليط ) كلمة تزاد ، ومعناها كمعنى قول العرب : رجل هو ، وحجر هو ، وفرس هو . قالوا : فكذلك معنى ( ليط ) في السريانية .

 وقالت طائفة أخرى من النصارى : معناه بالسريانية المعزي قالوا وكذلك هو في اللسان اليوناني . ويعترض على هذين القولين بأن المسيح لم يكن لغته سريانية لا يونانية بل عبرانية ، وأجيب عن هذا بأنه يتكلم بالعبرانية ، والإنجيل إنما نزل باللغة العبرانية وترجم عنه بلغة السريانية والرومية واليونانية وغيرهما ، وأكثر النصارى على أنه المخلص ، والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، وفي الإنجيل الذي بأيديهم أنه قال : إنما أتيت لأخلص العالم والنصارى يقولون في صلاتهم : لقد ولدت لنا مخلصا .

 ولما لم يمكن النصارى إنكار هذه النصوص حرفوها أنواعا من التحريف ، فمنهم من قال : هو روح نزلت عل الحواريين ، ومنهم من قال : هو ألسن نارية نزلت من السماء على التلاميذ ففعلوا بها الآيات والعجائب ، ومنهم من يزعم أنه المسيح نفسه لكونه جاء بعد الصلب بأربعين يوما وكونه قام من قبره ، ومنهم من قال لا يعرف ما المراد بهذا الفار قليط ولا يتحقق لنا معناه .

 ومن تأمل ألفاظ الإنجيل وسياقها علم أن تفسيره بالروح باطل ، وأبطل منه تفسيره بالألسن النارية ، وأبطل منهما تفسيره بالمسيح ، فإن روح القدس ما زالت تنزل على الأنبياء والصالحين قبل المسيح وبعده وليست موصوفة بهذه الصفات، وقد قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه }  .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت لما كان يهجو المشركين :( اللهم أيده بروح القدس ).

وقال : ( إن روح القدس معك ما زلت تنافح عن نبيه ).

وإذا كان كذلك ولم يسم أحد هذه الروح فار قليطا علم أن الفار قليط أمر غير هذا .

وأيضا فمثل هذه الروح لا زالت يؤيد بها الأنبياء والصالحون وما بشر به المسيح ووعد به أمر عظيم يأتي بعده أعظم من هذا .

وأيضا فإنه وصف الفار قليط بصفات لا تناسب هذا الروح وإنما تناب رجلا يأتي بعده نظيرا له ، فإنه قال : " إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فار قليطا آخر يثبت معكم إلى الأبد " فقوله فار قليطا آخر دل على أنه ثان لأول كان قبله ، وأنه لم يكن معهم في حياة المسيح وإنما يكون بعد ذهابه وتوليه عنهم .

 وأيضا فإنه قال : يثبت معكم إلى الأبد وهذا إنما يكون لما يدوم ويبقى معهم إلى آخر الدهر ومعلوم أنه لم يرد بقاء ذاته بل بقاء شرعه وأمره ، والفار قليط الأول لم يثبت معهم شرعه ودينه إلى البد ، وهذا يبين أن الثاني صاحب شرع لا ينسخ بل يبقى إلى الأبد بخلاف الأول ، وهذا إنما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم .

 وأيضا فإنه أخبر أن هذا الفار قليط الذي أخبر به ويشهد له ويعلمهم كل شئ وأنه يذكر لهم كل ما قال المسيح وأنه يوبخ العالم على خطيئته فقال : والقار قليط الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شئ وهو يذكركم كل ما قلت لكم ، وقال إذا جاء الفار قليط الذي أبي يرسله هو يشهد أني قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنون به ، ولا تشكوا فيه ، وقال أن خيرا لكم أن أنطلق إلى أبي ، إن لم أذهب لم يأتكم الفار قليط ، فإذا انطلقت أرسلته إليكم ، فهو يوبخ العالم على الخطيئة ، فإنه لي كلاما كثيرا أريد أن أقوم لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذ جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده نفسه بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للأب .

 فهذه الصفات والنعوت التي تلقوها عن المسيح لا تنطبق على أمر معنوي في قلب بعض الناس لا يراه أحد ولا يسمع كلامه . وإنما تنطبق على من يراه الناس ويسمعون كلامه ، فيشهد للمسيح ، ويعلمهم كل شئ ، ويذكرهم بكل ما قال لهم المسيح ، ويوبخ العالم على الخطيئة ، ويرشد الناس إلى جميع الحق ، ولا ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ، ويخبرهم بكل ما يأتي ، ويعرفهم جميع ما لرب العالمين وهذا لا يكون ملكا لا يراه أحد ولا يكون هدى وعلما في قلب بعض الناس . ولا يكون إلا إنسانا عظيم القدر يخاطب بما أخبر به المسيح ، وهذا لا يكون إلا بشرا رسولا ، بل يكون أعظم من المسيح ، فإن المسيح أخبر أنه يقدر على ما لا يقدر عليه المسيح ، ويعلم ما لا يعلمه المسيح ، ويخبر بكل ما يأتي وبما يستحق الرب حيث قال : إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم لا تستطيعون حمله ، ولكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إل جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ، ويعرفكم جميع ما للأب .

 فلا يستريب عاقل أن هذه الصفات لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن الإخبار عن الله بما هو متصف به من الصفات وعن ملائكته وعن ملكوته وعما أعده في الجنة لأوليائه وفي النار لأعدائه أمر لا تحتمل عقول أكثر الناس معرفته على التفصيل .

 قال علي رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله .

 وقال بان مسعود : ما من رجل يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم .

 وسأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى :  الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن  قال : ما يؤمنك أن لو أخبرتك بها لكفرت . يعني لو اخبرتك بتفسيرها لكفرت بها وكفرك بها تكذيب بها .

 فقال لهم المسيح : إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله وهو الصادق المصدوق في هذا ، ولهذا ليس في الإنجيل من صفات اله تعالى وصفات ملكوته وصفات اليوم الآخر إلا أمور مجملة ، وكذلك التوراة ليس فيها من ذكر اليوم الآخر إلا أمور مجملة ، مع أن موسى صلى الله عليه وسلم كان قد سهل الأمر للمسيح ، ومع هذا فقد قال لهم المسيح : إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله .

 ثم قال : ولكن إذا جاء روح الحق فذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق ، وإنه يخبركم بكل ما يأتي ، وبجميع ما للرب فدل هذا على أن الفار قليط هو الذي يفعل هذا دون المسيح وكذلك كان فإن محمدا صلى الله عليه وسلم أرشد الناس إلى جميع الحق حتى أكمل الله به الدين وأتم به النعمة ، ولهذا كان خاتم الأنبياء فإنه لم يبق نبي يأتي بعده غيره ، وأخبر محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما يأتي من أشراط الساعة والقيامة والحساب والصراط ووزن الأعمال ، والجنة وأنواع نعيمها ، والنار وأنواع عذابها ، ولهذا كان في القرآن تفصيل أمر الآخرة وذكر الجنة والنار وما يأتي أمور كثيرة لا توجد لا في التوراة ولا في الإنجيل ، وذلك تصديق قول المسيح أنه يخبر بكل ما يأتي ، وذلك يتضمن صدق المسيح وصدق محمد صلى الله عليه وسلم .

 وهذا معنى قوله تعالى : { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون * بل جاء بالحق وصدق المرسلين } .

 أي : مجيئه تصديق للرسل قلبه ، فإنهم أخبروا بمجيئه فجاء كما أخبروا به ، فتضمن مجيئه تصديقهم ، ثم شهد هو بصدقهم فصدقهم بقوله ومجيئه ، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله بين يدي الساعة كما قال :  بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى .

 وكان إذا ذكر الساعة علا صوته واحمر وجهه واشتد غضبه ، وقال :  أنا النذير العريان  .

 فأخبر من الأمور التي تأتي في المستقبل بما لم يأت به نبي من الأنبياء كما نعته به المسيح حيث قال : أنه يخبركم بكل ما يأتي ولا يوجد مثل هذا أصلا عن أحد من الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم فضلا عن أن يوجد عن شئ نزل على قلب بعض الحواريين .

 وأيضا فإنه قال : ويعرفكم جميع ما للرب فبين أنه يعرف الناس جميع ما لله ، وذلك يتناول ما لله من الأسماء والصفات وما له من الحقوق وما يجب من الإيمان به وملائكة وكتبه ورسله بحيث يكون يأتي به جامعا لما يستحقه الرب ، وهذا لم يأت به غير محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه تضمن ما جاء به من الكتاب والحكمة .

 وأيضا فإن المسيح قال : إذا جاء الفارقليط الذي يرسله أبي فهو يشهد لي ، قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به ، فأخبر أنه أشهد له ، وهذه صفة نبي بشر به المسيح ويشهد للمسيح ، كما قال تعالى{ وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } .

 وأخبر أنه يوبخ العالم على الخطيئة ، وهذا يستحيل حمله على معنى يوم بقلب الحواريين فإنهم آمنوا به وشهدوا له قبل ذهابه فكيف يقول إذا جاء فإنه يشهد لي ويوصيهم بالإيمان به ؟ أفترى الحواريين لم يكونوا مؤمنين بالمسيح فهذا من أعظم جهل النصارى وضلالهم .

 وأيضا فإنه لم يوجد أحد وبخ جميع العالم على الخطيئة إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه أنذر جميع العالم من أصناف الناس ووبخهم على الخطيئة من الكفر والفسوق والعصيان ولم يقتصر على مجرد الأمر والنهي بل وبخهم وفزعهم وتهددهم .

 وأيضا فإنه أخبر أنه ليس ينطلق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع . وهذا إخبار بأن كل ما يتكلم به فهو وحي يسمعه ليس هو شيئا تعلمه من الناس أو عرفه باستنباط، وهذه خاصة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأما المسيح فكان عنده علم بما جاء به موسى قبله يشاركه به أهل الكتاب تلقاه عمن قبله ، ثم جاءه وحي خاص من الله فوق ما كان عنده ، قال تعالى{ ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل } فأخبر سبحانه أنه يعلمه التوراة التي تعلمها بنو إسرائيل ، وزاده تعليم الإنجيل الذي اختص به ، والكتاب الذي هو الكتابة ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعلم قبل الوحي شيئا ألبتة ، كما قال تعالى :  { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان }  .

 وقال تعالى : { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين }  ، فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - ينطق من تلقاء نفسه بل إنما كان ينطق بالوحي كما قال تعالى{ وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى }  أي ما نطقه إلا وحي يوحى ، وهذا مطابق لقول المسيح أنه لا يتكلم من تلقاء نفسه بل إنما يتكلم بما يوحى إليه ، الله تعالى أمره أن يبلغ ما أنزل إليه ، وضمن له العصمة في تبليغ رسالاته ، فلهذا أرشد الناس إلى جميع الحق وألقى للناس ما لم يكن غيره من الأنبياء إلقاه خوفا أن يقتله قومه ، وقد أخبر المسيح بأنه لم يذكر لهم جميع ما عنده ، وأنهم لا يطيقون حمله وهم معترفون بأنه كان يخاف منهم إذا أخبرهم بحقائق الأمور ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أيده الله سبحانه تأييدا لم يؤيده لغيره ، فعصمه من الناس حتى لم يخف من شيء يقوله ، وأعطاه من البيان والعلم ما لم يؤته غيره ، وأيد أمته تأييدا أطاقت به حمل ما ألقاه إليهم ، فلم يكونوا كأهل التوراة الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ، ولا كأهل الإنجيل الذين قال لهم المسيح : إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكن لا تستطيعون حمله . . . ولا ريب أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أكمل عقولا وأعظم إيمانا وأتم تصديقا وجهادا ، ولهذا كانت علومهم وأعمالهم القلبية وإيمانهم أعظم ، وكانت العبادات البدنية لغيرهم أعظم .

 وأيضا فإنه أخبر عن الفارقليط أنه سيشهد له ، وأنه يعلمهم كل شيء ، وأنه يذكرهم كل ما قال المسيح ، ومعلوم أن هذه الشهادة لا تكون إلا إذا شهد له شهادة يسمعها الناس لا تكون هذه الشهادة في قلب طائفة قليلة ، ولم يشهد أحد للمسيح شهادة سمعها عامة الناس إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه أظهر أمر المسيح وشهد له بالحق حتى سمع شهادته له عامة أهل الأرض ، وعلموا أنه صدق المسيح ونزهه عما افترته عليه اليهود وما غلت فيه النصارى ، فهو الذي شهد له بالحق .

 ولهذا لما سمع النجاشي من الصحابة ما شهد به محمد - صلى الله عليه وسلم - للمسيح قال لهم : ما زاد عيسى على ما قلتم هذا العود .

 وجعل الله أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - :  شهداء على الناس  شهدوا عليهم بما علموا من الحق ، إذ كانوا وسطا عدولا لا يشهدون بباطل ، فإن الشاهد لا يكون إلا عدلا ، بخلاف من جار في شهادته فزاد على الحق أو نقص منه كشهادة اليهود للنصارى في المسيح .

 وأيضا فإن معنى الفارقليط إن كان هو الحامد أو الحماد أو المحمود أو الحمد ، فهذا الوصف ظاهر في محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه وأمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال ، وهو صاحب لواء الحمد ، والحمد مفتاح خطبته ومفتاح صلاته ، ولما كان حمادا سمى بمثل وصفه فهو محمد على وزن : مكرم ومعظم ومقدس ، وهو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره ويستحق ذلك ، فلما كان حمادا لله كان محمدا ، وفي شعر حسان : -

  أغر عليه للنبوة خاتم من الله ميمون يلوح ويشهد 

  وضم الإله إسم النبي إلى إسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد 

  وشق له من إسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد 

 وأما أحمد فهو أفعل التفضيل ، أي هو أحمد من غيره أي أحق بأن يكون محمودا أكثر من غيره ، يقال : هذا أحمد من هذا ، أي هذا أحق بأن يحمده من هذا ، فيكون تفضيل على غيره في كونه محمودا .

 فلفظ محمد يقتضي زيادة في الكمية ، ولفظ أحمد يقتضي زيادة في الكيفية .

 ومن الناس من يقول : معناه أنه أكثر حمدا لله من غيره وعلى هذا فيكون بمعنى الحامد والحماد ، وعلى الأول بمعنى المحمود .

 وأن كان الفارقليط بمعنى الحمد فهو تسمية بالمصدر مبالغة في كثرة الحمد ، كما يقال : رجل عدل ورضى ونظائر ذلك ، وبهذا يظهر سر ما أخبر به القرآن عن المسيح من قوله : { ومبشرا برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد } فإن هذا هو معنى الفارقليط كما تقدم .

 

(أقرأ المزيد ... | التقييم: 4.57)
بشارات التوراة بنبي الإسلام .. بقلم العلامة ابن القيم
حقائق حول الأناجيل

بشارات التوراة بنبي الإسلام .. بقلم العلامة ابن القيم

 قدم الإمام ابن القيم قراءة لمجموعة من النبوءات المثبتة في العهد القديم وبين إنطباق تلك النبوءات على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وهي قراءة جديرة بالقراءة من الموافق والمخالف لما فيها من موضوعية وإنصاف، لهذا حرصنا على إبراز هذه القراءة في موضوع مستقل ،  قال رحمه الله تعالى :

فصل نصوص من التوراة

( الوجه الأول ) : قوله تعالى في التوارة " سأقيم لبني أسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي في فيه ويقول لهم ما آمره به والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه " .

 فهذا النص مما لا يمكن أحدا منهم جحده وإنكاره : ولكن لأهل الكتاب فيه أربعة طرق : أحدها حمله على المسيح وهذه طريقة النصارى ، وأما اليهود فلهم فيه ثلاثة طرق : أحدها أنه على حذف أداة الاستفهام ، والتقدير أقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم أي لا أفعل هذا ، فهو استفهام إنكار حذفت منه أداة الاستفهام .

 الثاني أنه خبر ووعد ولكن المراد به شمويل النبي فإنه من بني إسرائيل ، والبشارة إنما وقعت بنبني من إخوتهم ، وإخوة القوم بنو أبيهم ، وهم بنو إسرائيل .

 الثالث أنه نبي يبعثه الله في آخر الزمان يقيم به ملك اليهود ويعلو به شأنهم وهم ينتظرونه إلى الآن .

 وقال المسلمون : البشارة صريحة في النبي صلى الله عليه وسلم العربي الأمي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه لا يحتمل غيره ، فإنها إنما وقعت ببني من إخوة بني إسرائيل لا من بني إسرائيل نفسهم ، والمسيح من بني إسرائيل ، فلو كان المراد بها هو المسيح لقال أقيم لهم نبيا من أنفسهم ، كما قال تعالى : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم }  ، وأخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل ، ولا يعقل في لغة أمة من الأمم أن بني إسرائيل هم إخوة بني إسرائيل ، كما  إخوة زيد لا يدخل فيهم زيد نفسه .

 وأيضا فإنه قال نبي مثلك وهذا يدل على أنه صاحب شريعة عامة مثل موسى ، وهذا يبطل حمله على شمويل من هذا الوجه أيضا ، ويبطل حمله على يوشع من ثلاثة أوجه : أحدها أنه من بني إسرائيل لا من إخوتهم ، الثاني أنه لم يكن مثل موسى ، وفي التوارة : " لا يقوم في بني إسرائيل مثل موسى " ، الثالث أن يوشع نبي في زمن موسى ، وهذا الوعد إنما هو بنبي بقيمه الله بعد موسى .

 وبهذه الوجوه الثلاثة يبطل حمله على هارون ، مع أن هارون توفى قبل موسى ، ونبأه الله مع موسى في حياته ، ويبطل ذلك من وجه رابع أيضا وهو : أن في هذه البشارة أنه ينزل عليه كتابا يظهر للناس من فيه وهذا لم يكن لأحد بعد موسى غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من علامات نبوته التي أخبرت بها الأنبياء المتقدمون ، قال تعالى : { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين * وإنه لفي زبر الأولين * أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل }  .

 فالقرآن نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهر للأمة من فيه ، ولا يصح حمل هذه البشارة على قلب المسيح باتفاق النصارى لأنها إنما جاءت بواحد من إخوة بني إسرائيل ، وبنو إسرائيل وإخوتهم كلهم عبيد ليس فيهم إله ، والمسيح عندهم إله معبود ، وهو أجل عندهم من أن يكون من إخوة العبيد ، والبشارة وقعت بعبد مخلوق يقيمه الله من جملة عبيده وأخوتهم، وغايته أن يكون نبيا لا غاية له فوقها وهذا ليس هو المسيح عند النصارى .

 وأما قول المحرفين لكلام الله : إن ذلك على حذف ألف الاستفهام وهو استفهام إنكار والمعنى لا أقيم لبني إسرائيل نبيا . فتلك عادة لهم معروفة في تحريف كلام الله عن مواضعه والكذب على الله ، وقولهم لما يبدلونه ويحرفونه  هذا من عند الله  .

 وحمل هذا الكلام على الاستفهام والإنكار غاية ما يكون من التحريف والتبديل ، وهذا التحريف والتبديل من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي أخبر بها عن الله من تحريفهم وتبديلهم، فأظهر الله صدقه في ذلك لكل ذي لب وعقل ، فازداد إيمانا إلى إيمانه ، وازداد الكافرون رجسا إلى رجسهم .

 ( الوجه الثاني ) : قال في التوراة في ( السفر الخامس ) : " أقبل الله من سيناء ، وتجلى من ساعير ، وظهر من جبال فاران ، ومعه ربوات الأطهار عن يمينه " وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة : نبوة موسى ، ونبوة عيسى ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمجيئه من سينا وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى ونبأه عليه إخبار عن نبوته ، وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس .

 وساعير : قرية معروفة هناك إلى اليوم ، وهذه بشارة بنبوة المسيح .

 وفاران : هي مكة ، وشبه سبحانه نبوة موسى بمجئ الصباح ، ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه ، ونبوة خاتم الأنبياء بعدهما باستعلاء الشمس وظهور ضوءها في الآفاق، ووقع الأمر كما أخبر به سواء، فإن الله سبحانه صدّع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته ، وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح ، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم.

وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة  { والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين }  فذكر أمكنة هؤلاء الأنبياء وأرضهم التي خرجوا منها ،  والتين والزيتون  : والمراد بهما منبتهما وأرضهما وهي الأرض المقدسة التي هي مظهر المسيح، وطور سينين  الذي كلم الله عليه موسى فهو مظهر نبوته ، و هذا البلد الأمين  : مكة حرم الله وأمنه التي هي مظهر نبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم .

 فهذه الثلاثة نظير تلك الثلاثة سواء قالت اليهود فاران هي أرض الشام وليست أرض الحجاز أم لم تقل . وليس هذا ببدع من بهتهم وتحريفهم فعندهم في التوراة : إن إسماعيل لما فارق أباه سكن في برية فاران وأنكحته أمه امرأة من أرض مصر .

 ولا يشك علماء أهل الكتاب أن فاران مسكن لآل اسماعيل ، فقد تضمنت التوراة نبوة تنزل بأرض فاران ، وتضمنت نبوة تنزل على عظيم من ولد إسماعيل ، وتضمنت انتشار أمته وأتباعه حتى يملأوا السهل والجبل كما سنذكره إن شاء الله تعالى ، ولم يبق بعد هذا شبهة أصلا في أن هذه هي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم التي تزلت بفاران على أشرف ولد اسماعيل حتى ملأت الأرض ضياء ونورا وملأ أتباعه السهل والجبل ، ولا يكثر على الشعب الذي نطقت التوراة بأنهم عادموا الرأي والفطانة أن ينقسموا إلى جاهل بذلك وجاحد مكابر معاند ، ولفظ التوراة فيهم : " إنهم لشعب عادم الرأي ، وليس فيهم فطانة " ، ويقال لهؤلاء المكابرين : أي نبوة خرجت من الشام فاستعلت استعلاء ضياء الشمس ، وظهرت فوق ظهور النبوتين قبلها ؟ ! وهل هذا إلا بمنزلة مكابرة من يرى الشمس قد طلعت من المشرق فيغالط ويكابر ويقول بل طلعت من المغرب ! ! .

 ( الوجه الثالث ) : قال في التوراة في ( السفر الأول ) : إن الملك ظهر لهاجر أم اسماعيل ، فقال : يا هاجر من أين أقبلت ؟ والى أين تريدين ؟ فلما شرحت له الحال قال : " ارجعي فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة ، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا اسمه اسماعيل لأن الله قد سمع تذللك وخضوعك وولدك يكون وحش الناس وتكون يده على الكل ويد الكل مبسوطة إليه بالخضوع " .

 وهذه بشارة تضمنت أن يد ابنها على يد كل الخلائق ، وأن كلمته العليا وأن أيدي الخلق تحت يده ، فمن هذا الذي ينطبق عليه هذا الوصف سوى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ؟ ! .

 وكذلك في السفر الأول من التوراة : " أن الله قال لإبراهيم إني جاعل ابنك إسماعيل لأمة عظيمة إذ هو من زرعك " وهذه بشارة بمن جعل من ولده لأمة عظيمة ، وليس هو سوى محمد بن عبد الله الذي هو من صميم ولده ، فإنه جعل لأمة عظيمة .

 ومن تدبر هذه البشارة جزم بأن المراد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن اسماعيل لم تكن يده فوق يد اسحاق قط ، وكانت يد اسحاق مبسوطة اليه بالخضوع ، وكيف يكون ذلك وقد كانت النبوة والملك في اسرائيل وعيسى ، وهما ابنا اسحاق .

 فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقلت النبوة إلى ولد اسماعيل ودانت له الأمم وخضعت له الملوك وجعل خلافة الملك إلى أهل بيته إلى آخر الدهر وصارت أيديهم فوق أيدي الجميع مبسوطة إليهم بالخضوع .

 وكذلك في التوراة في ( السفر الأول ) : " إن الله تعالى قال لإبراهيم إن في هذا العام يولد لك ولد اسمه اسحاق ، فقال إبراهيم ليت إسماعيل هذا يحيى بين يديك يمجدك ، فقال الله تعالى قد استجبت لك في إسماعيل وإني أباركه وأنمه وأعظمه جدا بما قد استجبت فيه ، وإني أصيره إلى أمة كثيرة وأعطيه شعبا جليلا " .

 والمراد بهذا كله الخارج من نسله ، فإنه هو الذي عظمه الله جدا جدا وصيره إلى أمة كثيرة وأعطاه شعبا جليلا ، ولم يأت من صلب إسماعيل من بورك وعظم وانطبقت عليه هذه العلامات غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمته ملأوا الآفاق وأربوا في الكثرة على نسل إسحاق .

  ( الوجه الرابع ) : قال في التوراة في ( السفر الخامس ) : " قال موسى لبني إسرائيل لا تطيعوا العرافين ولا المنجمين ، فسيقيم لكم الرب نبيا من إخوتكم مثلي ، فأطيعوا ذلك النبي " ولا يجوز أن يكون هذا النبي الموعود به من أنفس بني إسرائيل لما تقدم أن أخوة القوم ليسوا أنفسهم ، كما يقول بكر وتغلب ابنا وائل ، ثم يقول تغلب أخوة بكر وبنو بكر أخوة بني تغلب ، فلو قلت : أخوة بني بكر بنو بكر كان محالا ، ولو قلت لرجل أتيني برجل من أخوة بني بكر بن وائل لكان الواجب أن يأتيك برجل من بني تغلب بن وائل لا بواحد من بني بكر . انتهى من كتاب هداية الحيارى للإمام العلامة ابن القيم

 

(أقرأ المزيد ... | التقييم: 3)
نبوءة دانيال (1)
حقائق حول الأناجيل

نبوءة دانيال (1)

دانيال عليه السلام نبي من أنبياء بني إسرائيل ، لـه سفر باسمه في كتاب أهل الكتاب يتميز عن أكثر الأسفار بأمور ، وإن كان يشاركها في المشكلة العامة وهي وقوع التحريف أو التعديل ، ومن ميزاته :- 1- وضوح عقيدة التوحيد فهو يسمي الله تعالى بإله السموات خلافاً لتك الأسفار التي تسميه رب القوات (وهي تسمية يهودية تكشف عن النظرة اليهودية لله وللناس). وهو يصف الله بما لا نظير لـه في غيره ، فهو الحي القيوم الذي لـه الحكمة والجبروت والعلم والتدبير والقدرة ، وأنه رب الملوك وكاشف الأسرار والمستحق وحده للسجود والعبادة ، وأن السحر والكهانة والتنجيم باطل...الخ. 2- تطابق ما فيه من النبوءات مع الواقع المعلوم بالتواتر من أحداث التاريخ بحيث لا يشك فيها إلا مغرض. 3- اشتماله على بشارات صريحة بختم النبوة وظهور الرسالة الأبدية. 4- اشتمال نبوءته على أرقام محددة ظلت مدار بحث وجدل طوال التاريخ. أما دانيال نفسه فهو أشبه الأنبياء بيوسف عليه السلام ، إذ هو غريب مضطهد لكن الله يرفعه بالعلم وتعبير الرؤيا لدى الملك ، وهو داعية توحيد لا تثنيه الفتن عن ذلك. ولـه في الإسلام حادثة مشهورة رواها ابن إسحاق وابن أبي شيبة والبيهقي وابن أبي الدنيا وغيرهم ، عن التابعين الذين شهدوا فتح "تستر" ومنهم أبو العالية ومطرف بن مالك، وفيها مما يهم موضوعنا هنا أن الجيش الإسلامي الفاتح وجدوا " دانيال وهو ميت على سرير لم يتغير منه شيء إلا شعيرات من قفاه ، وعند رأسه مصحف فأخذوا المصحف فحملوه إلى عمر t فدعا لـه كعب الأحبار فنسخه بالعربية ((قال أبو العالية فأنا أول رجل قرأه -قال الراوي عنه- : فقلت لأبي العالية : ما كان فيه ؟ قال : سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائنٌ بعدُ ))( )!!. فالنص إذن مترجم إلى العربية ، وعلى يد الماهر الخبير كعب الأحبار ، وقرأه من قرأه فلا يستبعد أن يكون علماء الإسلام المؤلفون في البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم من الكتب السابقة " كابن قتيبة وابن ظفر " قد اطلعوا عليه ، وإن لم يكن الأمر كذلك وكان مصدرهم نسخ التوراة في عصرهم فهو أبلغ وأقوى . فهم غير متهمين في نقلهم وأهل الكتاب المعاصرون لهم لم يكذِّبوهم فيه !! بل قال ابن قتيبة كما نقل عنه شيخ الإسلام في الجواب الصحيح : ((وهذه البشارة الآن عند اليهود والنصارى يقرأونها ويقولون لم يظهر صاحبها بعد)). ومع ذلك فنحن هنا لن نعتمد على ما ننقله عن العلماء المسلمين بل على ما هو موجود بين أيدي أهل الكتاب اليوم. نبوءة دانيال العظمى : رأى الملك نبوخذ نصر (أو بختنصر) رؤيا أزعجته استدعى السحرة والعرافين لبيانها وتأويلها فعجزوا كلهم ، ولكن دانيال تضرع إلى الله تعالى فألهمه الرؤيا وتفسيرها ، ولما دخل على الملك قال له : ((السر الذي طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون أن يبينوه للملك ، لكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار وقد عرَّف [الإلـهُ] الملكَ ما يكون في الأيام الأخيرة)). وشرح ذلك قائلاً : ((أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم . هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل . رأس هذا التمثال من ذهب جيد. صدره وذراعاه من فضة . بطنه وفخذاه من نحاس . ساقاه من حديد . قدماه بعضها من حديد والبعض من خزف . كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما . فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان . أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها . هذا هو الحلم . فنخبر بتعبيره قدام الملك :- أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها. فأنت هذا الرأس من ذهب . وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض . وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدك ويسحق كل شيء وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء . وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف الفخار والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين . وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً . وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف . وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إلـه السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد . لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرّف الملكَ ما سيأتي بعد هذا . الحلم حق وتعبيره يقين. حينئذ خر نبوخذ نصر على وجهه وسجد لدانيال وأمر بأن يقدموا لـه تقدمة وروائح سرور. فأجاب الملك دانيال وقال . حقاً إن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذ استطعت على كشف هذا السر)). (2 : 21 - 48) هذا نص الرؤيا التي توصف دائماً بأنها أشهر وأصدق الرؤى الكتابية التاريخية ، وتأويلها لا يحتاج إلى ذكاء ولا يصح فيه الخلاف لأن النبي نفسه قد أوّلها ، ولكن أهل الكتاب تعمدوا التلبيس وافتعلوا الاختلاف حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق، فقد أقروا بهذه الرؤيا وتأويلها قروناً ، دون أن يدخلهم ريب في أنها على ظاهرها، وأن المملكة الأولى (الرأس الذهبي) هي مملكة بابل ، وأن المملكة الثانية (الصدر الفضي) هي مملكة فارس ، التي قامت بعد بابل وسيطرت على العراق وبلاد الشام ومصر ، وأن المملكة الثالثة (الفخذ من النحاس) هي مملكة اليونان الذين اجتاحوا مملكة الفرس بقيادة الإسكندر المقدوني سنة 333 ق.م ، وأن المملكة الرابعة (الرجلين من حديد ثم حديد وخزف) هي الإمبراطورية الرومانية التي انقسمت إلى شرقية عاصمتها "بيزنطة = القسطنطينية" وغربية عاصمتها "روما". لم يكن أحد من أهل الكتاب يشك في هذا إطلاقاً ، بل كانوا جميعاً -لشدة إيمانهم به-ينتظرون المملكة الخامسة (مملكة الله) التي تدمر ممالك الشرك والكفر والظلم ، لاسيما المملكة الرابعة التي اضطهدتهم فهي التي أذاقت اليهود الخسف والهوان ودمرت القدس سنة 70 م ، ونصبت الأصنام في المسجد كما اشتهر عدد من أباطرتها بتعذيب النصارى بألوان من البشاعة والفظاعة قل نظيرها في التاريخ ، وليس "نيرون" الطاغية المشهور إلا واحداً منهم ، وظلوا مضطهدين لهم ثلاثة قرون حتى دخل قسطنطين في النصرانية المحرفة ، واستمر الاضطهاد لليهود والموحدين من النصارى وسائر الفرق المخالفة.

(أقرأ المزيد ... | 29371 حرفا زيادة | التقييم: 4.6)
نبوءة دانيال (2)
حقائق حول الأناجيل

نبوءة دانيال (2)

في ذلك الجو القاتم من الاضطهاد كان أهل الكتاب ينتظرون المملكة الخامسة بفارغ الصبر، وكانوا يعلمون يقيناً أنها ستقوم على يد نبي آخر الزمان ، المسمى عندهم "أركون السلام" ، الذي على كتفه خاتم النبوة ، والذي بشر به الأنبياء كلهم ، حتى أن المهتدين من علمائهم جمعوا من سفر أشعياء وحده ثلاثين بشرى به( ) وكانوا يعرفون زمن بعثته بكثير من الدلائل النصية . والعلامات الكونية ، ويترقبون تلك الدلائل العلامات حتى جاء اليوم الذي قال فيه الإمبراطور المتعبد العالم بدينهم "هرقل" : ((قد ظهر ملك أمة الختان)) وأيقن بذلك وشهد وهو زعيم الكفر الكتابي لزعيم الكفر الأمي -أبي سفيان- ((بأن ملكه سيبلغ موضع قدميَّ)) كما ثبت في الحديث الصحيح المشهور. وفعلاً قامت المملكة الربانية الخامسة وملكت موضع قدمي هرقل وغادر الشام وهو يقول : ((سلام عليكِ يا سورية ، سلام لا لقاء بعده)) !! قامت فسحقت ممالك الوثنية وسيطرت على معظم المعمورة بالعدل والسلام وكانت مساحتها تزيد على مساحة القمر ودخل تحت لوائها من كل شعوب الأرض طوائف عظيمة وهنا فقط تفرق أهل الكتاب واختلفوا !! ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينةْ( ) وءاتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ( !! فمنهم -وهم كثير جداً- من آمن واهتدى ، ومنهم من كفر وذهبوا في كفرهم شيعاً لا حصر لها ولا يزالون يتكاثرون وينقسمون كما تتكاثر الجراثيم !! ويهمنا هنا الإشارة إلى اختلافهم بشأن رؤيا دانيال الواضحة :- لقد انقلبوا على أعقابهم !فبعد أن كانوا لا يختلفون أبداً في تأويل المملكة الرابعة (مملكة الروم) نراهم يتعسفون تأويلها ، ويتعمدون تأجيلها أو تحويلها ، أو على الأقل التعتيم عليها ،كل ذلك تخلصاً وهروباً من الإقرار بالمملكة الأخيرة ، على ما سبق إيضاحه في الفصل السابق. وبلغ الأمر ذروته وعنفوانه في الحركة الأصولية " الصهيونية النصرانية ". وقبل أن نعرض تأويلهم ومدى صحته نذكِّر بأن الرؤيا رسمت صورة بليغة لممالك الكفر التي تعبد الأصنام المنحوتة من دون الله تعالى ، إن هذه الممالك هي بذاتها صنم لـه رأس وصدر وفخذ ورجلان وأصابع ، صنم يجسد الوثنيات كلها لكي تتضح في المقابل صورة الجبل الذي ينتصب مكان الصنم. رمز في منتهى البساطة وصورة في غاية الوضوح ، وما فعله هؤلاء هو تشويه هائل لا يتسق مع الصورة بحال . فهم -لكي يجعلوا الجبل هو الألفية عند نـزول المسيح الثاني كما يعتقد النصارى أو مملكة داود العظمى التي يرأسها المسيح اليهودي كما يعتقد اليهود- قالوا : إن هناك فجوة في نبوءة دانيال ، وجعلوها بين الساقين والقدمين !!! ومن المعلوم أن طول المسافة الزمنية بين رأس التمثال وساقيه أي بين مملكتي بابل والروم [من وفاة بختنصر إلى استيلاء تيطس على القدس] هو ستة قرون تقريباً لا أكثر. وهذه الفجوة التي يفتعلونها بين الساق والقدم طولها ألفا سنة !! والمصيبة أنها ستظل تطول حتى قيام الساعة فلنتخيل هذا التمثال الغريب الذي تطول الفجوة بين أعلاه وأسفله كل يوم !! إنها صورة لا يصدقها العقل فضلاً عن أن يقبلها فنان أو يستحسنها ناظر. وقد عرفنا لماذا افتعلوا هذه الفجوة فالسؤال إذن بماذا سدوا الفجوة ؟ لقد انتـزعوا " قطع غيار " شاذة من تمثال آخر وأرادوا إلحامها بالتمثال !! إن هذا التـزوير لم ينجح ولكنه بلا ريب ألقى ظلالاً من الضباب حول الرمز لابد من تجليته. وجد هؤلاء أن لدانيال رؤيا أخرى - أو بالأصح في سفره رؤيا أخرى في الفصل السابع هي رؤيا الحيوانات الأربعة ، فسرقوا الحيوان الرابع وركبوه في التمثال ، مما يذكرنا بأكذوبة "بلتداون " التي ارتكبها بعض الداروينيين حين أراد سد الحلقة المفقودة في سلسلة التطور فركّب جمجمة من أعضاء إنسان وأعضاء قرد !! والفرق أن الغش في الدين أعظم منه في أي شيء آخر !! تقول الرؤيا الأخيرة : إن دانيال رأى أنه صعد من البحر المحيط أربعة حيوانات عظيمة مختلفة : الأول كالأسد ولـه جناحا نسر... والثاني كالدب وفي فمه ثلاثة أضلع، والثالث مثل النمر وله أربعة أجنحة وأربعة رؤوس ، والرابع حيوان هائل قوي لـه أسنان من حديد أكل وداس بقية الحيوانات برجليه ، وله عشرة قرون طلع بينها قرن صغير قلعت من قدامه ثلاثة قرون ، وظهر لهذا القرن الصغير عيون وفم إنسان فتكلم بإلحاد وكفر ، ثم تكون نهاية القرن الصغير هي الهلاك على يد قديم الأيام ذي العرش الذي تخدمه الألوف المؤلفة ؟؟ !! وبقيت الحيوانات الأخرى حية لكن نزع عنهم سلطانهم. (الإصحاح السابع) وقد فسرت الرواية نفسها الحيوان الرابع بأنه (مملكة رابعة على الأرض مخالفة لسائر الممالك تأكل الأرض كلها وتدوسها ، والقرون العشرة من المملكة هي عشرة ملوك يقومون ويقوم بعدهم آخر وهو مخالف الأولين ويذل ثلاثة ملوك ويتكلم بكلامٍ ضد العليّ)). وأخيراً يبيد ملكه على يد "قديسي العليّ" الذين تؤكد هذه الرؤيا مراراً أن العاقبة لهم وأنهم يمتلكون المملكة التي لا تزول !! ربما لأن للحيوان الرابع أسناناً من حديد والمملكة الرابعة تكون من حديد قالوا إن المملكة الرابعة هي الحيوان الرابع لاسيما -وكل منهما هو "الرابع" لما سبقه- وقالوا إن هذه المملكة رمز لأوربا التي سيكون فيها عشر دول قومية يخضع لها العالم قبل نزول المسيح!!. وعليه تكون المملكة الخامسة هي الألفية السعيدة عند نـزول المسيح. ومن السهل إبطال هذا الرأي من وجوه كثيرة :- 1- أن يقال ما تعبير الحيوانات الثلاثة الأخرى إذن ؟ مع أنهم مهما فسروها فلا يصح أي تعبير يناقض ما فسره دانيال نفسه ، فكيف تظل الثلاثة الممالك في التمثال هي الممالك القديمة والرابعة هي أوربا الحديثة ، إنها مفارقة واضحة ، المنطق السليم يفرض إما أن نحمل الرؤيا على الرؤيا كلياً وإما نجعلهما منفصلتين كلياً وهو الصحيح !!. 2- الحيوانات طلعت متجاورة وغلبها الرابع دفعة واحدة. أما الممالك في الرؤيا الأولى فمتتابعة متوالية كل منها غلب ما قبله. 3- الحيوانات الأربعة طلعت من البحر المحيط والممالك الأربع قامت في الشرق والخامسة (الإسلامية) قامت في المنطقة نفسها ثم امتدت شرقاً وغرباً حتى وصلت في أيام المغول والترك إلى شمال أوربا وسيطرت على شرقها كله. 4- الحيوانات الثلاثة تسلط عليها الرابع لكنها بقيت حية أما الممالك الثلاث فقد اندثرت مطلقاً. 5- تعبيرهم الرؤيا الأخيرة باطل في نفسه فإنها ذكرت حيواناً لـه عشرة قرون وفسرتها بأنه مملكة لها عشرة ملوك فتفسيرهم بأنها عشر ممالك متجاورة باطل. وهكذا فالقول بأن هذه الممالك العشر هي التحالف الأوربي أيام نابليون كما ذكر (بيتز ص 251) أو الاتحاد الأوربي الحالي كما يـزعم المعاصرون لا يصح تعبيراً ولا واقعاً، فهو يناقض كلا الرؤيتين ويخالف الواقع ، فأمريكا وحدها اليوم أقوى من الاتحاد الأوربي كله والاتحاد الأوربي ،لم يعد عشر دول بل زاد كثيراً. ونحن لا نريد أن نخوض في تعبير الرؤيا لكن في إمكاننا أن نقول : إن الحيوانات الأربع التي طلعت من وراء المحيط هي الإمبراطورية البريطانية "الأسد" وروسيا الشيوعية "الدب". أما الثالث : شبيه النمر ذو الرؤوس الأربعة و الأجنحة الأربعة فقد يكون الدول الكاثوليكية الاستعمارية الأربع " فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال " أو تحالف دول آسيا المسماة النمور وهي ثمان !! وبالطبع سيكون الحيوان الرابع الذي أكلها وداسها هو الولايات المتحدة الأمريكية (أو حلف الناتو عموماً) ، أما القديسون الذين سيدوسون أمريكا فلا يحتاجون إلى تفسير بل إلى الانتظار. ونقول للأصوليين : إن أعجبكم هذا التعبير فخذوه واستريحوا ، وإن رددتموه وقلتم : ظنٌّ وتخمينٌ. قلنا : نعم ولكن أي الظنين أولى ؟ ولماذا ظنكم أنتم يقين وظننا نحن وهم !! أما اليقين بهذا الشأن فهو أمران :- 1- أن الروم ذات قرون كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : ((فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحها الله ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر))( ). 2- أن المعركة بيننا وبينهم سجال إلى أن يكون الفتح الأخير لروما وينـزل المسيح عليه السلام ، وهذا ما لا يعلم زمان وقوعه إلا الله ، وعليه فلا يعلم عدد قرون الروم إلا الله تعالى وربما كانت العشرة المذكورة في الرؤيا لا مفهوم لها بل مجرد رمز وهذا مذهبٌ لهم في الأعداد المذكورة في الكتاب المقدس كله( )، هذا إن لم نقل إن في الرؤيا تحريفاً وإضافة !! وعلى أي حال نحن نعلم أن هذه الرؤيا والخلاف فيها قد لا يثير ثائرة القوم إلا إذا تعرفنا على القرن الصغير الملحد من هو ؟ فقد ذهب طائفة منهم إلى أنه دولة الإسلام ؟ وأن التجديف والإلحاد هو إنكار المسلمين لألوهية المسيح !! وهذا عجيب إذ كيف تكون المملكة الخامسة العظمى الأبدية قرناً صغيراً من قرون حيوان من الحيوانات الأربعة الذي له غير هذا القرن عشرة قرون كبرى !! وكيف تكون الأمة الإسلامية التي شملت العرب والفرس والترك والبربر والزنج والهنود والتتار وغيرهم مجرد قرن من الروم ؟ وقرن صغير أيضاً !! إن النـزول بالبحث العلمي إلى هذا الحد يوجب الإعراض والضرب صفحاً عن هذا اللغو لاسيما وأنه لا علاقة للمسيح وألوهيته بالرؤيا من قريب ولا من بعيد بل السفر كله توحيد. وذهبت طائفة منهم إلى أن القرن الصغير هو الوحش المذكور في سفر الرؤيا !! وهنا ينبغي أن نعتذر للقارئ المسلم عن الاسترسال في ذكر الغرائب الحيوانية ، ولا يظن أننا سنورد فيلم الرعب الطويل المسمى سفر الرؤيا ! ونرجو منه أن يتأمل معنا هذا الوحش في لقطة لا تتعدى الثواني من هذا الفيلم ، وليعلم أن القوم في الغرب أضاعوا ويضيعون في هذا ما يعد بالملايين من ساعات العمل ، بل ربما من أيام العمل ، وأن الكتب المتعلقة بها أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا !! فماذا علينا لو تحملنا دقائق وصفحات لنردهم إلى الصواب ، ونريحهم من العناء ونحمد الله على اليقين. يقول سفر الرؤيا : ((ثم وقفت على رمل البحر ، فرأيت وحشاً طالعاً من البحر لـه سبعة رؤوس وعشرة قرون ، وعلى قرونه عشرة تيجان ، وعلى رؤوسه اسم تجديف (أي إلحاد وزندقة) والوحش الذي رأيته كان شبه نمر ، وقوائمه كقوائم دب ، وفمه كفم أسد، وأعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً ، ورأيت واحداً من رؤوسه كأنه مذبوح للموت وجرحه المميت قد شفي، وتعجبت كل الأرض وراء الوحش)). [13 : 1 - 3] لقد حاول "ت.ب.بيتز" -وهو أجود شارح لسفر الرؤيا- أن يصيب كبد الحقيقة، ويدل قومه على القرن الصغير الملحد ، الذي يخرج من بين قرون الروم ، ولكنه لم يستطع لأسباب : الأول : مشترك بين كل الباحثين وهو اختلاط الحق بالباطل في الأسفار واستحالة تمييز المحرَّف من الباقي على أصله بله المضاف والمحذوف . الثاني : مشترك بينه وبين أكثر باحثي أهل ملته كما أسلفنا ، وهو جعل النبوات كلها ‍في زمن المسيح القادم ، وتجاهله المطبق للإسلام رسالة وحضارة ومملكة !! الثالث : يخصه ،وهو أنه هلك قبل قيام رجسة الخراب "إسرائيل " فكان من الصعب عليه أن يفسر الأحداث بدقة. لكن لما يتميز به شرحه سوف نجعله نموذجاً لتصحيح المنهج. يقرر بيتز أن الوحش هو نظير القرن الصغير في نبوة دانيال (مع التنبيه إلى أن في سفر الرؤيا وحشين اثنين !!). وهو في الوقت نفسه الشكل الجديد الذي ستتخذه الأمبراطورية الرومانية ، الذي سيفاجئ العالم قبل نزول المسيح لإقامة ملكوته -الذي هو المملكة الأخيرة الأبدية في نظره. وهو لما رأى أن الفجوة كبيرة ،وقرونها الزمنية كثيرة ، لا يسدها عشرة ملوك ولو حكم كل ملك قرناً ، جاء بتأويل جديد هو أن القرن ليس ملكاً ! بل هو شكل من أشكال الحكم كالشكل الجمهوري أو الإمبراطوري مثلاً ، ولكل شكل ملوكه الكثيرون، لكنه لم يفصل لنا كل الأشكال بل جعل السادس هو الإمبراطوري ، وافترض أن الشكل السابع عتيد. أن يقوم أما الثامن والنهائي فهو حكومة الوحش الذي هو القرن الصغير. (ص186). ولأول مرة -بل من النادر- أن تجد في كلام القوم على كثرته وإسهابه مثل هذا الكلام الرصين الذي يشبه في أوله كلام فقهاء الإسلام ، يقول : نلاحظ وجه شبه بين هذا الوحش وبين قرن دانيال الصغير فقد حارب القرن الصغير القديسين فغلبهم. (دا/ 7 : 21). كما أعطي للوحش أن يصنع حرباً مع القديسين ويغلبهم. (رؤ/ 13 : 7). وكما في دانيال يتكلم القرن بكلام ضد العلي. (7 : 25). هكذا في الرؤيا يفتح الوحش فمه بالتجديف على الله. (13 : 6). وكما أن سلطة القرن الصغير تدوم إلى زمان وأزمنة ونصف زمان (دا/ 7: 25). كذلك سيبقى سلطان الوحش اثنين وأربعين شهراً. (رؤ/ 13 : 5). وهي نفس المدة المذكورة في دانيال ولو اختلف الاصطلاح. (189-190). وهنا لنا وقفة يسيرة فالقوم كالعادة لابد أن يتناقضوا ويحيروا العقل ، إذ كيف يوجد شكل سياسي يحكم فيه مجموعة من الملوك ، ويكون مجموع حكمهم هذه المدة الوجيزة ؟ ثم إنه لم يثبت على رأي واحد ، بل جعله مرة شخصاً حاكماً وأخرى هيئة أو جمعية تآمرية - كما سنرى. فلنتابع معه الأحوال والأحداث المتعلقة بالوحش لكي نعرف هذا القرن الصغير المشؤوم ؟! عن هذا يقرر بيتز أمورا ً:- 1- أن الوحش سيكون في أورشليم (193). ويقرر ((إن أورشليم هي النقطة المركزية التي تتجمع حولها الحوادث المذكورة هنا بلغة الرموز)) (194). (ونذكِّر القراء بأنه كتب هذا والقدس شبه منسية عندهم إلا من قليل من السّوّاح أو الزائرين). 2- الوحش (إسرائيلي لكنه لا يبالي بيَهْوَه إلـه الأمة ، ولا بالمسيَّا ((الموعود المنتظر)) رجاء الأمة ، ولا حتى بالآلهة الباطلة التي طالما مالت إليـها الأمة…)). 3- يتحالف الوحش مـع ((رأس الإمبراطورية الرومانية ومركز القوة والسلطة العالمية)) (200). 4- يجزم (بيتز) أن هذا الرئيس الروماني ليس أحداً من الأباطرة السابقين ، بل هو الذي سيأتي عند قيام رجسة الخراب ، التي تحدث عنها دانيال ، وذكّر بها المسيح مرة أخرى ، ويقول : (من مواضع كثيرة في كلمة الله -أي الكتاب المقدس- يتبين أن العشرة الأسباط سيجتمعون في أورشليم بعد خلاصها وعتقها -أي قبل نزول المسيح- وهناك يحتملون نار الضيقة العظيمة في أشدها ، بينما إسرائـيل الذين رفضوا المسيح سيجتمعون إليها قبل ذلك). (ص 217) أي في يوم غضب الرب على الدولة الرجسة الذي سنعقد لـه فصلاً قادماً بعنوان ((يوم غضب الرب)). مرة أخرى ينبغي أن نتذكّر أنه هلك قبل قيام دولة إسرائيل بكثير. 5- حكومة الوحش ستكون ملحدة على النظام الغربي ، لا على هدي الوحي بل هي من أكبر أسباب الإلحاد والظلام. يقول : ((في أوربا الغربية الوطن المختار للمدنية والحرية والاستنارة والتقدم كانت نتيجة تفاعل تلك المبادئ البشرية هي قيام حكومة الوحش ملتقى الطغيان والظلام والتعاسة والتجديف)) (ص 238). 6- وتحت زعامة الوحش يقرر بيتز اعتماداً على مفهومه لرؤيا دانيال : ((سوف تتكون عصبة من الحكومات المتحالفة مؤقتاً)) (251). وصفة الحلف الذي ستعقده الإمبراطورية الرومانية الجديدة هو أن : ((العشرة ملوك الذين يحكمونها يصنعون رأياً واحداً ويعطون الوحش ملكهم)) (ص253). والعجب حقاً هو أنه ((ليس الوحش هو الذي يجبرهم على إطاعة أمره بل هو عمل تطوعي يقومون به من جانبهم)) (ص253).
(أقرأ المزيد ... | 23900 حرفا زيادة | التقييم: 4.66)
الأسفار كلها تحدد "الرجسة"
حقائق حول الأناجيل

الأسفار كلها تحدد "الرجسة"

إذا كان الحديث عن صفات اليهود الإجرامية وسلوكهم المشين عداءً للسامية كما يدعي الصهيونيون فإن أعظم كتاب على وجه الأرض معاداة للسامية هو التوراة نفسها، فلو جمعنا كل ما أصدرته الكنائس النصرانية من لعنات على اليهود ، وأضفنا إليه ما صورته الروايات العالمية عنهم كما عند "شكسبير" و"ديكنـز" وغيرهما ثم جمعنا الشعراء العرب وطلبنا منهم ديواناً في هجاء إسرائيل ، لو جمعنا هذا كله في كتاب واحد فلن يكون مثل ما ورد في أسفار التوراة ولا قريباً منه ، ولكن المصيبة أن أكثر اليهود لا يقرأون ذلك فضلاً عن المهووسين بحب إسرائيل من الأصوليين النصارى بل إن كثيراً من العرب والعالم لا يعلمون عنه شيئاً. إن التوراة كلها -وليس سفر دانيال وحده- تحدد المراد برجسة الخراب على مدى فصول طويلة وتبدئ وتعيد في ذلك بأساليب متعددة في التعبير والبيان من الأمثال والاستعارات والمجازات ما بين تكرار وإسهاب واختصار. أما الصفات المذمومة فلا حصر لها ، إنها تشمل كل خلق ذميم بلا استثناء ، إلا أن وصفاً واحداً يتكرر كقافية الشعر العربي في كل سفر ،مما يدهش قارئ التوراة أياً كان ، ويزيد الدهشة أن هذا الوصف خاصة يجب أن يكون أبعد الأوصاف عن شعب يدعي أنه شعب الله المختار استناداً إلى هذا الكتاب نفسه ، هذا الوصف هو النجاسة ، وهي نجاسة مركبة معجونة بدم الطمث ومعصرة الوحشية والعنف ممزوجة بالغدر والصلف ، نجاسة ذاتية لا يطهرها شيء.. ((إنك لو اغتسلت بالنطرون وأكثرت من الأشنان لا تـزالين ملطخة بإثمك يقول السيد الرب : كيف تقولين لم أتنجس ؟)) [أرميا 2 : 22] ((خطئت أورشليم خطيئة لذلك صارت نجسة)). وفي الترجمة الأخرى : ((رجسة)). [أرمياء 1 : 8] وهي نجاسة زانية : ((دنست الأرض بزناها)) [أرمياء 3 : 2] ((بل تحت كل شجرة خضراء زنت)) وليس مع فاجر واحد بل : ((زنت مع أخلاء كثيرين)) (ن.م) لا بل : ((زنت مع الحجر ومع الخشب)). [أرمياء 3 : 9] وقضى الله أن لا تطهر من نجاستها أبداً. ((إن في نجاستك فجوراً لأني أردت أن أطهرك فلم تطهري ولن تطهري بعد اليوم من نجاستك إلى أن أريح فيك غضبي)). [حزقيال 24 : 13] ولهذا يذكر سفر أرمياء أن الرب قال له : ((إني بسبب زنى المرتدة إسرائيل قد طلقتها فأعطيتها كتاب طلاق)) ( 3 : 8 ) وسبب هذه العقوبة واضح متكرر. ((تدنست الأرض تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع ونقضوا الحكم ونكثوا العهد الأبدي فلذلك أكلت اللعنة الأرض)) ؟؟. هذه اللعنات مسطورة في سفر التثنية يقول : ((وإن لم تسمع لصوت الرب إلهك حافظاً وصاياه وفرائضه التي أنا آمرك بها اليوم ، ولم تعمل بها تأتي عليك هذه اللعنات كلها وتدركك ؛ فتكون ملعوناً في المدينة، وملعوناً في البرية، وتكون ملعونة سلتك ومعجنك ، وملعوناً ثمر بطنك وثمر أرضك ونتاج بقرك وغنمك، وتكون ملعوناً أنت في دخولك ، وملعوناً أنت في خروجك ، يرسل الرب عليك اللعنة والاضطراب والوعيد في كل ما تمتد عليه يدك وما تصنعه ، حتى تبيد وتهلك سريعاً بسبب سوء أعمالك بعدما تركتني)). وعلى مدى أربعة وعشرين فقرة تستمر هذه اللعنات في أسلوب لا نظـير لـه ثم تختتم قائلاً : ((هذه اللعنات كلها تأتي عليك وتطاردك وتدركك حتى تبيد ، لأنك لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحفظ وصاياه وفرائضه التي أمرك بها فتكون فيك آية وخارقة وفي نسلك للأبد)). [28 : 15 - 46] وكما أن تلك النجاسة مزيجها اللعنة فإن الخزي قرينها ((كما يخزى السارق حين يضبط كذلك خزي بيت إسرائيل هم وملوكهم ورؤساؤهم وكهنتهم)). [أرمياء 2 : 26] ونجاسة إسرائيل هذه تخرج من فوق كما تخرج من أسفل ولذلك قال أشعياء في سفره : ((أنا مقيم بين شعب نجس الشفاه)). [6 : 5] وحتى بعد موتهم وطردهم من الأرض المقدسة تلاحقهم النجاسة ، ففي عاموس : ((على بيت إسحاق هكذا قال الرب : إن امرأتك تـزني في المدينة وبنيك وبناتك يسقطون بالسيف ، وأرضك تقسم بالحبل ، وتموت أنت في أرض نجسة، وإسرائيل يطرد من أرضه طرداً)). [7 : 17] لقد فاقت في رجاستها وفواحشها ومظالمها أكثـر الأمم نجاسة في التاريخ: ((صار إثم بنت شعبي "أورشليم" أعظم خطيئة من سدوم التي قُلِبت في لحظة ولم تمد إليها يد)). [مراثي أرمياء 4 : 6] ((إن سدوم أختك لم تصنع هي وتوابعها مثلما صنعت أنت وتوابعك)). [المراثي 16 : 48] ومن أعظمها الوحشية والإفراط في سفك الدم ولهذا فحين يسأل حزقيال ربه ((أتهلك جميع بقية إسرئيل في صب غضبك على أورشليم ؟)). (لا حظوا قوله بقية إسرائيل). يقول الرب : ((إن إثم بيت إسرائيل ويهودا عظيم جداً جداً وقد امتلأت الأرض دماءً وامتلأت المدينة انحرافاً)). [9 : 8 ، 9] وفي مراثي أرمياء يصور حالة الوحشية والفوضى الصهيونية وكأنه يتحدث عن الانتفاضة المعاصرة : ((سفكوا في وسطها دم الأبرار ، تاهوا كعميان في الشوارع ، تلطخوا بالدم حتى لم يطق أحد أن يلمس ملابسهم ، نادوهم : تنحوا ، هناك نجس ، تنحوا تنحوا ولا تلمسوا)). [4 : 13- 15] واستمعوا إلى هذه التعبيرات : ((لكثرة إثمكِ -يعني أورشليم- كشفتْ أذيالكِ فاغتصبتِ... فأنا أيضاً رفعت أذيالكِ على وجهكِ وظهر عارك ، فسقكِ وصهيلكِ وفحش زناكِ على التلال وفي الحقول رأيت أقذاركِ ، ويل لكِ يا أورشليم إنكِ لا تطهرين فإلى متى بعد)). [أرمياء 13 : 22 ، 26 ، 27] وأصبح من المعتاد أن يخاطبوا كما في أشعياء : ((يا بني السامرة نسل الفاسق والزانية بمن تسخرون وعلى من تفتحون أفواهكم وتدلعون ألسنتكم ألستم أولاد المعصية ونسل الكذب)). [57 : 4] ويقول سفر هوشع عن الرب : ((رأيت في بيت إسرائيل ما يقشعر منه ، هناك زنى أفرائيم وتنجس إسرائيل)). [6 : 10] وحرصاً على وقتنا ووقت القارئ وخوفاً من مقص الرقيب الأخلاقي لا نفيض في ذكر هذه النجاسات والأرجاس ونكتفي بما قال حزقيال عن جرائم أفرائيم كما في هذه الألفاظ. ((وكانت إليَّ كلمة الرب قائلاً : وأنت يا ابن الإنسان ، هلا تدين ، هلا تدين ، مدينة الدماء وتعلمها بجميع قبائحها . فقل : هكذا قال السيد الرب : المدينة التي تسفك الدم في وسطها يأتي وقتها ، فإنها تصنع قذارات لتتنجس بها . لقد أثمت بدمك الذي سفكته ، ونجستِ بقذاراتك التي صنعتها فأدنيت أيامك وبلغتِ إلى سنيّك ، فلذلك قد جعلتك عاراً للأمم وسخرة لجميع الأراضي . الدانيات منك والقاصيات عنك يسخرن منك ، أيتها النجسة الاسم الكثيرة الاضطراب . ها إن رؤساء إسرائيل كانوا فيك لسفك الدم ، كل واحد على ما أطاقت ذراعه. فيك أهانوا أباً وأماً ، وفي وسطك عاملوا النـزيل بالظلم ، وفيك جاروا على اليتيم والأرملة . لقد ازدريت أقداسي وانتهكت سبوتي . رجال نميمة كانوا فيك لسفك الدم ، وفيك أكلوا على الجبال ، وفي وسطك صنعوا الفجور . فيك من كشف عورة أبيه وفيك أُذِلَّت المتنجسة بطمثها . واحد صنع مع امرأة قريبه ما هو قبيحة ، وواحد نجس كنته بفجور ، وواحد أذل فيك أخته بنت أبيه فيك أخذت الرشوة لسفك الدم، وأنت أخذت الفائدة والربى ، واغتصبت قريبك بالكسب ، ونسيتني، يقول السيد الرب. فها أنذا أضرب كفي على كسبك الذي اتخذته وعلى الدم المسفوك في وسطك. فهل يثبت قلبك أو تقوى يداك ، أيام أجري أمري معك . أنا الرب تكلمت وسأفعل . أشتتك بين الأمم وأذريك في الأراضي وأزيل نجاستك منك، وأتدنس بك على عيون الأمم ، فتعلمين أني أنا الرب)). ………………… ((هكذا قال السيد الرب : بما أنكم جميعاً قد صرتم خبثاً ، لذلك هاءنذا أجمعكم في وسط أورشليم ، جمع الفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير في وسط الأتون ، لأنفخ عليها النار حتى أذيبها . هكذا أجمعكم في غضبي وسخطي وأدعكم هناك وأذيبكم . احشدكم وأنفخ عليكم في نار سخطي وأذيبكم في وسطها. كما تسبك الفضة في وسط الأتون ، كذلك تذابون في وسطها ، فتعلمون أني أنا الرب صببت غضبي عليكم)). ((إنك أرض غير مطهرة ، لم تمطر في يوم الغضب . في وسطها مؤامرة أنبيائها (الدجالين) . كأسد زائر مفترس فريسة قد التهموا النفوس وأخذوا المال والنفيس، وكثروا الأرامل في وسطها . كهنتها تعدوا على شريعتي ودنسوا أقداسي ، ولم يميزوا بين المقدس والحلال ، ولم يُعلِموا الفرق بين النجس والطاهر، وحجبوا عيونهم عن سبوتي ، فتدنست في وسطهم . ورؤساءها في وسطها كالذئاب المفترسة الفريسة ، سافكين الدم ، مهلكين النفوس ، لكي يكسبوا كسباً… جاروا جوراً على شعب الأرض ، واختلسوا خلسة وظلموا البائس والمسكين ، وجاروا على النـزيل بغير حق)). [حزقيال 24 : 30] نعم لقد جاروا على شعب الأرض جوراً عظيماً واختلسوا أمنهم وراحتهم وبلادهم ومزارعهم !. فهل نستمر مع حزقيال في استعراض أرجاس رجسة الخراب أم ننتقل إلى حديثه عن العقوبة ؟ !! الجواب : يجب أن نقف ليس لأننا خرجنا عن منهجنا في الاختصار بل حياءً من القارئ -وربما خوفاً من مقص الرقيب الأخلاقي- فإن السفر ضرب بعد هذا مثلاً للرجستين "السامرة" و"أورشليم " اليهوديتين بامرأتين زانيتين سماهما ( أهله وأهليبه ) ، وفي التسمية تورية لفظية عنهما ، وهما قصتان تليقان بما يكتبه الإعلام الأمريكي عن جيمي سواجارت وأمثاله من قادة الصهيونية النصرانية أصحاب السيرة الأخلاقية السيئة ، لكنها لا تليق ببحثنا ونستحيي من إيرادها . ولا أدري هل المتدينون النصارى يسمحون لأبنائهم وبناتهم بقراءة مثل هذه الموضوعات في ((الكتاب المقدس ؟!! )) أم يقرأونها وحدهم عند مشاهدة أفلام آخر الليل التي لا يراها من هم دون الثامنة عشرة ؟! أما عقوبة "أهله " وأختها فلا بأس من ذكرها كما أوردها السفر. ((هكذا قال السيد الرب لتُستدعَ عليهما جماعة ولتسلما إلى الذعر والنهب فترجمهما الجماعة بالحجارة وتقطعهما بسيوفهما ويقتلون بنيهما وبناتهما ويحرقون بيوتهما بالنار فأبطل الفجور من تلك الأرض)). فهنيئاً لأبطال الحجارة وهم يرجمون "أهله وأهليبه" المعاصرتين !! أما السيف والنار فعما قريب بإذن الله، فالفصل التالي سوف يعرض لنا بالتفصيل ما هو مجمل هنا.

عن كتاب الشيخ سفر يوم العجب هل بدأ بانتفاضة رجب..............................................نقلاعن موقع التوضيح لدين المسيح
(أقرأ المزيد ... | التقييم: 5)
رجسة الخراب
حقائق حول الأناجيل

رجسة الخراب

رجسة الخراب مصطلح كتابي مهم جداً وهو واضح لكن القوم كالعادة أحاطوه بهالة من الغموض في لفظه وفي تأويله. وهذا التركيب بصيغة المضاف والمضاف إليه له مترادفات أخرى مثل "وحشة الخراب" و "شناعة -أو شنيعة- الخراب" وله ترجمات بالمعنى مثل : "معصية الخراب ، والمعصية المدمرة" أو "الخطيئة المدمرة"... وجاء بمعنى أوضح وهو "المملكة الخاطئة" !! أما بيـتـز فقد حقق أنها : "المُخَرِّب الشنيع" ويمكن ترجمتها بـ "المخرِّب النجس أو الرجس" ولعل الأصح في الترجمة والأوفق لكلمات الله أن تسمى ((المفسد الرجس)) أو ((الرجس المفسد)). فلنقرأ ما قال سفر "دانيال" عنها فهو الذي جعل لها هذه الأهمية الكبرى في التاريخ: ونبدأ ببيان أنه بعد أن أوَّل المَلَك (من الملائكة) لدانيال رؤيا الحيوانات الأربعة السابق ذكرها ختم بخاتمة حاسمة فقال : ((والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي، ملكوته ملكوت أبدي ، وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون . إلى هنا نهاية الأمر )) ولكن دانيال فزع كثيراً ولا يزال في حاجة إلى معرفة أكثر وكأنما رأى أن رؤيا التمثال عامةٌ وتتعلق برائيها "المَلِك" ورؤيا الحيوانات الأربعة تُهِمّه هو. فأراد تفسيراً أوضح لما يجري في قريب الزمان وفي نهايته وهما الطرفان المهمان عادة لكل إنسان . أما المستقبل القريب فكل إنسان يتطلع إلى معرفة مصير هؤلاء البشر ، وهذه الأحداث التي يعيش بينها ولا يكاد أحد -جاهلاً أو عالماً- يخلو من هذا ، وأما المستقبل البعيد فالنهاية دائماً موضع تساؤل واهتمام : نهاية العالم كله ، ونهاية الأمة التي ينتمي إليها نهاية أهل الإيمان وأهل الكفران لاسيما لمن كان نبياً أو من أتباع الأنبياء. وهكذا كانت الرؤيا الثالثة :- ((رأيت وإذا بكبش واقف عند النهر ، وله قرنان والقرنان عاليان ، والواحد أعلى من الآخر، والأعلى طالع أخيراً ، ورأيت الكبش ينطح غرباً وشمالاً وجنوباً ، فلم يقف حيوان قدامه ولا منقذ من يده... وإذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمس الأرض ، وللتيس قرن معتبرٌ بين عينيه وجاء إلى الكبش صاحب القرنين.. فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه ، فلم تكن للكبش قوة على الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه.. فتعظم تيس المعز جداً ، ولما اعتـز انكسر القرن العظيم وطلع عوضاً عنه أربعة قرون معتبرة نحو رياح السماء الأربع ، ومن واحدٍ منها خرج قرن صغير وعظم جداً نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي ، وتعظم حتى إلى جند السماوات وطرح بعضاً من الجند والنجوم إلى الأرض ، وداسهم وحتى إلى رئيس الجند تعظم ، وبه أبطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن (بيت) مَقْدِسِه وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح)). قال دانيال : ((فسمعت قدوساً واحداً يتكلم ، فقال قدوس واحد لفلانٍ المتكلم إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين ؟ فقال لي : إلى ألفين وثلاث مئة صباح ومساء . فيتبرأ القدس)). [8 : 3-14] وفي الطبعة الكاثوليكية : ((إلى ألفين وثلاث مئة مساء وصباح ثم تُرد إلى القدس حقوقه)). وهكذا طلب دانيال من المَلَك أن يعبر الرؤيا . فخاطبه قائلاً : ((يا ابن آدم إن الرؤيا لوقت المنتهى... ها أنذا أعرفك ما يكون في آخر السخط لأن الرؤيا لميعاد الانتهاء ، أما الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس، والتيس العافي مُلْك اليونان ، والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك الأول، وإذا انكسر وقام أربعة عوضاً عنه فستقوم أربع ممالك من الأمة ليس في قوته( ) ، وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم الحيل ، وتعظم قوته ولكن ليس بقوته ، يهلك عجباً وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين وبحذاقته ينجح أيضاً المكر في يده ، ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر . فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق ، أما أنت فاكتم الرؤيا لأنها إلى أيامٍ كثيرة)). [8 : 2-26] ولكن الشوق إلى المعرفة يزداد لاسيما ودانيال يعيش زمن أحداث كبرى بين إمبراطوريتي بابل وفارس ، ويهمه جداً مصير شعبه البائس المسبي ، ويهمه شأن القدس ومن يسيطر عليها ، فأخذ يتضرع ويبكي ويصلي حتى أراه الله رؤيا أكثر دقة من جهة الزمن والعدد ، ولكن تعبيرها مشكل جداً ولا نشك أن القوم حرفوها وأحالوا وضوحها ودقتها غموضاً . إنها رؤيا "الأسابيع" المشهورة وفيها يقول الملَك له : ((سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القديسين ، فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً...)) إلى أن يقول : ((وشعب رئيس آتٍ يخرب المدينة والقدس ، وانتهاؤه بغمارة (طوفان) وإلى النهاية حرب وخِرَبٌ قضى بها ، ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطِّل الذبيحة والتقدمة ، وعلى جناح الأرجاس مُخَرِّب حتى يتم ويصب القضاء على المخرَّب)). [9 : 24-27] وفي الطبعة الكاثوليكية : ((ويأتي رئيس فيدمروا المدينة والقدس وبالطوفان تكون نهايتها ، وإلى النهاية يكون ما قضى من القتال والتخريب ، وفي أسبوع واحد يقطع عهداً مع كثيرين عهداً ثابتاً وفي نصف الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة ، وفي جناح الهيكل تكون شناعة الخراب إلى أن ينصب الإقناء المقضي على المخرب)). إن هذا الغموض يجعلنا نجزم بوقوع التحريف وإن كان بعض الباحثين بذلوا جهوداً حسنة لتفسير هذه النبوءة لتطابق مولد المسيح أو بعثة محمد. وعلى أي حال عرف دانيال التسلسل الزمني للأحداث ولكن كيف تقع ؟ لا يزال الإنسان في شوق شديد إلى المعرفة والرب كريم يعطي كل مرة. يعود دانيال إلى الصلاة والضراعة فيأتيه الملك قائلاً : ((جئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيامٍ بعد)) [10 :14] هنا نلحظ تكرار التنبيه إلى تأخر زمان وقوع التأويل بهذه العبارة وما في معناها حتى لا يخطئ دانيال. فقد كان دانيال يريد المستقبل القريب والرؤيا تحدد الأهم وهو النهايات البعيدة ، والملك يوصي دانيال ألا ينسى هذا فيظن أن هذا في القريب ، وهو مع ذلك يخبره بما سيقع مـن حروب بين ملوك فارس واليونان وملك الشمال وملك الجنوب يهمنا منه قوله : ((وتقوم منه -أي من ملك الشمال- أذرع وتنجِّس المقدس الحصين وتنـزع المحرقة الدائمة وتجعل الرجس المخرِّب)). [11 : 21] وهو يشير إلى حكومة وثنية تتسلط على بيت المقدس وتقيم فيه عبادتها ، اختلف أهل الكتاب ما هي ؟ وهذا لا يهمنا بل المهم هو أن هذا يوضح ماهية الرجس المخرب الآخر الذي سيأتي بعد ويقيمه الوحش أو القرن الصغير في الأرض نفسها وأنه دولة ، فالاسم واحد لكن المذكور هنا وثني أما الآخر فقد سبق بيان أنه إسرائيلي !! ويختم الحديث عن تلك الأحداث بقيام الساعة وبعث الأموات ويوصي دانيال قائلاً : ((أما أنت يا دانيال فأخفِ الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية)). ولكن الملكين يخاطب أحدهما الآخر ليسمع دانيال ويفهم قائلاً : (( إذا تم تفريق الشعب المقدس تتم هذه )). وعندها يقول دانيال : ((وأنا سمعت وما فهمت فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه ؟ فقال : اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية … من وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرِّب (وفي ترجمة أخرى : شناعة الخراب) ألف ومائتان وتسعون يوماً ، طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً ، أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح …)). وانتهى السفر واستراح دانيال ولاسيما وقد اطمأن إلى أن القدس ستعود لـه حقوقه بعد 45 سنة !! ولكن أهل الكتاب لم يستريحوا ولن يستريحوا بشأن هذه الأحداث إلا من ترك التعصب وفتح عينيه على الحقائق - لقد تعبوا وأتعبوا العالم وأتعبونا.. إن ما تقدم هو عرض موجز لأهم النبوءات في الكتاب المقدس كله "نبوءات دانيال" ومنه نلحظ أموراً كثيرة ، منها :- 1- زيادة توكيد لما سبق من الحديث عن " القرن الصغير " فهو ماكر محتال زنديق لا يقوم بقوته بل بالاعتماد على غيره ، وعدوه هم شعب القديسين أتباع خاتم الأنبياء فهو يتعالى عليهم ويسقط رئيس رؤسائهم ((الخليفة)) بلا جيش وأخبث أعماله أنه يدوس القدس ويهينها بجنده ويبطل الصلاة ويهدم بيت الله فيها ويقيم فيها دولته الموصوفة بالرجس المخرِّب. 2- هذا القرن الصغير يفعل ذلك في أيام سلطان المملكة الأخيرة مملكة القديسين لا في أيام فارس والروم .. وقيام دولة الرجس لا يدل على انقضاء تلك المملكة الأبدية، وهذا ما أكده السفر مراراً ، وإنما هو حدث عارض محدود المدة والمكان ، فهو ليس من جنس ما في رؤيا التمثال حيث تسقط مملكة وتقوم أخرى مكانها ولا من جنس ما في رؤيا الحيوانات الأربعة حيث يتغلب واحد ضخم هائل على الأخرى . لا ، لاشيء من ذلك ، فهذا قرن صغير ، ومجال سيطرته محدود ، لكن مكره كبير ودهاؤه عظيم ووراءه قوة عظمى تمده ، ويصادف ذلك حالة ضيق شديدة [أشار إليها دانيال (12: 1)] وضعف شديد لدى شعب القديسين ، لكن الضيقة تـزول والقديسون ينتصرون من جديد ويفرحون بيوم زوال رجسة الخراب وتطهير القدس منها . أن هذا القرن الصغير الخبيث المفسد يهدم ويقيم ، يهدم بيت قدس الله ويقيم الرجسة مكانه ومن هـنا قال بعض شراح أهل الكتاب : إن الرجسة هي "صنم يقوم في الهيكل" وبالأصح "هيكل يقام في المسجد" وليس هذا الخلاف في معنى الرجسة مؤثراً ، لأنه لا يقام بناءٌ أجنبيٌّ عدوٌ في معبد أمة ما إلا بجند وسلطة، فالرجس مدلوله عام وخاص ، العام قيام الدولة الرجسة نفسها والخاص بناؤها للصنم أو الرجس الذي تتعبد لـه أو فيه !! كما أن إزالة الصنم من بيت الله لا تكون إلا بجند وسلطة . هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة وهكذا سيفعل أتباعه إذا دخلوا المسجد ووجدوا فيه بناءً رجساً لدولة الرجس !! (وربما لا يكون الرجس الذي فيه إلا علم الدولة الصهيونية) ولهذا كان أكثر الشراح لا يرتابون في أن قيام الرجسة هو قيام دولة رجسة مخربة على أرض القدس ولكن ما هي هذه الدولة ؟! الأمم الثلاث التي تعظم القدس كل منها قد أقام دولته عليها أو فتحها وغلب عليها ولا شك أن واحدة منها هي الرجسة دون الأخريين. ومن هنا نستطيع معرفة تلك الدولة ليس من كلام دانيال فحسب بل من شهادة التاريخ والواقع. والأمر المهم هنا هو أن هذه الدولة ستكون بعد المسيح لأنه كما في إنجيل متَّى وغيره أخبر عما قاله دانيال وأوضح أن ذلك سيكون في آخر الزمان على ما سيأتي تفصيله ، وبهذا يظهر خطأ من قال إن قيام الرجسة كان قبل المسيح وأن المقصود هو هيكل الصنم " زيوس " وكذلك من قال إنها في الأحداث التي تلت وفاته بعدة عقود (سنة 70 أو 135) لأسباب كثيرة : 1- أن تلك الأحداث عادية في قائمة أحداث التاريخ وقد عرف التاريخ اليهودي مثلها كرات ومرات كما في عهود القضاة !! 2- أن اليهود حينئذ كانوا كفاراً لكفرهم برسالة المسيح عليه السلام والمعنيُّ بتلك الأحداث هم المؤمنون برسالته. 3- أن تلك الأحداث تخالف الزمان والشروط الأخرى التي حددها دانيال والمسيح ، بل تخالف ما جاء في معظم أسفار الأنبياء عن عودة اليهود ومحاكمتهم وتجمعهم النجس وحلول غضب الله عليهم بواسطة الأمة المختارة ، وغير ذلك مما سوف يأتي الحديث عنه مفصلاً بحيث لا يبقى لدى القارئ شك. إن الشراح اليهود بسبب كفرهم بالمسيح عليه السلام ورسالته لا يعتدون بكلامه أصلاً، ومن هنا فسروا قيام الرجسة بأنها وثن يقام مكان الهيكل ، ثم احتاروا واختلفوا متى قام أو يقوم ، فبعضهم جعل ذلك قبل المسيح ، وبعضهم بعده ، واضطربوا اضطراباً شديداً في الزمن الذي حدده دانيال بدقة ولاسيما من فهم منهم الأيام على ظاهرها المعروف . أما من فسرها بالسنين فقد لزمه يقيناً أن يعترف بأن ذلك لم يقع ولن يقع إلا بعد مرور ألفين وثلاث مئة سنة ، وخاصة أنه لم يقع في التاريخ أن دولة جاءت بعد 2300 يومٍ وأقامت دولة لمدة 45 يوماً ورحلت !! إن هذا من التفاهة بحيث لا يستحق أن يدونه التاريخ إلا عبوراً !! وذلك أن الأسفار نفسها تحدد اليوم بالسنة كما في حزقيال ((قد جعلت لك كل يوم بسنة. 4 : 6)) كما أن لفظ الرؤيا ((طوبى لمن ينتظر...)) لا يدل على 45 يوماً فالانتظار إنما يكون لخمسة وأربعين سنة. على أن لدينا شهادة مهمة من اليهود أنفسهم ، فإن طائفة عظيمة منهم كانت ولا تـزال -تقول إن الكيان الصهيوني القائم حالياً هو الرجسة- وهم الذين حذروا أتباعهم من الفكر الصهيوني قديماً وحديثاً ، ولديهم إيمان عميق بأن تجمع اليهود هو لحلول غضب الله عليهم وانتقامه منهم ، وهم طائفة كبيرة في أمريكا وغيرها ، ومنهم من يؤمن بهذه الحقيقة ولكنه يفسرها تفسيراً علمانياً وأشهرهم المفكر اللغوي العالمي "نعوم شومسكي" ، ومنهم مجموعات في الأرض المحلة نفسها ومنهم الحاخام "هيرش" وزير الشؤون اليهودية في السلطة العرفاتية ومجموعته تسمى "ناتوريم كارتا" نواطير القرية (حراس القرية). فلندع اليهود إذن ولننظر ماذا قال النصارى ؟ إن الخطأ المشترك بين الطائفتين هو أن المقصود بالرجسة شعب غير اليهود ، وغير اليهود هم عند الطائفتين وثنيون ، ومن هنا كان من السهل وصف أي دولة وثنية بالرجس حتى أن "بيتـز" نفسه مع إقراره بأن اليهود سيكونون وثنيين في عبادتهم فسر الرجسة بأنها "مملكة آشور" التي تغزو الأرض المقدسة في آخر الزمان (ص 209). وربما كان لـه العذر لكونه كتب ذلك قبل قيام دولة إسرائيل وما كان أحد يتخيل قيام دولة لليهود ، ولهذا هو لم يسمهم -عند عودتهم إلى أورشليم- دولة بل كتلة أو مجموعة كما رأينا. ثم إنه وأمثاله كانوا يتصورون أن اليهود سيكونون مضطهدين تحت تأثير الحكم الأممي (العربي) ولهذا فسوف يـبادرون إلى الإيمان بالمسيح حال حلول الألفية أو حال نزوله وسيكون ذلك معجزة كما عبر "ماكينتوش" بقوله : ((إن دهشة كل العالم في ذلك اليوم ستكون كيف أن هذه الأمة النجسة قد أصبحت مقدسة للرب))( ). ويعلل ذلك بأن ((الثلث فقط هم الذين سينقذون من النار الآكلة والضيقة)) وهذا إشارة منه إلى ما ورد في الأسفار عن نهاية دولة الرجس كما في فصلٍ آتٍ. إذن فهؤلاء لديهم نصف الحقيقة وهو كفر اليهود ونجاستهم ، أما أن تكون لهم دولة فهو النصف المفقود ، وهم بلا ريب أفضل حالاً من سائر الشُّرَّاح والمؤرخين الذين اعتمد الأصوليون المعاصرون على تفسيرهم الإجرامي لرجسة الخراب ، ومنهم "ستيفن رنسمان" مؤلف كتاب تاريخ الحروب الصليبية المشهور الذي قال : ((في أحد أيام شهر فبراير سنة 638 دخل إلى بيت المقدس الخليفة عمر بن الخطاب... وسار إلى جانب الخليفة البطريرك صفر ونيوس باعتباره رأس رجال الإدارة في المدينة التي أذعنت، على أن عمر بادر بالتوجه رأساً إلى موقع هيكل سليمان (؟!!) الذي صعد منه صاحبه سيدنا محمد إلى السماء ، وبينما كان البطريرك ينظر إليه أثناء وقوفه استذكر أقوال المسيح ، وأخذ ينبس بها من خلال دموعه : ((فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي ...... كان هذا آخر ما قام به البطريرك من الأعمال العامة وكان الذروة الفاجعة لحياة طويلة أنفقها في سبيل الأرثوذكسية ووحدة العالم المسيحي))( ). وعلى هذا الرأي أيضاً المؤرخ النصراني العربي "فيليب حتى"( ). وقد تصدى المهتدون من أهل الكتاب للرد على هذا ، بل إن بعضهم ذكر نبوءة دخول عمر رضي الله عنه إلى القدس من التوراة دون أن يعلم من قال هذا القول الفاحش ، وذلك بما جاء في سفر زكريا : ((ابتهجي جداً يا بنت صهيون واهتفي يا بنت أورشليم هو ذا ملكك آتيا إليك بارّاً مخلصاً متواضعـاً ... ويكلم الأمم بالسـلام ويكون سلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض )) [9 : 9-10] وهي النبوءة التي يفسرها النصارى -رغماً عنها- بأنها تعني دخول المسيح إلى القدس زائراً وحيداً !(3) ولو لم يكن للفتح الإسلامي أي نبوءة ولو لم يكن الفاتح هو عمر بنفسه فإن وصف الرجس أبعد ما يكون عن أمة التوحيد وفتوحاتها العظمى التي أخرجت الناس من الظلمات والرجس إلى النور والطهارة ، وهذا ولله الحمد ما شهد به التاريخ كله ، ولا ينكره إلا مكابر أسقمه التعصب وأعمى عينه الحقد. ثم إنه لا ينطبق عليها بحال أنها بعد 2300 سنة سواء كان الابتداء من وفاة دانيال أو من التاريخ الإسكندري لأن دانيال توفي سنة (453) ق.م ، وما بين هذه السنة والفتـح الإسلامي هو ( 453 + 638 = ) 1091 سنة !! وإن كان بالتقويم الإسكندري فهو ( 333 + 638 = ) 971 فقط !! وهنا لا بد أن نعرج على أرقام دانيال ، وإن كنا نحب تأخير الحديث عنها لأن الوقائع والحقائق الثابتة تجعلنا في غنى عنها ، ولكن ما من الأمر بد لاستكمال الصورة : يقول دانيال إن قيام رجسة الخراب إلى 2300 سنة أي سيكون بعد 2300 سنة -كما أوضحنا - فهذا الأسلوب (( إلى متى .. إلى كذا )) متكرر في الرؤيا نفسها وغيرها من الأسفار ، وهو من الخطأ في الترجمة أو من الترجمة الحرفية غالباً ، لاسيما وقد رأينا التوكيد على أنها في آخر الزمان وعند حلول السخط وبعيدة الوقوع. ولا يخالفنا في هذا أحد من الباحثين الذين يفسرون اليوم بالسنة وقد تبين لنا سقوط التفسير الحرفي بأنه اليوم المعروف. ولكن الاختلاف والإشكال هو من أين يبدأ ؟ يمكن معرفة الأقوال من شرح " جانسي " الذي جمعه حسب قوله من خمسة وثمانين تفسيراً كتابياً وقال فيه كما لخصه الشيخ رحمة الله الهندي : ((تعيين زمان مبدأ هذا الخبر في غاية الإشكال عند العلماء من قديم الأيام ومختار الأكثر أن زمان مبدئه واحد من الأزمنة الأربعة التي صدر فيها أربعة فرامين (مراسيم) سلاطين إيران : الأول : سنة 636 قبل ميلاد المسيح التي صدر فيها فرمان قورش. الثاني : سنة 518 قبل الميلاد التي صدر فيها فرمان دارا. الثالث : سنة 458 قبل الميلاد التي حصل فيها فرمان اردشير لعزرا... الرابع : سنة 444 قبل الميلاد التي حصل فيها لنحميا فرمان أردشير (الأخير).. والمراد بالأيام السنون ويكون منتهى هذا الخبر [أي زمن وقوعه كما سبق أن أوضحنا] باعتبار المبادئ المذكورة على هذا التفصيل : بالاعتبار الرابع بالاعتبار الثالث بالاعتبار الثاني بالاعتبار الأول سنة 1856 سنة 1843 سنة 1782 سنة 1764 يقول جانسي الذي ألف كتابه سنة 1838 م : ((ومضت المدة الأولى والثانية وبقيت الثالثة والرابعة والثالثة أقوى وعندي هي بالجزم)). ونحن نقول عندنا كما عند العالم كله اليوم إن هذا خطأ فماذا بعد ؟. ويقول جانسي : ((وعند البعض مبدؤه خروج الإسكندر الرومي (الصحيح اليوناني) على ملك إيشيا (آسيا) (يعني دارا الفارسي) وعلى هذا منتهى هذا الخبر سنة 1966))أ.هـ( ). وعلق الشيخ "رحمة الله" المتوفى سنة 1891م على هذا قائلاً : ((إن كذب المبدأ الأول والثاني كان قد ظهر في عهده ، كما اعترف هو نفسه وقد ظهر كذب الثالث الذي كان أقوى في زعمه جازماً به وكذا كذب الرابع ، ..بقي
(أقرأ المزيد ... | 29916 حرفا زيادة | التقييم: 5)

أسم القسم للمقالات

  • من قال ان الله محبة ؟
  • متى ترك إبراهيم حاران قبل أم بعد وفاة أبيه
  • القرآن والثالوث للمستشار محمد مجدى مرجان, شماس أسلم يدافع عن دين التوحيد
  • دفاعاً عن نبى الله لوط وابنتيه
  • حقيقة الروح القدس في الشرائع الألهية
  • الثالوث القدوس .. عند ثيوفيلس الأنطاكي 180 م
  • بحث عن الروح القدس التى تسمى الاقنوم الثالث
  • إله المحبة مستوجب نار جهنم؟
  • تابع:إله المحبة مستوجب نار جهنم؟
  • حقيقة الكفن المقدس بتورينو !
  • أسم القسم للمقالات

  • الرد على شبهة الكلمة التي قيلت للمتطهر من الزنا
  • التشكيك فى صحة الأحاديث والأستغناء عنها بالقرآن
  • الرد على : فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين
  • إبطال شبه الزاعمين الاكتفاء بالقرآن دون السنة
  • الرد على شبهة:إرضاع الكبير
  • الرد على : الداجن أكل القرآن
  • الرد على : الجنة تحت ظلال السيوف
  • الرد على : ثَلاَثَةِ أَحْجَار
  • الرد على شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى !!
  • الرد على شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته ..
  • أسم القسم للمقالات

  • حكم تناول خميرة البيرة
  • هذه بضاعتنا: الإسلام دين المحبة والرحمة الحقيقيين - وسائل نشر المحبة فى دين الاس
  • هل هذا الحديث الشريف يثبت لاهوت المسيح كما يدعي النصارى؟
  • القتال في الإسلام ضوابط وأحكام
  • الرد على:الملائكة تلعن المرأة
  • الرد على مثنى وثلاث ورباع وما ملكت ايمانكم
  • الرد على : المرأة ضلع أعوج
  • حقيقة الجزية
  • رد شبهة المساواة بين المرأة و الكلب
  • الرد على : الموت هو كبش أملح يذبح يوم القيامة
  •   أسم القسم للمقالات

  • خرافات النصارى حول الحروف المقطعة بالقرأن الكريم
  • حقيقة استواء الرحمن على العرش وإلى السماء
  • نزول الله إلى السماء الدنيا بلا انتقال ولا تجسيد
  • شبهات حول قضية النسخ
  • الرد على شبهة :(وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً )
  • هل "يهوه" هو اسم الله الأعظم ؟؟؟
  • الرد على الأخطاء اللغوية المزعومة حول القرآن الكريم
  • الرد على شبهة:لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى
  • رد على من انكر تحريم الخمر
  • بيان كذب المدعو بنتائوور بخصوص مخطوط سمرقند
  • 934 مواضيع (94 صفحة, 10 موضوع في الصفحة)
    [ 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 | 58 | 59 | 60 | 61 | 62 | 63 | 64 | 65 | 66 | 67 | 68 | 69 | 70 | 71 | 72 | 73 | 74 | 75 | 76 | 77 | 78 | 79 | 80 | 81 | 82 | 83 | 84 | 85 | 86 | 87 | 88 | 89 | 90 | 91 | 92 | 93 | 94 ]
     
     


    انشاء الصفحة: 1.60 ثانية