التطاول على الحبيب صلى الله عليه وسلم- رؤية أعمق وأشمل
التاريخ: الأحد 17 فبراير 2008
الموضوع: د. محمد جلال القصاص


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

 

 

التطاول على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ رؤية أعمق وأشمل

 

 

بقلم / محمد جلال القصاص

 

mgelkassas@hotmail.com

 

 

 

?جذور المشكلة :

 

 

التعدي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبع من عبّاد الصليب ، هم المستنقع الآسن الذي يغرف منه من يتطاولون ، وعندهم النفق المظلم الذي يتآمر فيه الحاقدون على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

 

ما حدث هو أن النصارى أعادوا قراءة ( التراث الإسلامي ) ـ كما يسمونه ـ من جديد ، وأعادوا صياغة المفاهيم الإسلامية ، وكانوا جادين في هذا الأمر ، فأخرجوا ( دائرة المعارف الإسلامية ) وهي عمل ضخم يعطي تصوراً مغلوطاً عن كثير من مفاهيم الإسلام بل كل مفاهيم الإسلام ، وشخصياته ، وأحداثه التاريخية ، وخاصة في القرن الأول الهجري . أو الأحداث التي ترتبط بالعقيدة الإسلامية ( الفرق والمذاهب ) . كان عملا جادا دؤوبا بدأ في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي ، ولا زال مستمراً إلى اليوم .  

 

وتم تسريب هذه المفاهيم ، أو بالأحرى  تم تسريب فكرة إعادة قراءة السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وأحكام الإسلام إلى نفر من ( المسلمين ) ذوي الخلفيات الفكرية الغربية ، وبالفعل نشط قوم ـ جاهلون أو حاقدون أو باحثون عن ذواتهم ـ  يقرءون التاريخ الإسلامي بمفاهيم ما ننكره فيها أكثر مما نعرفه ، والشر إن خُلط بالخير وتعذر فصله هو شر جديد وقد يكون أشد كونه يلتبس على عامة المسلمين ، فظهرت كتابات كثيرة تقرأ السيرة بمنظور جديد ، أخفها يفسر النور الذي أضاء الدنيا على يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه كان بعبقرية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعبقرية عمر وأبي بكر وعلي وخالد وغيرهم ـ رضي الله عن الجميع ـ ، يسند النصر للأشخاص لا للمنهج ، ولولا أن أضاء المنهج هذه الصدور ما فعلت شيئا . وهو فكر يعطي جملة مفادها ، أن النصر كان بهؤلاء العباقرة ، فابحثوا عن مثلهم . أو فامدحوهم هم .

 

وظهرت كتابات أخرى تعيد قراءة ( التراث الإسلامي ) ، كانت أكثر جرأة على دين الله ، من أمثال ( نحو أفاق إسلامية أوسع ) لأبكار السقاف ، ثم كانت موجة من المنهزمين ، الذين قرءوا الشريعة بعين الغرب . وهو أمر بيّن يعلمه الجميع .

 

ثم ظهرت موجة أشد وهي التي تضربنا الآن ، كَتَبَ النصارى بأيديهم عن الوحي ، وعن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولون علمته خديجة ، ويقولون ملكا يطلب ملك أبيه ، ويقولون حكايات يهود شربها جدّه عبد المطلب ثم سقاه إياها فنبت نبيا (1) ويقولون كان تطوراً طبعيا للبيئة وقتها .

 

وهذا قول النصارى المارونيين ، مشى بيننا على ظهر ( خليل عبد الكريم ) ـ هلك من سنوات قليلة ـ و ( سيد القمني ) ـ لا زال حيا ـ يتكلم. ثم عاد هذا الكلام ثانية على يد زكريا بطرس ، يتلوه على الناس على أنه قول المسلمين .!!

 

 

فكان آثار هذه الحملة التي اشتد سعيرها بدخول النصارى مع المنحرفين ، مستخدمين كل الوسائل المتاحة من حوار تلفزيوني ومقال كتابي ، وعرض سينمائي الخ  أن : ـ

 

 

1 ـ ثارت الجماهير ، وتبلبل فكرها ، وارتد نفر منهم . وهو أمر يسمع به الداني والقاصي .

 

2 ـ نشط ( القرآنيون ) بدعوى الدفاع عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينكرون السنة ، ويتطاولون على البخاري ومسلم . ويقدمون أنفسهم على أنهم مدافعون عن الإسلام . !!

 

3 ـ تجرأ الملحدون على جناب النبي الكريم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حتى كتبت هذه المجرمة كتابها ونشرته بيننا ، وهي آمنة مطمئنة من أن يراجعها أحد بلسانه أو بقلمه أو بيده .

 

4ـ ثارت بعض القضايا الفكرية على الساحة الدعوية ، مثل ( رضاع الكبير ) ، ( مدة الحمل ) ، ( حد الردة ) ، ( الجهاد ) ،  ( أهل الذمة ) . فهذه كلها مصدرها النصارى الذين يتطاولون على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى الدين .

 

 5ـ تم النبش على المنحرفين من تحت ركام الأيام ، وإخراجهم للناس ، فمن كان سيعرف ( خليل عبد الكريم ) أو ( أبكار السقاف ) أو غيرهم . و ( دائرة المعارف الإسلامية ) ... الخ

 

6 ـ دخل أهل الفن والرقص  ، ومن لا نعرف له سندا إلى أهل العلم ، ولم نسمع منه متنا صحيحا ـ الدعاة الجدد ـ يتكلمون ، ويجدون من يسمعهم ..  

 

 

فهم الآن يجلوسون على ضفة نهرنا الصافية ، ويعكرون صفو مائنا بأحجارٍ يلقونها من الحين للحين ، فصرنا وراء الحدث ، ندفعه أو نحكيه ونحلله ، وليت شعري متى نكون أمامه نقوده ونوجهه .

 

 

?فرصة سانحة

 

 

ـ يمسك الزمام الآن المتطرفون من النصارى والملحدين ، من أمثال زكريا بطرس ، وسيد القمني وهذه المرأة الوضيعة التي تجرأت على جناب الحبيب ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ . وقد ساقوا قومهم إلى حتفهم ، إذ أصبحت المواجهة الآن صريحة بين النصرانية وبين الإسلام ، هم يدعون الناس للكفر لأن الإسلام لا يصلح أن يكون هو الدين ، ويدعون الناس لرفض سنة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنه لم يكن على خلق عظيم ـ بزعمهم وهم كاذبون ـ ويدعون الناس إلى الكفر ـ أو الفسوق ـ كونه الصراط المستقيم ، ومواجهة من هذا الشأن يمكن حسمها في أيام ، لو أن من يدافع عن ديننا ممن يسمع له ، وممن يعرفه الناس ويثقون فيه ... أشير إلي من منَّ الله عليهم بالتحدث للناس في القنوات الفضائية ، والكاسيت من شيوخنا حفظهم الله . فشمروا واشتدوا فقد ألقت إليكم النصرانية بزمامها ، وجاءت بكل عزيز عليها ، ووالله ما هو إلا أن تدور رحاها ساعة حتى تكون العزة لله ورسوله وعباده المؤمنين . وهو عز الدنيا والآخرة .

 

 

 أيها الكرام !

 

 

التاريخ أصم أو يكاد .. يرى الفعال ، ولا يسمع الكلمات .

 

والتاريخ يختزل عُمْرَ أحدنا في مواقفه  وأفعاله ، خيراً أو شراً ، ومن لا مواقف له لا تاريخ له .

 

والرُتَبْ في الإسلام بالأفعال لا بالأقوال : ( ربح البيع أبا يحى ) ( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ) ( نصرت الله ورسوله يا عمير ) ... .

 

 

والمقصود  :

 

 

?ـ المشكلة ( التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم ) ـ عميقة ، وما يحدث ثمرة لشجرة خبيثة زرعت من قرن أو يزيد من الزمن ، ويجب قلعها من جذورها .

 

ـ القضية ليست شخصية تتعلق بشخص امرأة أو رجل ، وإنما هو توجه عام ، أو فكر عام تم بثه بين الناس ويظهر آثاره بين حين وحين علي يد هذا أو هذه .

 

?ـ القضية شرعية بالدرجة الأولى ، ويمكن معالجتها بعيدا عن الاحتكاك بالساسة ، ومن يرهبون الناس حفاظاً على أمن دولتهم ـ زعموا ـ .

 

?ـ الجماهير الآن فقدت الثقة في ساستها ، , وأفلس منظروا القومية والوطنية وغيرها ،  وزمامها خَلِيّ ، شربت كل الكؤوس حتى ملّت ، وأصبح الخطاب الديني هو المقبول عندها ، فهي الآن تحت أرجلكم قد ضفرت شعرها ، ولبست ما عندها ، ومدت يدها ، وبرقت عينها لهفا على ودّكم ، فأنتم أنتم  .!!

 

?ـ ويتبع هذا القولُ بأن ( الدعاة الجدد ) خطر ، بشكل أو بآخر ، فهم يدُ المنهزمين الآن لقطع الطريق على الجادين ، أو لإدخال الأمة في طريق ملتوي ، أو لفتح دوامات فكرية أقل نتائجها استقطاب الجهد وتفريق الصف . والحمد لله أن كان عندنا ( الجرح ) و ( التعديل ) .

 

?ولا يخفى على حضراتكم أن الانحرافات العقدية ثبتت واستقرت في الأمة بأهل ( الوسطية ) وخاصة إذا كان معهم السلطان  . كان الإرجاء وكان أهل السنة في وجوههم ، ثم جاء أهل الكلام كحل وسط بين هؤلاء وهؤلاء ـ  هكذا قالوا ـ فقبلتهم الجماهير بعد أن كلَّت وملّت ، أو قبلتهم باعتبار أن ( الوسطية ) مقبولة عند عامة المثقفين . وأدخلوا الأمة في تيه طويل حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المجددين .والدعاة المودرن الآن يشكلون الوسطية بين السلفية الثائرة على عادات المجتمع الغربية الغريبة  ، وبين العلمانيين .

 

 

?وأخرى :

 

النصارى ـ وهم سبب كل ما يحدث ـ لا يتحملون حديثاً يتكلم عن ما في كتابهم من خرافات ، وبذاءات ، وأحكام كأن مشرعها صبي أو سفيه ، وأراه دون ذلك .

 

أعرف أن حديثا عن النصرانية لا نستطيع التحدث به في قنوات فضائية ، خشية أن يقال ( نثير الفتنة ) ولكن يكفي أن يشار إلى طلبة العلم بأن تعلموا شيئا عن النصرانية .أو أن يتحدث عن النصرانية في المواسم ، أو شرائط الكاسيت من باب المقارنه ، ولن يكونوا أجرأ منا ، وقد رأينا من حالهم ونحن ننازلهم أن لا شيء يألمهم أكثر من التحدث عن الكتاب ( المقدس ) ، وماذا قال عن أنبياء الله ، وعن الله ، وعن المرأة ، وغير ذلك من أحاديث .

 

 

 

? مقترحات عملية :

 

 

1 ـ تقوم القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت بعرض برامج فلاشية أو دروس صوتية أو حوارية أو غير ذلك عن المصادر الفاسدة التي يتكلم هؤلاء منها ، كدائرة المعارف الإسلامية ، وكتب خليل عبد الكريم ، وسيد القمني . وأبكار السقاف ، والعقاد . وغيرهم .

 

2 ـ نقوم بعمل إضاءة على كتب التراث الإسلامي ، وبث ثقافة عامة في علم الحديث وعلم التاريخ ، كي يعرف الناس ما يأخذون وما يتركون . وتبرز الشخصيات الإسلامية كنموذج يحتذى به .

 

3 ـ نقوم بعرض برنامج للرد على الشبهات المثارة حول الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وتتناول شبهات النصارى صراحة ، دون تسمية أشخاص ، أو بتسميتهم إن كانت تطيق .

 

4 ـ لي كتاب بعنوان ( الكذاب اللئيم زكريا بطرس ـ دراسة بحثية تحليلية نقدية مختصرة لمصادره وأكاذيبه وبعض ما يخفيه من دينه ) ، وقد عرضته على نفر غير قليل من أهل العلم ، ووافقوا عليه وزكوه ، ومن ثم تمت طباعته ونفدت الطبعة الأولى في شهر أو أقل .

 

ولي بحث آخر أرد فيه على الكذاب اللئيم زكريا بطرس ـ مصدر كل شر الآن  ـ كدت أنتهي منه ، فمن يرى تزكيته أو طباعته ، ولا أبحث عن ربح ، فالحمد لله ميسور الحال .

 

5 ـ رسم إستراتيجية عامة للدعوة ، يكون محورها الأساسي الدفاع عن الدين ككل ، والتصدي للأفكار والأشخاص الهدامة ، يعلوها ـ الاستراتيجية ـ الانتصار للحبيب صلى الله عليه وسلم ـ .

 

 

كتبت لأقول إن للمشكلة جذوراً عميقة ، وشجرتها لا زالت تجد من يسقيها ، ولا زالت تثمر ، وأنها فرصة سانحة لتقديم مشروع دعوي تاريخي يتصدى لكل أعداء الأمة ، وهي فرصة لتجميع الأمة تحت شعار نصرة الحبيب ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ . فأن نجتمع على نصرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، خير من أن نجتمع على الجاهل فريق يعذره وفريق لا يعذره ، أو على المبدل والمنحي للشريعة نلحقة بالمرتدين أم بالفاسقين ؟

 

 

-----

 

1- مشهور هنا كتابات القس الماروني ( جوزيف قذى ) ، المشهور بـ أبي موسى الحريري

 

 

 

محمد جلال القصاص

 

مساء الثلاثاء ‏06‏/02‏/1429

 

الموافق 12 / 2 / 2008

 

 

 

 









أتى هذا المقال من شبكة بن مريم الإسلامية - عن المسيح الحق - حقيقة يسوع الانجيل - عن تحريف الكتاب المقدس - نفي التثليث - عن الله محبه
http://www.ebnmaryam.com/web

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.ebnmaryam.com/web/modules.php?name=News&file=article&sid=1112