2- هل لأنك نشأت فى بيئة مسيحية ولا تتخيل أن تكون الكثرة المسيحية على خطأ والقلة المسلمة على صواب ؟
ضيفنا الفاضل المسيحى :
البيئة هي المحيط الإجتماعي الذي يحتضن الشخص .. فينمو ويترعرع في وسطه .. ويتأثر بأخلاقياته .. ويكتسب صفاته وعاداته وتقاليده .. سواء بالقدوة أو بالخبرة والسلوك العملي الذي يعامل به .. أو بما يسمعه ويشاهده أو يستوحيه من ظروف الحياة في هذا المحيط الإجتماعى
والعلاقات الإنسانية المختلفة التي تتكون نتيجة التفاعل والتعامل الإنساني القائم بين الأفراد فى هذا الوسط تؤثر بلا شك في الشخص .. وهي غالبا ما تطبعه بطابعها وتمنحه صفاتها وتؤثر عليه في مختلف أدوار نموه النفسى من ناحية العقائد والأعراف والتقاليد وطريقة التفكير
* الشىء الهام الأول الذى يجب أن تعلمه يا ضيفنا الفاضل ..
أن ما يقصد بالبيئة الدينية المحددة هو (تعاليم هذا الدين) وليس (تصرفات أتباع هذا الدين) ... فتعاليم الدين ثابتة لا تتغير .. بخلاف تصرفات وأفعال أتباعه التى تتفاوت بوضوح تبعا لشخصية كل منهم وقوة إيمانه وتمسكه بتعاليم دينه .. فهناك الملتزم والمستهتر .. والمطيع والعاصى .. والجيد والردىء .. والصالح والفاسد
وليست تصرفات الأشخاص أبدا هى ما يحكم بها على الدين والبيئة الدينية .. بل بالعكس تعاليم الدين هى من تحكم على أفعال متبعيه من حيث الإحسان والإساءة .. بمعنى أنه لا يجوز الحكم على البيئة الإسلامية - مثلا - بأنها (مرفوضة) لمجرد أن بعض (من ينتمون إلى الإسلام) إرهابيون أو لصوص أو زناة أو سكيرون أو فاحشى اللسان أو كاذبين أو مرتشين أو قتلة .. فالعبرة هنا بموافقة شريعة الإسلام على أفعال هؤلاء من عدمه يا ضيفنا الكريم !! وبالتأكيد لا يوجد دين يرضى أو يوافق على هذه الأفعال وخصوصا الدين الإسلامى العظيم !!
* والشىء الهام الثانى الذى يجب أن تعلمه ..
أنه من النادر - بل المستحيل تقريبا - أن ترى شخصا يعترف بفساد بيئته التى تربى فيها ولم يخرج منها أو يرى أو يسمع عن غيرها
فمن المستحيل مثلا أن يصف راهب منقطع لون وشكل كنيسته من الخارج إذا لم يكن قد خرج منها مرة واحدة على الأقل أو شاهدها على التليفزيون أو رآها فى صورة أو سمع عنها من شخص ما
ومن المستحيل أن تصف منزلا بأنه (أجمل وأنظف منزل فى العالم) إذا لم تكن قد رأيت باقى المنازل والفنادق والفيلات والقصور
ومن المستحيل أن يصف من ولد ضريرا لون وجمال الأشياء وهو لم يبصرها قط ولم يألف غير الظلام فى حياته !!
فهل علمت شيئا يا ضيفنا النصرانى عن (بيئة الإسلام) حتى تحكم مسبقا بأنه (لا بيئة صالحة ومستقيمة إلا البيئة المسيحية) ؟
* والشىء الهام الثالث الذى يجب أن تعلمه ..
أن صحة الدين - أو البيئة الدينية - لا تقاس مطلقا بعدد متبعيه ..
فقد يأتى سؤال فى الإمتحان الذى تقدم له 100 طالب وتكون إجابة طالب واحد مجتهد فقط هى الإجابة الصحيحة !! إذ ليس معنى أن 99 طالب قد كتبوا وأجمعوا على (إجابة خطأ) أن ما كتبوه هو الصواب أبدا !!!
(قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)
ففى هذه الآية العظيمة يؤكد الله تبارك وتعالى ضلال أكثر الناس وانحرافهم، وفساد عقائدهم وأديانهم، وأن ما يتبعونه هو الظن والباطل، إذ لا يتبع أكثرهم الحق والصواب .. وفيها إشارة واضحة بأن لا نغتر وننبهربالكثرة، فإن الحق لا يعرف بالكثرة، ولا تدل عليه الأغلبية المطلقة، وإنما الحق هو الحق، ولو كان المتبع له نفراً واحداً .. قال تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) .. فسماه الله تعالى أمة مع أنه كان فرداً .. ولكن لأنه كان سالكاً طريق الحق وحده، برغم البيئة الكافرة عابدة الأصنام التى كان موجودا بها، فقد جعله بمثابة أمة كاملة !!!
ولو تأملنا في كتاب الله جل وعلا لوجدنا أن نصوص القرآن تدل على أن الأكثرية من الناس غالباً ما يكونون في صف الباطل وفي جانب الطاغوت :
(وإن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) .. (ومَا أَكْثَرُ النَّاسِ ولَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) .. (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)
وتكررت في القرآن الكريم كثيراً من الفواصل القرآنية التي تذم الكثرة، وتخبر عن حالها وضلالها :
(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) .. (ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ( .. (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (.. (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) .. (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)
فكثرة الأتباع من الناس حول رأي معين أو فكر معين أو عقيدة معينة، لا يدل أبداً على أنها هى الحق وأن الصواب معهم وأن النجاة فيما اتبعوه وتمسكوا به، بل فى الغالب يكون العكس هو الصحيح :
(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)
(وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)
(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ)
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)
والله تعالى فى هذه الآيات يذم الكثرة التي لا تعلم ولا تعقل ولا تؤمن ولا تفهم .. وليس الكثرة المؤمنة بالله العالمة به المتبعة لدينه ومنهجه .. فهو تعالى لا يذم الكثرة لمجرد أنها كثرة، وإنما يذم كثرتهم بسبب كفرهم وفسوقهم وإعراضهم عن منهج الحق والصد عن إتباعه :
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ)
فذمهم لشركهم وعدم إيمانهم .. لا لمجرد كثرتهم فقط
فالكثرة المذمومة التي ذمها الله هي الكثرة التي تفضل الدنيا على الدين، وتُغلب الباطل على الحق، وتختار الهزل على الجد، وتؤثر الإفساد على الإصلاح، وترجح الهوى على الهدى، وترشح الضلال والخطأ على الحق والصواب، ولذلك ذمها الله كثيراً في كتابه، ونهى عن إتباعها أو الاغترار بأتباعها
فلا تغترّ يا ضيفنا الفاضل بكثرة الهالكين فتهلك معهم !!!
* والشىء الهام الرابع الذى يجب أن تعلمه ..
أن كونك قد نشأت فى بيئة مسيحية ليس حجة ولا عذرا لك أمام الله فى عدم إسلامك .. فقد بلغتك دعوة الإسلام .. وحتى لو كنت فردا واحدا فى بيئة كلها من المسيحيين يمكنك ممارسة شعائر الإسلام بكل حرية ولو فى السر .. فإن اضطهدوك فاخرج من هذه البيئة إلى غيرها وانج بدينك .. فأرض الله واسعة وهو الكفيل بنصرتك وتثبيتك ورزقك وتوفيقك أينما كنت ما دمت صادق الإيمان :
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا * وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)
------------------------------------
نعلم يا ضيفنا الفاضل أنك ولدت ونشأت وتربيت فى (بيئة مسيحية) تشمل أسرتك وعائلتك الكبيرة وكنيستك ..
قلدتهم فى طقوسهم وعبادتهم ..
وتأثرت بتعاملاتهم وتصرفاتهم وتعلمت منهم ..
وأثروا بالتأكيد فى تشكيل وتكوين شخصيتك المستقلة وطريقة تفكيرك وطباعك .. ولكننى أسألك :
* هل شخصية الإنسان وطريقة تفكيره هى مما يستحيل تغييره ؟
* هل يرتكب الإنسان حماقة أو جرما إذا غير طباعه أو شخصيته أو طريقة تفكيره ؟
* هل كل بيئة نشأ فيها شخص ما هى بيئة سليمة وصحية ولا بيئة أفضل منها ؟
الأمثلة امامك لا تعد ولا تحصى .. فتدبر وتفكر !!!
------------------------------------
1- هل البيئة التى ينشأ فيها أبناء تجار المخدرات أو اللصوص أو الزناة أو الراقصات هى بيئة سليمة وليس على الأبناء ذنب إذا اتبعوا ما رباهم عليه أهلهم وعشيرتهم ولا جناح عليهم فى تقليد ألفاظ وسلوكيات من كان فى بيئتهم ؟
إن قلت يا ضيفنا الكريم : لكن هذه السلوكيات خاطئة ومحرمة !!
فأنا أسألك : وكيف عرفت خطأها وتحريمها ؟
بالتأكيد : لأن تربيتك وبيئتك وتعاليم دينك يرفضونها ويستنكرونها ويحرمونها
لكن على الضفة المقابلة .. ماذا عنهم هم ؟؟ هل يعتقدون أنهم على خطأ أو حرام أو أن بيئتهم فاسدة وقذرة ومجرمة ؟؟
هل اعتقادهم هذا يعنى أنهم على صواب .. وأن بيئتهم صالحة .. وليس هناك أفضل ولا أنظف منها .. بحيث يكون من خرج منها وذهب إلى غيرها فقد خاب وخسر ؟؟!!
ماذا لو كان عددهم كبيرا وكانوا أغلبية ؟ هل يؤثر ذلك على اعتقادك بأنها (بيئة فاسدة منحلة) مهما بلغوا من الكثرة ؟
لو كان كل زملائك فى العمل مرتشين وأنت الوحيد فيهم نظيف اليد يقظ الضمير .. فهل يعنى ذلك أن الجميع على صواب بينما أنت على خطأ ؟ هل يعنى هذا أن بيئة العمل صحية وسليمة وأن عليك إعادة النظر فى تربيتك وبيئتك التى ستؤدى بك إلى الفقر من وجهة نظرهم ؟
------------------------------------
2- هل البيئة التى نشأ فيها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت بيئة سليمة ؟ أم كانت بيئة كفر وضلال وشرك بالله ومعاصى وخطايا وفساد كبير ؟
لو كانت بيئة سليمة .. فما الداعى أصلا لإرسال الرسل والأنبياء ؟
هل يقول عاقل بأن الأنبياء كانوا على خطأ إذ رفضوا سلوكيات بيئتهم ؟
هل يقول عاقل بأنه ليس على الناس ذنب ولا جناح فى تقليد أفعال وسلوكيات من كان فى بيئتهم ؟ فلماذا كان عذاب الله ينزل على من عصوا الرسل ؟
هل يقول عاقل بأن من اتبعوا الرسل كانوا (مجموعة من السفهاء والمجانين) وقد (خسروا أبديتهم) باتباعهم لمن يرى فساد وضلال معظم الناس فى هذه البيئة ؟
لمن كان الإنتصار والتمكين فى النهاية ؟ للقلة المؤمنة أو للأكثرية الكافرة ؟
هل أغنت كثرة الكفار عنهم شيئا من عذاب الله لما نزل بهم ؟
------------------------------------
3- هل البيئة التى ينشأ فيها أبناء البوذيين والهندوس والمجوس واليهود والملاحدة وعبدة الشيطان هى بيئة سليمة وليس على الناس إثم فى تقليد ألفاظ وسلوكيات وعبادات واعتقادات من كان فى بيئتهم ؟
ماذا تقول أنت عن هذه البيئات ؟ ولماذا ؟
وماذا عنهم هم ؟ هل يعتقدون أنهم على خطأ أو ضلال أو شرك أو أن بيئتهم فاسدة ؟
ماذا لو كان عددهم كبيرا وكانوا أغلبية ؟ هل يؤثر ذلك على قرارك بأنها (بيئة فاسدة ضالة كافرة) ؟
------------------------------------
هذا هو المطلوب منك يا ضيفنا الفاضل ..
أن تبحث وتدرس وتقارن مختلف البيئات بدون تعصب لبيئتك الخاصة ..
ثم تستخدم عقلك وقلبك وضميرك بحيادية وشفافية ..
لتصل إلى طريق الحق والبيئة الصحية السليمة !!