إلا أنّ بعض الأسس المعينة للإسّلام تُستخدم موادًا للإيمان بالسحر، كما أن الإيمان بالأرواح وبالشياطين (الجِن) هو جزء من الدين الرسمي، والمعتقدون في هذه الأمور يستخدمون الحروف الغامضة (الفواتح) التي على رأس عدد من سور القرآن...إلخ، لكن معظم المواد التي يستخدمها السحرة مصدرها من خارج الإسّلام. ح – قيام الدين الرسمي في الواقع : 1- يمكن تفسير ذلك الحجم القليل للشريعة في الإسّلام من خلال الحقيقة الأساسية القائلة بإنه مع قيام دولة الإسّلام لم تكن منظومة القوانين الدينية قد تطورت بعد. فالشريعة التي تطورت على مدار القرون الأولى للإسّلام بالمدارس الفقهية المختلفة، كان من الضروري أن تحتل لنفسها مكانًا أوسع في الفضاء القانوني المعمول به، وحتى من خلال المنافسة مع المنظومة الإدارية نفسها، التي كان أمن الدولة وسلامها أهم بالنسبة لها من تلك النتائج التي إستنتجها رجال الدين المختلفون مع بعضهم البعض. لم تكن الشريعة " قانونًا" بالمعنى القانوني للكلمة، لكن أسلوبًا للفروض الدينية، هدفها هو إحاطة حياة الإنسان بكل مظاهرها، لذلك ظلت الشريعة في أجزاء كثيرة من العالم مجرد نموذجًا وحسب، من هنا ظل منطق القوة هو السائد في العالم الإسّلامي كله، لكن يُستثنى من ذلك تلك الفروض التي تربط بين الإنسان والمكان، فهذا الجزء من الشريعة الذي يتعلق بالوضع الشخصي للإنسان وأمور الأسرة وترتيبات الميراث، فإن وجود قوانين حولها يختلف بشكل أو بآخر من دولة لأخرى، ففي إندونسيا على سيبل المثال يقيمون قوانين العُشر، وفي عدد من الأماكن الأخرى يقيمون القانون الجنائي بشكل ملحوظ. ونجد بعض الكتابات التي تقول بأن الشريعة في الإسّلام لا تؤثر على الحياة بشكل كبير أو على كل الأمور التي هي خارج إطار العبادات، لكن هناك معنى داخلي كبير جدًا في الإسّلام يحذر من القيام بالذنب علنًا ( مثل التدخين في رمضان)، وقانون الدولة يقف إلى جانب ذلك. 2- كان تأثير أديان بلدان الشتات على تقليل سلطة الشريعة أمرًا ملحوظًا جدًا، فالتضاد بين الشريعة وبين العادة أو القانون السائد، كان أمرًا قائمًا وصعب التغلب عليه، فعادة ما سحق القانون الإسلام بشكل أكبر مما كان عليه الحال في اليهودية، نظرًا لأن الإسلام لم يكن دينًا قوميًا وحسب، بل إنتشر بين الكثير من الشعوب المختلفة، والتي ظلت مخلصة لعاداتها بشكل متفاوت. 3- أثّرت العلاقات مع الدول غير الإسّلاميّة ليس فقط فيما يتعلق بمعوقات إقامة القانون الإسلامي بشكل كامل، ولكن أيضًا على تطبيق روح الشريعة نفسها، ليس هذا وحسب، بل إنّ البلدان الإستعمارية تنكرت في الكثير من البلدان للقانون الديني المعمول به ووضعوا طرقا لمقاضاة أبناء الأراضي المحتلة وفق قوانين بلدانهم الغربية، مثلما فعل البريطانيون في الهند، والهولنديون في إندونسيا، والفرنسيون في المغرب، وتراجعوا عن ذلك فقط بعدما ثار سكان المناطق المُستعمرة بشدة، تلك الثورات التي وصلت في بعض الأحيان لحد التمرد. كما أنّ الدول الاستعمارية الغربية الكبرى أجبرت دول مستقلة مثل تركيا على أن تحيد عن طريق الإسّلام التقليدي وأن تُعدل قوانينها وفق مطالب الغرب ومفاهيمه، فقد كانت تحديثات القانون التركي التي هي الجزء الأكبر من تعديلات القرن الـ19 ( أنظر مقال "تنظيمات" من نفس الموسوعة) هي في غالبيتها نتيجة مباشرة لضغوط الدول الغربية الكبرى. ط- الفِرق: 1- أسس تكوّن الفرق: تم استخدام الطابع الديني والسياسي للإسّلام ( أنظر الجزء ب، رقم 2 من الموسوعة) في محاولات منظّمة لإقامة مملكة الله على أجزاء واسعة من الأرض، لذلك فإنّ كل خلاف سياسي ذا أهمية أخذ أيضًا صورة الخلاف الديني، كما أدى أيضًا الخلاف في الآراء الدينية إلى التحزب السياسي، إذّ أنّ الدين والسياسة في نظر المختلفين والمتحزبين مجالين غير منفصلين عن بعضهما البعض، وهذه القاعدة تم تطبيقها على الحركات الفكرية الروحانية فقط، مثل المُعتزلة ( أنظر الجزء ه، رقم 4 من نفس المقال). 2- الفرق القديمة: كانت قائمة في أيام بني أُميّه، وهي نموذج واضح لما قيل سابقًا؛ فالخوارج ( أنظر الجزء السابق) تركوا معسكر عليّ، الخليفة الرابع، خلال حربه ضد خصمه معاوية، بسبب خلافات حول طريقة قيادته كقائد عسكري، والتي لم تكن تتفق مع آرائهم الدينية، إلا أن الخوارج لم تكن لهم أهمية كبيرة في تاريخ الفرق في الإسّلام، وحاليًا ليسوا بعنصر فاعل في العالم الإسّلامي؛ فهناك فقط في جنوب الجزائر، وعمان وزنجبار بالقرب من الخليج الفارسي، فرقة للخوارج تُسمى بـ" الإباضيّة". تسببت الشيعة (أي الكتلة المنحازة لحق علي ونسله بالسلطة في الإسّلام) في الإضّرار بشكل مباشر بوحدة الإسّلام، ليس هذا وحسب، بل إن هناك الكثير من البلدان ظلت شيعية حتى يومنا هذا، كما أنّ تأثير الشيعة على تطور اللاهوت الإسّلامي كله أمر ملحوظًا جدًا، وتركت بصمة على عدد من المظاهر المهمة لروح الإسّلام، مثال ما تركته من أثر على الجغرافيا التاريخيّة، كما أنها تختلف عن الإسّلام السُّني في الشريعة العملية وطريقة تحديد هذه الشريعة. والنظرية الأهم التي يختلف بها الشيعة عن السُّنة، هي تلك النظرية المتعلقة بموضوع "الإمام" ( أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة) من نسل علي، الذي إختفى وهو حيّ، ومن المنتظر أن يعود ويظهر في وقت معين. تختلف فرق الشيعة فيما بينها حول شخصية هذا الإمام، وحتى الآن توجد ثلاث فرق مهمة تتركز في مناطق جغرافية معينة، 1- الإثنى عشرية، والذين وفقًا لهم يوجد 12 إمامًا، الأخير منهم هو الإمام الغائب، وهم علي (الخليفة الرابع) وإبناه الحسن والحسين، وأحفاد الأخير، علي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمد التقي، وعلي الهادي، وحسن العسكري ومحمّد المهدي، وهو الإمام الغائب، الذي إختفى عام 874/260 . ويتبع هذه الفرقة من الشيعة كل من إيران، وجزء كبير من سكان العراق، 2- الإسماعيلية: الذين يعترفون بإسماعيل إبن جعفر الصادق كآخر إمام، لذلك سُميت هذه الفرقة بالإسماعيلية (أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة)، وهناك بقية من أتباعهم توجد في الهند حاليًا، وكانت سلالة الفاطميين في مصر بالعصر الوسيط تتبع لهم. 3- الزيديّة: وإمامها هو زيد بن علي زين العابدين والذي قُتل سنة 739/121، وتتمسك اليمن بهذه الفرقة من الشيعة إلى يومنا هذا. 3- من بين الفرق الإسّلاميّة المختلفة، تجدر الإشارة إلى الدروز ( أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة) في لبنان، وهم يؤمنون بإلوهية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (توفى 1021؛ أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة)، وبظهوره مرة أخرى في آخر الزمان. كما يعيش في لبنان أيضا النُصيريين( أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة)، الذين يؤمنون هم كذلك بألوهية عليّ ويضعونه في مكانه أعلى من مكانة محمّد، وتوجد في عباداتهم طابع وثني واضح. 4- الوهّابيون (أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة)، مؤسسّها هو محمّد بن عبد الوهّاب (1703- 1787) ولا يعتبرون أنفسهم فرقة، وهم أحيوا مذهب أحمد بن حنبل بذلك الشكل المتشدد الذي أعطاه له إبن تيميه (أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة)، من أجل إعادة عزة الإسّلام القديم، وهم يُحرّمون عبادات القديسيين وكذلك التحديثات التي إعتمدت عن طريق الإتفاق (الإجماع)، وقد أدّى إلغاؤهم للإجماع وشروعهم نحو فهم الشريعة وفق تفسير مستقل للمصادر (إجتهاد)، إلى إخراجهم من إطار الإسّلام الرسمي. إلا أنّ أهميتهم التاريخية إزدادت حينما إنضمت لهم سلالة ابن سعود (انظر نفس العنوان بالموسوعة) التي تسيطر على الأماكن الأكثر قداسة بالإسّلام وهما مكة والمدينة، كما توجد في الهند كذلك بعض الفرق الوهّابية. 5- توجد فرقة جديدة أيضًا في الإسّلام وهي "الأحّمديّة" التي ظهرت في أواخر القرن الـ19. ورغم أنها مؤسسة على القرآن إلا أنها تعد في نظر بقية المسلمين خارج معسكر الإسّلام، ورئيس هذه الطائفة حاليًا هو ميرزا بشير الدين محمود أحمد، والذي ينسب فرقته إلى الإسّلام الحقيقي. ي- العلم والتعليم في الإسّلام: 1- الإسّلام كمنتج للعلوم: كما هو الحال في النصرانيّة، كان الدين في الإسّلام أيضًا سببًا لتتطور البحث العلمي، كما أنّ التفاسير الإسّلاميّة في حد ذاتها يجب أن تُقرأ قراءة علميّة، رغم أنّها تتكون في عمومها من أسس غير علمية. كما تم إعلاء نظرية الشريعة إلى مرتبة علمية على أيدي الإمام الشافعي، كما أنّ المناقشات حول أسس العقيدة المتأثرة بالفلسفة، أعطت لفرع التفسير صورة العلم من بين فروع المعرفة الإسّلاميّة، كما أنّ هذا الفرع من البحث الإسّلامي ولَّد بحوث مقارنة الأديان، وممثله الأشهر في الإسلام كان ابن حزم (أنظر نفس العنوان بنفس المقال) والشهرستاني. كما كان الإسّلام عنصرًا مُساهمًا في تطور الكثير من العلوم الأخرى؛ فالبحث اللغوي في القرآن بدأ بشكل عملي مع إعداد القرآن على زمن الخليفة عثمان، ووصلت إلى ذروته مع إصدار القرآن الملكي لفؤاد ملك مصر، عام 1925. يشتمل أدب القواميس والمعاجم العربية أيضًا على كتابات مخصصة بشكل خاص للغة القرآن والحديث، أما الأدب التاريخي فمرتبط ببداية تاريخ حياة محمّد، ما أدى إلى الإهتمام بتاريخ العرب قبل الإسّلام، أما الأدب الجغرافي فقد أُستخدم من أجل معرفة طرق الحج وتقدير الأراضي المستخدمة في الرحلات البرية، كما أنّ الجغرافية الحسابيّة تطورت بسبب إحتياجات دينية، بهدف تحديد وجهة كل مسجد جديد، من أجل أن يتجه المصلون إلى القبلة بدون أي إنحراف، إضافة إلى إجراء عمليات حسابيّة مُعقدة لتحديد أنصبة المواريث كما هو منصوص عليها في القرآن؛ لذلك ساهم الإسّلام في تطور علم الحساب، كما أُضيفت أهميّة كذلك لعلم الفلك من أجل تحديد التواريخ. وقد أستفادت كل هذه الأفكار الإسّلاميّة العلميّة بالعلوم اليونانسة، رغم أن المسلمين المتشددين عارضوا تعلم العلوم العلمانيّة، إلا أنهم لم يتمكنوا من عرقلة تعلم العلوم "المُحرّمة" . 2- مؤسسات التعليم والتربية: كان التعليم في الإسّلام مرتبطًا في البداية بالدين، وكان يُدار في المسجد، وفي الكثير من الحالات كانت تقام مكتبة بالقرب من كل مسجد، وهذا الوضع قائمًا حتى اليوم في كوستا، كما أنّه في وقت مبكر جدًا تم تأسيس عدد من المدارس التعليمية العليا المستقلة، مثال بيت الحكمة الذي تم تأسيسه في بغداد على يد الخليفة المأمون 813-833، كما أقام الفاطميون في القاهرة مؤسسة مشابهة. تطور في البلدان الشرقية الإسّلاميّة النمط المعروف بإسم "مدرسة"، والمؤسسّة الأكثر شهرة من هذا النمط كانت تسمى بـ" النظاميّة" في بغداد وتأسست عام 1067. كما أسّس صلاح الدين في القدس عددًا من المؤسسات من هذا النوع، كذلك كانت توجد عدة بيوت تعليمية مرتبطة بالرهبان (خانقاه، رباط). أما علوم الطب فكانت تُدرس في بعض الأحيان بالمستشفيات. أما الجامعة الأكبر في الإسّلام فهي الأزهر ( أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة) بالقاهرة، الذي تأسس عام 971. كان حجم ما يُدرّس في كل هذه المؤسسّات من علوم ومهن يختلف بإختلاف الزمان والمكان، وكان الطب يُدرّس بها كما كان يُدرّس في المساجد أيضًا. وقد تحسّنت في وقتنا الحالي مؤسسات التعليم بشكل كبير، وفق إحتياجات الثقافة الجديدة، كما تم تأسيس جامعات وفق النموذج الأوروبي في العالم الإسلامي، مثال الجامعتين باسم فؤاد في القاهرة وإسم فاروق في الإسكندريّة. كما أن الجامعات الفرنسيّة في شمال غرب أفريقيا تنافس من حيث مستواها العلمي الجامعات الأوروبيّة، فمن بين أهم أساتذتها يوجد أساتذة فرنسيين. تجدر الإشارة كذلك إلى إرتفاع مستوى التعليم في أماكن إسلامية في الهند وباكستان. مثال "بعليجرا" التي عمل بها أساتذة يهود. وقد تغذّت المعرفة البيداجوجية للإسّلام من مصادر دينيّة ويونانيّة؛ فنجدها متبلورة في الأدب الغني حول تعليم الأمراء المسلمين قبيل توليهم مناصبهم. 3- الحملة الإسلاميّة: يرجع إنتشار الإسّلام خلال القرون الأولى من ظهوره، نتيحة من حقيقة أن شعوب البلدان التي إحتلها الإسّلام، عرفوا أنه سيكون من الأفضل بالنسبة لهم الإنضمام للدين الجديد الذي يحكم، وفي الوقت الذي تزايدت فيه الأرستقراطية العربية بسبب الاستبداد خلال فترة بني عباس، إنتقلت المهام التنفيذية من أيدي العرب إلى أيدي الأمم المجاروة لهم، ورغم إنتهاء فترة الإحتلالات إلا أنّ أعمال الحملات الإسلامية مستمرة، خاصة بين أبناء أفريقيا التي ينتشر فيها الإسلام أكثر من إنتشار النصرانيّة. ي أ- أزمة الإسّلام حاليًا: 1- تراجع القوة- الخلاقة: كان الإسّلام في النصف الأول من العصر الوسيط، هو القوة الثقافية الضخمة في الشرق والغرب، وأثّر بشكل قوي كذلك على الثقافة الأوروبية (أنظر جزء ي ب من نفس المقال). لكن شعوب الغرب تحررت من تأثير الإسّلام، بعدما تكتلت سياسيًا وثقافيًا، وعن طريق صلتهم بالحركات الإنسّانيّة وبالنهضة خلقوا ثقافة تخص أصولهم، في حين لم يشارك الإسّلام في هذه الحركات الثقافية لأنه لم يكن في قوته التي إتسم بها في بدايته لكي يتمكن من الإندماج في الثقافات الروحانية. وتراجعت خلال الألفيّة الأخيرة القوة الخلاقة للإسّلام وظهر ذلك بشكل واضح في مجالات الأدب الرفيع، والفنون والفكر، كما تراجعت قوة تأثيره أيضًا على مناطق آسيا وأفريقيا. 2- حدث التواصل بين الإسّلام وأوروبا بواسطة طرق مختلفة، وكان الأتراك الذين إحتلوا دول البلقان هم الأوائل في إحداث هذا التواصل الثقافي مع جيرانهم النصارى، لكن شعوب الغرب تسللوا بشكل كبير ومتزايد إلى داخل فضاءات الإسلام نفسه، في الهند، وجزر المحيط الهادي وفارس والشرق الأوسط (وخاصة مصر) وحتى في المغرب. وأصبحت أجزاء كبيرة من العالم الإسّلامي تحت حكم الدول النصرانيّة الكبرى. وقد أدى التفوق الثقافي والتقني لشعوب الغرب، والحاجة لمواجهة هجماتهم الروحانية الخطيرة، أدى لحدوث أزمة عميقة في هذه البلدان تلك الأزمة التي مسّت الدين نفسه، وهي أزمة ماتزال مستمرة، ومن الواضح أنها تختلف في طابعها وحجمها من كل بلد لآخر، وفقًا لوضعها الثقافي ووفقا لحجم إتصالها بالغرب. 3- الحداثة ومضادها في الدين: نتيجة لتأثير الغرب، فقد ظهرت جنبًا إلى جنب توجهات للحداثة ومضادها في آن واحد. وأحيانا داخل حركة واحدة، والنماذج القديمة لذلك نجدها في فرقة " الفرايدية " التي تأسست في النصف الأول من القرن الـ19 في الهند على أيدي الحاج شريعة الله، وحركة الإصلاح في نفس هذا البلد وفي نفس الوقت على أيدي مؤسسّها أحمد خان، وفي شمال أفريقيا تأسسّت على أيدي أحمد علي السنوسي حركة السنوسيّة( أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة) التي إتسمت بتوجههّا العسكري. كان رد الفعل الأهم لمواجهة هذه الأزمة فيما يخص الساحة الدينية، ومن أجل إيجاد قاعدة، بإمكانها مواجهة الواقع الجديد، هو رد الفعل الذي خرج من مصر على أيدي جمال الدين الأفغاني ( توفى 1897) وهو الأب الروحي للحداثة الإسّلاميّة ( أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة). من أجل تعزيز مقاومة الإسّلام عن طريق القوة المُنظَّمة لحكومات البلدان الإسّلاميّة، وفي نفس الوقت سعى لتطهير الإسّلام من الخبائث التي إلتصقت به على مر الزمن وشوهت صورته. ويعد محمّد عبده ( 1849-1905) الذي كان شيخًا للأزهر، وفي أيامه الأخيره أصبح مفتيًا لمصر، من أهم تلامذة الأفغاني، وقد أسس- أي محمد عبده - مدرسة تسعى إلى تحديث الإسّلام عن طريق العودة لمصادره القديمة، وعن طريق إلغاء المذهب والتقليد (أنظر ما سبق)، وعن طريق وضع تفسر جديد لمنظومة الفروض الدينية، وهو ما سيثبت قوة قدرة إنسجام الإسلام مع العالم الحديث. وكان الناطق بإسم هذه المدرسة هو صحيفة "المنار" التي ترأس تحريرها محمّد رشيد رضا. كما أن هذه المدرسة نشرت تفسيرًا للقرآن بروح نظريات هذه المدرسة. كما قامت حركة ليبرالية كذلك في الهند، وكان من قادتها سيد أمير علي، وخدابحش ومحمد إقبال، وتم توزيع عبء الفروض الإسّلاميّة على طبقات واسعة جدا، بدون الإرتباط بنقاشات رجال الدين الطامحين لإستغلال الإسّلام. أدى انتشار تأثير الغرب إلى إلغاء الخلافة الإسّلامية على أيدي قرار صدر من الجمعية الوطنية التركية عام 1924، وأصبح الإسّلام قائمًا لأكثر من ربع قرن من دون أن يقوم بمحاولة جادة لتحديث نفسه. لكن وضع المرأة في الإسّلام تحسّن كثيرًا حاليًا وأصبحت تُشارك بشكل كبير في الحياة العامة، والإقتصاد والأدب والفن والعلوم وذلك بعد أن إحتلت ثقافة الغرب مكان الثقافة الأخلاقية. كما أن فكرة القومية التي حلت محل فكرة الوحدة الإسّلاميّة الدينيّة في عدد من البلدان، نشأ عليها عدد من السياسيين أصحاب نعرة قومية. في نفس الوقت الذي أدى فيه إنتشار الثقافة الحداثية لإحداث ثورة في مراكز الإسّلام القديمة. بالنسبة للحجّ فقد أصبح ممكنًا القيام بها حاليًا باستخدام السيارة، وفي السنة الأخيرة تم إستبدال الإضاءة التقليدية بإضاءة كهربائية في الكعبة. 5- تعد البهائيّة ( أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة)، إحدى ردود الفعل الإسّلاميّة على الهجوم الغربي. إذ أنه مع تأسيسها كانت هذه الحركة صوفية، لكنها أصبحت الآن تأخذ صورة الدين المستقل، ونظرًا لأنَّ الحركة سعت لتوحيد الإنسانيّة على التوجهات الأخلاقيّة المشتركة للإسلام ولكل الديانات والثقافات، ونظرا للصدى الكبير الذي وجدته الحركة في الغرب، وخاصة في أمريكا، فإنهم يُصنفون هذه الحركة ضمن مكان خاص في تاريخ تطور الإسّلام. ي ب- مساهمة الإسّلام في الثقافة العالميّة بكل جوانبها: ا- في مجال الدين، نشر الإسّلام التوحيد النقي، وأدى بمئات من الملايين من البشر لاعتناق أديان أكثر نقاءً. 2- في مجال الأدب، منح الإسّلام للعالم كله إنتاجًا خاصًا، يعد كنزًا مهمًا للغرب أثرى به أدبه. يكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أشعار الفرس مثل عمر الخيام ( أنظر نفس العنوان من نفس الموسوعة) وحافظ (أنظر نفس العنوان من نفس الموسوعة). وفي مجال النثر، تذكر المجموعة القصصيّة "ألف ليلة وليلة" (أنظر نفس العنوان من نفس الموسوعة). كما أثّر الشعر العربي بشكل كبير على الشعر العبري خلال العصر الوسيط وعلى الشعر الأسباني أيضًا. كما تأثّرت أشعار الحب الفرنسيّة والألمانيّة في العصر الوسيط بالشعر العربيّ، وتجدر الإشارة إلى تأثير أفكار دينيّة إسّلاميّة على الكوميديا الإلهيّة لدانتا. وكذلك تأثير صورة الرواية العربية على دون كيشوت لسوارينتس. 3- وفي مجال الفنون، مازالت المباني الفخمة في البلدان الإسلامية تشهد على أهمية الثقافة الإسلاميّة في هذا المضمار ( أنظر "إسّلام. فنون" في نفس الموسوعة). وقد أثّر الفن الإسّلامي على الفنون الأوروبية عن طريق صور فنيّة حديثة وأصلية. على سبيل المثال كان القوس "القوطي" موجودًا في مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة قبل زمن كبير من وجود هذا الأسلوب القوطي في أوروبا. كما أنَّ الإنتاج الإسلامي البارع في هذا المجال أثرى كثيرًا الأعمال الأوروبيّة، خاصة المرتبطة بأعمال الزخرفة، وهو ما ظهر في الكاتدرئيات النصرانيّة في أسبانيا وسيسيليا. كما يُلاحظ كذلك تأثيرًا إسلاميًا بارزًا في كثير من المعابد اليهودية بأوروبا. 4- يظهر إسهام الإسلام بشكل واضح في مجال العلوم الدقيقة أيضًا، وذلك ليس لأن التراث اليوناني ظل محتفظا بما جادت به الثقافة الإسلامية ووصل إلى الغرب عن طريق الترجمة وحسب، لكن أيضًا لأن الإنجازات العلمية للمسلمين كثيرة في مجالات الرياضيات والفلك، والطب وعلامات الرياح. إضافة إلى أنّه حتى الآن يشهد عدد الكلمات العربية الكثيرة في العلوم المختلفة على أصلها العربية، مثال "الجبر"، وأسماء عدد كبير من النجوم، وأيضا أسماء مثل الكيمياء والكحول ... وغيرها. كما نجد أهمية كبيرة في الأدب العربي للطبيب الكبير في العصر الوسيط " الرازي" ( أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة)، والذي كان وصفه لعدد من الأمراض أمرا ذا أهمية بالغة حتى يومنا هذا. أما كتاب بطلميوس الذي أُستخدم أساسًا لعلم الفلك حتى أيام كوفرنيكوس، فهو معروف في العالم بإسمه العربي "المجيسطي" ( أنظر مقالات مختلفة حول عدد من العلماء بالموسوعة). كما أن الإسّلام أنتج علومًا جديدة أيضًا، فقد كان البيروني (أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة) أول من ألّف كتابًا لمقارنة تواريخ الشعوب المختلفة، وكان إبن خلدون (أنظر نفس العنوان بنفس الموسوعة) هو مبتكر علم الإجتماع. 4- كان الإسّلام خلاقًا كذلك في مجال التجارة والمفاوضات العالمية، ويشهد على ذلك عدد من الكلمات التي أصبحت مُستعملة في كل اللغات الأوروبية، مثل " تعريفه"، وهي كلمة عربية معناها "معروف أو مُعرّف". كما أن كلمة "مجازين" الأوروبية ما هي إلا "مخزن" العربية. كذلك نجد كلمات أدميرال وترافيك، وشيك، هي كلمات إسّلامية. وفي كثير من الحالات تمت ترجمة الكثير من الكلمات الإسّلاميّة إلى لغات أوروبيّة بشكل يُخفي أصلها الإسّلامي.