جاء هذا الرسول الخاتم ليرد البشرية من جديد إلي التوحيد الخالص لله الخالق, وإلي عبادته (تعالي) بما أمر,

وإلي الالتزام بمكارم الأخلاق, وإلي الإحسان في المعاملات بين الناس جميعا. وجاء ليذكر الناس بمرحلية هذه الحياة الدنيا القصيرة, وحتمية الانتقال منها إلي الآخرة الأبدية,

وأن الدنيا مزرعة للآخرة, فمن أحسن العمل فيها يكرمه الله (تعالي) بالخلود في جنات النعيم, ومن أساء فيها بالخروج علي توحيد الله, وعدم عبادته (تعالي) بما أمر, وبالإساءة إلي الخلق, وبعدم الالتزام بمكارم الأخلاق فحسابه عسير وعقابه شديد في الآخرة.
ولذلك وصف الحق (تبارك وتعالي) خاتم رسله بقوله العزيز:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ*)‏ (الأنبياء:107).

وقوله:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداًوَمُبَشِّراًوَنَذِيراً*وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِوَسِرَاجاً مُّنِيراً * وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُممِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً) (الأحزاب:45-48).


ويروي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال: أن الله (تعالي) أرسل نبيه محمدا (صلي الله عليه وسلم) رحمة لجميع العالم: مؤمنهم وكافرهم. فأما مؤمنهم فإن الله (تعالي) هداه به, وأدخله الجنة بالإيمان به وبالعمل بما جاء من عند الله. وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبة رسلها من قبله.

وقد عاش رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ثلاثة وستين عاما, منها أربعون عاما قبل البعثة الشريفة, قضاها في عبادة فطرية ألهمه الله (تعالي) إياها, وثلاثة وعشرين سنة قضاها في البعثة الشريفة, داعيا إلي عبادة الله وحده (بلا شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد), وإلي عبادته بما أمر, وإلي حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بالالتزام بمكارم الأخلاق وبالعدل الذي شرعه الله للتعامل بين عباده.

وقد تحمل رسول الله في سبيل ذلك اضطهاد الكفار والمشركين حتى اضطر إلي الهجرة من بلده مكة إلي المدينة التي أقام فيها للإسلام دولة. وعاش هذا الرسول الخاتم في المدينة عشر سنوات, خاض فيها قرابة ثلاثين معركة, وستين سرية وبعثة من أجل تبليغ دين الله لأهل الأرض جميعا.

وقد واجه في دعوته هذه من الحروب القتالية والنفسية, ومن محاولات القتل والسجن والتشريد, والمطاردة ما لاقي من الكفار والمشركين والمنافقين. ولكن كل ذلك لم يفت في عضده, بل زاده تصميما علي تبليغ الحق الذي أوحي إليه به, حتى فتح الله (تعالي) له مكة المكرمة, ثم أدان لإمرته كل جزيرة العرب,

وفاضت روحه الطاهرة وهو يقول:
"مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..., أللهم اغفر لي وارحمني, وألحقني بالرفيق الأعلى... أللهم الرفيق الأعلى..., أللهم الرفيق الأعلى..., أللهم الرفيق الأعلى...".


اللهم صلى وسلم عليك يا رسول الله