بسم الله الرحمن الرحيم

وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ

صدق الله القائل "وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا. قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا. وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا. وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا"

لما ازداد أذى المشركين بالنبي صلى الله عليه و سلم في مكة بعد فقده لعمه أبي طالب و لزوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله تعالى عنها .. خذله مشركو الطائف و أدموا قدمه الشريفة بعدما دعاهم ليحملوه حتى يبلغ رسالة الله .. فأراد الله تعالى أن يعزي نبيه و مصطفاه فأرسل إليه جبريل ليلا ليصطحبه من نومه بجوار المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالأرض المقدسة ثم ليصحبه بعد ذلك في رحلة المعراج إلى حيث سدرة المأوى .. و ليقف النبي صلى الله عليه و سلم أمام عرش الرحمن في موقف لم يسبقه إليه ملك مقرب و لا نبي مرسل و ليرى من آيات ربه الكبرى .. ثم لتتنزل عليه و هو في مكة سورة عظيمة هي سورة الإسراء .. يوجب الحق تعالى فيها التسبيح لنفسه على قدرته و عظمته لاسرائه بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ايذانا ببدء نشر الرسالة الجديدة التي استبدل الله تعالى بني اسرائيل بها .. يتكلم سبحانه و تعالى في السورة عن بني اسرائيل و استبداله لهم لما أشركوا به و جحدوا نعمه بعدما آتاهم كتابا عن طريق نبيه موسى و أمره لهم أن لا يتخذوا من دونه وكيلا و لكنهم لم يسمعوا .. و مع أن النبي لم يكن قد اختلط ببني اسرائيل بعد و لما تأتي الهجرة إلى المدينة .. ثم يتحدث الحق سبحانه عن تسليمه بني اسرائيل لما كفروا و فسدوا لأعدائهم يسومونهم سوء العذاب و ليدمروا المسجد أو الهيكل كما يسميه بنو اسرائيل مرتين .. ثم يذكر الحق تعالى وصاياه و شريعته للنبي صلى الله عليه و سلم و لأمته و أولها التوحيد .. ثم ينزه الله تعالى نفسه من أن يتخذ ابنا من الملائكة الذين وصفهم المشركون بأنهم اناث .. و نزه نفسه عن الشريك كما قال عنه مشركو الأرض و كفارها .. و أن كل مخلوقات الله عباد له يدعونه و يخشونه و يتقربون إليه .. ثم يتكلم الحق سبحانه عن عناد المشركين في مكة و استكبارهم و يذكر نعمه عليهم .. ثم يخبر الحق سبحانه و تعالى نبيه عن مقام القربى و الشفاعة يوم القيامة و يوصيه بالتهجد و الاجتهاد في عبادته .. ثم يتكلم عن تحدي المشركين للنبي صلى الله عليه و سلم بأن يأتيهم بالله أو بالملائكة ليروهم وجها لوجه .. أو بشيء خارق من متاع الدنيا .. فيقول الله تعالى للمشركين لما أظهروا العناد و الكفر إن آمنتم أم لم تؤمنوا فلن يضر الله ذلك شيئا و لن ينفعه ذلك شيئا .. و أن هناك أقواما أمثال النجاشي و قسيسيه و سلمان الفارسي و عبد الله بن سلام و مخيرق بني النضير و آخرين كثيرين ينتظرون النبي الذي يعرفونه و يعرفون صفاته و يعرفون النور الذي أنزله الله تعالى عليه من كتبهم السابقة فإذا تلي عليهم القرآن يسجدون لله يبكون من خشيته و عرفانا برحمته .. نعم إنهم يعرفون النبي المكتوب عندهم في التوراة و الانجيل و الكتاب المبارك الذي أنزله الله عليه متفرقا ليقرأه على الناس على مكث .. يعرفون ذلك النبي الذي وعد الله تعالى به إبراهيم بعدما طلب ابراهيم مباركة الله لإسماعيل كما بارك اسحاق "أَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدِاسْتَجَبْتُ لِطِلْبكَ مِنْ أَجْلِه.ِ سَأُبَارِكُهُ حَقّاً و َأَجْعَلُهُ مُثْمِراً وَ أُكَثِّرُ ذُرِّيَّتَهُ جِدّاً فَيَكُونُ أَباً لاثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً وَيُصْبِحُ أُمَّةً كَبِيرَةً" .. "وَسَأُقِيمُ مِنِ ابْنِ الْجَارِيَةِ أُمَّةً أَيْضاً لأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ" .. نعم إنهم يعرفون النبي الذي بشر إدريس بمعراجه و بنصرته على الكفار حين قال "ويقوم الصالح من نومه ويصعد الحكيم ويعطي "هبة" للناس ومن خلاله تستأصل جذور الاضطهاد ويدمر الخطاة ويقطعون بالسيف مع الكفرة في كل مكان" .. يعرفون النبي الذي قال الله عنه في كتاب اشعياء "لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الارض" .. يعرفون الرسول الذي وعد الله بحفظه "فامسك بيدك واحفظك" .. يعرفون الرسول الذي أخبر الرب في سفر اشعياء أنه يخرج من ديار قيدار بن اسماعيل "لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار. لتترنم سكان سالع. من رؤوس الجبال ليهتفوا" .. يعرفون النبي الذي يصفه الله في سفر اشعياء بأنه كان ضالا فهداه الله "من هو اعمى الا عبدي واصم كرسولي الذي أرسله. من هو اعمى كالكامل واعمى كعبد الرب" يعرفون النبي الذي يحب شرع الله أكثر من ابنته "الرب قد سرّ من اجل بره يعظّم الشريعة ويكرمها"

يتبع بإذن الله تعالى