الأصول الثلاثة .... الشرح للشيخ محمد حسان

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

الأصول الثلاثة .... الشرح للشيخ محمد حسان

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 11 إلى 15 من 15

الموضوع: الأصول الثلاثة .... الشرح للشيخ محمد حسان

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المشاركات
    4
    آخر نشاط
    09-11-2006
    على الساعة
    03:16 AM
    اقتباس
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة molatam
    ا و ل شيء من شهد لمحمد حسا ن با نه من ا لعلما ء جز ا ك الله خير ا
    ها ده هي قا عد ة ا لسلف

  2. #12
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    98
    آخر نشاط
    25-05-2016
    على الساعة
    06:35 AM

    افتراضي

    اقتباس
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة molatam
    ا و ل شيء من شهد لمحمد حسا ن با نه من ا لعلما ء جز ا ك الله خير ا
    شهد له هذا العلم الذى أنتفع به ألاف المسلمين فى كل مكان على سطح الأرض و مازالوا ينتفعون به إلى يومنا هذا و هذا بعض من علم شيخنا المبارك حفظه الله نحسبه على خير و لا نزكى على الله أحد
    http://www.islamway.com/?iw_s=Schola...&scholar_id=28

    يحكى يوما
    أن حمارا تضايق من ضوء الشمس فقال الحمار فى نفسه لا بد لى من أن أمحو هذه الشمس من الوجود فظل الحمار يضرب بقدمه فى الأرض فصنع غبارا كثيرا حوله و أعمى بصره فحجب عنه الغبار ضوء الشمس ففرح الحمار أشد الفرح لأنه ظن أنه غلب الشمس و أخفى نورها و لكن هيهات فبعد فترة أنقشع الغبار عن عينه و رأى الشمس بازغة تنير الدنيا بنورها فعلم الحمار كم هو غبى و مات بنار حسرته

    و صدق من قال

    أصبر على مضض الحسود
    فإنك بصبرك قاتله
    ولله در الحسد ما أعدله
    بدأ بصاحبه فقتله
    فالنار تأكل بعضها
    إذا لم تجد ما تأكله


    حكمة قالها الحكماء و فهمها العقلاء

    [ليس معنى أن الأعمى لا يبصر ضوء الشمس أن الشمس غير موجودة]

    اللهم إنا نعوذ بك من عمى البصيرة و نعوذ بك من الجهل و الجهلاء
    التعديل الأخير تم بواسطة islamsun ; 05-10-2006 الساعة 03:44 AM

  3. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    2,113
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    12-03-2010
    على الساعة
    08:24 AM

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا أخانا الحبيب إسلام

    نقدم لحضراتكم تفريغا لشرح الشيخ محمد حسان لكتاب الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالي :






    التوحيد - المستوى الأول
    تأليف: الشيخ / محمد حسان

    الدرس الأول

    تقديم للكتاب - أهمية العلم والعمل به

    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلى وسلم، وزد وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأحبابه، وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد:

    فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الفضلاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعًا من الجنة منزلا، وأسأل الله جلّ وعلا الذي جمعنا في هذا الوقت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه .

    ويسعدني كثيراً أن نفتتح في هذا اليوم المبارك الأكاديمية العلمية، بهذا اللقاء الطيب والذي أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله بداية مباركة مسددة موفقة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونشرفُ أن نشرح لإخواننا هذا الكتاب الصغير في حجمه، العظيم في نفعه ألا وهو كتاب الأصول الثلاثة، ومن الفقه قبل أن نشرع بإذن الله تعالى في شرح الكتاب، أن نصف الكتاب وصفاً عاماً؛ ليأخذ طالب العلم فكرة عن الكتاب الذي سيتولى دراسته بإذن الله تعالى .

    الكتاب أيها الأفاضل، يُلاحظ أن المصنف رحمه الله تعالى لم يبدأ مباشرة بالحديث عن الأصول الثلاثة التي جعلها الشيخ عنواناً لكتابه هذا، وإنما قدم بين يدي الأصول الثلاثة بمقدمة شاملة جامعة تشتمل على ثلاثة موضوعات من الموضوعات المهمة جداً.

    أما الموضوع الأول: بدأه المصنف رحمه الله بقوله ( اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل.

    الأولى : هي العلم، وهي معرفة الله -تبارك وتعالى- ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام .

    المسألة الثانية : العمل به ) أي العمل بالعلم .

    ( المسألة الثالثة : الدعوة إليه

    المسألة الرابعة : الصبر على الأذى فيه ) وسأذكر الأدلة -إن شاء الله تعالى- مفصلة مع الشرح .

    هذا هو الموضوع الأول الذي ضمنه الشيخ مقدمته الجامعة، ثم بدأ الموضوع الثاني في مقدمته بقوله: ( اعلم-رحمك الله- أنه يجب على كل مسلم ومسلمة، تعلم هذه المسائل الثلاث، والعمل بهن ) هذا موضوع آخر .

    ( المسألة الأولى : أن الله –تعالى- خلقنا، ورزقنا، ولم يتركنا هملا، وأرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار ) هذه قواعد كلية جميلة .

    ( المسألة الثانية : أن الله –تعالى- لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ) .

    ( المسألة الثالثة : أن من أطاع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ووحد الله –تعالى- لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب ) .

    هذا هو الموضوع الثاني الذي ذكره الشيخ -رحمه الله تعالى- في مقدمته الجامعة الماتعة.

    أما الموضوع الثالث الذي ذكره الشيخ في المقدمة بين يدي الأصول قال: ( اعلم أرشدك الله لطاعته: أن الحنيفية ملة إبراهيم: هي أن تعبد الله وحده لا شريك له، وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها. )

    هذه هي الموضوعات الثلاثة التي ذكرها الشيخ -رحمه الله تعالى- بين يدي الحديث عن الأصول الثلاثة .

    ثم شرع بعد ذلك في الحديث عن الأصول فقال: ( فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟ فقل : معرفة العبد ربه -جلّ وعلا- ومعرفة دينه، ومعرفة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ) .

    ثم ختم المصنف -رحمه الله تعالى- كتابه هذا ببعض قضايا الإيمان باليوم الآخر: كالإيمان بالبعث والحساب، هذا وصف مجمل عام للكتاب الذي بين أيدينا، وكما ذكرت -أيها الأحبة- الكتاب مع صغر حجمه، فهو لا يتجاوز خمس ورقات، مع صغر حجمه إلا أنه عظيم الفائدة، بل لا أبالغ أبداً إن قلت بأن الكتاب مع هذه المقدمات التي ذكرها الشيخ -رحمه الله- بين يدي الأصول الثلاثة يشتمل على الدين كله بدون مبالغة، كما سنتولى ذلك بالشرح والتفصيل -إن شاء الله تعالى- .

    قال المصنف -رحمه الله:- ( بسم الله الرحمن الرحيم، اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :

    الأولى : العلم ، وهو معرفة الله ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.

    الثانية : العمل به.

    الثالثة : الدعوة إليه .

    الرابعة : الصبر على الأذى فيه )

    نعم إذاً استهل المصنف -رحمه الله تعالى- كتابه بالبسملة، فقال: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) اقتداء بالقرآن الكريم، فلقد بدأت كل سور القرآن الكريم بالبسملة باستثناء سورة براءة، واقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فمن الثابت أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يبدأ كتبه بالبسملة، ففي صحيح البخاري ( أنه -صلى الله عليه وسلم- أرسل كتاباً إلى هرقل، قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ....... إلخ ) إلى آخر كتابه المبارك -صلى الله عليه وسلم- .

    الشاهد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بدأ كتابه هذا بالبسملة، فالمصنف -رحمه الله تعالى- اقتداء بالقرآن الكريم، واقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ كتابه القيم المبارك هذا أيضاً بالبسملة .

    والبسملة -أيها الأحبة- الحديث فيها طويل جليل، ستعجب إذا علمت أن الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- في الجامع لأحكام القرآن الكريم، قد ذكر في البسملة، سبعاً وعشرين مسألة، في البسملة فقط ذكر فيها سبعاً وعشرين مسألة ( بسم الله ) أي أبدأ تصنيفي، وأبدأ عملي هذا، وأبدأ كتابي هذا ( بسم الله ) أبدأ عملي، وتصنيفي، وكتابي هذا بسم الله، وما أعظمها وأكرمها وأشرفها من بداية، ولقد حث الشرع الحنيف، وندب إلى ذكر اسم الله -تبارك وتعالى- مع كل فعل من الأفعال كالأكل، والشرب، والنوم، والركوب، والجماع، وغير ذلك من الأعمال قال الله -تبارك وتعالى:- ﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾[الأنعام:118] .

    وقال -تعالى:- ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ [هود:41] .

    وفى الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فال: ( أغلق إناءك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأوك سقاءك واذكر اسم الله ) فاذكر اسم الله -تبارك وتعالى- على كل شيء اذكر اسم الله -عز وجل- على كل شيء .

    وفى الصحيحين –أيضاًَ- من حديث عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ( يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك ) .

    إذاً البدء -أيها الأحبة- باسم الله في كل شيء بركة، نحتاج إليها في زمن جفت فيه ينابيع البركة، نحتاج إلى أن نبدأ بالبسملة في كل فعل وعمل من الأعمال في زمن الماديات، والشهوات، فما أبركها وأشرفها وأعظمها من بداية أن تبدأ القول باسم الله، وأن تبدأ الفعل والعمل باسم الله .

    قال الله -جلّ وعلا-: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [ الأعراف:96] .

    فإننا في زمان الماديات والشهوات، أسقط كثير من الناس من قواميس حياتهم مفهوم البركة، ومعنى البركة، وإنها –والله- لنعمة من نعم الله -تبارك وتعالى- يمتن الله -عز وجل- بها على من يشاء من عباده: أن يبارك الله -عز وجل- في وقته، وفى عمره، وفى قوله، وفى فعله، وفى نومه، وفى طعامه، وفى شرابه، فإذا أردت أن يبارك الله لك، وأن يبارك الله عليك، فعليك أن تبدأ قولك وعملك باسم الله ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ .

    بسم الله، الله لفظ الجلالة هو الاسم المفرد العلم، الدال على كل الأسماء الحسنى، والصفات العلى؛ لذا كل الأسماء الحسنى تنسب إليه فأنت تقول: الملك، والقدوس، والسلام، والمؤمن، والمهمين، والعزيز، والجبار، إلى غير ذلك من أسماء الجلال، كل هذه الأسماء من أسماء الله، ولا تقول: الله من أسماء القدوس، ولا تقول: الله من أسماء المؤمن، ولا تقول: الله من أسماء الملك، فكل الأسماء الحسنى تنسب إليه، فهو الاسم المفرد العلم الدال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات العلى .

    والصحيح كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى : أنه مشتق من الإله، والإله هو المعبود الذي يستحق أن يفرد وحده بالعبادة والألوهية .

    بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن الرحيم قال ابن عباس : الرحمن الرحيم اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة .

    وقال عبد الله بن المبارك: الرحمن الذي إذا سئل أعطى، والرحيم الذي إذا لم يسأل يغضب.

    والذي أود أن أؤكد عليه دون الدخول في تقصيلات للفرق بين اسم الرحمن والرحيم، الذي أود أن أؤكد عليه أن الاسمين الجليلين يثبتان صفة الرحمة لله -تبارك وتعالى- ونحن نثبت لله جلّ وعلا ما أثبته لذاته من الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وما أثبته له أعرف الخلق به عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونؤمن بهذه الأسماء والصفات من غير تحريف لألفاظها، ومن غير تحريف لمعانيها، ومن غير تعطيل، أو تشبيه، أو تمثيل .

    قال الله جلّ وعلا ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾[ الشورى: 11] الله أثبت لنفسه صفة الرحمة، فالمثبت له صفة الرحمة بما يليق بجلاله وكماله، أثبت لنفسه صفة الغضب، أثبت لنفسه صفة التعجب، أثبت لنفسه صفة النزول، إلى آخر الصفات الجليلة الكريمة، فنحن نؤمن بهذه الأسماء، ونؤمن بهذه الصفات دون أي تعطيل، لا للاسم، ولا للصفة، قال -جلّ وعلا:- ﴿ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [ الأنعام:103] .

    قال -جلّ وعلا:- ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11]

    قال -جلّ وعلا:- ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الاخلاص:1] أحد في ذاته، أحد في صفاته، أحد في أسمائه، أحد في أفعاله، لا ند له، ولا والد له، ولا ولد له، ولا كُفُأ له، ولا شبيه له، ولا زوج له، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فالاسمان الجليلان يثبتان صفة الرحمة لله -تبارك وتعالى- وهي من أعظم وأجل صفات الله -جلّ وعلا- قال –تعالى:- ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53] .

    قال –تعالى:- ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[الأعراف: 156] وفى الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن الله –تعالى- كتب في كتاب عنده، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي ) وفى لفظ ( سبقت غضبي ) يا له من فضل فالرحمة صفة من أرق وأجمل صفات الله -تبارك وتعالى- ومن جميل ما قرأت في هذا الباب ما رواه البخاري، وغيره من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأي امرأة من السبي تبحث عن ولدها، فلما رأت الأم ولدها؛ ألصقته ببطنها، وأرضعته؛ فتأثر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا المشهد الرقراق من مشاهد الرحمة والرقة، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، وقال:( أترون هذه الأم طارحة ولدها في النار ؟) قالوا: لا، يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (لله أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها ) الله، (لله أرحم بعباده من رحمة الأم بولده) ورحمة الأم بولدها لا يستطيع بليغ أن يجسدها، أو أن يعبر عنها؛ لذا قال أحد الصالحين يوماً: اللهم إنك تعلم أن أمي هي أرحم الناس بي، وأنا أعلم أنك أرحم بي من أمي، وأن أمي لا ترضى لى الهلاك والعذاب، أفترضاه لي أنت، وأنت أرحم الراحمين ؟

    فما أقبل عبد على الله -تبارك وتعالى- إلا وفرح الله -عز وجل- بإقباله وتوبته وأوبته؟، لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم، كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه راحلته، وعليها طعامه وشرابه؛ فآيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد آيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ به يرى راحلته قائمة عند رأسه فقال : اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، وفى الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة، حتى يضع رب العزة عليه كنفه ) والكنف في اللغة: الستر، والرحمة، فلسنا ممن يؤول صفة ( حتى يضع رب العزة عليه كنفه، ويقرره بذنوبه، فيقول الرب للعبد: لقد فعلت كذا وكذا، يوم كذا وكذا ) أي من الذنوب والمعاصي ( فيقول العبد المؤمن: رب أعرف، رب أعرف، فيقول الله -جلّ وعلا:- ولكني سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم ) والحديث عن الرحمة حديث طويل جليل جميل، لكن الذي أود أن أؤصله، وأؤكد عليه: أن الاسمين الجليلين الرحمن الرحيم يثبتان صفة الرحمة لله -تبارك وتعالى- ونحن نثبت لله ما أثبته لذاته من أسماء الجلال، وصفات الكمال من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، قال -جل جلاله:- ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11].

    أعد علي مرة أخرى قول المصنف -رحمه الله تعالى- بعد المسألة .

    قال المصنف: ( اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :
    الأولى : العلم وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ) حسبك.

    قال المصنف -رحمه الله تعالى:- ( اعلم -رحمك الله-) ما أجملها من بداية، انظر إلى شفقة المصنف، انظر إلى رقته ورحمته، بمن يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- ( اعلم -رحمك الله-) بداية يستثير بها الاهتمام، بداية يستجيش بها العواطف، بداية يحرك بها الوجدان ( اعلم -رحمك الله-) أي جعلك الله أهلاً لرحمته وفضله، وأود أن أقف هنا لحظات؛ لأذكر طلبة العلم، والدعاة إلى الله -تبارك وتعالى- أن يبدأوا دعوتهم مع المكلفين، ومع المخلوقين، ومع الناس برحمة، برقة، شتان شتان بين أن تبدأ الحديث مع مكلف أو مدعو بقولك: اعلم -رحمك الله-بابتسامة مشرقة، وبين قولك كذا كذا، أو يجب عليك كذا، أو افعل كذا بغلظة وقسوة، محال، محال أن تستحوذ على قلبه، لكن افتح قلبه بكلمة رقيقة، افتح قلبه بابتسامة مشرقة، فكثير من إخواننا الدعاة وطلبة العلم يظنون أن الأسنان عورة، لا يجب عليهم أن يكشفوا عنها، لا- يا أخي- أظهر بياض أسنانك لإخوانك ممن تبلغهم دين الله -تبارك وتعالى- قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران:159] .

    وأود من طلابنا أن يفرقوا بين مقامين في غاية الأهمية: بين مقام الدعوة إلى الله، ومقام الجهاد؛ لأنني أرى خلطاً رهيباً بين مقام الدعوة والجهاد، فمقام الجهاد غلظة ورجولة ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة:73 ] لكنك في مقام الدعوة لست في مقام جهاد، وإنما في مقام دعوة، مقام الدعوة الرحمة، مقام الدعوة الحكمة، مقام الدعوة اللين، وهذا المنهج الدعوي -أيها الأحبة- منهج توقيفي، لم يدعه ربنا -تبارك وتعالى- لنبي من الأنبياء، ولا لرسول من الرسل، فضلاً عن داعية من الدعاة، وإنما هو منهج توقيفي لا يختلف باختلاف الزمان والمكان، إن كنت في دعوة فعليك أن تكون رحيماً رقيقً مهذباً مؤدباً، عليك أن تعلم أنك تخاطب خلقاً، تخاطب بشراً، تخاطب نفوساً بشرية فيها الإقبال والإحجام، فيها الخير والشر، فيها الحلال والحرام، فيها الطاعة والمعصية، فيها الفجور والتقوى، فيها الإقبال والإدبار، فعليك أن تكون ملماً بمفاتيح هذه النفس البشرية؛ لتسبر أغوارها، ولتتغلغل إلى أعماقها، محال أن تدخل قلب من تدعوه إلى الله، وأن تبلغه عن الله وعن رسوله إلا برحمة، وإلا برقة، إلا إذا قلت له: اعلم رحمك الله، اعلم رحمك الله، فما أرقها من بداية! وما أجملها من بداية! فمقام الدعوة ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ﴾ [النحل:125] الحكمة: ليست كلمة يرددها داعية أو عالم، هكذا .

    قال ابن القيم رحمه الله : الحكمة هي فعل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، وأركانها العلم، والحلم، والأناة، وآفاتها، وأضادها، ومعاول هدمها: الجهل، والطيش، والعجلة.

    أكرر تعريف الحكمة : الحكمة هي فعل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، وأركانها: العلم، والحلم، والأناة، وآفاتها، وأضادها، ومعاول هدمها: الجهل، والطيش، والعجلة ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل:125] ولاحظ أن الله وصف الموعظة بقوله الحسنة، ولم يذكر الحكمة بالحسنة؛ لأن الحكمة الحسن أصل فيها، ووصف ذاتي لها، لا يمكن أبداً أن توصف الحكمة بغير الحسن ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ وقال الله لنبيين كريمين هما موسى وهارون -على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام:- ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾[ طه: 43-44] قال قتادة: سبحانك ربي ما أحلمك، تأمر موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولاً ليناً، إن كان هذا حلمك بفرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى، فكيف يكون حلمك بعبد قال: سبحان ربي الأعلى، فما أفقه المصنف! وما أرق قلبه! وما أرحمه! بمن يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- حين بدأ بهذه الكلمات الرقيقة، التي لا تزيد على ثلاث كلمات: اعلم -رحمك الله-إنها كلمات تستثير الانتباه، وتستثير الاهتمام، وتستجيش العواطف، وتحرك الوجدان، إذا قلت لك اعلم -رحمك الله-أصغيت لي سمعك، وانتبهت، اعلم -جعلك الله أهلاً لرحمته، وأهلاً لفضله وبركته- اعلم أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل.

    الواجب، نعرف الواجب عند علماء الأصول، الواجب: هو ما أُمر به أمراًَ جازماً، وضابطه أن فاعله موعود بالثواب، وأن تاركه متوَعد بالعقاب، أكرر الواجب عند علماء الأصول: هو ما أُمر به أمراًَ جازماً، انتبهوا هو ما أُمر به أمراًَ جازماً، هذا هو تعريف الواجب عند علماء الأصول، وضابطه أن فاعله موعود بالثواب، وأن تاركه متوَعد بالعقاب .

    عرف الشيخ -رحمه الله تعالى- العلم، فقال: ( العلم ) كما سأبين الآن ( هو معرفة الله -عز وجل- ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ) وهناك من أهل العلم من عرف العلم بقوله: العلم: هو إدراك الشيء على حقيقته، أو على صورته إدراكاً جازماً، ومن باب الأمانة العلمية –أيضاً- فهناك من أهل العلم من فرق بين العلم، والإدراك، والمعرفة. ولا يتسع الوقت لذكر هذه التفصيلات الآن، فهناك من أهل العلم من فرق بين العلم، والإدراك، والمعرفة، المهم أن الشيخ اختار للعلم تعريفاً فقال: ( هو معرفة الله، ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام ) .

    (اعلم أنه يجب علينا ) لاحظ أن الشيخ هنا لا يقصد أبداً الواجب الذي هو بمرتبة أدنى من الفرض عند أبي حنيفة -رحمه الله- وإنما يقصد تماماً الواجب الذي هو بمعنى الفرض، فالواجب: هو الفرض عند الإمام مالك، وعند الإمام الشافعي، وهو القول الصحيح الثابت عن الإمام أحمد، الفرض: هو الواجب. خالف أبو حنيفة -رحمه الله- الجمهور ففرق بين الفرض والواجب، لكن المصنف هنا يقصد الواجب الذي هو بمعنى الفرض، ففرض على كل مكلف أن يعرف ربه، وأن يعرف نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأن يعرف دينه الذي هو الإسلام، فرض على كل مكلف أن يعرف التوحيد، أن يعرف الصلاة، وأن يتعرف على الصيام إن كان من أهل الصيام، وأن يتعرف على ركن الزكاة إن كان من أهل الزكاة، وأن يتعرف على الحج إن كان ممن يستطيع الحج.

    فالشيخ يقصد هنا بالواجب: الواجب الذي هو بمعنى الفرض، وهو قول الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد رحم الله الجميع .

    ( اعلم -رحمك الله-أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :

    المسألةُ الأولى ) أو المسألةِ الأولى واللغتان صحيحتان .

    ( المسألةُ الأولى : العلم ) وعرف الشيخ العلم بقوله: ( هو معرفة الله، ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام بالأدلة )

    أخي، الحديث عن العلم حديث جميل، ويحتاج لا أقول إلى حلقة واحدة، بل إلى حلقات، فما أمر الله -جلّ وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بطلب الازدياد من شيء في هذه الدنيا إلا العلم فقال -جلّ وعلا:- ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْم﴾[طـه: 114] .

    فالعلم: هو الأنيس في الوحدة، وهو الأنيس في الغربة، وهو المحدث في الخلوة، به يعرف الله ويوحد، ويعبد ويحمد ويمجد، لا يمنحه الله -تبارك وتعالى- إلا للسعداء، ولا يحرم منه إلا الأشقياء، ولقد استمعنا بل واغرورقت عيني بالدموع؛ لهذه الكلمات الرقراقة الجميلة لشيخنا سماحة الوالد عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- في بداية الحلقة، وهو يذكرنا بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين من حديث معاوية ابن أبي سفيان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) فقال الشيخ: فمن لم يتفقه في الدين ما أراد الله به خيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

    فمن أراد الله به الخير علمه، وفقهه في دين الله -تبارك وتعالى-.

    الناس من جهة الأصل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
    نفس كنفس وأرواح مشابهة وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
    فإن يكن لهم من أصلهم حسب يفاخرون به فالطين والماء
    ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
    وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
    ففز بعلم تعش حياً به أبداً فالناس موتى وأهل العلم أحياء

    نعم، لا حياة إلا بالعلم، فالعلم حياة القلوب من مرض الشبهات، وحياة الأبدان من مرض الشهوات، والعلم نور العقول، وزاد للمسلم الذي يريد الوصول إلى الله -تبارك وتعالى- .

    وما دام الناس على علم فهم في هدى، وعلى خير، فإذا قبض العلم بقبض العلماء، وقع الناس في الضنك، والضلال، والشقاق، رفع الله قدر العلم وأهله، رفع الله قدر العلم، وأعلى الله -عز وجل- شأن أهل العلم كذلك فقال -سبحانه وتعالى:- ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 11] .

    استمعنا في أول اللقاء لقول الله –تعالى:- ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾[ الزمر: 9] بل من أرق الآيات التي يشهد الله -تبارك وتعالى- بها لأهل العلم أن أول من شهد لله بالوحدانية هو الله، لاحظوا هذه اللطيفة الرقيقة، ثم ثنى بملائكته، ثم ثلث بأهل العلم، فقال -جلّ جلاله:- ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ إذاً أول من شهد لله بالوحدانية هو الله ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ ﴾ أي وكذا الملائكة شهدت لله بالوحدانية -جلّ وعلا- ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾ أي وكذلك شهد أولو العلم بالوحدانية لله -تبارك وتعالى- ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18] .

    وتدبروا معي هذا الحديث الجميل الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن الله –تعالى- لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالم) وفى لفظ ( حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ) وفى لفظ ( روءساء جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلوا، وأضلوا ) مصيبة كبرى أن يتجرأ على الفتوى الآن كثير من الجهلاء، ممن لا يحسنون أن يفرقوا بين الدليل، ومراتب الدليل، ومناطات الدليل، ممن لا يحسنون أن يفرقوا بين المجمل، والمبين، والعام، والخاص، والناسخ، والمنسوخ ( إن الله –تعالى- لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس ) أبداً ( ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلوا، وأضلوا ).

    لذا كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- شديد الحفاوة بالعلم، وشديد الحفاوة بطلاب العلم، ففي مسند الإمام أحمد، ومعجم الطبراني بسند جيد من حديث صفوان بن عسال المرادي -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر فقلت- والقائل صفوان- قلت: يا رسول الله، إني جئت أطلب العلم قال:( مرحب) قال: (مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضاً، حتى يبلغوا السماء الدنيا؛ من محبتهم لما يطلب ) انظر كم فرط الناس في هذا الفضل، وانشغل كثير من الناس عن هذا الخير، فقد يعد أحدنا لمشروع تجاري، أو اقتصادي أكثر من دراسة جدوى، هذا أمر جميل، أنا لا أقلل من شأنه أبداً، فالأمة يجب عليها أن تبدع في كل مجالات الحياة، وأن تأخذ بالأسباب فهي أمة السببية، هي أمة الأخذ بالأسباب، وعلمها نبينا -صلى الله عليه وسلم- التوكل في كل شيء، والتوكل هو صدق اعتماد القلب على الله مع الأخذ بالأسباب .

    أنا لا أقلل من شأن هذا، لكن الذي يدمي القلب أن يعد أحدنا لمشروع تجاري أكثر من دراسة جدوى، في الوقت الذي لا يفكر أن يمنح لنفسه ساعة؛ ليتعلم فيها عن الله -جلّ وعلا- وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم:7] وقال -جلّ جلاله:- ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل:66] فهو يعلم ظاهراً من الحياة، لكن لا يعلم شيئاً عن الله، ولا يعلم شيئاً عن أسماء جلاله، ولا عن صفات كماله، ولا يعلم شيئاً عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولا يعلم شيئاً عن دين الإسلام، لا عن الإسلام، ولا عن الإيمان، ولا عن الإحسان، ولا عن أركان الإيمان، لا يعلم شيئاً عن هذا، وربما تراه قد حصل شهادة الدكتوراه في هذا الجانب أو ذاك من جوانب العلم المادي، لا نقلل من شأن هذا، لكن يجب على كل مكلف أن يتعلم عن الله، وأن يتعلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فروض الأعيان التي لا يصح أبداً لمكلف أن يجهلها .

    الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور

    أي أجسام الجهلاء قبور للجهلاء قبل أن ينزلوا إلى القبور .

    الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
    وأرواحهم في وحشة من جسومهم وليس لهم قبل النشور نشور

    فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرحب بطلاب العلم، (مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضها بعضا، حتى يبلغوا السماء الدنيا؛ من محبتهم لما يطلب) ومن جميل ما قرأت في هذا الباب ما رواه الترمذي، وابن ماجة، والنسائي وغيرهم بسند حسن بشواهده، من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً؛ سهل الله له طريقاً إلى الجنة ) وهذا له أصل في صحيح مسلم، هذه الفقرة ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً؛ سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم؛ رضاً بما يصنع ) انتبه (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم؛ رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، إنما ورثوا العلم فمن أخذه، أخذ بحظ وافر ) .

    وفى سنن الترمذي بسند حسن من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر له رجلان أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال -صلى الله عليه وسلم:- (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) انظر إلى فضل العلم؛ لتكون صاحب همة عالية في الطلب .

    فمن يتهيب صعود الجبال يعيش أبدا الدهر بين الحفر
    ولم أرَ في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام

    ما أكثر الأوقات التي نضيعها، ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال -صلى الله عليه وسلم:- ( فضل العالم على العابد كفضلي ) أي كفضل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ( على أدناكم ) ويا له من فضل لا يعرف هذا الفضل إلا الله، (كفضلي على أدناكم) وفى صحيح مسلم من حديث أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بينما هو يجلس يوماً بين أصحابه، في حلقة علم أقبل ثلاثة نفر، أما أحدهم فرأى فرجة فجلس فيها، وأما الآخر فاستحيا -يعني استحيا أن يتخطى الرقاب والصفوف- ونسأل الله أن يرزقنا الحياء، فما أقل من يمتثل هذا الأدب في مجالس العلم وفى خطب الجمعة- استحيا فجلس خلف الصف، وأما الثالث أعرض عن المجلس، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثه قال -صلى الله عليه وسلم:- (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: أما أحدهم آوى إلى الله ) هذا من؟ الذي سد الفرجة ( أما أحدهم: آوى إلى الله؛ فآواه الله، وأما الثاني ) أي الذي استحيا أن يخطى الرقاب ( وأما الثاني: استحيا؛ فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه ) والحديث أيها الأحبة، في فضل العلم جليل، طويل، عظيم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا في كثير من الأحاديث بفضل العلم، وبمكانة العلم، وواجب على كل مسلم -كما ذكرنا شيخنا -رحمه الله تعالى- أن يتعلم عن الله وعن رسول -صلى الله عليه وسلم- ليعبد الله -عز وجل- عبادة صحيحة على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

    نكتفي بهذا القدر .

    فتح الله عليكم فضيلة الشيخ

    - فاصل -

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أولاً: أنتقل من شكركم إلى الدعاء لكم، فجزاكم الله خيراً على هذه البرامج، ووفقكم الله، ثانيًا: وهو سؤالي للشيخ ، يا شيخ، السلام عليكم

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

    شيخ، الله يبارك فيك ويجزيك خير عندي سؤال الله يجزيك خير، سؤال هو: لماذا لم يدعُ الشيخ لنفسه في مقدمة الكتاب، ودعا لمن قرأ الكتاب، مع ورود الدليل عند الدعاء بالبدء بالنفس ؟

    والله، إن دل هذا فإنما يدل -كما ذكرت- على شفقة الشيخ ورحمته -رحمه الله تعالى- فهو لأنه يخاطب المكلف أو المدعو الذي يريد أن يبين له عن الله وعن رسوله، فخصه بالدعاء والمراد أنه خص المدعو بالدعاء؛ ليستثير اهتمامه وانتباهه، وأسأل الله -عز وجل- أن يتقبل منا دعاءنا نحن للشيخ، إنه ولي ذلك ومولاه .

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بداية أشكركم وأبارك لكم في بداية هذه الدروس، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله عملاً خالصاً لوجهه - سبحانه وتعالى - يا شيخ، نريد نصيحتك في بداية هذا الطلب، ما الطريقة السليمة لتلقي العلم حتى نجمع ما بين العلم والعمل معاً؟ وكيف نتلقى هذه الدروس؟ هل نستمع إليها ونكتب مباشرة، أم نستمع إليها أولا بذاتها ثم بعد ذلك نكتب؟

    هذا سؤال مهم جداً، وأظن أن كل طلابنا في أمس الحاجة إليه، نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص والقبول، والخطوة الأولى على الطريق للاستفادة من العلم ليترجم إلى العمل، الخطوة الأولى: هي الإخلاص: هي أن نخلص النية لله -تبارك وتعالى- في طلب هذا العلم، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في سنن الترمذي، وفى مستدرك الحاكم، وسنن ابن ماجة وغيرها، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من تعلم العلم؛ ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار ) وأنتم تعلمون كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضى الله عنه- ( أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة ) وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء فقال: ( وعالم أو وقارئ للقرآن ) ( عالم وقارئ للقرآن فأتي به فعرفه نعمه؛ فعرفها، قال: فما عملت؟ قال: تعلمت وعلمت، قال: كذبت، ولكنك تعلمت؛ ليقال هو عالم، وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل قرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما علمت فيها؟ قال: قرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك قرأت؛ ليقال هو قارئ، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار) ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    فالخطوة الأولى: هي أن نخلص النية لله -تبارك وتعالى- وأن نطهر الطوية، وأن نصفي السريرة، وأن يكون عملنا ابتغاء وجهه جلّ وعلا، نسأل الله جلّ جلاله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .

    والأمر الثاني: أن يجلس من أراد أن يطلب هذا العلم المبارك، وهو متصور أنه في مجلس علم، يجلس بالورقة والقلم، فأنا لا أريد أن تجلس الأخت أمام التلفاز، أو أن يجلس الأخ أمام التلفاز، وكأنه يشاهد برنامجاً عادياً من البرامج، بل هذا مجلس علم، فلو أنه أحضر كراسة خاصة بمادة الأصول الثلاثة، وكراسة خاصة بمادة التفسير، وكراسة خاصة بمادة الفقة وهكذا، بحيث درس اليوم للشيخ فلان، وموضوع الحلقة كذا وكذا ثم يسجل؛ لأن العلم لا يقيد إلا بالكتابة، قيدوا العلم بالكتابة، وفى مسند أحمد بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر يتكلم في الغضب والرضا؛ فأمسكت عن الكتابة، ثم ذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (فأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى فمه المبارك، وقال لعبد الله: اكتب، فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق ) الشاهد قول عبد الله بن عمر كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه .

    فعلى الأخت الفاضلة أن تجلس، وأن تقيد ما استطاعت تقييده من هذه الحلقات، ومن هذه البرامج .

    الأمر الثالث: أن تجعل لنفسها وقتاً لمراجعة ما كتبت بيدها، وإن احتاجت إلى أن تزيد على ما كتبت، زادت بالعودة إلى المراجع وإلى كتب أهل العلم .

    النقطة الرابعة: لا ينبغي لطالب العلم أو لطالبة أن تستحيي إذا استشكل عليه أو إذا استشكلت عليها مسألة من المسائل .

    فالعلم يضيع بين الكبر والحياء، فلتسأل، وليسأل المسلم أهل العلم؛ ليتعرف على ما يريد، ثم بعد ذلك، يجب على طالب العلم، أن يكون فاهماً لمصطلحات أهل العلم إن قرأ من كتبهم، وألا يعتمد اعتماداً كلياً على القراءة من الكتب؛ لأن من كان شيخه كتابه غلب خطؤه صوابه، فلابد من مراجعة العلماء الربانيين، وهؤلاء بفضل الله لا تخلو منهم الأمة أبداً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول -كما في الصحيحين من حديث معاوية:- ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) .

    إذاً إخلاص النية، والاجتهاد في تقييد هذه الدروس، ومراجعتها، وأن يبذل المسلم وأن تبذل المسلمة وقتاً وجهداً لهذا، ثم تسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينها بعد ذلك على العمل، وسوف نفرد لقاءً كاملاًَ للأصل أو للمسألة الثانية ألا وهي العمل بالعلم إن شاء الله تعالى .

    نحن في منطقة يا شيخ ربما تكون صغيرة ما فيها طلبة علم، فهل لي أن أطلب العلم عبر الأشرطة والكتيبات، كأن أسمع الأشرطة، وأقرأ الكتب فإذا أشكلت علي مسألة، قد يأتي إلى أهل العلم ليستفسر منهم في هذه المسألة، فهل يعتبر في هذا الإطار أنه طالب للعلم، أم يجب علينا أن نحضر عند شيخ في مسجد أو في حلقة حتى أكون طالب علم؟ ...... أكرر مرة ثانية وثالثة إني أحبك في الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أحبك الذي أحببتني فيه وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجمعنا بك أخي الحبيب مع المتحابين في جلاله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك عليكم وأن يجعل بلاد الحرمين أمناً أماناً سخاءً رخاءً وجميع بلاد المسلمين، فنحن نكن لكم ولبلادكم كل الحب والتقدير، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجمعني بكم في الدنيا على طاعته وفى الآخرة في جنات النعيم .

    والجواب أخي الحبيب، قال الشاطبي - رحمه الله تعالى - في كتابه الماتع الموافقات:- أنفع الطرق لتحصيل العلم طريقان -هذا كلام علماء الأصول- الطريق الأول: المشافهة، والمشافهة بمعنى أن يجلس طالب العلم بين يدي شيخه، هذا أنفع الطرق لتحصيل العلم، وهي أن يجلس طالب العلم بين يدي شيخه ومعلمه، ومن جميل ما قال: فإن الله تعالى يفتح على طالب العلم بين يدي شيخه ومعلمه بما لا يفتح به عليه دونه، قد يمكث الطالب ساعة كاملة في المكتبة بين بطون الكتب والمجلدات، تستشكل عليه مسألة فلا يعرف إشكالها، فإذا جلس بين يدي شيخه فقرأ الشيخ عليه المسألة بطريقة معينة، فوقف عند كلمة، وبدأ بكلمة، وفسر لفظة واحدة حل له لغز وإشكال المسألة، هذه بركة من فضل الله -تبارك وتعالى- يجدها الطالب في مجلس العلم والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك، ففي مجلس العلم تتنزل الرحمات، وتغشانا الملائكة، ويذكرنا الله -تبارك وتعالى- فيمن عنده، فلا شك أن مجلس العلم مجلس للرحمة والبركة، هذا هو الطريق الأول، وهو أنفع الطرق، لكن من رحمة الله بنا -كما تفضل أخونا الحبيب- أن كل أحد لا يستطيع الآن في ظل هذه الأزمنة وفى هذا الزمان وفى ظل هذه الظروف أن يذهب ليجلس بين يدي الشيخ كما يريد .

    قال الشاطبي -رحمه الله :- الطريق الثاني: مطالعة كتب المصنفين من أهل العلم من المتقدمين المتحققين بالعلم الشرعي، فإنهم أحرى بالعلم من غيرهم، بشرط أن يكون الطالب فاهماً لمصطلحاتهم .

    هذا طريق آخر من رحمة الله بنا، من لم يتيسر له أن يذهب إلى الشيخ؛ ليجلس بين يديه؛ فليطالع كتب العلماء، فليطالع كتب المصنفين، ولا مانع أن يسأل عالماً من العلماء كما ذكر أخونا الحبيب إن استشكلت عليه مسألة أن يتصل على عالم من العلماء، أو أن يجمع مجموعة من المسائل كما كنت أفعل أنا مع شيخي ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- أجمع مجموعة من المسائل، وأذهب إليه زيارة واحدة؛ لأعرض عليه المسائل، فيجيب لي على ما أريد وأنصرف، فلو جمع طالب العلم مجموعة من المسائل، وسافر سفراً طويلاً لشيخ من المشايخ، وعرض عليه المسائل، وبين له إشكالاتها، ثم عاد فهذا جميل، أو عبر الهاتف فهذا –أيضاً- جميل، أو إن استمع إلى الأشرطة فمن فضل الله -عز وجل- هذه وسيلة من الوسائل التي منَّ الله بها علينا في هذا الزمان، وأشرطة المشايخ قد شرحت كتباً بكاملها، فسيرى شرحاً لكتب كاملة لمشايخنا وعلمائنا الأكارم الأجلاء، فلا حرج إن تعذر على الطالب أن يذهب إلى الشيخ أن يطالع كتب المصنفين وأن يستمع إلى أشرطتهم، وإن استشكلت عليه مسألة من المسائل فليرجع إلى عالم من العلماء أو إلى داعية من الدعاة، والله أسأل ألا يحرمنا وإياكم من طلب العلم حتى نلقاه إنه ولي ذلك ومولاه .

    السؤال لفضيلة الشيخ محمد، فضيلة الشيخ نشهد الله سبحانه وتعالى أنا نحبك في الله

    أحبك الذي أحببتني فيه .

    وسؤالي هو شرحت فضيلة الشيخ أن من أعظم صفات الله سبحانه وتعالى هي الرحمن والرحيم فهل من الممكن إعادة تفسير هذه الصفات فضلاً لا أمراً ؟

    الرحمن والرحيم اسمان جليلان من أسماء الحق تبارك وتعالى يثبتان صفة الرحمة لله جلّ وعلا .

    وقلت : بأننا نثبت لله تبارك وتعالى ما أثبته لنفسه جلّ وعلا من الأسماء الحسنى والصفات العلى من غير تحريف لا للفظ ولا للمعنى ومن غير تعطيل يعني لا نعطل صفة من صفات الله تبارك وتعالى يعني لا ينبغي أبداً أن نعطل مثلاً صفة الاستواء فالله جلّ وعلا يقول ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طـه:5] فيأتي المعطلة كالجهمية وغيرهم ويقولون لا ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ يعني استولى لتعطيل صفة الاستواء، وهذا خلل في الفهم ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا بالحق وأن يتوفانا عليه ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ نثبت لله صفة الاستواء بما يليق بجلاله فنقول ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ استوى كما أخبر وعلى الوجه الذي أراد وبالمعنى الذي قال استواءً منزهاً عن الحلول والانتقال فلا العرش يحمله ولا الكرسي يسنده بل العرش وحملته والكرسى وعظمته الكل محمول بقدرته مقهور بجلال قبضته جلَّ وعلا قال جل جلاله ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر:67] يقول جهم بن صفوان : لو كان الأمر بيدي لحككتها من المصحف وجعلتها الرحمن على العرش استولى، ليُلغي أو ليعطل صفة الاستواء .

    ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾[الفجر:22] يقولون : وجاء أمر ربك لإلغاء أو لتعطيل صفة التنزل أو نزول الحق تبارك وتعالى، لا ، الله جلّ وعلا يتنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول تنزلاً يليق بكماله وجلاله وهكذا، فكل اسم وكل صفة أثبتها الله لذاته وأثبتها نبيه صلى الله عليه وسلم له فنحن نؤمن بها من غير تحريف للفظها ولا لمعناها ومن غير تعطيل أو تشبيه أو تمثيل . فمن أعظم الأصول أننا لا نشبه الحق تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته بالمخلوقين فالله يتكلم وأنا أتكلم لكن هل كلامي ككلام الحق تبارك وتعالى ؟

    الله يعجب وأنا أعجب لكن هل تعجبي كتعجب الحق تبارك وتعالى ؟

    الله يغضب وأنا أغضب لكن هل غضبي كغضب الحق تبارك وتعالى ؟

    اقطع الطمع في إدراك كيفية الذات، وأنا أضرب مثالاً لهؤلاء الذين يريدون أن يفلسفوا حتى هذه المسائل العقدية فلسفة عقلية وأقول هل ينكر صاحب عقل رشيد أن عالماً يسمى بعالم النمل يعيش بيننا؟

    والجواب : لا، لا ينكر عاقل رشيد أن النمل يعيش معنا لأننا نرى النمل .

    السؤال الثاني هل ينكر عاقل أن للنمل لغةً يتكلم بها ؟

    والجواب : لا، بل للنمل لغة بدليل أنك ترى النملة إن عجزت عن حمل لقمة خبز كبيرة ذهبت فأتت بسرب من النمل فحملوا هذه اللقمةَ معها .

    والقرآن يثبت صفة الكلام للنمل ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾[النمل:18] الآيات .

    السؤال الثالث : هل طمع عاقل أن يأتي بمكبر صوت عبر كاسيت ووضعه يوماً بين مجموعة من النمل ليسجل لغة النمل ؟

    والجواب : لا، لم يطمع عاقل في ذلك، قطع العقلاء الطمع في إدراك كيف يتكلم النمل أفنقطع الطمع في إدراك كيف يتكلم النمل وهو من خلق الله ولا يقطع الطمع في إدراك كيف يتكلم الله وهو الخالق .

    فاقطع الطمع في إدراك كيفية الذات، فالله تبارك وتعالى له أسماء نثبتها وله صفات نثبتها، بما يليق بكماله وجلاله تبارك وتعالى قال جلّ وعلا ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11] فالاسمان الجليلان يثبتان صفة الرحمة لله تبارك وتعالى، وهي من أجلِّ صفات الله، ومن أعظم صفات الحق تبارك وتعالى، ورحمة الله لا تحدها حدود، ذكرت بعض الأدلة، أذكر دليلاً جديداً في هذا الباب أيضاً ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله تعالى جعل الرحمة مائة جزء ) الله الله الله ( إن الله تعالى جعل الرحمة مائة جزء فأنزل إلى الأرض جزءاً واحداً وأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً ) اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ! أنزل إلى الأرض جزءاً واحداً ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فمنه ) أي فمن ذلك الجزء قال ( فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترى الدابة ترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبة ) انظر إلى الرحمة، يعني رحمة النبي صلى الله عليه وسلم جزءٌ من جزءٍ من مائة جزء من رحمة الله لأن الله أنزل من رحمته إلى الأرض جزءاً من هذا الجزء رحمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحمة الأم بولدها، رحمة الطبيب بمريضه، رحمة الغني بالفقير، رحمة القوي بالضعيف، كل صورة من صور الرحمة تلمسها وتراها في الكون إنما جزءٌ من جزءٍ من مائة جزء من رحمة الرحمن الرحيم جلّ وعلا نسأل الله أن يجعلنا أهلاً لرحمته وفضله .

    وعليكم السلام، عندي مجموعة أسئلة بالنسبة لطالب العلم في بداية الطلب هل لابد أن يكون حافظاً لكتاب الله ؟ .

    السؤال الثاني : هل يستطيع المبتدئ في الطلب أن يجمع كل العلوم يعني يشارك فيها كلها، التوحيد، الفقه، التفسير وهكذا ؟.

    روى البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال ( نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة ) بداية موفقة لأي طالب علم أن يبدأ بالقرآن الكريم، وأنا أعجب غاية العجب من طالب علم يفرغ وقته للطلب ثم تراه يبدأ بمنهج آخر بعيداً عن القرآن! أيُّ طلب هذا؟ القرآن أصل الأدلة فأي بركة هذه التى يبحث عنها طالب يبتعد فيشرق ويغرب ويبتعد عن القرآن بل أنا أقول يا أخوة القرآن هو كتاب الإيمان الأول وهو كتاب العقيدة الأول وهو كتاب التوحيد الأول إذا أردت أن تتعرف على التوحيد وإذا أردت أن تؤصل الإيمان في قلبك فعليك بالقرآن لأن القرآن من أوله إلى آخره في قضية الإيمان.

    من سورة الفاتحة إلى الناس في قضية الإيمان، لأن القرآن حديث مباشر عن الله عن ذاته عن أسماءه عن صفاته عن أفعاله وهو حديث عن أهل الإيمان الذين حققوا الإيمان وما أعد الله لهم في الدنيا والآخرة أو حديث عمن وقعوا في الشرك وكفروا بالله ولم يحققوا الإيمان وعما أعد الله لهم في الدنيا والآخرة أو حديث عن الجنة التي جعلها الله داراً لأهل الإيمان أو حديث عن النار التي جعلها الله داراً لأهل الكفر والعياذ بالله فالقرآن كله كتاب في قضية الإيمان .

    فأنا أنصح طالب العلم أن يبدأ بكتاب الله تبارك وتعالى، طالب العلم الذي يبدأ بالقرآن له سمت الطالب الذي يبدأ بباب من أبواب الجرح والتجريح لا أقول الجرح والتعديل ، الجرح والتجريح يبدأ الطالب بالتعرف بما يسمى الآن بالتصنيف، بداية شؤم لا ترى الطالب يحسن أن يقرأ سورة المطففين والله، والله لقد رأيت طالباً من الطلاب لمَّا تنبت لحيته بعد ولما ينبت شاربه ودخلت عليه في مكتبة ما فوجدت الطالب جالساً يحقق حديثاً، فسعدت به تحقق حديثاً لا أقول أُخَرِّج وإذا بالطالب أقول له يا أخي هات تعال ما هو الحديث ؟ قال كذا، قلت هذا حديث صحيح، قال من صححه يا شيخ، قلت الشيخ الألباني، قال معلش أصل الشيخ كان متساهلاً في التصحيح .

    قلت : اقرأ سورة المطففين، والله ما قرأها .

    فأنا أنصح الطالب أن يبدأ بكتاب الله تبارك وتعالى وأن يثني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يقرأ أو أن يدرس منهجاً واحداً من مناهج العلم فإن أنهي المنهج يرجع إلى منهج آخر وهكذا .

    وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يرزقنا قلوباً خاشعة ، وآذاناً واعية وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، إنه ولي ذلك ومولاه .


    يتبع إن شاء الله تعالي بالدرس الثاني
    التعديل الأخير تم بواسطة khaled faried ; 05-10-2006 الساعة 07:12 AM
    ما يفعله اليهود في غزة وفعله النصاري في والبوسنة والعراق وأفغانستان هو التطبيق الحرفي للكتاب الدموي الذي يقدسه اليهود والنصاري

    التدمير الشامل
    قتل لأطفال

    سفر لعدد - 17فَالآنَ \قْتُلُوا كُل ذَكَرٍ مِنَ \لأَطْفَالِ.

    تحطيم رؤوس الأطفال وشق بطون الحوامل
    سفر هوشع -
    . 16تُجَازَى \لسَّامِرَةُ لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا. بِـ/لسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ وَ\لْحَوَامِلُ تُشَقُّ

    .......
    أقتلوا للهلاك
    سفر حزقيال 6اَلشَّيْخَ وَ\لشَّابَّ وَ\لْعَذْرَاءَ وَ\لطِّفْلَ وَ\لنِّسَاءَ. \قْتُلُوا لِلْهَلاَكِ. »

    ......
    انجيل لوقا -
    27أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ \لَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَ\ذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي».

  4. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    2,113
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    12-03-2010
    على الساعة
    08:24 AM

    افتراضي الصدق في العمل والحكمة في الدعوة

    الرئيسة مكتبة الأكاديمية مكتبة دروس الأكاديمية الدروس المفرغة

    التوحيد - المستوى الأول
    المؤلف: الشيخ / محمد حسان
    الوصف: شرح كتاب ثلاثة الأصول للشيخ محمد بن عبد الوهاب في مادة التوحيد المستوى الأول- مـحـمد حـسـان



    --------------------------------------------------------------------------------



    الدرس الثاني :الصدق في العمل والحكمة في الدعوة






    إن الحمد
    لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من
    يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
    شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلي وسلم وزد وبارك عليه وعلى
    آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى
    يوم الدين.


    أما بعد، فحياكم الله جميعًا أيها الإخوة الفضلاء، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم
    جميعًا من الجنة منزلا، وأسأل الله -جلّ وعلا-
    الذي جمعنا في هذا اللقاء الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد
    الدعاة في جنته ودار مقامته، إنه وليُّ ذلك ومولاه.


    أيها الأحبة، هذا هو لقاؤنا الثاني مع الأصول الثلاثة، وأذكر بالمتن مرة أخرى، يقول
    المصنف رحمه الله تعالى ( اعْلمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا
    تَعَلُّمُ أَرْبَع مَسَائِلَ:


    المسألة الأُولَى: الْعِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ
    -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بالأَدِلَّةِ.


    المسألة الثَّانِيَةُ: الْعَمَلُ بِهِ.


    المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ.



    المسألة الرَّابِعَةُ: الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ ).


    الأمر بالعلم قبل القول والعمل



    تكلمنا في اللقاء الماضي بفضل الله جلّ وعلا على المسألة الأولى، ألا وهي العلم،
    وقلت بأن العلم مقدمٌ على العمل، واستدل المصنف -رحمه الله تعالى- على ذلك بهذه
    الترجمة الفقيهة البليغة للإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب العلم، حيث قال "باب
    العلم قبل القول والعمل"، وصدر هذا الباب بقول الله جلّ وعلا ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
    وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [البقرة:
    19]، أمر الله جلّ وعلا نبيه في هذه الآية الكريمة بأمرين: فبدأ بالعلم وثنى بالعمل
    .


    لماذا العلم قبل القول والعمل ؟



    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى "قدم الله العلم على العمل؛ لأن العلم هو
    المصحح للنية التي يصح بها كل قولٍ وكل عمل"، إذًا قبل أن تتكلم وقبل أن تعمل يجب
    أن تتعلم، وتحدثت عن هذ المسألة، ولا أريد أن أكرر ما ذكرته في اللقاء الماضي بفضل
    الله جلّ وعلا.


    العلم النافع هو الباعث على العمل



    المسألة الثانية: العمل، العمل بالعلم، فكل علمٍ لا يفيد عملا ليس في الشرع ألبته
    ما يدل على استحبابه أو استحسانه، إذًا العلم النافع الذي مدح الله ورسوله أهله على
    الإطلاق هو العلم الباعث على العمل، قال الله جلّ وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
    آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿2﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ
    أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]، وقال الله جلّ وعلا ﴿
    أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ
    الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، الفارق الكبير بين السلف والخلف
    إننا نرى بونًا شاسعًا وهوة سحيقة بين القول والفعل، ترى الآن تنظيرًا باهتًا
    باردًا، وما أيسر التنظير، لكن أين العمل؟! والله كلما تحدثت في هذا الباب أُشهد
    الله أنني أشعر بخجل وأشعر بتقصير؛ لأنه من منا لم يشعر بتقصير في حق ربه تبارك
    وتعالى؟، نتكلم كثيرًا، لكننا نعمل قليل،
    ويرن في أذني الآن قول القائل:


    وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيبٌ يداوي
    الناس والطبيب عليل


    فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الصدق فيما نقوله في هذه المسألة الثانية، في
    مسألة العمل.


    إلهي لا تعذبني فإني = مقرٌ بالذي قد كان مني
    فكم من ذلةٍ لي في البرايا = وأنت عليّ ذو فضلٍ ومنِ
    يظن الناس بي خيرًا = وإني لشر الناس إن لم تعف عني

    خطر العلم بدون عمل


    أيها الإخوة، إن أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة والحديث رواه مسلم من
    حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ( أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، عالمٌ
    وقارئٌ للقرآن، أُتي به )، أي بالعالم، ( أُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: ما فما
    عملتُ؟ قال: تعلمتُ وعلمت، قال: كذبت، بل تعلمت ليقال عالم وقد قيل، ثم أُمر به
    فسُحب على وجهه حتى أُلقي في الناس )، عالم يُلقى في النار، وقارئٌ للقرآن (
    أُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت، قال: قرأتُ فيك القرآن، قال: كذبت، بل
    قرأت ليُقال قارئ وقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل آتاه
    الله من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: فما عملت، قال: ما تركت
    سبيلا تحب أن يُنفق فيها لك إلا وأنفقتُ فيها لك، قال: كذبت، ولكنك أنفقت ليقال هو
    جواد وقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجلٌ استشهد )، سقط
    في الميدان شهيدًا فيما ينظر الناس، ( فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتُ،
    قال: قاتلت فيك حتى قتلت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال شهيد وقد قيل، ثم أُمر به
    فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار ).


    انظروا إلى خطر العلم بغير عمل، فكل علم لا يفيد عملا ليس في القرآن ولا في السنة
    ما يدل البتة على استحسانه، فما قيمة علمٍ لا يورثنا الخشية من الله جلّ وعلا؟، ما
    قيمة علم لا يورثنا الطاعة؟ ما قيمة علم لا يدفعنا دفعًا إلى القرب من الله تبارك
    وتعالى؟ قال الله جلّ وعلا ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
    ﴾ [فاطر: 28] .


    القضية أيها الأحبة ليست في التحصيل فحسب، وإنما في أن نحول هذا العلم الرباني
    القرآني والنبوي في حياتنا إلى واقع، إلى منهج عملي، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن
    زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يؤتى بالرجل يوم القيامة
    فيُلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه ) أي أمعاؤه، ( فيُدار بها كما يدور الحمار في
    الرحى، فيجتمع إليه أهل النار، يا فلان يا فلان مالك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى
    عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه ).


    ألا أيها المعلم غيره = هلا لنفسك كان ذا التعليم
    تصف الدواء لذو السقام من الدما = كيما تصح منه وأنت سقيم
    ابدأ بنفسها فانهها عن غيها = فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
    وهناك يُقبل ما تقول ويُقتدى = بالقول منك وينفع التعليم
    أسأل الله أن يرزقنا الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال .


    كان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول "إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته
    عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا"، أي كما يزل الماء عن الحجر الأملس، كم من مذكر
    بالله وهو ناسٍ له، وكم من مخوف من الله وهو جرئٌ على الله، وكم من تالٍ لكتاب الله
    وهو منسلخ عن آيات الله، وكم من مقرب إلى الله وهو بعيد عن الله، اللهم ارزقنا
    الصدق والإخلاص في الأقوال والأعمال والأحوال.


    كان أبو الدرداء رضي الله عنه، وإن كان في سند الرواية ضعف، كان يقول "إنما أخاف أن
    يُقال لي يوم القيامة أعلمت أم جهلت؟ فأقول علمت" .


    أحفظ الأدلة وأقول قال الله وروى البخاري وروى مسلم وروى أحمد، أحفظ الأدلة وأمضي
    فيها كالسهم، لكن فتش عن قلبك، فتش عن عملك، "إنما أخاف أن يُقال لي يوم القيامة
    أعلمت أم جهلت؟ فأقول علمت، فلا تبقى آية من كتاب الله آمرة أو زاجرة إلا جاءتني
    تسألني فريضتها، فتقول الآمرة: هل ائتمرت، وتقول الزاجرة: هل انزجرت، فأعوذ بالله
    من عمل لا ينفع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع، ودعوة لا تسمع أو لا يُستجاب لها".


    هل تتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
    الذي فُطر على التوحيد، الذي عصمه الله جلّ وعلا، هل تتصور أنه كان يدعو الله تبارك
    وتعالى وكان يعوذ بالله من علم لا ينفع،

    هل فكر كثيرٌ من طلاب العلم الجرءاء الآن
    على التطاول على الرموز، هل فكر كثيرٌ من هؤلاء الجرءاء الذين يتطاولون على العلماء
    ورموز هذه الأمة، هل فكر أحدهم في استعاذة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم لا
    ينفع، هل هناك علم لا ينفع؟ نعم، هناك علم لا ينفع، العلم الذي لا يورث صاحبه الأدب
    لا ينفعه، العلم الذي لا يورث صاحبه الخشيه لا ينفع، العلم الذي لا يورث صاحبه
    التواضع لله ولرسول الله ثم لأهل العلم لا ينفعه، ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ
    عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] .


    سئل الإمام أحمد مَن العالم؟ قال ليس العلم بكثرة الرواية والدراية، ولكن
    العلم خشية الله، قال تعالى ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
    الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].


    روى مسلم وغيره من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول
    ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع )، الرسول صلى الله عليه وسلم، هل استعذت أنت
    بالله من علم لا ينفع؟ يعني لو سألت نفسي أنا ولو سألت الطلاب الآن بين يدي، ما هي
    آخر مرة استعذت فيها بالله تعالى من علم لا ينفع؟ ما هي آخر مرة؟ والله لو أذنت لنا
    ولإخواني الآن بين يدي بالجواب لانقلب إلي بصري خاسئًا وهو حسير، ما آخر مرة تضرعت
    فيها إلى الله وتململت بين يديه جلّ وعلا كتململ العصور المبلل بماء المطر واستعذت
    به تبارك وتعالى من علم لا ينفع، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم إني أعوذ
    بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعوة لا يُستجاب لها ).


    وكان علي-الله ! ما أروع كلمات هذا الأثر- وإن كان في سنده ضعف أيضًا من باب
    الأمانة العلمية، والأثر رواه ابن ماجة والدارمي وكذا ذكره ابن عبد البر رحمه الله
    تعالى وغيره- كان علي - رضي الله عنه - يقول " يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم
    من علم ثم عمل ووافق علمه عمله، وسيأتي أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم،
    يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا، حتى
    إن أحدهم ليغضب على جليسه إن تركه جلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى
    الله عزّ وجلّ "، هل يجسد علي رضي الله عنه واقع كثير من طلاب العلم الآن؟، " .


    يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل ووافق علمه عمله، وسيأتي أقوامٌ
    يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم،
    يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا "، يحضر عندي ألف، والآخر يقول ويحضر عندي ألفان،
    وفي حلقتي طلاب العلم وفي حلقتك عامة المسلمين، مع أنهم محل دعوة الدعاة إلى الله
    جلّ وعلا، فلانُ عالم، وفلان؟ هذا واعظ، وفلان جاهل بالواقع، وفلان مازال في دورة
    المياه يعلم الناس أحكام قضاء الحاجة، وفلان عالم حيض وعالم نفاس، "


    أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم
    علانيتهم، يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن جلس
    إلى غيره "، حتى لو ذهب إلى رجل من علماء أهل السنة، " حتى إن أحدهم ليغضب على
    جليسه إن جلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى الله عزّ وجلّ ".


    فالقضية إذًا أيها الأحبة قضية عمل،

    أنا أقول لطلابنا قد يكون من اليسير جدًا أن
    نقدم منهجًا نظريًّا في التربية والأخلاق، بل إن المنهج موجود، القرآن موجودٌ بين
    أيدينا، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم موجودة بين أيدينا، فمن اليسير جدًا أن نقدم
    منهجًا نظريًّا في التربية والأخلاق، لكن هذا المنهج سيظل حبرًا على الورق ما لم
    يتحول هذا المنهج في حياتنا إلى واقعٍ عمليٍّ ومنهج حياة، وهذا هو السر الذي من
    خلاله استطاع نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر وسط
    صحراء تموج بالكفر والجهل موجًا، فإذا بدولة الإسلام بناءٌ شامخٌ لا يطاوله بناء،
    وذلك في فترة لا تُساوي في حساب الزمن شيئًا على الإطلاق، وذلك يوم أن نجح نبينا
    صلى الله عليه وسلم في طبع عشرات الآلاف من النسخ من المنهج القرآني والنبوي، لكنه
    لم يطبعها بالحبر على صحائف الأوراق في بطون الكتب والمجلدات أو عبر أشرطة الكاسيت
    أو السديهات، وإنما طبعها صلى الله عليه وسلم على صحائف قلوب الصحابة بمداد من
    التقى والهدى والنور، فانطلق الصحب الكرام وحولوا هذا المنهج الرباني والقرآني
    والنبوي إلى منهج حياة، إلى واقع يتألق سموًّا وعظمة وصدقًا وإخلاصًا وعملا وبناءً.


    فالفارق الكبير بيننا وبينهم أننا ربما نجد الآن عند كل طالب علم من الكتب
    والمجلدات والله ما لم تكن هذه عند السلف، والله ما كانت هذه الكتب والمجلدات
    بسمتها ورسمها وعددها وكمها عند السلف، ولكنهم حولوا هذا المنهج إلى عمل ، فما
    أحوجنا أن نحول هذا العلم إلى عمل، وإلا فالعلم عاريةٌ لا يُنتفع به إلا إذا حوله
    صاحبه إلى منهجٍ عملي، ﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ﴾ [يوسف: 68]،
    قال قتادة "وإنه لذو علمٍ لما علمناه"، وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
    لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ
    تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]، أكتفي بهذا القدر في هذه المسألة
    الثانية، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الصدق في القول والعمل والحال، إنه
    ولي ذلك والقادر عليه.


    قال المصنف رحمه الله تعالى ( المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ )،
    الدعوة إلى ماذا؟ إلى العلم أم إلى العمل؟



    هل يعود الضمير في قول المصنف ( الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ ) على العمل أم على العلم،
    والراجح الدعوة إلى العمل بالعلم، فقد أصلنا الآن أن علمًا بدون عمل لا قيمة له،
    الدعوة إلى العمل بالعلم، الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، لاسيما وقد عَرَّف الشيخ
    العلم بقول ( الْعِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ -صَلَّى
    اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بالأَدِلَّةِ )، وسأرجئ
    الحديث عن معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالحديث عن الأصول الثلاثة إن
    شاء الله تعالى، فهذا هو لب كتابنا بإذن الله جلّ وعلا.

    يتبع إن شاء الله تعالي




  5. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    2,113
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    12-03-2010
    على الساعة
    08:24 AM

    افتراضي


    فضل الدعوة إلى الله



    إذًا، الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، الدعوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الدعوة
    إلى الإسلام، الدعوة إلى العمل بهذا الدين، الدعوة إلى العمل بالأمر، الدعوة إلى
    العمل باجتناب النهي، الدعوة إلى العمل بالوقوف عند حدود الله تبارك وتعالى،
    والدعوة إلى الله أيها الأفاضل من أعظم القربات التي افترضها الله على هذه الأمة،

    وقد دلت الأدلة من القرآن والسنة على وجوب الدعوة إلى الله على منهج رسول الله


    فقال الله سبحانه وتعالى ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
    وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ
    الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]،


    وقال الله جلّ وعلا ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
    أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ
    اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108] .


    قال ابن القيم رحمه الله: "ولا يكون الرجل من أتباع النبي حقًا حتى يدعو إلى ما
    دعى إليه النبي على بصيرة"، الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، شرف هذه الأمة، ونسب
    هذه الأمة.


    ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]،

    هذه الخيرية
    ليست ذاتية، وليست عرقية، وليست عصبية، ولكنها خيرية مستمدة من حمل الأمة لهذه
    الرسالة المباركة لأهل الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،


    ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ
    أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
    الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]،


    فأمة النبي أمة دعوة،
    أمة بلاء، أمة رسالة، ما شُرفت الأمة إلا لحملها هذه الرسالة، تدبروا هذا الأمر
    لنبيه ﴿ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ
    دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ﴾ [الجن: 22،

    23]،


    أمرٌ مهيب، أمرٌ جليل، ﴿ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ
    وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ ﴾، إلا أن
    أبلغ دين الله، إلا أن أبلغ رسالة الله تبارك وتعالى، فالأمة ما شرفت إلا بالدعوة،
    وما كرمت إلا لحمل هذا الدين، وما عزت الأمة إلا يوم رفعت راية الدعوة إلى الله على
    منهج النبي ، وما زلَّت الأمة وهانت إلا يوم أن تخلت عن هذه الأمانة العظيمة
    والشرف الكبير والتبعة الثقيلة.


    ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2]،

    فقام ورب الكعبة
    ولم يذق طعم الراحة حتى لقي الله جلّ وعلا، وحتى أنزل الله عليه قوله

    ﴿ الْيَوْمَ
    أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
    الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3] .


    بل لقد قال شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى

    "الدعوة إلى الله الآن فرض عين على كل
    مسلم ومسلمة، كل بحسب قدرته واستطاعته، لأننا نعيش زمانًا انتشر فيه الباطل وأهله،



    -والله- ما انتشر الباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن الحق أهله"، فواجبٌ على كل مسلم
    ومسلمة أن يبلغ دين الله على قدر استطاعته بقدر ما عَلَّمَه الله تبارك وتعالى من
    العلم، ألم تحفظ آية من كتاب الله، ألم تحفظ حديثًا من أحاديث رسول الله صلى الله
    عليه وسلم؟


    روى البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
    وسلم قال ( بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا
    فليتوبأ مقعده من النار ) .


    وقال صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وغيره بسند صحيح من حديث ابن مسعود رضي
    الله عنه الله ( نضر الله امرءً )، رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لك بنضارة
    الوجه يا من تبلغ عن الله وعن رسوله، ( نضر الله امرءً سمع منا حديثًا فبلغه كما
    سمعه، فرُب مبلغ أوعى من سامع ) .


    وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ( من دعى
    إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا )، انظروا
    إلى الفضل ( ومن دعى إلا ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من
    آثامهم شيئًا ).


    وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
    قال ( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون
    بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما
    لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم
    بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل )، فأسأل الله أن يجعلنا جميعًا
    من حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    لن تكون أبدًا من حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أتباعه حقًا حتى ترفع
    نفس الراية التي رفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى تتحرك بين الناس بذات
    المنهج الذي تحرك به بين الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تدعو إلى الله
    بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصيرة، بحكمة بالغة، بكلمة رقيقة رقراقة،
    بموعظة حسنة، فالمنهج توقيفي، منهج الدعوة إلى الله توقيفي، لم يدعه الله لنبي من
    الأنبياء فضلا عن داعية من الدعاة، أصول المنهج الدعوي لا تختلف باختلاف الزمان
    والمكان، قد تختلف الوسلية، فما نحن فيه الآن وسيلة تتفق مع عصرنا وزماننا، والشريط
    وسيلة، والمحاضرة عبر الإذاعة وسيلة، وإعلانٌ لمحاضرة في التلفاز أو في جريدة
    وسيلة، تختلف الوسائل باختلاف الزمان والمكان، أما المنهج فتوقيفي، لا يختلف ألبتة
    باختلاف الزمان والمكان، أصوله ﴿ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
    وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل:
    125]، قال تعالى ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ
    فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، قال تعالى
    ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا
    لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طـه: 43، 44].


    هذه أصول المنهج الدعوي، وحياة النبي في الدعوة إلى الله تطبيقٌ عمليٌّ لهذه
    الأصول، ولا يتسع الوقت لذكر بعض النماذج الدعوية التطبيقية العملية من سيد الدعاة
    سيدنا رسول الله ، لكنني أجدني مضطرًا اضطرارًا لأن أذكر بموقف واحد تحفظونه
    جميعًا، لكنني أخاطب طلاب العلم وأخاطب المسلمين في كل مكان.


    كلنا يحفظ حديث الأعرابي الذي وقف في مسجد النبي وبال إلى جوار رسول الله صلى
    الله عليه وسلم، هل تتصور هذا المشهد؟ أعرابيٌّ يدع هذه الصحراء المترامية ولا يجد
    مكانًا يقضي فيه حاجته إلا في مسجد رسول الله بل وفي حضرته الشريفة صلى الله
    عليه وسلم، ويقول الصحابة مه مه، ماذا تصنع أيها الرجل؟!، والرسول صلى الله عليه
    وسلم سيد الدعاة يقول ( لا تزرموه )، أنا لا أقول هذا من باب الإعجاب السالب أيها
    الأحبة، أو لمجرد الثقافة الذهنية الباردة، بل أنا أبين منهجًا عمليًّا للدعوة إلى
    الله تبارك وتعالى، وواجبٌ لكل سالكٍ على هذا الطريق والدرب المنير أن يكون على هذا
    المنهج العظيم.


    ( لا تزرموه ) أي لا تقطعوا عليه بولته، ويقضي الرجل تبوله باطمئنانٍ كامل، حتى
    يقضي الرجل حاجته فيُنادي عليه رسول الله r نهر الرحمة وينبوع الحنان وأستاذ الخلق
    والأدب ويقول إن المساجد لا تصلح لشيءٍ من هذا، إنما جُعلت للصلاة ولذكر الله
    وقراءة القرآن، ويأمر النبي صحابيًّا فيأتي الصحابي بدلو من الماء فيشنه على أثر
    البول ويطهر المكان، وانتهت القضية، وانتهت المشكلة، ما أمر النبي الصحابة أن
    يلقوا هذا الرجل من يديه وقدميه خارج المسجد، ما عنفه، ما وبخه، ما آذاه بكلمة ولا
    بلفظة، لا والله، وإنما إنفعل هذا الأعرابي بهذا الخلق الكريم فدخل الصلاة خلف رسول
    الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا الله بهذا الدعوة التي سمعها النبي صلى الله عليه
    وسلم، سمع الأعرابي يقول "اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا"، لم يجامله
    النبي صلى الله عليه وسلم على حساب المنهج أيضًا، وإنما لما قضى النبي صلاته قال
    ( لقد حجرت واسعًا )، يعني لم تضيق ما وسع الله تبارك وتعالى؟ والله جلّ وعلا يقول
    ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156].


    الشاهد: أن نتعلم هذا الدرس من رسول الله .


    وما أجمل قول قتادة في تعليقه على قول الله لموسى وهارون على نبينا وعليهما الصلاة
    والسلام ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طـه: 43]، كلنا يعرف فرعون،
    ففرعون هو الذي قال أنا ربكم الأعلى، وفرعون هو الذي قال ما علمت لكم من إله
    غيري....إلخ، ومع ذلك يأمر الله موسى وهارون نبيين كرمين أن يقولا لفرعون قولا
    لينًا، فقال قتادة "يا رب ما أحلمك، تأمر موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولا لينًا،
    فإن كان هذا حلمك بفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى، فكيف يكون حلمك بعبدٍ قال سبحان
    ربي الأعلى" .


    وأنا أقول لقد دخلت بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل الجنة في كلب، يا الله، دخلت الجنة
    في كلب!!، مرت على كلب يلهث الثرى من العطش فعادت إلى بئر ماء فملأت موقها ماءً
    وقدمت للكلب فشرب، فغفر الله لها بذلك.


    أقول يا إخوة إذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا، فكيف تصنع الرحمة بمن
    وحد رب البرايا .


    أركز على هذا لأنني ألمح قسوة وجفوة في كثير من طلابنا، إذا أعفى الطالب لحيته ووضع
    الغترة على رأسه والتزم بدرسٍ من دروس العلم يحول البيت إلى نار متأججة، لا يستطيع
    والده أن يكلمه، ولا تستطيع أمه أن تتحدث معه، فضلا عن أخواته وفضلا عن إخوانه،
    لماذا؟!! يقول التزمت، هل هذه حياة الالتزام؟!!، هل بهذا الخلق والسلوك ندعو غيرنا
    إلى الله تبارك وتعالى ونأخذ بقلوب الخلق إلى الله تبارك وتعالى؟!!، مُحالٌ يا اخوة
    .


    احفظوا مني هذه الكلمات، أقول إن الحق معنا، أطلتُ النفس في هذه الجزئية لأنني
    أعالج واقعًا مرًا أليمًا نحياه الآن .


    لماذا استطاع أهل الباطل أن يجذبوا الناس إلى باطلهم؟ لماذا لم يستطع أهل الحق إلى
    الآن أن يجذبوا الناس إلى الحق الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض وأنزل الكتب
    وأرسل جميع الرسل وخلق من أجله الجنة والنار؟


    لخلل في منهجنا، لخلل في دعوتنا، لخلل في أسلوبنا في البلاغ عن الله تبارك وتعالى،
    فالدعوة فن، لا يجوز للداعية أن يتجاوز أصوله التي حددها القرآن كما ذكرت.

    أقول إن الحق معنا، احفظوا مني هذا، إن الحق معنا، لكننا لا نحسن أن نشهد لهذا الحق
    شهادة خلقية عملية على أرض الواقع، ولا نحسن أن نبلغ هذا الحق لأهل الأرض بحق، هذه
    هي المشكلة، وإن الباطل مع غيرنا، لكنه يحسن أن يلبس الباطل ثوب الحق، ويحسن أن يصل
    بالباطل إلى حيث ينبغي أن يصل الحق، وحينئذٍ ينزوي حقنا ويضعف كأنه مغلوب، كما هو
    الواقع، وينتفخ الباطل وينتفش كأنه غالب، كما هو الواقع .


    وهنا نتألم لحقنا الذي ضعفُ وانزوى، وللباطل الذي انتفش وانتفخ، فنعبر عن ألمنا هذا
    بصورة من صورتين لا ثالث لهم:


    إما أن نعبر عن ألمنا بصورة مكبوتة سلبية فنزداد هزيمة نفسية على هزيمتنا وانعزالا
    عن المجتمع والعالم .


    وإما أن نعبر عن ألمنا هذا بصورة صاخبة متشنجة منفعلة، وأحيانًا دموية مخزية،
    فيزداد أهل الأرض في الأرض بغضًا للحق الذي معنا وإصرارًا على الباطل الذي معهم،
    فنخسر الحق مرة بعد مرة، مع أننا على الحق ومع غيرنا على الباطل.


    القضية أيها الأفاضل كيف ندعو الناس ؟ كيف نبلغ الحق لأهل الأرض بحق؟ أقول أيها
    الأحبة إننا لا نتعامل مع ملائكة بررة، ولا مع شياطين مردة، ولا مع أحجار صلبة، بل
    نتعامل مع نفوس بشرية فيها الإقبال والإحجام، فيها الخير والشر، فيها الحلال
    والحرام، فيها الفجور والتقوى، فيها الطاعة والمعصية، أولم يقل خالق النفس البشرية
    جلّ وعلا ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
    [الشمس: 7، 8]، فلنتعامل مع النفس البشرية من هذا المنطلق، لنسبر أغوراها، لنتغلغل
    إلى أعماقها، ولن يكون ذلك أبدًا أيها الأحبة إلا بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة
    والكلمة الرقيقة الرقراقة، هذا فضل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.


    والنبي يقول لعلي رضي الله عنه كما في الصحيحين من حديث سهل ابن سعد وفيه أنه
    قال ( لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم )، الله الله الله، انظروا
    إلى هذا الفضل العظيم، ( لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم ).


    ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ
    طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ
    حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ [إبراهيم: 25]،


    هذه هي الدعوة الكريمة، هذه هي الكلمة
    الطيبة التي ضرب الله عزّ وجلّ مثلا لها في القرآن بالشجرة الكريمة الطيبة، تلك
    الشجرة التي تتغلغل في أعماق التربة وفي قلب الصخور، لا تؤثر فيها الرياح العاتية،
    ولا تحطمها معاول الهدم والبطش والطغيان، إنها الدعوة إلى الله.


    بين الجوانح في الأعضاء سكناها = فكيف
    الأذن سامعة والعين سامعة = والروح خاشعة

    ولم لا وهي كلمة الله جلّ وعلا قال الله، وكلمة النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي
    صلى الله عليه وسلم .


    أعذار بعض طلبة العلم القاعدين عن الدعوة


    ألا تعجب معي بعد هذا الفضل الوجيز الذي تحدثت عنه في فضل الدعوة إلى الله تبارك
    وتعالى أن كثيرًا من إخواننا وطلابنا يعزفون عن الدعوة إلى الله بدعوى أنهم مازالوا
    يطلبون العلم .


    ومن قال لك بأن طلب العلم ينتهي في مرحلة من المراحل، إن طلبك للعلم لا ينتهي حتى
    تلقى الله جلّ وعلا .


    قال الإمام أحمد: إمام أهل السنة حينما رآه أحد الأفاضل ما زال في مجلس العلم يمسك
    المحبرة، فقال له: يا إمام بلغت ما بلغت وما زلت تمسك المحبرة، فقال "نعم، مع
    المحبرة إلى المقبرة"، ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طـه: 114]، يأمر الله
    نبيه بهذا ، سيظل الطالب يطلب العلم إلى أن يلقى الله .


    الدعوة الواجبة على الأعيان والدعوة الواجبة على الكفاية:

    فأرجوا من طلابنا أن يفرقوا بين طلب العلم وبين الدعوة إلى الله جلّ وعلا، صحيح إن
    كانت الدعوة المتخصصة لها أهلها من المتخصصين من المتحققين بالعلم الشرعي، فإن
    الدعوة العامة واجبة على كل مسلم ومسلمة كما قال شيخنا رحمه الله، كل على حسب قدرته
    واستطاعته .


    وسائل الدعوة


    أخي إن لم تستطع أنت أن تبلغ غيرك بلسانك بكلمة رقيقة بالأدلة فبلسان غيرك من أهل
    العلم بشريط أو بكتيب أو بكتاب أو بمطوية، يتخصيص جزءٍ من مالك للدعوة إلى الله
    تبارك وتعالى، بتكثير سواد المسلمين في المساجد في المحاضرات العامة، بزيارة لله
    تبارك وتعالى لأحد إخوانك في الله لتبلغه عن الله تبارك وتعالى ولو بشريط.


    هل يُشترط في الداعي أن يعتلي المنبر ؟


    وأنا لا أقول نحن لا نريد أن تتحول الأمة كلها إلى دعاة على المنابر في المساجد،
    وإنما نريد أن تتحول الأمة كلها إلى دعاة لدين الله كلٌ في موضع إنتاجه وموطن
    عطائه، لو شهد كل مسلمٌ للإسلام شهادةٌ عملية في موقعه فهي أعظمُ خدمةٍ نقدمها لدين
    الله تبارك وتعالى، شهادةٌ ورب الكعبة آثمٌ قلبه من يكتمها الآن، لأننا نعيش عصرًا
    أيها الأحبة صار الغرب يحكم فيه على الإسلام من خلال واقعنا كمسلمين، وواقع
    المسلمين فاضحٌ مخزيٌّ، إلا من رحم ربنا تبارك وتعالى من أفراد، صار العالم كله
    يحكم على ديننا من خلال واقعنا، فأعظم خدمة نقدمها للدين أن ندعو للدين بأخلاقنا،
    بسلوكنا، بأعمالنا، بأقوالنا، إيتيني بواحدٍ لا يستطيع في أي موقف من المواقف أن
    يبلغ عن الله بكلمة مهذبة رقيقة، الكل يستطيع ذلك.


    مثال:


    والله لازلت أذكر هذه الأخت الفاضلة من الرياض، كنت في زيارة لإخواننا في ألمانيا،
    وأخبرني إخواني هنالك عن رجلٍ ألماني فاضل من الدعاة إلى الله تبارك وتعالى، وقالوا
    إنه كان يعمل ملاكمًا لفترة من الفترات قبل عشرين عامًا، ودُعي ليكرم في مدينة
    الرياض، فتقدمت أختٌ فاضلة بحجابها الكامل وقدمت له هدية بين الهدايا، وما كان هذا
    الرجل قد أسلم بعد، قدمت له ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الألمانية، فقط،
    يقول هذا الرجل، وأخذت الهدية ووضعتها بين الهدايا ومضى على هذه الهدية عشرون
    عامًا، يا الله، جلست يومًا لأرتب مكتبتي فوقع في يدي هذا الكتاب، فتذكرت وعدت إلى
    الوراء عشرين سنة، قال فجلست على كرسي مكتبي، وفتحت الكتاب من آخره فقرأت تفسير
    سورة الإخلاص، قال فعدت إلى الكتاب من أوله فقرأت تفسير سورة الفاتحة، قال فهزت
    المعاني قلبي، فوقع حب الإسلام في قلبي، فخرجت من بيتي على المركز الإسلامي، قلتُ
    دلوني ماذا أصنع إن أردت أن أدخل دين الله، قالوا اغتسل فاغتسلت، ونطق الشهادتين
    ودخل دين الله تبارك وتعالى، وفي اللحظة التي خلع فيها رداء الشرك على عتبة التوحيد
    والإيمان تحرك للدين وتحرك للدعوة، ماذا يصنع؟ لا يحفظ شيئًا من القرآن، لا يحفظ
    شيئًا من السنة، لكنه يستطيع أن يقدم شيئًا.


    فلم أر في عيوب الناس عيبًا = كنقص

    ماذا يصنع هذا الرجل الصادق، أخذ مجموعة من الكتيبات التي تتحدث عن الإسلام باللغة
    الألمانية، وخرج في ميدان ووضعها على منضدة كهذه، وكان الشباب والفتيات يعرفونه
    وينزلون له ليوقع لهم على الأوتوجرافات فيقدم إلى أحدهم كتيبًا من هذه الكتيبات،
    يٌقسم الإخوة بالله دخل الإسلام على يد هذا الرجل ما يزيد على مائتي رجل وامرأة في
    عامٍ واحد،
    هذا العدد كله في ميزان من؟ الأخت الفاضلة التي قدمت له هذه الهدية التي
    ما توقعت أن تكون سبب إسلامه بعد عشرين سنة، فما إذًا إلا أن تدعو إلى الله تبارك
    وتعالى، وأن تغرس في حقل الإسلام غرسًا صحيحًا، تغرس بالقرآن والسنة بفهم سلف الأمة
    رضي الله عنهم وأرضاهم، ودع النتائج بعد ذلك إلى الله تبارك وتعالى، فالقلوب ليست
    بيد أحد.


    وظيفة الدعاة هداية الدلالة وليست هداية التوفيق


    وفرقٌ يا إخوة بين هداية الدلالة وهداية التوفيق، فهداية الدلالة هذه وظيفتنا، أن
    ندل الخلق على الحق، نقول قال الله جلّ وعلا وقال الرسول بأدب وتواضع وحكمة
    ورحمة، أما هداية التوفيق فبيد الله تبارك وتعالى، لا يملكها ملكٌ مقرب ولا نبي
    مرسل ولو كان المصطفى، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ
    هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272]، هل نرى تعارضًا
    أيها الشيخ بين هذه الآية التي ذكرت وبين قول الله تعالى لنبيه ﴿ وَإِنَّكَ
    لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]؟ لا، لا تعارض، الهداية
    المثبتة للنبي صلى الله عليه وسلم هي هداية الدِلالة أو الدَلالة، واللغتان صحيحتان
    بالفتح والكسر، أما الهداية المنفية عن سيدانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي
    هداية التوفيق، فهذه بيد الله تبارك وتعالى .


    ولو كانت بيد المصطفى صلى الله عليه وسلم لهدى النبي عمه أبا طالب، كما في صحيح
    البخاري وغيره من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل
    عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بي أبي أمية، فجلس النبي
    عند رأس عمه وقال ( يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أُحاج لك بها عند الله يوم
    القيامة )، فقال له أبو جهل أترغب عن ملة عبد المطلب، فقال أبو طالب: بل هو على ملة
    عبد المطلب، ومات على هذه الكلمة، فخرج النبي من عنده وقال ( لأستغفرن لك ما لم
    أُنه عنك )، فنزل قول الله جلّ وعلا ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا
    أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ
    مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113].


    شبهة أخرى للتخلي عن الدعوة إلى الله


    ألا تعجب معي بعد كل هذا الفضل أن يتخلى كثيرٌ من أهل الفضل عن الدعوة إلى الله جلّ
    وعلا، بل وقد يقنن أحدهم هذا العزوف ويحتج ويدلل له بقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا
    الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
    اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، فهمٌ خطأ، وفهمٌ مقلوبٌ للآية، وقد خشي الصديق رضي
    الله عنه يومًا عن هذا الفهم الخاطئ للآية فارتقى المنبر كما في سنن الترمذي وسنن
    ابن ماجة ومسند أحمد بسندٍ صحيح، ارتقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال "أيها
    الناس، إنكم تقرءون هذه الأية وتضعونها في غير موضعها، فإني سمعت النبي صلى الله
    عليه وسلم يقول ( إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك الله أن يعمهم بعقابٍ
    منه )"، وأنتم تعلمون أن الفتنة والمصيبة إن وقعت تصيب الصالح والطالح ﴿ وَاتَّقُوا
    فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].


    ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح البخاري وغيره عن النعمان بن بشير رضي
    الله عنه ( مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة،
    فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء
    مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا حتى نؤذي من فوقنا، فلو
    تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعًا، ولو أخذوا على أيديهم لنجوا جميعًا )، ولم
    يكرر النبي r لفظ النجاة، ( لنجوا جميعًا ) .


    وفي الصحيحين عن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي دخل عليها
    يومًا فزعًا، وفي لفظٍ استيقظ النبي يومًا من نومه عندها فزعًا، وهو يقول ( لا
    إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه
    )، وحلق النبي r بإصبعيه السبابة والإبهام، فقالت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها:
    يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال ( نعم، إذا كثر الخبث ).


    فالدعوة إلى الله أيها الأفاضل فرض عين على كل مسلم ومسلمة، كلٌ بحسب قدرته
    واستطاعته، لأننا نعيش زمانًا انتشر فيه الكفر، واستشرى فيه الباطل، ووما انتشر
    الكفر وأهله والباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن الحق أهله.


    مثال آخر


    ألمح الآن صديق الأمة رضي الله عنه أبا بكر بعد ما نطق الشهادتين، وفي أيام قليلة
    ينطلق إلى الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ليرجع بعد يوم واحد بخمسة من العشرة
    المبشرين بالجنة، ياالله، يرجع بعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وبالزبير بن
    العوام، وبسعد أبي وقاص، وبطلحة بن عبيد الله، بعد يوم واحد.


    أختم بهذه الكلمات، شتان شتان بين زهرةٍ حقيقية من خلق الله لا حبس عن الناس أريجها
    وعطرها، وبين زهرة صناعية لا تحمل من عالم الزهور إلا اسمها.


    أسأل الله عزّ وجلّ أن يشرفنا وإياكم بالدعوة إليه، وألا يحرمنا وإياكم من كرامة
    البلاغ عنه، وألا يحرمنا وإياكم من دلالة الخلق عليه بحق، إنه ولي ذلك والقادر
    عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


    أهمية الإعجاز العلمي في الدعوة إلى الله



    ذكرتم أن من وسائل الدعوة المطويات والكتب والأشرطة، هل من وسائل الدعوة أننا
    مثلا نضع في المساجد مطويات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لعلها تلين القلوب
    أكثر؟ يعني ما جاء في البحر أو ما جاء في السماوات، الإعجاز العلمي في القرآن الذي
    أثبته العلم الحديث لعله أقوى في إلانة قلوب الناس


    هذا بابٌ عظيم جدًا من الأبواب التي نستطيع أن نتغلغل بها الآن إلى العقول والقلوب،
    وأنا قدمت العقول على القلوب في هذا الباب لأن كثيرًا من الناس لا يذعن للحق وبكل
    أسف إلا إذا وجد هذا الحق مدعمٌ بهذه الأدلة العلمية .


    لكن ليس معنى ذلك أيها الأحبة أن نلوي أعناق النصوص القرآنية والنبوية لنظرية علمية
    فما أثبت العلم صحته في القرآن صدقناه، وما كذب العلم صحته أنكرناه، وإنما هذا بابٌ
    عظيم من الأبواب لاسيما إن كانت المعلومة فيه مضبوطة صحيحة أن نقدمه بصورة جميلة
    ملفتة للأنظار في المساجد لنبين أن عطاء القرآن مازال متجددًا في عصر العلم .


    مثال



    يعني لو قدمنا الآن ما أثبته العلم الحديث عن آيات الله تبارك وتعالى في هذه
    الأجرام السماوية وقدمنا مثلا على سبيل المثال كلمات لأكاديمية البحث العلمي في
    نيويورك مثلا إذ تقول لقد توصلنا بعد بحث علمي دقيق أن الأجرام السماوية قد وُضعت
    بنظام دقيق وليس مصادفة عشواء، ولو أن الشمس تركت مدارها إلى أعلى قليل لتجمد كل حي
    على ظهر الأرض، ولو تركت مدارها إلى أسفل قليلا لاحترق كل حيٍّ على وجه الأرض، ولو
    ترك القمر مداره إلى أعلى أو إلى أسفل لاختلف حركة المد والجذر وغرقت الأرض بمن
    فيها أو هلك أهل الأرض عطشًا.


    هذه المسائل الجميلة العلمية لاشك أنها تدعم وتجدد الإيمان في قلوب المؤمنين، وتزيل
    الشك من قلوب المتشككين، وتأتي بقلوب المنحرفين عن رب العالمين إلى الله تبارك
    وتعالى وإلى القرآن .


    مثال آخر



    وأود أن لو ذكرت على وجه السرعة بموقف مثلا من مواقف البحث العلمي التي أتت بقلب
    رجل عالم مشهور كموريس بوكاي مثلا في العصر الحديث، عام 1981 طلبت فرنسا بصورة
    رسمية من مصر أن ترسل مصر إليها بمومياء فرعون، واستقبل الرئيس الفرنسي وقتها
    فرنسوان متران وجميع وزرائه وجميع المسئولين جثة فرعون في المطار، ونقل في موكب
    مهيب إلى متحف الآثار الفرنسية لإجراء بعض الدراسات على هذه المومياء أو على هذه
    الجثمان، وكان رئيس البحث العلمي لهذا الفريق موريس بوكاي.


    وانشغل كل فريق في تخصصه، لكن موريس بوكاي انشغل بقضية أخرى بالنسبة إليه كبيرة ألا
    وهي كيف هلك هذا الفرعون، كيف مات، وبعد مدة طويلة من البحث العلمي الدقيق
    بالحاسوبات الآلية الدقيقة والأجهزة العلمية الحديثة أراد أن يعقد مؤتمرًا صحفيًّا
    عالميًّا ليعلن فيه للدنيا كلها أمرًا هائلا خطيرًا، فقال له أحد أقرانه في البحث
    العلمي وفي العمل، وما المعلومة؟ قال أود أن أبين للدنيا كلها أن هذا الفرعون مات
    غريقًا، فهمس في أذنه وقال لا تتعجل فالمسلمون يزعمون أن القرآن الذي بين أيديهم
    يتحدث أن فرعون قد مات غريقًا من أربعة عشر قرنًا، قال ماذا؟ هذا محال، لم يكتشف
    العرب مثل هذه الآلات التي بحثنا بها وتوصلنا إلى هذه المعلومة، قال لا، لا تتعجل،
    فقال أحضروا لي التوراة فقرأ فلم يجد أثرًا لهذا، فأحضِروا الإنجيل، فأحضَروا
    الإنجيل فقرأ فلم يجد أثرًا لهذا، أحضِروا القرآن، فأحضَروا القرآن، أو جاء عالمٌ
    فقرأ عليه آية واحدة فذة من كتاب الله تبارك وتعالى، ألا وهي قول الله جلّ وعلا ﴿
    فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً ﴾ [يونس: 92]،
    فنطق وقال أشهد أن هذا القرآن من عند الله، واستمر عشر سنوات يريد أن يستخرج
    تناقضًا علميًّا واحدًا بين القرآن وبين ما أثبته العلم الحديث فلم يجد، فبعد عشر
    سنوات قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًأ رسول الله.

    فأنا أحيي الأخ الكريم، وأذكر إخواني بأن هذا بابٌ من أعظم أبواب الدعوة إلى الله
    تبارك وتعالى، لاسيما ونحن نعيش عصر العلم، وأسأل الله أن يرزقنا وإياكم السداد
    والإخلاص والتوفيق.


    خطر التعالم


    قد انتشر في الآونة الأخيرة أُناس ادعوا العلم يا شيخ، فنريد منكم حفظكم الله
    توضيح مظاهر هذا الخطر الجسيم الذي يهدد الأمة الإسلامية بأسرها مع التنويه على
    كيفية تجنب أمثال هؤلاء من مدعي العلم، وجزاكم الله خيرًا


    جزاك الله خيرًا، هذا سؤالٌ في غاية الأهمية، والتعالم لا شك مرض العصر، التعالم
    مرض العصر وداءٌ خطير، وعتبة الدخول الجائرة الفاجرة ألا وهي القول على الله بغير
    علم، نرى كثيراً من المتعالمين ممن ادعوا العلم قبل أن يتعلموا، هذا هو التعالم،
    وبالغوا قبل أن يبلغوا، وتذببوا قبل أن يتحصرموا، فنرى من أخطر مظاهر التعالم الآن،
    وأنا أحذر إخواني وطلابي من هذا المرض العضال، بل وأحذر نفسي ورب الكعبة، من أخطر
    مظاهر التعالم أن ترى الآن جرأة رهيبة على الفتوى .


    لو تتبعت الفضائيات انقلب إليك بصرك خاسئًا وهو حسير، ترى جرأة على الفتوى في
    المسائل التي لو عرضت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع له أهل بدر، تسمع على
    فضائية من الفضائيات من يقول السماوات ليست سبعًا، وتسمع من يقول ليس هناك ما يُسمى
    بالهجرة، وتسمع من يقول ويقول ويقول حتى قال رجل في مسألة حينما سئل هكذا باللغة
    الدارجة قال "أصل النبي ماكنشي واخد باله"، خلل، فتلمح الآن جرأة على الفتوى في
    المسائل العويصة التي لو عُرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر.


    تعالم أن يدعي الإنسان العلم قبل أن يتعلم، لا يعرف مرتبة الدليل، ولا يعرف مناط
    الدليل، ولا يعرف أن يفرق بين المجمل والمبين، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ،
    وتراه يتجرأ على الخوض في كتاب الله تعالى، أو في مسائل الأصول الكبار، قد يقع في
    التكفير، وقد يقع في التفسيق، وقد يقع في التبديع، وهو لا يحسن أن يفرق بين الدليل
    ومناطه، بين الدليل ومراتبه، فأنا أقول الدليل ليس منتهى العلم يا أخي، بل لابد من
    فهم العلم، ولذلك نرى البخاري رحمه الله تعالى في كتاب العلم يترجم بابًا فقيهًا
    بعنوان "باب الفهم في العلم"، ومن جميل ما قاله ابن القيم "إن سوء الفهم عن الله
    ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام قديمًا وحديثًا".


    فالجرأة على الفتوى من أسوأ مظاهر التعالم، وهي منتشرة جدًا الآن بين كثيرٍ من
    المنتسبين إلى العلم الشرعي .


    يا أخي عبد الله بن عمر نجمٌ في سماء العلم، يأتيه سائلٌ فيقول له: يا ابن عمر أترث
    العمة؟ فيقول ابن عمر اذهب إلى العلماء فاسألهم، فيقول السائل: أنت يا ابن عمر تقول
    اذهب إلى العلماء فاسألهم، فيقول: نعم والله ما أحسن جواب مسألتك، فانصرف السائل،
    فقبل عبد الله بن عمر يد نفسه، ثم قال لنفسه: نعم ما قال أبو عبد الرحمن سئل عن ما
    لا يدري فقال لا أدري.


    وإذا ذُكر العلماء فمالك بن أنس إمام دار الهجرة نجمٌ ثاقب في سماء العلم، يقول
    تلميذه الشافعي: صحبتُ مالكًا فسئل في ثمانٍ وأربعين مسألة أنا لا أدري.


    وإذا ذُكر العلماء فالشافعي نجمٌ ثاقب، يقول إسحاق بن راهويه، قال لي أحمد بن حنبل
    تعالى يا إسحاق أريك رجلا بمكة ما رأت عيناك مثله، قال: فأراني الشافعي، قال إسحاق:
    فناظرت الشافعي في الفقه فلم أر أفقه منه، فناظرته في اللغة فوجدته بيت اللغة،
    فناظرته في الحديث فلم أر أعلم منه، والله لقد صدق أحمد فلم تر عيناي مثله، هذا
    الشافعي فيأتيه سائلٌ في المجلس فيسأله، فيسكت الشافعي، فيقول السائل أجب، فيسكت
    الشافعي، فيقول السائل في الثالثة أجب، فيقول الشافعي: انتظر يا أخي حتى أعرف هذا
    الفضل في سكوتي أم في جوابي.


    هؤلاء هم العلماء، فمن أخطر مظاهر التعالم الجرأة على الفتوى، والعجب، والكبر،
    والغرور، واحتقار الناس، وازدراء الناس، وحفظ بعض المسائل للتأسد والتنمر بها على
    أقرانه في مجلس من مجالس العلم، يجلس في مجلس فيقول قاعدة من قواعد الأصول مثلا،
    يذكر قاعدة من القواعد، العمل بالظن لا يصح مادام العمل بالعلم ممكنًا، يعرف الشرط،
    نيته وهدفه أن يظهر للناس أنه على علم وأنه أعلم منهم .


    والنبي صلى الله عليه وسلم كما في مستدرك الحاكم وسنن البيهقي وابن ماجة وغيرها
    بسندٍ صحيح من حديث كعب بن مالك ( من تعلم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به
    السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار )، نعوذ بالله من الخذلان.


    فيجب علينا:أن نخلص النية، وأن نصحح الطوية، وأن نطهر السريرة، وأن نخلص لله، وأن
    نعلم أن الفضل بيد الله، وأن القلب كالريشة في مهب الريح، وما سُمي القلب قلبًا إلا
    لكثرة تقلبه، نسأل الله عزّ وجلّ أن يثبت قلوبنا على الحق وأن يرزقنا الإخلاص، إنه
    ولي ذلك ومولاه.


    ذكرتم يا شيخ تعريف الحكمة لابن القيم رحمه الله، فأين نجد ذلك؟


    تجد ذلك إن شاء الله تعالى في كتابه القيم الماتع مدارج السالكين، وأذكر مرةً أخرى
    بتعريفه إذ يقول الحكمة هي فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي،
    وأركانها العلم والحلم والأناة، وآفاتها وأضدادها ومعاول هدمها الجهل والطيش
    والعجلة، فلا حكمة لطائش ولا لجاهل ولعجول.


    هل عدم العمل بالعلم يدعو لترك الدعوة ؟


    أحيانًا قد يتعلم المرء أمورًا قد تكون واجب أو منهيات أو سنن أو مكروهات، فلا
    يطبقها، فهل هذا يعني أنه لا يدعو إليها لكونه لا يطبقها


    هذا سؤال جميل وجيه، ليس معنى أن يضعف أحدنا لهيئته وطبيعته البشرية وأن يزل في
    معصية من المعاصي، وأن يقع في منكر من المنكرات، ليس معنى ذلك أن لا يحذر الناس من
    هذا بدعوى أنه يقع فيه، لا، لأنك بذلك تقع في معصيتين، أما المعصية الأولى وقوعك في
    هذا المنكر، والمعصية الثانية عدم تحذيرك للناس من الوقوع في هذا المنكر، أو عدم
    دعوتك للآخرين لاجتناب هذا المنكر، فأنت بذلك ارتكبت معصيتين، فالإنسان بشرٌ ضعيفٌ
    يزل في أي لحظة من اللحظات، ليس معنى ذلك إنه ضيع مثلا قيام الليل أن لا يذكر
    إخوانه بقيام الليل، ليس معنى ذلك أن لا يحذر من ترك الصلاة، أو أن يذكر إخوانه
    بالمحافظة على الصلاة في جماعة، وربما يقع في النظر إلى ما حرم الله، ليس معنى ذلك
    ألا يحذر إخوانه من هذه المعصية.


    فيجب على كل من زل في معصية أن يحذر منها، وأنا أرجو الله عزّ وجلّ أن دعوته لغيره
    بترك المعصية سببًا من أسباب تركه هو لهذه المعصية، فليس معنى أننا نقع في تقصير أن
    لا نحذر غيرنا من هذا التقصير، وإنما ادع غيرك وحذر، وسل الله تبارك وتعالى أن
    يرزقك الصدق وأن يعينك على ترك هذا المنكر الذي تحذر الناس منه وأنت واقع فيه،
    وببركة دعوتك للآخرين أرجو الله أن يبارك عليك وأن يخرجك من هذا المنكر، وأن يجنبك
    الوقوع، وأن يردك إلى الطاعة ردًا جميلا، إنه ولي ذلك ومولاه.


    كيف نعرف من يفتي بعلم من غيره الذي يفتي بغير علم ؟

    ما نصيحتك لعوام الناس الذين لا يملكون العلم الشرعي الكافي للتمييز بين الدعاة
    الذين يفتون بغير علم فيَضلون ويُضلون ويدعون لدين الله بالباطل، وبين العلماء
    الربانيين؟ بعبارة أخرى ما هي صفات الدعاة الذين علينا تلقي العلم منهم والاقتداء
    بهم؟ بارك الله فيكم وفي علمكم.


    والله هذا سؤال في غاية الوجاهة، وربما سألني بعض طلابنا في الحلقة الماضية هذا
    السؤال أيضًا، وأقول بأن الأمر يسيرٌ على طلاب العلم إن شاء الله تعالى، يعني طالب
    العلم يستطيع أن يميز بين العالم الرباني والداعية الصادق الذي يتلقى العلم على
    يديه من غيره، لماذا؟


    لأننا لا نتعبد الله تبارك وتعالى بتقديس العلماء أو بعبادة العلماء والشيوخ،
    أبدًا، وإنما منهجنا الذي ندين الله تعالى به ما أصله علي بن أبي طالب رضي الله عنه
    "اعرف الحق تعرف أهله، فإن الحق لا يُعرف بالرجال، ولكن الرجال هم الذين يُعرفون
    بالحق" .


    ومن بديع ما قاله الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه القيم الاعتصام، قال "ولقد زل
    أقوامٌ بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال، فخرجوا بسبب ذلك على جادة
    الصحابة والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل".


    ومن بديع ونفيس ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قال: "ليس لأحدٍ أن
    ينصب للأمة شخصًا يدعو إليه ويوالي ويعادي عليه غير النبي صلى الله عليه وسلم، وليس
    لأحدٍ أن ينصب للأمة كلامًا يدعو إليه ويوالي ويعادي عليه غير كلام الله ورسوله وما
    اجتمعت إليه الأمة" .

    ومن أروع ما قاله أيضًا رحمه الله تعالى: "فمن تعصب لواحدٍ من الأئمة بعينه دون
    الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحدٍ من الصحابة بعينه دون الباقين"، كالرافضي الذي
    يتعصب لعلي، وكالخارجي الذي يقدح في عثمان وعلي، وهذا طرق أهل البدع والأهواء، فنحن
    ندور مع الدليل حيث دار، وهذا واجبٌ على كل طالب علم يستطيع أن يعرف الأدلة وأن
    يفرق بين مراتب الأدلة ومناطات الأدلة.


    أما عامة المسلمين ممن لا يحسنون أن يعرفوا الأدلة أو أن يفرقوا أو أن يعرضوا هذا
    الكلام الذي يستمعون إليه على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:


    فأنا أقول في كلمات يسيرة أول أمر يجب على المسلم أن يتقي الله تبارك وتعالى وأن
    يبحث عمن يأخذ منه دينه، فالأمر دين، لا ينبغي للمسلم أن يأخذ دينه الذي يقبل به
    على ربه تبارك وتعالى من أي أحد، وأول أمر على المسلم أن ينظر إلى سمت العالم، إلى
    هديه، إلى دله، هل على سمت المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ هل هو على هدي رسول الله ؟
    فكيف أبلغ عن رسول الله وأنا بعيد عن هديه وسمته ودله.


    فأول أمر يستيطع الرجل العادي أن يفرق به أن ينظر إلى سمت العالم، ثم أود أن أقول
    ولله الحمد، وإن لم يحسن الرجل المسلم العادي أن يفرق بين الأدلة ومراتبها، أود أن
    أقول بفضل الله جلّ وعلا الحق أبلج والباطل لجلج، الحق يعلوه النور ويكسوه البهاء
    والجلال والكمال، والباطل يعلوه الظلام، لو سمع المسلم العادي العالم يقول قال الله
    جلّ وعلا قال الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي يؤخذه منه، لأن العلم قال
    الله قال رسوله، أما إن كانت الحلقة في فضائية من الفضائيات أو في مجلس من المجالس
    يُقضى الوقت كله في كلام مسرود مُطول لم يُنور بآية من كتاب الله، ولم يُدعم بحديثٍ
    من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليحذر المسلم أن يتلقى كل هذا.


    ومن رحمة الله تبارك وتعالى أن أبقى الله في الأمة الربانيين والمخلصين ممن يبلغون
    عن الله ورسوله، وأختم بهذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث معاوية رضي
    الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا
    يضرهم من خذله أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس )، وفي لفظٍ (
    وهم كذلك ).


    وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

الأصول الثلاثة .... الشرح للشيخ محمد حسان

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. شاب يموت اثناء محاضره للشيخ محمد حسان
    بواسطة المشتاقة للجنة في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-10-2009, 03:13 AM
  2. مواقف للشيخ محمد حسان
    بواسطة صل على الحبيب في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 27-08-2007, 05:25 AM
  3. الرجاء الدعاء للشيخ محمد حسان
    بواسطة shaykhoun في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 21-02-2007, 08:30 PM
  4. نشيد رائع :أنا العبد للشيخ محمد حسان
    بواسطة ismael-y في المنتدى الأدب والشعر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 12-01-2007, 10:25 PM
  5. الأصول الثلاثة الواجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها
    بواسطة الفلاسي في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 25-06-2005, 11:48 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

الأصول الثلاثة .... الشرح للشيخ محمد حسان

الأصول الثلاثة .... الشرح للشيخ محمد حسان