لا تزيدوا كلِمةً على ما آمركُم بهِ ولا تُنقِصوا مِنْهُ، واَحْفَظوا وصايا الرّبِّ إلهِكُم التي أُوصيكُم بها.
الكتاب المقدس – التثنية 4: 2
كان عدي ابن هيثم الطائي مسيحياً و اعتنق الإسلام في زمان محمد (
). و في يوم من الأيام تليت أمامه الآيات التالية من القرآن الكريم:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) القرآن الكريم – التوبة
عندما سمع عدي هذه الآية قال: ((يَا رَسُول اللَّه إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدهُمْ)) فأجابه النبي محمد (
) ((أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّه فَتُحَرِّمُونَهُ , وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّه فَتُحِلُّونَهُ ؟)) [لقد كان يشير إلى السلطة التي منحها الرهبان و الحاخامات لأنفسهم بحجة وحيهم المزعوم لتغيير الشرائع و القوانين] فأجاب : ((بَلَى! )) فقال محمد (
) ((فَتِلْكَ عِبَادَتهمْ)). (1)
=======================================
(1) لم تنتهي هذه النزعة في زمن النبي محمد () بل استمرت إلى يومنا هذا و يمكننا أن نراه أمام أعيننا. فمن أراد أن يرى عملياً هذا الميول المحزن فبإمكانه على سبيل المثال الاطلاع على المقالات العديدة التي نُشرت مؤخراً عن اعتراف الكنيسة الرسمي بالزنا و الأعداد المتزايدة من أعضاء مجلسها الذين "يعيشون في الخطيئة" على الملأ، كما كتب مؤخراً عن كنيسة أيرلندا. هذا الصمود الأخير قد سقط في النهاية – وفقاً للمقال – لأن "غالبية الشباب اليوم يمارسون ذلك". إن الحفاظ على أتباعهم أهم عندهم من الحفاظ على وصايا الله. يقول مؤلف المقال المسيحي بلسان السخرية: ((ربما إن أصبح غالبية البشر لصوصاً فإن الكنيسة ستلغي إدانة الله للسرقة أيضاً؟)) هنالك الكثير من الأمثلة الأخرى كيف أن الكنيسة قد استمرت إلى يومنا هذا في تبديل ما هو شائع مكان ما يرضي الله، إلى حد تغيير وصيته الواضحة. مثالٌ آخر هو موقف الكنيسة "العصري" المتساهل من مسألة اللواط و ممارسيها. إن البشرية تتنافس و تتسابق مع الزمن لتمام إلغاء كل ما تبقى من الأخلاق و الحشمة، مستبدلةً إياها بآلاف من الأساليب الجديدة و المبتكرة للفحش و فساد الأخلاق، باسم "العصرية" و "الرقي" و الكنيسة مستعدة أيضاً للرضوخ و الاستسلام تماماً للأمر. فقط حافِظ على حضورك للكنيسة و دعمك لها و لن تهتم الكنيسة بالمقابل بما تفعله بعد رحيلك. على أحدهم أن يصرخ في وجه الشر حتى لو أدى ذلك إلى تعرضه للأذى و عدم محبة الناس له. في الإسلام يعتبر هذا عمود أساسي من معتقداتنا، يدعى "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر". إن الاستسلام بسهولة و قبول الأمر فيما نشاهد العالم يدمر نفسه من حولنا هو أمر مرفوض. على أحدهم أن يقف و يقول: ((هذا من الشر، هذا خطأ. حتى لو أصررتم على ممارسته فليس لزاماً علينا أن نتغاضى عنه)). عسى الله أن يهدينا و يفتح عيوننا لوضع رضاه فوق رضى البشر. إن في ذلك خير لنا إن كنا نعلم.=======================================
لو سألنا مسيحياً عادياً: ((من أين أتي الكتاب المقدس الذي بين يديك؟)) فإنه غالباً ما سيجيبنا: ((من عند الله!)).
ولو سألناه: ((و كيف تعلم أنه من عند الله؟)) فسيجيب: ((لقد أوحى به لأناس عديدين دوّنوه و حفظوه لنا)).
و لو سألناه: ((هل جميع الموحى إليهم أنبياء؟)) فسيجيب: ((كلا، منهم أنبياء و أناس بلا خطيئة "قديسين"، إلخ...))
((هل قام هؤلاء الأنبياء و "القديسين" بالتوقيع بأسمائهم على هذه المستندات؟)) إن سألناه هذا فسيجيب: (( كلا. و لكن الكنيسة تعرف من كتبهم و متى كُتبوا و لديها الدليل الذي لا يُدحض في هذا الخصوص)).
فلو سألناه: ((هل يمكن لأي شخص بلا ضمير الولوج في الماضي إلى الكتاب المقدس لتعديل أسفاره؟)) فجوابه سيكون: ((بالطبع لا! لقد أخبرتنا الكنيسة أنه حتى العهد القديم – الأكثر قدماً – قد حُفظ بحرص شديد لدرجة أنهم أحصوا و سجلوا كل كلمة و كل حرف. و بالتالي فإن الكنيسة قد طمأنتنا أن هذه الكلمات لم و لن تتعدل من قبل البشر لا من خلال أخطاء النسخ و لا الأخطاء العرضية)).
((لنسأل سؤال آخر)) نتابع فنقول: ((هل العهدين "القديم و الجديد" الذين بين يديك اليوم هما نفس العهدين "القديم و الجديد" الذين كانا مع حواريي عيسى (عليه السلام) و إلى وقتنا الحاضر؟)) فسيجيب: ((بالطبع! لقد كان هنالك دائماً كتاب مقدس واحد!)).
هذا هو جوهر أي حوار بين مسلم و مسيحي عاديين يدور حول الكتاب المقدس، حول مكوناته و حفظه. من ناحية أخرى، لو سألنا علماءهم نفس المجموعة من الأسئلة فسنذهل للفرق الشائع بين أجوبة عوام المسيحيين مقارنة بعلمائهم. فلو ذهبنا إلى المكتبة الغربية للبحث عن تاريخ الكتاب المقدس كما يسجله علماء المسيحية البارزين عبر العصور، فسنجدهم يقولون لنا بأن أسفار "العهد الجديد" التي بحوزتنا اليوم لم تُقبل رسمياً أنها الأسفار "القانونية" للعهد الجديد "الموحى بها" إلا بعد قرون عديدة من رحيل عيسى (عليه السلام). عشرات من الأجيال المسيحية عاشوا و ماتوا تماماً بعد رحيل عيسى (عليه السلام) دون أن يروا أو يعرفوا مثل هذا "العهد الجديد" أو مثل هذا "الكتاب المقدس" الذي بحوزتنا اليوم.
بعد رحيل عيسى (عليه السلام)، بدأ بعض الحواريين و أناس آخرون بكتابة "أناجيل". كل من هؤلاء المؤلفين قد سافر إلى أرض أخرى فتبعه مجموعة من الناس يتخذون من إنجيل هذا الرجل "كتاباً مقدساً" لهم. حتى أشخاصاً بلا ضمير قد كتبوا "أناجيل" وبدلوا فيها ثم زعموا أنها من عند حواري ما أو أنهم أنفسهم كانوا يتلقون وحياً إلهياً. الكثير من التعاليم الجديدة و المبتدعة قد وجدت طريقها لدين عيسى في ذلك الوقت. فنشبت بين هذه الجماعات العداوة و البغضاء و القتال. كلٌ منهم يزعم أنه وحده يملك الإنجيل "الصحيح" لعيسى (عليه السلام) ولا أحد سواه. فاختلفت معتقداتهم و تنوعت، فمنهم من آمن بأن عيسى (عليه السلام) هو رسول فانٍ من عند الله لا غير، و منهم من نسبوا إلى عيسى (عليه السلام) شيئاً من الألوهية، و منهم من زعم أن عيسى (عليه السلام) إله حقيقي ولكنه مستقل عن الله ذاته، و منهم من نادى بـ"الثالوث"، ومنهم من زعم أن مريم (عليها السلام) آلهة أيضاً، و منهم من اعتقد بوجود إلهين: أحدهم صالح و الآخر شرير، ومنهم من آمن بوجود حتى أكثر من ثلاثمائة آلهة. من هنا بدأت حرب الأناجيل.
فأخذوا بعد ذلك بشتم و لعن بعضهم البعض، و كانت كل طائفة تقف في وجه الأخرى كحجر العثرة. فنشأ على مر القرون التالية مناظرات و مجامع بينهم أكثر من أن تُحصى. في ذلك الوقت لم يكن لأي من هذه الجماعات القوة الكافية للهيمنة التامة و إسكات الآخرين للأبد. لقد كانوا بحاجة إلى حليف لا يُهزم، إلى بطل قوي لتحقيق ذلك، إلى من يستطيع أن يُجبر الطوائف الأخرى "الكاذبة" على إدراك أخطائها لتوافق على "تصحيح" المعتقدات – فبدؤوا يتطلعون إلى الأمبراطورية الرومانية لتقديم العون.
المفضلات