معجزة القرآن اللغوية:
الله عز وجل تحدى العرب بأن يأتوا بسورة من مثل هذا القرآن، وتحدى قريشا فلم يستطيعوا.. لماذا؟ من يعرف تاريخ اللغة العربية وهي أقدم لغة في التاريخ البشري، يعلم أن العرب قد وصلوا بلغتهم إلى تطور لم يعلم مثله في أي حضارة أو أمة أو لغة على وجه الأرض منذ أن هبط آدم من الجنة.. ووضعوا الألفاظ والجمل والمعاني في قوالب وتركيبات لو فهمها الناس الآن لقالوا هذا سحر.. مثل المعلقات العشر وغيرها.. ووصلوا بلغتهم إلى درجة عالية وقوة ممكن أن نقول مثلما وصل الناس إلى في الإلكترونيات والاختراعات.. فلو أتى احد من أدغال أفريقيا مثلا ورأى الطائرات والصواريخ والمكوكات وغيرها ولم يرها من قبل، لقال هذا سحر.. فهذا ما فعله العرب في لغتهم، وقسموا الكلمات على حسب الساكن والمتحرك. كما هو في علم العروض الذي دونه اللغويون في القرن الثاني الهجري على أساس ما جاء في الشعر الجاهلي قبل الإسلام.
فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن وسمعوه، وجدوا أنه أقوى وأفضل من شعرهم ونثرهم، على الرغم من أنه ليس على نظم ما ألفوه من تركيب الكلمة والجملة، فقالوا على القرآن: هذا سحر مبين. كما نص القرآن،،، لأنه لا يمكن أن يأتي أحد أفضل مما فعلوه في لغتهم، وهو على غير نظم وتركيب الجملة والكلمة والقافية وبحور الشعر وغيرها من علم العروض..
وقوة اللغة العربية الآن لا تبلغ عشرة في المائة من قوة اللغة في العصر الجاهلي قبل الإسلام وفي القرن الأول الهجري..
لا يتكلم أحد عن معجزة القرآن اللغوية، بنفي أو إثبات، وهو لا يفهم هذا الكلام، ولم يدرس الشعر الجاهلي وعلم العروض..
وانا سوف أضرب مثلا على ذلك، والأمثلة كثيرة.. عالم في اللغة والفقه. ألف كتابا اسمه"عنوان الشرف الوافي، في الفقه والعروض والتاريخ والنحو والقوافي.. خمس علوم في كتاب واحد.. الخمس علوم موجودة في صفحة واحدة.. علم تقرأه من اليمين إلى الشمال، وعلم من أعلى إلى أسفل، والكلمة الواحدة تشترك في علمين ولها مدلول في العلمين على الرغم أنها كلمة واحدة.
هؤلاء هم الذين تحداهم القرآن فلم يستطيعوا أن يأتوا بمثل سورة من القرآن. وهذا الكتاب ألف في القرن التاسع الهجري. مع ملاحظة أن قوة اللغة العربية وبلاغتها، قد ضعفت عما كانت عليه في القرن الأول الهجري وقبل الإسلام... فإذا كانوا هؤلاء اعترفوا بمعجزة القرآن اللغوية ولم يستطيعوا أن يأتوا بمثل سورة من القرآن، فغيرهم أولى بالاعتراف بذلك.
وأضرب مثلا لذلك. لو أن شركة هندسية أو دولة قامت ببناء برجا وتحدوا كل الشركات الهندسية في العالم، أن ينشئوا مثلا، فلم تستطع شركة واحدة أن تفعل.. فهذا حجة على غير المهندسين. أي فإن من الطبيعي ألا يدخل التحدي غير المهندسين.. ولا يقول مثلا مهندس زراعي أو طبيب أو بقال أو جزار أو فلاح، أنا سوف أدخل التحدي. لأنه إذا اعترفت الشركات العالمية بأنهم لم يستطيعوا فعل هذا، فبالأولى غير المهندسين لا يستطيعون.. هذا للعقل السليم والمنطق القويم..
وفي العصر الحديث من أراد أن يطلع على بعض نواحي البيان والإعجاز اللغوي والبلاغة في القرآن، ففي كلام الشيخ الشعراوي رحمه الله الكثير من ذلك في خواطره عن القرآن، لأن تخصصه اللغة العربية.. وشهادته من الأزهر في اللغة..

نبينا صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن الله عز وجل أهلك أمما مثل عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم، وأخذهم بالعذاب.. لأن هذا في القرآن... فلا يمكن أن يدعي أنه نبي كذبا.. لأنه يعلم أن الله عز وجل سيرسل نبيا آخر يخبر بأنه ليس نبيا، وكذلك فإن الله عز وجل سيعاقبه. ومثال ذلك، لا يستطيع أي أحد أن يدعي كذبا أنه سفير أمريكا، لأنه يعلم تمام العلم أن أمريكا سوف تكشف كذبه وتحبسه.

لا يمكن لأي عقل سليم أن يصدق أن رجلا في قرية ليس فيها مكتبة واحدة، ومل من فيها لم يتعلموا علوم البيولوجيا والفيزياء وغيرها، وهو لا يقرأ ولا يكتب كسائر القبيلة.. ثم يتكلم عن خلق كل شيء، وخلق السماوات والأرض، ويتحدى جميع البشر بأن يأتوا بمثل هذا القرآن، ويتحدى أهل الكتاب.. وأن يؤلف كتابا من خمسمائة صفحة تقريبا. فهذا من أدلة نبوة تبينا صلى الله عليه وسلم.
{أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [الأنبياء : 30]
{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء : 88]
{ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} [الروم : 58]
{والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون (47) والأرض فرشناها فنعم الماهدون (48) ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون (49)} [الذاريات : 47-49]..
وذكر تعالى أن من أدلة نبوته صلى الله عليه وسلم أنه جاءهم بكتاب وهو لا يعرف القراءة والكتابة، ومنعه الله عز وجل من أن يتعلم ذلك، حتى لا يقول أحد أنه هو الذي ألف هذا القرآن. قال تعالى:
{وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت : 48