ذلك من عزم الأمور
قال الله تعالى في كتابه الكريم :
" واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الأمور " ( لقمان 17 )
" وإن تصبروا وتتقوا فإنّ ذلك من عزم الأمور " ( البقرة 227 )
" ولمن صب ر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور " ( الشورى 43 )
ترى ما الفرق بين هذه الآيات الثلاث ؟
في الحياة الدّنيا يصيب الإنسان كثيراً من الأذى في النواحي الجسدية والنفسية وغيرها ، فإذا كان هذا الأذى لا يعلم الإنسان سببه أو مسببه فعليه الصبر حتّى يتعافى من هذا الأذى وهذا المعنى المقصود في الآية الأولى ، أمّا إذا كان الإنسان يعلم سبب الأذى ولا يعلم مسببه فالتقوى هنا أن يأخذ الحيطة والحذر حتّى لا يلحق به هذا الأذى مرّة أخرى ، فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرّتين كما جاء في الأثر ، وهذا المعنى هو المقصود في الآية الثانية . أمّا الآية الثالثة فهي ترفع المؤمن إلى درجة عالية من الرقي والتحضر وتجعله ذا نفسية عظيمة ، وهي الحالة التي يعرف المؤمن مسبب هذا الأذى ، فالله عزّ وجلّ يبين للمؤمن أنّ الغفران والمسامحة للمسيء أفضل من الانتقام والثأر الذي يزيد من الأحقاد بين الأفراد .
وتلاحظ في هذه الآية أنّ الله عزّ وجلّ لم يقل إنّ ذلك من عزم الأمور بل قال إنّ ذلك لمن عزم الأمور وهو تأكيد على المسامحة والغفران . ونجد في موضع آخر من القرآن الكريم أنّ الله عزّ وجلّ قد رفع المؤمن إلى درجة رقي أعلى من أن يغفر للمسيء وهي أن يحسن إلى من أساء إليه . قال الله تعالى :
" والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين " ( آل عمران 134 )
وهذا الأمر يحوّل كثيراً من أعداء الإنسان إلى أصدقاء ومحبّين . قال الله تعالى :
" ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم ، وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم " ( فصّلت 34-35 )

من كتاب خواطر علمية لمؤلفه
محمد صفوح الموصللي
دمشـق