لإعجاز التاريخي في القرآن الكريم
قال الله تعالى في سورة الأنفال :
" كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب ( 53 ) ذلك بأنّ الله لم يكن مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم إنّ الله سميع عليم ( 54 ) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربّهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكلّ كانوا ظالمين (55) "
قد يظنّ البعض لأوّل وهلة أنّ هناك تكرار بين الآيتين ( 53 – 55 ) لكنّ الأمر ليس هكذا بل إنّ هذه الآيات الثلاث إشارة إلى تاريخ مصر القديم حيث مرّ بثلاث مراحل،ولكن لم يعلم هذا الأمر بدقة إلا عندما استطاع العالم شامبليون فك شفرة حجر الرشيد المكتشف عام 1799 م حيث تبين أنّ مصر حُكمت من قِبل الفراعنة على مرحلتين وبينهما مرحلة وسطى حكم مصر فيها ملوك الهكسوس .
المرحلة الأولى حسب الإشارات القرآنيّة كانت قبل وجود بني إسرائيل ( أولاد يعقوب عليه السلام ) في مصر حيث أسس الفراعنة الحضارة الأولى لهم وبنوا ما بنوه من آثار باقية إلى يومنا هذا . قال الله تعالى :
" وفرعون ذي الأوتاد " ( الفجر 89 )
ولكنّهم استكبروا وكفروا بآيات الله وجاؤوا بالخاطئة وغيّروا ما بأنفسهم فقضى الهكسوس على دولتهم وحكموا مصر من بعدهم وبنوا حكمهم على أساس ملكي ، وفي زمن حكمهم جاء النبي يوسف عليه السلام . قال الله عزّ وجلّ :
" وقال الملك إئتوني به " ( يوسف 50 )
وهذا إعجاز تاريخي حيث قال الله تعالى ( قال الملك ) ولم يقل قال فرعون لأنّ الحكم آنذاك لملوك الهكسوس، ولكن على ما يبدو من الحوادث التاريخية أنّ آل فرعون الذين بقوا في مصر عرفوا ما عملوا من أخطاء فغيّروا ما بأنفسهم فعاد الحكم إليهم ثانية وكان ذلك بعد وجود بني إسرائيل في مصر فاستعبدهم الفراعنة على أساس أنّهم كانوا يساعدون ملوك الهكسوس في الحكم فعاد المجد لآل فرعون ثانية وعادوا للاستمرار في بناء حضارتهم إلى زمن وجود النبي موسى عليه السلام الذي جاء لتحرير بني إسرائيل من العبودية . قال الله عزّ وجلّ لموسى وهارون عليهما السلام :
" فأتياه فقولا إنّا رسولا ربّك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذّبهم " ( طه 47 )
لكنّ آل فرعون عادوا إلى دأبهم ( عادتهم ) في الكفر بآيات ربّهم فكانت نهايتهم بالغرق ولم تقم لهم بعدها قائمة . قال الله تعالى :
" وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين " ( الأنفال 55 )

من كتاب خواطر علمية لمؤلّفه
محمد صفوح الموصللي
دمشــــــــق