وهذا هو نص التشريع اليهودى فى الحروب، وما يهمنا منه هو ما ‏يخص حروب اليهود مع الأمم المجاورة لهم لأننا من هذه الأمم بطبيعة ‏الحال. وهو موجود فى الإصحاح العشرين من سفر "التثنية": "10«حِينَ ‏تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى ‏الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ ‏وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. ‏‏13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. ‏‏14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا ‏لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 15هكَذَا تَفْعَلُ ‏بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. ‏‏16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا ‏نَسَمَةً مَّا، 17بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا: الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ ‏وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ". و"التحريم" هنا معناه الإبادة ‏والاستئصال.‏
وفى تناول الكاتب لموضوع الكتابات الإسلامية الجدلية ضد ‏اليهود حسب قوله نراه يشير أول ما يشير إلى ما جاء فى القرآن من أن ‏بعض اليهود يقولون بأن عُزَيْرًا ابن الله، نافيا أن يكون الأمر كذلك، ومؤكدا ‏أنهم إنما كانوا يبجّلونه ليس إلا. يريد أن يقول إن الرسول قد أخطأ فنسب ‏إلى اليهود ما لم يقولوه. وإلى القارئ أولا ما قاله القرآن المجيد فى هذا ‏الموضوع: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ‏ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى ‏يُؤْفَكُونَ" (التوبة/ 30). ويُفْهَم من النص أن من يهود المدينة من كان يقول ‏ذلك عن عُزَيْر. ولو كان ما يقوله القرآن خطأً لسمعنا اليهود يردون عليه ‏ويخطئونه ويسخرون منه ومن النبى الذى أتى به، وهم الذين كانوا ‏يسخرون ويتهكمون من الإسلام والمسلمين بالباطل لا يكفون عن ذلك ‏أبدا. فلماذا سكتوا هنا إذا لم يكونوا فعلا يؤلهون عزيرا مع أن السكوت ‏يثبّت التهمة عليهم؟ إنهم لم يكونوا ليفلتوا هذه الفرصة لفضح النبى وكسره ‏كسرة لا تقوم له قائمة بعدها لو كان ما قاله القرآن غير صحيح. وفى ‏بعض الروايات أن ابن عباس باحث فى هذه المسألة ذات يوم عبد الله بن ‏سلام، وهو صحابى يهودى الأصل، فأجابه ابن سلام بما كان من كتابة ‏عزير التوراة من ذاكرته وقول بنى إسرائيل حينئذ: لم يستطع موسى أن يأتينا ‏بالتوراة إلا فى كتاب، أما عُزَيْر فقد جاء بها من غير كتاب. فغَلَتْ فيه ‏طوائف منهم وقالوا إنه ابن الله. كذلك ذكر الجاحظ، فى "رسالة الرد ‏على النصارى"، أنه كان فى عصره بقايا فى الشام واليمن وبعض بلاد الروم ‏من اليهود القائلين ببنوة عزير لله. ثم هناك المناظرة التى انعقدت بين الفخر ‏الرازى وأحد القساوسة الذى أقر بأن هناك فعلا يهودا يؤمنون بذلك، إلا ‏أنه اعترض على ما ظنه تعميما من القرآن لهذا على اليهود جميعا، فبين له ‏الرازى أن التعميم ليس بلازم. وما قاله الرازى صحيح، إذ قد يُطْلَق الكل ‏ويُرَاد به الجزء فقط لغرض من الأغراض البلاغية كما هو معروف. ويجد ‏القارئ هذا الكلام فى كتاب الرازى: "مناظرة فى الرد على النصارى". ‏وفى "تفسير عثمانى" (باللغة الأوردية) للشيخ شبير أحمد عثمانى أن عالما ‏هنديا هو الحاج أمير شاه خان لقى فى سفرته إلى فلسطين قبل بضعة ‏عقود يهودا من "العُزَيْرِيّين" لا يزالون يعتقدون أن عزيرا ابن الله. وبالمثل ‏أشار د. عبد المنعم الحفنى فى "الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية" إلى ‏جماعة من اليهود يزعمون أن عزيرا ابن الله. نخرج من هذا كله بأن الكاتب ‏إنما يريد تخطئة القرآن بأى طريق! وقد سبق أن عالجت هذه القضية ‏بتفصيل أكثر فى كتابى: "مع الجاحظ فى رسالة الرد على النصارى" فى ‏الفصل الموسوم بــ"عُزَيْر".‏
ثم يعود الكاتب إلى ما سبق أن تحدث عنه من أن المسلمين يقولون إن ‏الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق، ولكنْ فى سياقٍ آخَرَ هو رده على اتهامهم ‏لليهود بتحريف التوراة. وقد مَرَّ قبل قليل أن العهد القديم فى هذه النقطة، ‏كما فى كثير غيرها، يرد على نفسه بنفسه ولا يحتاج إلى قول من المسلمين. ‏وعلى كل حال هل يعقل مثلا أن يقول الله سبحانه وتعالى عن نفسه إنه ‏استراح من عمله بعد أن خلق السماوات والأرض، وكأنه يجوز عليه التعب ‏والإرهاق ويحتاج إلى التقاط أنفاسه وتجديد حيويته حسبما جاء فى ‏الإصحاح الأول من سِفْر "التكوين"؟ أم هل يعقل أن يقول إن له أبناء مثلما ‏للناس بنات، وإن أبناءه قد ذهبوا إلى بنات الناس واتخذوهن زوجات لهم ‏كما جاء فى الإصحاح السادس من ذات السِّفْر: "1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ ‏يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ ‏حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا "؟ أم هل يعقل أن ‏يكون سِفْر "الخروج"، وهو عن موسى وبنى إسرائيل، قد كتبه ذلك النبى ‏عليه السلام، على حين أن الضمير المستخدم فى السِّفْر كله من أوله إلى ‏آخره هو ضمير الغائب، فى الوقت الذى نجد السفر كثيرا ما يحكى أشياء ‏وقعت قبل مجىء موسى إلى العالم وأشياء أخرى وقعت فى غيابه حينما ‏كان فوق الجبل لميقات ربه مثلا، وأنه ينتهى بحكاية موت موسى ودفنه فى ‏الموضع الذى دُفِن فيه؟ ترى هل يمكن أن أقص أنا مثلا خبر موتى ‏ودفنى؟ كذلك هل يعقل أن يخطئ الوحى الإلهى فيقول إن أم موسى ‏وضعته وهو رضيع فى سَفَطٍ كانت قد طَلَتْه بالـحـُمَر والزفت ثم أعطته ‏إلى أخته، وإن تلك الأخت قد حملته طوال الطريق حتى بلغت قبالة قصر ‏فرعون فوضعته بين الحلفاء هناك على شاطئ النهر؟ فلم إذن طلت أم ‏موسى السَّفَط بالـحُمَر والزفت إذا لم تكن النية متجهة إلى وضع السَّفَط فى ‏النهر كما يقول القرآن المجيد؟ ولكيلا ينبرى أحد فيزعم أن النية قد تكون ‏شيئا ثم تأتى الأحداث فتفرض شيئا آخر أقول إن ابنة فرعون، التى يذكر ‏كاتب السِّفْر أنها هى التى التقطت السَّفَط من بين الحلفاء، قالت إنها ‏انتشلته من الماء. ترى كيف تكون انتشلته من الماء فى الوقت الذى يقول ‏الكاتب إنها وجدته بين نبات الحلفاء حيث وضعته أخته؟ وبالمثل كيف ‏يمكن أن نصدق ما عزاه كاتب السفر إلى هارون، وهو الرسول الكريم، من ‏صنع العجل لبنى إسرائيل وبناء مذبح له كى يعبدوه من دون الله ويرقصوا ‏حوله عرايا كما ولدتهم أمهاتهم؟ هل يمكن أن يكون هذا الكلام وحيا ‏إلهيا؟ أم هل يمكن أن يقع الوحى السماوى فى غلطة مضحكة كتلك التى ‏يقول فيها كاتب سفر "أخبارالأيام الثانى" (فى نهاية الإصحاح الحادى ‏والعشرين وأول الثانى والعشرين) إن الملك يهورام كان أصغر من ابنه ‏الأصغر أَخَزْيا بعامين؟ فبكم من الأعوام يا ترى كان يصغر جلالته ابنَه ‏الأكبر إذن؟ ‏
أم كيف لنا أن نصدّق أن سفر "نشيد الإنشاد"، وكله فى الغزل ‏الشهوانى العنيف، هو وحى سماوى نزل على سيدنا سليمان عليه ‏السلام؟ وإلى القارئ بعضا مما يحتويه هذا السفر من غزل: "1نَشِيدُ الأَنْشَادِ ‏الَّذِي لِسُلَيْمَانَ: 2لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ. 3لِرَائِحَةِ ‏أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى. 4اُجْذُبْنِي ‏وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ ‏أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ... 12مَا دَامَ الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ أَفَاحَ ‏نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ. 13صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ... 11اُخْرُجْنَ ‏يَا بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَانْظُرْنَ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ بِالتَّاجِ الَّذِي تَوَّجَتْهُ بِهِ أُمُّهُ فِي يَوْمِ ‏عُرْسِهِ، وَفِي يَوْمِ فَرَحِ قَلْبِهِ... 1هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ ‏جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ عَلَى ‏جَبَلِ جِلْعَادَ. 2أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ الْجَزَائِزِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْغَسْلِ، اللَّوَاتِي كُلُّ ‏وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ. 3شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ. ‏خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ الْمَبْنِيِّ لِلأَسْلِحَةِ. ‏أَلْفُ مِجَنٍّ عُلِّقَ عَلَيْهِ، كُلُّهَا أَتْرَاسُ الْجَبَابِرَةِ. 5ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْ ظَبْيَةٍ، ‏تَوْأَمَيْنِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ السَّوْسَنِ. 6إِلَى أَنْ يَفِيحَ النَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ الظِّلاَلُ، أَذْهَبُ إِلَى ‏جَبَلِ الْمُرِّ وَإِلَى تَلِّ اللُّبَانِ. 7كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ... 1مَا ‏أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ، صَنْعَةِ ‏يَدَيْ صَنَّاعٍ. 2سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ. بَطْنُكِ صُبْرَةُ ‏حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ. 3ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ، تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجٍ ‏مِنْ عَاجٍ. عَيْنَاكِ كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ. أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ ‏النَّاظِرِ تُجَاهَ دِمَشْقَ. 5رَأْسُكِ عَلَيْكِ مِثْلُ الْكَرْمَلِ، وَشَعْرُ رَأْسِكِ ‏كَأُرْجُوَانٍ. مَلِكٌ قَدْ أُسِرَ بِالْخُصَلِ. 6مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ ‏بِاللَّذَّاتِ! 7قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ. 8قُلْتُ: «إِنِّي ‏أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، ‏وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ، 9وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ. لِحَبِيبِي السَّائِغَةُ الْمُرَقْرِقَةُ ‏السَّائِحَةُ عَلَى شِفَاهِ النَّائِمِينَ. 10أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ. 11تَعَالَ يَا ‏حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ، وَلْنَبِتْ فِي الْقُرَى. 12لِنُبَكِّرَنَّ إِلَى الْكُرُومِ، لِنَنْظُرَ: ‏هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟ هَلْ تَفَتَّحَ الْقُعَالُ؟ هَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ هُنَالِكَ أُعْطِيكَ ‏حُبِّي. 13اَللُّفَّاحُ يَفُوحُ رَائِحَةً، وَعِنْدَ أَبْوَابِنَا كُلُّ النَّفَائِسِ مِنْ جَدِيدَةٍ وَقَدِيمَةٍ، ‏ذَخَرْتُهَا لَكَ يَا حَبِيبِي". والعجيب أن الكاتب بعد ذلك كله، وما ذلك كله ‏إلا غَيْضٌ من فَيْض، يتهم القرآن بأنه أخطأ فى اتهام اليهود بتحريف كتابهم!‏
ويتعلق بهذا إشارته إلى ما يقوله علماء المسلمين من أن فى العهد ‏القديم نبوءات خاصة بنبوة محمد عليه السلام وتأكيده أن علماء اليهود قد ‏فنّدوا هذا الادعاء مبينين أنه لا صلة بين نصوص العهد القديم المرادة وبين ‏نبوة محمد. ولكن ماذا يقول عن الأحبار والرهبان والقساوسة من كل بلاد ‏العالم الذين قالوا ما يقوله علماء المسلمين فى تفسير هذه النصوص، ثم ‏زادوا على ذلك أنْ تصرفوا التصرف المنطقى فى هذه الحالة، وهو الدخول ‏فى الإسلام؟ وقائمة أولئك الناس جِدُّ طويلةٍ، وكثير من أسمائها أوروبى ‏وأمريكى. وأولهم عبد الله بن سلام، الحبر الذى أسلم فى حياة النبى فى ‏قصة شائقة عجيبة تدلك على خلائق اليهود وما هم عليه من عناد ‏وتصلب رقاب ونفاق، وأصبح بعدها واحدا من كبار الصحابة. وما زال ‏العدّاد مستمرا لا يتوقف، ولن يتوقف بمشيئة الله. وقد أورد الكاتب اسم ‏واحد من هذه الأسماء هو السَّمَوْأَل بن يحيى المغربى (الحبر اليهودى السابق ‏شموائيل بن يهوذا بن آبوان، الذى سماه كاتبنا بــ"المرتدّ")، وكان متضلعا من ‏اللغة العبرية والتاريخ والطب، فضلا عن علوم الرياضيات، التى ترك فيها ‏مؤلفات بلغت القمة فى أهميتها...إلخ. ولم يكتف السموأل باعتناق ‏الإسلام، بل كتب يفضح ويفنِّد الأخطاء الموجودة فى ديانته الأولى، مشيرا ‏إلى مواضع العبث والتحريف فى العهد القديم. وهذا موجود فى كتابه: ‏‏"إفحام اليهود". ومِثْلُ السموأل من علماء يهود القدامى فى ترك اليهودية ‏واعتناق دين محمد عليه الصلاة والسلام: هبة الله علي بن الحسين بن ‏ملكا، وسعيد بن الحسن الإسكندراني (في القرنين السابع والثامن ‏الهجريين). وفى الختام أجد لزاما علىّ أن أشير إلى وقوف كاتبنا بعض ‏الوقت أمام اسم رائد الدراسات الدينية المقارنة الإمام العظيم ابن حزم ‏وتراثه الذى خلّفه لنا فى تبيين ما يعجّ به الكتاب المقدس من أخطاء ‏وتناقضات، وعلى رأسه "الفِصَل فى المِلَل والأهواء والنِّحَل". والحق أن ‏ابن حزم عقلية جبارة وعبقرية شاهقة ليس من السهل العثور على مثيل ‏لها. وإنى لأهتبل هذه السانحة فأدعو الله أن يسكنه عُلْيَا الفراديس وأن ‏يُغْدِق عليه شآبيب كرمه العميم.‏
ومما تناوله الكاتب فى هذا السياق أيضا الاتهام الذى وجهه ‏علماء المسلمين إلى اليهودية بأنها تجسد الله وتشبّهه من ثم بالبشر. وأنا لن ‏أصنع شيئا هنا سوى إيراد بعض النصوص التى تُجَسِّد الله فعلا، حاصرا ‏نفسى فى السِّفْر الأول فقط من العهد القديم. وعلى القارئ أن يقيس ما لم ‏نتطرق إليه على ما تطرقنا: "1فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. ‏‏2وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ ‏مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. 3وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ ‏اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا" (تكوين/ 1)، "8وَسَمِعَا ‏صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ ‏وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ ‏وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». 10فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، ‏لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ»" (تكوين/ 3)، "1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ ‏عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ ‏حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ ‏يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً ‏وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا ‏إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ ‏الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ" (تكوين/ 6)، "5وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ ‏قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. ‏‏6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ" (تكوين/ ‏‏6)، "6وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ ‏الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ. 7وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي ‏هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ" (تكوين/ 12)، ‏‏"1وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ ‏الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا ‏جِدًّا». 3فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ قَائِلاً:... 22فَلَمَّا فَرَغَ ‏مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ صَعِدَ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ" (تكوين/ 17)، "1وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ ‏عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، 2فَرَفَعَ ‏عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ ‏بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ، 3وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ ‏نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ. 4لِيُؤْخَذْ قَلِيلُ مَاءٍ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ ‏وَاتَّكِئُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، 5فَآخُذَ كِسْرَةَ خُبْزٍ، فَتُسْنِدُونَ قُلُوبَكُمْ ثُمَّ ‏تَجْتَازُونَ، لأَنَّكُمْ قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَى عَبْدِكُمْ». فَقَالُوا: «هكَذَا تَفْعَلُ كَمَا ‏تَكَلَّمْتَ». 6فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْخَيْمَةِ إِلَى سَارَةَ، وَقَالَ: «أَسْرِعِي بِثَلاَثِ ‏كَيْلاَتٍ دَقِيقًا سَمِيذًا. اعْجِنِي وَاصْنَعِي خُبْزَ مَلَّةٍ». 7ثُمَّ رَكَضَ إِبْرَاهِيمُ ‏إِلَى الْبَقَرِ وَأَخَذَ عِجْلاً رَخْصًا وَجَيِّدًا وَأَعْطَاهُ لِلْغُلاَمِ فَأَسْرَعَ لِيَعْمَلَهُ. 8ثُمَّ ‏أَخَذَ زُبْدًا وَلَبَنًا، وَالْعِجْلَ الَّذِي عَمِلَهُ، وَوَضَعَهَا قُدَّامَهُمْ. وَإِذْ كَانَ هُوَ وَاقِفًا ‏لَدَيْهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَكَلُوا... 22وَانْصَرَفَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَذَهَبُوا نَحْوَ ‏سَدُومَ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا أَمَامَ الرَّبِّ... 33وَذَهَبَ الرَّبُّ ‏عِنْدَمَا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَكَانِهِ" (تكوين/ ‏‏18)، "22ثُمَّ قَامَ (أى يعقوب بن إسحاق) فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَخَذَ امْرَأَتَيْهِ ‏وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلاَدَهُ الأَحَدَ عَشَرَ وَعَبَرَ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ. 23أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ ‏الْوَادِيَ، وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ. 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى ‏طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ ‏حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ ‏الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» ‏فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ ‏إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: ‏‏«أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. ‏‏30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، ‏وَنُجِّيَتْ نَفْسِي». 31وَأَشْرَقَتْ لَهُ الشَّمْسُ إِذْ عَبَرَ فَنُوئِيلَ وَهُوَ يَخْمَعُ عَلَى ‏فَخْذِهِ. 32لِذلِكَ لاَ يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِرْقَ النَّسَا الَّذِي عَلَى حُقِّ الْفَخِْذِ إِلَى ‏هذَا الْيَوْمِ، لأَنَّهُ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ النَّسَا" (تكوين/ 32)، ‏‏"9وَظَهَرَ اللهُ لِيَعْقُوبَ أَيْضًا حِينَ جَاءَ مِنْ فَدَّانَِ أَرَامَ وَبَارَكَهُ. 10وَقَالَ لَهُ اللهُ: ‏‏«اسْمُكَ يَعْقُوبُ. لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ ‏إِسْرَائِيلَ». فَدَعَا اسْمَهُ «إِسْرَائِيلَ». 11وَقَالَ لَهُ اللهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. أَثْمِرْ ‏وَاكْثُرْ. أُمَّةٌ وَجَمَاعَةُ أُمَمٍ تَكُونُ مِنْكَ، وَمُلُوكٌ سَيَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِكَ. ‏‏12وَالأَرْضُ الَّتِي أَعْطَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، لَكَ أُعْطِيهَا، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ ‏أُعْطِي الأَرْضَ». 13ثُمَّ صَعِدَ اللهُ عَنْهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ. ‏‏14فَنَصَبَ يَعْقُوبُ عَمُودًا فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ، عَمُودًا مِنْ حَجَرٍ، ‏وَسَكَبَ عَلَيْهِ سَكِيبًا، وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتًا. 15وَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ ‏الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ «بَيْتَ إِيلَ»" (تكوين/ 35)، "3وَقَالَ يَعْقُوبُ ‏لِيُوسُفَ: «اللهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرَ لِي فِي لُوزَ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، ‏وَبَارَكَنِي. 4وَقَالَ لِي: هَا أَنَا أَجْعَلُكَ مُثْمِرًا وَأُكَثِّرُكَ، وَأَجْعَلُكَ جُمْهُورًا مِنَ ‏الأُمَمِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ هذِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِكَ مُلْكًا أَبَدِيًّا... »" (تكوين/ ‏‏48).‏