أحسنتم بارك الله فيكم، وعيدكم مبارك سعيد.
إذا سمحتم لي أحببت أن أضيف شيء.

هؤلاء الذين يأخذون سورة بعينها أو آية ويسأل ما الفائدة منها في الحقيقة لا يعون شيئا و لا يفهمون ماذا القرآن. مثل هذه السؤال يطرح حول كتاب معلومات an informative book و القرآن ليس هكذا كتاب و إن كانت فيه معلومات و ليس كتاب طبيعة و لو كانت فيه إشارات إلى الطبيعة وهكذا. القرآن وحدة كاملة متكاملة يكمل بعضه بعضا كما يشرح بعضه بعضا، وهو في المقام الأول كتاب ديني أي هدى لمن أراد التقوى و طلب الهدى.

هذا الكتاب الديني نزل بلغة أبي لهب وأمرأته تحدّاهم بأسلوبه الذي يٌقرأ به.

إذا أخذنا حقيقة القرآن الدينية و الإعجازية عرفنا بعدين لهذه الحقيقة:
البعد التعبدي أي أن تلاوته عبادة
و البعد الجدلي أي يصعد من وتيرة الصراع بينه و بين من يرفضه، فها هو أبو لهب الذي كان يسب و يفعل يفعل و فعل و يفعل عاجز هو بنفسه، أو بمن يساعده و لو كانت لجنة من البلغاء والشعراء والأدباء، على أن يأتي بسب للنبي بأسلوب لغوي بياني على المستوى المطلوب من طرف التحدّي.

وفيما يخص البعد التعبدي أي الروحانية و التعلق بالله تواصلا مع جلال قدسيته بكلامه المنزل، فنحن لا نعتقد بأن هذا البعد منفصل عن الأبعاد الدنيوية إلى جانب البعدين الروحاني و الأخرويّ. هذا الكلام سواء قرأناه سرّا أو جهرا هو في حقيقته عمليّات يقوم المخ بمعالجتها و كل ما يعالجه المخ له وقع على النفس و على الجسم. وإذا تقدم العلم المتخصص بدراسات وظائف المخ إلى الحد الذي وصل إليه علم وظائف الأعضاء، ونستيطع أن نباشر هذه الشفرات المسدية في المخ لرأينا ما لا يمكن أن يقارن بشفرات أخرى تحدث عند قراءة أي نص غير القرآن، لا من حيث معالجة التعليمات التي يستقبلها المخ فقط بل حتى من ناحية تأثرها على عمله و ما له وقع عليه، كما فعل أحد الموسيقيين الإسبان عندما سجل تلاوة للقرآن ببرنامج حاسوبي متخصص و بدأ يسجل ملاحظات فرأى تجانسا هارمونيا في الترددات ليس له مثيل.

أما قولي أن القرآن وحدة كاملة متكاملة فإنه يؤكد بعضه بعضا و يضع خطوط اتصال بين الآيات رغم تباعدها من حيث النزول و الموقع المصحفي و المعنى و اللفظ.

أولا أشير هنا إلى شبهة رددها واحد غبي فقال: "حتى لو قرر أبو لهب إعلان إسلامه، فإن المسلمين كان بإستطاعتهم أن يقولوا بنسخ الآية أو بالنفاق".

قصة النسخ هذيه مضحكة مسلية شوية ماشا معليش.. شخص برهوش يعني.

البرهوش هذا لا يعلم أن السورة نزلت و المسلمين في ضعف ثم إيمان أبو لهب أو بقاءه على الكفر لا تستهدف المسلمين وهم قلة بل تستهدف ملاحدة قريش ودهرييها، وعند هؤلاء الملاحدة والدهرية يكفي أن يسلم أبو لهب بلسانه، كيف لا وهم كانوا يعذبون الموحدين و يطلبون منهم مجرد كفر بألسنتهم و بعد ذلك إن أرداوا فليؤمنوا بشرط أن لا يظهروا ذلك في الشارع لأن الهدف طبعا من هذا، من تعذيب بلال مثلا، هو إبعاد قريش عن الدعوة المحمدية. نحن رأينا كيف أنهم اكتفوا بكفر عمار اللساني رغم أنهم يدرون أنه إنما قال بعد تعذيب و تقتيل لأبويه أمام عينه، إلا أن تلك الكلمة التي تفوه بها عمار المرضي عنه كانت كافية.

ونعم إن هذا هو مربط الفرس فالرجل أعماه الله و لم يستخدم كلمة يتفوه بها. هذا جانب من دلائل القرآن إلى جانب الإعجاز الذي تقدم.

الوحدة الكاملة المتكاملة كامنة في أن القرآن ببين بعضه بعضا لا باللغة فقط بل بالواقع أيضا إذ أن خطأ أبو لهب الأكبر في حياته الصراعية ضد الإسلام واقعة مادية تفسر آية في سورة البقرة وهي:
( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ( 17 ) صم بكم عمي فهم لا يرجعون ( 18 ) )

وأبو لهب فعلا استوقد نار الحقد التي خلقت أسلوب الشتم و السباب.
فذهب الله بهذه النفسية أن أنزل سورة تعجزه و تحدد مصيره الأخروي.
فتركه الله في ظلمات الحيرة من أسلوب الصراع، لا يبصر مدى أهمية إعلان الإسلام بالكلمة فظل هكذا أصم أعمى إلى أن إنتهى جيفة و لم تنتهي قصته التي هي تلاة يتقرب بها المؤمن و عبرة للناس و معجزة باقية ودليل ساطع و ترهيب لمن يسب النبي :salla-s: ولو كان إستهزاءا لعبا.