د / ابراهيم عوض

فى الصفحات التالية دراسة وتفنيد لما يُسمَّى بـ " الفرقان الحق " ، وهو عبارة عن مجموعة من السُّوَر تتجاوز الخمسين ، لفَّقَتْها ، فى الفترة الأخيرة على غرار القرآن الكريم ، بعضُ الجهات التبشيرية المتعاونة مع الصهيونية العالمية بتخطيط أمريكى ؛ بغية أن تحلّ مع الأيام فى نفوس المسلمين محل القرآن المجيد.

وفى هذه السُّوَر هجومٌ كله إقذاع وفُحْش على سيد الأنبياء والمرسلين ، واتهامٌ بذىء بالكفر والضلال والنفاق له عليه الصلاة والسلام ، وتسفيهٌ لكل شىء جاء به الإسلام من توحيدٍ ونعيمٍ أُخْرَوِىّ وصلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وجهادٍ وطهارةٍ وتشريعاتٍ أسريةٍ … ، وادِّعاءٌ بأن كتاب الله إنما هو وحىُ شيطانٍ إلى شيطان ، وتمجيدٌ للتثليث النصرانى ومداعبةٌ من طَرْفٍ خفى لليهود …

وقد نبَّه عدد من الصحف العربية مؤخرا لهذا الكتاب ، وقدَّم بعضُها عرضًا سريعا له أبرز فيه الغايات التى يهدف ملفقوه إليها. لكن ْ لم يصل إلى علمى أن أحدًا قد حاول أن يدرس دراسةً تحليليةً هذه السُّوَر التى يقدمها ملفقوها إلى القراء بوصفها وحيا إلهيا ، وهذا ما حَفَزنى للقيام بهذه المهمة تبصرةً للأمة بالأخطار التى تتهدد عقيدتها كى تكون على حذرٍ مما يُخَطَّط لها وتأهُّبٍ يقظٍ لما يمكن أن تتمخض عنه الأيام من مصائب ومؤامرات .

وقد استبان لى بعد الدراسة التى قمت بها لتلك النصوص أن أصحابها لم يكونوا بالذكاء الذى تتطلبه مثل هذه المؤامرة ، إذ إن الثقوب فيها كثيرة وشنيعة .

وهذا من شأنه أن يؤكد لنا أن الأعداء ، رغم تفوقهم العلمى والاقتصادى والعسكرى ، ليسوا معصومين بل كثيرا ما يقعون فى الأخطاء المضحكة ، وأننا نستطيع أن نضع أيدينا على جوانب ضعفهم وأن نستفيد منها ونحوِّلها إلى نقاط قوة لنا لو صحَّتْ منّا العزيمة وتسلَّحنا بالإخلاص والدأب والصبر والإيمان بالله والثقة بأنفسنا والغيرة على حاضر أمتنا ومستقبلها…

كما يؤكد أيضا أن دين الله لا يمكن أن يغلبه غالب مهما تآمر المتآمرون ومهما خطّطوا ومهما رصدوا الإمكانات والجهود . بيد أن هذا لا يعنى أن نغطّ فى نوم عميق ونَنْكِل عن أداء الواجب المَنُوط بنا ، وإلا وَكَلَنا الله للذلة والمهانة واستبدل بنا قومًا غيرنا للتشرف بحفظ دينه والعمل بما فيه من خيرٍ كفيلٍ بإبلاغ من يحرص عليه إلى قمم الذُّرَى العوالى فى القوة والتحضر !


قرأت فى بعض الصحف العربية بأُخَرة عن ظهور كتاب بعنوان " الفرقان الحق " يهاجم القرآنَ هجوما شرسا، ويسبّ الرسولَ عليه السلام وأتباعَه أجمعين ، وعلى رأسهم الصحابة الكرام ، مع أن رقبةَ أىّ عِلْج من هؤلاء الذين لفقوا الكتاب لا تساوى قُلامةَ ظُفْر مما يطيِّره المقص من أظافر أرجلهم . وجاء فى بعض ما قرأناه من مقالات عن هذا الموضوع أن جهات تبشيرية وصهيونية محترقة تشرف عليها بعض الدوائر الأمريكية وراء هذا العمل الذى يجسد التعاون الوثيق بين هاتين الجهتين الحاقدتين على سيد الأنبياء عليه السلام والتوحيد النقى الذى جاء به فقَشَع العقائد الوثنية للهمجيين المغرمين بدماء البشر وتقريبها لأربابهم المتوحشين ، وكذلك العُنْجُهيّات القبلية اليهودية التى سوَّلَتْ لبنى إسرائيل ولا تزال أن الله ليس إلا ربًّا خاصًّا بهم دون سائر البشر .

وكدَيْدَنِى فى مثل هذه الأحوال أخذتُ أسأل هنا وههنا عن السبيل إلى الحصول على نسخة من ذلك الكتاب كى أفهم الموضوع من مصدره الأصلى ، حتى ألهمنى الله أن أبحث عنه فى المِشباك ( النِّتْ ) حيث وجدته فى موقع تابع لمركز تبشيرى اسمه :
" American Center of Divine Love "

قلت لنفسى : أقرأ كى ألم بالموضوع ، قبل أن أكتب عنه حسبما اقترح علىّ بعض من يُولُوننى ظنهم الحَسَن ممن يعرفون اهتماماتى بدراسة مثل هذه الكتب والنشرات ، وقرأت فألفيت أصحاب الموقع يعرضونه على أنه وحى سماوى .

أُوحِىَ إلى من ؟ لا أحد يعرف !

متى أُوحِى ؟ لا أحد يعرف !

فى أية ظروف أُوحِى ؟ لا أحد يعرف !

كما وجدته يفيض بالبذاءات فى حق رسولنا الطاهر النبيل الذى لم تنجب الأرض نظيره فى العبقرية والحنان والرحمة والفهم للطبيعة البشرية والحنو على ضعفها والرقة للمستضعفين والمكسورين والمحتاجين والتحمس لبناء حياة إنسانية مجيدة يسودها العمل والإنتاج والابتكار والعدل والمساواة دون تشنجات صبيانية عاجزة أو تهويمات خيالية فارغة أو أحقاد مريضة أو ادعاءات فارغة . باختصار : حياة إنسانية تنهض على دعامتين من المثالية والواقعية على نحو لم تعرف البشرية ولن تعرف له مثيلا ! فمحمد صلى الله عليه سلم ، فى هذا الوحى الشيطانى البذىء ، كافر ومنافق وضال مُضِلّ يفتري الكذب على الله وسارقٌ قاتلٌ زان ٍ، ومصيره جهنم هو ومن آمن به ، وبئس المصير ! وأتباعه كَفَرَةٌ منافقون ضالون لصوصٌ قَتَلَةٌ مثله ، وصلاتهم وصيامهم نفاق ما بعده نفاق ، وحجهم وثنية ، وجنتهم جنة الزنى والخنا والفجور ، والوحى القرآنى ليس وحيا إلهيا ، بل هو وحى تنزّلت به الشياطين الكاذبون على شيطان كاذب مثلهم !

ولم يكد الذين وضعوا هذا الكتاب السفيه ونسبوه تدليسا وافتراء إلى الله يتركون شيئا فى الإسلام إلا خصصوا للهجوم الحاقد البذىء السفيه عليه سورة أو أكثر أرادوا أن يحاكوا بها السور القرآنية ، وهيهات ، رغم أن كل شىء فى ذلك الكتاب تقريبا مسروق من القرآن الكريم بطريقة القص واللزق كما سنوضح لاحقا ، فضلا عن أن مصطلح " السورة " نفسه مسروق من كتابنا المجيد .

والانطباع الذى يخرج به على الفور من يقرأ هذا الكتاب هو أن ملفِّقيه مجرمون عُتَاة فى السفالة وقلة الأدب وأنهم تربية شوارع ، ولا يمكن أن يكون كلامهم هذا وحيا إلهيا بحال ؛ لأن الألوهية لا يمكن أن تنحدر إلى لغة الصِّيَاعة التى لا يحسنها إلا أرباب السجون المارقون وعصابات الحوارى والمآبين .

وقبل أن نمضى أبعد من ذلك يحسن أن نعرض على القارئ عينة من هذا الوحى المراحيضى كى يستطيع أن يتابعنا فيما يلى عن بينة .

تقول مثلا السطور التى سمَّوْها " سورة الأنبياء " : " باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد * يا أيها الذين كفروا من عبادنا الضالين إنكم لتقولون قولا لَغْوًا ما كان شعرا ولا نثرا ولا قولا سديدا ( المقصود بذلك هو القرآن ) * إنْ هو إلا لغوٌ مردَّدٌ ترديدا * يرغِّب التابعين ترغيبا ويهدد المعرضين تهديدا * حَسُنَ وقعا فى نفوس عبادنا الضالين واستمرأه الجاهلون * سمٌّ فى دسمٍ ولكن أكثرهم لا يشعرون فلا يَبْغُون عنه محيدا * وحذرنا عبادنا المؤمنين من الرسل الأفاكين ( يقصدون سيد الرسل والنبيين ) فمن ثمارهم يُعْرَفون . فهل يُجْنَى من الشوكِ العنبُ أو من الَحسَكِ التين * أقوال يرتعد منها عبادنا المؤمنون هَلَعًا من التقتيل ونفورًا من الغزو وأَنَفًا من جنة الزنى والفجور * فإذا سمعوها اقشعرت أبدانهم فَرَقًا واستعاذوا بنا من الشيطان الرجيم * وما دَخَلَ الجنةَ من كرر الصلاة لغوا وأما الذين عملوا بمشيئتنا فأولئك هم عباده المفلحون لهم مقام فى الملكوت ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * إن الظن لا يغنى من الحق شيئا. وما السلام كالقتال وليس من يَلْقَى أخاه المؤمن بغصن الزيتون كمن يُشْرِع عليه سيفا فيقتله ذلك أنه من الكافرين * ونسختم بلَغْوكم قول التوراة والإنجيل الحق فألبستم الحق باطلا وافتريتم أقوالا ما أنزلنا بها من سلطان * وانتحل الوسواس الخناس اسمنا ووسوس فى صدور أوليائه بما ألقى فى رُوعهم من بهت وكفر وهم مصدّقوه فكان بعضهم لبعض ظهيرا * وأَمَرَهم بالمعروف مكرًا منه ونهاهم عن الفحشاء والمنكر والبَغْى قَوْلا إفكًا وحلله لهم تحليلا فكان فعلا مفعولا * وأغوى الجاهلين من عبادنا فاتَّبَعوه وأَبَى الجاهلون إلا ضلالا وكُفُورا * وقد صدَّق عليهم إبليس ظنَّه إذ اتبعوه وأما المؤمنون من عبادنا فما كان له عليهم من سلطان فما أغواهم ولا بدَّد لهم شملا فهم بما أنزلنا موقنون وبحبلنا معتصمون * وما بشرنا بنى إسرائيل برسول يأتى من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن يجدوا له نَسْخا ولا تبديلا إلى يوم يُبْعَثون * ولو بشرناهم لما كذّبوا وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه. فأَنَّى نبشِّر بنى إسرائيل برسول ليس منهم وما لسانه بلسانهم وعندهم موسى والأنبياء والمرسلون وقفَّينا على آثارهم بكلمتنا بالحق المبين * وحذّرْنا عبادنا المؤمنين من رسول أفاك تبيَّنوه من ثمار أفعاله وأقواله وكشفوا إفكه وسحره المبين فهو شيطان رجيم لقوم كافرين " .

هذا هو الكلام الذى تفتقت عنه أذهان بل أستاه هؤلاء المآبين ، وزعموا كفرا أنه وحى من لدن رب العالمين !

على أن لى كلمة فى هذا المقام لا أحب أن تفوتنى ، ألا وهى أن بعض المنتسبين إلى الإسلام يتساءلون فى براءة زائفة : لماذا يصف المسلمون غير المسلمين بأنهم كافرون ؟ ألا يُعَدّ ذلك نفيا للآخر وعدوانا عليه وإهانة له ؟

شفْ يا أخى الرقة والبراءة ورهافة الشعور التى لا تظهر إلا حين يحاول المسلمون أن يدافعوا بعض دفاع عن دينهم ضد بعض ما يوجَّه لهم ولكتابهم ورسولهم من سباب وشتائم !

وواقع الأمر أن ذلك ليس نفيا للآخر ولا عدوانا عليه ولا إهانة له بحال من الأحوال ، فكل أهل دين يعتقدون أنهم على حق ، وبطبيعة الحال فمن لا يؤمن بدينهم يسمَّى عندهم كافرا دون أن يكون فى هذا افتئات على أحد. ذلك أن هذه هى مصطلحات أصحاب الأديان : مؤمن وكافر ومنافق ... إلخ ، بالضبط مثلما كان الشيوعيون يقولون : تقدمى ورجعى ، وطليعى شريف ورأسمالى متعفن ، ومثلما يقول الحداثيون الآن : التنويرية والظلامية ، والفكر المتحضر والفكر المتخلف ... وهَلُمَّ جَرًّا . وهاهم أولاء مزيِّفو هذه السُّخَامات والسَّخَافات يقولون عن نبينا عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات : أفاك وضال وكافر وكذاب وغير ذلك من الشتائم التى وردت فى النص الذى بين أيدينا وفى غيره من النصوص المشابهة الأخرى ، وما خفى مما لا يجرؤون على ترديده على الملإ ويصلنا رغم ذلك بعضُه لهو أشنع وأبشع !

فيا أيها المؤمنون لا يوسوسنّ لكم الشياطين المنتشرون كالوباء بين أظهركم ممن يحملون أسماء مثل أسمائكم ، ولهم سِحَنٌ كسِحَنكم ، ومكتوبٌ فى هويّاتهم الرسمية أنهم مسلمون مثلكم ، بأضاليلهم التى يجهدون بها أن يَحْرِفوكم عن دينكم ويخوفوكم من التمسك بهَدْى نبيكم بشبهة أنه لا ينبغى فى هذا العصر التنويرى الذى يأخذ على عاتقه الدعوة إلى احترام حقوق الآخر أن نسمى هذا الآخر كافرا ! ذلك أنهم يسموننا كفرة ، ولن يَرْعَوُوا عن هذا أبدا حتى لو مزّق الله قلوبهم تمزيقا وبدّلهم قلوبا غيرها.

إننا لا نحجر على أحد أن يعتقد فينا ما يشاء ، فهذا حقه ، وليس من حقنا ولا من حق غيرنا أن نتدخل فيما بين المرء وضميره أو نعتدى عليه أو نُكْرِهه على ما لا يحب من عقيدة أو رأى ، لكننا أيضا لا نريد من أحد أن يحجر علينا فى الرد على التهم والشتائم التى توجَّه إلى رسولنا العظيم ، وأن نبين وجه الوقاحة والبذاءة والبطلان والزيف فيها .

ترى هل فى هذا الكلام صعوبة تَعْسُر على الفهم ؟

هم أحرار، ونحن أحرار ، وللناس آذان تسمع ، وأذهان تفكر ، وعقول تميّز وتحكم ، ولهم وحدهم الحق فى اتباع هذا أو ذاك مما نقوله نحن أو يقوله الآخرون

وقبل أن ندخل فى تحليل هذا الوحى الشيطانى ونبين ما يقوم عليه ويغَصّ به من تفاهة وقلة عقل وتناقض وتكذيب للكتاب المقدس نفسه الذى زيَّف الشياطين هذا الوحى لتعضيده وإقناع المسلمين بصحته وبطلان الكتاب الذى نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين على سيد الأنبياء والمرسلين ، والذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه دهر الداهرين ، قبل هذا نرى أنه لا بد من إعطاء القراء الكرام فكرة عن ذلك الوحى المسمى زورا وزيفا بـ " الفرقان الحق " ، وما هو فى الواقع سوى " الضلال المبين " بقَضِّه وقَضِيضه !

إن هذا " الضلال المبين " ( وسيكون هذا هو اسمه هنا من الآن فصاعدا ) يشتمل ، حسبما هو موجود فى الموقع المشار إليه آنفا ، على نحو خمسة وأربعين نصًّا يُطْلَق على الواحد منها " سُورَة " تقليدا مفضوحا للقرآن ، وكل من هذه السُّوَر يتكون من عدد من الآيات يتفاوت ما بين عدد أصابع اليد الواحدة أو أصابع اليدين والقدمين لا يزيد عن ذلك .

إلا أننى قد لاحظت أن ترقيم هذه السُّوَر غير متسلسل دائما حتى إن أول سورة ، وهى " سورة المحبة " ، قد أخذت الرقم ( 2 ) ، كما أن ترقيم السورة الأخيرة ، واسمها " سورة البهتان " ، هو ( 59 ) ، ومعنى ذلك أن هناك فجوة فى بعض الأحيان بين السورة والتى تليها ، فهل ينبغى أن نفهم من هذا أن هناك سُوَرًا ناقصة ؟ لكن لماذا ؟ وما هى هذه السُّوَر ؟ وأين ذهبت ؟ لا أدرى .

كذلك يلاحظ أن أسماء طائفة من سور " الضلال المبين " قد أُخِذَتْ من أسماء سور القرآن الكريم ، مثل " النور والنساء والمنافقين والطلاق " . أى أن من افْترَوْا هذا " الضلال المبين " لم يَسْطُوا فقط على نصوص آيات القرآن ليصنعوا منها هذا الترقيع الرقيع بل سَطَوْا على أسماء بعض سوره الكريمة ، وإن كانوا قد نقلوها من محلها الطاهر الشريف إلى ذلك الكنيف !

أما الأسماء الأخرى التى لم يأخذوها من أسماء سور القرآن الكريم فمنها " الأساطير والغرانيق والجنة والمحرّضين والكبائر والرُّعاة والشهادة والإنجيل "، وإن كانت كلها رغم ذلك فى الهجوم على القرآن : ففى " سورة الأساطير " مثلا يزعمون أن القرآن ما هو إلا أساطير الأولين كما كان وثنيو العرب يقولون قبل أن يكذّبوا أنفسهم بأنفسهم ويؤمنوا به ، وفى " سورة الغرانيق " يدّعون أنه كان فى القرآن آيتان تمجدان الغرانيق ، أى اللات والعُزَّى ومَنَاة ، ثم حُذِفتا فيما بعد.

أما "سورة الرعاة " فهى هجاء للصحابة والعرب الأوائل الذين حملوا الإسلام إلى العالمين ، والذين يحاول أولئك اللصوص السُّطَاة أن ينالوا منهم بالقول بأنهم لم يكونوا متحضرين ولا أغنياء بل كانوا مجرد رعاة ، وكأن التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول المسيح كانوا من أصحاب القصور ومن خريجى الجامعات ، ولم يكونوا من صيادى السمك والعُرْج والبُرْص والعُمْى والمخلَّعين والممسوسين والعشّارين والخطاة على حسب ما جاء فى الأناجيل نفسها ! إننا بطبيعة الحال لا نبغى أن ننال من الفقراء والمساكين والمسحوقين ، فنحن لسنا من أغنياء القوم ولا من السادة ، لكننا أردنا فقط أن ننبه هؤلاء المأفونين إلى مدى السخف والسفالة التى ينساقون إليها فى العدوان على ديننا ورسولنا وصحابته الكرام . وبالمناسبة فلم يكن الصحابة جميعا من الرعاة ، بل كان فيهم التجار والزراع والصناع والعلماء والقادة العسكريون ، وكان منهم الأفراد العاديون والرؤساء ، وكان منهم العرب وغير العرب ، كما كان فيهم كثير ممن كانوا هودا أو نصارى ثم أسلموا... وهكذا يستمر هؤلاء الأفاكون المجرمون إلى آخر السُّوَر الشيطانية المفتراة كذبًا على الله .

وأول ما ينبغى التصدى له فى هذا الوحى الإبليسىّ هو المشاكل الغبية غباء مزيِّفيه التى لا يمكن العثور على مخرج من أىٍّ منها ، بل كلما حاول مخترعوه التخلص من بعض ما جرَّتْهم إليه وجدوا أنفسهم يزدادون تورطا ، شأن البقرة الغبية التى تحاول الانعتاق من الحبل الملتف حول رقبتها ، لكنها بدلا من ذلك تدور فى الاتجاه المعاكس فتجده قد ازداد التفافا حتى خنقها وأودى بحياتها.

فكيف كان ذلك ؟

المعروف أولا أن النصارى لا يؤمنون بنبىٍّ بعد المسيح لأنهم يَرَوْن أنه قد أنهى فصول المأساة البشرية بموته على الصليب وتكفيره من ثَمَّ عن الخطيئة البشرية الأولى ، وأنه لم يعد هناك مجال لأى شىء إلا لمجيئه فى آخر الزمان ، هذا المجىء الذى سيكون بداية لألفيَّةٍ سعيدةٍ يعيش فيها الناس فى هناءة وسلام ، فلا خصومات ولا عداوات حتى ولا بين الحيوانات العجماوات ، حتى إن الذئب والحمل ، كما يقال ، سوف تقوم بينهما صداقة ومودة فيلعبان معا ويأكلان معا فى غاية الانسجام والتفاهم ! أما اليهود فهم أصلا فى انتظار المسيح الأول لا يزالون لأنهم لا يؤمنون بأن عيسى بن مريم هو المسيح الذى أتى ذكره فى كتبهم . وهذا الكتاب الذى نحن بصدده ليس هو الكتاب الذى ينتظره اليهود مع مسيحهم المنتظر ، فهم يريدون مسيحا من بيت داود يعيد إليهم مجدهم ويبنى لهم مملكتهم ، أما كتاب " الضلال المبين " فلا يؤدى إلى هذه الغاية على الإطلاق ولا نعرف له صاحبا ، فهو كطفل السِّفَاح الذى لا تجرؤ أمه العاهرة أن تُقِرّ به وتنسبه إلى نفسها .

كذلك لا يخفى على القارئ أن غرض كل من الفريقين اللذين اشتركا فى تزييف هذا " البهتان الباطل " يتناقض مع غرض الفريق الآخر . وهكذا يأبى الله العلىّ العظيم إلا أن يوقعهم فى شر أعمالهم .

وهذه أولى بركات محمد ودين محمد!

وعلى كل حال فها هم أولاء المؤلفون الأغبياء يكذّبون أنفسهم بأنفسهم إذ يعلنون بملء أفواههم فى القىء المنتن الذى وَسَمُوه بـ " سورة الأنبياء " ( ومن أفواههم النجسة ندينهم ) قائلين على لسان رب العزة إننا "ما بشَّرْنا بنى إسرائيل برسول يأتى من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق من بعدى وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن يجدوا له نَسْخا ولا تبديلا إلى يوم يُبْعَثون " . إذن فليس هناك نبى يمكن أن يجىء بعد عيسى عندهم ، وإلا للزمهم أن يؤمنوا بمحمد ، الذى زعموا أنه لم تأت به أية بشارة لا فى التوراة ولا فى الإنجيل .

ليس هذا فحسب ، بل إن كلمة " الفرقان" نفسها مسروقة من القرآن ، لأن كتابهم المقدس بعهديه العتيق والجديد لم ترد فيه هذه الكلمة ، وإلا لذكرها " فهرس الموضوعات الكتابية " . فكيف إذن يزعمون أن الله قد أنزل هذا الوحى مع أنه لم يأت به نبى ، إذ الوحى لا ينزل هكذا من السماء على غير أحد ، اللهم إلا على سُنّة أنبياء آخر زمن من صنف أولئك الأساقفة الذين شرعت أمريكا أم التقاليع والغرائب ترسِّمهم من اللُّوطِيِّين !

لكن ما هى سُنّة أنبياء آخر زمن هؤلاء ؟ هى سنّة المومس التى تحمل سفاحا ( والمومس لا تحمل بالطبع إلا سفاحا ) ، ولا تريد أن يطّلع الناس على ورطتها وخزيها ، فعندما يَئِين الأوان ويحلّ موعد الوضع تراها تلف الطفل المسكين الذى لا ذنب له فيما اقترفته يدها الأثيمة فى خرقة وتأتى به فى ظلام الليل الدامس إلى باب معبد من المعابد فتتركه هناك أو تلقيه قرب أحد صناديق القمامة ، ثم تنصرف وترقب الموقف من بعيد دون أن يعرف أحد أنها هى صاحبة هذا العار ! إنه شُغْل مومسات كما أقول فى بعض كتبى التى أرد فيها على أمثال هؤلاء النُّغُول ! إن الأنبياء كانوا دائما ما يأتون فى ضحوة النهار ولا يستترون هكذا فى ألفاف الظلمات المتراكبة المتكاثفة المريبة شأن محترفى اللصوص والقتلة الذين يَلْبِدُون للفريسة المسكينة فى حقل من حقول القصب أو الذرة حتى يأخذوها غيلة وغدرا ، ثم بعد أن يرتكبوا جريمتهم الوحشية الخسيسة يعودون لبيوتهم فيمارسون حياتهم لا تُثْقِل ضمائرَهم أيّةٌ من خوالج الندم ، إذ قد ماتت قلوبهم وسَوّسَتْ ضمائرهم.

ثم إن الوحى الذى ينزل على الأنبياء لا ينزل دفعة واحدة هكذا بل يتتابع مصاحبا للحوادث والمناسبات التى تجدّ ، مما يجعله تجسيدا للتجارب التى خاضها النبى مع قومه ، أما هذا " الضلال " فقد صيغ مرة واحدة ثم لُفَّ فى خرقة قذرة نجسة وأُلْقِىَ به عند صندوق قمامة فى سكون الليل البهيم مع انقطاع رِجْل السابلة .

ثم إن ذلك الرِّجْس مخالف فى الواقع لطريقة أهل الكتاب فى تسمية كثير من أسفارهم باسم الأنبياء الذين تُعْزَى إليهم : فهذا سِفْر يشوع ، وهذا نشيد الأناشيد لسليمان ، وهذه نبوة أَشَعْيا ، وهذا إنجيل متى ، وهذه رسالة القديس يعقوب ، وهذه رؤيا القديس يوحنا... وهكذا. وعلى ذلك فإننا نتساءل : أين النبى الذى أتى بهذا الضلال ؟ ما اسمه يا ترى ؟ من أى بلد جاء؟ إلى أى أسرة ينتمى ؟ ما صنعته ؟ ما سيرته ؟ ما أوصافه ؟ ما أخلاقه ؟ ما رأى الناس فيه ؟ ما الذى دار بينه وبين قومه من أخذ ورد ؟ ماذا كانت استجابتهم لما أتاهم به أولا ثم آخرا ؟ ...

ترى أية نبوة هذه يا إلهى ؟

إن القوم لا يحسنون التدليس ، وهم برغم ذلك يتصدَّوْن لحرب القرآن ظانّين أنهم قادرون على محوه من النفوس والصحائف على السواء !

يا لهم من مجانين مسعورين !

وللتفكُّه أذكر أن بعض إخواننا الساخرين أجاب على سؤالى الخاص بشخصية هذا النبى المزعوم قائلا : أتريد أن تعرف مَنْ ذلك النبى ؟ قلت : نعم . قال : ولم لا يكون هو الابن الثانى لله ؟ قلت : لقد قالوا إنه ليس له إلا ابن وحيد مات على الصليب . قال : هذا كان من ألفى سنة . أتظن ذلك الإله لم تشتقْ نفسه للذرية مرة ثانية طوال هذه المدة فأراد أن ينجب ابنا آخر ؟ أم تراه ، حتى لو كان قد حدَّد النسل ، واتخذ الاحتياطات اللازمة لعدم الإنجاب ، لم يحدث أن اخترق طفل جديد هذا الحظر وأفسد تلك الاحتياطات كما يحدث لكثير منا فى مثل هذه الظروف ؟ قلت : وهل يصح أن تقيس الآلهة على أوضاع البشر ؟ قال : لست أنا الذى قاسهم ، بل إلههم هو الذى فعل ذلك . أليس هو الذى أنجب مثلما ننجب ؟ فما الذى يمنع أن يكون له ولد ثان وثالث ورابع ... إلى ما شاء الله ؟ إلى جانب بعض البنات أيضا إرضاءً للسِّتّ التى لا بد أن تتطلع إلى أن يكون لها بنت أو أكثر كى يساعدنها فى أعمال المنزل ... ومضى الصديق الساخر كلما حاولت أن أغلق عليه السبيل فتح بدل الباب أبوابا، حتى وجدت أنه لا بد من غلق هذا الحوار الذى لا يؤذِن بنهاية .

ثم إن أولئك النُّغُول يرددون ما جاء فى كتابنا العزيز من أنه ما من نبى أُرْسِل إلا بلسان قومه ، فما معنى نزول هذا " الضلال المبين " بالعربية ، بل بالعربية المسجوعة ؟ معناه أنه نزل للعرب ، لأنهم هم الذين يتكلمون العربية . أليس هذا هو ما تقتضيه العبارة التى قالها النغول والتى سرقوها بنصها من القرآن المجيد ووضعوها فى هذا الموضع الدنس ؟ بَيْدَ أننا قد سمعناهم يقولون بلسانهم ( الذى ستقطعه زبانية الجحيم يوم القيامة إن شاء الله ثم تشويه أمام أعينهم وتحشره فى حلوقهم طعامًا نجسًا لأفواهٍ نجسة ) إن النبوة لا تكون إلا فى بنى إسرائيل ، فليس للعرب فيها إذن أى نصيب ( حقدا منهم على إسماعيل وأمه هاجر ، التى يقولون إنها أَمَة ، وابن الأمَة لا نصيب له عندهم فى البركة النبوية ). وبطبيعة الحال فالعرب لا يمكن أن يكونوا قوم نبىّ من بنى إسرائيل ، إذ إن بنى إسرائيل هم ذرية يعقوب ، أما العرب فهم ذرية إسماعيل كما هو معروف . وهذا إن غضضنا الطرف عن تأكيدهم أن باب النبوة مغلق إلى ما قبل يوم القيامة حسب اعتقاد النصارى، ، وإلى مجىء مسيح اليهود حسب اعتقاد بنى إسرائيل ، وهو فى الواقع ما لا يمكن غض الطرف عنه أبدا ، لكنها طبيعة الجدل المفحم التى أتبعها عادة مع هؤلاء المتاعيس حتى أبين للقارئ الكريم كيف أن الأسداد قد ضُرِبَت عليهم أَنَّى اتجهوا وأَنَّى ارتدُّوا .

وهذه ثانية بركات محمد ودين محمد !

وثالثة هذه البركات المحمدية أن هؤلاء الأبالسة الأغبياء ( وهذه أول مرة يقابل الواحد فى حياته أبالسة أغبياء ! لكن ما العمل ، وكل من يقصد دين محمد بِشَرٍّ فإنه لا يُفْلِح أبدا حتى لو كان أبا الأبالسة جميعا ؟ ) ، هؤلاء الأغبياء يَسْطُون على آيات القرآن فى مفارقة غريبة غرابةَ أمرِهم كله وشذوذه ، إذ يتهمونه بأنه وسوسة شيطان إلى شيطان . فإذا كان الأمر كما يقولون فكيف لم يجدوا فى الأرض العريضة كلها ( ولا أقول : فى السماء ، لأن مثل هذا الإجرام لا يمكن أن تصله بالسماء أية آصرة ) إلا هذا الوحى المحمدى الذى يزعمون أنه وحى شيطانى كى يتخذوه وحيا لهم ؟

بالله عليكم أيها القراء مَنِ الشيطانُ هنا ؟

إن المؤمن لينفر من الشيطان ومن كل ما له صلة بالشيطان ولا يفكر مجرد تفكير فى الاقتراب منه أو المرور من الطريق الذى يمكن أن يلقاه فيه . لكن هؤلاء الأبالسة الأغبياء لم يجدوا إلا الوحى القرآنى ليسرقوه ويدّعوه لأنفسهم زاعمين أنه أُنْزِل عليهم من السماء ، مع أن السماء لا يمكن أن ترضى هذا العمل الخسيس . والغريب أن عملهم هذا يزعق بعلوّ حسه شاهدا عليهم بالسرقة والسطو ، ولكن متى كان لدى هؤلاء المجرمين حياء أو خشية من التى يتحلى بها الآدميون حتى ننتظر منهم أن يستحوا أو يختشوا ؟ إنهم من نفس الطينة التى جُبِل منها أمثالهم سارقو فلسطين والعراق وأفغانستان فى عز الظهر الأحمر ، الذين يزعمون مع ذلك أننا نحن الذين نريد أن نقتلهم وندمر حضارتهم ! والمصيبة أنهم بعد ذلك كله يقولون إن هذا " الضلال المبين " هو من عند الله ، أى أن ربهم لص وكذاب متنفِّج ، وأدنى من الشيطان قدرة على صياغة الكلام والمعانى ، ولذلك يسطو على ما كان هذا الشيطان قد أوحاه ، حسب زعمهم ، إلى محمد ثم يدّعيه لنفسه . ثم إنه مُلْقِيه رغم هذا كله فى قعر الجحيم يوم القيامة لقاء ما استعان به ، وذلك على طريقة الأمريكان ، إذ يظلون يعصرون الحاكم من حكام العالم الثالث حتى يستنزفوه لآخر قطرة فيه ثم ينقلبون عليه آخر الأمر ويجزونه جزاء سِنِمّار !

وهذا دليل آخر على أن مزيفى هذا " الضلال " إنما هم الأمريكان ! إنها نفس الأخلاق المنحطة ، وإن كان الشىء من معدنه غير مُسْتَغْرَب !

ولكن ما مغزى عمل هؤلاء الشياطين ؟

إنه دليل لا يُنْقَض على أنهم يَرَوْن فى أعماق قلوبهم أن أسلوب القرآن معجز ، وإن أنكروا هذا بألسنتهم النجسة ، ولذلك استعانوا به رغم اتهامهم للقرآن كله بأنه من وسوسة الشيطان ! وهنا أيضا لن أفعل شيئا آخر غير الاقتباس من كلامهم ، إذ نجدهم فى الفقرة الأولى من " سورة السلام " يدّعون لبهتانهم هذا أنه وحى معجز . إذن فالقرآن معجز فى رأيهم رغم كل الكذب الذى اقترفوه ضد كتاب الله فى نصوصهم المسروقة كلها تقريبا منه ، وهذا نص ما قالوه : " إنا أنزلناه فرقانًا حقًّا بلسانٍ عربىٍّ بيّن الإعجاز لتتبينوا الضلال من الهدى وتعلموا سوء ما كنتم تفعلون " .

ترى ما رأى القارئ الكريم فى ألاعيب هؤلاء النغول الخائبة ؟

إن المسلمين يقولون ، حسبما يقرأون فى كتاب ربهم وحسبما أكده العلماء الأثبات منا ومنهم ، إن أهل الكتاب أساتذة فى العبث بالوحى الإلهى الذى نزل على رسلهم وتحريفه عن مواضعه ، لكنهم دائما ما يتهموننا بأننا نردد كلاما غير صحيح . فهل ، بعد أن بيّنّا ما صنعوه فى هذا " الضلال المبين " ، يمكن لأحد أن يتمارى فيما يتهمهم به القرآن والمسلمون ؟ هل يحتاج بعد اليوم أحد إلى برهان آخر على ذلك العبث والتزييف والتدليس والانتحال ؟

والغريب بعد هذا كله أنهم قد زيَّفوا ، فيما زيفوا من سُوَر ٍ، سورةً بعنوان " الأساطير " تقول أول آية منها للمسلمين : " يا أهل التحريف من عبادنا الضالين " ! لا بل إنهم يتهمون الرسول بأنه قد حرّف الإنجيل نفسه ! إى والله ، الإنجيل نفسه دون أدنى مبالغة ! وهذا ما قالوه فى الفقرة الأولى من "سورة الإيمان " بالحرف الواحد : " وحرَّفْتُم آيات الإنجيل الحق وكتمتم كلمتنا واتبعتم صراطا ذا عِوَج وأوهمتم أتباعكم أنكم على صراط مستقيم " . ولا أدرى بالضبط ما الذى جرى لعقول القوم فأقدموا على هذه الهلاوس التى ليس لها من حل إلا أخذ صاحبها على الفور لمستشفى المجانين خَبْطَ لَزْق ! وصدق المثل القائل : "رمتْنى بدائها وانسلَّتِ" ! الحقّ أن هؤلاء الناس ( هذا إذا تجاوزنا وألحقناهم بالبشر ) لا يعرفون ما يسمَّى فى اللغات بـ " الحياء " !

على أن سرقتهم لكلمات القرآن وعباراته وتركيباته وصوره وفواصله لا تجعل مع ذلك من " بهتانهم " كلاما معجزا . لماذا ؟ لأنهم يفعلون ما يفعله الخياط الغبى الذى يأتى إلى أفخم الحُلَل والملابس فيقتطع من كل منها مِزْعة ثم يشبك هذه المِزَع بعضها مع بعض . وبطبيعة الحال لن ينتج عن ذلك إلا مرقّعة كمرقّعات الدراويش تبعث على السخرية أو على الرثاء أو عليهما معا !

ذلك أن هؤلاء الأوغاد لم ينجحوا قط فى أن يضعوا ما يسرقونه من نصوص القرآن فى مواضعها وسياقاتها ، بل يضعونها فى إطار يختلف عن إطارها الذى نُقِلَت منه .

علاوة على أن أولئك اللصوص لا يحسنون عملية لزق النصوص المسطوّ عليها ، إذ كثيرا ما تأتى متنافرة لا انسجام بينها .

فضلا عن أن الفواصل ( أى نهايات الآيات ) ، التى يسرقونها هى أيضا من القرآن ، لم يتصادف أن جاءت ولو مرة واحدة كما ينبغى أن تأتى الفاصلة الجيدة قارَّةً فى مكانها حاسمةً فى موسيقيتها ومعناها ، بل يشعر القارئ أنهم قد اجتلبوها اجتلابا ، لا لشىء غير أن يُنْهُوا الآية بسجعة والسلام .

كذلك فإنهم إذا أضافوا شيئا من عندهم كما يقع أحيانا لم يجيئوا إلا بكلام ركيك ثقيل الظل وخيم الأنفاس !

والسورة التى أوردتُها فيما مضى من صفحات تشهد على ما أقول .

زد على ذلك ما تقوم عليه المسألة كلها من سماجة ليس لها من مثيل ، إذ هم يسطون على القرآن ألفاظا وعبارات وتراكيب وصُوَرا وفواصل وينتحلونه لأنفسهم ثم يستديرون له بعد ذلك كله مُزْرِين عليه زاعمين أنه من وسوسة الشيطان ! فالأمر ، كما تَرَوْنَ ، يجرى على أسلوب " حسنة وأنا سيدك ! " .

إنهم أشبه بخادمة لِصَّة دنيئة حقيرة قبيحة سليطة اللسان تسرق من سيدتها بعض ملابسها التى لا تستطيع مع هذا أن ترتديها على ما يقتضيه الذوق الراقى أو حتى الذوق السليم ثم تفتعل مشكلة وتترك العمل عندها ، لتأتى بعد ذلك إلى هذه السيدة نفسها وقد ارتدت ما سرقته منها من ملابس فتختال بها أمام عينيها بُغْية إغاظتها غير واعية بما تثيره فى نفوس الناس المحترمين أهل الذوق الراقى الكريم من تهكم بغبائها وجلافتها ودناءتها فى التصرف واللبس والكلام ، وأنها مهما فعلت واستعرضت وحاولت أن تغيظ سيدتها ليست فى نهاية المطاف غير خادمة لصة حقيرة قبيحة سليطة اللسان ذات ذوقٍ فِجّ متخلف !

ترى هل يفيق هؤلاء اللصوص السفلة إلى مدى الفظاعة التى ارتكسوا فيها حين سرقوا القرآن وانثنَوْا بعد ذلك للمسلمين يشمخون عليهم بفعلتهم الشيطانية ؟

أما أنا فمن معرفتى بهم وبطبائعهم وأساليبهم الساقطة لا أعلّق عليهم أملا ولا أتوقع منهم خيرا ، إذ العاقل لا ينتظر من المرحاض أن يُثْمِر تفاحا وخَوْخا أو أن يُزْهِر وردًا وآسًا ورَيْحَانا !

على أن المسألة لم تنته فصولا بعد ، بل ما زال فى جراب الحاوى مفاجآت مضحكة ... مضحكة من الغم لا من السعادة !

تعالَوْا نَرَ مثلا كيف يبدأ اللصوص السارقون معظم سُوَر " ضلالهم المبين ".

هل رأيتم أحدا قَطّ يبدأ كلاما جديدا له بواو العطف ؟ إن هذه الواو إنما تعنى أن هناك كلاما سابقا وأن الكلام الحالىّ هو امتداد لفظى ومعنوى له ، وهو ما لا وجود له هنا لأن هذه هى بداية السورة . وهل قبل البداية شىء؟ وعلى رغم وضوح المسألة بل نصاعتها فإن هؤلاء اللصوص لا يراعون هذه البديهية فى عالم النحو والكتابة والأساليب ، فتجدهم يقولون مثلا فى مطلع " سورة الطهر " : " باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد * ودعانا الشيطان ( يقصدون الرسول عليه السلام ) بأسماءٍ قُبْحَى غيّبها بأسماء حسنى مكرًا منه ... إلخ " ، وفى مطلع " سورة الرعاة " نقرأ : " باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد * ومَثَلُ الرسول الصالح كمَثَل راع أورد رعيته وِرْدا طهورا ... " ، وفى" سورة المحرِّضين " نطالع : " باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد * ونَهَيْنا عبادنا عن القتل ووصَّيناهم بالرحمة والمحبة والسلام ... " . وعلى نفس الشاكلة تجرى بدايات سُوَر " الإيمان والحق والطهر والزنى والمائدة والمعجزات والضالين والصيام والماكرين والأمّيِّين والصلاة والملوك والهدى " وغيرها .

ترى علام يدل هذا ؟

إنه يدل على أن الأمريكان والصهاينة رغم كل تقدمهم العلمىّ والتقنىّ والعسكرىّ والسياسىّ والتخطيطىّ لا يستطيعون أن يحبكوا تآمرهم على القرآن الكريم الذى يُضْرَب بهوان أتباعه وتخلفهم فى العصر الحالىّ الأمثالُ والحكمُ والمواعظ .

فعلام يدل هذا مرة أخرى يا ترى ؟

يدل على أنهم فى حربهم للقرآن إنما يحاربون الله ، والله غالب على أمره . ولو كانت حربهم للقرآن حربا لنا نحن العرب والمسلمين لكان القرآن الآن فى خبر " كان " بعد كل تلك الحروب والمعارك الطاحنة التى لم يكفّوا يوما عن شنها عليه طوال الأربعة عشر قرنا الماضية وجنّدوا لها أعتى العقول عندهم من مبشرين ومستشرقين وسياسيين وعسكريين وكل ما يمكن أن يخطر أو لا يخطر على بالك من صنوف العلماء والمتنفذين لديهم . لكن هاهو ذا واحد مثلى لا فى العير ولا فى النفير وليس بين يديه ولا واحد على الألف مما يتصرف فيه أى مستشرقٍ من الكتب والمراجع والمعاجم والموسوعات والدوريات والمعاونين ، هاهو ذا واحد مثلى منقطع عن بلده ومكتبته الخاصة التى كان من الممكن أن تمده على الأقل بالأساسيات التى يحتاجها ك " فهرس الموضوعات الكتابية " أو " دائرة المعارف الكتابية " أو حتى " الكتاب المقدس " نفسه الذى استغرق الأمر منى وقتا طويلا واتصالات متعددة كى أحصل على نسخة منه ، أما " فهرس الموضوعات الكتابية " فقد كَلَّفْتُ بموافاتى بما أحتاجه منه بعضَ من أعرف فى أرض الكنانة من خلال نظام الرسائل الفورية بالمِشْباك ، الذى لا أعرف منه أكثر مما يعرف الجاهل بالسباحة عندما يقعد على الشط مكتفيا بغمس قدمه فى الماء ثم يقول إنه قد نزل البحر وعام فيه مع العائمين ! أقول : ها هو ذا واحد مثلى فى هذه الظروف الشحيحة وبهذه الإمكانات الشديدة الضآلة يكرّ على هذا " الضلال " فيُظْهِر عوراته وسوآته بكل بساطة وسهولة .

والسبب ؟

السبب هو أننى حين أفعل ذلك إنما أدافع عن القرآن ، أى عن قضية موفَّقة مباركة يسندنى فيها ويقينى من العِثار ربُّ القرآن الذى ابتهلتُ إليه أن يسهّل مهمتى فاستجاب بكرم منه وفضل ، وهو سبحانه أهل الكرم والبر والتوفيق .

أما الأمريكان والصهاينة ومن لَفَّ لفَّهم وحذا حَذْوَهم فنبشّرهم بخذلان من الله مبين : " إن الذين كفروا يُنْفِقون أَمْوالَهم ليصُدّوا عن سبيل الله ، فسينفقونها ثم تكونُ عليهم حسرةً ثم يُغْلَبون . والذين كفروا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرون * ليَمِيز اللهُ الخبيثَ من الطيّب ويجعلَ الخبيثَ بعضَه على بعضٍ فيَرْكُمَه جميعا فيجعلَه فى جَهَنَّمَ . أولئك هم الخاسرون " . صدق الله العظيم !

إن الإله الذى لا يعرف كيف يصوغ الكلام ولا يدرى أهو فى أوله أم فى وسطه أم فى آخره لهو إلهٌ سكرانُ أو قد أصابه الخَرَف ! نعوذ بالله من الخرف وآلهة الخَرَف !

لقد كنا نسمع بإله الحرب وبإله الفنون وبإله الحب مثلا ، لكن هذه أول مرة نعرف أن هناك إلها للخَرَف ! ومن يَعِشْ يَرَ!

إن مثل هذا الإله لو كان يعيش بين قبائل أفريقيا المتوحشة قديما لقتلوه لانتهاء عمره الافتراضى ، وربما أكلوا لحمه أيضا رغم أنه لحمٌ عجوز لا ينضج بسرعة وليس له حلاوة مذاق اللحم العَجَّالى ، لكن الأمريكان والصهاينة لا يتنبهون لهذا الأمر على وضوحه البالغ فيُبْقُون على هذا الإله المضطرب الذاكرة والعقل الذى يوقعهم فى مآزق محرجة ليس لها من مخرج !

ألم أقل لكم إن من يتصدى للقرآن فإن مصيره إلى البوار ، وبئس القرار ؟

على أن خيبة هذا الإله لا تقف عند هذا الحد ، بل تتعداه إلى الوقوع فى الأخطاء اللغوية المزرية !

قد يجيبنى بعضهم : وماذا تريد من إله أمريكانى خواجة من أصحاب : " مُشْ فِخِمْتُو يا خبيبى " ؟

لكننى أستطيع أن أرد عليهم بأن هذا الإله الخواجة لا بد أنه استعان ببعض العرب فى اختراع هذا الوحى الدنس ، وإلا فهذا دليل آخر على أنه ، رغم كل علمه وقوته وتقدمه ، تفوته أشياء مما تفوت عباد الله اللاأمريكيين ، كما حدث فى حكاية البلح الأصفر الذى كان لا يزال على شماريخ النخل فى عز الخريف فى صور القبض على صدام حسين الشهيرة . وأما إن كان قد استعان ببعض العرب ، وهو ما أنا موقن منه إيقانا ، فمعناه أن بركة القرآن قد آتت أُكُلَها وسطعت ( كما يسطع العبيرُ وضياءُ الشمس جميعا ) نتائجُها الطيبةُ الطاهرةُ فأفشلت هذا التآمر الخسيس ، وانقلب السحر على الساحر الخائب الموكوس ، رغم كل ما معه من خبث وسلاح وفلوس !

وبعد ، فهذه عينة من الأخطاء اللغوية التى سقط فيها سقوطَ الجرادل صاحبُنا الإلهُ الخواجة وأذيالُه من بنى جلدتنا الذين أخجلونا وشمّتوا الدنيا فينا بجهلهم بلغة القرآن المجيد الجديرة بالحب بل بالعشق بل بالوَلَه حتى ممن يكره كتابَها العزيزَ والرسولَ الذى أُنْزِل عليه هذا الكتاب ضياءً وهدًى للعالمين :

" وما كان النجسُ والطمثُ والمحيضُ والغائطُ والتيممُ والنكاحُ والهجرُ والضربُ والطلاقُ إلا كومةُ رِكْسٍ لفظها الشيطان بلسانكم " ( الطهر/ 6 ، وصوابها : " كومةَ ركس " بفتح التاء لأنها خبر " كان" ).

و" كى يَشْهَدهم الناسَ " ( الصلاة / 3 ، بفتح سين " الناس " رغم أنها فاعلٌ حقُّه الرفعُ بالضمة ).

و" ذلكم هم المنافقون " ( نفس السورة والفقرة ، وهى غلطة لا يمكن أن يقع فيها إلا إله أمريكانى من الذين يقولون : " يا خبيبى ! يا خَبّة إينى " ، أما لو كان رب العالمين هو الذى أنزل هذا الكتاب لقال : " أولئك / أولئكم هم المنافقون " ، إذ إن الكاف التى فى آخر اسم الإشارة لا علاقة لها بالمشار إليه ، الذى هو هنا " الكافرون " ، بل تتغير حسب طبيعة من نخاطبه : إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا، أما الذى يتغير حسب تغير المشار إليه فهو اسم الإشارة نفسه . ومادام " المنافقون " جمعا فينبغى استخدام " أولئك " لهم . ترى أَفَهِم الأوباشُ أم نُعِيد الكلام من البداية ؟ ولا بأس عندنا من الإعادة ، ففى التكرار للحمير إفادة ! ) .

و" خلقناكم ذكرا وأنثى يتحدان زوجًا فردا " ( الزواج / 3 ، وهو كلام ركيك من كلام الخواجات ).

و" الإنتقام " ( الإخاء / 11 ، بهمزة تحت الألف ، وهو خطأ شنيع صحته " الانتقام " دون التلفّظ بالهمزة لأنها همزة وصل لا تُنْطَق ) .

و" وصَّيناكم بألا تَدِنُوا " ( الماكرين / 6 ، يقصد " بألا تدينوا " ، وهذا أيضا كلامٌ خواجاتى ) .

و" سلبتم أقواتِهم " ( الماكرين / 7 ، وهو جهلٌ مُدْقِع أستغرب كيف يقع فيه شيطان ، والشياطين ، رغم شِرّيرِيّتهم ، لا يخطئون مثل هذه الأخطاء البدائية . لكن يبدو أنه من أولئك الشياطين الفاشلين الذين منهم أحمد الشلبى مورّط أمريكا فى العراق . على كل حال فالصواب هو فتح تاء " أقواتَهم " لأنها ليست جمع مؤنث سالما كما يظن الأغبياء ، بل جمع تكسير ، فلذلك تُنْصَب بالفتحة لا بالكسرة ).

و" بإسمنا " ( الماكرين / 15 ، وهى مثل الهمزة فى " الانتقام " لا ينبغى أن تُلْفَظ ).

و" زَنُوا " ( الماكرين / 17 ، من " الزنى " ، وهو خطأ لا يليق ، صوابه " زَنَوْا " ) .

و"حضيرة " ( مرتين : الرعاة / 13 ، والمحرّضين / 10 ، والصواب ، كما لا يخفى إلا على جاهل قد طمس الله على عينه وجعل على عقله غشاوة ، هو "حظيرة " ، وهو المكان الذى ينبغى أن يوضَع فيه أمام مذْوَدٍ مملوءٍ تبنًا وبرسيمًا هؤلاء الطَّغَامُ الذين يحاولون بغبائهم أن يطفئوا نور الله بأفواههم النَّتِنَة ) .

و" نقول له : كن ، فيكونَ " ( النسخ / 10 ، بفتح نون " يكون " من غير أى داع ، والواجب ضمّها لأن الفعل المضارع لم يسبقه ناصب من أى نوع ) .

و" أشرك بنا من يشاركنا وِلائِنا لعبادنا " (المشركين / 12 ، بكسر همزة " ولاء " ، وحقها الفتح لأن الكلمة مفعول ثان للفعل " يشاركنا ". وهى ، كما يرى القارئ ، غلطة لا يقع فيها إلا جاهل له فى الجهل تاريخ عريق مؤثَّل ) .

و" مؤمنين منافقين " ( الكبائر / 9 ، ولا أدرى كيف يُوصَف المؤمن بأنه منافق ، اللهم إلا إذا جاز لنا أن نقول : فلان قصير طويل ، وطيب شرير ، وذكى غبى ... إلخ ، أو إلا إذا احتُجَّ علينا بأن قائل هذا هو الله ، الذى لا تُرَد له مشيئة ، فهو لا يُسْأل عما يفعل . لكن فات ذلك المجادلَ الشَّكِسَ أن إرادة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيلات وأنها فوق السخافات والسفسطات . أما إذا قيل إنه إله أمريكى يحق له أن يفعل أى شىء دون أدنى حرج ، فإننا نبادر بالموافقة ما دام فاعل هذا من ذلك الصنف من الناس الذين وصف رسولنا الكريم واحدا منهم قديما بـ " الأحمق المطاع " ) .

و" وزعمتم أنكم آمنتم بالكتاب وبأهل الكتاب الذين هادوا والنصارى " ( الكبائر / 9 ، والمخاطَبون هنا هم المسلمون . وفى الكلام ركاكة لا يمكن بلعها ولا هضمها، علاوة على أن المسلمين لا يقولون أبدا إنهم آمنوا باليهود والنصارى ، إذ ليس اليهود والنصارى كتابا سماويا ولا نبيا من الأنبياء حتى يكونوا موضوعا للإيمان ، فضلا عن أننا ، على العكس من ذلك ، نؤمن بأنهم حرّفوا كتبهم وعبثوا بها وأنهم ما زالوا مقيمين على العبث والتحريف حتى هذه اللحظة باختراعهم هذا " الضلال المبين " وزَعْمهم أنه كتاب من عند رب العالمين ، ناسين أن الكتب السماوية لا تنزل على أهل الأُبْنَة اللوطيين ، حتى لو رأت أمريكا أن ترسّمهم أساقفةً وقِسّيسِين ) .

و" إنْ هو ( أى القرآن ) إلا خير شِرْعة أُخْرِجَت للكافرين " ( البهتان / 9 ، وهو وحىٌ حلمنتيشىٌّ خَدِيجٌ لا رأس له ولا ذَنَب ، ولا يمكن أن يدور إلا فى اسْت أحد الممرورين المضطربين . لا شفاه الله من دائه بل أخزاه وجعله عبرة لغيره من الكافرين المخبولين ! آمين يا رب العالمين . ومن الواضح أن الجهلاء يريدون أن يقولوا إنه " شرّ شرعةٍ أُخْرِجت للكافرين " ).

وكما ثبت أن الإله الذى أوحى بهذا " الضلال المبين " هو إله جاهل باللغة التى لفَّق بها كتابه ، فسأثبت للقراء الآن أنه إله جاهل أيضا بالكتب التى يقول إنه أوحى بها قبل هذا ، وأنه إله لا منطق عنده ولا عقل ، وأنه نسّاء كذلك ، إذ لا يستطيع أن يتذكر ما جاء فى القرآن الكريم فينقل الآيات التى فيه خطأً ، مع أنه ، كما قيل لى ، كان يفتح المصحف وهو يفعل ذلك . فهل نقول إنه لا يعرف الكتابة والقراءة جيدا ؟ أم هل نقول إنه يستعين بمن يقرأون له ، لكنهم للأسف يستغلون جهله وأميته فيخدعونه ولا يعطونه المعلومات الصحيحة التى يطلبها منهم ؟

يقول بعد البسملة التثليثية فى أول ما يسمّى بـ " سورة الحق " ، والحق منها ومن مزيفيها براء : " وأنزلنا الفرقان الحق نورًا على نور محقًّا للحق ومبطلا للباطل وإن كره المبطلون * ففضح مكر الشيطان الرجيم ولو تنزَّل بوحى مَلَكٍ رحيم " . بالله هل هذا إله يدرى ما يقول ؟ ما معنى أنه سيفضح مكر الشيطان الرجيم حتى لو جاء به ملاك رحيم ؟ تُرَى كيف يمكن أن يأتى بالوحى الشيطانى ملاك رحيم ؟ هل الملائكة تتصرف من تلقاء نفسها ؟ بل هل يمكن أن يقع منها أى عصيان لأوامر الله ؟

ومثلُ ذلك رقاعةً وسخفًا قولُهم فى الفقرة الثانية من " سورة الطهر " : " ولو كنتم أنبياءَ وأُوتيتُم الحكمة واطلَّعتم على الغيب وأتيتم بالمعجزات دون محبة فلا حول لكم ولا منّة وإنما أنتم مفترون ". كيف بالله يمكن أن يكون إنسانٌ ما نبيًّا مؤيَّدًا بالحكمة وعلم الغيب والمعجزات جميعا ثم يرفض الله تعالى أن يعترف به نبيا ؟ فمن الذى أرسله إذن وجعله نبيا وأيده بكل هذه المواهب الإعجازية ؟ إن القوم إنما يصدرون هنا عن الفكر الوثنى ، إذ يتصورون أن هناك إلها آخر يمكن أن يرسل نبيا من لدنه على غير هوى الله فيرفض الله من ثم أن يعترف بنبوته .

وفى أول " سورة العطاء " نطالع الآتى : " يا أيها الذين ضلُّوا من عبادنا ، لقد قيل لكم : النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن ... " ، ليعود الإله الغافل فى الفقرة السادسة فيقول بخصوص هذه الآية نفسها : " ورحتم تُضِلّون المهتدين وتفترون علينا الكذب إنه لا يفلح المفترون ". والآن أيدرى القارئ الكريم من أين أتى القرآن بعبارة " النفس بالنفس ... إلخ " ؟ إنها من التوراة ، ونص القرآن هو : " وكتبنا عليهم فيها ( أى على بنى إسرائيل فى التوراة ) أن النفسَ بالنفسِ ، والعينَ بالعيِن ، والأنفَ بالأنفِ ، والأذنَ بالأذنِ ، والسنَّ بالسنِّ ... " ( المائدة / 45 ) ، ولا أحد فى اليهودية أو النصرانية إلا ويؤمن بأن التوراة هى من عند الله . والقرآن لم يقل شيئا آخر غير هذا ، فما معنى كل ذلك ؟ معناه ببساطة أن الإله الذى أوحى هذا الكتاب المسمى بـ " الضلال المبين " هو إله لا عقل لديه ولا ذاكرة ! وقد بلغ به فقدان العقل والذاكرة أَنْ وصف هذا التشريع بأنه " حكم الجاهلية " ، فضلا عن أنه لم يحسن نقل الآية كالعادة كما لا بد أن القراء قد لاحظوا ، إذ نَسِىَ ثلاث جمل كاملة هى : " والعَيْنَ بالعين ، والأَنْفَ بالأنف ، والأُذُنَ بالأُذُنِ " ، وهكذا ينبغى أن يكون الإله والوحى الإلهى ، وإلا فلا .

تصوَّروا ! تصوروا أن يعيب إلهٌ شريعته التى أنزلها فى كتاب له أرسل به رسولا من رسله أولى العزم هو موسى عليه السلام بأنها " حكم الجاهلية " ؟ جاء ذلك فيما يسمَّى : " سورة الحكم " ، ونص كلام هذا الهَرِم الفاقد الذاكرة كما جاء فى الفقرة العاشرة من السورة المذكورة هو : " أَفَحُكْمَ الجاهلية تبتغون بأن النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن إنْ هو إلا سُنَّة الأولين وقد خَلَتْ شِرْعة الغابرين " . ثم يمضى الإله المسكين فى تخبطاته بصورة تدعو إلى الرثاء قائلا فى الفقرة التى تلى ذلك مباشرة : " فلا تنتقموا وتَصَدَّقوا به فهو كفارة لكم إن كنتم مؤمنين " ، جاهلا فى غمرة نسيانه وخَرَفه أن هذا هو ما يقوله القرآن الكريم فى آية سورة " المائدة " التى سبق الاستشهاد بها قبل قليل ، مع فارق مهم هو أن القرآن لا يوجب هذا كما يريد منا مزيفو كتاب " الضلال " بل يكتفى بالحث عليه لمن أراد أن يحرز أجرا عند الله ينفعه يوم القيامة ، وهو ما يتمشى مع أوضاع المجتمعات البشرية التى لا تستطيع أن تُمْضِىَ أمرها دون محاكم وعقوبات ، وإلا لفسد الأمر وعاث المجرمون من أمثال هؤلاء الملفقين بغيا ونهبا وتقتيلا ، إذ ما الذى يردع المجرم عن عدوانه وغَيّه لو أُلْغِيَت العقوبات ؟ إن هذا ما يتمناه كل مجرم له فى الإجرام تاريخ عريق . أما المبالغة فى الأمر بالتسامح والتظاهر به وتصوُّر أن البشر قادرون عليه فى كل الأحوال فهو نفاق رخيص . وليست العبرة بمثل هذه المبالغة ، بل العبرة أن يكون هناك تشريع يحقق العدل ويأخذ لكل ذى حق حقه مع دعوة الناس إلى الصفح ما أمكن ، وهو ما فعله القرآن . أما الكلام الساذج عن إدارة الخد الأيسر لمن يصفعك على خدك الأيمن فهو سذاجة بل بلاهة بل تنطع . وأتحداكم أن تأتوا لى بمن يدعو إلى هذا لأصفعه وأرى ماذا سيفعل ! إنه ما من دولة نصرانية تخلو من المحاكم والعقوبات والسجون ... إلخ مما هو موجود فى كل البلاد ! بل إن الله نفسه يعاقب الأشرار فى الدنيا والآخرة .

وعلى اعتقادكم فإنه سبحانه لم يسامح البشرَ إلا بعد أن عاقب ابنه عقابا لم نسمع أن أبا طبيعيا عاقبه ابنه ، بله أن يكون هذا الابن ابنًا بريئًا بارًّا لم يرتكب ذنبا فى حق أحد ! ترى لماذا لم يجر الله على سنة التسامح التى تدعون إليها وتظنون أنكم تتفوقون بها علينا ، مع أننا، مهما صدقنا ادعاءاتكم فينا، لم نقترف عشر معشار ما اقترفتموه فى حقنا وفى حق الآخرين من جرائم وفظاعات وحشية ؟ فلماذا التساخف إذن لمكايدة المسلمين ؟

أما إذا كان الأمر مجرد تنطُّع للمباهاة والسلام ، فإنى على استعداد لعظة الأوباش بألا يكتفوا بإدارة الخد الأيسر لمن يصفعهم على الأيمن بل لا بد من إدارة القفا أيضا ليتلقَّوْا عليه ما لذ وطاب من الضرب واللَّطْس ثم إدارة الأرداف كذلك للاستمتاع ببعض الركلات ، مع كم لكمةً من اللكمات المنتقاة وكم بَصْقَةً من البَصْق الذى يعجبك كى يكون أجرهم عند الله عظيما فى ملكوت السماوات ! وسلِّم لى على التسامح .