25 - " لما اقترف آدم الخطيئة ، قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي ،
فقال الله : يا آدم و كيف عرفت محمدا و لم أخلقه ؟ قال : يا رب لما خلقتني
بيدك ، و نفخت في من روحك ، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله
إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ،
فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ، ادعني بحقه فقد غفرت لك ، و لولا
محمد ما خلقتك " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 88 ) :


موضوع .
أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 2 / 615 ) و عنه ابن عساكر ( 2 / 323 / 2 )
و كذا البيهقي في باب ما جاء فيما تحدث به صلى الله عليه وسلم بنعمة ربه من
" دلائل النبوة " ( 5 / 488 ) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ،
حدثنا إسماعيل ابن مسلمة ، نبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن
عمر بن الخطاب مرفوعا ، و قال الحاكم : صحيح الإسناد ، و هو أول حديث ذكرته
لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب .
فتعقبه الذهبي بقوله : بل موضوع ، و عبد الرحمن واه ، و عبد الله بن مسلم
الفهري لا أدري من هو .
قلت : و الفهري هذا أورده في " ميزان الاعتدال " لهذا الحديث و قال : خبر باطل
رواه البيهقي في " دلائل النبوة " و قال البيهقي : تفرد به عبد الرحمن بن زيد
ابن أسلم و هو ضعيف .
و أقره ابن كثير في " تاريخه " ( 2 / 323 ) و وافقه الحافظ ابن حجر في
" اللسان " أصله " الميزان " على قوله : خبر باطل و زاد عليه قوله في هذا
الفهري : لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته .
قلت : و الذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رشيد ، ذكره ابن حبان فقال : متهم
بوضع الحديث ، يضع على ليث و مالك و ابن لهيعة لا يحل كتب حديثه ، و هو الذي
روى عن ابن هدبة نسخة كأنها معمولة .
و الحديث أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " ( 207 ) من طريق أخرى عن
عبد الرحمن بن زيد ثم قال : لا يروي عن عمر إلا بهذا الإسناد .
و قال الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 253 ) : رواه الطبراني في " الأوسط "
و " الصغير " و فيه من لم أعرفهم .
قلت : و هذا إعلال قاصر ما دام فيه عبد الرحمن بن زيد ، قال شيخ الإسلام ابن
تيمية في " القاعدة الجليلة في التوسل و الوسيلة " ( ص 69 ) : و رواية الحاكم
لهذا الحديث مما أنكر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب " المدخل إلى معرفة
الصحيح من السقيم " : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا
يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه .
قلت : و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيرا .
و صدق شيخ الإسلام في نقله اتفاقهم على ضعفه و قد سبقه إلى ذلك ابن الجوزي ،
فإنك إذا فتشت كتب الرجال ، فإنك لن تجد إلا مضعفا له ، بل ضعفه جدا علي بن
المديني و ابن سعد ، و قال الطحاوى : حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية
من الضعف .
و قال ابن حبان : كان يقلب الأخبار و هو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع
المراسيل و إسناد الموقوف ، فاستحق الترك .
و قال أبو نعيم نحو ما سبق عن الحاكم : روى عن أبيه أحاديث موضوعة .
قلت : و لعل هذا الحديث من الأحاديث التي أصلها موقوف و من الإسرائيليات ، أخطأ
عبد الرحمن بن زيد فرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، و يؤيد هذا أن
أبا بكر الآجري أخرجه في " الشريعة " ( ص 427 ) من طريق الفهري المتقدم بسند
آخر له عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب موقوفا عليه .
و رواه ( ص 422 - 425 ) من طريق أبي مروان العثماني قال : حدثني أبي ( في
الأصل : ابن و هو خطأ ) عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه
قال : " من الكلمات التي تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام أنه قال : اللهم
إني أسألك بحق محمد عليك .. " الحديث نحوه و ليس فيه ادعني بحقه إلخ .
و هذا موقوف و عثمان و ابنه أبو مروان ضعيفان لا يحتج بهما لو رويا حديثا
مرفوعا ، فكيف و قد رويا قولا موقوفا على بعض أتباع التابعين و هو قد أخذه -
والله أعلم - من مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم أو عن كتبهم التي لا ثقة لنا
بها كما بينه شيخ الإسلام في كتبه .
و كذلك رواه ابن عساكر ( 2 / 310 / 2 ) عن شيخ من أهل المدينة من أصحاب ابن
مسعود من قوله موقوفا عليه و فيه مجاهيل .
و جملة القول : أن الحديث لا أصل له عنه صلى الله عليه وسلم فلا جرم أن حكم
عليه بالبطلان الحافظان الجليلان الذهبي و العسقلاني كما تقدم النقل عنهما .
و مما يدل على بطلانه أن الحديث صريح في أن آدم عليه السلام عرف النبي صلى الله
عليه وسلم عقب خلقه ، و كان ذلك في الجنة ، و قبل هبوطه إلى الأرض ، و قد جاء
في حديث إسناده خير من هذا على ضعفه أنه لم يعرفه إلا بعد نزوله إلى الهند
و سماعه باسمه في الأذان ! انظر الحديث ( 403 ) .
و مع هذا كله فقد جازف الشيخ الكوثري و صححه مع اعترافه بضعف عبد الرحمن بن زيد
لكنه استدرك ( ص 391 ) فقال : إلا أنه لم يتهم بالكذب ، بل بالوهم ، و مثله
ينتقى بعض حديثه .
قلت : لقد بلغ به الوهم إلى أنه روى أحاديث موضوعة كما تقدم عن الحاكم
و أبي نعيم ، فمثله لا يصلح أن ينتقى من حديثه حتى عند الكوثري لولا العصبية
و الهوي ، فاسمع إن شئت ما قاله ( ص 42 ) في صدد حكمه بالوضع على حديث " إياكم
و خضراء الدمن ... " و قد تقدم برقم ( 14 ) .
و إنما مدار الحكم على الخبر بالوضع أو الضعف الشديد من حيث الصناعة الحديثية
هو انفراد الكذاب أو المتهم بالكذب أو الفاحش الخطأ به .
و قد علمت مما سبق أن مدار الحديث على عبد الرحمن بن زيد الفاحش الخطأ ، فيكون
حديثه ضعيفا جدا على أقل الأحوال عنده لو أنصف !
و من عجيب أمره أنه يقول عقب عبارته السابقة ( ص 391 ) : و هذا هو الذي فعله
الحاكم حيث رأى أن الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال لأبي
جعفر المنصور : و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلام .
فمن أين له أن الحاكم رأى أن الخبر مما قبله مالك ؟ ! فهل يلزم من كون الرجل
كان حافظا أنه كان يحفظ كل شيء عن أي إمام ، هذا ما لا يقوله إنسان ؟ ! فمثل
هذا لابد فيه من نقل يصرح بأن الحاكم رأى ... و إلا فمن ادعى ذلك فقد قفى ما
ليس له به علم .
ثم هب أن مالكا قبل الخبر ، فهل ذلك يلزم غيره أن يقبله و هو لم يذكر إسناده
المتصل منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أفلا يجوز أن يكون ذلك من
الإسرائيليات التي تساهل العلماء في روايتها عن بعض مسلمة أهل الكتاب مثل كعب
الأحبار ، فقد كان يروي عنه بعضها ابن عمر و ابن عباس و أبو هريرة باعتراف
الكوثري نفسه ( ص 34 ـ " مقالة كعب الأحبار و الإسرائيليات " ) فإذا جاز هذا
لهؤلاء ، أفلا يجوز ذلك لمالك ؟ بلى ثم بلى .
فثبت أن قول مالك المذكور لا يجوز أن يكون شاهدا مقويا للحديث المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم
.
و هذا كله يقال لو ثبت ذلك عن مالك ، كيف و دون ثبوته خرط القتاد ! فإنه يرويه
عنه ابن حميد و هو محمد بن حميد الرازي في الراجح عند الكوثري ثم اعتمد هو على
توثيق ابن معين إياه و ثناء أحمد و الذهلي عليه ، و تغافل عن تضعيف جمهور
الأئمة له ، بل و عن تكذيب كثيرين منهم إياه ، مثل أبي حاتم و النسائي
و أبي زرعة و صرح هذا أنه كان يتعمد الكذب ، و مثل ابن خراش فقد حلف بالله أنه
كان يكذب ، و قال صالح بن محمد الأسدي : كل شيء كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه
فيه ، و قال في موضع آخر : كانت أحاديثه تزيد ، و ما رأيت أحدا أجرأ على الله
منه ، و قال أيضا : ما رأيت أحدا أحذق بالكذب من رجلين سليمان الشاذكوني و محمد
ابن حميد ، كان يحفظ حديثه كله .
و قال أبو علي النيسابوري : قلت لابن خزيمة : لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد
فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه ؟ فقال : إنه لم يعرفه ، و لو عرفه كما عرفناه ما
أثنى عليه أصلا .
فهذه النصوص تدل على أن الرجل كان مع حفظه كذابا ، و الكذب أقوى أسباب الجرح
و أبينها ، فكيف ساغ للشيخ تقديم التعديل على الجرح المفسر مع أنه خلاف معتقده
؟ !
علم ذلك عند من يعرف مبلغ تعصبه على أنصار السنة و أهل الحديث ، و شدة عداوته
إياهم سامحه الله و عفا عنه .
فتبين مما ذكرناه أن هذه القصة المروية عن مالك قصة باطلة موضوعة ، و قد حقق
القول في ذلك على طريقة أخرى شيخ الإسلام في " القاعدة الجليلة " ( 1 / 227 ـ
ضمن مجموع الفتاوى ) و ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " فليراجعهما من أراد
المزيد من الاطلاع على بطلانها ، فإن فيما أوردت كفاية .
و بذلك ثبت وضع حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم، و خطأ من خالف .
و لقد أطلت كثيرا في تحقيق الكلام عليه و على الأحاديث التي قبله ، و ما كنت
أود ذلك لولا أنى وجدت نفسي مضطرا لذلك ، لما وقفت على مغالطات الشيخ الكوثري ،
فرأيت من الواجب الكشف عنها لئلا يغتر بها من لا علم له بما هنالك ! فمعذرة إلى
القراء الكرام .
هذا و إن من الآثار السيئة التي تركتها هذه الأحاديث الضعيفة في التوسل أنها
صرفت كثيرا من الأمة عن التوسل المشروع إلى التوسل المبتدع ، ذلك لأن العلماء
متفقون - فيما أعلم - على استحباب التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفة
من صفاته تعالى ، و على توسل المتوسل إليه تعالى بعمل صالح قدمه إليه عز وجل .
و مهما قيل في التوسل المبتدع فإنه لا يخرج عن كونه أمرا مختلفا فيه ، فلو أن
الناس أنصفوا لانصرفوا عنه احتياطا و عملا بقوله " دع ما
يريبك إلى ما لا يريبك " إلى العمل بما أشرنا إليه من التوسل المشروع ، و لكنهم
مع الأسف أعرضوا عن هذا و تمسكوا بالتوسل المختلف فيه كأنه من الأمور اللازمة
التي لابد منها و لازموها ملازمتهم للفرائض ! فإنك لا تكاد تسمع شيخا أو عالما
يدعو بدعاء يوم الجمعة و غيره إلا ضمنه التوسل المبتدع ، و على العكس من ذلك
فإنك لا تكاد تسمع أحدهم يتوسل بالتوسل المستحب كأن يقول مثلا : اللهم إنى
أسألك بأن لك الحمد لا إله ألا أنت وحدك لا شريك لك المنان ، يا بديع السموات
و الأرض ، يا ذا الجلال و الإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك ... مع أن فيه الاسم
الأعظم الذي إذا دعي به أجاب و إذا سئل به أعطى كما قال
صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه ، فهل سمعت أيها القارئ الكريم أحدا يتوسل بهذا أو بغيره مما في
معناه ؟ أما أنا فأقول آسفا : إننى لم أسمع ذلك ، و أظن أن جوابك سيكون كذلك ،
فما السبب في هذا ؟ ذلك هو من آثار انتشار الأحاديث الضعيفة بين الناس ،
و جهلهم بالسنة الصحيحة ، فعليكم بها أيها المسلمون علما و عملا تهتدوا و تعزوا
.
و بعد طبع ما تقدم اطلعت على رسالة في جواز التوسل المبتدع لأحد مشايخ الشمال
المتهورين ، متخمة بالتناقض الدال على الجهل البالغ ، و بالضلال و الأباطيل
و التأويلات الباطلة و الافتراء على العلماء بل الإجماع ! مثل تجويز الاستغاثة
بالموتى و النذر لهم ، و زعمه أن توحيد الربوبية و توحيد الألوهية متلازمان !
و غير ذلك مما لا يقول به عالم مسلم ، كما أنه حشاها بالأحاديث الضعيفة
و الواهية كما هي عادته في كل ما له من رسائل - و ليته سكت عنها ، بل إنه صحح
بعض ما هو معروف منها بالضعف كقوله ( ص 42 ) و في الأحاديث الصحيحة : " إن أحب
الخلق إلى الله أنفعهم لعباده " و غير ذلك مما لا يمكن البحث فيه الآن .
و إنما القصد أن أنبه القراء على ما وقع في كلامه على الأحاديث المتقدمة في
التوسل من التدليس بل الكذب المكشوف ليوهمهم صحتها ، كي يكونوا في حذر منه و من
أمثاله من الذين لا يتقون الله فيما يكتبون ، لأن غرضهم الانتصار لأهوائهم و ما
وجدوا عليه آبائهم و أمهاتهم .
فحديث أنس ( رقم 23 ) الذي بينا ضعف إسناده ، أوهم هو أنه صحيح بتمكسه بتوثيق
ابن حبان و الحاكم لروح بن صلاح ! و قد أثبتنا ضعف هذا الراوي و عدم اعتداد
العلماء بتوثيق المذكورين فتذكر ، كما أثبتنا عدم أمانة الكوثري في النقل
و اتباعه للهوى و قد جرى على طريقته هذه مؤلف هذه الرسالة بل زاد عليه ! فإنه
بعد أن ساق الحديث موهما القاريء أنه صحيح قال عقبه ( ص 15 ) : و لهذا طرق منها
عن ابن عباس عند أبي نعيم في " المعرفة " و الديلمي في " الفردوس " بإسناد حسن
كما قاله الحافظ السيوطي .
فهذا كذب منه على ابن عباس رضي الله عنه - و ربما على السيوطي أيضا - فليس في
حديث ابن عباس موضع الشاهد من حديث أنس و هو قوله " بحق نبيك و الأنبياء الذين
قبلي فإنك أرحم الراحمين " و ذلك مما يوهن هذه الزيادة و لا يقويها خلافا
لمحاولة المؤلف الفاشلة المغرضة !
و أما حديث عمر ( رقم 25 ) فقال في تخريجه ( ص 15 ) :
و أخرج البيهقي في " دلائل النبوة " و قد التزم أن لا يذكر في هذا الكتاب حديثا
موضوعا .
قلت : و الجواب من وجهين :
الأول : أن الالتزام المذكور غير مسلم به ، فقد أخرج فيه غيرما حديث موضوع و قد
نص على ذلك بعض النقاد ، و من يتتبع مقالاتنا هذه في الأحاديث الضعيفة
و الموضوعة يجد أمثلة على ذلك و حسبك دليلا الآن هذا الحديث فقد حكم عليه
الحافظان الذهبي و العسقلاني بأنه حديث باطل كما سبق ، فما بال المؤلف يتغاضى
عن حكمهما و هما المرجع في هذا الشأن و يتعلق بالمتشابه من الكلام ؟ ! .
الآخر : أن البيهقي الذي أخرجه في " الدلائل " قد ضعف الحديث فيه كما سبق نقله
عنه ، فإن لم يكن الحديث عنده موضوعا فهو على الأقل ضعيف ، فهو حجة على الشيخ
الذي يحاول بتحريف الكلام أن يجعله صحيحا ؟ !
ثم نقل المؤلف تخريج الحاكم للحديث و تصحيحه إياه ، و تغاضى أيضا عن تعقب
الذهبي إياه الذي سبق أن ذكرناه ، و الذي يصرح فيه أنه حديث موضوع ! كما تغاضى
عن حال راويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، الذي اتهمه الحاكم نفسه بالوضع !
و عن غيره ممن لا يعرف حاله أو هو متهم ، و عن قول الحافظ الهيثمي في الحديث
فيه من لم أعرفهم ! .
عجبا من هذا المؤلف و أمثاله إنهم يزعمون أن باب الاجتهاد قد أغلق على الناس
فليس لهم أن يجتهدوا لا في الحديث تصحيحا و تضعيفا ، و لا في الفقه ، ترجيحا
و تفريعا ، ثم هم يجتهدون فيما لا علم لهم فيه البتة ، و هو علم الحديث ،
و يضربون بكلام ذوي الاختصاص عرض الحائط ! ثم هم إن قلدوا قلدوا دون علم متبعين
أهواءهم ، و إلا فقل لي بالله عليك : إذا صحح الحاكم حديثا - و هو معروف
بتساهله في ذلك - و رده عليه أمثال الذهبي و الهيثمي و العسقلاني أفيجوز
و الحالة هذه التعلق بتصحيح الحاكم ؟! اللهم إن هذا لا يقول به إلا جاهل أو
مغرض ! اللهم فاحفظنا من اتباع الهوي حتى لا يضلنا عن سبيلك .
ثم زعم المؤلف ( ص 16 ) أن الإمام مالكا قد صح عنده محل الشاهد من هذا الحديث
حيث قال للخليفة العباسى : و لم تصرف وجهك عنه صلى الله عليه وسلم و هو وسيلتك
و وسيلة أبيك آدم ؟ .
و قد بينا فيما سلف بطلان نسبة هذه القصة إلى مالك ، و أما المؤلف فلا يهمه
التحقق من ذلك ، و سيان عنده أثبتت أو لم تثبت ، ما دام أنها تؤيد هواه و بدعته
إذ الغاية عنده تسوغ الوسيلة ! .
و من تهور هذا المؤلف و جهله أنه يصرح ( ص 12 ) : أن التوسل برسول الله
صلى الله عليه وسلم و سائر الأنبياء و الأولياء و الصالحين و الاستغاثة بهم ...
مما أجمعت عليه الأمة قبل ظهور هذا المبتدع ابن تيمية الذي جاء في القرن الثامن
الهجري و ابتدع بدعته ! .
فإن إنكار التوسل بغير الله تعالى مما صرح به بعض الأئمة الأولين المعترف
بفضلهم و فقههم ، و قد نقلنا نص أبي حنيفة في ذلك ( ص 77 ) من الكتب الموثوق
بها من كتب الحنفية و فيها عن صاحبيه الإمام محمد و أبي يوسف نحو ذلك مما يعتبر
قاصمة الظهر لهؤلاء المبتدعة ، فأين الإجماع المزعوم أيها المتهور ؟ ! و إن من
أكبر الافتراء على الإجماع أن ينسب إليه هذا المؤلف جواز الاستغاثة بالأموات من
الصالحين ؟ و هذه ضلالة كبري لم يقل بها - و الحمد لله - أحد من سلف الأمة
و علمائها ، و نحن نتحدى المؤلف و غيره من أمثاله أن يأتينا و لو بشبه نص عنهم
في جواز ذلك ، بل المعروف في كتب أتباعهم خلاف ذلك و لولا ضيق المجال لنقلنا
بعض النصوص عنهم .
و أما حديث أبي سعيد الخدري ( رقم 24 ) فاكتفى المؤلف ( ص 36 ) بأن نقل تحسينه
عن بعض العلماء ، و قد بينا خطأ ذلك من وجوه بما لا مرد لها فأغنى عن الإعادة ،
و المؤلف لا يهمه مطلقا التحقيق العلمي لأنه ليس من أهله ، بل هو يتعلق في سبيل
تأييد هواه بالأوهام و لو كانت كخيوط القمر أو مدد الأموات ! .
و بهذه المناسبة أريد أن أقول كلمة وجيزة من جهة استدلال المؤلف بهذا الحديث
و أمثاله على التوسل المبتدع فأقول :
إن حق السائلين على الله تعالى هو أن يجيب دعاءهم ، فلو صح هذا الحديث و ما في
معناه فليس فيه توسل ما إلى الله بالمخلوق ، بل هو توسل إليه بصفة من صفاته
و هي الإجابة ، و هذا أمر مشروع خارج عن محل النزاع فتأمل منصفا ، و بهذا يسقط
قول هذا المؤلف عقب الحديث : فالنبى صلى الله عليه وسلم توسل بالسائلين الأحياء
و الأموات ، لأننا نقول هذا من تحريف الكلم فإننا نقول - إنما توسل - لو صح
الحديث بحق السائلين ، و عرفت المعنى الصحيح - و بحق الممشى ، و هو الإثابة
من الله لعبده ، و ذلك أيضا صفة من صفاته تعالى فأين التوسل المبتدع و هو
التوسل بالذات ؟ !
و أنهي هذا الرد السريع بتنبيه القراء الكرام إلى أمرين آخرين وردا في الرسالة
المذكورة : الأمر الأول ذكر ( ص 16 ) حديث الأعمى و قد سبق بيان معناه ، ثم
أتبعه بذكر قصة عثمان بن حنيف مع الرجل صاحب الحاجة و كيف أنه شكي إليه أنه
يدخل على عثمان بن عفان فلا يلتفت إليه ! فأمره ابن حنيف أن يدعو بدعاء الأعمى
... فدخل على عثمان بن عفان فقضى له حاجته ! احتج المؤلف بهذه القصة على التوسل
به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته .
و جوابنا من وجهين :
الأول : أنها قصة موقوفة ، و الصحابة الآخرون لم يتوسلوا مطلقا به صلى الله
عليه وسلم بعد وفاته ، لأنهم يعلمون أن التوسل به معناه التوسل بدعائه و هذا
غير ممكن كما سبق بيانه .
الآخر : أنها قصة لا تثبت عن ابن حنيف ، و بيان ذلك في رسالتنا الخاصة
" التوسل أنواعه و أحكامه " و قد سبقت الإشارة إليها .
و نحو ذلك أنه : ذكر ( ص 25 ) قصة مجيء بلال بن الحارث المزني الصحابى لما قحط
الناس في عهد عمر إلى قبر النبي
صلى الله عليه وسلم
و منادته إياه :
يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا .
فهذه أيضا قصة غير ثابتة و أوهم المؤلف صحتها محرفا لكلام بعض الأئمة ، مقلدا
في ذلك بعض ذوي الأهواء قبله ، و تفصيل ذلك في الرسالة المومئ إليها إن
شاء الله تعالى .
(1/102)