8 ‏ ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا‏....‏
بقلم الدكتور‏:‏زغلول النجار
في الوقت الذي ساد اعتقاد الناس بثبات الارض وسكونها‏,‏ جاء القران الكريم بالتاكيد علي جريها وسبحها‏,‏ وعلي جري كافه اجرام السماء وسبحها في فسحه الكون الرحيب‏,‏ ولكن لما كانت هذه الحقائق خافيه علي الناس في زمن تنزل الوحي فقد جاءت الاشارات القرانيه اليها بصياغه لطيفه‏,‏ رقيقه‏,‏ غير مباشره حتي لاتصدهم عن قبوله فيحرموا نور الرساله الخاتمه‏,‏ ويكون ذلك سببا في حرمان البشريه من هديها‏..!!‏
من هنا جاءت الاشارات القرانيه الي عدد من الحقائق الكونيه التي كانت غائبه عن علم الناس في زمن الوحي ومنها حركات الارض بصياغه مجمله‏,‏ غير مباشره‏,‏ ولكنها في نفس الوقت صياغه بالغه الدقه في التعبير‏,‏ والشمول في الدلاله‏,‏ والاحاطه بالحقيقه الكونيه‏,‏ لتبقي مهيمنه علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها‏,‏ وشاهده للقران الكريم بانه كلام ا لله الخالق‏,‏ وللنبي الخاتم الذي تلقي الوحي به‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بانه كان معلما من قبل خالق السماوات والارض‏,‏ وموكده علي وصفه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ للقران الكريم بانه لاتنتهي عجائبه‏,‏ ولايخلق علي كثره الرد‏.‏

الاشارات القرانيه الي حركات الارض‏:‏
استعاض القران الكريم في الاشاره الي حركات الارض بغشيان‏(‏ او بتغشيه‏)‏ كل من الليل والنهار للاخر‏,‏ واختلافهما‏,‏ وتقلبهما‏,‏ وولوج كل منهما في الاخر‏,‏ وبسلخ النهار من الليل‏,‏ وبمرور الجبال مر السحاب‏,‏ وبالتعبير القراني المعجز عن سبح كل من الليل والنهار كنايه عن الحركات الانتقاليه للارض‏,‏ وذلك علي النحو التالي‏:‏

اولا‏:‏ ايات غشيان الليل النهار‏:‏
وجاء ذكرها في ايتي الاعراف رقم‏(54),‏ والرعد رقم‏(3)‏ كما سوف يفصل بعد ذلك بقليل‏.‏



ثانيا‏:‏ ايات اختلاف كل من الليل والنهار‏:‏
تباطو سرعه دوران الارض حول محورها مع الزمن مدون في اجساد النباتات وغيرها من الكائنات الحيه والبائده
وهي خمس ايات كريمه توكد كرويه الارض ودورانها حول محورها امام الشمس يقول فيها الحق تبارك وتعالي‏:‏
‏(1)‏ ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار‏........‏ لايات لقوم يعقلون
‏(‏البقره‏:164)‏

‏(2)‏ ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب
‏(‏ال عمران‏:190)‏
‏(3)‏ ان في اختلاف الليل والنهار وماخلق الله في السماوات والارض لايات لقوم يتقون
‏(‏يونس‏:6)‏

‏(4)‏ وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار افلا تعقلون‏(‏ المومنون‏:80)‏
‏(5)‏ ان في السماوات والارض لايات للمومنين‏*‏ وفي خلقكم وما يبث من دابه ايات لقوم يوقنون‏*‏ واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح ايات لقوم يعقلون
‏(‏الجاثيه‏:2‏ ‏5)‏
ويوكد القران الكريم اختلاف الليل والنهار بتعبير اخر يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏(6)‏ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا
‏(‏الفرقان‏:62)‏

وبتعبير ثالث يقول فيه‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
‏(7)‏ والليل اذ ادبر‏*‏ والصبح اذا اسفر‏*(‏ المدثر‏:34,33)‏
وبتعبير رابع يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏(8)‏ والليل اذا عسعس‏*‏ والصبح اذا تنفس‏(‏ التكوير‏:18,17)‏

ثالثا‏:‏ ايه تقليب الليل والنهار‏:‏
وقد جاءت في سوره النور حيث يقول الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
يقلب الليل والنهار ان في ذلك لعبره لاولي الابصار‏(‏ النور‏:44)‏
وفيها اشاره واضحه الي دوران الارض حول محورها امام الشمس‏.‏

رابعا‏:‏ ايات ايلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل‏:‏
وهي خمس ايات يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏(1)‏ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل‏.(‏ ال عمران‏:27)‏
‏(2)‏ ذلك بان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وان الله سميع بصير
‏(‏الحج‏:61)‏

‏(3)‏ الم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏....(‏ لقمان‏:29)‏
‏(4)‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏...(‏ فاطر‏13)‏
‏(5)‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور
‏(‏الحديد‏:6)‏
والولوج لغه هو الدخول‏,‏ ولما كان من غير المعقول دخول زمن في زمن اخر‏,‏ اتضح لنا ان المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو المكان الذي يتغشيانه اي الارض‏,‏ بمعني ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يدخل نصف الارض الذي يخيم عليه ظلام الليل بالتدريج في مكان النصف الذي يعمه النهار‏,‏ كما يدخل نصف الارض الذي يعمه النهار بالتدريج في مكان النصف الذي تخيم عليه ظلمه الليل‏,‏ وهو مايشير الي كل من كرويه الارض ودورانها حول محورها امام الشمس بطريقه غير مباشره‏,‏ ولكنها تبلغ من الدقه والشمول والاحاطه مايعجز البيان عن وصفه‏.‏

خامسا‏:‏ ايه سلخ النهار من الليل‏:‏
ويقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
وايه لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون‏(‏ يس‏:37)‏
ومعني ذلك ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ ينزع نور النهار من اماكن الارض التي يتغشاها الليل بالتدريج كما ينزع جلد الذبيحه عن كامل بدنها بالتدريج‏,‏ ولايكون ذلك الا بدوران الارض حول محورها امام الشمس‏,‏ وفي هذا النص القراني سبق بالاشاره الي رقه طبقه النهار في نصف الكره الارضيه المواجه للشمس‏,‏ وهي حقيقه لم يدركها الانسان الا بعد رياده الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين حيث ثبت ان سمك طبقه النهار حول الارض لايتعدي المائتي كيلو متر فوق سطح البحر‏,‏ واذا نسب ذلك الي المسافه التي تفصل بيننا وبين الشمس‏(‏ والمقدره بحوالي المائه والخمسين مليونا من الكيلو مترات‏)‏ فانها لاتتجاوز الواحد الي سبعمائه وخمسين الفا تقريبا‏,‏ واذا نسب الي نصف قطر الجزء المدرك من الكون‏(‏ والمقدر باكثر من عشره الاف مليون من السنين الضوئيه‏*9.5‏ مليون مليون كيلو متر‏)‏ اتضحت ضالته‏,‏ واتضحت كذلك لمحه الاعجاز القراني في تشبيه انحسار طبقه النهار الرقيقه عن ظلمه الليل بسلخ جلد الذبيحه الرقيق عن كامل بدنها‏,‏ وفي التاكيد علي ان الظلام هو الاصل في الكون‏,‏ وان نور النهار ظاهره رقيقه عارضه لاتظهر الا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للارض في نصفها المواجه للشمس‏.‏

سادسا‏:‏ ايتا سبح كل من الليل والنهار كنايه عن سبح الارض في مداراتها المختلفه‏:‏
ويقول فيهما ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏:)‏
‏(1)‏ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون‏(‏ الانبياء‏:33)‏
‏(2)‏ لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
‏(‏يس‏:40)‏

سابعا‏:‏ ايه مرور الجبال مر السحاب‏:‏
وفيها يقول الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
وتري الجبال تحسبها جامده وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ انه خبير بما تعملون‏(‏ النمل‏:88)‏
ومرور الجبال مر السحاب هو كنايه عن دوران الارض حول محورها‏,‏ وعن جريها وسبحها في مداراتها‏,‏ وذلك لان الغلاف الغازي للارض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالارض برباط الجاذبيه‏,‏ وحركته منضبطه مع حركه كل من الارض‏,‏ والسحاب المسخر فيه‏.‏
غشيان‏(‏ تغشيه‏)‏ الليل النهار‏:‏

جاء ذكر هذه الحقيقه الكونيه في ايتين كريمتين من ايات القران العظيم يقول فيهما ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏(1)‏ ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين‏*)(‏ الاعراف‏:54)‏
‏(2)‏ وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وانهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون‏(‏ الرعد‏3)‏

كذلك جاء ذكر تجليه النهار للشمس‏,‏ وتغشيتها بالليل في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ والشمس وضحاها‏*‏ والقمر اذا تلاها‏*‏ والنهار اذا جلاها‏*‏ والليل اذا يغشاها‏(‏ الشمس‏:1‏ ‏4)‏
وجاء ذكر تغشيه الليل وتجليه النهار دون تفصيل في قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
والليل اذا يغشي‏*‏ والنهار اذا تجلي
‏(‏الليل‏:2,1)‏

والفعل‏(‏ يغشي‏)‏ مستمد من‏(‏ الغشاء‏)‏ وهو الغطاء‏,‏ يقال غشي بمعني غطي وستر‏,‏ ويقال‏(‏ غشاه‏)‏ و‏(‏ تغشاه‏)(‏ تغشيه‏)‏ اي غطاه تغطيه‏,‏ و‏(‏اغشاه‏)‏ اياه غيره‏,‏ و‏(‏ الغشوه‏)‏ بفتح الغين وضمها وكسرها و‏(‏ الغشاوه‏)‏ مايتغطي او يغطي به الشيء‏,‏ ويقال‏(‏ غشيه‏)(‏ غشيانا‏)‏ و‏(‏ غشاوه‏)‏ و‏(‏غشاء‏)‏ اي جاءه مجيء ما قد غطاه وستره‏,‏ و‏(‏استغشي‏)‏ بثوبه و‏(‏ تغشي‏)‏ به اي تغطي به‏,‏ و‏(‏الغاشيه‏)‏ كل مايغطي الشيء كغاشيه السرج‏,‏ و‏(‏الغاشيه‏)‏ تستخدم كنايه عن القيامه التي‏(‏ تغشي‏)‏ الخلق باهوالها وجمعها‏(‏ غواش‏),‏ و‏(‏غاشيه تغشاهم‏)‏ اي امر يعمهم سواء كان شرا ام خيرا من مثل نائبه تجللهم او فرح يعمهم‏.‏
من ذلك يتضح ان من معاني يغشي الليل النهار ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يغطي بظلمه الليل مكان نور النهار علي الارض بالتدريج فيصير ليلا‏,‏ ويغطي بنور النهار مكان ظلمه الليل علي الارض بالتدريج فيصير نهارا‏,‏ وهي اشاره لطيفه الي كل من كرويه الارض ودورانها حول محورها امام الشمس دوره كامله في كل يوم مدته‏24‏ ساعه‏,‏ يتقاسمها بتفاوت قليل الليل والنهار‏,‏ في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقه القدره الالهيه المبدعه‏,‏ فلو لم تكن الارض كرويه الشكل مااستطاعت الدوران حول محورها‏,‏ ولو لم تدر حول محورها امام الشمس ماتبادل الليل والنهار‏.‏
والقران الكريم يستخدم تعبير الليل والنهار في مواضع كثيره استخداما مجازيا للاشاره الي كوكب الارض‏,‏ كما يشير بهما الي كل من الظلمه والنور علي التوالي والي العديد من المظاهر المصاحبه لهما من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏
والشمس وضحاها‏*‏ والقمر اذا تلاها‏*‏ والنهار اذا جلاها‏*‏ والليل اذا يغشاها
‏(‏الشمس‏:1‏ ‏4)‏

وفي هذه الايات الكريمه يقسم ربنا تبارك وتعالي‏(‏ وهو الغني عن القسم‏)‏ بالنهار الذي يجلي الشمس اي يظهرها واضحه جليه لسكان الارض‏,‏ وهي حقيقه لم يدركها العلماء الا من بعد رياده الفضاء في النصف الاخير من القرن العشرين‏,‏ حين اكتشفوا ان نور النهار المبهج لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكره الارضيه المواجه للشمس‏,‏ وان هذا الحزام الرقيق من الغلاف الغازي للارض يصفو من الملوثات وتقل كثافته بالارتفاع علي سطح الارض‏,‏ بينما تزداد كثافته ونسب كل من بخار الماء وهباءات الغبار فيه كلما اقترب من سطح الارض‏,‏ ويقوم ذلك التركيز وتلك الهباءات من الغبار بالمساعده علي تشتيت ضوء الشمس‏,‏ وتكرار انعكاسه مرات عديده حتي يظهر لنا باللون الابيض المبهج الذي يميز النهار كظاهره نورانيه مقصوره علي النطاق الاسفل من الغلاف الغازي للارض في نصفها المواجه للشمس‏,‏ بينما يعم الظلام الكون المدرك في غالبيه اجزائه‏,‏ وتبدو الشمس بعد تجاوز نطاق نور النهار قرصا ازرق في صفحه سوداء‏,‏ ومن هنا فهمنا المعني المقصود من ان النهار يجلي الشمس‏,‏ بينما ظل كل الناس الي اواخر القرن العشرين وهم ينادون بان الشمس هي التي تجلي النهار‏,‏ فسبحان الذي انزل تلك الحقيقه الكونيه من قبل الف واربعمائه سنه‏,‏ والتي لم يكتشفها العلم التجريبي الا في النصف الاخير من القرن العشرين‏...!!!‏

كذلك يقسم ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في سوره الليل وهو‏(‏ تعالي‏)‏ غني عن القسم بقوله عز من قائل‏:‏ والليل اذا يغشي والنهاراذا تجلي‏(‏ الليل‏:2,1)‏ وهو قسم بالليل‏(‏ اي ليل الارض‏)‏ الذي يغشي اي يغطي نصف الكره الارضيه البعيد عن الشمس بالظلام لعدم مواجهته للشمس‏,‏ وقسم بالنهار‏(‏ اي نهار الارض‏)‏ الذي تشرق فيه الشمس علي نصف الكره الارضيه المواجه لها فيعمه نور النهار‏,‏ وبتعاقبهما تستقيم الحياه علي الارض‏,‏ ويتمكن الانسان من ادراك مرور الزمن والتاريخ للاحداث‏.‏
وحينما يغشي الليل بظلمته نصف الارض‏,‏ البعيد عن الشمس تتصل ظلمه الارض بظلمه السماء فيعم الظلام‏,‏ وفي نفس الوقت يتجلي النهار في نصف الارض المواجه للشمس بنوره المبهج فاصلا الارض عن ظلمه الكون بحزام رقيق من النور الابيض لا يكاد يتعدي سمكه المائتي كيلو متر‏.‏

ويمن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بتبادل كل من الليل والنهار فيقول‏(‏ سبحانه‏):‏ قل ارءيتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بضياء افلا تسمعون‏*‏ قل ارءيتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون‏*‏ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون‏(‏ القصص‏:71‏ ‏73)‏
ويقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
وجعلنا الليل لباسا‏,‏ وجعلنا النهار معاشا‏(‏ النبا‏:11,10)‏
يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا
يتساءل قاريء القران الكريم عن الوصف حثيثا الذي جاء في الايه‏(‏ رقم‏54)‏ من سوره الاعراف ولم يذكر في بقيه ايات تغشيه الليل النهار‏,‏ او التغشيه بغير تحديد‏,‏ وللاجابه علي ذلك اقول ان ايه سوره الاعراف مرتبطه بالمراحل الاولي من خلق السماوات والارض‏,‏ بينما بقيه الايات تصف الظاهره بصفه عامه‏.‏
واللفظه‏(‏ حثيثا‏)‏ تعني مسرعا حريصا‏,‏ يقال‏(‏ حثه‏)‏ من باب رده و‏(‏استحثه‏)‏ علي الشيء اي حضه عليه‏(‏ فاحتث‏),‏ و‏(‏حثثه تحثيثا وحثحثه‏)‏ بمعني حضه‏,‏ و‏(‏تحاثوا‏)‏ بمعني تحاضوا‏.‏

والدلاله الواضحه للايه الكريمه‏(‏ رقم‏54)‏ من سوره الاعراف ان حركه تتابع الليل والنهار‏(‏ اي حركه دوران الارض حول محورها امام الشمس‏)‏ كانت في بدء الخلق سريعه متعاقبه بمعدلات اعلي من سرعتها الحاليه والا ما غشي الليل النهار يطلبه حثيثا‏,‏ وقد ثبت ذلك اخيرا عن طريق دراسه مراحل النمو المتتاليه في هياكل الحيوانات وفي جذوع الاشجار المعمره والمتاحفره‏,‏ وقد انضوت دراسه تلك الظاهره في جذوع الاشجار تحت فرع جديد من العلوم التطبيقيه يعرف باسم علم تحديد الازمنه بواسطه الاشجار او
‏(Dendrochronology)‏
وقد بدا هذا العلم بدراسه الحلقات السنويه التي تظهر في جذوع الاشجار عند عمل قطاعات مستعرضه فيها وهي تمثل مراحل النمو المتتاليه في حياه النبات‏(‏ من مركز الساق حتي طبقه الغطاء الخارجي المعروفه باسم اللحاء‏),‏ وذلك من اجل التعرف علي الظروف المناخيه والبيئيه التي عاشت في ظلها تلك الاشجار حيث ان الحلقات السنويه في جذوع الاشجار تنتج بواسطه التنوع في الخلايا التي يبنيها النبات في فصول السنه المتتابعه‏(‏ الربيع‏,‏ والصيف‏,‏ والخريف‏,‏ والشتاء‏)‏ فترق رقه شديده في فترات الجفاف‏,‏ وتزداد سمكا في الاونه المطيره‏.‏

وقد تمكن الدارسون لتلك الحلقات السنويه من متابعه التغيرات المناخيه المسجله في جذوع عدد من الاشجار الحيه المعمره مثل اشجار الصنوبر ذات المخاريط الشوكيه المعروفه باسم
‏(Pinusaristata)‏
الي اكثر من ثمانيه الاف سنه مضت‏,‏ ثم انتقلوا الي دراسه الاحافير عبر العصور الارضيه المتعاقبه‏,‏ وطوروا تقنياتهم من اجل ذلك فتبين لهم ان الحلقات السنويه في جذوع الاشجار
‏(AnnualRings)‏
وخطوط النمو في هياكل الحيوانات
‏(LinesofGrowth)‏
يمكن تصنيفها الي السنوات المتتاليه‏,‏ بفصولها الاربعه‏,‏ وشهورها الاثني عشر‏,‏ واسابيعها السته والخمسين‏,‏ وايامها‏,‏ ونهار كل يوم وليله وان عدد الايام في السنه يتزايد باستمرار مع تقادم عمر العينه المدروسه‏,‏ ومعني ذلك ان سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس كانت في القديم اسرع منها اليوم‏,‏ وهنا تتضح روعه التعبير القراني يطلبه حثيثا عند بدء الخلق كما جاء في الايه رقم‏(54)‏ من سوره الاعراف‏.‏
تزايد عدد ايام السنه بتقادم عمر الارض وعلاقتها بالسرعه الفائقه لدوران الارض حول محورها عند بدء الخلق

في اثناء دراسه الظروف المناخيه والبيئيه القديمه كما هي مدونه في كل من جذوع النباتات وهياكل الحيوانات القديمه اتضح للدارسين انه كلما تقادم الزمن بتلك الحلقات السنويه وخطوط النمو زاد عدد الايام في السنه‏,‏ وزياده عدد الايام في السنه هو تعبير دقيق عن زياده سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس‏.‏
وبتطبيق هذه الملاحظه المدونه في الاحافير‏(‏ البقايا الصلبه للكائنات البائده‏)‏ بدقه بالغه اتضح ان عدد ايام السنه في العصر الكمبري
‏CambrianPeriod))‏
اي منذ حوالي ستمائه مليون سنه مضت كان‏425‏ يوما‏,‏ وفي منتصف العصر الاوردوفيشي
‏(OrdovicianPeriod)‏
اي منذ حوالي‏450‏ مليون سنه مضت كان‏415‏ يوما‏,‏ وبنهايه العصر التراياسي
‏(TriassicPeriod)‏
اي منذ حوالي مائتي مليون سنه مضت كان‏385‏ يوما‏,‏ وهكذا ظل هذا التناقص في عدد ايام السنه‏(‏ والذي يعكس التناقص التدريجي في سرعه دوران الارض حول محورها‏)‏ حتي وصل عدد ايام السنه في زماننا الراهن الي‏365,25‏ يوم تقريبا‏(365‏ يوما‏,5‏ ساعات‏,49‏ دقيقه‏,12‏ ثانيه‏).‏ وباستكمال هذه الدراسه اتضح ان الارض تفقد من سرعه دورانها حول محورها امام الشمس واحدا من الالف من الثانيه في كل قرن من الزمان بسبب كل من عمليتي المد والجزر وفعل الرياح المعاكسه لاتجاه دوران الارض حول محورها‏,‏ وكلاهما يعمل عمل الكابح‏(‏ الفرامل‏)‏ التي تبطيء من سرعه دوران الارض حول محورها‏.‏ وبمد هذه الدراسه الي لحظه تيبس القشره الخارجيه للارض‏(‏ اي قريبا من بدايه خلقها علي هيئتها الكوكبيه‏)‏ منذ حوالي‏4,600‏ مليو
ن سنه مضت وصل عدد الايام بالسنه الي‏2200‏ يوم تقريبا‏,‏ ووصل طول الليل والنهار معا الي حوالي الاربع ساعات‏,‏ ومعني هذا الكلام ان سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس كانت سته اضعاف سرعتها الحاليه‏..!!‏ فسبحان الله الذي انزل في محكم كتابه من قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق‏:‏
ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في سته ايام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا‏...(‏ الاعراف‏:54)‏

وسبحان الله الذي ابقي لنا في هياكل الكائنات الحيه والبائده ما يوكد تلك الحقيقه الكونيه‏,‏ حتي تبقي هذه الاشاره القرانيه الموجزه يطلبه حثيثا مما يشهد بالاعجاز العلمي للقران الكريم‏,‏ وبانه كلام الله الخالق‏,‏ وبان خاتم الانبياء والمرسلين الذي تلقاه عن طريق الوحي كان موصولا برب السماوات والارض‏,‏ وانه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ما كان ينطق عن الهوي‏...!!‏

ارتباك دوران الارض قبل
طلوع الشمس من مغربها
بمعرفه كل من سرعه دوران الارض حول محورها امام الشمس في ايامنا الراهنه‏,‏ ومعدل تباطو سرعه هذا الدوران مع الزمن‏,‏ توصل العلماء الي الاستنتاج الصحيح ان ارضنا سوف ياتي عليها وقت تجبر فيه علي تغيير اتجاه دورانها بعد فتره من الاضطراب‏,‏ فمنذ اللحظه الاولي لخلقها الي اليوم والي ان يشاء الله تدور ارضنا من الغرب الي الشرق‏,‏ فتبدو الشمس طالعه من الشرق‏,‏ وغاربه في الغرب‏,‏ فاذا انعكس اتجاه دوران الارض طلعت الشمس من مغربها وهو من العلامات الكبري للساعه ومن نبوءات المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏
فعن حذيفه بن اسيد الغفاري‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ انه قال‏:‏

اطلع النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ علينا ونحن نتذاكر‏,‏ فقال‏:‏ ما تذاكرون؟‏,‏ قلنا‏:‏ نذكر الساعه‏,‏
فقال‏:‏ انها لن تقوم حتي تروا قبلها عشر ايات

فذكر‏:‏ الدخان‏,‏ الدجال‏,‏ والدابه‏,‏ وطلوع الشمس من مغربها‏,‏ ونزول عيسي بن مريم‏,‏ وياجوج وماجوج‏,‏ وثلاثه خسوف‏:‏ خسف بالمشرق‏,‏ وخسف بالمغرب‏,‏ وخسف بجزيره العرب‏,‏ واخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الي محشرهم
وعن عبدالله بن عمرو‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ قال‏:‏ سمعت رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يقول‏:‏ ان اول الايات خروجا طلوع الشمس من مغربها‏,‏ وخروج الدابه علي الناس ضحي‏,‏ وايهما ما كانت قبل صاحبتها‏,‏ فالاخري علي اثرها قريبا‏.‏

وفي حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ قال‏:‏ ذكر رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الدجال‏..‏ قلنا يا رسول الله‏:‏ وما لبثه في الارض؟ قال‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ اربعون يوما‏,‏ يوم كسنه‏,‏ ويوم كشهر‏,‏ ويوم كجمعه‏,‏ وسائر ايامه كايامكم‏,‏ قلنا يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنه اتكفينا فيه صلاه يوم؟ قال‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ لا‏,‏ اقدروا له‏...‏
ومن الامور العجيبه ان ياتي العلم التجريبي في اواخر القرن العشرين ليوكد انه قبل تغيير اتجاه دوران الارض حول محورها امام الشمس ستحدث فتره اضطراب نتيجه لتباطو سرعه دوران الارض حول محورها‏,‏ وفي فتره الاضطراب تلك ستطول الايام بشكل كبير ثم تقصر وتنتظم بعد ذلك‏.‏

ويعجب الانسان لهذا التوافق الشديد بين نبوءه المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وما اثبته العلم التجريبي في اواخر القرن العشرين‏,‏ والسوال الذي يفرض نفسه‏:‏ من الذي علم ذلك لهذا النبي الامي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏؟ ولماذا اشار القران الكريم الي مثل هذه القضايا الغيبيه التي لم تكن معروفه في زمن الوحي؟ ولا لقرون من بعده؟ لولا ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ يعلم بعلمه المحيط ان الانسان سيصل في يوم من الايام الي اكتشاف تلك الحقائق الكونيه فتكون هذه الاشارات المضيئه في كتاب الله وفي احاديث خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ شهاده له بالنبوه وبالرساله‏,‏ في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه‏.‏

خطا شائع يجب تصحيحه‏:‏
يظن بعض الناس اننا اذا ادركنا في صخور الارض او في صفحه السماء عددا من معدلات التغيير الانيه في النظام الكوني الذي نعيش فيه فانه قد يكون من الممكن ان نحسب متي ينتهي هذا النظام‏,‏ وبمعني اخر متي تكون الساعه‏...!!‏
وهذا وهم لا اساس له من الصحه لان الاخره لها من السنن والقوانين مايغاير سنن الدنيا‏,‏ وانها تاتي فجاه بقرار الهي كن فيكون‏,‏ دون انتظار لرتابه السنن الكونيه الراهنه التي تركها لنا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ رحمه منه بنا‏,‏ اثباتا لامكان حدوث الاخره‏,‏ وقرينه علميه علي حتميه وقوعها والتي جادل فيها اهل الكفر والالحاد عبر التاريخ‏,‏ والذين كانت حجتهم الواهيه الادعاء الباطل بازليه العالم‏,‏ وهو ادعاء اثبتت العلوم الكونيه في عطاءاتها الكليه بطلانه بطلانا كاملا‏...!!!‏

فعلي سبيل المثال لا الحصر تفقد شمسنا من كتلتها في كل ثانيه علي هيئه طاقه مايساوي‏4,6‏ مليون طن من الماده‏(‏ اي نحو اربعه بلايين طن في اليوم‏),‏ ونحن نعرف كتله الشمس في وقتنا الحاضر فهل يمكن لعاقل ان يتصور امكان استمرار الشمس حتي اخر جرام من مادتها؟ وحينئذ يمكن بقسمه كتله الشمس علي ما تفقده في اليوم ان ندرك كم بقي من عمرها؟
هذا كلام يرفضه العقل السليم‏,‏ لان الساعه قرار الهي غير مرتبط بفناء ماده الشمس‏,‏ وان ابقي لنا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ هذه الظاهره من الافناء التدريجي للشمس‏,‏ ولغيرها من نجوم السماء دليلا ماديا ملموسا علي حتميه الاخره‏,‏ اما متي تكون؟ فهذا غيب مطلق في علم الله‏,‏ لا يعلمه الا هو‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏

وبالمثل فان الحراره تنتقل في كوننا المدرك من الاجسام الحاره الي الاجسام البارده‏,‏ ويفترض قانون انتقال الحراره استمرارتلك العمليه حتي تتساوي درجه حراره كل اجرام الكون وينتهي كل شئ‏,‏ فهل يمكن لعاقل ان يتصوراستمرار الوجود حتي تتساوي درجه حراره كل الاجرام في الكون‏,‏ ام ان هذا قرار الهي‏:‏ كن فيكون غير مرتبط بانتقال الحراره من الاجسام الحاره الي الاجسام البارده‏,‏ وان ابقاها الله‏(‏ تعالي‏)‏ قرينه ماديه ملموسه علي حتميه الاخره؟ وعلي ان الكون الذي نحيا فيه ليس ازليا ولا ابديا‏,‏ فقد كانت له بدايه‏,‏ ولابد ان ستكون له في يوم من الايام نهايه؟ وهذا ما اثبتته جميع الدراسات العلميه في عصر تفجر المعرفه الذي نعيشه‏,‏ وان تلك النهايه لن تتم برتابه الاحداث الدنيويه في الجزء المدرك من الكون‏,‏ بل هي قرار الهي فجائي لا يعلم وقته الا الله سبحانه وتعالي ولذلك انزل لنا في محكم كتابه قوله الحق مخاطبا خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏
يسالونك عن الساعه ايان مرساها قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الاهو ثقلت في السموات والارض لا تاتيكم الا بغته يسالونك كانك حفي عنها قل انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لا يعلمون‏)‏ الاعراف‏:187)‏

كما انزل‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ كذلك في المعني نفسه‏:‏
يسالونك عن الساعه ايان مرساها‏*‏ فيم انت من ذكراها‏*‏ الي ربك منتهاها‏*‏ انما انت منذر من يخشاها‏*‏ كانهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشيه او ضحاها‏(‏ النازعات‏:42‏ ‏46)‏
وعلي ذلك جاء رد المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ علي جبريل‏(‏ عليه السلام‏)‏ حين ساله في جمع من الصحابه‏:‏ فاخبرني عن الساعه؟ بقوله الشريف‏:‏ ما المسئول عنها باعلم من السائل‏.‏

فسبحان الله الذي انزل القران الكريم بالحق‏,‏ انزله بعلمه‏,‏ وجعله معجزه خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الي قيام الساعه‏,‏ وجعله مهيمنا علي المعرفه الانسانيه مهما اتسعت دوائرها في كل امر ذكر فيه‏,‏ وجعل كل ايه من اياته‏,‏ وكل كلمه من كلماته‏,‏ وكل حرف من حروفه‏,‏ وكل اشاره‏,‏ ودلاله‏,‏ ووصف فيه مما يشهد بانه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد للنبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالنبوه والرساله الخاتمه‏.‏